أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

المسلك الخامس :

قالوا : اتفق العقلاء على أن النقطة غير منقسمة. وهى إما أن تكون جوهرا ، أو عرضا.

فإن كانت جوهرا : فهو المطلوب.

وإن كانت عرضا : فلا بد وأن تكون قائمة بالجوهر. ويلزم من كونها غير متجزئة أن يكون موضوعها وهو الجوهر أيضا غير متجزئ ؛ وإلا كان غير المتجزئ حالا فى المتجزئ ، وهو ممتنع.

ولقائل أن يقول : هذا إنما يستقيم أن لو كانت النقطة / أمرا وجوديا ؛ وهو غير مسلم ؛ بل هى نفى محض ، وعدم صرف. والعدم لا يكون جوهرا ، ولا عرضا.

وإن سلم أن مسمى النقطة أمر وجودى ؛ فهو غير خارج عن طرف الخط (١) ، وطرف الخط ، وإن سلم أنه غير قابل للتجزي ؛ فليس إلا بالفعل. وإلا فهو متجزئ بالقوة إلى غير النهاية ؛ كما سبق تقريره.

المسلك السادس :

قالوا : الكرة الحقيقية إذا لاقت سطحا (٢) مستويا فما به الملاقاة منها إما جزء منها ، أو عرض قائم بجزء منها.

وعلى كل تقدير ، فذلك الجزء : إما أن يكون قابلا للقسمة بالقوة ، أو غير قابل لها ؛ لا جائز أن يكون غير قابل لها ؛ لوجوه ثلاثة.

الأول : أنه يلزم أن يكون سطحا مستويا ؛ ضرورة مطابقته للسطح المستوى ، وعند تدحرجها عليه إلى أن تنتهى الملاقاة إلى الجزء الأول المفروض يجب أن تزول الملاقاة / / بذلك الجزء ، وتحدث بجزء آخر ، والكلام فيه كالكلام فى الأول.

__________________

(١) الخط : عبارة عن بعد قابل للتجزئة فى جهة واحدة فقط. (المبين للآمدى ص ١١٠).

(٢) السطح : عبارة عن بعد قابل للتجزئة فى جهتين متقاطعتين فقط. والسطح : نهاية الجسم التعليمى ، ونهاية السطح الخط ، ونهاية الخط النقطة فهى لا تنقسم (المبين للآمدى ص ١١٠ ، ١١١).

/ / أول ل ٩ / أمن النسخة ب.

٦١

وعند ذلك : فإما أن يكون الاتصال بين كل جزءين على الاستقامة ، أو على زاوية.

فإن كان الأول : لزم أن يكون الخط المحيط بالكرة مستقيما ؛ وذلك محال.

وإن كان الثانى : كان شكل الكرة مضلعا لا كريا ؛ وهو خلاف الفرض.

الثانى : أنها إذا لاقت السطح المستوى بجزء هو سطح مستوى أمكن أن يفرض بين نقطتين منه خط مستقيم ؛ وذلك الخط المستقيم على ظاهر دائرة الكرة ، وقد قام البرهان فى الشكل الثانى من المقالة الثالثة من أوقليدس (١) على أن كل خط يصل بين نقطتين من دائرة ؛ فهو واقع فى داخل تلك الدائرة ؛ وهو محال ؛ لما فيه من جعل الخط الخارج داخلا ، والداخل خارجا.

الثالث : أنه إذا كان ما به الملاقاة من الدائرة سطحا مستويا ، وأمكن أن يفرض بين نقطتين منه خطا مستقيما ، وأمكن أن يصل بين نقطتى الخط المفروض ، وبين مركز دائرة الكرة خطين مستقيمين بحيث يحدث من ذلك مثلث زاويته نقطة المركز وقاعدته الخط المفروض ، وزواياه حاده. وأن يخرج من نقطة زاوية المركز عمودا مستقيما إلى وسط الخط المفروض بحيث يقسم ذلك المثلث إلى مثلثين كل واحد منهما له زاوية قائمة. والخطان الخارجان من المركز إلى طرفى الخط الأول المفروض هما وترا الزاويتين القائمتين ، [والعمود] (٢) وتر الزاويتين الحادتين اللتين عند قاعدة المثلث ، الّذي زاويته / نقطة مركز الدائرة.

ولا يخفى أن وتر الحادة من المثلث يكون أقصر من وتر القائمة منه ؛ فالعمود يكون أقصر من ضلعى المثلث المفروض مع خروج الكل من مركز الدائرة إلى محيطها ؛ وذلك محال.

__________________

(١) أقليدس : هو أول من تكلم فى الرياضيات وأفرده علما نافعا فى العلوم ، وكتابه معروف باسمه ، وكذلك حكمته (الملل والنحل للشهرستانى ٢ / ١١٤ وما بعدها).

وهو من أشهر رياضيى اليونان ، قيل : إنه تنشّأ على مدرسة أفلاطون ، مارس التعليم فى الإسكندرية على عهد بطليموس الأول ، حيث افتتح مدرسة وترك كتبا باليونانية فى الرياضيات ، ولا سيما فى الهندسة ، وبنى نظرية هندسية بقيت تعرف باسمه حتى القرن العشرين ، نقلت بعض كتبه إلى اللغة العربية. ونقل كتابه (الأصول) فى الرياضة حنين بن إسحاق. توفى أقليدس حوالى ٢٨٥ ق. م.

[انظر : إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطى ص ٤٥ وصوان الحكمة للسجستانى ص ٢٠١].

(٢) ساقط من أ.

٦٢

وهذا المحال إنما لزم من القول بتجزؤ الجزء الّذي وقعت به الملاقاة من دائرة الكرة ؛ فيكون محالا.

فلم يبق إلا القسم الثانى ؛ وهو المطلوب.

وفيه نظر إذ لقائل أن يقول : لا نسلم تصور وجود كرة حقيقية فى التعقل ، وإن تصور ذلك فى الحس ؛ ليلزم ما ذكرتموه.

وإنما يتصور وجودها كرة حقيقية أن لو كانت أجزاء الدائرة المحيطة بها غير قابلة للتجزي عقلا.

وإنما تكون غير قابلة للتجزي عقلا أن لو أمكن فرض وجود كرة حقيقية فى التعقل ؛ وهو دور ممتنع.

والّذي يدل على استحالة الكرة الحقيقية فى التعقل أنا لو فرضنا خطا مركبا من أجزاء غير قابلة للتجزي عقلا (١) : فإما أن يمكن فرضه مستديرا ، أو لا يمكن.

فإن أمكن فرضه مستديرا : فلا بد وأن تكون أجزاؤه متلاقية من جانب باطن الدائرة.

وعند ذلك : فإما أن تكون أيضا متلاقية من جانب ظاهرها ، أو غير متلاقية.

فإن كانت متلاقية : فيلزم أن تكون مساحة باطن الدائرة مساوية لمساحة ظاهرها.

وكذلك إذا فرضنا خطا آخر دائرا على الدائرة المفروضة أولا ؛ فيجب أن يكون ظاهره مساويا لمساحة باطنه ، وأن تكون مساحة باطنه مساوية لمساحة ظاهر الدائرة الأولى ؛ ضرورة مطابقته له ، وظاهر الدائرة الأولى مساو لمساحة باطنها.

فظاهر الدائرة الخارجة يكون مساويا لمساحة باطن الدائرة الداخلة ؛ وهو محال. وكل ما ازدادت الدوائر بحيث تظهر الداخلة كان أظهر فى الإحالة.

وأما إن لم تكن أجزاء الدائرة متلاقية من جانب ظاهر الدائرة ؛ فقد وجد فى كل جزء منها ما هو ملاق للجزء الّذي يليه.

__________________

(١) (عقلا) ساقط من ب.

٦٣

وما ليس ملاقيا له. ويلزم منه التجزي فى كل واحد من أجزاء الدائرة المفروضة. ويلزم منه أن يكون ظاهر الكرة ، غير كرى ؛ بل مضلعا.

وإن لم يمكن فرض الخط المفروض مستديرا ؛ فقد امتنع فرض وجود الكرة الحقيقية. إذ الكرة الحقيقية لا بد وأن يحيط بها خط مستدير غير مضلع.

المسلك السابع :

قالوا لو / كان ما من جوهر إلا وهو متجزئ إلى غير النهاية ؛ لما تصور وجود زاوية حادة غير منقسمة ؛ وهو محال.

ولقائل أن يقول : وجود الزاوية التى لا انقسام لها فرع وجود جزء غير متجزئ. فإذا كان وجود الجزء الّذي لا يتجزأ مبنيا على وجود الزاوية التى لا تجزئ لها ؛ كان دورا.

وعلى هذا : فلا مانع أن يقال بوجود الزاوية الحادة غير منقسمة بالفعل وإن كانت منقسمة بالقوة إلى غير النهاية.

المسلك الثامن :

قالوا : القول بوجود أجزاء متجزئة بالقوة إلى غير النهاية ؛ يلزم منه وجود أجزاء موجودة بالفعل ، إلى غير النهاية ، ووجود أجزاء جوهرية موجودة بالفعل غير متناهية محال ؛ كما يأتى فى الرد على النظام (١).

كيف وأن ذلك مما / / لم يقل به قائل من الفلاسفة.

وبيان الملازمة : أن لكل واحد من الانقسامات المفروضة خاصية لا وجود لها فى غيره من الانقسامات : كاختصاص تقطع النصف بالنصف والثلث بالثلث ، إلى غير ذلك.

ولا معنى لكون كل واحد من الأجزاء موجودا بالفعل إلا هذا ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول : إنما يلزم من هذه الاختصاصات ؛ وجود أجزاء لا نهاية لها بالفعل ؛ إذ لو كانت هذه الاختصاصات لها وجود بالفعل وفى الحس. وأما إن كانت [متحققة فى التوهم ؛ فلا تكون الانقسامات التى لا نهاية لها متحققة] (٢) بالفعل.

__________________

(١) انظر ما سيأتى.

(١١)/ / أول ل ٩ / ب من النسخة ب.

(٢) ساقط من أ.

٦٤

والمعتمد فى ذلك مسلكان :

المسلك الأول : أنه لو كان كل جوهر متحيزا منقسما بالقوة إلى غير النهاية ؛ لما وجدت الحركة المكانية مطلقا ؛ واللازم ممتنع.

بيان الملازمة : أنه لو كان كل جوهر متجزئ بالقوة إلى غير النهاية ، لكانت أجزاء كل مسافة تفرض من مسافات الأجسام كذلك ، وكل مسافة فإنه يمكن قطعها بالحركة لا محالة ؛ وكل مسافة يمكن قطعها بالحركة ؛ فتلك الحركة مطابقة لها ، وأجزاؤها مطابقة لاجزاء المسافة ؛ فالثلث من كل الحركة ، مطابق لثلث كل المسافة ، وكذلك النصف ، وسائر الأجزاء.

والمطابق للمتجزئ يكون متجزئا بالضرورة.

وإذا ثبت لزوم انقسام أجزاء الحركة بالقوة إلى غير النهاية فأجزاء الحركة التى بها قطع المسافة ، غير موجودة معا ؛ بل متعاقبة متجددة.

وما به قطع النصف الأول من المسافة لا وجود له مع ما به قطع النصف الأخير منها ؛ وكذلك فى / كل جزء يفرض مع غيره.

وكل جزء منها لا يكون موجودا مع فرض وجود الجزء الآخر ؛ بل معدوما ؛ فالحاضر منها لا وجود له مع الماضى ، والمستقبل.

وكذلك المستقبل لا وجود له مع الماضى.

وعند ذلك : فإما أن يوجد منها شيء فى الحاضر ، أو لا يوجد.

لا جائز أن يقال بالوجود ؛ فإنه ما من جزء يفرض حاضرا ؛ إلا وهو منقسم إلى غير النهاية.

فإذن بعض أجزائه ماض ، ومستقبل ، والحاضر منها لا يوجد مع الماضى ، والمستقبل ؛ فلا يكون ما فرض حاضرا حاضرا ؛ وهو خلاف الفرض.

ثم الكلام فى كل حاضر يفرض : كالكلام فى الأول ؛ وهو محال ؛ فلا وجود لشيء من أجزاء الحركة حاضرا.

وإذا لم يوجد منها جزء فى الحاضر ؛ فلا وجود للماضى ، والمستقبل ؛ لأن الماضى هو ما كان حاضرا ، والمستقبل ما يتوقع حضوره.

٦٥

وإذا لم يوجد منها ما هو حاضر ، ولا مستقبل ، ولا ماض ؛ فلا حركة أصلا.

وأما بيان امتناع اللازم : فهو أن الحركة والانتقال فى المسافات من مكان إلى مكان ، ومن بلد إلى بلد مشاهد معلوم الوجود بالضرورة. وإذا ثبتت الملازمة ، وانتفاء اللازم ؛ لزم انتفاء الملزوم بالضرورة.

وهذا برهان قوى يقينى المادة ، صحيح الصورة ، لا غبار عليه عند المحصلين.

وعلى ما حققناه من لزوم امتناع وجود الحركة ؛ يلزم امتناع وجود الزمان ؛ ضرورة مطابقته للحركة ، وامتناع وجود أجزائه معا ؛ ولا يخفى تقريره.

المسلك الثانى : أنا لو فرضنا شخصا تحرك حركة مكانية لقطع مسافة ؛ فأجزاء حركته غير موجودة معا على ما سبق.

وعند ذلك : فلا بد لحركته من أول وآخر ؛ ضرورة تناهيها من الطرفين. وإذ ذاك فما فرض منها أولا ، وآخرا : إما أن يكون متجزئا ، أو غير متجزئ.

الأول : محال : وإلا لما كان ما فرض منه أولا ، أولا ، وآخرا ، آخرا ؛ بل بعضه ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فلا بد وأن يكون ذلك الجزء من أول الحركة وآخرها مطابقا لأول جزء من المسافة ، وآخرها : الأول الأول ، والآخر الآخر ؛ ويلزم أن يكون أول جزء من المسافة ، وآخرها غير متجزئ ؛ ضرورة مطابقته لما ليس متجزئا.

وهذا التحرير ، وعلى هذا الوجه لم أجده لأحد غيرى ؛ وهو فى غاية الرشاقة والظهور لمن تأمله.

فإن / قيل : ما ذكرتموه وإن دل على امتناع التجزي ، فهو معارض بما يدل على التجزي ، وبيانه من ستة عشر وجها (١) :

__________________

(١) ذكر الآمدي هاهنا أدلة الفلاسفة ولم يرد على معظمها ـ كعادته فى الرد على شبه الخصوم ـ ووصفها بأنها «إشكالات مشكلة ، والزامات معضلة يحار العاقل المنصف فى الانفصال عنها ، وفى جهة حلها ؛ وغايته لزوم التعارض بينها ، وبين أدلة أهل الحق ، ووجوب الوقف فى هذه المسألة ؛ تأسيا بجماعة من فضلاء المتكلمين ؛ وعسى أن يكون عند غيرى غير هذا» انظر ما سيأتى ل ١٦ / أوهذا مما يدل على دقته وأمانته العلمية ، وتمسكه بما يعتقد أنه الحق.

٦٦

الأول : أنه لو وجد جوهر متحيز ؛ غير قابل للتجزي عقلا. فلنا أن نفرض عشرة (١) أجزاء حصل منها خط ، وفرضنا مسامتة كل واحد من طرفيه جزء ، والجزءان متحركان على السوية كل واحد نحو الآخر : فإما أن يلتقيا ، أو لا يلتقيا.

والقول بعدم الالتقاء محال ، إذ قد فرض تحرك كل واحد منهما نحو الآخر.

وإن قيل بالالتقاء : فإمّا أن يلتقيا ، ويتماسا على جزء واحد ، أو جزءين.

لا جائز أن يكون الالتقاء منهما على جزءين : وإلّا كان أحدهما قد قطع أكثر من الآخر ؛ وهو محال ؛ لفرض التحرك على السوية ؛ فلا بد (١١) / / وأن يلتقيا على جزء واحد ؛ وهو الوسط.

وعند ذلك : فإما أن تكون ملاقاة كل واحد من الجزءين ، لكلية ذلك الجزء الملتقى عليه ، أو أن ما لاقاه منه غير ما لاقاه منه الجزء الآخر.

لا جائز أن يقال بأن كل واحد من الملتقيين ، ملاق لكلية الملتقى عليه ؛ وإلا أفضى إلى التداخل ؛ وهو محال لما سبق (٢).

وان كان القسم الثانى : فقد لزم التجزي.

الثانى : أنا لو فرضنا جزءا بين جزءين : فإما أن يحجب أحدهما عن الآخر ويمتنع من التماس بينهما ، أو لا يمتنع.

لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لزم التداخل ؛ وهو محال.

وإن كان الأول : فإما أن يكون ما ماس به المتوسط لأحدهما هو ما ماس به الآخر ، أو غيره.

فإن كان الأول : فهو محال ؛ لما ذكرناه من التداخل (٣).

وإن كان الثانى : فقد لزم التجزي.

__________________

(١) فى ب (خمسة).

(١١)/ / أول ل ١٠ / أمن النسخة ب.

(٢) راجع ما مر فى الفصل الخامس : فى أن الجواهر لا تتداخل ل ٦ / ب.

(٣) راجع ما مر ل ٦ / ب.

٦٧

الثالث : أن دائرة القطب من الرحى ، أقل أجزاء من دائرة طوقها ، فلو كانت من أجزاء متناهية. فعند فرض تحرك الرحى. إما أن يكون كلما قطع جزء من دائرة الطوق جزءا من المسافة ، قطع جزء من دائرة القطب جزءا من أجزاء المسافة ، أو أنقص.

فإن كان الأول : لزم أن يكون الجزء من دائرة القطب ، قد قطع مسافة دائرية ، والجزء من دائرة الطوق لم يأت إلّا على بعضها ؛ إذ هى أكثر أجزاء ؛ وهو خلف.

وإن قيل بالثانى : فقد لزم التجزي ؛ وليس قطع الجزء من دائرة القطب لمسافة دائرته بالطفرات بحيث يحصل فى حد من المسافة بعد حصوله فى حد من غير محاذاة ، أو مماسة ؛ لما بينهما من الحدود المتوسطة لما يأتى فى إبطاله ، ولا بسبب سكون جزء دائرة القطب ، وحركة الجزء من دائرة / الطوق. وتفكك أجزاء الرحى بعضها من بعض بحركة البعض وسكون البعض كما ظن قوم ، وإلّا لاختلف ذلك باختلاف الجسم الدائر من الصلابة واللين ، فى صعوبة التفكك ، وسهولته ولا اختلفت الخطوط المفروضة ، والعلامات المرسومة على الجسم الدائر ؛ وهو خلاف المحسوس.

الرابع : أنا لو فرضنا جزءا دائرا بين دائرتين : فإما أن يكون كلما قطع جزء من دائرة الطوق وحاذاه ؛ قطع جزء من دائرة القطب ، أو أقل.

فإن كان الأول : لزم أن يكون قد حاذى جميع أجزاء دائرة القطب ، ولم يحاذ من دائرة الطوق إلا بعضها.

وإن كان الثانى : فقد لزم التجزي.

الخامس : أن وضع جزء على ملتقى جزءين ممكن ؛ فإنا لو فرضنا خطين متوازيين ، تحاذت أطرافهما ؛ وكل واحد أربعة أجزاء ، وفرضنا على طرف أحدهما جزء ، وفرضنا على طرف الآخر جزءا فى مقابلته ، وفرضناهما متحركين على السوية ، وكل واحد يطلب الطرف الآخر [من بعده ؛ فلا بد لها من ثلاثة أحوال مجاوره ، ومحاذاة ، وانفصال] (١). فإذا تحاذيا :

فإما أن يتحاذيا على جزء واحد من الخطين ، أو على ملتقى جزءين.

__________________

(١) ساقط من أ.

٦٨

لا جائز أن يقال بالأول : وإلا كان أحدهما قد قطع أكثر من الآخر ؛ وهو ممتنع على خلاف فرض التساوى.

وإن كان الثانى : فقد تصور وضع جزء على ملتقى جزءين.

وعند ذلك : فإما أن يقال بأنه حاذاهما ، أو أحدهما ، أو بعض كل واحد منهما.

لا جائز أن يقال بالأول : وإلا كان الواحد مساويا للإثنين ؛ وهو محال.

ولا جائز أن يقال بالثانى : إذ هو خلاف الفرض.

فلم يبق إلا الثالث ؛ ويلزم منه التجزي.

السادس : أن الظل الحادث عند طلوع الشمس ، إذا كان فى اتجاهها حائل ؛ فلا شك أن ما يحدث منه من الزيادة والنقصان ، إنما هو على حسب ستر الشمس ، ومطرح شعاعها من الأرض.

وعند ذلك : فكلما قطعت الشمس جزءا من الفلك : إما أن يقطع الظل الكائن على الأرض جزءا مثله [أو أزيد (١)] أو أنقص.

لا جائز أن يقال بالأول : وإلا كانت مسافة قطع الشمس مثل مسافة قطع الظل ؛ وهو مشاهد البطلان.

والقسم الثانى : فأظهر فى الفساد من الأول.

وإن كان الثالث : فقد لزم التجزي.

السابع : أنا لو فرضنا خشبة ، وأحد طرفيها على الأرض ، والآخر على شيء مرتفع على الاستقامة بحيث / يحدث من قيامه على الأرض زاوية قائمة ، ومسافة بعدى الزاوية من نقطتها إلى طرفى الخشبة على السواء ، ثم فرضنا جذبها من أسفل : فإما أن يكون كلما قطع طرفها [الأعلى جزءا قطع طرفها] (٢) الأسفل جزءا من الأرض ، أو أزيد ، أو أنقص.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) ساقط من أ.

٦٩

القول بالأول ، والثانى : محال ؛ إذ هو خلاف الحس ، والعيان.

وإن قطعت أنقص : فقد لزم التجزي.

الثامن : أنا لو فرضنا سطحا مربعا ، قائم الزوايا من أربعة خطوط ، كل واحد من أربعة أجزاء ، فأجزاء قطره لا تزيد على أربعة ، وهى أول الأول ، وثانى الثانى ، وثالث الثالث ، ورابع الرابع.

وعند ذلك : فإما أن يكون بين أجزاء القطر [فرجات ، أو لا. فإن لم يكن بينها فرجات. كان بعد القطر] (١) مساويا ، لبعد الضلع ؛ وهو محال.

وإن كان بينها فرجات : فهى (١١) / / فى ثلاثة. فرجة بين الأول والثانى ، وفرجة بين الثانى والثالث ، وفرجة بين الثالث والرابع.

وإذ ذاك : فإما أن تكون كل فرجة مساوية لجوهر فرد ، أو أكبر ، أو أصغر.

لا جائز أن تكون مساوية : وإلا كان بعد القطر مساويا لبعد الضلعين من المربع ؛ إذ هو كائن من مقدار سبعة أجزاء ، وبعد الضلعين كذلك فإن جزء الزاوية من الضلعين واحد ، ومعدود مع كل واحد منهما.

ولا جائز أن تكون كل فرجة أكبر من جوهر فرد : وإلا كان بعد الضلعين أقصر من بعد القطر ؛ وهو محال.

فلم يبق إلا أن يكون أصغر ؛ ويلزم منه التجزي.

التاسع : أن التفاوت بين الحركة السريعة والبطيئة ، ليس بسبب تخلل السكنات ؛ كما يأتى تحقيقه.

وعند ذلك : فلو فرضنا أن السريع قطع فى زمان مفروض جزءا غير متجزئ ، وفرضنا حركة البطء فى مثل ذلك الزمان : فإما أن يقطع مثل ما قطع السريع ، أو أزيد ، أو أنقص.

__________________

(١) ساقط من أ.

(١١)/ / أول ل ١١ / أ.

٧٠

[الأول] (١) والثانى : محال ، فلم يبق إلا الثالث ، ويلزم منه (٢) التجزي.

العاشر : أنا لو فرضنا سفينة طولها خمسون ذراعا وفى مؤخرتها رجل. فإذا فرضنا حركة السفينة خمسين ذراعا ، وفرضنا حركة الرجل فى مؤخرها إلى جهة مقدمها بمثل حركة السفينة ، فإنا نعلم أن السفينة إذا انتهت إلى مقرها ؛ فينتهى الرجل بحركته إلى ذلك المقر الّذي انتهى رأس السفينة إليه ؛ فتكون قد قطعت السفينة خمسين ذراعا ، والرجل مائة ذراع ؛ وهى مسافة طول السفينة ، والمسافة التى قطعتها السفينة.

وعند ذلك : فإما أن يكون / كلما قطع الرجل بحركته جزءا قطعت السفينة مثله ، أو أزيد ، أو أنقص.

لا جائز أن تقطع مثله ؛ وإلا لقطعت السفينة مائة ذراع ؛ وهو خلاف الفرض ؛ وبه يبطل قطعها لأكثر منه.

فلم يبق إلا أن يكون كلما قطع الرجل بحركته جزءا ، قطعت السفينة أقل منه ، ويلزم منه التجزي.

الحادى عشر : أنا لو فرضنا بئرا فى وسطه خشبة ، وفيها حبل مشدود ، وطرفه الآخر منته إلى أسفل البئر ، وفيه دلو مشدود.

وفرضنا حبلا أرسل من أعلى البئر إلى حد الخشبة ، وفى طرفه الأسفل كلّاب (٣).

فإذا وضع الكلّاب فى طرف الحبل المشدود فى الخشبة ، ثم جذبه ؛ فإنه بانتهاء الكلّاب إلى رأس البئر يكون انتهاء الدلو إليه على ما هو المشاهد.

وعند ذلك : فلا يخلو : إما أن يكون كلما قطع الدلو فى صعوده جزءا من مسافة البئر ، قطع الكلاب فى صعوده جزءا ، أو أزيد ، أو أنقص.

لا جائز أن يقطع مثله. وإلّا كان إذا انتهى الكلاب إلى رأس البئر ، ينتهى الدلو إلى وسط البئر ؛ وهو محال.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) (منه) ساقط من ب.

(٣) (الكلاب) : المهماز : وهو الحديدة التى على خفّ الرائض يهمز بها جنب الفرس. و ـ حديدة معوجة الرّأس ينشل بها الشّيء أو يعلق. [وهو المقصود هنا] (المعجم الوسيط ـ باب الكاف).

٧١

وبه يبطل القسم الثانى ؛ فلم يبق إلّا الثالث ؛ ويلزم منه التجزي.

الثانى عشر : أنه لو انتهى الجسم إلى أجزاء لا تتجزأ وهما ؛ فكل واحد إما كرى ، أو مضلع.

فإن كان كريا : فإذا ضممنا بعضها إلى بعض ، فلا بد وأن يبقى بينها فرج.

وهى إما أن تكون أكبر من الأجزاء المفروضة ، أو مساويه لها ، أو أصغر منها.

فإن كانت أكبر : فيمكن أن تملأ بأجزاء أخر إلى أن تصير مساوية أو أصغر.

فإن كانت مساوية : فالجزء من الزاوية منها أصغر من جزء الضلع ؛ فتكون متجزئة ، وما سواها يجب أن يكون متجزئا.

وإن كانت أصغر : فقد لزم التجزي.

وإن كان شكل كل واحد من الأجزاء مضلعا ؛ فلا يخفى أن ما يلى منه الزاوية ؛ أصغر مما يلى الضلع ؛ فيكون متجزئا.

الثالث عشر : أنا لو فرضنا خطا مؤلفا من جزءين ، وفرضنا على أحد الجزءين جزءا آخر حدث من ذلك زاوية قائمة.

فوترها إن كان من جزءين ؛ فوتر الزاوية القائمة مساو لأحد ضلعيها. وإن كان ثلاثة ؛ فوترها مساو لضلعيها ؛ وهو محال.

فلم يبق إلّا أن يكون أكثر من جزءين ، وأقل من ثلاثة ويلزمه التجزي.

الرابع عشر : أنه ما من جزء يفرض إلا وهو ذو جهات ؛ فإن كان ما منه إلى كل جهة ، هو ما منه إلى الجهة الأخرى ؛ فهو محال. وإن كان غيره ؛ فقد لزم التجزي.

الخامس عشر : أنا لو فرضنا سطحا من جواهر / فردة عقلا ؛ فإنه يصير أحد وجهيه مضيئا باشراق النير عليه دون الآخر ؛ والمضيء منه غير ما ليس بمضيء ؛ فيكون متجزئا فى العمق.

السادس عشر : أنا لو فرضنا خطا مؤلفا من أجزاء ثلاثة ، وفرضنا مسامتة كل واحد من طرفيه جزءا : فإما أن يكون بين الجزءين المفروضين مسافة يمكن أن يتحرك فيها كل واحد من الجزءين إلى الآخر ، أو لا يكون.

٧٢

لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كانا متماسين ، ويلزم أن يكون الخط المؤلف منهما مساويا للخط الأول المفروض ، ضرورة فرض مسامتهما (١١) / / بطرفيه ؛ وهو خلف. فاذن الحركة عليها جائزة. فإذا تحركا معا : فإما أن يلتقيا على الوسط ، أو على أحد الطرفين.

فإن كان الالتقاء على أحد الطرفين : لم يتحرك أحدهما ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن التقيا على الوسط : فقد لزم التجزى ؛ لكن لقائل أن يقول على هذه الشبهة أنه وإن أمكن فرض تحرك كل واحد من الجزءين على انفراده.

فلا نسلم جواز تحركهما معا ؛ وهو منع لا جواب عنه.

وأما الباقى : فإشكالات مشكلة ، وإلزامات معضلة يحار العاقل المنصف فى الانفصال عنها ، وفى جهة حلها ؛ وغايته لزوم التعارض بينها ، وبين أدلة أهل الحق ، ووجوب الوقف فى هذه المسألة تأسيا بجماعة من فضلاء المتكلمين ـ وعسى أن يكون عند غيرى غير هذا (١).

__________________

(١١)/ / أول ل ١١ / أ.

(١) راجع ما سبق فى هامش ل ١٠ / ب ، وفى هامش ل ١٤ / أ.

٧٣

الفصل الثانى

فى أن الجوهر الفرد لا شكل له (١)

وقبل الخوض فى النفى والإثبات ، لا بد من تحقيق معنى الشكل فنقول : الشكل هو ما يحيط به حد واحد ، أو حدود مختلفة :

فالأول : هو الكرى (٢). والثانى : هو المضلّع

والمراد بالحدّ : نهاية الشيء ، ومقطعه.

وإذا عرف ذلك :

فقد اتفق المتكلمون : على أن الجوهر الفرد لا شكل له ، وإن كان له قدر وحظ من المساحة.

واختلفوا فى أنه هل يشبه بعض الأشكال ، أم لا؟

فمنهم من قال بأنه يشبه بعض الأشكال ؛ لكن من هؤلاء من قال : بأنه يشبه الكرى دون المضلع ؛ لأن أجزاء المضلع مختلفة ، والمشابه للمختلف يكون أيضا مختلفا ، وما كان مختلف الأجزاء ؛ فهو متجزئ ، والجوهر الفرد ليس متجزئا.

ومنهم من قال : [يشبه] (٣) المربع ؛ لأنه قد يتركب من الجواهر الفردة خط مستقيم ، والكرى لا يتأتى منه ذلك إلّا بفرج.

ومنهم من قال : إنه يشبه المثلث ؛ إذ هو أبسط الأشكال المضلعة

ومنهم من قال ـ وهو اختيار القاضى أبى بكر (٤) فى قول ـ إنه لا يشبه شكلا من الأشكال ؛ لأن ما يشبه الشكل ، لا بد وأن يكون شكلا ، والجوهر الفرد ليس له شكل ،

__________________

(١) انظر الشامل للإمام الجوينى ص ١٥٨ ، ١٥٩. وأصول الدين للبغدادى ص ٣٥ وما بعدها ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٥٠٥ وما بعدها.

والمواقف للإيجي ص ١٨٢ وشرح المواقف للجرجانى ٦ / ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) الكرة : هى جسم يحيط به سطح واحد ، فى وسطه نقطة جميع الخطوط الخارجة منها إليه سواء (كتاب التعريفات للجرجانى ص ٢١٠).

(٣) ساقط من أ.

(٤) انظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٥٩.

٧٤

وإنما هو جزء من ذى شكل بتقدير تأليفه / مع غيره وبتقدير التأليف ؛ فجميع الأشكال ممكنة للمركب منه.

وإذا كان تفريع هذه الأقوال على القول بأن الجوهر لا شكل له ، فلا يخفى أن ما ذكره القاضى (١) أسدّ وأولى.

غير أن فيما وقع عليه اتفاق المتكلمين ، من نفى الشكل عن الجوهر الفرد نظر ؛ فإنه إذا كان الشكل هو ما يحيط به حدّ واحد ، أو حدود على ما قيل والحد هو النهاية ؛ فلا يخفى أن الجوهر الفرد له نهاية ، وحد محيط به وذلك الحدّ : إما أن يكون واحدا ، أو متعددا.

فإن كان الأول : فهو كريّ.

وإن كان الثانى : فهو مضلع. اللهم إلا أن يكون إطلاق اسم الشكل عندهم على ما يحيط به حد ، أو حدود من المركبات.

فالجوهر الفرد على هذا لا يكون مشكلا ؛ إذ هو غير مركب ، ولا يلزم من الشكل حالة التركيب ، وجوده للجوهر الفرد حالة الإفراد بخلاف سائر الأعراض ؛ فإن كل ما قام بالجوهر الفرد من الأعراض حالة التركيب ؛ فإنه يجوز قيامه به حالة الإفراد : كالأكوان ، والألوان ، والطعوم ، والروائح ، والحياة ، والعلوم ، والقدر. وغير ذلك من الأعراض. ما عدا المماسة باتفاق أصحابنا.

__________________

(١) فى كتابه : (نقض النقض) انظر المصدر السابق.

٧٥
٧٦

النوع الثالث : فى الجسم وأحكامه.

ويشتمل على ثلاثة عشر فصلا :

الفصل الأول (١) : فى تحقيق معنى الجسم.

الفصل الثانى : فى أن أبعاد الأجسام متناهية.

الفصل الثالث : فى تجانس الأجسام.

الفصل الرابع : فيما يجب للأجسام من الصفات ، وما لا يجب.

الفصل الخامس : فى إبطال قول الفلاسفة أنه ما من جسم إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ، ومناقضتهم فى ذلك.

الفصل السادس : فى إبطال ما قيل من أن الأفلاك غير قابلة للحركة المستقيمة والفساد. وأنها ليست ثقيلة ، ولا خفيفة ، ولا حارة ولا باردة ، ولا رطبة ، ولا يابسة ، وأنها بسيطة كرية لا تقبل الخرق ، والشق.

الفصل السابع : فى إبطال قول الفلاسفة أن الافلاك ذوات أنفس ، وأنها متحركة بالإرادة النفسية.

الفصل الثامن : فى إبطال قول الفلاسفة فى طبائع الكواكب ، وأنوارها ، ومحو القمر ، والمجرة ، ومناقضتهم فى ذلك.

الفصل التاسع : فى أقوال الفلاسفة فى العناصر ، ومناقضتهم فيها.

الفصل العاشر : فى أقوال الفلاسفة فى كون العناصر ، وفسادها ، واستحالتها ومناقضتهم فى ذلك.

الفصل الحادى عشر : فى أقوال الفلاسفة فى مزاج العناصر ، وامتزاجها ، ومناقضتهم فيها.

الفصل الثانى عشر : فيما قيل فى وحدة الأرض وسكونها ، ومناقضات الفلاسفة فى ذلك.

__________________

(١) فى نسخة ب استخدمت الحروف الأبجدية للدلالة على ترتيب الفصول.

٧٧

الفصل الثالث عشر (١) : فى مناقضات الفلاسفة فى الدلالة على امتناع وجود عالم آخر وراء هذا العالم.

__________________

(١) ورد فى نسخة (أ) أحد عشر فصلا. وما ذكرته ورد فى نسخة ب ومطابق للواقع.

٧٨

الفصل الأول : فى تحقيق معنى الجسم (١)

وقبل الخوض فى تحقيق تفصيل العبارات فى معنى الجسم ؛ لا بد من تحقيق معنى الجسم لغة.

فنقول : الجسم فى اللغة : منبئ عن التركيب ، والتأليف ؛ ويدل عليه ما ظهر واشتهر (١١) / / فى العرف اللسانى عند ما إذا راموا تفضيل شخص على شخص فى التأليف ، وكثرة الأجزاء قالوا : فلان أجسم من فلان. إذا كان أكثر منه ضخامة ، وعبالة ، وتأليف أجزاء ، ولا يقصدون بذلك التفضيل فى العلم ، والقدرة ، ولا فى شيء من الصفات العرضية عدا التأليف ؛ بدليل الاستقراء. حتى أن من كان أعلم من غيره ، أو أقدر ، أو أكثر فعلا ، وحركة ، أو غير ذلك لا يقال إنه أجسم من ذلك الغير.

وإذا كانت لفظة أجسم دالة على المفاضلة فى التأليف ، والتركيب ، وكانت مأخوذة من الجسم (٢) ؛ فأصل ذلك اللفظ يدل على أصل ذلك المعنى الّذي وقع به الاشتراك بين الفاضل ، والمفضول ؛ وهو التأليف ، والتركيب ؛ فاسم الجسم على هذا يكون موضوعا لأصل التأليف ، والتركيب.

وهذا كما أن لفظة أعلم لما كانت موضوعة للمفاضلة ، وكانت مأخوذة من العلم ؛ كان لفظ العلم الّذي هو أصل الأعلم ؛ دالا على أصل ما دل عليه الأعلم.

فإن قيل : ما ذكرتموه مبنى على صحة قولهم : أجسم لغة. وقد سئل ابن دريد (٣) عن لفظة أجسم فقال : لا أعرفه ، فدلّ ذلك على أنه ليس من وضع اللغة.

__________________

(١) لتوضيح آراء المتكلمين فى الجسم بالتفصيل راجع مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٤ ـ ٨ فقد وضح فيه آراء المتكلمين فى الجسم ، وذكر أنهم اختلفوا فى الجسم ما هو على اثنتى عشرة مقالة.

وانظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ٤٠١ وأصول الدين للبغدادى ص ٣٨ وما بعدها والمواقف لعضد الدين الإيجى ص ١٨٣ ـ ١٩٩ وشرح المواقف للجرجانى ٦ / ٢٩٣ ـ ٣٠٥ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٣٩. وشرح مطالع الأنظار على طوالع الأنوار ص ١٠٩.

(٢) (وكانت مأخوذة من الجسم) ساقط من ب.

(١١)/ / أول ل ١١ / ب من النسخة ب.

(٣) ابن دريد : (٢٢٣ ـ ٣٢١ ه‍) (٨٣٨ ـ ٩٣٣ م).

محمد بن الحسن بن دريد الأزدى ، من أزد عمان من قحطان ، أبو بكر ولد بالبصرة. ومن كتبه (الاشتقاق) ، (والجمهرة). توفى ببغداد سنة ٣٢١ ه‍. [وفيات الأعيان ١ / ٤٩٧ ، طبقات الشافعية ٢ / ١٤٥].

٧٩

وإن سلم ورود ذلك لغة ؛ غير أن لفظ أفعل قد يرد على غير جهة المبالغة ، والتفضيل ، ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (١) : أى هين.

ومنه قولهم : الله أكبر ، وليس المراد به المفاضلة ؛ بل معناه الله الكبير. وإليه الإشارة بقول القائل

قبحتم يا آل زيد نفرا

ألأم قوم أصغرا وأكبرا

والمراد به الصغير ، والكبير ؛ لا المفاضلة.

وإن سلم أن لفظة أفعل للتفضيل ، والمبالغة ؛ ولكن لا نسلم أن لفظة أجسم ، للتفضيل فى التأليف ، وكثرة الأجزاء.

ويدل عليه أنه لو كان كما ذكرتموه ؛ لصح أن يقال فيما كان أكثر تأليفا / (٢) وتركيبا من الجمادات (٢) بالنسبة إلى غيره ؛ أنه أجسم منه حسب ما يقال فى الحيوانات ، ولا يقال للجبل إنه أجسم من الخردلة.

ثم وان سلّم صحة ورود ذلك فى الجمادات ؛ ولكن لا نسلم صحة وروده للمفاضلة فى كثرة التأليف ، بل للتفضيل فى عظم الشكل والضخامة ؛ وإن كانت أجزاء الأضخم أقل من أجسام ما هو دونه فى الضخامة ، وتأليفه أقل.

ولهذا يصح أن يقال للخشبة الطويلة المعرّضة التى هى أعظم فى نظر العين من قطعة من الرصاص ؛ أنها أجسم من تلك القطعة ، وإن كانت أجزاء الخشبة ، وتأليفها أقل.

ولا يقال : إن تلك القطعة أجسم ، وان كانت أجزاؤها ، وتأليفها أكثر.

قلنا : أما السؤال الأول : فهو خلاف الشائع الذائع من الوضع ، وعدم معرفة ابن دريد بذلك ـ إن صح ـ [لا يدل على إبطاله ؛ فإن عدم العلم بالشيء (٣)] لا يدل على عدمه فى نفسه ، ويدل على صحة هذا الإطلاق أيضا ، ما أشتهر من قول العرب أجسم الرجل جسامة ؛ كما قالوا أبدن بدانة.

__________________

(١) سورة الروم ٣٠ / ٢٧.

(٢) (وتركيبا من الجمادات) ساقط من ب.

(٣) ساقط من أ.

٨٠