أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

وعن الشبهة الثالثة :

لا نسلم أن الإمكان صفة للحادث ، وإن سلمنا كونه صفة للحادث ؛ فلا نسلم أنه صفة ثبوتية ؛ على ما تقرر فيما تقدم.

وعن الشبهة الرابعة :

أن الحدوث والوجود ممكن قبل وقوعه. وما لزم منه أن يكون قبل وقوعه ثبوتيا

وكذلك صفة العدم الممكن ؛ ممكنة ؛ وليست ثبوتية بالإجماع ؛ فما هو الجواب فى الحدوث ، والعدم الممكن ؛ هو جواب لنا فى محل النزاع.

وعن الشبهة الخامسة. من وجهين :

الأول : أنا لا ننكر كون الماهيات معلولة ؛ إذ الوجود معلول بالاتفاق والوجود عندنا نفس الذات ، فإذا كان الموجود معلولا ؛ كانت الذات معلولة.

وعلى هذا : فلا يمنع خروج الجوهر عن كونه جوهرا. [عند فرض عدم علته ؛ لكن لا بمعنى أنه فى حال كونه جوهرا خرج عن كونه جوهرا] (١) ؛ بل بمعنى أنه لم يتحقق الجوهر عند فرض عدم علته.

الثانى : أن ما ذكروه لازم عليهم أيضا ؛ فإنهم قالوا : بأن الذوات غير معلولة ولا قادرية القادر متعلقة بها ، لعدم ثبوتها

فلا بد وأن يكون متعلق القادرية ؛ أمرا زائدا على الذات ؛ ضرورة افتقار الحادث إلى المرجح كما سبق تعريفه (٢).

وذلك إما الوجود أو غيره. أو إلى شيء قدر تعلق القادرية به فيلزم بتقدير عدم التعلق خروجه عن حقيقته.

وما هو الجواب لهم عن هذا الإلزام على ما هو متعلق القادرية عندهم ؛ يكون جوابا لنا عن كون الذات معلولة ومقدورة.

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) راجع ما سبق ل ٨٢ / ب وما بعدها.

٤٠١

وعن الشبهة السادسة :

أن القصد إلى الإيجاد يستدعى ثبوت المقصود فى نفسه ، أو أن يكون متصورا فى نفس القاصد ، ومعلوما له ، الأول : ممنوع. والثانى : مسلم.

وعن الشبهة السابعة : من وجهين :

الأول : أن الغير (١١) / / لا يخلو : إما أن يشترط فيه أن يكون شيئا وذاتا ، أو لا يشترط فيه ذلك.

فإن كان الأول : فالمختار أنه ليس غيرا لعدم تثبته ، وإلا لزم أن يكون هو الله ـ تعالى ـ على / هذا التقدير.

وإن كان الثانى : فالمختار أنه غير الله ، ولكن لا يلزم منه أن يكون شيئا. وهذا من أحسن وجوه النظر ؛ فليعلم.

الوجه الثانى أن ما ذكروه ينتقض بصور منها :

أن المعدوم المستحيل الوجود ليس بشيء ، ولا هو الله ـ تعالى ـ مع صحة قول القائل :

لا يخلو : إما أن يكون هو غير الله ـ تعالى ـ أو ليس هو غير الله ـ تعالى ـ ؛

فإن كان الأول : لزم أن يكون شيئا.

وإن كان الثانى : لزم أن يكون هو الله ـ تعالى.

ومنها : المستحيل مع الممكن. ومنها : العدم الممكن بالنسبة إلى مقابله من الوجود ؛ فإن المستحيل ؛ ليس هو نفس الممكن ؛ ولا هو شيء. وكذلك العدم ؛ ليس هو نفس الوجود. ولا هو شيء وفى صور النقض من هذا الجنس متسع ؛ فكل ما هو جواب فى هذه الصور ؛ فهو جواب فيما نحن فيه.

وعن الشبهة الثامنة : من وجهين :

الأول : أنّ ما ذكروه تمثيل من غير جامع ؛ فلا يقبل ولو امتنع فى ذلك بمجرد

__________________

(١١)/ / أول ل ٦٠ / ب من النسخة ب.

٤٠٢

الاسترسال بالدعوى ؛ لما عرى عن مقابلة ما ذكروه بمثله : وهو أن يقال : ولو جاز أن تكون الذوات فى العدم شيئا ؛ فهى غير مدركة ، ولو جاز أن تكون شيئا ؛ ولا يكون مدركا ؛ لجاز أن يكون شيئا ، ولا يكون معلوما.

الثانى : أنه ينتقض بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فإنه معلوم ، وليس بشيء ، ولا مدرك بالاتفاق.

وعن الشبهة التاسعة : من وجهين :

الأول : هو أن كون الجوهر جوهرا ، والسواد سوادا ؛ لا يزيد عندنا على نفس الجوهر والسواد ؛ بل هو هو.

فإذا كان الجوهر والسواد ، معلولا ؛ كانت صفة معلولة ، ومعنى كون الجوهر جوهرا ، والسواد سوادا صفة واجبة أنه لا تثبت ذاته إلا جوهرا.

وكذلك فى السواد وغيره ؛

وذلك لا يوجب الاستغناء عن الفاعل.

الثانى : أنه ينتقض بكون الحادث حادثا.

فإنه صفة نفسية واجبة له ؛ وهو غير مستغن عن الفاعل.

وعن الشبهة العاشرة :

ما سبق فى الفصل الّذي قبل هذا الفصل (١) ، ولله الحمد على نعمه.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الفصل الثالث ل ١٠٧ / ب.

٤٠٣
٤٠٤

الباب الثالث : فيما ليس بموجود ، ولا معدوم

ويشتمل على أصلين :

الأصل الأول : فى الأحوال.

الأصل الثانى : فى العلل ، والمعلولات ، وأحكامها.

٤٠٥
٤٠٦

الأصل الأول : فى الأحوال (١)

وقد اختلف المتكلمون فى نفيها ، وإثباتها.

فالذى عليه اتفاق أكثر الأئمة من أصحابنا ، وقدماء المعتزلة : القول بنفى الأحوال.

وأثبتها أبو هاشم ، ومن تابعه من متأخرى المعتزلة ، والإمام أبو المعالى (٢) وجماعة من أصحابنا.

وأما القاضى أبى بكر (٣) : فقد تردد قوله فى نفيها ، وإثباتها :

فقال تارة : بالنفى ، وتارة / بالإثبات.

وقبل الخوض فى الحجاج لا بد من تحقيق معنى الحال ، وبيان أقسامها ؛ ليكون التوارد بالنفى ، والإثبات على محز واحد ، ثم تعريف الحال بما ذا ، قال إمام الحرمين ليس إلا بذكر أقسامها ، ومراتبها. لا بالحد ، والرسم ؛ إذ الحد ، والرسم. لا بد وأن يكون متناولا لجميع مجارى الأحوال وأقسامها ، باعتبار معنى واحد. وإلا فهو أخص منها.

والحد ، والرسم يجب أن يكون مساويا للمحدود لا أخص منه ، ولا أعم ؛ وذلك يفضى إلى ثبوت الحال للحال من جهة أن الحد لا يتناولها إلا وقد اشتركت كلها فى معنى واحد. وكل ما وقع به الاشتراك ، أو الافتراق بين المعانى ؛ فهو حال زائد عليها ؛ وفيه نظر.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة انظر :

التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة للباقلانى ص ١٥٣ ـ ١٦٠.

الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ٦٢٩ ـ ٦٤٥.

ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ١٣١ وما بعدها وغاية المرام للآمدى ص ٢٧ ـ ٣٧.

ومن المتأخرين المتأثرين بالآمدي انظر المواقف للإيجي ـ المقصد السابع ص ٥٧ ـ ٥٩ وشرح المواقف للشريف الجرجانى ٣ / ٣ ـ ١٧.

وشرح المقاصد للتفتازانى ١ / ٦٣ وما بعدها. وشرح مطالع الأنظار على طوالع الأنوار ص ٤٥ ـ ٤٧.

(٢) انظر الشامل فى أصول الدين ص ٦٢٩ وما بعدها.

(٣) انظر الشامل ص ٦٢٩ فقد ذكر إمام الحرمين : «وردد القاضى جوابه فى نفى الحال وإثباتها ، ولم أر له فيما عثرت عليه من مصنفاته قطعا بأحد المذهبين»

وانظر أيضا التمهيد للباقلانى ص ١٥٣ وما بعدها.

٤٠٧

فإن هذا القائل : إما أن يفرق بين ما به تتفق الذوات وتفترق ، وبين ما به تتفق الأحوال ، وتفترق على ما هو مذهب القائل بالأحوال ؛ فإن عنده الذوات هى التى تتفق ، وتفترق بالأحوال.

أما اتفاق الأحوال ، وافتراقها ليس إلا بذواتها كما يأتى (١) ، أو أنه لا يعترف بالفرق.

بل نقول كل ما يقع به الاتفاق ، والافتراق ؛ فهو حال. فإن اعترف بالفرق ؛ فلا اتجاه لما ذكره. وإن لم يعترف بالفرق : فالأحوال لا بد لها من اتفاق ، وافتراق ؛ فإنها مع اتفاقها وانقسامها إلى معللة وغير معللة (٢) كما يأتى : متفقة فى معنى الحالية.

فاذا كان اتفاقها ، وافتراقها ؛ لا يكون إلا بأمور زائدة عليها والاتفاق ، والافتراق بالأمور الزائدة يكون حالا ؛ فقد اعترف بإثبات الحال للحال من غير تحديد ، ولا رسم.

كيف وأن ما فرّ منه فى التحديد من ثبوت الحال للحال ؛ لازم له فى التعريف بالقسمة ؛ فليس ما أبطله بأولى مما عينه ؛ وذلك لأن من ضرورة القسمة وقوع ما به الانقسام ، وإلا فلا تمييز ولا قسمة.

وكل ما يقع به الانقسام ، والافتراق ؛ فهو محال ، ولا محيص له عنه.

وعند هذا فنقول : الحال عند القائل بها عبارة عن كل صفة (١١) / / إثباتية لموجود غير متصفة بأنها موجودة ، ولا معدومة.

فقولنا : صفة إثباتية : احتراز عن الصفات السلبية.

وقولنا : لموجود : احتراز من كون الجوهر جوهرا ، وكون العرض عرضا ؛ فإن بين الصفات الإثباتية للجوهر ، والعرض فى حال عدمه عند المعتزلة وليس بحال ؛ لأنه ليس صفة إثباتية لموجود.

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ١١٥ / ب وما بعدها.

(٢) من المفيد فى هذا المقام نقل ما ذكره الآمدي فى كتابه (المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين) لأهميته فى شرح هذا الموضوع «أما الصفة الحالية : ويعبر عنها بالصفة المعللة فما كانت فى الحكم بها على الذات تفتقر إلى قيام صفة أخرى بالذات : ككون العالم عالما ، والقادر قادرا.

وأما الصفة غير المعللة : فلا يفتقر الحكم بها على الذات إلى قيام صفة أخرى بالذات كالعلم والقدرة ونحوهما.

وقد يعبر عنها بالصفات النفسية.

وأما الأحوال : فعبارة عن صفات إثباتية غير متصفة بالوجود ، ولا بالعدم. وقد يمكن أن يعبر عنها بما به الاتفاق والافتراق بين الذوات (المبين للآمدى ص ١٢٠ ، ١٢١).

(١١)/ / أول ل ٦١ / أ. من النسخة ب.

٤٠٨

وقولنا : لا توصف بكونها موجودة ، ولا معدومة : احتراز من الصفات الوجودية : كالعلم ، والقدرة ، والسواد ، / والبياض ، ونحوه. ويدخل فيه صفة الوجود ؛ فإنه عند من جعله زائدا على الذات حال ؛ لأنه لا يوصف بكونه موجودا ، ولا معدوما.

وأما أقسام الحال : فهى تنقسم إلى معللة ، وغير معللة.

أما المعللة فهى كل حال ثبتت للذات لمعنى قام بالذات : ككون العالم عالما ، والقادر قادرا ، ونحوه ؛ فإنه معلل بقيام العلم ، والقدرة بذاته.

وقد اتفق أبو هاشم ، ومن تابعة : على القول بالأحوال من المعتزلة ، وأصحابنا على أن الحياة وكل صفة يشترط فى قيامها بمحلها الحياة ، وكذلك الأكوان أنها توجب لمحلها أحوالا معللة بها.

وأما ما عدا ذلك من الصفات التى ليست بحياة ، ولا يشترط فى قيامها بمحلها الحياة ، ولا هى أكوان : كالسواد ، والبياض ، وغير ذلك من الأعراض ؛ فقد قال أبو هاشم : إنها لا توجب لما قامت به من المحال حالا زائدة.

ومستنده فى الفرق : أن الأكوان وما من شرطه الحياة من الصفات ، وكذلك نفس الحياة ؛ إنما يتوصل إلى معرفته من معرفة كون ما قام به عالما ، وقادرا ، وحيّا ، ومتحركا ، إلى غير ذلك.

ولا كذلك فى السّواد ، والبياض ، ونحوه من الصفات العرضية ، فإنه مشاهد مرئى ؛ فلا يفتقر فى الاستدلال عليه بكون ما قام به أسود ، أو أبيض ؛ فلهذا جعل علّة ثم ، ولم يجعل علة هاهنا. والمحقق يعلم أن التوصل إلى معرفة وجود العلة من حكمها ؛ إنما هو فرع معرفة كونها علة للحكم ، وكون الحكم معلولا لها ؛ فلو دفعنا جعل الوصف علة على دلائل حكمها عليه ؛ لكان دورا ممتنعا.

كيف : وأن الحركة. قد تكون عندهم طبيعية : وليس من شرطها : الحياة. وقد تكون إرادية : من شرطها : الحياة. ولا محالة أن نسبة الحركة الطبيعية إلى كون المحل متحركا : كنسبة الحركة الإرادية إلى كون المحل متحركا فيما يرجع إلى المعرفة والخفاء.

٤٠٩

ومع هذا فقد نقل بعض أصحابنا عنهم : أنهم جعلوا الحركة الإرادية علة كون المحل متحركا بخلاف الحركة الطبيعية.

ومع صحة هذا النقل ؛ فالفرق يكون تحكما. فإذن قد بان أنه لا وجه للفرق بين عرض ، وعرض ؛ وإليه ذهب القائلون بالأحوال من أصحابنا ، وإن كان القاضى أبو بكر قد تردد فيه.

هذا : وأما الحال غير المعللة : فهى كل حال ثبتت للذات غير معللة. بمعنى قام بالذات : كالوجود عند القائل بكونه زائدا على الذات ، وكالصفات التابعة للوجود : ككون الجوهر / متحيزا ، متحركا ، ونحوه.

وقد اتفق القائلون بالأحوال : على أنها ليست موجودة ، ولا معدومة.

وتردد قول أبى هاشم : فى كونها شيئا مع اتفاق أصحابنا على أنها لا توصف بأنها شيء ، ولا بأنها ليست شيئا.

واختلفوا فى كونها معلومة ، مقدورة ، مرادة ، مذكورة ، مخبرا عنها.

فذهب أبو هاشم ، ومن تابعه من المعتزلة : إلى أنها غير معلومة على حيالها ؛ لأن المعدوم على أصله شيء. والشيء ما كان موجودا ، أو بعرضية الوجود

والحال ليست كذلك ، وليست مجهولة ؛ لأن الجهل عندهم من جنس العلم كما سبق تحقيقه ، فما لا يكون معلوما ؛ لا يكون مجهولا.

ولا هى مقدورة ، ولا مرادة ، ولا مذكورة ، ولا مدلولة ، ولا مخبرا عنها على حيالها ؛ بل الذات هى المعلومة ، المقدورة ، المرادة ، المذكورة ، المدلولة المخبر عنها على حالتها.

وأما القائلون بالأحوال من أصحابنا : فإنهم قالوا : بكونها معلومة ، مقدورة إلى غير ذلك من الصفات على حيالها.

والّذي أراه : أن حاصل الخلاف هاهنا لا يؤول إلى غير العبارة فإن أبا هاشم : وإن قال بأن الحال ليست معلومة ؛ لكونها ليست بشيء على ما علم من مذهبه : أن الشيء هو

٤١٠

المعلوم ؛ فلا يمنع من تعلق العلم بها ؛ وإن كان تعلق العلم بها لا ينفك عن العلم بالذات ؛ فانّه لا يظن ببعض العوام أنه يقول (١١) / / اعلم الذات على حالة ، ولا تعلق للعلم بتلك الحالة ؛ فما ظنك بمن هو أحذق العقلاء ، وأدقهم نظرا فى غوامض المعقولات.

ومن قال من أصحابنا إنها معلومة : فمعناه أن العلم يتعلق بها ولا يعنى بكونها معلومة إلا هذا. وأبو هاشم غير مانع من تعلق العلم بها.

ومعنى قوله معلومة على حيالها : انّها معلوم ثان زائد على المعلوم من الذات لا بمعنى أنها معلومة مع قطع النظر عن الذات. فإنه كيف يظن بعاقل أنه يقول أعقل ما لا تحقق له دون الذات مع قطع النظر عن الذات.

وكذلك الكلام فى كونها مقدورة ، ومرادة ، ومذكورة ، ومدلولة ، ومخبرا عنها.

وإذ أتينا على تحقيق المذاهب بالتفصيل ؛ فلنشرع فى طرق أهل الحق من النفاة وتقريرها أولا ، وإبطال طرق المثبتين ، وما يثبتونه ثانيا.

وقد تمسك أهل الحق من النفاة بمسلكين :

المسلك الأول : هو أن الأحوال إما أن تكون موجودة [أو لا تكون موجودة (١)] ؛ إذ ليس بين النفى ، والإثبات واسطة.

فإن كانت موجودة : فقد خرجت عن أن تكون حالا ؛ إذ الحال عند القائل بها غير موصوفة / بالوجود. ثم إذا كانت موجودة ؛ فما هو المتجدد منها

إما أن يكون جوهرا ، أو عرضا ؛ ضرورة أن كل موجود متجدّد لا يخرج عن كونه جوهرا ، أو عرضا بالاتفاق. وعلى ما سبق تعريفه فى أقسام الموجود (٢) الممكن والجوهر والعرض ؛ ليس بحال.

وإن لم تكن موجودة : فهى معدومة ؛ فإنه لا معنى للمعدوم إلا ما ليس بموجود وإذا كانت معدومة ؛ فقد خرجت عن أن تكون حالا لوجهين :

__________________

(١١)/ / أول ل ٦١ / ب. من النسخة ب.

(١) ساقط من أ.

(٢) راجع ما سبق فى القسم الثانى : فى الموجود الممكن الوجود ل ٣٠٠ / ب وما بعدها.

٤١١

الأول : أن الحال عند القائل بها ، غير موصوفة بالعدم.

الثانى : أنها إذا كانت معدومة ؛ فقد بينا فى مسألة المعدوم أن كل معدوم منفى ، وليس بثابت (١) ، فالأحوال منفية غير ثابتة ، فلا تكون حالا ؛ لأن الأحوال عند القائل بها : صفات ثابتة ، غير متصفة بالنفى على ما عرف ؛ وهذا المسلك فى غاية القوة ، لا غبار عليه.

المسلك الثانى : هو أنه لو كان التماثل ، والاختلاف بين الذوات لا يكون إلا بالأحوال الزائدة عليها.

والأحوال : إما أن تكون فى أنفسها متماثلة من كل وجه ، أو مختلفة من كل وجه ، أو متماثلة من وجه ، ومختلفة من وجه. أو متماثلة ، ومختلفة معا من كل وجه. أو لا متماثلة ، ولا مختلفة لا من وجه ، ولا من كل وجه.

لا جائز أن تكون متماثلة ومختلفة معا من كل وجه ؛ إذ هو ظاهر الإحالة.

ولا جائز أن تكون لا متماثلة ، ولا مختلفة ؛ فإن ما لا يكون مختلفا ؛ لا يكون موجبا للاختلاف.

وقد قيل : بأن الاختلاف بين الذوات لا يكون إلا بالأحوال.

وما لا يكون متماثلا ؛ لا يكون موجبا للتماثل.

وقد قيل : إن التماثل بين الذوات ، لا يكون إلا بالأحوال.

ولا جائز أن تكون متماثلة من كل وجه ، وإلا لما وقع بها الاختلاف بين الذوات.

ولا جائز أن تكون مختلفة من كل وجه : وإلا لما وقع بها التماثل بين الذوات.

وقد قيل : إن التماثل ، والاختلاف بين الذوات ؛ لا يكون إلا بالأحوال.

كيف : وأنها لو كانت الأحوال متماثلة ، أو مختلفة ، فإما أن يكون ذلك لها لذواتها ، وإما بوصف زائد عليها.

فإن كان الأول : فما المانع أن تكون الذوات مختلفة ، أو متماثلة لذواتها ؛ لا لزائد عليها.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع. ل ١٠٨ / ب وما بعدها.

٤١٢

وإن كان الثانى : لزم ثبوت الحال للحال. والكلام فى الحال الثانية : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وبهذا يبطل القول بكونها متماثلة من وجه ، ومختلفة من وجه.

وهذا المسلك أيضا فى غاية الحسن ، والسداد.

وأما المثبتون : فقد تمسكوا بمسالك :

المسلك / الأول : أنهم قالوا :

[اتفق العقلاء على صحة التعليل بالعلل ، وجعلها طريقا إلى إثبات الصفات] (١) [فاذا] (٢) قلنا : العلم علة كون العالم عالما ؛ فالمعلول الموجب بالعلة : إما أن يكون هو الذات التى قام بها العلم ، وإما أن يكون ذلك هو تسمية الذات عالمة ، وإما أن يكون هو الحال.

لا جائز أن يقال بالأول : فإن الذات غير معلّلة بالعلم.

ولا جائز أن يقال بالثانى لثلاثة أوجه :

الأول : أن التسمية من باب الوضع والاصطلاح اللغوى. ويجوز أن تقع ، وأن لا تقع.

وبتقدير الوقوع أن تتبدل (١١) / / وتختلف. ومعلولات العلل العقلية : لا يمكن فرض عدمها مع وجود عللها ، ولا فرض تبدلها.

الثانى : أن التسمية من جملة الأقوال ، والأقوال من الذوات ، والذوات غير معللة كما يأتى (٣)

الثالث : هو أن شرط المعلول أن يكون قائما. بمحل العلة والتسمية. وقد تكون قائمة بغير من قام به العلم ؛ فلم يبق إلا أن يكون المعلل ؛ هو الحال ؛ وهو المطلوب.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) فى «أ» (أما إذا).

(١١)/ / أول ل ٦٢ / أ. من النسخة ب.

(٣) انظر ما سيأتى فى الأصل الثانى ـ الفصل الثانى : فيما يعلل وما لا يعلل ل ١٢٥ / ب وما بعدها.

٤١٣

وهذا فى غاية الضعف ؛ وذلك لأن القول بصحة التعليل ، وجعل العلم علة كون العالم عالما ؛ إنما هو فرع القول بالأحوال.

وإلا فمن نفى الأحوال ؛ فلا علة عنده ولا معلول ، ولا معنى لكون العالم عالما عنده ؛ غير أنه قام به العلم لا غير. ولا يلزم من إبطال إثبات الصفات بهذا الطريق ؛ إبطال كل طريق. اللهم إلا أن يبين أنه لا طريق إلى إثبات الصفات إلا هذا الطريق ؛ ولا سبيل إليه إلا بالبحث ، والسبر مع عدم الاطلاع عليه وهو غير يقينى (١).

المسلك الثانى : أنهم قالوا : الجوهر متحيز بالاتفاق. وتحيزه زائد على وجوده. ويدل عليه أمران :

الأول : أنه قد يعلم وجود الجوهر من جهل تحيزه ؛ والمعلوم مغاير للمجهول.

الثانى : أن العلم بوجود الجوهر بتقدير الوجود ضرورى ، والعلم بالتحيز نظرى ؛ والمعلوم بالضرورة غير المعلوم بالنظر ، والاستدلال

وإذا كان التحيز زائدا على وجود الجوهر : فإما أن يكون نفيا ، أو ثبوتا.

لا جائز أن يكون [نفيا] (٢) إذ هو على خلاف الاتفاق ، ولأن نقيض التحيز لا تحيز. ولا تحيز صفة للممتنع الوجود ؛ فلا يكون صفة ثبوتية ؛ وإلا قامت الصفة الثبوتية بالعدم المحض ؛ وهو محال.

فلم يبق إلا أن يكون التحيز الزائد على وجود الجوهر صفة ثبوتية ؛ وهو المعنى بالحال.

وهذا المسلك أيضا ضعيف. إذ لقائل أن يقول : وإن سلمنا أن تحيزّ الجوهر [صفة زائدة على نفس وجود الجوهر. وأنه صفة ثبوتية ؛ ولكن لا نسلم أنه صفة حالية ؛ بل يبقى مع كونه] (٣) صفة ثبوتية ، صفة وجودية تابعة لنفس الجوهر ولازمة له.

وإنما يتم كونه صفة حالية : أن لو بين أنه مع ثبوته غير وجودى من جهة أن / الأحوال غير متصفة بالوجود ، ولا سبيل إليه.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ل ٣٩ / أ.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

٤١٤

المسلك الثالث : أنهم قالوا : المختلفان : إما أن يختلفا بوجوديهما ، أو بحال زائدة عليهما.

فإن كان الأول : فهو محال ؛ لما سبق (١) فى بيان وجوب الاشتراك [على الموجودات فى صفة الوجود ، ولأن الوجود لا معنى له ، إلا الثبوت ، والثبوت مشترك بين المختلفات.

وما به الاشتراك] (٢) لا يكون ، هو ما به الاختلاف.

وإن كان الثانى : فهو المطلوب ؛ وهو من النمط الّذي قبله فى الفساد لوجهين :

الأول : أنه قد علم من مذهب القائل بنفى الأحوال. أن الوجود نفس الذات غير زائد عليها. والذوات مختلفة بذواتها ؛ فيكون الاختلاف بين المختلفات بنفس الوجود وما ذكر فى بيان الاشتراك فى معنى الوجود ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (٣)

وعلى هذا : فثبوت الحقيقة أيضا غير خارج عن نفس الحقيقة.

الثانى : وإن سلمنا أن الوجود زائد على نفس الذات ، وأنه مشترك بين جميع الذوات ؛ فما المانع أن يكون الاختلاف بين (٤) المختلفات (٤) لذواتها لا للوجود ، ولا لصفة حالية زائدة عليها ؛ وهذه مطالبة لا مخلص منها.

المسلك الرابع : أنهم قالوا : العالم بعلم ، أو لا كونه عالما قبل نظره فى إثبات الأعراض.

وعند ذلك : فلا يخلو إما أن تكون معلومة ذاته ، أو علمه ، أو كونه عالما ، أو لا معلوم له.

لا جائز أن تكون معلومة ذاته فقط ؛ فإن كونه عالما زائد على ذاته ولهذا يصحّ العلم بالذات مع الجهل بكونها عالمة. والمعلوم غير المجهول.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الأصل الثالث ـ الفصل الرابع ل ٧٦ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الأول ـ المسألة الرابعة ل ٥٣ / أوما بعدها.

(٤) (بين المختلفات) ساقط من ب.

٤١٥

ولا جائز أن تكون معلومة نفس العلم القائم بذاته : إذ الكلام مفروض فيمن لم ينظر فى إثبات الأعراض التى العلم منها.

ولا جائز أن يقال إنه لا معلوم له مع كونه عالما ؛ لما سبق فى الرد على أبى هاشم ؛ فلم يبق الّا أن تكون معلومة كونه عالما ؛ وهو زائد على العلم ومحله ؛ وهو المطلوب ؛ وهو أيضا باطل ؛

إذ للخصم أن يقول : لا أسلم تصور علمه بكونه عالما مع جهله بالعلم وعدم النظر فيه بناء على [أصله] (١) أن العالم من قام به العلم.

ولا يتصور فهم الحقيقة دون فهم ما لا تتم الحقيقة إلا به.

وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون (١١) / / معلومه ؛ هو نفس قيام العلم به لا نفس الذات ، ولا نفس العلم فقط ؛ وليس ذلك من الأحوال فى شيء إلا أن يبين كونه ثابتا ؛ ليس بموجود ، ولا معدوم ، ولا سبيل إليه.

المسلك الخامس : أنهم قالوا : لا يخفى اتفاق السواد ، والبياض فى اللونية ، وافتراقهما فى السوادية ، والبياضية. وما به وقع الاتفاق غير ما به الافتراق ؛ وإلا كانا شيئا واحدا ؛ فإذن هما غيران ؛ وهو / المطلوب ؛ [وهو (٢) باطل] أيضا.

أما قولهم : إن السواد ، والبياض قد اشتركا فى اللّونية : فإما أن يراد به الاشتراك فى تسميه اللّونية : أى أنه يطلق على كل واحد أنه لون لفظا ، أو مسماهما.

فإن كان الأول : فهو خلاف مذهب القائل بالأحوال ؛ ومع ذلك : فإن التسميات لا تكون صفات للذوات. والأحوال من صفات الذوات.

وإن كان الثانى : فمسمّى اللونية لا محالة ينقسم إلى كلى : أى صالح أن يشترك فى معناه كثيرون ، وإلى مشخّص ليس له صلاحية أن يشترك فيه كثيرون.

فالأول : كاللونية المأخوذة فى الأذهان ، وتلك لا تحقق لها فى الأعيان.

والثانى : كهذا اللون ، وهذا اللون.

__________________

(١) ساقط من أ.

(١١)/ / أول ل ٦٢ / ب من النسخة ب.

(٢) ساقط من «أ».

٤١٦

وعلى هذا : فإن أريد اللونية المشخصة : فإما أن يقال : إن ما ثبت للسواد من اللونية بعينها ثابتة للبياض ، أو أن ما تخصص بكل واحد منها غير الآخر.

لا جائز أن يقال بالأول : والإلزام منه اتحاد المتعدد [وتعدد المتحد] (١) ؛ وهو محال.

وإن قيل بالثانى : فإنما يلزم أن يكون حالا للسواد ، والبياض ، أن لو كان زائدا على مفهوم السواد والبياض ؛ وهو غير مسلم ؛ بل هو داخل فى مفهوميهما ، ومقوم لحقيقتهما.

ولهذا : فإن من أراد تعقل معنى السواد ، والبياض ؛ لم يمكنه ذلك قبل فهم معنى اللونية أولا.

وما يكون مقوما للموجود وداخلا فى حقيقته كيف يكون حالا زائدة عليه : وكيف يكون لا موجودا ، ولا معدوما ؛ وهو مقوم للموجود.

وإن أريد به اللونية الكلية المطلقة ؛ فتلك لا يتصور أن تكون صفة للتشخيص من الذوات. ولا معنى للاشتراك فيها غير أن ما حصل من معنى اللونية فى الذهن مطابق لما هو حاصل من معنى أى شخص كان من أشخاص الألوان بالحدّ والحقيقة والحال لا تخرج عن كونها صفة للذات الموجودة.

كيف وأن المعنى الكلى من اللون لا يصح أن يقال إنه غير موجود ولا معدوم ؛ بل هو موجود فى الأذهان ، ومعدوم فى الأعيان.

وأما الكلام على ما به الافتراق : وهو السوادية ، والبياضية ؛ فهو أن يقال ما به وقع الافتراق بين السواد ، والبياض ، [إما أن يكون هو مجرد التسمية] (٢) وهو قول القائل : سوادية ، وبياضية : كما ذهب إليه بعض نفاة الأحوال ، أو مدلول التسمية.

لا جائز أن يقال بالأول : لما ذكرناه فى اللونية. وإن كان الثانى : فإنما يلزم أن يكون ذلك حالا أن لو كان صفة زائدة على ذات السّواد أو البياض ؛ وهو غير مسلم.

فإنه لا معنى للسوادية ، والبياضية عند القائل بنفى الأحوال غير نفس السواد ، والبياض ؛ فلا يكون حالا زائدة عليهما.

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) ساقط من «أ».

٤١٧

المسلك السادس : أن القول بنفى / الأحوال يلزم منه إبطال القول بالحدّ والبرهان وأن لا يتوصل أحد من معلوم إلى مجهول ؛ وهو محال.

وما لزم عنه المحال ؛ فهو محال.

وبيان ذلك : هو أن البرهان لا بدّ وأن يتناول جميع أشخاص العين (١) الكلى المبرهن عليه وكذلك الحد لا بد وأن يتناول جميع أشخاص (١) المحدود وذلك لا يكون إلا بمعنى مشترك متحد بين الكل ، ولا يتحقق ذلك مع القول بنفى الأحوال ؛ وهو باطل أيضا.

فإن إبطال الحدّ والبرهان بناء على إبطال الأحوال فرع القول بأن ما به الاشتراك بين الذوات [لا يكون إلا بالحال ؛ وهو محل النزاع ؛ بل الاشتراك عند القائل بنفى الأحوال بين الذوات] (٢) ، إنما هو بذواتها ، وصفات أنفسها ومع القول بالصفات النفسية الوجودية العامة ؛ فلا يمتنع القول بالحدّ ولا البرهان.

وإذ أتينا على حجج القائلين بإثبات الأحوال ونفيها ، بالاستقصاء المحصل المفصّل منبهين على ما فيها من المزيف والمختار ؛ فلا بدّ من الإشارة إلى تحقيق العلل والمعلولات ، وأحكامها.

فإن ذلك من توابع القول بالأحوال ، وفروعها. ولقد كان إبطال الأصل مغنيا عن النّظر فى الفرع التابع ؛ لكنه ربما دعت حاجة بعض الناس إلى معرفتها عند ظنه صحة القول بالأحوال ؛ فاستخرنا الله ـ تعالى ـ فى تعريفه ذلك مبالغة فى تكميل الفائدة.

__________________

(١) من أول قوله : «العين الكلى ... إلى قوله : جميع أشخاص» ساقط من ب.

(٢) ساقط من «أ».

٤١٨

الأصل الثانى

فى تحقيق معنى العلل والمعلولات وأحكامها

ويشتمل على تسعة فصول (١) :

الفصل الأول : فى حقيقة العلّة ، والمعلول.

الفصل الثانى : فى بيان أن العلة لا بد وأن تكون وجودية.

الفصل الثالث : فى أن شرط العلة : أن لا تكون خارجة عن المحل الّذي أوجبت له الحكم ؛ بل قائمة به.

الفصل الرابع : فى أن العلة العقلية : لا بد وأن تكون مطردة ، منعكسة.

الفصل الخامس : فى أنه لا يجوز أن يكون ايجاب (١١) / / العلة العقلية لمعلولها مشروطا بشرط معين فى نظر النّاظر.

الفصل السادس : فى أن العلّة الواحدة ؛ هل توجب حكمين مختلفين ، أم لا؟

الفصل السابع : فى أن الحكم الواحد ، لا يثبت بعلّتين مختلفتين ، ولا بعلة مركّبة من أوصاف.

الفصل الثامن : فما يعلل ، وما لا يعلل.

الفصل التاسع : فى الفرق بين العلة ، والشّرط.

__________________

(١) ورد فى نسخة «أ» تسعة فصول : ولكن المكتوب بالفعل فى الإجمال ستة فقط الأول ، والثانى إلخ أما النسخة «ب» فوردت الفصول بالحروف الهجائية أ. ب. ج. د إلى آخره وما أوردته فى الأصل مطابق للواقع ، ولما ورد فى النسخة ب بعد تصحيحها.

(١١)/ / أول ل ٦٣ / أ ، من النسخة ب.

٤١٩
٤٢٠