أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

النوع الأول

فى أحكام الجواهر مطلقا

ويشتمل على سبعة فصول.

الفصل الأول (١) : فى حقيقة الجوهر ، ومعناه.

الفصل الثانى : فى معنى الحيّز ، والمتحيز ، والتّحيز.

الفصل الثالث : فى أنّ الجوهر غير مركب من الأعراض.

الفصل الرابع : فى أن الجواهر متجانسة غير متجددة.

الفصل الخامس : فى أن الجواهر لا تتداخل.

الفصل السادس : فى امتناع وجود جوهرين فى مكان واحد ، وامتناع وجود جوهر واحد فى مكانين.

الفصل السابع : فى امتناع تعرى الجوهر عن الأعراض وتعليل قبوله لها.

__________________

(١) فى النسخة ب استخدمت الحروف الأبجدية أب ج للدلالة على ترتيب الفصول.

٢١
٢٢

الفصل الأول

فى حقيقة الجوهر ومعناه (١)

وقد اختلفت العبارات فيه :

فقالت الفلاسفة : الجوهر هو الموجود لا فى موضوع. وعنو بالموضوع ما أشرنا إليه فى المقدمة. ويلزم عليه أن يكون الرب ـ تعالى ـ جوهرا ؛ إذ هو غير موجود فى موضوع على ما ذكروه ؛ وهو محال ؛ لما تقدم فى إبطال التشبيه (٢).

فإن قيل : الجوهر هو الّذي له ماهية ، ووجود زائد على ماهيته ، إذا وجد كان وجوده لا فى موضوع. والربّ ـ تعالى ـ ليس له وجود زائد على ماهيته ؛ بل وجوده ذاته ، وذاته وجوده ؛ فلا يدخل تحت الحد المذكور (٣).

فنقول : هذا وإن أومأ إليه أفضل متأخريهم (٤) ؛ فمبنى على أن وجود الجوهر زائد على ماهيته ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (٥) ؛ وسيأتى له مزيد تقرير فى مسألة المعدوم (٦).

وقالت النصارى : الجوهر هو الموجود القائم بنفسه.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ؛ فقد اهتم بهذا الموضوع وخصص له صفحات من كتابه : من ص ٨ ـ ١٣ من الجزء الثانى

ففى الفقرة ٢ قال : اختلف الناس فى الجوهر وفى معناه على أربعة أقاويل : ص ٨.

وفى الفقرة ٣ قال : اختلفوا فى الجواهر هل كلها أجسام؟ على ثلاثة أقاويل : ص ٩.

وفى الفقرة ٤ قال : اختلف الناس : هل الجواهر جنس واحد؟ وهل جوهر العالم جوهر واحد؟ على سبعة أقاويل.

ص ٩ ـ ١٠.

وفى الفقرة ٥ قال : اختلفوا فى الجواهر : هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها؟ وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها ، أم يستحيل ذلك؟ على خمسة أقاويل ص ١٠ ـ ١٣.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول : المسألة الأولى : فى أنه ليس بجوهر ل ١٤٤ / أوما بعدها ؛ فقد وضح فى هذه المسألة رأى أهل الحق ورد على المخالفين بالتفصيل.

(٤) هو ابن سينا وقد صرح باسمه فى ل ١٤٢ / أفقال : «وربما تحاشى بعض الحذاق من الفلاسفة : كابن سينا وغيره من إطلاق اسم الجوهر على الله تعالى».

(٥) انظر ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٦) انظر ما سيأتى فى الباب الثانى فى المعدوم وأحكامه ل / ١٠٦ / ب وما بعدها.

٢٣

وقد أبطلناه أيضا فيما تقدم فى الرد عليهم (١).

وقالت المعتزلة : الجوهر هو المتحيز فى الوجود (٢).

وهو غير مطّرد على مذهب من يرى منهم كون الجوهر جوهرا فى حال عدمه ؛ إذ هو غير متحيز فى الوجود.

وأما عبارات أصحابنا فيه ، وإن كانت مختلفة ؛ فكلها سديدة جامعة مانعة لا يخرج منها شيء من المحدود ، ولا يدخل فيها ما هو خارج عنه.

فمنها قولهم : الجوهر ما يقبل العرض (٣) : أى يكون محلا له.

فإن قيل : هذا يبطل بسرعة الحركة ؛ فإنها قائمة بالحركة ؛ وهى عرض والحركة محل لها. وليست الحركة جوهرا. وكذلك الملاسة ، والخشونة. فإنهما عرضان قائمان بسطح الجسم. والسّطح ليس بجوهر ؛ بل عرض.

قلنا : أما السرعة. فلا نسلم أنها عرض ؛ فإنه لا معنى لسرعة الحركة عندنا غير عدم / تخلل السكنات بين أجزاء الحركة ، والقدم لا يكون عرضا.

وإن سلمنا : أنه عرض ؛ ولكن لا نسلم أن محله الحركة ؛ بل الحركة ، والسرعة عرضان قائمان بمحل الحركة. وهذا يكون الجواب عن البطء أيضا.

وأما الملاسة ، والخشونة : فلا نسلم أنهما عرض ؛ إذ هما عائدتان إلى تضريس الظاهر من الجسم ، وعدم تضريسه.

وإن سلمنا أنهما عرض ؛ فلا نسلم أن السطح الظاهر من الجسم عرض ؛ بل هو عبارة عن الجواهر الظاهرة من الجسم.

وإن سلمنا أن السطح عرض ؛ فلا نسلم قيام الملاسة والخشونة به ؛ بل هما والسطح من عوارض الجسم.

__________________

(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع ـ المسألة الثامنة : فى الرد على النصارى. ل ١٥٧ / أوما بعدها. وانظر مقالات الإسلاميين للأشعرى ٢ / ٨. والشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ١٤٣.

(٢) انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٨ وقارن بما ورد فى الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٤٢ ، ١٤٣. وانظر شرح المواقف للجرجانى ٦ / ٢٨٥ وما بعدها.

(٣) انظر الشامل ص ١٤٢.

٢٤

ومن العبارات قولهم : الجوهر هو الّذي له حظ من المساحة (١).

ومنها قولهم : الجوهر هو الّذي لا يوجد حيث وجوده وجود جوهر آخر بخلاف العرض ؛ فإنه يوجد حيث وجود الجوهر الّذي هو فيه.

ومنها قولهم : الجوهر هو الّذي يشار إليه بالقصد الأول.

ومنها قولهم : أنه الجرم : أى ما له حجم.

ومنها قوله : الجوهر هو المتحيز.

وأما من قال : الجوهر هو الّذي لا يوجد حيث وجود مثله ، فهو منتقض بالعرض ؛ فإنه ليس بجوهر ؛ فإنه لم يوجد حيث وجود مثله ؛ لاستحالة الجمع بين المتماثلات كما يأتى فى التضاد (٢).

__________________

(١) هذه عبارة القاضى الباقلانى ـ قال إمام الحرمين الجوينى فى الشامل ص ١٤٢ وربما عبر القاضى عنه فقال :

«الجوهر ما له حظ من المساحة».

(٢) راجع ما سيأتى فى الأصل الثالث ـ الفصل الخامس : فى تحقيق معنى المتضادين ل ٧٨ / أوما بعدها.

٢٥

الفصل الثانى

فى معنى المتحيّز ، والحيّز ، والتّحيز (١).

أما المتحيز : فهو الموجود فى الحيز.

وأما الحيز : فهو المكان ، أو تقدير المكان ، والمراد بتقدير المكان. إمكان كونه فى المكان ، وإن لم يكن فى المكان.

وإنّما قلنا. الحيّز هو المكان ، أو تقدير المكان. ولم نقل هو المكان ؛ لأنّ المتحيز عندنا هو الجوهر. والحيز من لوازم نفس الجوهر ؛ لا انفكاك له عنه

فلو كان الحيّز هو المكان لا غير ؛ لكان كل جوهر يفتقد إلى المكان فى وجوده ، وليس كذلك ؛ لأنه لو افتقر فى وجوده الى المكان ؛ فذلك المكان : إما جوهر ، وإما عرض.

فإن كان جوهرا ؛ كان مفتقرا إلى مكان آخر ؛ ولزم التسلسل أو الدّور ؛ وهما محالان.

وإن كان عرضا : فلا بد وأن يكون قائما بجوهر آخر غير الجوهر المتمكن فيه ؛ والكلام فى ذلك الجوهر ؛ كالكلام فى الأول ؛ وهو محال ؛ لما عرف.

ومن أصحابنا : من زعم أن الحيّز هو نفس المتحيّز ؛ كما أن الوجود هو نفس الموجود ؛ وهو بعيد ؛ لأنه يصح أن يقال فلان فى الحيز الفلانى ، والجوهر فى حيز كذا دون كذا ، فيضاف المتحيز إلى الحيّز بأنه فيه.

ولو كان الحيّز هو المتحيّز ؛ لكان الشيء مضافا إلى نفسه بأنه فيها ؛ وهو محال.

وهذا بخلاف الوجود مع الموجود ؛ / فإن الموجود لا يضاف إلى وجوده بأنّه فيه ؛ فافترقا.

وأما التحيّز : فعبارة عن نسبة الجوهر إلى الحيّز بأنه فيه. وإذا عرف ذلك : فقد اختلف أصحابنا ، والمعتزلة

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة راجع الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ١٥٦ وما بعدها.

٢٦

فذهب من قال من المعتزلة بأن المعدوم الممكن شيء (١). وذات فى حالة العدم ، إلى أن التحيّز ليس من صفات نفس الجوهر. فإن الجوهر لا يوصف به حالة عدمه. وانما هو من توابع الحدوث ، والوجود للجوهر.

وذهب أصحابنا ، وكل من وافقهم على أن ذات كل شيء هى وجوده إلى أن : التحيّز من صفات ذات الجوهر ، ولوازمه التى لا انفكاك له عنها ، وليس من صفات المعانى.

فإن قيل : لا معنى لتحيز الجوهر غير إضافته إلى الحيّز ، واختصاصه به. وعلى هذا : فما المانع أن يكون اختصاصه بالحيّز لكون أوجب تخصيصه به ، ولا يكون ذلك مقتضى ذات الجوهر ، ولا من صفات (١١) / / نفسه.

أجاب بعض الأصحاب (٢) : بأن التّحيز إنما هو عبارة عن نفس الجرم ، وكونه جرما لا يختلف ، وإن اختلفت أكوانه ، وأعراضه ، ولو كان ذلك ثابتا لعرض من الأعراض ، وكون من الأكوان ؛ لاختلف باختلاف تلك الأكوان.

وأيضا : فإن كونه جرما لا يعقل الجوهر دونه ، ولا هو دون الجوهر ؛ فكان صفة من صفات نفس الجوهر. ولو كان ذلك تابعا لكون من الأكوان الخارجة عن ذات الجوهر ، لأمكن تعقل الجوهر دونه.

قالوا : وعلى هذا فالأكوان ، وإن كانت ملازمة لذات الجوهر ؛ فلا تكون من صفات ذاته ؛ لأنها مختلفة الأجناس ، وصفة النّفس لا تختلف.

وعلم البارى ـ تعالى ـ وإن تعذّر تقدير بقاء ذاته دونه ؛ فليس لأنه من صفات الذات ؛ بل لضرورة قدمه.

ولهذا فأنه يتصور العلم بذاته مع الجهل بعلمه حتى يقوم الدّليل عليه بخلاف صفة الذات.

وأعلم أن هذا الجواب إنما يصح تفريعا على القول بأنّ التحيّز هو نفس المتحيز ؛ وقد عرف ما فيه.

__________________

(١) راجع رأيهم فيما سيأتى فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن المعدوم هل هو شيء وذاته ثابتة فى حالة العدم أم لا؟ ل ١٠٨ / ب.

(١١)/ / أول ل ٤ / ب من النسخة ب.

(٢) هو الإمام الجوينى. انظر الشامل فى أصول الدين ص ١٥٧ ، ١٥٨.

٢٧

ولا يصح على القول بالمغايرة بين المتحيّز ، والحيز ، والتحيّز كما حقّقناه. وإنما طريق الجواب تفريعا على هذا الرّأى أن يقال : خصوص آحاد المتحيّزات بآحاد الأحياز ، وإن كان يفتقر إلى تخصيص وكون موجب له ، وليس صفة من صفات نفس الجوهر على ما قرّروه بذلك غير لازم فيما يستحقه لذاته من الحيّز مطلقا غير مخصّص بحيّز دون حيّز ، والفرق بين الأمرين ظاهر.

ولهذا فانا لا نعقل الجوهر دون تعقل كونه متحيزا فى الجملة ؛ بخلاف كونه متحيزا بحيز مخصوص.

فإن قيل : إذا كان الجوهر هو المتحيز ، والعرض هو القائم بالمتحيّز / فالموجود الممكن عندكم لا يخرج عن المتحيز ، والقائم بالمتحيّز ، وتم الرّد على من يعتقد وجود ممكن ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيز ؛ كما يقوله الفلاسفة فى العقول ، والنفوس الفلكية ، والإنسانية كما سبق فى خلق الأعمال (١).

فنقول : هذا السؤال مما صعب موقعه على فحول المتكلمين ، والأئمة المتبحرين حتى أن منهم من لم يحر فيه جوابا.

ومنهم من خبط بما لا يقنع به المحصلون.

وها نحن نذكر ما ذكروه ، وننبه على ما فيه فنقول : الّذي ذهب إليه المعتزلة وكثير من أصحابنا أن قالوا :

وجود ممكن ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيّز ، مما لم يضطرنا إليه عقل ولا دل عليه دليل من عقل ، ولا نقل ؛ فلا يكون ثابتا فى نفسه ، وحاصله يرجع إلى نفى المدلول ؛ لانتفاء دليله ؛ وقد عرف بطلانه فيما تقدم فى النظر (٢).

ومن أصحابنا من قال : لو قدرنا موجودا ممكنا ، ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيّز ؛ لم يبعد أن يبدعه البارى ـ تعالى ـ بحيث وجود متحيز ، ويلزم من ذلك جواز قيامه بذلك المتحيز ؛ إذ لا معنى لقيام غير المتحيز بالمتحيز غير وجوده فى حيث المتحيز.

__________________

(١) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع الثانى : فى الرد على الفلاسفة الإلهيين ل ٢١٨ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى : فى الدليل ـ الفصل السابع ـ الدليل الثانى : الحكم بانتفاء المدلول لانتفاء دليله. ل ٣٨ / ب وما بعدها.

٢٨

وما جاز قيامه بالمتحيّز ، وجب قيامه به. وكلّ ما هذا شأنه ؛ فهو عرض قائم بالمتحيّز ؛ وليس قسما ثالثا.

وهو ضعيف أيضا : فانّه ما المانع من وجود ما ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيز ويمتنع اختراعه بحيث المتحيز كما أنه يمتنع اختراع العرض غير قائم بالمتحيز. وإن سلم جواز اختراعه بحيث المتحيّز ؛ ولكن لا نسلم وجوب قيامه بالمتحيز.

وما المانع من جواز قيامه بالمتحيز إذا خلق فى حيثه ، وقائما بنفسه. وإذا لم يخلق فى حيث المتحيز وبه ينفصل عن العرض حيث أنه لا تصور لوجوده إلا فى حيث المتحيز.

وربما أورد بعض الكبار هاهنا تخبيطات ، وعبارات عرية عن التحصيل يعرفها من له أدنى تنبه بأوائل النظر ؛ آثرنا الإعراض عن ذكرها شحا على الزمان بتضييعه فى ذكر ما لا يفيد.

والأقرب فى هذا الباب أن يقال : وجود ممكن ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيّز مما لم يضطر إليه عقل ، ولا دل عليه دليل كما سبق فى المسلك الأول. وما هذا شأنه ؛ فلا سبيل إلى إثباته.

وسواء كان ثابتا فى نفس الأمر ، أو لم يكن ثابتا. وما يتخيل دليلا على ذلك ؛ فقد أبطلناه فى الردّ على الفلاسفة (١) حيث قالوا بوجود خالق غير الله ـ تعالى ـ فهذا ما عندى فيه ، وعسى أن يكون عند غيرى غيره وعليك / بالاجتهاد فى حل الإشكال إن أطقت.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ الفرع الثانى : فى الرد على الفلاسفة ل ٢١٨ / أوما بعدها.

٢٩

الفصل الثالث

فى أن الجوهر غير مركب من الأعراض (١)

مذهب الأشاعرة وغيرهم من أهل الحق : أن الجوهر غير مركب من الأعراض خلافا للنظام (٢) ، والنجار (٣) من المعتزلة. فإنهما قالا : الجوهر أعراض مجتمعة.

وقد احتج أهل الحق بمسالك ضعيفة :

المسلك الأول : أنهم قالوا : الأعراض التى عن اجتماعها يكون الجوهر إما أن تكون متماثلة ، أو مختلفة.

فإن كانت متماثلة : فهو باطل من وجهين :

الأول : أن الحكم الّذي لا يثبت بالشيء الواحد لا يثبت بأمثاله ، والجوهر لا يثبت بالعرض الواحد منها ؛ فلا يثبت بأمثاله.

ويدلّ عليه أنّ الحياة الواحدة لما لم توجب حكم العالمية ؛ لم يكن ذلك واجبا عن جمل من الحياة.

الثانى : أنه ليس بعض أعداد المتماثلات ؛ أولى بايجاب ذلك الحكم من البعض الآخر.

وإن كانت الأعراض مختلفة : فإما متضادة ، أو غير متضادة :

فان كانت متضادة ؛ فهو محال ؛ لأن حكم الضدين لا يجتمع فى الجوهر الواحد ضرورة. وإن كانت غير متضادة : فإما أن يقال بجواز بطلان صفات أجناسها وانقلاب أعينها ، أو لا يقال بذلك.

فإن كان الأول : لزم منه جواز انقلاب الحقائق ؛ إذ يصير السواد بياضا وحركة بالعكس ؛ ولم يقل به قائل من المحصلين.

__________________

(١) قارن بما ورد فى الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ١٤٨.

(٢) سبقت ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب فى الجزء الأول. أما عن آرائه فانظر ما سيأتى ل ٢٤٤ / ب من الجزء الثانى.

(٣) سبقت ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب فى الجزء الأول. أما عن آرائه فانظر ما سيأتى ل ٢٥٥ / ب من الجزء الثانى.

٣٠

ثم يلزم منه جواز انقلاب الأعراض المفروضة جوهرا. ويلزم منه أن لا يكون الجوهر مركبا من الأعراض ؛ وفيه تسليم المسألة.

وإن لم نقل بجواز بطلان صفات أجناسها ؛ امتنع أن يكون الجوهر من اجتماعها ؛ وذلك لأن كل واحد منهما غير متحيز لنفسه بالاتفاق ، فلو صارت جوهرا بالاجتماع ، لصارت متحيزة لنفسها ؛ ضرورة تحيز الجوهر لنفسه ، وفيه القول بقلب الأجناس ، وإبطال صفات أنفسها ؛ وهو محال.

وفيه نظر. إذ لقائل أن يقول : ما المانع أن تكون متماثلة؟

قولهم : لأنّ الحكم الّذي لا يثبت للواحد ، لا يثبت لأمثاله ؛ ممنوع.

ولا يلزم مما ذكروه فى الحياة ، والعالمية ؛ طرد ذلك فيما سواه الا بدليل ؛ ولا دليل.

ثم يلزم عليه الجوهر الفرد على رأى هذا القائل ؛ فإنه لا يثبت له حكم الجسمية بانفراده. وما لزم من ذلك امتناع الحكم بالجسمية عند ضمه إلى مثله.

قولهم فى الوجه الثانى : ليس بعض الأعداد بذلك أولى من البعض ممنوع.

وما المانع أن يكون ذلك مشروطا بأصل الاجتماع ، وأقل ما يكون ذلك بين / اثنين. ثم يلزم على ما ذكروه الحكم بالجسمية عند ضم الجوهر إلى مثله ، وامتناع ذلك عند انفراده.

ثم وإن سلم امتناع التماثل ؛ فما المانع من كونها متضادة.

قولهم : لأن حكم الضدين لا يجتمع فى الجوهر الواحد.

إما أن يراد به أن الضدين لا يقومان بالجوهر الواحد ؛ ولا يثبت فيه حكمهما ، أو أنه لا يكون الجوهر الواحد منهما.

فإن كان الأول : فهو مسلم. ولا يلزم من امتناع اجتماع الضدين فى المحل الواحد ، وقيام حكمهما به ؛ امتناع تركب الشيء الواحد منهما من غير دليل يدل عليه.

وإن كان الثانى : فهو دعوى محل النزاع ، والمصادرة على المطلوب.

ثم وإن سلم امتناع التضاد ، فما المانع من الاختلاف من غير تضاد.

٣١

قولهم : إمّا أن يقال ببطلان صفات أجناسها ، أو لا يقال بذلك.

قلنا : ما المانع أن يقال بالقسم الثانى.

قولهم : يلزم من ذلك امتناع أن يكون الجوهر من الأعراض ممنوع.

قولهم : لأن العرض غير متحيز لنفسه عند انفراده. ويصير متحيزا حالة الاجتماع.

قلنا : ما المانع أن يكون عدم التحيز لذاته مشروطا بانفراده ، والتحيز لذاته مشروطا باجتماعه ؛ وليس فى ذلك ما يوجب قلب الحقيقة ، وبطلان صفة الحيّز.

المسلك الثانى :

قالوا : الجوهر الفرد إذا قامت به الحياة قام به ضروب من الأعراض : كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، والألم ، والإدراك ، وغيره.

فلو كانت الأعراض مما توجب باجتماعها التحيّز ؛ لكانت هذه الأعراض الزائدة على الجوهر موجبة لزيادة فى التحيز ، وليس كذلك. وإلا كانت هذه الأعراض شاغلة لحيز غير حيز الجوهر الحى ، وصارت جوهرا ثانيا غير قائم بالجوهر الحى ؛ وهو محال.

وهذا ضعيف أيضا : أما أولا : فلأن الخصم يمنع تصور قيام الحياة بالجوهر الفرد ؛ إذ البنية المخصوصة عنده شرط فى قيام الحياة بالجوهر.

وأما ثانيا : فلأنّه وان سلم جواز قيام ما ذكر من الأعراض بالجوهر الفرد ؛ ولكن لا يلزم أن تكون موجبة لزيادة فى الحيّز.

ولا يلزم من كون الأعراض التى تركب منها الجوهر المتحيّز موجبة للزيادة فى الحيّز أن تكون كل الأعراض كذلك ، الا أن يبين التماثل بين ماهيّة تركيب الجوهر ، وهذه الأعراض المفروضة ؛ ولا سبيل إليه.

المسلك الثالث : قالوا : الأعراض التى عن اجتماعها يكون الجوهر / إما أن تكون موجودة بحيث عرض واحد ، أو كل واحد منها بحيث نفسه.

فإن كان الأول : فذلك العرض إما أن يكون متحيّزا ، أو غير متحيّز.

فإن كان متحيزا ؛ فهو محال لوجهين :

٣٢

الأوّل : أنه لو كان متحيزا : لاختص بجهة وحيز ، واستدعى قيام كون به يوجب تخصيصه بذلك الحيز دون غيره ؛ والكون عرض ؛ وقيام العرض بالعرض ممتنع كما يأتى (١).

الثانى : أنه إذا كان متحيزا ؛ فهو جوهر ، وليس بعرض ؛ فإنه لا معنى للجوهر غير المتحيز. وإن سمى عرضا ؛ فهو نزاع فى التسمية.

وإن كان غير متحيز : فليس وجود غيره من الأعراض مع مساواتها له فى عدم التحيز فى حيثه أولى من وجوده فى حيثها.

وإن كان الثانى : وهو أن كل واحد منها بحيث نفسه ـ فالقول باجتماعها ممتنع ؛ لأن كل واحد منفرد بنفسه ؛ وهو غير متحيز.

وما هذا شأنه فلا يتصور فيه الاجتماع ؛ فإن الاجتماع : إنما يكون بين متحيزين ليس بينهما تقدير حيز آخر ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول :

قولكم : إما أن يوجد بحيث عرض واحد ، أو أن كل واحد منهما موجود بحيث نفسه : إمّا أن يراد به أنها توجد فى حيز عرض واحد ، أو أنها تكون قائمة به ، أو معنى آخر.

فإن كان الأول : فهو محال ؛ إذ الأعراض غير متحيزة (٢).

وإن كان الثانى : فهو أيضا محال ؛ إذ العرض لا يقوم بالعرض عندكم وعلى ما يأتى (٣) / /

وإن كان الثّالث : فلا بد من تصويره وإقامة الدّليل على إبطاله. وإن سلم صحة القسمة : فما المانع أن تكون موجودة في حيث العرض الواحد منها.

قولكم : ليس ذلك أولى من العكس. إنّما يلزم ذلك مع التماثل ؛ وهو غير مسلم.

وإن سلم امتناع ذلك ، فما المانع أن يكون كل واحد بحيث نفسه.

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى الأصل الثانى ـ الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض ل ٤٢ / ب وما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى فى الأصل الثانى ـ الفرع الثانى : فى استحالة قيام العرض بنفسه ل ٤١ / ب وما بعدها.

(٣) انظر ما سيأتى فى الأصل الثانى : فى الأعراض وأحكامها ـ الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض.

ل ٤٢ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ٥ / ب من النسخة ب.

٣٣

قولكم : لأن الاجتماع إنما يكون بين متحيزين ، ليس بينهما تقدير حيز آخر ، ممنوع. ولا يلزم من كون ما ذكروه اجتماعا أن لا يكون الاجتماع إلا هكذا. فإن الأعراض المختلفة القائمة بالجوهر الفرد عند هذا القائل مجتمعة ، وليس الاجتماع بينهما على ما قيل ؛ إذ هى غير متحيزة.

المسلك الرابع : قالوا : الجوهر الفرد متحيز بالاتفاق ؛ فلو كان مركبا من الأعراض. فكل واحد منها عند الاجتماع : إما أن يكون متحيّزا ، أو لا يكون متحيّزا.

فإن كان الأول : فكل واحد جوهر ، ويلزم منه أن يكون الجوهر الفرد مركّبا من جواهر ، وخرج عن كونه فردا ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فضم ما لا يتحيز ، الى ما لا يتحيز ؛ لا يكون موجبا للتحيز ؛ وهو أيضا مدخول ؛ لما أسلفناه فى المسلك / الأول (١).

والمعتمد فى المسألة مسلكان :

الأول : أنه لو كان الجوهر مركبا من الأعراض ؛ فتلك الأعراض : إما أن تكون مفتقرة إلى محل تقوم به ، أو لا تكون كذلك.

فإن كان الأول : فذلك المحلّ : إما أن يكون جوهرا ، أو عرضا. فإن [كان جوهرا : كان] (٢) أيضا متركبا من الأعراض. فالكلام فى تلك الأعراض كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وإن لم يكن متركبا من الأعراض ؛ فهو المطلوب.

وإن كان ذلك المحل عرضا : فالكلام فيه كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

كيف وأن ذلك يفضى إلى قيام العرض بالعرض ، وهو ممتنع على ما يأتى (٣).

وإن كان الثانى : وهو أن لا تكون مفتقرة إلى محل تقوم به ؛ فهى جواهر أسماها الخصم أعراضا. فإنا لا نعنى بالجوهر غير الموجود الممكن القائم بنفسه.

وهذه الطريقة الرشيقة مما لم أجدها لأحد غيرى.

__________________

(١) راجع ما سبق فى المسلك الأول ل ٤ / أوما بعدها.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) راجع ما سيأتى فى الأصل الثانى : الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض ل ٤٢ / ب وما بعدها.

٣٤

المسلك الثانى : أن الجوهر لو كان متركبا من الأعراض لما قامت الأعراض بالجوهر ، والأعراض قائمة بالجوهر.

أما بيان المقدمة الأولى : فلأنه لو قامت الأعراض بالجوهر ؛ لكانت قائمة بالعرض ؛ وهو محال لما يأتى (١).

وأما بيان المقدمة الثانية : فلأن الاتفاق منّا ، ومن الخصم واقع على أن الجوهر يصح اتصافه بالحياة ، والعلم ، والقدرة ، وغير ذلك من الأعراض.

فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على امتناع تركيب الجوهر من الأعراض ؛ فهو معارض بما يدل على نقيضه.

وبيانه : هو أنا لو قدرنا انتفاء الجوهر ؛ امتنع معه تقدير العرض ، ولو قدّرنا انتفاء الأعراض ؛ امتنع معها تقدير الجوهر ؛ وذلك دليل الاتحاد.

قلنا : ما ذكرتموه غايته أنه يدل على التلازم بين الجوهر ، وأجناس الأعراض ؛ وليس فيه ما يدل على الاتحاد.

ثم ما ذكروه منتقض عليهم بالجنس الواحد من الأعراض : كالكون مثلا ؛ فإنه ملازم للجوهر. بحيث لا انفكاك لأحدهما عن الآخر ؛ ولا يدل ذلك على أن الكون هو الجوهر ، والجوهر هو الكون.

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ٤٢ / ب وما بعدها.

٣٥

الفصل الرابع

فى أن الجواهر متجانسة غير متجددة (١)

أما التجانس : فقد اتفقت الأشاعرة ، وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة.

وذهب النّظام ، والنجار من المعتزلة. بناء على قولهما بتركب الجواهر من الأعراض إلى أن الجواهر إن تركبت من الأعراض المختلفة ؛ فهى / مختلفة.

قالا : ولهذا فإنا ندرك الاختلاف بين بعض الجواهر : كالاختلاف الواقع بين النار ، والهواء والماء ، والتراب ضرورة. كما ندرك الاختلاف بين السواد ، والبياض ، والحرارة ، والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، وسائر الأعراض المختلفة ؛ وهو باطل.

أما كون الجواهر مركبة من الأعراض : فبما سبق (٢).

وأما ما ندركه من الاختلاف بين الجواهر : كالأمثلة المضروبة ؛ فلا نسلم أنه عائد إلى اختلاف الجواهر فى أنفسها ؛ بل هو عائد إلى الأعراض القائمة بها. واختلاف الأعراض لا يدل على اختلاف المعروض له فى نفسه.

فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على إبطال مأخذ القائلين بالاختلاف ، فما دليلكم فى التماثل ، والتجانس؟

فلئن قلتم : دليل التماثل اشتراك جميع الجواهر فى صفات نفس الجوهر وهى التحيز ، وقبول الأعراض ، والقيام بنفسه.

فنقول : وما المانع من كون الجواهر مختلفة بذواتها ، وإن اشتركت فيما ذكرتموه من الصفات ؛ فإنه لا مانع من اشتراك المختلفات فى عوارض عامة لها. وإنما يثبت كون ما ذكرتموه من صفات نفس الجواهر أن لو لم تكن الجواهر مختلفة. وهذه أعراض عامة

__________________

(١) ذكر الإمام الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ٢ / ٩ ـ ١٠ أن الناس اختلفوا فى : هل الجواهر جنس واحد على سبعة أقاويل. وانظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين ص ١٥٣ : مسألة فى تجانس الجواهر. وقد نقل ابن تيمية كلام الآمدي المذكور هنا فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٩.) فقال «قال فى كتابه الكبير : الفصل الرابع فى أن الجواهر متجانسة إلى قوله لا إلى نفس المعنى» ثم علق عليه. وناقشه فى ١٧٩ ـ ١٨٢.

(٢) انظر ما سبق ل ٤ / أوما بعدها.

٣٦

لها. وإنما يمتنع كون الجواهر مختلفة ، وأن هذه أعراض عامة لها أن لو كانت هذه الصفات من صفات نفس الجوهر ؛ وهو دور ممتنع.

واعلم أن طرق أهل الحق فى إثبات المجانسة ، وإن اختلفت / / عباراتها ؛ فكلها آيلة إلى ما ذكر.

وما قيل عليه من الإشكال ؛ فلازم لا مخلص منه إلا بأن يقال : نحن لا نعنى بتجانس الجواهر غير كونها مشتركة فيما ذكرناه من الصفات.

وعند ذلك : فحاصل النزاع يرجع إلى التسمية ، لا إلى نفس المعنى (١)

وأما أن الجواهر غير متجددة : فلأنا نعلم بالاضطرار أن ما شاهدناه بالأمس من الجبال الراسية ، والسماوات ، والأرض ؛ هو عين ما نشاهده اليوم. وكذلك نعلم أيضا بالاضطرار أن من فاتحنا فى كلام هو عين من ختام الكلام معه ، وأن عين زوجة الإنسان بالأمس وأولاده وأمواله ومعارفه [هى عين زوجته وأولاده] (٢) وأمواله ، ومعارفه اليوم ، وغدا.

وأيضا : فإنه لو كانت الجواهر متجددة ، لما مات حي ، ولما أحيى ميت ؛ لأن من مات غير الّذي أحيى ، والّذي أحيى ؛ غير الّذي مات ؛ وذلك كله مكابرة للعقل ، ومباهتة للضرورة.

وذهب النظام ، والنجار بناء على أصلهما فى أن الجواهر مركبة من الأعراض ، وأن الأعراض متجددة [إلى أن الجواهر متجددة (٣)] وقد بينا بطلان أصلهما فى ذلك بما سبق (٤) ، وما يلزم عنه من المحالات.

فإن قيل : فكما / لا نشك فى أن ما نراه من الأجسام ، والجواهر بالأمس هى عين ما نشاهده اليوم ، وكذلك لا نشك فى أن ما نشاهده من الأكوان فى بعض الأجسام من ساعة ؛ هو عين ما نشاهده الآن ، ومع ذلك قلتم بأن الأكوان ، وجميع الأعراض متجددة.

__________________

(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٩) ثم علق عليه وناقشه فى ص ١٧٩ ـ ١٨٢.

/ / أول ل ٦ / أ.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) راجع ما سبق فى الفصل الثالث ل ٤ / أوما بعدها.

٣٧

قلنا : قد بينا أن (١) الضرورة تشهد باستمرار الجواهر ، وما ذكروه مشكل على الضروريات ؛ فلا يقبل.

كيف و (١) أن الدليل قد دل على امتناع بقاء الأعراض على ما يأتى (٢) ؛ وهو غير مساعد فى الجواهر ؛ فلا يلزم الاشتراك فى الحكم.

__________________

(١) من أول : «أن الضرورة ... إلى قوله : كيف و» ساقط من ب.

(٢) انظر ما سيأتى فى هذا الجزء ـ الأصل الثانى : فى الأعراض ـ الفصل الرابع : فى تجدد الأعراض واستحالة بقائها. ل ٤٤ / ب وما بعدها.

٣٨

الفصل الخامس

فى أن الجواهر لا تتداخل (١)

وقد اتفق العقلاء على امتناع تداخل الجواهر ، ووجود جوهر يجب وجود جوهر آخر خلافا للنظام (٢) من المعتزلة ؛ فإنه قال : بتداخل الجواهر ، وأنه إذا تميزت جملة من الجواهر ؛ جاز وجود جملة أخرى من الجواهر فى حيث وجودها.

وطريق الرد عليه أن يقال : لو جاز تداخل (٣) الجواهر : فإما أن يقال عند التداخل باتّحاد الجواهر المتداخلة ، أو تعددها.

فإن قيل بالاتحاد : فإما أن يقال باستمرار وجود الجواهر المتداخلة ، أو بعدمها ، أو باستمرار البعض ، وعدم البعض.

فإن كان الأول : فالقول بالاتحاد مع استمرار الجواهر المتداخلة محال.

وإن كان الثانى : فلا تداخل ؛ بل هو فساد لما كان من الجواهر ، وكون لأمر آخر.

وإن كان الثالث : فلا تداخل أيضا ؛ بل هو فساد ، وعدم البعض مع استمرار البعض.

وإن قيل بتعدد الجواهر : مع تداخلها ، ووجود بعضها بحيث البعض الآخر ، فلو كان البعض منها أسود ، والبعض أبيض : فإما أن نراهما ، أو نرى أحدهما دون الآخر ، أو لا نرى واحدا منهما.

فإن كان الأول : فإما أن يكون ما نراه أسود ؛ هو غير ما نراه أبيض ، أو أن ما نراه أسود ؛ غير الّذي نراه أبيض.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة فى هذا الموضوع ارجع إلى المراجع التالية : الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ١٦٠ وما بعدها. والمواقف للإيجي ص ٢٥١ المقصد الرابع : الجواهر يمتنع عليها التداخل لذاتها بالضرورة ، وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٣٩.

(٢) انظر المواقف للإيجي ص ٢٥١ فقد استبعد تصريح النظام بهذا الرأى وقال : «وأما النظام : فقيل إنه جوزه ، والظاهر أنه لزمه ذلك فيما صار إليه وأما أنه التزمه وقال به ، فلم يعلم ، وإن صح كان مكابرا».

(٣) وقد عرف الآمدي التداخل فى كتابه (المبين ص ٩٧) فقال : «وأما التداخل فعبارة عن ملاقاة شيء بأجمعه لآخر بأجمعه ، ويتبعه كون كل واحد من المتداخلين فى مكان الآخر».

٣٩

فإن كان ما نراه أسود ؛ هو غير ما نراه أبيض ؛ فهو محال ظاهر الإحالة. وإن كان ما نراه أسود ، غير ما نراه أبيض ؛ فلا تداخل ؛ بل كل واحد بحيث نفسه.

وإن كان الثانى : وهو رؤية أحدهما دون الثانى ؛ فليس أحدهما أولى من الآخر.

وإن كان الثالث : وهو أنا لا نرى واحدا منهما ؛ فهو أيضا محال ؛ وذلك لأن اللون القائم بكل واحد منهما من السواد ، أو البياض لا ينافيه / اللون القائم بالآخر ؛ ضرورة تعدد محلها. ومع تعدد المحل ؛ فلا منافاة بين البياض [القائم بأحدهما] (١) ، والسواد القائم بالآخر.

ومع القول بالاثنينية ، وبقاء لون كل واحد بحاله ؛ فالقول بعدم الرؤية محال.

وأيضا : فإنه لو قيل له : إذا جوزت مداخلة جملة لأخرى ؛ فإما أن تجوز مداخلة غيرها ، وغيرها ، أو لا تجوز ذلك.

فإن قال بنفى جواز مداخلة جملة أخرى ؛ لم يجد إلى الفرق سبيلا. وإن قال بجواز المداخلة ؛ فيلزمه جواز مداخلة كثرة العالم للخردلة الواحدة ، ويلزم على سياق ذلك أن تكون الخردلة المفروضة فيها وجود عوالم متعددة ، غير هذا العالم ، وكما يمكن ذلك ؛ فيمكن أن ينفصل عنها وجود عوالم متعددة ، مع بقائها على هيئتها ؛ وذلك كله جحد للضرورة ، ومكابرة للعقل ، وهو مما لا يرى لنفسه ، وليس امتناع التداخل بين الجواهر معللا بتحيزها ، كما قالت المعتزلة ، وإلا لما امتنع التداخل بين الأعراض ؛ لعدم تحيزها ؛ بل امتناع التداخل لذاته ؛ لا لعلة.

__________________

(١) ساقط من أ.

٤٠