أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

الأول : أنه إما أن يكون تخصيصه للحادث بوقت حدوثه متوقفا على تجدد أمر لم يكن ، أو لا يكون متوقفا عليه.

فإن كان الأول : لزم التسلسل أو الدور.

وإن كان الثانى : فتخصيصه للحادث بوقت حدوثه ، دون ما قبله وما بعده ، يكون لا بمخصص ، وليس أحد الأوقات بالحدوث أولى من البعض الآخر ؛ ضرورة التساوى ؛ وهو ممتنع.

الثانى : أنه لو كان مختارا : فإما أن يكون موجدا للعالم ؛ لغرض ، أو (١) لا لغرض (١) فإن كان لا لغرض فكل مختار فعل فعلا لا لغرض ؛ فهو سفيه عابث ؛ والرب منزه عنه.

وإن كان لغرض : فلا بد وأن يكون حصول ذلك الغرض ، له من الفعل ، أولى من عدمه ، وإلا لما كان غرضا ، ويلزم من ذلك أن يكون الرب ـ تعالى ـ مستكملا بإيجاد العالم ، وناقصا ، قبل إيجاده ؛ وهو محال.

الثالث : أنه لا يخلو عند القصد والغرض الداعى : إما أن يكون الرب ـ تعالى ـ مخيرا بين الفعل ، والترك ، أو لا يكون مخيرا.

فإن كان الأول : فترك الفعل ؛ ليس عدما محضا ؛ لأن العدم المحض ، ليس من فعل المختار.

والتخيير : إنما يكون بين فعلين. لا بين الفعل ، وما ليس بفعل ، فإذن ترك الفعل : فعل ؛ وهو التلبس بضد من أضداده ؛ على ما سبق (٢).

فترك الإيجاد فى الأزل. يكون فعلا لضد العالم ، والعالم لا ضد له. وبتقدير أن يكون له ضد : فضده أزلى. والوجود الأزلى ، لا يزول وحدوث العالم ، مع بقاء ضده ؛ يكون ممتنعا.

وإن لم يكن مخيرا. كان مجبورا ، مقهورا. وخرج عن كونه مختارا ؛ وهو أيضا محال (٣).

__________________

(١) (أولا لغرض) ساقط من ب.

(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع السابع ، الفصل الحادى والعشرون : فى الترك وتحقيق معناه. ل ٢٥٧ / أ.

(٣) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثالث : فى أنه لا مخصص للجائزات إلا الله ـ تعالى ـ وأنه مريد لكل كائن ، وغير مريد لما لم يكن ل ٢٨١ / ب وما بعدها.

٣٤١

الرابع : أنه لو كان موجدا للعالم بالاختيار : فلا بد له من القصد إلى إيجاده ؛ ومن ضرورة قصده إلى إيجاده ؛ أن يكون عالما بعدمه ؛ فبعد وجوده إن / بقى عالما بعدمه ؛ كان جاهلا. وإن لم يبق عالما بعدمه لزم منه التغيير فى صفات الرب ـ تعالى ـ وكل واحد من الأمرين ؛ محال على الله ـ تعالى ـ ، وهذه المحالات : إنما لزمت من القول بكونه مختارا ؛ فلا يكون مختارا (١).

الثانى (٢) : أنه لو كان العالم حادثا ، موجودا ، بعد العدم ؛ فكل موجود بعد ما لم يكن ؛ لا بد له من زمان ، ومادة ، يتقدمان عليه ، أما دليل تقدم الزمان ؛ فهو أن ما وجد بعد العدم : إما أن يكون له قبل كان فيه معدوما ، أو لم يكن.

فإن كان الأول : فذلك القبل ، إما أن يكون وجودا ، أو عدما. لا جائز أن يكون عدما فإنه لا فرق بين قول القائل : لا قبل له ، وبين قوله : إن قبله عدم.

ولأنه لا يكون عدم أى شيء اتفق ، وإلا كان بعد قبل ؛ وهو محال. فلم يبق إلا أن يكون مفسرا ، بأنه لم يكن ؛ وفيه تفسير القبل بما أضيف إليه ؛ بأنه لم يكن فيه.

ويرجع حاصل القول : أن له قبلا ، لم يكن فيه موجودا مع صدقه ، وصحة معناه إلى أنه لم يكن موجودا.

[فما لم يكن موجودا] (٣) ، أو أن قبله لا فى قبله ، وهو متهافت وعليك بتفهمه.

فلم يبق إلا أن يكون موجودا ، وليس هو مع ولا بعد ؛ فقد تقضى ومضى ، وهو قابل للتقدير ، والزيادة ، والنقصان ؛ فهو كم والماضى منه متصل بالحال ، والحال بالمستقبل ؛ وهو مطابق للحركات المتصلة ؛ فهو من الكميات المتصلة ؛ وهو المعنى بالزمان (٤) ثم ما من قبل ، إلا وله قبل آخر على هذا إلى ما لا يتناهى. فإذن الزمان قديم ، وإن لم يكن له قبل ، كان فيه معدوما ؛ فهو قديم لا أول له ؛ وهو المطلوب.

__________________

(١) هذه الشبهة رد عليها الآمدي بالتفصيل فيما يلى ل ٩٩ / ب وما بعدها.

(٢) الشبهة الثانية من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم والمنكرين لحدوثه. وانظر الرد عليها فيما يأتى ل ١٠٠ / ب.

(٣) ساقط من (أ).

(٤) وقد عرف الآمدي الزمان فقال : «وأما الزمان : فعبارة عما به تقدير الحركات.

وأما الآن : فعبارة عن نهاية الزمان. وإن شئت قلت : هو ما يتصل به الماضى بالمستقبل» [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدى ص ٩٦].

٣٤٢

وأما دليل تقدم المادة : فمن وجهين :

الأول : أنه إذا ثبت تقدم الزمان ، فإما أن يكون الزمان قائما بنفسه ، أو بغيره (١).

فإن كان قائما بنفسه : مع الاستحالة ؛ فهو جوهر ؛ وقد ثبت أنه لا أول له ، وهو دليل قدم الجوهر.

وإن كان قائما بغيره ؛ فذلك الموضوع هو المعنى بالمادة المتقدمة.

الثانى : هو أن كل ما وجوده مسبوق بعدمه ؛ فإن كان وجوده متقدم على وجوده ؛ لما سبق.

وليس معنى كونه ممكنا ، كونه مقدورا عليه ، وإلا كان قول القائل : هذا الشيء مقدور ؛ لأنه ممكن ، وهذا الشيء غير مقدور : لأنه غير ممكن ، تعليل الشيء بنفسه. وكأنه قال : إنما كان هذا الشيء مقدورا ؛ لأنه مقدور. وإنما كان هذا الشيء غير مقدور ؛ لأنه غير مقدور ؛ وهو متهافت ؛ فله معنى آخر وهو : إما وجودى ، أو عدمى :

لا جائز (١١) / / أن يكون عدميا : فإن نقيض الإمكان ؛ لا إمكان ، ولا إمكان عدم / ؛ لأنه يصح اتصاف الممتنع به والعدم المحض ؛ لا يكون موصوفا بالوجود. ويلزم منه أن يكون الإمكان وجوديا ، وإذا كان وجوديا ؛ فليس قوامه بنفسه. وإلا لما كان صفة لغيره ؛ فلا بد له من موضوع ؛ وذلك هو المعنى بالمادة.

الثالث (٢) : أنه لو كان العالم حادثا ، لم يخل : إما أن لا يكون بينه ، وبين الرب ـ تعالى ـ مدة ، أو يكون بينهما مدة. فإن كان الأول : فيلزم منه. مقارنة ، وجود العالم ؛ لوجود الرب ـ تعالى.

ويلزم من ذلك : إما حدوث الرب ، لحدوث العالم ، وإما قدم العالم لقدم الرب ـ تعالى ؛ وكل واحد من الأمرين ، خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فإما أن تكون المدة متناهية ، أو غير متناهية ، فإن كانت متناهية : لزم أن يكون ، وجود الرب ـ تعالى ـ متناهيا ؛ وهو ممتنع. وإن كانت غير متناهية : فقد لزم قدم الزمان ، وإذا أمكن وجود مدة ؛ لا تتناهى ، أمكن وجود مدد لا تتناهى.

__________________

(١) راجع ما مر فى الفرع السادس : فى الزمان ل ٦١ / ب وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ٥١ / ب من النسخة ب.

(٢) الشبهة الثالثة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم. وقد رد عليها الآمدي فيما يلى ل ١٠١ / أ.

٣٤٣

الرابع (١) : أن الجود ، صفة كمال ، وعدمه ، صفة نقص.

فلو كان العالم قديما : لكان الرب ـ تعالى ـ فى الأزل جوادا. ولو كان [حادثا : لما كان] (٢) الرب تعالى : فى الأزل جوادا ؛ لعدم صدور العالم عنه ؛ وهو محال.

الخامس (٣) : هو أن البارى ـ تعالى ـ صانع العالم [وكونه صانع العالم (٤)] صفة زائدة على ذات الرب ـ تعالى ـ وذات العالم.

ولذلك ، يمكن تعقل كل واحدة ، من الذاتين : مع الجهل ، بكون الرب تعالى ـ صانعا للعالم. والمعلوم غير المجهول.

وإذا كان زائدا على الذاتين : فإما أن يكون وجوديا ، أو عدميا.

لا جائز أن يقال بالثانى : لأن نقيض كونه صانعا ، ليس بصانع وليس بصانع عدم ؛ لاتصاف الممتنع به ؛ فكونه صانعا : وصف وجودى.

وإذا كان وجوديا : فإما حادث ، أو قديم :

لا جائز أن يقال بالأول : إذ الكلام فى حدوثه : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وأيضا : فإنه صفة للرب ـ تعالى ـ ويلزم من ذلك أن تكون ذات الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث ؛ وهو ممتنع.

وإن كان قديما ؛ لزم من كونه صانعا للعالم أزلا وجود المصنوع ؛ ضرورة التضايف بينهما ، وامتناع تحقق كل واحد من المتضايفين دون الآخر.

السادس (٥) : هو أن العالم ممكن الوجود ، على ما تقدم ، وإمكان وجوده صفة له ، لا لغيره.

وإذا كان إمكانه صفة له ؛ فليس إمكان العالم ؛ وصفا عدميا على ما سبق. فهو وصف وجودى ، وإذا كان وجوديا : فإما أن يكون حادثا ، أو قديما :

__________________

(١) الشبهة الرابعة من شبه الخصوم ـ وقد رد على هذه الشبهة الإمام سيف الدين فيما يلى ل ١٠١ / ب.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) الشبهة الخامسة من شبه الخصوم. وقد رد عليها الآمدي فيما يلى ل ١٠١ / ب.

(٤) ساقط من (ب).

(٥) الشبهة السادسة من شبه المخالفين ، وقد ورد عليها الآمدي فيما يلى ل ١٠٢ / أ.

٣٤٤

لا جائز أن يكون حادثا ؛ وإلا كان الإمكان ، ممكنا أيضا ؛ ولزم أن يكون له إمكان آخر.

/ والكلام فيه : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ فلم يبق إلا أن يكون قديما ويلزم من قدمه ، قدم العالم ؛ ضرورة استحالة وجود الصفة ؛ دون الموصوف.

السابع (١) : أنه لو كان العالم حادثا ، مسبوقا بالعدم ، والبارى ـ تعالى ـ يكون موصوفا بأنه قبل العالم ، والقبلية ليست من الصفات الثابتة لذات الرب ـ تعالى ؛ لذاته ، وإلا لوصف بها قبل خلق العالم وليس كذلك ؛ فلا بد لها من شيء يكون متصفا بها لذاته ، وكل ما يوصف بالقبلية والبعدية يكون بواسطته ؛ وليس ذلك غير الزمان. فإذا كانت صفة القبلية قديمة ؛ كان الزمان قديما ؛ وهو من العالم.

الثامن (٢) : أنه لو كان العالم حادثا : فإما أن يصح قول القائل : كان العالم معدوما فى الأزل ، أو لا يصح.

فإن كان الأول : فالمفهوم من الأزل : إما أن يكون وجوديا ، أو عدميا. لا جائز أن يكون عدميا : وإلا كان حاصل القول : العالم معدوم فى العدم ؛ وهو محال.

وإن كان وجوديا : فقولنا كان يدل على أمر قد تقضى ، ومضى ، وذلك هو المعنى بالزمان.

وإن كان الثانى : فيلزم من كذبه ، صدق قول القائل : ليس معدوما فى الأزل ؛ وسلب العدم ، ثبوت ؛ فيكون العالم ثابتا أزلا.

التاسع (٣) : أنه لو كان العالم محدثا ؛ فحدوثه وصف زائد على ذاته ؛ ويدل عليه أمور ثلاثة : الأول : أنه يمكن أن يعلم ذات العالم ، ويجهل حدوثه والمعلوم غير المجهول.

الثانى : أنه يوصف به : فيقال : العالم حادث ، والصفة غير الموصوف.

__________________

(١) الشبهة السابعة من شبه الخصوم. وقد رد عليها الإمام سيف الدين فيما يلى ل ١٠٢ / أ.

(٢) الشبهة الثامنة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم. وقد ورد عليها الإمام سيف الدين فيما يلى ل ١٠٢ / أ.

(٣) الشبهة التاسعة للقائلين بقدم العالم ، وقد ورد عليها المصنف فيما يلى ل ١٠٢ / ب.

٣٤٥

الثالث : أن العالم فى ابتداء وجوده : يصح أن يقال : إنه حدث الآن ، ولا يصح عليه ذلك فى حال بقائه ؛ مع استمرار ذاته.

وإذا كان حدوثه زائدا على ذاته : فإما أن يكون وجودا (١١) / / أو عدما.

لا جائز أن يكون عدميا لأن نقيض الحدوث ؛ لا حدوث ، ولا حدوث وصف عدمى ؛ لاتصاف العدم القديم به.

ولا جائز أن يكون وجوديا : وإلا فهو إما قديم ، أو حادث.

لا جائز أن يكون قديما : وإلا كان حدوث الحادث قبل وقت حدوثه ؛ وهو محال.

ولا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان حادثا ؛ بحدوث آخر ؛ ولزم التسلسل.

وهذه المحالات : إنما لزمت من القول بحدوث العالم ؛ فلا حدوث.

العاشر (١) : لو كان العالم محدثا ؛ فحدوثه : إما أن يكون مساويا له ، من كل وجه ، أو مخالفا له من كل / وجه ، أو مماثلا له من وجه ، دون وجه.

فإن كان الأول : فهو حادث ، والكلام فيه : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وإن كان الثانى : فالحدوث ليس بموجود ، وإلا لما كان مخالفا له من كل وجه ؛ وهو خلاف الفرض.

وإذا لم يكن موجودا ؛ امتنع أن يكون موجبا للموجود كما سبق.

وإن كان الثالث : فمن جهة ما هو مماثل للحادث ؛ يجب أن يكون حادثا. والكلام فيه أيضا : كالأول ؛ وهو تسلسل محال.

وهذه المحالات : إنما لزمت من القول بحدوث العالم ؛ فلا حدوث.

__________________

(١١)/ / أول ل ٥٢ / أمن النسخة ب.

(١) نقل ابن تيمية ف كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ١٦٧) هذا الوجه العاشر وهو حجة من حجج القائلين بالقدم ثم ذكر جواب الآمدي عنها ص ١٦٧ ، ١٦٨ وهى فى الأبكار في ل ١٠٢ / ب ثم علق على كلامه وناقشه بالتفصيل ص ١٦٨ وما بعدها وهذه الشبهة العاشرة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم وقد رد عليها وفندها بالتفصيل وأبطلها الإمام الآمدي فيما يلى ل ١٠٢ / ب

٣٤٦

الحادى عشر (٣) : أنا لم نشاهد إنسانا إلا من إنسان ، ولا بيضة إلا من دجاجة ، ولا دجاجة إلا من بيضة ، فلو كان العالم حادثا ؛ لكان الأمر على خلاف ما شاهدناه ، واطردت به العادة.

ولو جاز ذلك ؛ لجاز مخالفة جميع القضايا العادية : لتجويز أن يكون بين يدى إنسان سليم البصر : جبل شامخ ، ولا حائل بينهما ؛ وهو لا يراه ، ويراه من هو دونه فى قوة الإبصار.

وكتجويز من يراه ، ويعرفه أنه غير من يعرفه ، وأن المتكلم لنا بالكلمة الثانية ؛ غير المتكلم لنا بالكلمة الأولى ، وكتجويز الخارج من بيته وفيه ، أهله ، وماله عند العود إليه ؛ أنه ليس ذلك بيته ، ولا الأهل أهله ، ولا المال ماله ؛ لجواز عدم ذلك كله ، وخلق الله ـ تعالى ـ لغيره.

بل أبلغ من ذلك تجويز وجود العلم والقدرة ، بالمحل دون وصفه بالحياة ؛ فإنه لا مستند لاشتراط الحياة فى هذه الأوصاف ؛ غير اطراد العادة ولا يخفى ما يلزم من ذلك من الخلل ، وإبطال إرسال الرسل المستندة صدقهم إلى المعجزات الدالة على صدقهم بحكم جرى العادة (١).

الثانى عشر (٢) : لو كان العالم حادثا ؛ لكان الزمان حادثا ؛ لكونه من العالم ، ولو كان الزمان حادثا ، لما تميز وقت حدوث العالم عن وقت عدمه.

ويلزم من ذلك امتناع وجوده ؛ سواء أكان الموجب له بالذات ، أو الاختيار.

أما الأول : فلأنه إذا لم يكن الزمان قديما ، ولا الأوقات المختلفة موجودة ؛ فليس تخصيصه للعالم بالحدوث ، فى وقت حدوثه دون ما قبل ؛ وما بعد ، أولى من العكس ؛ ضرورة التشابه.

وأما الثانى : فلأن المختار إنما يوجد بالقصد ، وإذا لم تكن الأوقات المتميزة

__________________

(١) انظر ما سيأتى من القاعدة الخامسة ـ الأصل الثانى ـ الفصل الثالث : فى وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول.

ل ١٣٢ / ب. وما بعدها.

(٢) الشبهة الثانية عشرة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم وقد رد المصنف عليها فى ل ١٠٢ / ب.

٣٤٧

موجودة بالقصد إلى التخصيص بحالة الوجود دون حالة العدم ، لا يتصور لعدم التمييز.

الثالث عشر (١).

أنه لو كان العالم حادثا ؛ لما كان حادثا ، وبيان الملازمة : أنه لو / كان حادثا لكان معدوما فى الأزل ، وعدمه فى (٢) الأزل : إما أن يكون لعدم السبب المقتضى لوجوده فى الأزل ، أو لمعارض منع وجوده.

فإن كان الأول : فيلزم امتناع وجوده حادثا ؛ لأنه لو حدث ؛ لكان إما مع عدم المقتضى لوجوده ؛ وهو محال. وإما لوجود مقتضى حادث ، والكلام فيه : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل محال.

وإن كان لمعارض ؛ فذلك المعارض ، لا بد وأن يكون أزليا وإلا لما امتنع وجوده ؛ ضرورة وجود سببه ، وعدم المعارض فى الأزل.

وإذا كان المعارض أزليا :

فإما أن يكون واجبا لذاته [أو ممكنا لذاته (٣)].

فإن كان واجبا لذاته : وسواء كان وجودا ، أو عدما ؛ فإنه يمتنع زواله ، ويلزم من دوامه ، دوام المنع من وجود العالم

وإن كان ممكنا لذاته : فالإمكان صفة وجودية ؛ لما تقدم. والصفة الوجودية : لا تكون إلا لموجود ؛ فالمعارض موجود ممكن أزلى فيكون من العالم.

فلا يكون مسمى العالم حادثا ؛ إذ العالم : كل موجود سوى الله تعالى على ما سبق.

وأيضا : فإنه إذا كان ممكنا ؛ فالموجب له : إما بالذات ، أو الاختيار.

لا جائز أن يكون موجبا بالاختيار : لأن المختار لا يفعل بغير القصد ، والقصد لا يكون إلا مشروطا بالحدوث : كما تقدم فالمعارض لا يكون أزليا ؛ وهو خلاف الفرض.

__________________

(١) الشبهة الثالثة عشرة من شبه القائلين بقدم العالم وقد رد عليها الإمام الآمدي فيما يلى ل ١٠٣ / أ.

(٢) ساقط من (ب).

(٣) ساقط من (أ).

٣٤٨

وإن كان موجبا بالذات : فيلزم من دوامه ، دوام موجبه ؛ وهو المعارض ، ويلزم من دوام المعارض ؛ امتناع حدوث العالم.

الرابع عشر (١) :

لو كان العالم حادثا : فإما أن يكون الرب ـ تعالى ـ تاركا له فى الأزل ، [أو لا يكون (٢)].

فإن (١١) / / كان الأول : فالترك عبارة عن موجود مقدور مضاد للمتروك على ما تقدم تحقيقه (٣) ويلزم من ذلك : امتناع وجود العالم فيما لا يزال ؛ لأن ضده موجود أزلى والموجود الأزلى لا يزول.

وإن كان الثانى : فالعالم قديم ؛ وهو المطلوب. فهذه هى خلاصة ما يمكن أن تجد من الشبه المشبهة ، أوردناها بأحسن تحرير ، وتقرير.

وأما ما وراء ذلك مما أورده برقلس (٤) ، وغيره بأمور لا حاصل لها يمكن معرفة فسادها بأوائل النظر لمن لديه أدنى حظ من الفطانة آثرنا الإعراض عن ذكرها ، وتسويد الأوراق بها شحا على الزمان بتضييعه في ذكر ما لا يفيد (٥) :

والجواب :

قولهم : حقيقة الموضوع فى كل مقدمة ، إما أن تكون هى نفس المحمول فيها ، أو هو موصوف به.

قلنا : / بل موصوف به.

__________________

(١) الشبهة الرابعة عشرة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فيما يلى ١٠٣ / أ.

(٢) ساقط من (أ).

(١١)/ / أول ل ٥٢ / ب من النسخة ب.

(٣) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الجزء الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الفرع السابع ـ الفصل الحادى والعشرون : فى الترك وتحقيق معناه ل ٢٥٧ / أ.

(٤) برقلس : ولد بالقسطنطينية سنة ٤١٢ م. وتلقى تعليمه فى الإسكندرية ثم فى أثينا ، حيث صار زعيم المدرسة الفلسفية بها ، وهو من القائلين بقدم العالم ، ويعتبر برقلس آخر وأشهر ممثلى الأفلاطونية الجديدة. توفى سنة ٤٨٥ م وقد ذكر الشهرستانى شبه برقلس فى قدم العالم. ورد عليها فى كتاب خاص (الملل والنحل للشهرستانى ٢ / ١٤٩ وما بعدها). وقد ترجم له ابن النديم فى الفهرست ص ٢٥٢ وذكر مصنفاته. كما نشر له الدكتور عبد الرحمن بدوى رسالة فى قدم العالم فى كتابه «الأفلاطونية المحدثة عند العرب ونشر فى القاهرة سنة ١٩٥٥ م.

(٥) وقد نقل الشهرستانى فى كتابه نهاية الأقدام ص ٤٥ وما بعدها بعض الشبه التى أوردها برقلس ورد عليها بالتفصيل ص ٤٦ وما بعدها.

٣٤٩

قولهم : الحد الأوسط لا يكون بجملته مشتركا ؛ ليس كذلك ؛ فإن المراد من قولنا : والمؤلف من الأجزاء الحادثة : أى الموصوف بالمؤلف من الأجزاء الحادثة.

وعند ذلك : فالحد الأوسط يكون بجملته متكررا.

قولهم : فى الوجه الثانى : إن أردتم بقولكم : والمؤلف من الأجزاء الحادثة حادث : كل مؤلف بحيث يدخل فيه العالم ؛ فقد صادرتم على المطلوب ؛ ليس كذلك.

فإن المصادرة على المطلوب : إنما تكون بأن يوجد المطلوب الخفى مقدمة فى قياسه ؛ وما نحن فيه ؛ ليس كذلك. فإن المؤلف من الأجزاء الحادثة. وإن كان العالم موصوفا به.

فالحكم على العالم بالحدوث فى المقدمة الثانية ؛ ليس مطلقا ؛ حتى يكون مصادرة على المطلوب.

بل من جهة كونه موصوفا بالتأليف ؛ وليس ذلك هو المطلوب ؛ بل المطلوب لازم عنه ؛ وهو كون العالم حادثا. ولهذا كان القول : بأن العالم حادث غير بين. والقول : بأن المؤلف حادث بين.

ولا يبعد أن يكون الحكم على الشيء من غير واسطة ؛ غير بين وعلى ما هو لازم ، بين لذلك الشيء بينا ، ويكون ما ليس بينا لازما عن البين.

قولهم : فى الوجه الثالث : الإنتاج غير لازم ، عن نفس الصورة المذكورة ؛ ليس كذلك.

و [قول القائل (١)] : الإنسان نوع إن لم يرد به كل ما يسمى إنسانا ؛ فالقضية الكبرى تكون جزئية. ولا إنتاج ؛ لعدم الاشتراك فى الحد الأوسط ؛ على ما سبق (٢).

وإن أراد به كل إنسان : حتى الأشخاص فالقضية تكون ظاهرة الكذب.

فعدم الإنتاج دائر بين أن لا يكون الحد الأوسط مشتركا ، وبين أن تكون المقدمة

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) راجع ما مر فى القاعدة الثالث ـ الباب الأول ـ الفصل الخامس : فى أصناف صور الدليل ، وتنوع تأليفه ل ٣٥ / ب وما بعدها.

٣٥٠

الكبرى كاذبة ، ولا إنتاج مع أحد الأمرين ، وكذلك الحكم فى القول زيد حيوان ، والحيوان جنس.

وأما المثال الثالث : فالنتيجة فيه لازمة وهى : الإنسان حيوان وحده ليس جزء من موضوع المقدمة الأولى حتى تكون النتيجة الإنسان وحده حيوان ، بل خارج عنه حتى أنه لو جعل وحده جزء من موضوع المقدمة الأولى كانت القضية كاذبة. وسواء كانت مهملة ، أو محصورة. ولهذا : فإنه لو قال القائل : بعض الناس وحده ناطق ، أو كل إنسان أى كل واحد ، واحد ؛ وحده ناطق : كان الكذب فيها ظاهرا ؛ فكان عدم الإنتاج كقولنا : الإنسان وحده حيوان لازما عن كذب المقدمة الأولى ؛ لا عن فساد الصورة القياسية (١).

قولهم : فى الوجه / الرابع :

إما أن يتوقف الإنتاج على ارتباط إحدى المقدمتين بالأخرى ، أو لا يتوقف.

قلنا : مهما حصرت المقدمتان فى الذهن ؛ فالإنتاج لازم ضرورة من غير ضرورة ، ومن غير توقف على أمر خارج.

وعلى هذا فلا نسلم تصور الغفلة عن النتيجة بحكم جرى العادة مع حضور المقدمتين فى الذهن فيما ذكروه من مثال البغلة المنتفخة البطن.

وما ذكروه فى الوجه الخامس من التقسيم : فالمراد إنما هو القسم الأول وهو أن كل مؤلف من أجزاء كل واحد منها حادث ، ولها أول. ولا يخفى : أن ما كان مركبا من أجزاء متناهية ، ولها أول أنه يكون متناهيا ؛ وهو معلوم بالضرورة.

وإنما لا يلزم الحكم بالتناهى على الجملة : أن لو كان كل واحد من آحاد أجزائها حادثا ، وليس لها أول تنتهى إليه كما يقوله الخصوم فى جملة الحركات ، والأزمنة المتعاقبة ؛ وليس كذلك فيما نحن فيه ؛ فإنا قد بينا : امتناع تعاقب الحوادث إلى غير النهاية.

وأما ما يختص بالمعنى ، وتقرير المقدمات ، وما يرد عليها من الاعتراضات والإشكالات ، وتحقيق الانفصال عن كل واحد منها ؛ فقد سبق بالاستقصاء المفصل ،

__________________

(١) راجع ما مر فى القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى ـ الفصل الثالث : فى أقسام مقدمات الدليل ل ٣٣ / ب. والفصل الخامس : فى أصناف صور الدليل ، وتنوع تأليفه ل ٣٥ / أوما بعدها.

٣٥١

المحصل فى كل موضع على ما يليق به فعلى الناظر الالتفات إليه.

ولم يبق غير الانفصال ، عن شبه أهل الضلال.

أما الشبهة الأولى (١) :

فباطلة من جهة أن (١١) / / الحس ، والعيان ، والبرهان شاهد بوجود حوادث كائنة بعد ما لم تكن.

وما ذكروه من الشبهة يلزم منه امتناع وجود الحوادث. والقول بامتناع وجود الحوادث ؛ ممتنع. وكل دليل لزم عنه الممتنع ، فهو باطل فى نفسه.

وبيان الملازمة : هو أن ما ذكروه من الترديد ، والتقسيم فى حدوث العالم بعينه ؛ لازم فى حدوث كل حادث. وكل ما هو جواب لهم [فى حدوث الحوادث بعينه ، يكون جوابا (٢)] فى القول بحدوث العالم بجملته ، ثم ما المانع أن يكون الحدوث مستندا إلى فاعل مختار (٣).

قولهم : إما أن يكون تخصيص الفاعل المختار للعالم بوقت حدوثه ، متوقفا علي تجدد أمر أو لا يكون متوقفا عليه.

قلنا : ما المانع أن لا يكون متوقفا على تجدد أمر.

قولهم : لأنه لا يكون اختصاصه بوقت حدوثه ، دون ما تقدم أو تأخر أولى من العكس.

إنما يصح ذلك أن لو كان المخصص له موجبا بذاته. أما إذا كان مخصصا : بالإرادة ، والاختيار ؛ فلا على ما تقدم تحقيقه فى مسائل / الصفات (٤).

فإن قيل : إذا كان المخصص لحدوث العالم بوقت حدوثه إنما هو الإرادة القديمة ؛

__________________

(١) الرد على الشبهة الأولى الواردة فى ل ٩٥ / ب وخلاصتها : «أنه لو كان العالم حادثا ، وموجودا بعد العدم : فإما أن يكون قبل وجوده : واجب الوجود لذاته ، أو ممتنع الوجود ، أو ممكن الوجود ..».

(١١)/ / أول ٥٣ / أ.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٢١١ / ب وما بعدها.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى : فى الصفات النفسانية لذات واجب الوجود. ل ٥٤ / أوما بعدها.

٣٥٢

فلا يخلوا : إما أن تكون صالحة لتخصيص حدوثه بغير ذلك الوقت ، أو لا تكون صالحة لغيره.

فإن كان الأول : فنسبتها إلى جميع الأوقات نسبة واحدة. وعند ذلك : فتخصيص البعض دون البعض : إما أن يتوقف على مرجح ، أو لا يتوقف عليه.

فإن توقف على المرجح : فالكلام فى ذلك المرجح : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وإن لم يتوقف على المرجح : لزم منه ترجيح أحد الجائزين دون مرجح ؛ وهو محال كما تقدم (١).

وإن كان الثانى : وهو أنها غير صالحة للتخصيص إلا بذلك الوقت المفروض ؛ فيلزمه محالان :

الأول : أن الكلام مفروض فيما إذا كان المخصص قديما ؛ وهو غير متوقف على تجدد أمر لم يكن.

وإذا قيل : بأن تخصيص الإرادة للحدوث لا يتم دون ذلك الوقت المعين ؛ فذلك الوقت متجدد ؛ وهو خلاف الفرض. كيف : وأن الكلام فى تجدد ذلك الوقت : كالكلام فيما هو متوقف عليه ؛ وهو تسلسل ممتنع.

المحال الثانى : أنه يلزم منه خروج المخصص ، عن كونه فاعلا مختارا ؛ ضرورة انحصار وقت الحدوث فى حقه ؛ فهو خلاف الفرض أيضا.

وأيضا : فإنه : إما أن لا يكون تعلق إرادة الله ـ تعالى ـ بحدوث العالم مشروطا بوقت معين ، أو يكون مشروطا به. فإن كان الأول : فالبارى ـ تعالى ـ يكون مريدا لحدوث العالم ؛ غير مشروط بوقت.

[والإرادة (٢)] أزلية : فيلزم وجود المراد أزلا.

وإن كان الثانى : فإن كان ذلك الوقت أزليا ؛ لزم أزلية وجود العالم. وإن كان حادثا :

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٤١ / أوما بعدها.

(٢) ساقط من (أ).

٣٥٣

فالكلام فى تعلق الإرادة بذلك الوقت الحادث كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل محال.

قلنا : أما الإشكال الأول : فالمختار ؛ إنما هو القسم الأول منه.

قولهم : فتخصيص بعض الأوقات بالحدوث ، دون البعض : إما أن يتوقف على مرجح ، أو لا يتوقف.

فنقول : المرجح لأحد الجائزين دون الآخر : إنما هو نفس الإرادة ؛ لا أمر خارج عنها ، ولا يقال : لم كانت الإرادة تتعلق بأحد الجائزين وتخصيصه دون الآخر مع أن نسبتها إلى الكل نسبة واحدة ؛ لما تقدم فى إبطاله فى الصفات (١).

وأما الإشكال الثانى :

فالمختار منه أيضا : إنما هو القسم الثانى وهو أن تعلق الإرادة بحدوث العالم غير مشروط بوقت معين لأن الوقت من العالم.

فلو قلنا : إن تعلق الإرادة بالعالم مشروطة / بوقت معين مع كون الوقت من العالم ؛ لزم أن يكون تعلق الإرادة بحدوث الوقت ، مشروطا بوقت ؛ [وهو محال. ولا يلزم من ذلك أزلية العالم لأزلية الإرادة ؛ فإنها وأن لم يكن تعلقها بالعالم مشروطا بوقت] (٢) معين ؛ فهى معلقة بحدوثه ، على الوجه الّذي حدث عليه من غير تقدم ، ولا تأخر ، والإشكال مشكل ، وفى جوابه دقة ؛ فليتأمل.

قولهم : لو كان الموجد مختارا : إما أن يكون : موجدا له لغرض ، أم لا.

عنه جوابان : الأول : لا لغرض ، ولا يلزم منه السفه فى حقه ؛ لما تقدم تحقيقه فى :

التعديل ، والتجوير (٣).

الثانى : وإن كان لغرض : فإنما يلزم أن يكون مستكملا بفعله : أن لو عاد الغرض إليه ، وليس كذلك على ما تقدم تحقيقه أيضا. (٤)

__________________

(١) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى ـ المسألة الثالثة : فى إثبات صفة الإرادة ل ٦٤ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الثالثة ل ١٨٦ / أوما بعدها.

(٤) ساقط من (أ).

٣٥٤

قولهم : فى الوجه الثالث : لا يخلو : إما أن يكون الرب ـ تعالى ـ (١١) / / مختارا فى إيجاد العالم ، أو غير مختار.

قلنا : بل هو مختار.

قولهم : التخيير لا يكون بين الفعل ، وما ليس بفعل ، لا نسلم ؛ بل التخيير قد يكون بين الفعل ، وعدمه ، وقد يكون بين الأفعال ولا معنى لكونه مختارا عندنا ؛ إلا هذا.

قولهم : لو كان قاصدا لإيجاد العالم ؛ لكان عالما بعدمه إلى آخر ما ذكروه ؛ فقد سبق جوابه فى مسألة إثبات العلم لله ـ تعالى (١).

وأما الشبهة الثانية (٢) : فلا نسلم أن كل موجود بعد العدم لا بد له من تقدم زمان ، ومادة عليه (٣).

قولهم : لا بد له من قبل ؛ مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن معنى القبلية أمر وجودى ، بل معنى قبليته : أنه لم يكن ؛ فكان ؛ وهو أمر سلبى ، ومعنى عدمى. ويدل على كونه عدميا : أنه يصح اتصاف العدم السابق به : فيقال عدمه قبل وجوده.

ولو كانت القبلية صفة وجودية ؛ لما كانت صفة للعدم.

قولهم : لا فرق بين قول القائل : لا قبل له ، وبين قوله القبلية أمر عدمى ؛ ليس كذلك. فإن المفهوم : من القبلية : إذا كان عدما.

فقول القائل : لا قبل له ، يكون سلبا للمفهوم العدمى ، وسلب السلب : يتضمن الإثبات. وفرق بين العدم المحض ، وبين ما هو متضمن الإثبات.

قولهم : يصح أن يقال : له قبل هو فيه معدوم ، وتفسير القبلية / بالمعنى المذكور يفضى إلى التهافت فى الكلام.

__________________

(١١)/ / أول ل ٥٣ / ب من النسخة ب.

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ المسألة الرابعة : فى إثبات صفة العلم لله ـ تعالى ـ ل ٧٢ / ب وما بعدها.

(٢) الرد على الشبهة الثانية من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٦ / ب وخلاصتها «أنه لو كان العالم حادثا موجودا بعد العدم ؛ فكل موجود بعد ما لم يكن لا بد له من زمان ومادة يتقدمان عليه».

(٣) من أول قوله : قولهم لو كان قاصدا لإيجاد العالم ... إلى لا بد له من تقدم زمان ومادة عليه» مكرر فى النسخة (أ).

٣٥٥

قلنا : إذا كانت القبلية عبارة عما ذكرناه. فقول القائل : الحادث له قبل كان فيه معدوما : إن أراد به القبلية : بالاعتبار المذكور ؛ لا يكون صحيحا ؛ ولا نسلم صحة إطلاقه.

وإن أراد به : تقدير مدة فى وهمه وفرضه من غير تحقيق ؛ فلا منازعة فى العبارة. ولا يلزم من كون العدم متقدما على الوجود الحادث ؛ أن يكون تقدمه بالزمان ؛ فإن التقدم أعم من التقدم بالزمان كما سبق (١) ولا يلزم من الأعم الأخص.

وعلى هذا : فقد بطل القول بسبق وجود المادة تفريعا علي وجود الزمان.

وما ذكروه من بيان وجود المادة فى الوجه الثانى ؛ فمبنى على أن الإمكان أمر وجودى ؛ وقد أبطلناه ؛ فيما تقدم وبتقدير أن يكون صفة وجودية فحاصله يرجع إلى أن الرب ـ تعالى ـ قادر على إحداثه.

قولهم : لو كان كذلك ؛ لزم منه تعليل الشيء بنفسه.

قلنا : الممكن هو المقدور على ما ذكرناه. غير أن من لوازمه : أنه لو فرض موجودا ؛ لا يلزم عنه لذاته محال والتعليل : إنما هو : هذا اللازم.

ولا تخفى المغايرة بين الأمرين ، وتعليل أحد المتغايرين بالآخر ، لا يكون تعليلا للشىء بنفسه ؛ فلا يكون متهافتا. وإطلاق اسم الإمكان على اللازم : إنما كان بطريق التجوز والاستعارة ؛ ضرورة الملازمة ، ولا بعد فيه ؛ وفيه دقة ؛ فليتأمل.

وأما الشبهة الثالثة (٢) :

فإن أرادوا بلفظ المدة الزمان : فالتقسيم إذن إنما يصح فيما هو قابل للتقدم ، والتأخر ، والمعية بالزمان. وأما ما ليس بقابل لذلك ؛ فلا. والبارى ـ تعالى ـ ليس قابلا

__________________

(١) راجع ما مر ل ٨١ / ب وما بعدها.

(٢) الرد على الشبهة الثالثة للخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «لو كان العالم حادثا ؛ لم يخل : إما أن لا يكون بينه ، وبين الرب ـ تعالى ـ مدة ، أو يكون بينهما مدة. فإن كان الأول ؛ فيلزم منه مقارنة ، وجود العالم لوجود الرب ـ تعالى .. إلخ».

٣٥٦

للتقدم بالزمان ؛ لكون وجوده غير زمانى على ما تقدم (١). وكذلك ليس متقدما بالمكان ؛ لأن وجوده ليس وجودا مكانيا (٢).

فإذا قيل : إنه متقدم بالزمان ؛ كان محالا كما إذا قيل إنه متقدم بالمكان.

وعند ذلك : فلا يلزم من نفى المدة الزمانية ، بين البارى ـ تعالى ـ وبين العالم ، ومن نفى تقدم البارى ، على العالم بالزمان ، المعية بينه ـ تعالى ـ ، وبين العالم.

كما لا يلزم من القول بنفى المكان ، والتقدم به على العالم ؛ المعية بينهما.

ولو لزم من نفى تقدم أحد الشيئين على الآخر ، بالزمان المعية بينهما ؛ للزم أن يكون الزمان الماضى مع الحالى ، والحالى مع المستقبل ؛ لاستحالة تقدم الزمان ، على الزمان بالزمان كما تقدم تعريفه (٣).

كيف : وأنه إذا أريد بالمدة الزمان : كان التقسيم خطأ ؛ إذا الزمان من / العالم ، والكلام أيضا واقع فيه.

فإذا قيل : إما أن يكون بين البارى ـ تعالى ـ وبين العالم زمان ، أو ليس بينهما زمان. كان حاصله يرجع إلى أنه : إما أن يكون بين الزمان ، وبين البارى ـ تعالى زمان. أو ليس بينهما زمان ؛ وهو محال ، إذ الزمان الّذي وقع الخلاف فيه ؛ لا يكون متقدما على نفسه بحيث يفرض أن بين البارى ـ تعالى ـ وبين نفسه ؛ هذا كله إن أريد بالمدة الزمان.

وإن أريد بها معنى تقديرى وهمى : وهو ما يقدره المقدر مع نفسه ، وتصوره فى وهمه من المدة التى لا نهاية لها كما يقدره الوهم من أبعاد لا نهاية لها فذلك مما لا حقيقة له ، ولا وجود ؛ وإنما هو من تقديرات الأوهام الكاذبة.

ولا يخفى أن إثبات المدة بهذا الاعتبار غير موجب لقدم الزمان ، ولا نفيها موجب للمعية بين البارى (١١) / / تعالى ، والعالم.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع ـ المسألة السادسة : فى أن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس فى زمان ل ١٥٥ / أ.

(٢) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع ـ المسألة الخامسة : فى أن الله ـ تعالى ـ ليس فى جهة ولا مكان ل ١٥٠ / أ.

(٣) راجع ما تقدم ل ٨١ / ب وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ٥٤ / أ.

٣٥٧

وأما الشبهة الرابعة (١) :

فحاصل لفظ الجود فيها يرجع إلى صفة فعلية ، وهو كن الرب ـ تعالى ـ موجدا ، وفاعلا لا لغرض يعود عليه من جلب نفع ، أو دفع ضر.

وعلى هذا : فلا نسلم أن صفات الأفعال من كمالاته ـ تعالى ـ وليس ذلك من الضروريات ؛ فلا بد له من دليل.

كيف : وأنه لو كان ذلك من الكمالات ؛ لقد كان كمال واجب الوجود متوقفا على وجود معلوله عنه.

ومحال أن يستفيد الأشرف كما له من معلوله (٢) ؛ كما قرروه فى كونه موجدا بالإرادة (٣).

وإن سلمنا : أنه كمال ؛ فإنما يكون عدمه فى الأزل نقصا أن لو كان وجود العالم فى الأزل ممكنا ، وهو غير مسلم ؛ وهو على نحو قوله فى نفى النقص عنه ؛ لعدم إيجاده للكائنات الفاسدات : كالصور الجوهرية العنصرية والأنفس الإنسانية ؛ لتعذر وجودها به أزلا من غير توسط ، ولا يلزم من كون العالم غير ممكن الوجود أزلا أن لا يكون ممكن الحدوث ، لما حققناه قبل.

وأما الشبهة الخامسة (٤) :

فربما أجاب عنها بعضهم بأن كون الرب ـ تعالى ـ صانعا ومؤثرا ؛ ليس صفة زائدة على ذاته ـ تعالى ـ وإلا كانت مفتقرة إلى ذاته ، وكانت ممكنة مفتقرة إلى مؤثرية أخرى ؛ ولزم التسلسل. ويلزم عليه صفات الرب ـ تعالى ـ من العلم ، والقدرة ، والإرادة وغيرها ، فإنها مفتقرة إلى ذاته ـ تعالى ـ ، ضرورة كونها صفات لها وهى غير مفتقرة إلى مؤثر ، ولا هى معلولة لشيء أصلا. كيف : وأنه لو كان المفهوم من كون الرب ـ تعالى ـ مؤثرا

__________________

(١) الرد على الشبهة الرابعة من شبه المخالفين الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «أن الجود صفة كمال ، وعدمه صفة نقص .... إلخ».

(٢) راجع ما مر فى ل ٨٢ / أ.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢٨٧ / ب القول فى أن كل كائن فمراد لله ـ تعالى ـ وما ليس بكائن غير مراد الكون.

(٤) الرد على الشبهة الخامسة من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «هو أن البارى ـ تعالى ـ صانع العالم.

وكونه صانع العالم صفة زائدة على ذات الرب ـ تعالى ـ وذات العالم ... إلخ».

٣٥٨

وصانعا غير زائد / على ذاته ؛ لما تصور العلم بذاته ، والجهل بكونه مؤثرا ؛ وهو مكابرة للبديهية.

فالحق أن يقال : كون الرب ـ تعالى صانعا ، ومؤثرا ، وإن كان المفهوم منه ، يزيد على المفهوم من ذاته ووجوده ، غير أنا لا نسلم أن معناه يزيد على كون العالم ، صدر عنه مخصصا بقدرته ، وإرادته فى وقت حدوثه. وإذا لم يكن المفهوم من كونه صانعا ومؤثرا ، يزيد على حدوث العالم عنه مخصصا بقدرته ، وإرادته.

فحدوث العالم عنه : ليس صفة قائمة لذاته ، حتى تكون ذاته محلا للحوادث ، ولا حدوث العالم عنه ، يزيد على حدوث العالم ؛ ليلزم التسلسل كما قيل.

وأما الشبهة السادسة (١) :

فمبنية على كون الإمكان صفة وجودية ، وفد بينا إبطاله فيما تقدم.

وبتقدير أن تكون صفة وجودية ؛ فلا نسلم أن مفهومه يزيد على كون الرب ـ تعالى ـ قادرا على إيجاد العالم ؛ على ما سبق تحقيقه.

وإن سلمنا : أن الإمكان صفة للعالم ؛ فما المانع من كونه حادثا. [قولهم : لو كان حادثا (٢)] لكان ممكنا بإمكان ؛ ولزم التسلسل.

قلنا : ولو كان قديما ؛ لكان أيضا ممكنا ؛ لأنه لو لم يكن ممكنا ؛ لكان مع فرض وجوده ، واجبا لذاته. ولو كان واجبا لذاته : لما كان صفة لغيره ؛ وللزم وجود واجبين لذاتيهما وهما الرب ـ تعالى ـ والإمكان ؛ ولم يقولوا به.

وبتقدير كونه قديما ممكنا : يلزم أن يكون ممكنا بإمكان ؛ وما هو عذرهم فى إمكان القديم ؛ هو العذر فى الإمكان الحادث. ثم يلزم على ما ذكروه ، امتناع وجود الحوادث ؛ لأن ما من حادث يفرض ، إلا وهو ممكن لذاته ، وإمكان صفة له فلو كان إمكانه حادثا ؛ لكان ممكنا بإمكان آخر فلزم أن يكون إمكانه قديما. ويلزم من قدم إمكانه ؛ قدم ذلك الحادث ؛ لاستحالة وجود الصفة دون الموصوف ؛ فما هو عذرهم فى حدوث الحوادث ، يكون بعينه عذرا في حدوث العالم.

__________________

(١) الرد على الشبهة السادسة من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «هو أن العالم ممكن الوجود على ما تقدم ، وإمكان وجوده صفة له لا لغيره .... إلخ».

(٢) ساقط من أ.

٣٥٩

وأما الشبهة السابعة (١) :

فمبنية على أن القبلية والبعدية من أسماء الزمان ، وليس كذلك ؛ بل لا معنى لكون الرب ـ تعالى ـ موصوفا بأنه قبل العالم : إلا أنه كان ولا شيء سواه.

ومعنى كون العالم بعد ، أنه لم يكن مع الرب ، ثم كان وإلا فلو كان الرب ـ تعالى ـ قبل العالم بالزمان. فالزمان من العالم ، ويلزم أن يكون متقدما على الزمان بالزمان ؛ وهو محال.

وأيضا : فإن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس وجودا زمانيا على ما تقدم (٢) فلا يكون قبل بالزمان.

كما أنه لما لم يكن وجوده ، وجودا مكانيا ؛ لم يكن قبل بالمكان (٣).

وأما الشبهة الثامنة (٤) :

فإن أرادوا بقولهم :

إن العالم كان معدوما فى الأزل : أنه لم يكن وجوده ، وجودا أزليا أى : غير مسبوق / بالعدم ؛ فهو مسلم.

ولا يلزم من ذلك قدم الزمان ، وإن أرادوا غيره ؛ فهو غير مسلم. كيف : وأن بتقدير حدوث العالم [إذا قيل (٥) : بأن العالم] كان معدوما فى الأزل لو أريد بالأزل الّذي هو فيه معدوم الزمان ؛ فلا يخفى أن الزمان من العالم.

__________________

(١) الرد على الشبهة السابعة من شبه الخصوم الواردة في ل ٩٧ / ب وخلاصتها «لو كان العالم حادثا مسبوقا بالعدم ، والبارى ـ تعالى ـ يكون موصوفا بأنه قبل العالم .... إلخ».

(٢) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع ـ المسألة السادسة : فى أن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس فى زمان. ل ١٥٥ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما تقدم فى الجزء الأول ل ١٥٠ / أوما بعدها.

(٤) الرد على الشبهة الثامنة من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٧ / ب وخلاصتها : «لو كان العالم حادثا ـ فإما أن يصح قول القائل : كان العالم معدوما فى الأزل» أو لا يصح .. إلخ».

(٥) ساقط من (أ).

٣٦٠