أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

وإما أن لا يكون ولا واحدا منهما عالما بالثانى ، وإما أن يكون أحدهما عالما بالثانى من غير عكس.

وكل واحد من هذه اللوازم ممتنع ؛ فالملزوم ممتنع

أما الأول : فلأنه يلزم من كون كل واحد منهما عالما بالآخر أن يكون كل واحد منهما قائما بالآخر ؛ لأن العالم من قام به العلم ؛ وذلك محال.

وأما الثانى : فلأنه لو جاز قيام العلم بشيء ، ولا يكون عالما به ؛ لجاز ذلك فى كل من قام به العلم ؛ وهو محال /

وأما الثالث : فلعدم الأولوية كما سبق.

ولقائل أن يقول على الوجه الأول : لا نسلم أنه يلزم من قبول العلم للعلم قبوله للجهل ؛ ولا نسلم أن سبيل قيام أحدهما به كسبيل قيام الآخر به ؛ وليس ذلك ضروريا ، والنظرى لا بدّ له من دليل.

وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن كل ما يقبل العلم والجهل ، لا يخلو من أحدهما وتقريره ما سبق فى امتناع تعرّي الجواهر عن الأعراض (١).

وإن سلمنا ذلك ولكن إذا كان القابل جوهرا ، أو عرضا : الأول : مسلم ، والثانى :

ممنوع ، ولا بد للتمثيل من دليل ، ولا دليل.

وأما الوجهان الأخيران : فهما فى غاية الجودة ، والوضوح ؛ ولكن غاية ما يلزم من ذلك ، امتناع قيام العلم بالعلم ، ولا يلزم من ذلك امتناع قيام العرض بالعرض مطلقا ، ولعل القائل بذلك إنما يجوزه فى بعض الأعراض دون البعض ، وهى ما كان من الأعراض المختلفة التى ليست متضادة.

المسلك الثانى : ويخص امتناع قيام الأكوان بالاعراض. وهو أنهم قالوا : الكون (٢) غير خارج عن الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ، وكل ذلك غير متصور فى غير المتحيز.

__________________

(١) راجع ما مر فى المصدر السابق ل ٨ / ب وما بعدها.

(٢) الكون : عبارة عن خروج شيء ما من العدم إلى الوجود دفعة واحدة لا يسيرا يسيرا (المبين ص ١٠٠ ، ١٠١).

والأكوان يمتنع قيامها بالأعراض.

١٦١

والأعراض ليست متحيزة ؛ فلا يتصور قيام الأكوان بها ، وبيانه أن الحركة لا معنى لها إلا شغل مكان ، وتفريغ آخر ، والسكون لا معنى له إلا شغل المكان أكبر من زمان.

والاجتماع لا معنى له : غير حصول جوهرين فى حيزين لا يفصلهما ثالث.

والافتراق : لا معنى له : غير حصول جوهرين فى حيّزين يفصلهما ثالث.

وكل ذلك لا يتصور فى غير الجواهر المتحيزة ، والأعراض غير متحيزة ؛ فلا تكون قابلة للأكوان.

ولقائل (١) أن يقول : ـ تفسير الأكوان بما ذكروا إن تعذر قيامهما بالعرض.

فليس فى ذلك ما يدلّ على امتناع قيام العرض بالعرض مطلقا كما سبق فى المسلك الأول (١).

[ولقائل أن يقول : ـ الأكوان وإن كانت لا تقوم إلا بمتحيز لكن بشرط أن يكون متحيزا بنفسه ، أو مطلقا.

الأول ممنوع والثانى : مسلم ، والأعراض متحيزة ؛ فكانت قابلة للأكوان وإن كانت متحيزة بنفسها لغيرها.

وعلى هذا : فما ذكروه فى معنى الحركة والسكون ، لا ينافى قيام الحركة ، والسكون بالعرض.

وما ذكروه فى معنى الاجتماع ، والافتراق ؛ فغير مسلم ؛ بل الاجتماع عبارة عن حصول شيئين فى حيزين لا يفصلهما ثالث.

والافتراق فى مقابلته ، وهو أعم مما ذكروه] (٢).

فالأسدّ فى هذا الباب الوافى بالغرض.

أن يقال : لو قام العرض بالعرض ، الّذي قام به العرض لا يخلو : إما أن يكون قائما بنفسه ، أو بغيره : لا جائز أن يقال بالأول ؛ لما سبق فى الفرع الّذي قبله (٣).

__________________

(١) من أول قوله : «ولقائل أن يقول : ....... إلى قوله : فى المسلك الأول» ساقط من ب.

(٢) ساقط من أ.

(٣) راجع ما مر فى الفرع الثانى : فى استحالة قيام العرض بنفسه ل ٤١ / ب وما بعدها.

١٦٢

وإن كان الثانى : ـ فما قام به أيضا إما عرض ، أو جوهر.

فإن كان عرضا : فالكلام فيه كالكلام فى الأول / ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وإن كان جوهرا : فقيامه به لا معنى له غير وجوده بحيث الجوهر ، وقيام العرض الأول به لا معنى له غير قيامه بحيثه ، وحيثه ليس هو غير حيث الجوهر الّذي قام به.

فإذن العرضان بحيث الجوهر ، ولا معنى لقيام أحدهما بالآخر وإن كان أحدهما مشروطا فى قيامه بالجوهر ، بقيام الآخر بالجوهر كما قيل فى الحركة ، والبطء ، والسرعة ، وكل ما يتخيل فيه قيام العرض بالعرض.

١٦٣

الفرع الرابع

فى تجدد الأعراض ، واستحالة بقائها (١)

وإبطال القول بالكمون والظهور ، وإحالة انتقالها

مذهب أهل الحق من الأشاعرة : أن الأعراض جملتها غير باقية ؛ بل هى على التقضى ، والتجدد وأن الله ـ تعالى ـ قادر على خلق كل واحد من آحادها فى أى وقت شاء من غير تخصيص بوقت دون وقت ، وأن ما خلقه منها فى وقت كان يمكن خلقه بعد ذلك (١١) / / الوقت ، أو قبله. ووافقهم على ذلك النظام ، والكعبى من المعتزلة.

وأما الفلاسفة : فإنهم قالوا : ببقاء جميع الأعراض بدون الأزمنة ، والحركات.

وذهب الجبائى (٢) ، وابنه ، وأبو الهذيل (٣) : إلى بقاء الألوان ، والطعوم والروائح دون العلوم ، والإرادات ، والأصوات ، وأنواع الكلام. ولهم فى الحركات والسكون ، خلاف كما سنشرحه فى الأكوان (٤).

وزعموا أن ما لا يبقى من الأعراض ؛ لا بد وأن يكون وجوده مختصا بالوقت الّذي وجد فيه ، ولا يسوغ فى العقل تجويز خلقه بعد ذلك الوقت ، ولا قبله.

وقد احتج الأصحاب بمسالك.

الأول : أنهم قالوا لو بقيت الأعراض ؛ لبقيت ببقاء ، والبقاء عرض ويلزم من ذلك قيام العرض بالعرض ؛ وهو ممتنع كما سبق (٥) وهو ضعيف ؛ لما سبق من بيان كون الباقى باقيا بنفسه من غير بقاء يقوم به.

__________________

(١) راجع فى هذا المبحث مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٤٦ ـ ٥١. فقد ذكر آراء العلماء بالتفصيل فى هذا الموضوع. وانظر الشامل للجوينى ص ١٨٦ وما بعدها. وانظر أصول الدين للبغدادى ص ٥٠ ـ ٥٢ والمواقف للإيجي ص ١٠١ وشرح المواقف ٥ / ٣٨ وما بعدها وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٣ وما بعدها. وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٧٣.

(١١)/ / أول ل ٢٣ / ب.

(٢) راجع رأى الجبائى فى مقالات الإسلاميين ٢ / ٤٧.

(٣) راجع رأى أبى الهذيل فى مقالات الإسلاميين ٢ / ٤٧.

(٤) انظر ما سيأتى فى الفرع الخامس : فى الأكوان وما يتعلق بها. ل ٤٨ / أوما بعدها.

(٥) راجع ما مر فى الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض.

وانظر ما مر فى الجزء الأول : فى صفة البقاء ل ١١٨ / أوما بعدها.

١٦٤

المسلك الثانى : أنهم قالوا اتفق المحصلون على أن الجوهر إذا قام به بياض أن الرب ـ تعالى ـ قادر على خلق مثله فيه فى الحالة الثانية من وجوده.

فلو بقى الأول لاستحال اتحاد مثله ؛ لاستحالة اجتماع المثلين فى محل واحد كما يأتى (١) ؛ وهو ضعيف أيضا.

إذ لقائل أن يقول : الرب ـ تعالى ـ قادر على خلق مثله فى الحالة الثانية من وجوده بتقدير عدمه ، أو لا بتقدير عدمه. الأول مسلم ، والثانى : محال على زعمهم امتناع / اجتماع المثلين.

ولا يلزم من جواز عدمه فى الحالة الثانية من وجوده ؛ امتناع بقائه بدليل الجوهر فإنه باق بموافقة منكم وإن جاز عليه العدم [فى الحالة الثانية من وجوده] (٢).

المسلك الثالث : قالوا وقع الاتفاق منا ، ومن المعتزلة على امتناع بقاء الأصوات والإرادات ، فنقيس محل النزاع على محل الاجتماع بواسطة السبر ، والتقسيم.

وأنه ما من وجه [يمكن] (٣) أن يدل به فى محل الاجتماع على امتناع البقاء إلا وهو مطرد فى باقى الأعراض ؛ وهو ضعيف أيضا.

فإن حاصله راجع إلى التمثيل والجمع من الأصل والفرع ، بواسطة السبر والتقسيم ، وقد أبطلناه فيما تقدم (٤).

وربما أورد أبو هاشم فى معرض الفرق ما ليس بفارق. وذلك أن قال : إنما استحال بقاء الصوت ؛ لأن استماع الصوت مع بقائه لازم ، وسماع الصوت ، بتقدير سكوت الصوت ممتنع.

وأما الإرادة : فإنما استحال بقاؤها ؛ لأنها لو بقيت ؛ لبقيت مع حصول المراد.

ويلزم من ذلك أن تكون إرادة لا مراد لها ، وهو ممتنع.

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى هذا الجزء الأصل الثالث فيما توصف به الجواهر والأعراض ـ الفصل الثانى : فى تحقيق معنى التماثل والمثلين ل ٧٢ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى ـ الفصل السابع : فيما ظن أنه من الأدلة المفيدة لليقين وليس منها ـ الدليل الثالث : ل ٣٩ / ب.

١٦٥

أما الأول : فلأنه وإن كان لا بقاء للصوت بتقدير عدم وسكوت الصوت. فما المانع من كون الصوت الممتد. قبل السكوت باقيا ، وأنه شيء واحد ، غير متجدد.

فلأن قالوا : لأنه ما من وقت يفرض من أوقات مد الصوت فيها إلا ويمكن فيه فرض قطع ذلك الصوت ؛ فكان متجددا فنقول : وما المانع من قول مثل ذلك فى الألوان ، والطعوم ، وكل ما قيل ببقائه ، وهذا مما لا مخلص منه.

وأما الثانى : فمما لا يستقيم على مذهب أبى هاشم خصوصا ، وعلى مذهب المعتزلة عموما.

أما الأول : فلأن من مذهب أبى هاشم ، إمكان وجود علم لا معلوم له.

ولو قيل : ما الفرق بين الإرادة ، والعلم حتى جوزت وجود علم لا معلوم له ، ومنعت من ذلك فى الإرادة ؛ لم يجد إليه سبيلا.

وأما الثانى : فلأن من مذهب المعتزلة إمكان بقاء القدرة بعد وجود المقدور ، وامتناع تعلقها به.

ولو قيل لهم : ما الفرق بين الإرادة ، والقدرة حتى جاز وجود القدرة بعد انقطاع تعلقها بالمقدور ، وامتنع ذلك فى الإرادة ؛ لم يجدوا إلى دفعه غير قولهم بأن القدرة لا تخصص بمقدور واحد.

فلا يلزم من انقطاعها / عن بعض المقدورات ؛ انقطاع تعلقها بما بعده.

ولذلك قيل : ببقائها بخلاف الإرادة ؛ وهو فاسد.

أما أولا : فلأنه مبنى على فاسد أصولهم فى جواز تعلق القدرة بمقدورين ؛ وقد أبطلناه (١).

وأما ثانيا : فلأنه لو قيل لهم ما الفرق بين الإرادة ، والقدرة حتى قيل بجواز تعلق القدرة بمقدورين ، وبامتناعه فى الإرادة ؛ لم يجدوا إليه سبيلا.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع السابع ـ الفصل الرابع : فى امتناع تعلق القدرة الحادثة بمقدورين ل ٢٣٥ / أو ما بعدها.

١٦٦

والّذي عليه اعتماد الأئمة هاهنا.

أنهم قالوا : لو أمكن بقاء العرض فى الزمن الثانى من وجوده ؛ لما تصور عليه العدم فيه ، وكذلك فى الّذي يليه ... واللازم ممتنع بالإجماع ، وبشهادة الحس ، وبيان الملازمة أنه لو تصور عليه العدم مع إمكان بقائه :

فإما أن يكون بمقتضى الإعدام ، أو لا يكون كذلك.

فإن كان بمقتضى الإعدام.

فإما أن يكون المقتضى له ذات العرض ، أو غير ذاته.

لا جائز أن يقال (١١) / / بالأول : وإلا كان ممتنع الوجود فى ذلك الوقت الّذي عدم فيه لذاته ، وخرج عن أن يكون بقاؤه فيه جائزا ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فذلك الغير إما وجود ، أو عدم ، أو لا موجود ولا معدوم

فإن كان وجوديا : فإما أن يكون ضدّا ، أو لا يكون ضدّا.

فإن كان ضدّا : فإما أن يكون وجوده مقاربا لوجود العرض ، أو حادثا فى الزمان التالى من وجوده.

فإن كان الأول : فهو ممتنع. وإلا لما وجد ذلك العرض أبدا ، أو لما كان ذلك الضد ضدّا ؛ ضرورة اجتماعهما ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فهو ممتنع لوجهين :

الأول : أنه أوجد الضد فى الزمن الثانى من وجود العرض. فإما أن يوجد والعرض موجود ، أو معدوم. أو لا موجود ، ولا معدوم.

فإن كان الأول : لزم منه اجتماع الضّدين ؛ وهو محال. أو أن يكون ما فرض ضدّا ليس بضد ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان الثانى : فوجود الضّد لم يكن هو المعدم للعرض ؛ لكونه معدوما قبل وجوده.

__________________

(١١)/ / أول ل ٢٤ / أ. من النسخة ب.

١٦٧

وإن كان الثالث : فهو مبنى على القول بالأحوال ، وسيأتى إبطاله (١).

كيف وأنه إذا لم يكن العرض موجودا ؛ فوجود الضد لا يكون هو الدافع للوجود ؛ لارتفاعه قبله.

الوجه الثانى : أنه إذا فرض التضادين الجانبين ، فليس القول بعدم ما كان موجودا لطرو ما طرى أولى من امتناع وجود الطارئ بوجود الباقى.

هذا إن كان ضدّا / وإن لم يكن ضدّا ؛ فهو فاعل للعدم ؛ وهو محال ؛ لأن العدم نفى محض ، وليس بشيء (٢). وما ليس بشيء (٢) لا يكون فعلا للفاعل [وذلك لأن فعل الفاعل لا بد وأن يكون شيئا ثابتا لأن نقيض الفعل لا فعل ، ولا فعل عدم محض ، لصحة اتصاف الممتنع به] (٣).

فإنه (٤) لا فرق بين قول القائل فعل ما ليس بشيء ، وبين قوله : لم يفعل شيئا (٤) وأما إن كان ذلك الغير عدما بحيث يلزم عدم العرض منه ؛ فهو ممتنع ؛ لأنه لا بد وأن يكون موجبا للعدم بذاته ، لا بالاختبار ؛ لاستحالته فى الاعدام.

وعند ذلك : فإما أن يكون ذلك العدم مقارنا لوجود العرض ، أو طارئا عليه.

فإن كان الأول : فهو محال. وإلا لما وجد العرض ابتداء ، أو لما كان ذلك العدم مقتضيا لقدم العرض ؛ وهو خلاف الفرض.

وإن كان طارئا : فإما أن يطرأ والعرض موجود ، أو معدوم ، أو لا موجود ، ولا معدوم.

فإن كان الأول : فقد اجتمع ذلك العدم ، ووجود العرض ؛ فلا يكون العدم مقتضيا لعدم العرض.

وإن كان الثانى ، أو الثالث : فبطلانه بما سبق فى الضد وإن كان ذلك الغير لا موجودا ، ولا معدوما ؛ فهو باطل ؛ لما ذكرناه قبل.

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى هذا الجزء ـ الباب الثالث ـ الأصل الأول : فى الأحوال ل ١١٤ / أ.

(٢) (وما ليس بشيء) ساقط من ب.

(٣) ساقط من أ.

(٤) من أول قوله : «فإنه لا فرق ..... إلى قوله : لم يفعل شيئا» ساقط من ب.

١٦٨

وإن لم يكن عدم العرض فى الزمن الثانى مع جواز وجوده فيه بمقتض اقتضى العدم ؛ فيلزم منه ترجح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح ؛ وهو محال ؛ لما سبق تقريره فى إثبات واجب الوجود (١).

فهذه هى الطريقة المعتمدة للأئمة فى هذه المسألة وإن زادت عباراتهم ونقصت فيها ؛ فمآل الكل راجع إلى مقصد واحد غير أنا زدناها تحريرا ، وتقريرا ؛ لا يخفى على المتأمل العارف بقواعد الأصول وجهته.

فإن قيل : سلمنا الحصر فيما ذكرتموه من الأقسام ؛ ولكن ما المانع أن يكون العدم ضدّا؟

وما ذكرتموه فى الوجه الأول من الأقسام ؛ فلا نسلم الحصر فيها إذ أمكن أن يقال بوجود قسم رابع ، وهو أن يكون وجود الضد وعدم العرض المضادّ له معا لا أنه وجد ، والعرض موجود ليقال باجتماع الضدين ولا أنه وجد والعرض كان معدوما ، ليقال لا تأثير لوجوده فيه ، ولا أنه غير موجود ولا معدوم ؛ ليقال بابطاله.

وأما ما ذكرتموه فى الوجه الثانى فما المانع أن يكون الطارئ أقوى من السابق ، وعند ذلك : فيكون أولى باعدام السابق.

ثم دليل كونه أقوى أنه فى أول زمان حدوثه ، وأقرب إلى السبب المقتضى / له من العرض السابق.

ولهذا كانت كل صناعة محكمة قريبة من السّبب الموجب لها ؛ أقوى منها فى دوامها وبعدها عن سببها.

وإن سلمنا امتناع كونه ضدّا فما المانع من كونه فاعلا مختارا. [وما ذكرتموه فى تقريره ؛ فقد سبق جوابه] (٢).

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الأول : فى إثبات واجب الوجود بذاته ، وبيان حقيقته ووجوده ل ٤١ / أوما بعدها.

(٢) ساقط من أ. [راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢١١ / ب وما بعدها.

١٦٩

قولكم (١) لأنه لا فرق بين قول القائل ما فعل شيئا ، وبين قوله فعل ما ليس بشيء. لا نسلم عدم الفرق ؛ إذ الأول يرجع إلى أنه لم يؤثر أثرا.

والثانى يرجع لأنه أثر أثرا عدميا. وفرق بين التأثير ومعنى كون العدم أثرا له. أنه لو لاه لما كان ذلك العدم. لا بمعنى أن أثره ذات وشيء (١).

سلمنا امتناع كون العدم وجوديا ؛ ولكن ما المانع من كونه عدميا بأن يكون قد فقد شرط وجوده.

وما ذكرتموه فى إحالة كونه طارئا ؛ فالكلام عليه كما تقدم فى الكلام على الضدّ (٢).

سلمنا امتناع كونه عدميا ؛ ولكن ما ذكرتموه منتقض بإمكان عدم الجوهر مع بقائه ، ولزوم جميع ما ذكرتموه من الأقسام.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع بقاء العرض ؛ ولكنه معارض بما يدل على نقيضه ، وبيانه من ثلاثة أوجه :

الأول : هو أنا كما نشاهد الجواهر والأجسام باقية مستمرة نشاهد الألوان (١١) / / والطعوم فلو جاز أن يقال : بتجدد الألوان مع هذه المشاهدة ؛ لأمكن مثله فى الجواهر والأجسام ، كما قاله النظام (٣) ؛ وهو محال.

الثانى : هو أنكم جوّزتم إعادة الأعراض ، وفيه وجود العرض فى وقتين يفصلهما زمان عدم. وما الفارق بين وجوده فى وقتين ليس بينهما زمان عدم. وبين أن يكون بينهما زمان عدم.

الثالث : أنه إذا قام بياض بمحل ؛ فالإجماع منا ، ومنكم على جواز خلق مثله فى ذلك المحل فى الوقت الثانى.

__________________

(١) من أول : «قولكم : لأنه لا فرق ... إلى قوله : ذات وشيء» ساقط من ب.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢٣٩ / أوما بعدها.

(١١)/ / أول ل ٢٤ / ب من النسخة ب.

(٣) وضح الشهرستانى تناقض النظام فقال : «قال (النظام) إن الجواهر مؤلفة من أعراض اجتمعت ، ووافق هشام بن الحكم فى قوله : إن الألوان والطعوم والروائح أجسام. فتارة يقضى بكون الأجسام أعراضا ، وتارة يقضى بكون الأعراض أجساما لا غير. (الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٦). وقارن بما ورد فى شرح المواقف ٥ / ٤٦ وما بعدها.

١٧٠

وإذا جاز وجود مثله فى الوقت الثانى ، فما المانع من وجوده هو فى الوقت الثانى ، مع أن ما ثبت لأحد المثلين ، جاز ثبوته للمثل الآخر.

والجواب : أما الوجه الأول : وإن عظّمه من عظمه من الأئمة ، فالسؤال الوارد عليه صعب جدا ؛ ولم أجده لأحد غيرى.

وأقصى ما يمكن أن يقال فى جوابه : أنه إذا كان عدم العرض مستندا إلى وجود الضّد ؛ فهو أثر له ، وأثر الشيء ، يجب أن يكون مرتبا على وجود ذلك الشيء ؛ والمرتب على وجود الشيء يجب أن يكون متأخرا عن وجود ذلك الشيء ، لا أن يكون معه. وإلا فليس / جعل أحد المعنيين أثرا للآخر أولى من العكس ؛ وذلك معلوم بالضرورة.

قولهم : ما المانع أن يكون الطارئ أقوى من السابق.

قلنا : لأن التمانع بين الضدين إنما كان بسبب تضادهما. ولو لا ذلك لما امتنع الجمع بينهما [لا لسبب أن كل واحد علة لعدم الآخر (١)] والتضاد المتحقق بين شيئين يمتنع أن يكون بينهما على التفاوت ؛ بل مضادة أحد الضدين للآخر ، كمضادة الآخر له ؛ وهو معلوم ضرورة.

وما ذكروه فى لزوم الترجيح فأمر لو استعمل فى الظنيات كان ضعيفا مع أنه معارض بإمكان كون الباقى أقوى ؛ لعدم افتقاره فى حالة بقائه إلى المؤثر ، ومشابهته بالقديم فى ذلك ؛ بخلاف الحادث فى أول زمان حدوثه.

فلئن قالوا : وإن امتنع أن يكون أحد الضّدين أقوى من الضّد الآخر ، فما المانع من أن يكون اجتماع سوادين مثلا أقوى من بياض واحد. ويكون المانع من بقاء البياض السابق مجموع السوادين ، كما قاله بعض المعتزلة.

قلنا : هذا ممتنع لثلاثة أوجه : ـ

الأول : أنه إنما يصح أن لو أمكن اجتماع السوادين مع تماثلهما ؛ وهو ممنوع كما سيأتى (٢).

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) انظر ما سيأتى فى هذا الجزء ـ الأصل الثالث ـ الفصل السادس : فى أن كل عرضين متماثلين فهما ضدان.

ل ٧٩ / أوما بعدها.

١٧١

الثانى : أنه يلزم منه أنه إذا وجد فى المحل بياض ، ثم عدم بسوادين أن يكون إعدام السوادين فى المحل كل سواد منهما ببياضين ؛ فيكون أربعة ، ومن عدم هذه الأربعة أن تكون ثمانية من السواد ، وهلم جرا حتى ينتهى الحال إلى أن يكون فى المحل الواحد فى آخر الأمر ألف سواد أو ألف بياض مع ما نشاهده من البياض ، والسّواد فى المحل أولا ، وآخرا لا يختلف ؛ وذلك محال.

الثالث : هو أن ما ذكروه منتقض عليهم بالحركة والسّكون ، فإن السكون ينتهى بحركة واحدة عندهم ، ولا يفتقر إلى اجتماع حركتين.

ولو قيل لهم : ما الفرق؟ لم يجدوا إليه سبيلا.

قولهم : ما المانع من كونه فاعلا مختارا.

قلنا : لما ذكرناه وما ذكروه عليه من (١) المنع فباطل.

فلنعنى بقولنا : لا فرق بين كون الشيء ما أثر وبين كونه أثر عدما ؛ لاستوائها فى امتناع تحقق الأثر.

فإن العدم لا يصلح أن يكون أثرا.

وبيانه أن الأثر نقيض لا أثر ، ولا أثر عدم محض ؛ لاتصاف العدم الممتنع به ، فالأثر يكون موجودا.

فما لا يكون وجودا ، لا يكون أثرا (١).

قولهم : ما المانع من كونه عدميا؟

قلنا : لما / ذكرناه وما ذكروه عليه فى جوابه ما تقدم ، وما ذكروه من النقض بعدم الجوهر ؛ فمندفع.

__________________

(١) من أول «من المنع .... إلى قوله : لا يكون أثرا» ساقط من ب.

١٧٢

فإن طريق عدم الجوهر عندنا إنما هو بأن لا يخلق الله ـ تعالى ـ الأعراض القائمة التى لا عروّ له عنها ، وذلك غير متصور مثله : فى الأعراض إذ العرض [لا يقوم بالعرض (١)] كما سبق تحقيقه (٢). وما ذكروه من المعارضة الأولى

وقولهم : إنا نشاهد استمرار السّواد ، والبياض.

قلنا : ذلك لا يدل على اتحاد المشاهد ؛ لجواز أن تكون أمثالا متعاقبة من غير تخلل فاصل.

كما نشاهده من الماء الدافق من أنبوب كأنه شيئا متصلا لا انقطاع له ؛ وهو من أمثال متحددة.

وقولهم : لو أمكن أن يقال ذلك فى الألوان ؛ لأمكن أن يقال مثله فى الأجسام.

قلنا : هذا تمثيل من غير دليل ؛ فلا يقبل ،

وليس مستند قولنا ببقاء الجواهر ما نشاهده من الاستمرار ؛ ليلزم ما ذكروه من الإلزام ؛ بل (٣) العلم ببقاء الأجسام ضرورى وما كان ضروريا ؛ فلا يكون قابلا للتشكيل (٣).

وما ذكروه من الوجه الثانى فعنه جوابان :

الأول : منع إعادة الأعراض على قول الشيخ أبى الحسن الأشعرى.

الثانى : وإن سلمنا إعادة الأعراض ؛ ولكن لم قالوا : إنه يلزم من وجود العرض الواحد فى وقتين يفصلهما عدم وجوده فى وقتين متماثلين من غير دليل جامع ، مع أن الأول ليس بقاء ، والثانى بقاء. وما المانع أن يكون توسّط العدم بين الوقتين شرطا فى الوجود فى الزمن الثانى ، أو أن عدمه مانع.

وما ذكروه من الوجه الثالث ؛ فدعوى مجردة من غير دليل.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) راجع ما مر فى هذا الجزء ـ الأصل الثانى ـ الفصل الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض. ل ٤٢ / ب وما بعدها.

(٣) من أول (بل العلم ببقاء الأجسام ضرورى ، وما كان ضروريا ؛ فلا يكون قابلا للتشكيل) ساقط من ب.

١٧٣

ولم قالوا : بأنه إذا جاز أن يخلق الله ـ تعالى من وجود البياض مثله أمكن استمرار وجود البياض (١١) / / الأول إلى ذلك الزمان. وما المانع أن يكون العرض لذاته يمتنع بقاؤه ، وإن لم يمتنع حدوثه.

كيف وأن ما ذكروه منتقض بالإجماع منا ، ومنهم ومن كل محصل بالأصوات ، والإرادات.

وإن جاز أن يخلق الله ـ تعالى ـ فى الزمن الثانى من وجود الصوت (١) صوتا مماثلا له ، وكذلك فى الإرادة (٢).

ومع ذلك ما لزم منه جواز بقاء الصوت ، والإرادة.

وإذا ثبت امتناع بقاء الأعراض ؛ فيمتنع القول بكمونها تارة ، وظهورها أخرى (٣).

أما أولا : فلأن المفهوم من الكمون ليس غير الاستتار والتغطى ، فإن أريد ذلك ؛ فلا يخفى أنه غير متصوّر فى الأعراض القائمة بالجواهر الفردة ؛ لعدم تجريها على ما سبق / وإن أريد غير ذلك ؛ فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه.

وأما ثانيا : فلأن العرض الظاهر :

إما أن يكون هو عين ما كان كامنا ، أو غيره

فإن كان الأول : فلا يخفى أن حالة كمونه ؛ مغايرة لحالة ظهوره ويلزم من ذلك بقاء العرض ؛ وهو ممتنع على ما تقدم (٤).

وإن كان غيره : فالظاهر غير الكامن ؛ والكامن غير الظاهر.

وأما ثالثا : فهو أن القول بكمون أحد الضّدين ، وظهور الآخر بتقدير قيامهما بالجوهر الواحد ، يوجب قيام الضدين بالمحل الواحد.

__________________

(١١)/ / أول ل ٢٥ / أ. من النسخة ب.

(١) الصوت : كيفية قائمة بالهواء يحملها إلى الصماخ [التعريفات ص ١٥٤].

(٢) وأما الإرادة : فعبارة عن معنى يوجب تخصيص الحادث بزمان دون زمان. (المبين ص ١٢٠).

(٣) يمتنع القول بكمون الأعراض وظهورها من باب أولى ؛ لأن بقاء الأعراض مستحيل. والقول بالكمون والظهور قال به النظام من المعتزلة. وقد أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة ، وأكثر ميله أبدا إلى تقرير مذاهب الطبيعيين منهم ، دون الإلهيين. (الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٦).

(٤) راجع ما سبق فى الفرع الرابع : فى تجدد الأعراض واستحالة بقائها ل ٤٤ / ب وما بعدها.

١٧٤

وأن يكون الجوهر الفرد قد قام به السّواد والبياض معا ، والحركة غير المكان ، والسكون فيه ، وهو ممتنع.

وعلى ما قرّرناه أيضا من امتناع بقاء الأعراض يمتنع القول بانتقالها.

فإنه قبل انتقال العرض إلى محلة الّذي حصل فيه بالانتقال [إما أن يكون موجودا ، أو لم يكن موجودا ؛ فإن كان موجودا] (١).

فإما أن يكون قائما بنفسه ، أو بمحل آخر.

الأول : محال لما سبق (٢).

وإن كان قائما بغيره : فلا يخفى أن زمان حصوله فى المحل [الّذي كان فيه غير زمان حصوله فى المحل] (٣). الّذي انتقل إليه ، وإلا لكان العرض الواحد قائما فى محلين ، وحاصلا فيهما فى زمان واحد ؛ وهو ممتنع.

وذلك يوجب بقاء العرض زمانين ؛ وهو ممتنع على ما سبق (٤).

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) راجع ما مر فى الفرع الثانى : فى استحالة قيام العرض بنفسه ل ٤١ / ب وما بعدها.

(٣) ساقط من أ.

(٤) راجع ما مر ل ٤٤ / ب وما بعدها.

١٧٥
١٧٦

الفرع الخامس

فى الأكوان وما يتعلق بها.

ويشتمل على عشرة فصول :

الفصل الأول (١) : فى تحقيق معنى الكون ، والكائنية.

الفصل الثانى : فى بيان وجود المكان.

الفصل الثالث : فى تحقيق معنى المكان.

الفصل الرابع : فى أن المكان هل يخلو عن المالى له ، أم لا؟

الفصل الخامس : فى تحقيق معنى الحركة ، والسكون.

الفصل السادس : فيما اختلف فى كونه متحركا ، وبيان الحق فيه.

الفصل السابع : فى تحقيق معنى الاجتماع ، والافتراق ، والمماسة ، والتأليف.

الفصل الثامن : فى بقية أحكام الاجتماع ، والافتراق. خاصة على أصول أصحابه.

الفصل التاسع : فى اختلاف الأكوان ، وتماثلها ، وتضادها.

الفصل العاشر : فى اختلافات بين المعتزلة فى أحكام الأكوان متفرعة على أصولهم ، ومناقضتهم فيها.

__________________

(١) فى نسخة ب استخدمت الحروف الأبجدية للدلالة على ترتيب الفروع.

١٧٧
١٧٨

الفصل الأول

فى تحقيق معنى الكون والكائنية

وقد أختلف فى ذلك ؛ والّذي عليه اتفاق معظم أصحابنا (١) : أن اسم الكون مختص بما أوجب اختصاص الجوهر بمكان ، أو بتقدير مكان ؛ وهو غير خارج عن الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ، ولهم فى المماسة خلاف على ما سيأتى (٢).

وأن اسم الكائنية : مختص بنفس اختصاص / الجوهر بمكان أو بتقدير مكان : فالكون هو الموجب لاختصاص الجوهر بالحيّز.

والكائنية : نفس الاختصاص بالحيّز. وهو المكان ، أو تقدير المكان ؛ وهو جائز على وفق الوضع اللغوى.

ومنه قول العرب : كان زيد فى الدار ، وهو كائن فيها. والمراد به اختصاصه بها ، وحصوله فيها.

وذهب الأستاذ أبو إسحاق ، ومتبعوه : إلى أن كل عرض أختص بمحل : فهو كائن فيه ؛ لأنه لا بد له من كون يخصصه بمحله ، كما فى اختصاص الجواهر بأماكنها.

لكنّه قال : كون كل عرض ، هو نفسه ؛ لا زائد عليه ، حذرا من قيام المعنى بالمعنى ؛ بخلاف أكوان الجواهر ؛ فإنها زائدة عليها.

وذهب بعض متأخرى المعتزلة : وقد قيل إنه ابن الجبائى (٣) إلى أن الكون الموجب لاختصاص الجوهر بحيّز دون حيّز ؛ مغاير للحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق. محتجا على ذلك بأنا لو فرضنا أن الله ـ تعالى ـ خلق جوهرا فردا ، ولم يخلق معه جوهرا آخر ؛ فإنه فى أول زمان حدوثه ؛ له كون وليس بمتحرك ؛ لأن الحركة إنما تكون بالانتقال من مكان إلى مكان ؛ وهو غير منتقل.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ١٨٨ وما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى فى الفصل السابع ل ٥٥ / أوما بعدها.

(٣) المقصود به : أبو هاشم راجع ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ١١ / ب.

١٧٩

ولا هو ساكن : لأن السكون ، لا يكون إلا بحصول الجوهر فى مكان واحد أكثر من زمان ، والجوهر فى أول زمان حدوثه ؛ ليس كذلك

ولا ثم اجتماع ، وافتراق ؛ لأن ذلك لا يكون إلا بين جوهرين ؛ وهو خلاف الفرض.

فقد ثبت أن الكون مغاير للحركة ، والسكون ، والاجتماع والافتراق.

وفى هذه المذاهب نظر.

أما مذهب الأصحاب : فمبنى على أن اختصاص الجوهر ببعض الأحياز ، دون البعض ؛ يستدعى مخصصا ، وأن ذلك المخصص هو الكون مع موافقتهم على جواز تخصيص بعض الأعراض ببعض الجواهر مع اتحاده وتماثل الجواهر من غير كون يخصصه.

وعند ذلك : فإما أن يقال بأنه (١١) / / لا مخصص له بذلك الجوهر غير ذاته كما صار إليه بعضهم ، أو أن المخصص له ليس بكون ؛ بل فاعلا مختارا ؛ كما صار إليه بعضهم أيضا.

وعلى هذا فلو قيل : ما المانع أن يكون اختصاص الجوهر ببعض الأحياز ، دون البعض لذاته ، أو بفعل فاعل مختار كما قالوه فى العرض ، لم يجدوا إلى الفرق سبيلا.

كيف وأن اختصاص الجوهر بالحيّز لا معنى له غير حصوله فيه ـ والحركة ، فلا معنى لها غير الحصول فى / الحيّز بعد أن كان فى غيره. والسكون فلا معنى له غير الحصول فى الحيز إما مشترطا فيه اللبث ، أو غير مشترط على ما يأتى.

والاجتماع : لا معنى له غير حصول الجوهرين فى حيزين ؛ لا يفصلهما ثالث.

والافتراق : لا معنى له غير حصول جوهرين فى حيّزين ؛ يفصلهما ثالث.

فإذن هذه الاختصاصات المختلفة ، والحصولات المتغايرة هى نفس ما ذكروه من الأكوان ؛ وليست غيرها.

وربما قيل فى إبطال تعليل اختصاص الجوهر بحيزه بالكون : أن الكون عرض قائم بالجوهر ، ولا معنى لقيام العرض بالجوهر ، إلا أنه موجود فى الحيّز تبعا لوجود محله فيه ؛

__________________

(١١)/ / أول ل ٢٥ / ب. من النسخة ب.

١٨٠