أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

وإن سلمنا إمكان تأثير كل واحد من العناصر فى ضعف كيفية الآخر ؛ ولكن لا نسلم تصور حصول المزاج عن هذا التفاعل ؛ وذلك لأن المزاج كيفية حادثة من تفاعل كيفيات العناصر كما ذكروه. وهو إما أن يكون قائما بكل واحد من العنصرين ، أو بهما.

لا جائز أن يقال بالأول : / فإن كل واحد من العناصر ، لا يوصف بمزاج ، إنما المزاج صفة للمتزج من العناصر على أصلهم.

ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كان العرض الواحد قائما بمحلين ؛ وهو ممتنع.

وإن سلمنا تصور وجود المزاج ؛ فلا نسلم تصور وجود الصّور الجوهرية النوعية التابعة للمزاج ؛ لأنه لا يخلو : إما أن يقال بأن العناصر عند الامتزاج تخلع صورها وتتحد هيولاها مكتسبة لصورة أخرى ، أو لا يقال بذلك

فإن كان الأول : فهو ممتنع لوجهين :

الأول : أنه لو بطلت صور العناصر بالامتزاج : فإما أن يبطل كل واحد بذاته ، أو بالآخر ، أو بأمر خارج.

فإن كان الأول : فهو محال ؛ وإلا لما زال باطلا.

وإن كان الثانى : لزم أن يكون كل واحد متأخرا عن الآخر فى الوجود ، ومتقدما فى العدم ؛ وهو محال.

وإن كان الثالث : فإما أن يستقل ذلك الخارج بالإبطال ، أو لا يستقل دون الامتزاج.

فإن كان الأول : فلا حاجة إلى الامتزاج ؛ وهو خلاف أصلهم.

وإن كان الثانى : فكل واحد له مدخل فى إبطال صورة الآخر ، والمحال السابق لازم بعينه.

الثانى : أنه كان يلزم أن لا يكون تأثير النار فى شيء من المركبات مختلفا بتميز البعض منه إلى متحيز لا ثبات له ، وإلى ثابت أرضى ؛ ضرورة تشابه أجزائه وهو خلاف أصلهم ، وما هو المحسوس.

وأما إن قيل : إن العناصر لا تخلع صورها ؛ بل هى باقية بحالها. فكل واحد من العناصر عند الامتزاج : إما أن يكون قد داخل الآخر ، أو هو فى حيّزة مماسا للآخر فى حيزه.

١٤١

فإن كان الأول : فهو محال ؛ لما سبق فى إبطال التداخل (١).

وإن كان الثانى : فالصورة النوعية للمركب الجزئى إما واحدة ، أو متعددة فالقول بالتعدد مع الاتحاد بالشخصية ممتنع. وإلا كانت صورة النوع المركب فى الشخص منه متعددة ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : فتلك الصورة : إما أن تكون لكل واحد من العناصر الممتزجة ، أو لجملتها.

الأول : محال إذ كل واحد واحد من العناصر لا يوصف بالصورة النوعية المركبة ؛ لعدم التركيب فيه.

وإن كان الثانى : فيلزم منه أن يكون الواحد صفة للمتعدد ؛ وهو محال.

وأما (٢) ما ذكروه من الكيفيات التابعة للمزاج ؛ فمبنية على أنها غير ثابتة لمفردات العناصر ؛ وهو غير مسلم على ما سبق (٢).

__________________

(١) راجع ما مر فى الفصل الخامس : فى أن الجواهر لا تتداخل ل ٦ / ب.

(٢) من أول «وأما ما ذكروه من الكيفيات ....... إلى قوله : على ما سبق». ساقط من ب.

١٤٢

الفصل الثانى / عشر

فيما قيل فى وحدة الأرض وسكونها

ومناقضات الفلاسفة فى ذلك (١)

وقد اختلف قدماء الحكماء

فمنهم من قال : الأرضون متعدّدة ، وأنها لا تزال متحركة ، لكن منهم من قال : إنها متحركة أبدا كيف اتفق حتى أنهم قالوا : ما يحدث من الخسوفات والكسوفات ؛ إنما هو بسبب توسط بعض تلك الأرضين بيننا وبين ذلك النير.

ومنهم من قال : إنها لا تزال متحركة فى الهبوط الى غير النهاية.

ومنهم من قال : إنها لا تزال متحركة حركة وضعية دائرة على مركز نفسها.

وزعموا أن ما نراه من شروق الكواكب ، وغروبها. إنما هو بسبب حركة الأرض دورا ، وإلا فالأفلاك وكواكبها ساكنة غير متحركة عندهم.

ومنهم من قال بوجوب اتحاد الأرض ، وسكونها وهذا هو المذهب المشهور ، وعليه اعتماد فضلاء الفلاسفة ، وخواصهم. وقد استدلوا على امتناع التعدد فى الأرض بأن

قالوا : لو تعددت الأرضون ؛ لم تخل : إما أن تكون مختلفة الطبيعة ، أو متحدة.

فإن كان الأول : فالاشتراك ليس فى غير اسم الأرض ؛ لا فى معنى الأرض.

وإن كان الثانى : فلا بد لكل واحدة من حيّز طبيعى لها ، فإن كان الحيز الطبيعى لكل واحدة ما هى فيه ، فيجب أن يكون حيّز كل واحدة حيّز الكل ضرورة اتحاد الطبيعة ، وذلك محال. وإلا كانت الطبيعة الواحدة لها أحياز طبيعية ؛ وهو ممتنع.

وإن كان حيّز الكل واحدا لا تعدد فيه ؛ فمدافعة ما ليس فيه عنه لا يكون إلا قسرا.

وليس بعض الأراضى قاسرا للبعض ؛ إذ لا أولية لاتحاد الطبيعة وما عدا الأرض من العناصر لا يقوى على دفع الأرض (١١) / / وقسرها عن حيزها ؛ إذ هو أخف منها.

وإذا بطل لازم التعدد ؛ بطل التعدد

__________________

(١) انظر المواقف للإيجي ص ٢٥٦ وشرحها للجرجانى ٧ / ٢٥٠ ، ٢٥١.

(١١)/ / أول ل ٢١ / أ.

١٤٣

قالوا : وإذا كانت متحددة ؛ فيمتنع أن تكون متحركة لوجهين :

الأول : أنه قد ثبت أن المحيط لا بدّ وأن يكون متبدل الأوضاع. وتبدل أوضاعه ليس بسبب نسبة أجزائه إلى ما هو خارج عنه ؛ إذ ليس وراءه شيء ؛ ضرورة تناهى أبعاد العالم كما سبق (١).

فلم يبق إلا أن يكون ذلك بسبب نسبته إلى محويّه ، ويجب أن يكون المحوى ساكنا ، وإلا لما كانت أوضاع المحيط متبدلة.

الثانى : أنها لو / كانت متحركة إما أن تكون كيف اتفق صعودا ، وهبوطا ، أو أنها متحركة إلى جهة واحدة دائما ، أو متحركة دورا على مركز نفسها.

لا جائز أن يقال بالأول : إذ الجسم لا بد له من حيز طبيعى ، وتحركه عنه لا يكون إلا قسرا ، وليس شيء من العناصر مما يقوى على تحريك الأرض عن حيزها ؛ كما سبق.

وإن كان الثانى : لزم منه أن تكون الأبعاد غير متناهية ؛ وهو باطل ؛ لما سبق (٢).

وإن كان الثالث : فهو باطل من وجهين :

الأول : أنه يلزم من ذلك أن تكون الحصاة إذا ألقيت من شاهق أن لا تنزل على عمود ؛ بل منحرفة.

الثانى : أنه يلزم منه أن يكون بعد مسقط السهم إذا رمى إلى جهة حركة الأرض ؛ أقرب من بعد مسقطه إذا رمى إلى خلاف جهة حركتها ؛ وهو خلاف المحسوس.

وطريق مناقضتهم أن يقال : ما ذكرتموه فى امتناع تعدد الأرض إنما يصح ... أن لو قيل : بأن كل جسم فلا بد له من حيز طبيعى ؛ وقد أبطلناه (٣).

وإن سلم ذلك ؛ ولكن ما المانع أن يكون مدفوعا عنه بقسر الفاعل المختار ؛ لا بقسر عنصر آخر له عنه (٤).

__________________

(١) راجع ما سبق ل ٢١ / ب وما بعدها.

(٢) راجع ما سبق فى الفصل الثانى : فى أن أبعاد الأجسام متناهية ل ٢١ / ب وما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الفصل الخامس : فى إبطال قول الفلاسفة إنه ما من جسم إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ، ومناقضهم فى ذلك ل ٣٠ / أ.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ل ٢١١ / ب وما بعدها.

١٤٤

وإن سلم امتناع التعدد فما المانع من أن تكون متحركة حركة وضعية.

قولهم : لا بد من تبدل وضع المحيط ، ممنوع على ما تقدم.

وإن سلمنا أنه لا بد من تبدل وضع المحيط ؛ فذلك إنما يمتنع أن لو كانت الأرض متحركة حركة مطابقة لحركة المحيط ، وما المانع أن تكون متحركة إلى خلاف جهة حركة المحيط ، أو أبطأ منه ، أو أسرع وإن كانت إلى جهة حركة المحيط.

وعند ذلك فوضع المحيط يكول متبدلا.

كيف وأن تبدل وضع المحيط كما يمكن لحركته وسكون ما هو فى مقعره ؛ فيمكن مع سكونه وحركة ما فيه ؛ وليس أحدهما أولى من الآخر.

وما ذكروه فى الوجه الثانى : فمندفع إذ أمكن أن تكون حركة الأرض دورا فى غاية البطء بحيث لا يظهر التفاوت فى الحس فيما ذكروه من رمى الحصاة والسهم.

فقد وضح مما ذكرناه أنه لا أصل لما اعتمدوه ، ولا معوّل على ما انتحلوه.

١٤٥

الفصل الثالث عشر

فى مناقضات الفلاسفة فى الدلالة

على امتناع وجود عالم آخر وراء هذا العالم (١)

قالت الفلاسفة لو قدر وراء كرة العالم الذي نحن فيه كرة عالم آخر : فإما أن يكون بين الكرتين خلاء ، أو ملاء.

لا جائز أن يقال : بالأول ؛ لما يأتى فى بيان امتناع وجود الخلاء (٢)

وإن كان / الثانى فلا بد وأن يكون الكل محاطا بمحدد واحد للجهة الفوقية ؛ لما سبق تحقيقه فى الأجسام المتناهية ؛ ولا بد له من مركز ؛ وهو نقطة ملتقى العالمين ، أو ما بينهما.

وعند ذلك : فإن كان كل جسم من الأجسام الموجودة تحت المحيط فى حيزه الطبيعى ؛ فيلزم أن يكون كل واحد منهما له حيزان طبيعيان تحت محدد واحد ، وهو محال ؛ لما تقدم (٣).

وإن لم يكن طبيعيا : فهو مقسور عن مكانه الطبيعى له وليس شيء من الأجسام يقوى على قسر الأرض عن حركتها إلى الوسط ؛ إذ هى الثقيل المطلق كما سبق (٤).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة انظر المواقف للإيجي ص ٢٥٦ : المقصد الثامن : قال الحكماء : الخ وانظر شرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٥٠. المقصد الثامن : جواز وجود عالم آخر. جوز المتكلمون وجود عالم آخر مماثل لهذا العالم ؛ لأن الأمور المتماثلة تتشارك فى الأحكام. وإليه الإشارة فى الكلام المجيد (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١].

(٢) الخلاء : هو البعد المفطور عند أفلاطون ؛ والفضاء الموهوم عند المتكلمين : أى الفضاء الّذي يثبته الوهم ، ويدركه من الجسم المحيط بجسم آخر : كالفضاء المشغول بالماء ، أو الهواء فى داخل الكوز. فهذا الفراغ الموهوم هو الّذي من شأنه أن يحصل فيه الجسم ، وأن يكون ظرفا له عندهم.

وبهذا الاعتبار يجعلونه حيزا للجسم ، وباعتبار فراغه عن شغل الجسم إياه يجعلونه خلاء.

فالخلاء عندهم هو هذا الفراغ مع قيد أن لا يشغله شاغل من الأجسام ؛ فيكون لا شيئا محضا ؛ لأن الفراغ الموهوم ؛ ليس بموجود فى الخارج ؛ بل هو أمر موهوم عندهم ؛ إذ لو وجد ؛ لكان بعد مفطورا ؛ وهم لا يقولون به.

والحكماء ذاهبون إلى امتناع الخلاء. والمتكلمون إلى إمكانه.

[التعريفات للجرجانى ص ١١٢ ، ١١٣].

(٣) راجع ما مر ل ٣٠ / أ.

(٤) راجع ما مر ل ٣٨ / ب.

١٤٦

فيمتنع أن تكون الأرض فى حيّز غيرها ، أو غيرها فى حيزها.

وهذه المحالات إنما لزمت من تعدد العالم ؛ فلا تعدد.

ووجه مناقضتهم أن يقال : ما المانع من تقدير الخلاء بين الكرتين.

وما يذكرونه فى الدلالة على إحالة الخلاء ، فسيأتى الكلام عليه (١).

وإن سلمنا امتناع الخلاء ؛ فما المانع أن يكون بينهما ملاء؟

قولهم : لا بد للكل من محيط واحد مسلم.

وما ذكروه. فهو مبنى على أن كل جسم [فلا بد له من حيز طبيعى ؛ وهو باطل ، بما قدمناه (٢).

وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن ما المانع من كون كل واحد (٣)] مقسورا عن مكانه الطبيعى بفعل فاعل مختار ؛ لا أن يكون بعض الأجسام مقسورا بالبعض ؛ كما سلف (٤).

__________________

(١) راجع ما سيأتى ل ٥٢ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما تقدم ل ٣٠ / أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢١١ / ب الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه.

١٤٧
١٤٨

الأصل الثانى : فى الأعراض وأحكامها.

ويشتمل على سبعة فروع :

الفرع الأول (١) : فى إثبات الأعراض.

الفرع الثانى : فى استحالة قيام العرض بنفسه.

الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض.

الفرع الرابع : فى تحدّد الأعراض ، واستحالة بقائها.

[وابطال القول بالكمون والظهور واستحالة انتقالها] (٢)

الفرع الخامس : فى الأكوان ، وما يتعلق بها.

الفرع السادس : فى الزمان.

الفرع السابع : فى الاعتمادات وأحكامها.

__________________

(١) فى نسخة ب استخدمت الحروف الأبجدية للدلالة على ترتيب الفروع.

(٢) ساقط من أ.

١٤٩
١٥٠

الفرع الأول : فى إثبات الأعراض (١)

وقبل الخوض فى الحجاج لا بد من تحصيل مفهوم العرض ، وتحقيق معناه إذ الاصطلاحات فيه مختلفة.

أما فى اصطلاح أهل اللغة : فالعرض عندهم عبارة عن كل أمر نظرى (١١) / / ويكون زواله عن قرب ، ومنه تسميتهم الأمراض الغير لازمة أعراضا ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) (٢) سمى الدنيا عرضا لسرعة زوالها [وانتقالها] (٣) وقوله ـ تعالى ـ حكاية عن عاد فى تسميتهم السحاب الّذي أظلهم عارضا حيث ظنوا زواله عن قرب كغيره من السحب فقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (٤).

وأما فى اصطلاح النظار :

فقد قالت الفلاسفة : العرض (٥) هو الموجود فى موضوع. وقد بينا / فيما تقدم أنهم أرادوا بالموضوع المحل المتقوم ذاتا ، المقوّم لما حل فيه ؛ احترازا عن قيام الصورة الجوهرية بالمادة ؛ إذ المادة عندهم ليست موضوعا للصورة ، بل محلا لها.

وعند هذا : إما أن يريدوا بقولهم : الموضوع هو المحل المتقوم ذاته أنه لا يفتقر فى وجوده إلى شيء أصلا ، أو أنه لا يفتقر فى وجوده إلى محل يقوم فيه ، أو أنه لا يفتقر إلى ما حل فيه ، أو معنى آخر.

فإن كان الأول : فهو باطل ، فإن الجوهر موضوع للعرض عندهم. ومع هذا فإنه يفتقر إلى السبب الفاعل ضرورة كونه ممكنا.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة : راجع مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى من ص ٤٦ ـ ٥١.

وانظر : الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٦٦ وما بعدها. القول فى إثبات العرض.

والتمهيد للإمام الباقلانى ص ٤٢ ـ ٤٤ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٣٦ ـ ٣٨.

والمواقف للإيجي ص ٩٦ ـ ٩٩ وشرح المواقف للجرجانى ٥ / ٨ وما بعدها.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٨ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : انظر شرح الأصول الخمسة ص ٩٢ وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ٢١ / ب.

(٢) سورة الأنفال ٨ / ٦٧.

(٣) ساقط من أ.

(٤) سورة الأحقاف ٤٦ / ٢٤.

(٥) قال الآمدي : «وأما العرض : فعبارة عن الموجود فى موضوع». (المبين ص ١١٠).

«وأما موضوع العرض : فهو عبارة عن المحل المقوم بذاته لما يحل فيه. وسواء كان ذلك المحل جوهرا : كالجسم بالنسبة إلى الحركة ، أو عرضا : كالحركة بالنسبة إلى السرعة والبطء» (المبين ص ٧٥ ، ٧٦).

١٥١

وإن أرادوا بذلك أنه لا يفتقر إلى محل يقومه ؛ فهو أيضا باطل على أصلهم ، فإن الخشونة ، والملاسة صفة عرضية. وموضوعها سطح الجسم عندهم ، والسطح على أصولهم عرض ؛ إذ هو نوع من الكمّ. وكذلك السرعة ، والبطء. صفة عرضية ؛ وهى صفة للحركة عندهم ؛ والحركة عرض.

وإن كان الثانى : فهو أيضا باطل ؛ فإن الجسم عندهم موضوع للكم ؛ وهو الأبعاد العرضية ، ومع ذلك لا وجود للجسم دون الأبعاد التى هى الكمية.

كيف وأنا قد بينا اتصاف ذات الرب ـ تعالى ـ بما يجب له من الصفات (١) التى بينّاها ؛ وذاته متقومة بذاته غير مفتقرة إلى ما يقومها ؛ وهى مقومة لما قام بها من الصفات. بمعنى أنه لا وجود لصفاتها ، دون قيامها بها ؛ وليست صفات الربّ عرضا.

وإن كان الثالث : فلا بد من تصويره والدّلالة عليه.

وأما المعتزلة : فإنهم قالوا بناء على أصلهم أن ذوات الأعراض ثابتة فى العدم غير قائمة بالجواهر ، وإنما يقوم بها فى حالة وجودها.

والعرض هو الّذي يقوم بالجوهر حال وجوده ؛ وهو فاسد ؛ إذ هو مبنى على أن الوجود زائد على ذات الموجود ، وهو باطل على ما يأتى فى مسألة المعدوم (٢). ثم هو منتقض على أصولهم بفناء الجوهر ؛ فإنه عرض ؛ وهو غير قائم بالجوهر (٣).

وينتقض أيضا على أصول بعض البصريين (٤) القائلين بإرادة قائمة لا فى محل ؛ فإنها عرض ؛ وليست قائمة بالجوهر. وينتقض على أصل أبى الهذيل (٥) حيث أنه قال بوجود [بعض] (٦) أنواع كلام الله ـ تعالى ـ لا فى محل مع كونه عرضا.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى : فى الصفات النفسانية لذات واجب الوجود. ل ٥٣ / ب ـ ١٢٢ / أ.

(٢) انظر ما سيأتى فى الباب الثانى : فى المعدوم وأحكامه ل ١٠٦ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بما ورد فى الشامل لإمام الحرمين ص ١٦٧.

(٤) قارن بما ورد فى الشامل ص ١٦٧.

(٥) قارن بما ورد فى الشامل ص ١٦٧.

(٦) ساقط من أ.

١٥٢

وأما أصحابنا : فمنهم من قال : العرض ما كان صفة لغيره وينتقض بالصفات السلبية ؛ فإنها صفة لغيرها ، وليست جواهر ، ولا أعراضا ؛ / إذ الأعراض والجواهر ، أمور موجودة ، والسلوب غير موجودة ، وينتقض بصفات الرب ـ تعالى

فإن قيل : صفات الربّ ـ تعالى ـ غير قائمة بغيرها ؛ فإن ذاته وإن لم تكن هى نفس صفاته ، ولا صفاته نفس ذاته ؛ فليست الذات غير صفاته ، ولا صفاته غير ذاته.

فنقول : وإن لم نقل بالمغايرة بين ذات الرب ـ تعالى ـ وصفاته ؛ فليس معناه إلا أنه لا انفكاك لذات الرب ـ تعالى ـ عن صفاته ولا لصفاته عن ذاته على ما سبق تحقيقه (١).

وعلى هذا فيلزم أن يكون الجوهر بهذا الاعتبار غير مغاير لتحيزه ، ولا تحيزه مغاير له ؛ ضرورة عدم الانفكاك بين الجوهر ، والتحيّز على أصول أصحابنا ، والمعتزلة أيضا.

ويلزم من ذلك أن لا يكون التحيز للجوهر عرضا ؛ لعدم تحقق حدّ العرض فيه ؛ إذ ليس هو صفة لغيره.

ومنهم من قال : العرض هو القائم بغيره : وهو إن أراد بكونه قائما بغيره أنه صفة لغيره ؛ فهو الحد المتقدم وإن أراد به الموجود فى غيره : فيرد عليه صفات الربّ ـ تعالى ووجوه تقريره ما تقدم (٢)

والمختار أن يقال : العرض هو الموجود ، الّذي لا يتصور بقاؤه زمانين وفيه احتراز عن الأعدام ؛ إذ هى غير موجودة. وعن الموجودات من الجواهر ، وذات الربّ ـ تعالى ـ وصفاته ؛ لكونها باقية مع موافقته للاشعار اللغوى ، وهو مطابق لمعتقد أصحابنا فى الأعراض فى كونها غير باقية على ما سيأتى تحقيقه (٣)

ولو قلت : العرض هو الموجود القائم بالجوهر ، فهو أيضا حسن ؛ لكونه جامعا مانعا ؛ لخروج الإعدام منه ، وخروج الجواهر ؛ إذ هى غير قائمة بالجواهر ، وخروج ذات الربّ ـ تعالى عنه وصفاته ؛ فإنها ليست موجودة فى الجوهر.

وإذا عرف المفهوم من لفظ العرض.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى ل ٥٤ / أ.

(٢) راجع ما تقدم فى القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى ـ المسألة الأولى ل ٥٤ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما سيأتى ل ٤٤ / ب وما بعدها.

١٥٣

فنقول : اتفق الجمهور من العقلاء على إثبات الأعراض خلافا لابن كيسان الأصم (١)

فإنه (١١) / / قال : العالم كله جواهر.

والمعتمد فى ذلك أن يقال : نحن نشاهد الجسم مختصا بمكان بعد مكان مشاهدة لا ينكرها إلا فاقد الحس أو العقل ، فاختصاص الجسم بالمكان بعد المكان :

إما أن يكون هو نفس ذلك الجسم ، أو المكان الّذي هو فيه أو شيء آخر.

لا جائز أن يكون هو نفس ذلك الجسم ؛ لوجوه أربعة :

الأول : هو أن ذلك الجسم نفسه لا يختلف ، واختصاصه / بالأمكنة مختلف ؛ والمتحد غير المختلف.

الثانى : أن ذلك الجسم قد يدوم ، واختصاصه بالمكان المعين قد لا يدوم ؛ والدائم غير ما ليس بدائم.

الثالث : هو أنا قد نعقل الجسم ، ونجهل اختصاصه بالمكان ؛ والمعقول غير المجهول.

الرابع : هو أن الجسم يوصف بكونه مختصا بالمكان ، والصفة غير الموصوف. ولا جائز أن يكون هو نفس المكان للوجوه الأربعة ولا يخفى توجيهها ؛ فلم يبق إلا أن يكون شيئا آخر زائدا ؛ وذلك الزائد هو الجسم.

فالمكان : إما أن يكون وجودا ، أو عدما ، أو لا عدم ، ولا وجود.

لا جائز أن يكون عدما ؛ لأن نقيض اختصاص الجسم بالمكان ، لا اختصاص بالمكان ، ولا اختصاص بالمكان عدم ؛ لأنه لو لم يكن عدما ؛ لكان ثبوتا. ولو كان ثبوتا ؛ لما وصف المعدوم الممتنع به ؛ لما فيه من اتصاف العدم المحض بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال.

__________________

(١) ابن كيسان الأصم (٢٩٩ ه‍ ـ ٩١٢ م) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن ، المعروف بابن كيسان نحوى ، لغوى مشارك فى بعض العلوم (تاريخ بغداد ١ / ٣٣٥ ، معجم المؤلفين ٨ / ٣١١).

(١١)/ / أول ل ٢٢ / أمن النسخة ب.

١٥٤

وإذا كان لا اختصاص عدما. فالاختصاص بالمكان ثبوت.

ولا جائز أن يكون لا عدما ، ولا وجودا.

إذ هو مبنى على القول : بالأحوال ، وسيأتى إبطالها (١) فلم يبق إلا أن يكون الاختصاص بالمكان وجوديا.

وإذا كان وجوديا : فإما أن يكون متحيّزا بذاته ، أو غير متحيّز.

فإن كان الأول : فهو جوهر فإنا لا نعنى بالجوهر غير الموجود المتحيز بذاته.

وعند ذلك : فإما أن يكون فى حيز الجسم مع الجسم ، أو فى غيره.

فإن كان فى حيز الجسم ؛ فهو عين التداخل بين الجواهر ؛ وقد أبطلناه (٢).

وإن كان فى غير حيز الجسم ؛ فهو جوهر مباين للجسم ، والجوهر المباين للجسم فى حيّزه لا يكون صفة للجسم ، واختصاص الجسم بالمكان صفة للجسم ؛ فلا يكون جوهرا مباينا له.

وإن لم يكن متحيّزا بذاته : فإما أن يكون قائما بالجسم ، أو غير قائم به.

لا جائز أن يكون غير قائم به ؛ وإلا لما كان صفة له.

وإن كان قائما به : فهو المعنى بالعرض ؛ وهو المطلوب.

وقد يمكن طرد هذه الدّلالة فى سائر الأعراض ؛ وذلك أن يقال : قد نشاهد الجسم متحركا بعد أن كان ساكنا ، وأسود بعد أن كان أبيض. وحارا بعد أن كان باردا ، وحلوا بعد أن كان حامضا ، وبالعكس. وليس ما نجده من التفرقة فى هذه الأمور عائد إلى غلط الحس ، كما ظن قوم من الأوائل ، وإلا لأمكن دعوى ذلك فى كل محس ؛ وهو مكابرة للضرورة. ولا إلى نفس الجسم ؛ ولا هو عدم ؛ ولا هو ليس بعدم ولا وجود ، ولا / هو جوهر ؛ لما تقدم تقريره (٣) ؛ فلم يبق إلا أن يكون عرضا.

__________________

(١) راجع ما سيأتى فى الباب الثالث : الأصل الأول : فى الأحوال ل ١١٤ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الثانى ـ النوع الأول : فى أحكام الجواهر مطلقا ، الفصل الخامس : فى أن الجواهر لا تتداخل ل ٦ / ب وما بعدها.

(٣) راجع ما تقدم فى أول الفرع ل ٣٩ / ب وما بعدها.

١٥٥

وأيضا : فإن العاقل قد يجد من نفسه أنه قادر على شيء دون غيره ، ومريد لشيء ، وكائن لشيء ، وعالم بشيء ، وجاهل بشيء ، (١) وآمر بشيء (١) ، وناه عن شيء. ومتكلما تارة ، وساكنا تارة ، وسامعا تارة ، وغير سامع تارة. وشام تارة ، وغير شامّ أخرى. إلى غير ذلك من الآلام واللذات ، والغموم ، والأفراح وجدانا لا يتمارى فيه. وليس ذلك هو نفس ذاته ، ولا نفس ذات المقدور ، والمراد ، والمعلوم ، ولا هو عدم ، ولا جوهر ؛ لما تقدم (٢) ؛ فكان عرضا.

وهذه دلائل قطعية لا ريب فيها لعاقل. وربما زاد الأصحاب ونقصوا فى العبارات ، والدلائل فى هذا الباب.

وحاصل الكل غير خارج عما ذكرناه. الّا أنا زدناه تحريرا وتقريرا وحذفنا عنه الحشو المستغنى عنه ؛ فليعرف ذلك على وجهه ؛ وليعلم أن ما ذكرناه من الطريق فى إثبات الأعراض غير مستمر على أصول المعتزلة حيث أنهم أثبتوا أحوالها غير معللة ، ككون العالم عالما والقادر قادرا ؛ بلا علم ولا قدرة.

فإذا قيل لهم : لم لا يجوز أن تكون هذه الأمور الزائدة والصفات المذكورة عائدة إلى الصفات الحالية غير معللة ؛ لم يجدوا إلى دفعه سبيلا ، ومع ذلك فالأحوال عندهم ليست من الأعراض فى شيء.

ولهذا قالوا : الأعراض ثابتة فى القدم دون الأحوال.

__________________

(١) (أمر بشيء) ساقط من ب.

(٢) راجع ما تقدم فى أول الفرع ل ٤٠ / أوما بعدها.

١٥٦

الفرع الثانى

فى استحالة قيام العرض بنفسه (١)

وقد اتفق جمهور العقلاء القائلين بوجود الأعراض على استحالة قيام العرض بنفسه ؛ خلافا لشذوذ لا يعبأ بهم.

وقد اعتمد بعض الأصحاب (٢) فى ذلك على مسلك ضعيف وهو أن قالوا (٢) :

لو قام العرض بنفسه ؛ لقبل العرض.

وبيان الملازمة : هو أن الجوهر قابل للأعراض. والمصحح قابلا لها إنما هو قيامه بنفسه ؛ فإنا إذا سبرنا أوصاف الجوهر ؛ لم نجد منها ما يقتضي ذلك غير القيام (١١) / / بالنفس ، ويلزم من ذلك أن كل ما كان قائما بنفسه أن يكون قابلا للعرض ؛ ضرورة وجود مصحح للقبول فى حقه. فلو كان العرض قائما بنفسه ؛ لكان قابلا للعرض ؛ وقبول العرض للعرض محال ؛ كما يأتى تقريره عن قرب (٣).

وهذا المحال إنما لزم / من قيام العرض بنفسه ؛ فيكون محالا.

ولقائل أن يقول : من قال بأن الأعراض تقوم بأنفسها ؛ لا يسلم قبول الجواهر لها ـ فإن قبول الجوهر للعرض فرع امتناع قيام العرض بنفسه ، فإذن قد توقف امتناع قيام العرض بنفسه على كون الجوهر قابلا للعرض ، وقبول الجوهر للعرض ، فرع امتناع قيام العرض بنفسه ؛ فيكون دورا.

وإن سلمنا قبول الجوهر للعرض ؛ فلا نسلم أن المصحح لذلك قيامه بنفسه ، والبحث والسبر وإن كان مغلبا على الظن ؛ فغير يقينى على ما سبق (٤).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالنسبة لهذا الفرع راجع ما يلى :

الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٠٣ وما بعدها فصل : فى إثبات استحالة قيام العرض بنفسه. وأصول الدين للبغدادى ص ٣٦ وما بعدها.

والمواقف للإيجي ص ١٠٠ ، وشرح المواقف للجرجانى ٥ / ٢٨.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥. وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٧١ وما بعدها.

(٢) (فى ذلك على مسلك ضعيف وهو أن قالوا :) ساقط من ب.

(١١)/ / أول ل ٢٢ / ب من النسخة ب.

(٣) انظر ما سيأتى فى بقية هذا الفرع.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى : فى الدليل ـ الفصل السابع ـ الدليل الثالث : ل ٣٩ / ب.

١٥٧

وإن سلمنا كون البحث والسبر حجة ؛ ولكن ما المانع من كون المصحح لقبول الجوهر العرض كونه متحيزا بنفسه. والعرض وإن قيل بقيامه بنفسه ؛ فليس متحيزا عند القائل به.

وإن سلمنا امتناع كون المصحح التحيز ، ولكن يلزم على سياق ما قيل أن يكون البارى ـ تعالى ـ قابلا للأعراض ؛ ضرورة قيامه بنفسه ؛ ولم يقل به أحد من أصحابنا (١)

والمعتمد (٢) فى ذلك أن يقال (٢) : لو قام العرض بنفسه ؛ لكان العلم قائما بنفسه ؛ لكونه عرضا.

وعند ذلك : فإما أن يكون مما يصح أن يعلم به ، أو لا يصح.

لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لخرج العلم عن حقيقته ؛ إذ أخص صفة نفس العلم أن يعلم به.

فلم يبق إلّا الأوّل.

وعند ذلك : فإما أن يكون العالم به جوهرا ، أو عرضا آخر ، أو نفسه.

لا جائز أن يقال بالأول : إذ العرض القائم بنفسه ، لا اختصاص له بجوهر دون جوهر.

وعند ذلك : فإما أن تكون كل الجواهر عالمة به ، أو بعضا دون البعض.

الأول ممتنع : وإلا لاشترك الناس كلهم فيما يعلمه الواحد بذلك العلم ؛ بل جميع الجواهر ؛ وهو محال ظاهر الإحالة.

والثانى أيضا ممتنع لعدم الأولوية ، وبما ذكرناه فى امتناع كون العالم به جوهرا يمتنع أن يكون العالم عرضا آخر ؛ وبه إبطال القسم الثانى.

وإن كان العالم به نفسه ، يلزم أن يكون العالم عالما لنفسه لا بعلم زائد عليه ؛ وذلك مما يجر إلى أن يكون الأسود أسود لذاته ، والأبيض أبيض لذاته ، من غير صفة زائدة

__________________

(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع ـ المسألة الثالثة : فى أنه ـ تعالى ـ ليس بعرض ل ١٤٥ / ب.

(٢) الموجود فى ب (المسلك الثانى : أنه).

١٥٨

على ذات الموصوف ، وكذلك فى جميع الأعراض ، وفيه إبطال وجود الأعراض (١) ، وإبطال وجود الأعراض ؛ إبطال لقيام العرض بنفسه من حيث أن قيام العرض بنفسه فرع وجوده فى نفسه ؛ وذلك متناقض من القائل / به ، وهذه المحالات إنما لزمت من قيام العرض بنفسه ، فالقول به محال.

قالوا : وهذه الدلالة مما لا تستقيم على أصول المعتزلة ؛ حيث قضوا بثبوت الأعراض فى القدم قائمة بأنفسها ؛ مع اعترافهم بمماثلتها للموجود منها ، وما جاز على أحد المثلين جاز على الأخر ، ولا يستقيم أيضا على مذهب من أثبت منهم وجود إرادة عرضية حادثة لا فى محل ، وجعل البارى ـ تعالى ـ بها مريدا مع استوائها فى النسبة إليه ، [والى غيره] (٢) كما تقدم تحقيقه فى مسألة الإرادة (٣) [ولقائل أن يقول : ما المانع أن يكون العلم قائما بنفسه ، والعالم به بعض الجواهر.

القول بعدم الأولوية مبنى على القول بتماثل الجواهر ، وقد عرف ما فيه.

وإن سلم التماثل فى الجواهر ، وعدم الأولوية ، فما المانع أن يكون العالم به بعض متحركا الاعراض. ولا يمكن أن يقال فيه بعدم الأولوية. كما قيل فى الجواهر ؛ لكون الأعراض مختلفة.

وإن سلم أن العالم بالعلم كنفسه فما المانع منه.

وما ذكروه فى الامتناع فقياس تمثيلى غير مفيد لليقين (٤).

والحق فى ذلك أن يقال : لو قام العرض بنفسه ؛ لكان المتحرّك بحركة لا تقوم به والأسود أسود بسواد لا يقوم به ، وكذا الأبيض ؛ وهو باطل بالضرورة] (٥).

__________________

(١) راجع ما سبق فى الفرع الأول : فى إثبات الأعراض ل ٣٩ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من أ.

(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ المسألة الثالثة : فى إثبات صفة الإرادة ل ٦٤ / ب وما بعدها.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ل ٣٩ / أ.

(٥) ساقط من أ[من أول قوله : «ولقائل أن يقول ....... وهو باطل بالضرورة].

١٥٩

الفرع الثالث

فى امتناع قيام العرض

بالعرض (١)

أجمع أكثر العقلاء على امتناع قيام العرض بالعرض ؛ خلافا للفلاسفة.

فإنهم قالوا به ، وزعموا أن سطح الجسم عرض ، وتقوم به الخشونة والملاسة ؛ وهما عرضان.

وكذلك الحركة عرض ، وتقوم بها السرعة ، والبطء ؛ إذ هما صفة الحركة ؛ وهما عرضان.

وقد أحتج الأصحاب بمسالك.

الأول : أنهم قالوا : لو جاز قيام العرض بالعرض ؛ لجاز قيام العلم بالعلم ؛ لكونه عرضا. وقيام العلم بالعلم ، محال ؛ لثلاثة أوجه :

الأول : أنه لو قام العلم بالعلم ؛ لجاز أن يقوم به جهل ؛ لأن سبيل قيام أحدهما به ، كسبيل قيام الآخر به. وما يقبل العلم والجهل ، لا يخلو من أحدهما ، كما سبق بيانه فى امتناع تعرّي الجواهر عن الأعراض (٢) (١١) / / ثم الكلام فى العلم القائم بالعلم ؛ كالكلام فى العلم الأول ، ويلزم منه التسلسل ، ووجود حوادث لا نهاية لها ؛ وهو محال.

الوجه الثانى : أنه لو قام العلم بالعلم ؛ فقد وجد كل واحد منهما بحيث وجود الآخر ، وليس أحدهما بأن يكون محلا للآخر ، والآخر حالا فيه ، أولى من العكس ؛ لتساويهما فى صفات النفس بخلاف قيامه بالجوهر.

الثالث : أنه لو قام أحدهما بالآخر ، لكان كل واحد منهما بحيث الآخر وعند ذلك. فإما أن يكون كل واحد منهما عالما بالثانى.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة ارجع إلى ما يلى : الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين ص ١٩٧ فصل : فى إثبات استحالة قيام العرض بالعرض. وانظر المواقف للإيجي ص ١٠٠ ، ١٠١ وشرح المواقف للجرجانى ٥ / ٣٣ ـ ٣٨ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢١ ـ ٢٣.

(٢) راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل السابع : فى امتناع تعرى الجوهر عن الأعراض ، وتعليل قبوله بها. ل ٨ / ب وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ٢٣ / أ.

١٦٠