أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0326-3
الصفحات: ٤٧٠

(١) والمعتمد لنا هاهنا : الطريقة المشهورة (٢) لنا ، التى أنشأناها ، ورتبناها ولم نجدها ، ولا ما يقاربها ، لأحد من المتقدمين ، ولا فضلاء المتأخرين سهلة المدرك ، عسيرة المعرك ، تشهد بصحتها الفطر السليمة ، والأذهان المستقيمة ، وذلك أن يقال : لو فرض بعد لا نهاية له من جميع جهاته فلنا أن نفرض بعدا غير متناه من جهتيه ، وليكن بعد ب ح ، ب د ، ز ج ولنفرض فيه حدا مفروضا معينا ، وليكن ذلك الحد حدّ حدّد له.

وعند ذلك : فما يليه من الجانبين إلى غير النهاية وهما بعد ب د وبعد د ج إما أن يتفاوتا بحيث لو قدر انطباق طرف أحدهما على الآخر من نقطة د لتقاصر الناقص عن الزائد ، أو تساويا. بحيث لا يتقاصر أحدهما عن الآخر بتقدير الانطباق.

فإن كان الأول : فيلزم أن يكون الناقص له طرف ، ونهاية من الجهة التى لا نهاية فيها. وما له طرف ، ونهاية ؛ فلا يكون غير متناه. وقد قيل إنه غير متناه ؛ وذلك محال.

وإن كان الثانى : فلنا أن نفرض حدا آخر بين د وج وليكن حد د فالبعدان الآخران منه إلى الجهتين المختلفتين إلى غير النهاية. إما أن تتفاوتا ، أو تتساويا.

فإن قيل : بالتفاوت : فهو أيضا محال لما سبق.

وإن قيل بالتساوى. فيلزم أن يكون بعد ب د أنقص من بعد د ح ضرورة أنه مهما أضيف إليه من بعد مساو لبعد د ج وهو خلف إذا كان بعد ب د مساويا لبعد أد أن يكون بعد ب د مساويا لبعد ب د ز وهو أيضا محال ؛ إذ الناقص لا يساوى الزائد.

وهذه المحالات إنما لزمت من فرض بعد لا يتناهى ، فالقول به محال (٣).

فإن قيل : هذا استدلال على إبطال أمر ضروري ؛ فلا يسمع ؛ وذلك لأنه لا يتصور فى الذّهن انقطاع البعد حيث ينتهى إلى حدّ ليس وراءه حدّ آخر ولا يقف عليه عقل ؛ بل كل عاقل يجد من نفسه أن ما من حد يفرض الوقوف عنده إلا ووراءه حدّ آخر ، إلى غير النهاية.

__________________

(١) من أول «والمعتمد لنا هاهنا ..... إلى قوله : فالقول به محال» ساقط من ب.

(٢) هذه الطريقة من إنشاء الآمدي وابداعه.

(٣) نهاية السقط الموجود فى ب.

١٠١

وإن سلم أنه نظرى ؛ لكن ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ؛ وذلك أنا لو قدرنا شخصا وقف فى طرف العالم الّذي قلتم بتناهيه ، ورمى سهما فإما أن يصح نفوذه خارجا عن الحد المفروض الانتهاء عنده ، أو لا يصح ذلك.

فإن كان الأول : فقد لزم البعد. وعلى هذا أبدا.

وإن كان الثانى : فإما أن يكون وراء العالم مانع يمنع من النفوذ ، أو لا يكون.

فإن قدر المانع ؛ فثم ملاء وليس لا شيء وراء العالم.

وإن لم يكن ثم مانع ، فالقول بعدم تصور النفوذ ممتنع.

وإن نفذ ؛ فقد لزم البعد. والبعد إما جسم ، أو عرض. والعرض لا يقوم بنفسه ؛ فلا بد وأن يقوم بموضوع هو الجسم.

قلنا : القول بعدم النهاية ليس ضروريا ؛ ليلزم ما ذكرتموه ، بل غايته ارتياد الأوهام إلى ذلك ، وحكم الوهم (١) لا يقضى به على حكم العقل بل العقل حاكم ببطلان أحكام الأوهام ، وقاض بفسادها ، وإن كانت الأوهام ربما أثرت فى حس بعض العوام تأثيرا يقوى على حكم العقل عنده ، كمن يحكم على البارى تعالى بكونه جسما (٢) ، مشار إليه ، وإلى جهته اتباعا لوهمه ، وتركا لمقتضى عقله ، بناء على ما رآه شاهدا ، وكمن ينفر عن العسل إذا شبه بالعذرة ، أو عن المبيت فى بيت فيه ميت ، خيفة تحركه مع قطعه بأن ما ينفر عنه عسل ، وأن الميت لا حركة له ، ولكن ذلك غير معول عليه فى المحسوسات ، والقضايا العقليات.

وأما عدم نفوذ السهم فيما وراء العالم ، إنما كان لعدم القابل ، وذلك لا يدل على أن وراء العالم شيء ؛ فإن عدم القابل ليس بشيء.

__________________

(١) الوهم : عرف الآمدي الوهميات فقال : «وأما الوهميات فما أوجب التصديق بها قوة الوهم. إلا أن ما كان منها فى غير المحسوس ؛ فكاذب ؛ كالحكم بأن كل موجود مشار إلى جهته أخذا من المحسوس» [المبين للآمدى ص ٩٢].

(٢) الجسم : عرفه الآمدي فقال : «وأما الجسم : فعبارة عن المؤتلف عن جوهرين فردين فصاعدا» [المبين للآمدى ص ١١٠].

١٠٢

الفصل الثالث : فى تجانس الأجسام (١)

وقد اتفقت الأشاعرة ، وأكثر المعتزلة على أن الأجسام متجانسة ؛ بناء على أصلهم : أن الجسم هو / (٢) الجوهر المؤلف ، أو الجواهر المؤتلفة.

وأن الجواهر متجانسة ، وأن التأليف من حيث هو تأليف غير مختلف ، فالأجسام الحاصلة منها غير مختلفة (٣).

وذهب النظام ، والنجار من (٤) المعتزلة : إلى أن الأجسام مختلفة بناء على أصليهما فى أن الجواهر التى منها تركب الأجسام مختلفة ؛ لتركبها من الأعراض (١١) / / المختلفة ، وقد حققنا كل واحد من الأصلين ونبهنا على ما فيه (٥)

وأما الفلاسفة : فإنهم قالوا : الجسم البسيط المشترك بين جميع الأجسام العلوية ، والسفلية واحد فى الحقيقة ، والنوعية ، لا اختلاف فيه ؛ بناء على أصلهم أن الجسم : هو الّذي يمكن أن نفرض فيه أبعادا ثلاثة متقاطعة ، على حدّ واحد تقاطعا قائما ؛ كما سلف (٦).

وهذا مما تشترك فيه الأجسام العلوية ، والسفلية من غير اختلاف ، وإنما الاختلاف فى أنواعه العلوية ، والسفلية ؛ فإن الأجسام العلوية : وهى أجسام السماوات مخالفة بطبائعها ، وصورها الجوهرية للأجسام العنصرية ، البسيطة التى فى مقعر فلك القمر وهى : النار ، والهواء ، والماء ، والتراب. وكذلك بالعكس.

قالوا : ويدل على ذلك أن أجسام السماوات لا يتصور عليها الكون ، والفساد ، ولا الحركة المستقيمة. بخلاف العناصر ؛ فإنها قابلة لذلك على ما سيأتى تقريره فيما بعد (٧).

ولو كانت متماثلة ؛ لجاز على كل واحد منها ما يجوز على الآخر.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا :

انظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٥٣ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ٥٢ وما بعدها.

والمواقف للإيجي ص ٢٥٢ وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٤٠ وما بعدها.

(٢) الجوهر : عرفه الآمدي بقوله : «وأما الجوهر : فعلى أصول الحكماء : ما وجوده لا فى موضوع. والمراد بالموضوع :

المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه» [المبين للآمدى ص ١٠٩].

(٣) راجع ما سبق فى النوع الأول : فى أحكاك الجواهر مطلقا. الفصل الرابع : فى أن الجواهر متجانسة غير متجددة ل ٥ / ب وما بعدها.

(٤) راجع ما فى الفصل الثالث : فى أن الجوهر غير مركب من الأعراض ل ٤ / أوما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٥ / ب من النسخة ب.

(٥) انظر المصدرين السابقين ٢ ، ٣.

(٦) راجع ما سبق فى الفصل الأول ل ١٨ / أ.

(٧) انظر ما سيأتى فى الفصل السادس ل ٣١ / أوما بعدها.

١٠٣

وكذلك العناصر أيضا مختلفة فى أنواعها ، وصورها الجوهرية ، لا فى الجسمية المشتركة ، ويدل عليه أن العناصر مختلفة الكيفيات ؛ لأن العنصر إما حارّ (١) ، أو بارد (٢).

فإن كان حارا ؛ فإما يابس ، أو رطب (٣). فإن كان يابسا : فهو النار. وإن كان رطبا ؛ فهو الهواء (٤).

وأما إن كان باردا : فإما رطب ، أو يابس : فإن كان رطبا : فهو الماء ، وإن كان يابسا : فهو التراب (٥).

قالوا : وهذا الاختلاف بين العناصر ، لا بدّ وأن يكون لاختلاف طبائعها ، وإلا لما اختلفت كيفياتها. وليست طبائعها التى بها الاختلاف ، عائدة إلى هذه الكيفيات لثلاثة أوجه :

الأول : أنه لو كان كذلك ؛ لكان الماء إذا سخن بالنار يخرج عن طبيعته المائية ، ويصير هواء ؛ لحرارته ، ورطوبته.

وأن الأرض إذا سخنت بالنار ؛ فتخرج عن طبيعة الأرض ، وتصير نار ، لحرارتها ، ويبوستها مع بقاء الأرضية ؛ وهو محال.

الثانى : هو أن الماء إذا سخن بالنار ، وكذا التراب إذا ترك زمانا ، عاد باردا مع / علمنا بانتفاء البرودة الأصلية عنه فى حالة حرارته بالكلية. فلو كانت طبيعته هى الكيفية الزائلة عند وجود الحرارة الحادثة ؛ لما عادت إليه ، لزوال الطبيعة عنه ، فحيث عادت إليه ؛ علم أن الطبيعة التى له ، المقتضية لبرده ورطوبته ؛ غير زائلة.

__________________

(١) عرف الآمدي الحرارة فقال : «وأما الحرارة : فهى ما كان من الكيفيات يفرق بين المختلفات ، ويجمع بين المتشاكلات» (المبين للآمدى ص ٩٩).

(٢) عرف الآمدي البرودة فقال : «وأما البرودة : فما كان من الكيفيات يجمع بين غير المتشاكلات ، ويفرق المتشاكلات» [المبين للآمدى ص ٩٩].

(٣) عرف الآمدي الرطوبة فقال : «وأما الرطوبة : فما كان من الكيفيات مما يسهل قبول الجسم للانحصار والتشكل بشكل غيره ، وكذا تركه. وأما اليبوسة : فمقابلة للرطوبة»

[المبين للآمدى ص ٩٩ ، ١٠٠].

(٤) عرف الآمدي النار والهواء فقال : «وأما النار : فعبارة عن جرم بسيط حارّ يابس.

وأما الهواء : فعبارة عن جرم بسيط حار رطب». [المبين للآمدى ص ٩٩].

(٥) عرف الآمدي الماء والتراب فقال : «وأما الماء : فعبارة عن جرم بسيط بارد رطب. وأما التراب : فعبارة عن جرم بسيط بارد يابس».

[المبين للآمدى ص ٩٩].

١٠٤

الثالث : أن هذه الكيفيات مما تشتد ، وتضعف ، وما قامت به لا يوصف بالشدة ، والضعف. وإذا ثبت أن طبائع العناصر ، غير هذه الكيفيات ، وهذه الكيفيات ؛ فعارضة ، لاحقة بالعناصر ، فيجب أن تكون هذه الطبائع صورا جوهرية ، لا عرضية. فإنه ما من عرض يقدر من الأعراض أنه هو الطبيعة ، إلا ويمكن فرض الاشتراك فيه مع اختلاف الطبيعة ، أو فرض التقارب فيه مع اتحادها.

وأيضا : فإنه لما كان وجود الجسم المطلق غير متصور دون طبيعة تخصصه ، وجب أن تكون تلك الطبيعة صورة جوهرية ، لا عرضية. يتوقف وجود الجسم عليها ، وإلا كان الجوهر يتوقف وجوده على العرض ؛ وهو محال.

فإذن طبائع العناصر التى بها الاختلاف فيما بينها صورا جوهرية ، لا عرضية (١).

قالوا : وكذلك المركبات الكائنة من العناصر : كالنباتية (٢) ، والحيوانية (٣) والمعدنية ، [فمختلفة] (٤) وليس اختلافها بالعوارض. فإنه ما من عرض يقدر إلا ويمكن فرض الاشتراك فيه ، بين هذه الأنواع مع اختلاف طبائعها ؛ فإذن أنواع الأجسام مختلفة ، لا متجانسة.

هذا ما ذكروه : وأما نحن فنقول :

أما قولهم : إن أنواع الأجسام مختلفة ، بالصور الجوهرية. ممنوع. وما المانع أن تكون متحدة بالجسمية ، مختلفة بالأمور العرضية.

قولهم : أجسام السموات ، مخالفة لأجسام العناصر ، الطبيعية الجوهرية.

__________________

(١) قال الشريف الجرجانى فى تعريف الصورة : «الصورة : صورة الشيء هى ما يؤخذ منه عند حذف المشخصات ، ويقال : صورة الشيء : ما به يحصل الشيء بالفعل.

والصورة الجسمية : هى جوهر متصل بسيط لا وجود لمحله دونه ، قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم فى بادئ النظر. أو هى الجوهر الممتد فى الأبعاد كلها ، المدرك فى بادئ النظر بالحس.

والصورة النوعية : هى جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه» [كتاب التعريفات للجرجانى ص ١٥٤].

(٢) النبات : جسيم مركب له صورة نوعية ، أثرها المتيقن الشامل لأنواعها التنمية والتغذية ، مع حفظ التركيب.

والنبات كمال أول لجسم طبيعى آلى من جهة ما يتولد ويزيد ويغتذى. [التعريفات للجرجانى ص ٢٦٧].

(٣) الحيوان : الجسم النامى الحساس المتحرك. [التعريفات للجرجانى ص ١٠٦].

(٤) ساقط من أ.

١٠٥

لا نسلم قولهم ؛ لأن أجسام السماوات لا يتصور عليها الكون والفساد والحركة المستقيمة ؛ بخلاف العناصر.

لا نسلم أن أجسام السموات كما ذكروه ، وما يذكرونه على ذلك ؛ فسيأتى أيضا إبطاله (١).

وإن سلمنا ذلك جدلا ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على اختلاف طبائعها ، وصورها الجوهرية.

قولهم : لو تماثلت ، واتحدت نوعا ؛ لجاز على كل واحد ، ما جاز على الآخر.

قلنا : وما المانع من أن يكون ذلك مع اتحاد (١١) / / النوع بسبب اختلاف العوارض دون الصور الجوهرية.

فلن قالوا : يمتنع أن يكون ذلك بسبب اختلاف العوارض / مع اتحاد النوعية ؛ لأن ما اختص بكل واحد من المتماثلين من الأعراض :

إما أن يكون ذلك لازما لذاته ، أو للازم ذاته.

فإن كان الأول : لزم الاشتراك بينهما فى ذلك العارض ؛ ضرورة اتحاد المستلزم ، ويمتنع معه الافتراق.

وإن كان الثانى : فالكلام فى ذلك اللازم : كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

قلنا : هذا إنما يلزم أن لو لم يكن المخصص لكل واحد منهما ما يخصص به فاعلا مختارا. وإلا فبتقدير أن يكون فاعلا مختارا ؛ فقد اندفع ما ذكروه من لزوم الاشتراك ، والتسلسل ؛ فلم قالوا بامتناعه؟ كيف وقد بينا أنه لا مؤثر لشيء ما من الآثار غير الله ـ تعالى ـ وأنه فاعل مختار كما سبق (٢).

وإن سلمنا أن المخصص ليس فاعلا مختارا ، غير أن ما ذكروه فى الاختصاص بالعوارض ، مع اتحاد الطبيعة النوعية ، لازم عليهم فى اختصاص أحد الجسمين بالطبيعة ، والصورة الجوهرية دون غيره مع اتحادهما فى معنى الجسمية.

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ٣١ / أوما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٦ / أ.

(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه ل ٢١١ / ب وما بعدها.

١٠٦

فإن لقائل أن يقول : إذا سلمتم أن مسمى الجسم المشترك واحد فى جميع الأجسام باختصاص بعضها بطبيعة جوهرية ، لا وجود لها فى الجسم الآخر ، مع اتحاد حقيقة الجسم المشترك : إما أن يكون لذاته ، أو للازم ذاته.

فإن كان الأول : وجب الاشتراك فى تلك الطبيعة ؛ ضرورة اتحاد المستلزم.

وإن كان الثانى : فالكلام فى ذلك اللازم ، كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. فما هو الجواب فى الاختصاص بالطبيعة (١) ؛ هو الجواب فى الاختصاص بالعوارض (٢) ثم يلزمهم امتناع التعدد فى أشخاص كل نوع من أنواع الإنسان وغيره ، فإن طبيعة [النوع] (٣) فى جميع أشخاصه واحدة عندهم. والتمايز بين الأشخاص ، إنما هو بالعوارض.

وعند ذلك : فلقائل أن يقول : امتياز كل واحد من أشخاص النوع بما أختص به :

إما أن يكون لذاته ، وطبيعته ، أو للازم ذاته.

فإن كان الأول : لزم الاشتراك فى ذلك العارض ؛ ضرورة اتحاد المستلزم.

وإن كان الثانى : فقد لزمه التسلسل ، واتحد الجواب فى محل النزاع ، وصورة الإلزام.

وقولهم : إن العناصر أيضا مختلفة الأنواع ؛ ممنوع.

قولهم : / العناصر مختلفة الكيفيات (٤) ؛ مسلم ؛ ولكن لا بد من التنبيه على زللهم فيما ذكروه من الكيفيات ، وذلك أنهم قالوا : الحار اليابس هو النار ، وقد رسموا اليبس بأنه قوة بها يعسر قبول الجسم للانحصار والتشكل بشكل غيره. والرطوبة فى مقابلته. وإنما يستقيم مع ذلك جعل النار يابسة بهذا الاعتبار وجعل الماء رطبا مع علمنا بأن النار ألطف الأجسام وأقلها للانحصار والتشكل بشكل غيرها.

__________________

(١) الطبيعة : عبارة عن القوة السارية فى الأجسام ، بها يصل الجسم إلى كماله الطبيعى. [التعريفات للجرجانى ص ١٥٩].

(٢) العوارض جمع عرض. والعرض ما يعرض فى الجوهر ، مثل الألوان والطعوم ، والذوق واللمس وغيرها مما يستحيل بقاؤه بعد وجوده [التعريفات للجرجانى ص ١٧٠].

(٣) ساقط من أ.

(٤) عرف الآمدي الكيف فقال : «وأما الكيف : فعبارة عن هيئة قارة للجوهر لا يوجب تعقلها تعقل أمر خارج عنها وعن حاملها ، ولا يوجب قسمة ولا نسبة فى أجزائها وأجزاء حاملها.

وهى منقسمة إلى : ـ

١٠٧

ثم وإن سلمنا صحة ما ذكروه فى الكيفيات الملموسة ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على اختلاف صور جوهرية للعناصر. وما المانع من أن يكون اختلاف العناصر فى هذه الكيفيات بسبب اختلافها فى أمور عرضية غير هذه الكيفيات.

قولهم : ما من عرض يقدر ، إلا ويمكن فرض الاشتراك فيه ، مع اختلاف هذه العناصر ؛ غير مسلم ؛ ولا يلزم من امتناع الاختلاف بينها ، فى بعض الأعراض ، ذلك فى كل عرض يقدّر ؛ ولا يخفى أن ذلك مما لا سبيل إلى الدلالة عليه.

وإن رجعوا إلى امتناع اختصاص البعض بعارض مع اتحاد النوع ؛ لما ذكروه ؛ عاد ما ذكرناه.

قولهم : إن وجود الجسم (١) المطلق غير متصور دون ما يخصصه ؛ فوجب أن يكون ما توقف عليه صورة جوهرية ؛ لما قرّروه.

قلنا : فيلزم على ما ذكرتموه أن يكون الاختلاف بين أشخاص كل نوع من أنواع الجسم بالصور الجوهرية لا بالعوارض ؛ لامتناع وجود طبيعة النوع فى الوجود العينى مشخصا ، دون ما يخصصه ، ويميزه عن باقى الأشخاص ولم تقولوا به ؛ إذ النوع عندهم مقول على كثيرين مختلفين بالأعراض فى جواب ما هى

ولو كان ما وجد من أشخاصه فى الأعيان مختلفة بالصور الجوهرية ؛ لما كان المقول عليها نوعا لها ؛ وهو خلاف مذهبهم على ما عرف فى المواضع اللائقة به.

وعلى هذا : فلا يخفى وجه الكلام عليهم فى اختلاف المركبات الحيوانية ، والنباتية ، والمعدنية ، وغيرها.

__________________

ـ أما هو مختص بالكميات : كالشكل ، والانحناء ، والاستقامة ، ونحو ذلك.

ب ـ وإلى الفعليات ، والانفعاليات : كحرارة النار ، وحمرة الخجل ، وصفرة الوجل.

ج ـ وإلى القوة واللاقوة : كقوة الصّحاح والمرض.

د ـ وإلى الحال والملكة : فأما الحال : فكما نخجل ونوجل. وأما الملكة : فكالصحة للصحاح ، ونحو ذلك.

[المبين للآمدى ص ١١٢].

(١) الجسم : (عند الحكماء) جوهر قابل للأبعاد الثلاثة. وقيل الجسم : هو المركب المؤتلف من الجوهر.

والجسم التعليمى : هو الّذي يقبل الانقسام طولا وعرضا وعمقا. ونهايته السطح ، وهو نهاية الجسم الطبيعى ، ويسمى جسما تعليميا ؛ إذ يبحث عنه فى العلوم التعليمية : أى الرياضية : الباحثة عن أحوال الكم المتصل والمنفصل منسوبة إلى التعليم والرياضة ؛ فإنهم كانوا يبتدئون بها فى تعاليمهم ورياضتهم لنفوس الصبيان ؛ لأنها أسهل إدراكا» [التعريفات للجرجانى ص ٨٦ ، ٨٧].

١٠٨

الفصل الرابع

فيما يجب للأجسام من الصفات ، وما لا يجب

وإذ بينا أن كل جسم ؛ فلا بد وأن يكون متناهيا (١) ؛ فكل ما لا يخلو عنه الجسم المتناهى (١١) / / من الصفات بتقدير عدم الأسباب الخارجة / ؛ فهى من الصفات الواجبة لنفسه ، والجسم المتناهى لو قدر عدم جميع الأسباب الخارجة عنه ؛ فلا يخلو عن شكل : أى عن حدّ يحيط به ؛ فيكون كريا (٢) ، أو حدود ؛ فيكون مضلعا. وعن وضع : أى أن تكون لأجزائه نسبة بعضها إلى بعض ؛ وعن حيز (٣) ، وهو إما مكان ، أو بتقدير مكان. وأن يكون قائما بنفسه. وقابلا للأعراض ؛ ضرورة كونه جوهرا كما سبق (٤).

وأما آحاد الأشكال ، والأوضاع على سبيل التعيين ؛ فليس من الصفات الواجبة له. فإنه ما من واحد يفرض منها إلا ويجوز بتقدير عدمه مع بقاء الجسم بحاله ، وما هذا شأنه ؛ فلا يكون من الصفات الواجبة للجسم ولا يكون أيضا ثابتا لطبيعة الجسم ؛ لما بيناه فى الرد على الطبائعيين (٥) ؛ بل كل ما يكون من ذلك فإنما هو للجسم من الفاعل المختار (٦).

وقالت الفلاسفة : لا بد لكل جسم من شكل طبيعى وحيز طبيعى ، وكيفية طبيعية (٧) تكون له ، وإن زال عنه قسرا.

فعند زوال السبب القاسر يعود إلى مقتضى طبعه من الشكل ، والحيز ، والكيفية ؛ لكن ما كان من الأجسام بسيطا ؛ فشكله الطبيعى له كرى ؛ إذ القوة الواحدة فى البسيط لا يفعل غير المتشابه ، ولا متشابه من الأشكال غير الكريّ ، وما كان منها مركبا معتدلا فشكله الطبيعى ، لا يكون إلا مضلعا ، وإلا فشكله شكل الغالب من بسائطه.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الفصل الثانى ل ٢١ / ب وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٦ / ب من النسخة ب.

(٢) الكرة : هى جسم يحيط به سطح واحد ، فى وسطه نقطة ، جميع الخطوط الخارجة منها إليه سواء». [التعريفات للجرجانى ص ٢١٠].

(٣) عن الحيز : راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل الثانى : فى معنى الحيز والمتحيز ، والتحيز ل ٢ / ب وما بعدها.

(٤) راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل الأول : فى حقيقة الجوهر ومعناه ل ٢ / أ.

(٥) راجع ما مر فى القاعدة الرابعة : من الجزء الأول ـ الفرع الثالث : فى الرد على الطبائعيين ل ٢٢٠ / ب وما بعدها.

(٦) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ل ٢١١ / ب وما بعدها.

(٧) وقد رد الآمدي على الفلاسفة بالتفصيل فى الفصل الخامس : فى إبطال قول الفلاسفة إنه ما من جسم إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ومناقضتهم فى ذلك. ل ٣٠ / أوما بعدها.

١٠٩

وأما الحيز الطبيعى (١) للبسائط من الأجسام فما كان منها علويا : كالسماوات ؛ فحيزها الطبيعى من حد فلك (٢) القمر إلى آخر العالم ، وما كان منها سفليا : كالعناصر ، فقد اختلفوا فيه : فمنهم من قال : إن الحيز الطبيعى لها بأجمعها إنما هو مركز العالم ، وأنها بأجمعها ثقيلة تطلب بطبائعها أقصى جهة السفل غير أنه لما كان بعضها أثقل من بعض سقط الثقيل لما هو أخف منه إلى فوق قسرا ، ولذلك كان التراب أسفل الكل ؛ إذ هو أثقلها ، ويليه الماء ، ويلى الماء ، الهواء ، والهواء ، النار ، إذ النّار أخف من الهواء ، والهواء من الماء ، والماء من الأرض.

ومنهم من قال : إن ما نشاهده من حركة كل واحد إلى حيّز من الأحياز إنما هو لطبيعته ، لا أنه مقسور على حركته إليه ، وأن الأرض والماء / ثقيلان.

إلا أن الأرض أثقل من الماء.

ولهذا كان الحيز الطبيعى للأرض هو المركز ، والحيز الطبيعى للماء ما فوق الأرض ، وتحت الهواء.

وأما الهواء ، والنار ، فهما الخفيفان ؛ إلا أن النار أخف من الهواء ، ولذلك كان الحيز الطبيعى للنار فوق الكل.

والحيز الطبيعى للهواء : تحت النار ، وفوق الماء ، وما تركب منهما فحيزه الطبيعى حيز الغالب منهما ، وإن تساوت ؛ فحيز المتوسط منهما.

وربما قال بعض الأوائل منهم : إن حركة الثقيل وهى الأرض ، وهويه إلى الوسط ، وسكونه فيه ليس لطبعه ؛ بل لالتفاف الحركات السماوية به والدفع المتشابه من كل جهة ، كما يفرض لحفنة من تراب إذا وضعت فى قنينة ، وأديرت على قطبين بحركة شديدة ، أن تصير فى الوسط ، ثم يليه الماء ثم الهواء ، ثم النار.

__________________

(١) الحيز الطبيعى : ما يقتضي الجسم بطبعه الحصول فيه.

والحيز عند المتكلمين : هو الفراغ المتوهم الّذي يشغله شيء ممتد : كالجسم ، أو غير ممتد : كالجوهر الفرد.

وعند الحكماء : هو السطح الباطن من الحاوى المماس للسطح الظاهرى من المحوى». [التعريفات للجرجانى ص ١٠٥ ، ١٠٦].

(٢) عرف الآمدي الفلك فقال : «وأما الفلك : فعبارة عن جرم كرى الشكل غير قابل للكون والفساد محيط بما فى عالم الكون والفساد. وأما على رأى الإسلاميين : فعبارة عن جرم كرى محيط بالعناصر». [المبين للآمدى ص ٩٩].

١١٠

ومنهم من قال بأن سكون الأرض فى الوسط ، وعدم حركتها عنه ؛ ليس بالطبع ، ولا للدفع ؛ بل بجذب الفلك له من جميع الجهات جذبا متساويا على نحو جذب المغناطيس للحديد ؛ فلا تكون جهة أولى بالحركة من جهة ولهم اختلافات أخرى وخبط كثير ، لا يليق استقصاؤه هاهنا ، أومأنا إليها ، وإلى إبطالها فى دقائق الحقائق (١).

وأما الكيفيات : فإنهم قالوا : ما كان من البسائط من الأجسام : كالعناصر ؛ فلا بد لكل عنصر من كيفيتين تكون له بمقتضى طبعه : كالحرارة ، واليبوسة للنار. والحرارة ، والرطوبة للهواء ، والبرودة والرطوبة للماء. والبرودة واليبوسة للأرض. بحيث يعود إليه بعد زوالها عنه قسرا. وأحالوا أن يكون شيء من هذه الكيفيات لبسائط الأفلاك ؛ لأن ذلك مما يلازمه ، الثقل أو الخفة. والثّقل والخفة من لوازم الحركة المستقيمة ، والحركة المستقيمة غير متصورة على الأفلاك عندهم كما يأتى شرحه وإبطاله (٢). هذا تفصيل مذاهبهم.

وأما نحن فنقول : من التفت إلى ما حققناه من وجود الفاعل المختار ، وأنه لا مؤثر سواه (٣) ، والتفت إلى ما قررناه فى الفصل المتقدم (٤) ؛ علم بطلان جميع ما ذكروه ، وبتقدير التسليم ـ جدلا ـ عدم الفاعل المختار ، فلا بد من مناقضتهم فيما ذكروه.

أما قولهم : ما كان من بسائط الأجسام ؛ فلا يكون شكله الطبيعى إلا كريّا ؛ ممنوع قولهم لأن القوة / الواحدة فى بسيط واحد ، لا يفعل إلا المتشابه.

إنما يستقيم أن (١١) / / لو بينوا امتناع قيام قوتين مختلفتين ببسيط واحد ؛ وما المانع منه؟

فلهذا قالوا : إن صور العناصر قابلة للكون والفساد مع بساطتها. وإنما تكون قابلة للكون بقوة قابلة للكون ؛ ولذلك إنما تكون قابلة للفساد ؛ بقوة قابلة للفساد.

__________________

(١) هو أهم كتب الآمدي الفلسفية. انظر عنه ما مر فى المقدمة.

(٢) انظر ما سيأتى فى الفصل السادس : فى إبطال ما قيل إن الأفلاك غير قابلة للحركة المستقيمة والفساد. وأنها ليست ثقيلة ، ولا خفيفة ولا حارة ولا باردة ، ولا رطبة ولا يابسة ، وأنها بسيطة ، كرية ، لا تقبل الخرق والشق ل ٣١ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه ل ٢١١ / ب وما بعدها.

(٤) راجع ما مر فى الفصل الثالث ل ٢٥ / ب وما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٧ / أمن النسخة ب.

١١١

إذ لو لم يكن فيها قوة قبول الكون ، والفساد (١) ؛ لما كانت ولما فسدت. وبتقدير اجتماع قوتى القبول للكون والفساد فى البسيط الواحد [فلا يمتنع اجتماع قوتين فاعلتين فى البسيط الواحد (٢)] ولو سئلوا عن الفرق ؛ لم يجدوا إليه سبيلا.

ولئن قالوا : القوّة القابلة للكون ، هى القوة القابلة للفساد ؛ فلا تعدد.

قلنا : فيلزمهم على هذا أن يقولوا : بجواز فساد الأنفس الإنسانية (٣).

فإنهم إنما أحالوا ذلك على أن الأنفس الإنسانية لو قبلت الفساد ؛ لكان فيها قوة قبول الفساد ، وقد كان فيها قوة قبول الكون. والبسيط الواحد لا يجتمع فيه قوتان.

وذلك لا يتصور مع القول بأنّ القوة القابلة للكون هى القوة القابلة للفساد ثم إن كانت القوة القابلة للكون هى القوة القابلة للفساد.

قلنا : إما أن يكون ذلك ممكنا ، أو لا يكون ممكنا.

فإن كان الأول : فما المانع من فساد الأنفس الإنسانية.

وإن كان الثانى : فليمتنع القول بكون الصور الجوهرية وفسادها.

وإن سلمنا أن البسيط لا تقوم به إلا قوة واحدة ؛ فما المانع من فعلها ؛ لما ليس متشابها.

وما ذكروه : إنما يستقيم أن لو أمتنع تعليل الأمور المختلفة بعلة واحدة ؛ وهو غير مسلم (٤). ثم لو كان الشكل الطبيعى للبسيط كريّا ؛ لكان الشكل الطبيعى للأرض البسيطة

__________________

(١) الكون والفساد : عرف الآمدي الكون والفساد فى كتابه المبين ص ١٠٠ ، ١٠١ فقال أما الكون : فعبارة عن خروج شيء ما من العدم إلى الوجود دفعة واحدة لا يسيرا يسيرا.

وأما الفساد : فعبارة عن خروج شيء ما من الوجود إلى العدم دفعة واحدة لا يسيرا يسيرا.».

(٢) ساقط من أ.

(٣) عرف الآمدي النفس فقال : «وأما النفس : فعبارة عن كمال لكل جسم طبيعى من شأنه أن يفعل أفعال الحياة.

وهذا رسم النفس على وجه تشترك فيه النفس الفلكية والنباتية والحيوانية والإنسانية إن قلنا : إن ما لكل واحد من الأفلاك من الحركة تتم لا بمعاضدة غيره من الأفلاك له ، وإلا فالأنفس الفلكية خارجة عنه.

وإذ ذاك ينحصر الرسم المذكور فى النمو والتغذى والولادة ؛ فإن قيد بالإدراك والحركة الإرادية ؛ كان رسما للنفس الإنسانية.» [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين ص ١٠١ ، ١٠٢].

(٤) انظر ما سيأتى فى الباب الثالث ـ الأصل الثانى ـ الفصل السادس : فى أن العلة الواحدة هل توجب حكمين مختلفين ، أم لا؟ ل ١٢٣ / أوما بعدها.

١١٢

كريّا. ولو كان كذلك ؛ لوجب عند تسلمها بقسر قاسر أن يعود شكلها كريّا بتقدير زوال القاسر ؛ وليس الأمر كذلك فى الأرض.

فلئن قالوا : إنما لم يعد الشكل الكريّ ؛ لأنّ اليبس الّذي هو من مقتضى طبع الأرض حافظ لهيئة كل جزء من أجزاء الشكل الّذي اقتضته طبيعة الأرض على حاله ، فلو عاد الشكل الكريّ ؛ لكان على خلاف مقتضى اليبس الّذي هو مقتضى الطبيعة ؛ فيكون على خلاف مقتضى الطبيعة ؛ وهو ممتنع.

فنقول : وكما أن الطبيعة مقتضية لليبس المقتضى لحفظ الأجزاء الشكلية على هيآتها ؛ / فهى أيضا مقتضية للشكل الكريّ ، وليس العمل بأحد الأمرين أولى من الآخر.

وإن سلمنا أن الشكل الطبيعى للبسيط لا يكون إلا كريّا ؛ ولكن لا نسلم أن الأفلاك بسيطة ، ولا العناصر على ما يأتى تحقيقه (١) حتى يلزم أن يكون الشكل الكريّ لها طبيعيا.

قولهم : وما كان منهما مركبا معتدلا ؛ فشكله الطبيعى له مضلع ؛ فهو ممنوع. وما المانع من كونه كريا؟

فلئن قالوا : إلا أن الطبائع المختلفة لا تقتضى إلا المختلف ؛ فهو ممنوع. وما المانع من صدور المتماثلات عن المختلفات (٢).

ولهذا : فلأنه لو كان المركب من عناصر أربعة معتدلة قلنا : بأنه لا يصدر عن طبائعها غير المضلع ، فالمضلع لا بد له من أضلاع ، وزوايا. وقد تكون الأضلاع منه متماثلة ، وقد تكون مختلفة ، وكذلك الزوايا. وبتقدير تماثل الأضلاع ، وتماثل الزوايا ، فأقل ما تكون أضلاع المضلع ثلاثة ، وكذلك زواياه فإن أبسط الأشكال المضلعة ، إنما هو المثلث ، والمختلف منها إنما هو الزوايا مع الأضلاع.

وعند ذلك : فإما أن تكون الأضلاع المتماثلة مقتضى طبيعة واحدة ، وكذلك الزوايا ، أو أن كل ضلع مقتضى طبيعة ، وكل زاوية مقتضى طبيعة.

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى الفصل السادس ل ٣١ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى فى الأصل الثالث : فيما توصف به الجواهر والأعراض. الفصلين الثانى والثالث ل ٦٩ / ب وما بعدها.

١١٣

فإن كان الأول : فيلزم منه اعمال طبيعتين ، وتعطيل الطبيعتين الأخريين ؛ وليس ذلك أولى من العكس.

وإن كان الثانى : فقد صدرت المتماثلات عن المختلفات ،

وقولهم : إن الحيّز الطبيعى للعلويات من فلك (١) القمر إلى آخر العالم.

فنقول : الحيّز الطبيعى للجسم ، لا معنى له عندهم إلا ما لو قدّر زوال الجسم عنه قسرا ؛ لكان فى طباعه مبدأ ميل إليه. ولو لم يكن كذلك ؛ لما كان طبيعيا له.

فإذا فى الأفلاك مبدأ ميل إلى أحيازها بتقدير زوالها عنه قسرا ، والميل إلى الحيّز الطبيعى بتقدير الزوال عنه قسرا ؛ لا يكون إلا بحركة مستقيمة. إذ هى أقرب إلى مطلوبه. والحركة المستقيمة على الأفلاك عندهم محال ؛ لما سيأتى (٢). فلا يعقل الحيّز الطبيعى لها.

كيف وأنهم لو سئلوا عن اختصاص كل فلك بحيزه ـ طبعا مع اعترافهم بأنّ الأفلاك لا توصف بالحرارة والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، ولا بثقل ولا خفة ـ لم يجدوا إلى تحقيق ذلك سبيلا.

ولو قيل : ما المانع من كون كل فلك فى حيزه بمقتضى إرادته النفسانية ؛ إذ الأفلاك عندهم / ذوات أنفس مريدة ، وأنها ليست فيها بمقتضى الطبع ؛ لم يجدوا إلى دفعه مسلكا (٣).

وأما العناصر فمن قال منهم إن كل واحد منها له حيّز طبيعى ، وأن حيّز الأرض المركز ، وحيز النار فوق الكل ، والماء بين (١١) / / الأرض ، والهواء ، والهواء بين الماء ، والنار ؛ فمعارض باحتمال قول الآخرين أن كل واحد منها ثقيل يطلب بطبعه جهة المركز. غير أن ما كان منها أثقل يزحم الأخف ، ويرسب ، وما كان منها أخف ؛ فيطفو فوق الثقيل ؛ لمزاحمته له (٤).

__________________

(١) عرف الآمدي الفلك فقال : «وأما الفلك : فعبارة عن جرم كرى الشكل غير قابل للكون والفساد يحيط بما فى عالم الكون والفساد. وأما على رأى الإسلاميين : فعبارة عن جرم كرى محيط بالعناصر.» [المبين للآمدى ص ٩٩].

(٢) انظر ما سيأتى ل ٣١ / أوما بعدها.

(٣) انظر ما سيأتى فى الفصل السابع : فى إبطال قول الفلاسفة إن الأفلاك ذوات أنفس ، وأنها متحركة بالإرادة النفسية ل ٣٢ / أوما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٧ / ب من النسخة ب.

(٤) انظر ما سيأتى : ل ٣٠ / أوما بعدها.

١١٤

فإن قالوا : لو كان كذلك ؛ لكان ما عظم من الزقوق المنفوخة أمنع لمزاحمة الماء لها مما صغر ؛ وكان طفو الأصغر ، أسرع من طفو الأكبر ، والأمر بالعكس ؛ فهو معارض باحتمال كثرة المزاحمة من الماء المقسور عن حيزه.

وأما قول من قال منهم : إنها بأجمعها ثقيلة تطلب بطبعها جهة السّفل ؛ فهو معارض باحتمال أن كلها خفيفة تطلب أقصى جهة فوق ؛ غير أنه لما كان البعض أخف من البعض ، سبق الأخف طافيا فوق الكل ، ورسب ما هو دونه فى الخفة.

وأما المذهب الثالث : القائل باندفاع الأرض إلى المركز بالحركة الفلكية القاسرة ، فباطلة من أربعة أوجه :

الأول : أنه لو كان كما ذكروه ؛ لكان اندفاع المدرة (١) الصغيرة ، أسرع من اندفاع الأثقال العظيمة ، لضعف مقاومتها.

الثانى : أنه لو كان كذلك ، لكانت حركة المندفع كلما بعدت عن الفلك المحرك لها أبطأ ؛ وليس كذلك.

الثالث : أنه لو كان كما ذكروه ؛ لما اختص ذلك بالثقيل دون غيره.

الرابع : أنه كان يلزم أن تكون الأرض متحركة دورا فى الوسط ؛ لحركة التراب فيما ذكروه من المثال ؛ وليس كذلك.

وأما المذهب الرابع : فباطل أيضا ؛ فإنه لو كان كما ذكروه ؛ لما أختص ذلك بالأرض دون غيرها ، ولكانت المدرة إذا رميت نحو السماء ، أو السهم أن لا يعود قهقرا نحو الأرض ؛ لقربه من بعض جهات الفلك دون البعض.

وأما ما ذكروه من اختصاص طبائع العناصر بالكيفيات المذكورة.

فلقائل أن يقول : لا نسلم أن النار يابسة ؛ على ما قررناه فيما تقدم.

وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن هذه الكيفيات من مقتضى طباع العناصر.

وذلك أنا قد نشاهد الهواء ، والماء ، والتراب تارة باردا ، وتارة / حارا بطبعه

__________________

(١) المدر : جمع (مدرة) مثل قصب وقصبة وهو التّراب المتلبد قال الأزهرى (المدر) قطع الطين وبعضهم يقول الطين العلك الّذي لا يخالطه رمل [المصباح المنير ـ كتاب الميم ٢ / ٥٦٦].

١١٥

وليس القول بكون أحد الأمرين طبيعيا ، أولى من الآخر.

فلئن قالوا : دليل كون الهواء حارا بطبعه وكون الماء ، والتراب باردا بطبعيهما ، وأنه لو برد الهواء بسبب مبرد ، أو سخن الماء

أو التراب بسبب مسخن ، ثم زال القاسر عاد الهواء حارا ، والماء والتراب باردا ؛ وذلك دليل كونه طبيعيا له.

قلنا : وما المانع أن يكون ذلك العائد أيضا بسبب أوجب عوده من استيلاء ما يوجب التسخين أو التبريد. وعدم وجدانه لا يدل على عدمه فى نفسه.

كيف : وأنهم قد قضوا ببساطة كل عنصر من العناصر وطبيعة البسيط لا تكون إلا واحدة.

وقد قضوا بأن الطبيعة الواحدة فى البسيط الواحد لا تقتضى إلا المتشابه دون الأمور المختلفة. ولا يخفى أن الحرارة مع الرطوبة أو اليبوسة ، وكذلك البرودة مع الرطوبة ، أو اليبوسة من المختلفات ، فكيف كانت ثابتة فى البسيط الواحد بمقتضى طبيعة واحدة فى كل واحد من العناصر.

ومن أراد الإمعان فى معرفة مناقضاتهم ، وظهور فضائحهم ؛ فعليه بمراجعة دقائق الحقائق (١).

__________________

(١) دقائق الحقائق أهم كتب الآمدي الفلسفية انظر عنه ما مر فى المقدمة.

١١٦

الفصل الخامس

فى إبطال قول الفلاسفة أنه ما من جسم

إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ، ومناقضتهم فى ذلك.

فنقول : قالت : الفلاسفة أنه لا بد لكل جسم من حيز طبيعى بناء على أصلهم المتقدم (١).

وعند ذلك : فإما أن يصح عليه الانتقال عنه قسرا ، أو لا يصح.

فإن صحّ : فلا بد وأن تكون فيه قوة معدة لطلب ذلك الحيّز ، والعود إليه ، وإلا لما كان طبيعيا له. وتلك القوة لا بد وأن تكون زائدة على نفس الجسم ، وإلا لاشتركت جميع الأجسام فى اقتضاء ذلك الحيز لذواتها.

قالوا : وبتقدير أن تكون بعض الأجسام فى حيزه الطبيعى ، وليس فيه مبدأ ميل إليه ؛ فالميل مشاهد محس فى بعض الأجسام ، وهو ما يحس به من مقاومة بعض الاجسام ، ومدافعته عند إرادة تحريكه إلى خلاف جهة حيّزه الطبيعى ، وعلى قدر الزيادة فى الممانعة والنقصان ، يجب أن تكون الزيادة ، والنقصان فى قوة الميل واحدة.

وعند ذلك فلنا أن نحرّكها بحركة قسرية مستوية فى مسافة واحدة إلى منتهى معين ، مخالف لجهة حيّزها.

ويلزم من ذلك أن يكون / قطع ذى الميل للمسافة فى زمن أطول من زمن ما لا ميل له لوجود المعاوق فيه ، وعدمه فى الآخر ، وبتقدير أن كون ما له الميل قد قطع المسافة فى يوم وما لا ميل له ، قد قطعها فى نصف يوم فلنا (١١) / / أن نفرض ذا ميل آخر ، قوة الميل فيه على النصف من ذى الميل الأول تحرك فى تلك المسافة بمثل الحركتين السابقتين.

ويلزم من ذلك أن يقطع المسافة فى نصف الزمان الّذي قطعها ذو الميل الأقوى ؛ لأن المعاوق فيه على النصف من المعاوق فى ذى الميل الأقوى ، ويلزم من ذلك أن يكون ما له الميل الأضعف قد قطع المسافة فى مثل زمان ما لا ميل له ، ومحال أن يساوى ما لا ميل له ، ما له ميل.

__________________

(١) راجع ما مر ل ١٧ / أوما بعدها.

(١١)/ / أول ل ١٨ / أمن النسخة ب.

١١٧

هذا كله إن كان الجسم قابلا للانتقال عن حيّزه قسرا ، وإن لم يكن قابلا لذلك ؛ فلا بد وأن يكون بسيطا ؛ فإنه لو كان مركبا ؛ لكانت بساطته قابلة للحركة إلى حيّز المركب وإلا لما تركب منها.

ويلزم أن تكون قابلة للانتقال إلى أحيازها ؛ ويلزم من ذلك أن يكون المركب قابلا للانتقال عن حيّزه ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فلم يبق إلا أن يكون بسيطا ، والطبيعة الواحدة فى المادة الواحدة لا تقتضى من الأشكال غير المتشابه الأجزاء وليس ذلك غير الكرى ؛ فشكله الطبيعى كرى فلا بد له من وضع سبب لقسمة أجزائه إلى حاوية ، أو محوية.

وإذا كانت أجزاؤه متشابهة ، متماثلة ، ضرورة اتحاد الطبيعة ؛ فليس اختصاص بعض الأجزاء بما اختص به ، أولى من الآخر ؛ بل الواجب أن ما جاز على أحد المثلين ؛ فهو جائز على الآخر ، وذلك لا يكون إلا بغرض الحركة ، والانتقال من وضع إلى وضع ؛ فله مبدأ ميل ، وليس ذلك مستقيما ؛ بل دورى.

فإذن كل جسم لا بد فيه من مبدأ ميل طبيعى لحركة مستقيمة أو وضعية ، ولا يجتمعان.

وطريق الرد عليهم :

أن يقال : أصل ما ذكرتموه مبنى على أن كل جسم لا بد له من حيز طبيعى ؛ وقد أبطلناه فى الفصل الّذي قبله (١) وبتقدير التسليم جدلا لا نسلم أنه لا بد وأن يكون اقتضاء الجسم للحيز بقوة زائدة على ذاته.

قولهم : يلزم أن تكون الأجسام كلها مشتركة فى حيّز واحد ، مسلم ؛ ولكن لا نسلم إحالة ذلك على ما تقدم.

قولهم : الميل مشاهد / فى بعض الأجسام على ما قرروه ؛ لا نسلم ذلك.

وما نحس من المدافعة ، والثقل إنما هو عائد إلى عدم خلق القدرة على دفع ذلك الجسم وتحريكه ، لا أنه عائد إلى أمر فى الجسم.

وإن سلمنا ذلك ، ولكن لم قالوا بلزوم طرد ذلك فى كل جسم.

__________________

(١) راجع ما مر فى الفصل السابق ل ٢٧ / ب وما بعدها.

١١٨

وأما ما ذكروه فى الدلالة على ذلك : فإنما يستقيم أن لو كان ذو الميل الأضعف يقطع المسافة فى نصف زمان الميل الأقوى ؛ وليس كذلك ؛ بل إنما يقطعها فى ثلاثة أرباع زمانه ، فإنا لو رفعنا العائق وهما لقطعناها فى نصف يوم.

فإذا فرض العائق فى أحدهما على النصف من العائق فى الآخر. فإذا كان العائق الأقوى قد أثر فى زيادة نصف يوم.

فالعائق الأقوى الّذي هو على نصفه يجب أن يكون مؤثرا فى نصف ذلك النصف ؛ وهو ربع اليوم.

فإذن ما لا ميل له يكون قد قطع المسافة فى نصف يوم ، وذو الميل الأقوى فى يوم ، وذو الميل الأضعف فى ثلاثة أرباع يوم ، ولا مساواة.

قولهم : وإن لم يكن قابلا للانتقال عن حيّزه ؛ فلا بد وأن يكون بسيطا ؛ مسلم.

قولهم : والطبيعة الواحدة فى المادة الواحدة لا تقتضى غير الكرىّ قد أبطلناه فى الفصل المتقدم (١).

وإن سلم أنه لا بد وأن يكون كريا ؛ ولكن لم قالوا إنه لا بد فيه من مبدأ ميل.

قولهم : ليس بقاؤه على وضع أولى من غيره مسلم ؛ ولكن إنما يلزم عليه الانتقال لتبدل الأوضاع إن لم يكن متخصصا ببعضها بتخصيص الفاعل المختار ؛ ولا سبيل الى نفيه على ما حققناه (٢).

ثم لو كان ذلك مستندا إلى قوة طبيعية ؛ للزم أن تكون الحركة الدورية طبيعية ؛ وهو محال ؛ لأن المتحرك بالطبع لا بد وأن يكون على أصلهم متحركا عما لا يلائم إلى ما يلائم.

والمتحرك فى الوضع ما من وضع يقدّر هربه منه ، إلا وهو طالب له. وما من وضع يقدر طلبه له ، إلا وهو هارب عنه ، ولم يقولوا به.

__________________

(١) انظر ما مر فى الفصل المتقدم ل ٢٧ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه ل ٢١١ وما بعدها.

١١٩

الفصل السادس

فى إبطال ما قيل إن الأفلاك غير قابلة للحركة المستقيمة والفساد.

وأنها ليست ثقيلة ، ولا خفيفة ، ولا حارة ، ولا باردة ، ولا رطبة ،

ولا يابسة. وأنها بسيطة ، كرّيّة ، لا تقبل الخرق والشق (١).

نقول : زعمت الفلاسفة أن كل جسم متناه فله نهايات ، ونهاياته هى الجهات المحددة له. وهى مختلفة نوعا لفوق ، وأسفل ، وخلف ، وقدام ، ويمن ، ويسار.

غير أن الحقيقى / فيها الّذي لا يختلف إنما هى جهة فوق ، وهى ما تلى جهة المحيط بالعالم. وجهة أسفل : وهى ما تلى جهة المركز منه وما عدا ذلك من الجهات فمختلف باختلاف وضع الجسم بحيث يصير ما كان يمينا يسارا ، وبالعكس.

وكذلك فى جهة خلف ، وقدّام. وهذه (١١) / / الجهات فواقعة فى امتداد الإشارة إليها ؛ فلا تكون عدمية ، ولا معقولة مخفية ؛ فهى إذن وجودية ولا بد وأن يكون المحدد لها جسما ، وإلا لتعذّرت الإشارة إليها وإذا كان المحدّد للجهات جسما ، فيمتنع أن يكون متشابها. وإلا لما كانت الجهات المتحددة به متقابلة ، وهى متقابلة ، وتقابلها إنما هو بسبب النسبة إلى المحيط والمركز.

فإذن المحيط بالعالم المحدد لجهة فوق جسم ممتنع عليه الحركة المستقيمة لأن حيزه وإن كان طبيعيا له ؛ فلا بد وأن يطلبه بطبعه بتقدير زواله عنه. قسرا ، وذلك يستدعى أن يكون حيّزه إما غير متحدّد ، أو متحدّدا دونه.

وقد قيل : إنه متحدد بدونه ؛ وهو محال. وإن لم يكن حيزه طبيعيا له ، أمكن أن لا يكون فيه ؛ فلا تكون الجهة المفروضة متحدّدة ، أو متحددة بغيره ؛ وهو خلاف الفرض.

__________________

(١) انظر المواقف للإيجي ص ٢٠٠ وما بعدها القسم الأول : فى الأفلاك. وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٧٨ ـ ١٤٠ القسم الأول : فى الأفلاك وفيه مقاصد ستة : ففيهما معلومات مهمة وتوضيحات لا يستغنى عنها.

والقسم الثانى : فى الكواكب المضيئة.

وانظر شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٣٢٧ ـ ٣٥٨ القسم الأول : فى البسائط الفلكية. وفيه مباحث أربعة.

وانظر شرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ١٢٨ ـ ١٣٣.

(١١)/ / أول ل ١٨ / ب من النسخة ب.

١٢٠