إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر

أبي العزّ محمّد بن الحسين بن بندار الواسطي القلانسي

إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر

المؤلف:

أبي العزّ محمّد بن الحسين بن بندار الواسطي القلانسي


المحقق: الدكتور عثمان محمود غزال
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-5299-8
الصفحات: ٣٨٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الإهداء

إلى من أضاءت بعلمها لي الطريق

إلى نهر الحنان الذي أغترف منه بنهم عميق

إلى القلب الكبير الذي يعفو مهما كان

إلى من كانت الجنة تحت قدمها عند الرحمن

إلى أمي

٣
٤

المقدمة

الحمد لله الذي أنزل القرآن وشرّفنا بحفظه وتلاوته ، ومنّ علينا بتجويده ، وتحريره ، وجعل ذلك من أعظم عباداته.

والصلاة والسلام على سيدنا «محمد» سيد المقرئين والقارئين ، القائل فيما يرويه عن رب العزة في حديثه الشريف : يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» (١) وفضل كلام الله ـ سبحانه وتعالى ـ على سائر الكلام كفضل الله ـ تعالى ـ على خلقه.

والقائل : «أقرأني جبريل على حرف واحد ، فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» ا ه (٢).

فطوبى لمن أعرض عن كل شاغل يشغله عن تدبره ودراسته.

وبعد : فإن أشرف ما نطق به اللسان ، وصرف إلى تفهمه الفكر والأذهان كلام العزيز الرحمن ، وإن أولى ما قدم من علومه علم قراءته وترتيله.

فعلم القراءات القرآنية هو ذروة سنام العلوم القرآنية ، وأعظمها على الإطلاق ؛ وذلك لتعلقه بكتاب رب العالمين والعمل على حفظه من اللحن والخطأ ، وقراءته بقراءاته الصحيحة المروية بالسند الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولأنه كتاب الله الكريم وفرقانه المبين الذي يفرق بين الحق والباطل وهو نبراس البشرية الهادي لها في الظلمات فإن أهل الضلال الخائضين في الظلمات تحروا نقضه وتربصوا له يبغون رفضه فقام لهم سدنة الحق من العلماء ، فشمروا عن ساعد الجد ، وقاموا يدفعون عنه كل زيغ وضلال ، ومن ثم لم يحظ كتاب عبر تاريخ البشرية بمثل ما حظي به كتاب الله ـ تعالى ـ قراءة وحفظا ، وتجويدا ، وأداء ، ورسما وضبطا ، وفهمّا واستنباطا. فمن حيث قراءاته ، اتجهت همم السلف من علماء الأمة إلى العناية بعلم القراءات القرآنية ، رواية ودراية ، فألّفوا فيها التآليف البديعة ، وصنفوا التصانيف المفيدة ، مؤصّلين أصوله ، ومقعّدين قواعده فكان أول إمام معتبر في جمع القراءات في كتاب ، أبو عبيد القاسم بن سلام ، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (٢٢٤ ه‍) على اختلاف في ذلك. ثم تلاه من جاء بعده ، فساروا على سننه ، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف ، واختلفت أغراضهم

__________________

(١) رواه الترمذي ، عن أبي سعيد الخدري ، وقال الترمذي حديث حسن.

(٢) أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما.

٥

بحسب الإيجاز والتطويل والتقليل.

ومن ثم عزيزي القارئ الكريم أردنا أن نضع بين يديك كتاب :

إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي

في

القراءات العشر

ولقد أخرجناه في ثوب قشيب فيه من الجدة ما يثلج الصدور ، وهو عون للقاري المبتدي وتذكرة للمقري المنتهي ، يعين العقول على فهم هذا العلم الجليل ، وإدراك مبهمه ، وإيضاح ما استغلق منه ، وكان منهجنا في هذا السّفر الجليل ما سنوضحه فيما يلي :

أولا : منهج العمل بكتابنا هذا.

١ ـ قمنا بنسخ كتاب «المستنير في القراءات العشر» على حسب ما يوافق قواعد الإملاء الحديثة.

٢ ـ أثبتنا علامات الترقيم والأقواس حسب المتعارف عليه الآن.

٣ ـ نظمنا النص على نسق واحد من أوله إلى آخره بما يفيد فهم النص فهما جيدا ، فتظهر معانيه ودلالاته واضحة جلية.

٤ ـ وقع في بعض نصوص كتابنا أخطاء لغوية ، وفي بعضها الآخر إسقاط في نص القرآن ، فقد قمنا بإصلاح ذلك كله داخل النصوص ؛ وذلك لكونها من أخطاء النّساخ ، وغالبا ما وضعنا ذلك في أقواس مع الإشارة إليه في الهامش.

٥ ـ عنينا عناية بالغة بمقابلة أسماء الأعلام ، وكذا المادة التراجمية الواردة عنهم ، ومقابلتها بما احتوته أمهات كتب التراجم المعنية بها ، ولا سيما كتب تراجم القراء ، فإذا وجدناها متفقة معها سكتنا ، ولم نعلّق على صحة الاسم أو المادة ، أما إذا وجدنا خلافا فقد عنينا بالتعليق عليه ، ورجحنا الصواب بعد التحليل ، وأحلنا على الموارد التي أدت إلينا هذا الترجيح.

٦ ـ ترجمنا للأعلام ؛ تتميما لعموم النفع.

٧ ـ بينا المصطلحات الواردة بكتابنا هذا ؛ شارحين لها ومعلّقين عليها.

٨ ـ ذكرنا معاني الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى شرح وإيضاح.

٩ ـ جعلنا ترقيم الآيات القرآنية ضمن مادة كل كتاب ، ولم نجعلها في الهامش ؛ وذلك لعدم ثقل الهوامش ، كما ذكرنا أرقام الآيات عند ورود كل سورة بجانبها ولم نذكرها بالهامش إلا في حالة إشارة المؤلف إلى ورود حرف ما بمواضع عديدة ، فعند ذلك

٦

فقط نشير إلى أرقام تلك الآيات في الهامش.

١٠ ـ وأما القسم الخاص بفرش السور داخل كتابنا فإننا اكتفينا فيه بذكر رقم الآية بجانبها اعتمادا منا على أن المصنف يناقش آيات سورة واحدة ، فلا داعي لتكرار اسم السورة إلا إذا دعت الحاجة إلى عكس ذلك.

١١ ـ في ضبط الآيات القرآنية ، قمنا بضبطها على ما يوافق قراءة حفص عن عاصم إلا إذا عمد المصنف إلى غير ذلك.

١٢ ـ خرّجنا القراءات القرآنية على الكتب المعنية بها من كتب القراءات ، وكتب حجج القراءات وعللها ، وكتب إعراب القرآن ، والتفاسير ، وكل ما له صلة بذلك.

١٣ ـ عزونا جميع الأحاديث والآثار وأسباب النزول إلى مصادرها المعتبرة ، وقد نتكلم على بعضها صحة وضعفا عند اقتضاء الحاجة لذلك ؛ مستعينين في ذلك بأقوال أئمة النقض والحديث.

١٤ ـ قمنا بتخريج الشواهد الشعرية من مصادرها المعتبرة كالدواوين والمعاجم وكتب اللغة والأدب.

١٥ ـ عرّفنا بإيجاز بالقبائل التي وردت بالكتاب.

١٦ ـ حرصنا على عزو اللغات التي لم يعزها المصنف إلى قبائل العرب ، كما أظهرنا اللغات التي في بعض القراءات القرآنية متى استطعنا إلى ذلك سبيلا.

١٧ ـ وضعنا في صدر كل صفحة من أول الكتاب إلى آخره عناوين متكررة بخط فاصل ، توضح للقارئ في أي مكان هو من الكتاب.

١٨ ـ عرضنا النص وأخرجناه بصورة تعين القارئ وتسهل عليه الرجوع إلى ما يريد.

١٩ ـ قمنا بعمل الفهارس التي تعين على الاستفادة من كتابنا.

ثانيا : وضعنا لمقدمة كتابنا هذا ، مقدمة تعرّف بمؤلفه.

ثالثا : وضعنا بين يدي كتابنا هذا مبحثا هاما خاصا بعلم القراءات.

كلمة للقارئ :

إن من عظيم منن الله ـ سبحانه ـ على الأمة الإسلامية أن جعل الله لها هذا الدستور الإلهي المتمثل في كتاب الله والذي تحدى الله به أعظم فصحاء العرب أن يأتوا بمثله أو يأتوا بسورة أو حتى بآية (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)) [الإسراء : ٨٨] ،

٧

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)) [هود : ١٣ ، ١٤] ، (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)) [البقرة : ٢٣ ، ٢٤].

ولذلك كان كتابا خالدا لم يستطع أعداء الإسلام أن ينالوا منه بأي شيء لا بتحريف ولا بزيغ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) ، وعلى ذلك فإننا ننبه عزيزي القارئ إلى أهمية مدارسة كتاب الله كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأحاديث الكثيرة في فضل القرآن وفضل تعلمه ، وتعليمه مثل حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الإمام البخاري «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم عليه على كل حرف عشر حسنات. أما إني لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ..» الحديث.

وفي الخاتمة ؛ فإننا نشكر الله ـ جل ثناؤه ـ أن هيأ لنا الأسباب لإنجاز هذا السفر الجليل وإخراجه على هذه الصورة التي تليق بهذا العلم الجليل ، وبمنزلة أهله ، راجين من المولى ـ عزوجل ـ أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم لقائه. (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود : ٨٨].

كتبه

د. عثمان محمود غزال

٨

ترجمة المؤلف

المطلب الأول

حياة المؤلف العامة

اسمه ونسبه وكنيته ولقبه :

هو : محمد بن الحسين بن بندار أبو العز الواسطي القلانسي ، شيخ العراق ، ومقرئ القراء بواسط ، صاحب التصانيف ، أستاذ.

مولده :

ولد القلانسي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة هجرية بواسط (١).

مذهبه :

أجمعت المصادر التي بين أيدينا أن أبا العز القلانسي شافعي المذهب.

أخلاقه :

كان ذا خلق عظيم وكريم. شهد له كل من كان في عصره.

وقد ترجم له الإمام السبكي في كتابه (طبقات الشافعية) ذاكرا أنه تفقه على شيخ الإسلام إبراهيم أبي إسحاق الشيرازي ، صاحب التصانيف التي سارت مسير الشمس كالتنبيه والمهذب في الفقه والتبصرة في أصول الفقه وغيرهما ، والمتوفى سنة ست وسبعين وأربعمائة (٢).

قال أبو سعد : في إطار الحديث عن أخلاقه ومعاملته : ثم وجدت لأبي العز أبياتا في فضيلة الجماعة ، فأنشدنا سعد الله بن أحمد المقرئ ، أنشدني أبو العز القلانسي لنفسه :

إن من لم يفضل الصديقا

لم يكن لي حتى الممات صديقا

والذي لا يقول قولي في الفا

روق أنوي لشخصه تفريقا

ولنار الجحيم باغض عثما

ن ويهوي منها مكانا سحيقا

من يوالي عندي عليا وعادا

هم طرا عددته زنديقا (٣)

قال السلفي : سألت خميسا الحوزي عن أبي العز ، فقال:هو أحد الأئمة الأعيان في

__________________

(١) انظر معرفة القراء (١ / ٣٨٦) ، وغاية النهاية (٢ / ١٢٨).

وواسط : مدينة بالعراق ، واسم واسط لأكثر من مدينة لكن أشهرها هذه. انظر معجم البلدان (٥ / ٣٤٧).

(٢) انظر : طبقات الشافعية بتحقيق عبد الفتاح الحلو ، ومحمود الطناجي : (٦ / ٩٧ و ٤ / ٢١٥ ، ٢٥٦)

(٣) انظر المعرفة (١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٦) ، وطبقات القراء (٢ / ١٢٨ و ١٢٩).

٩

علوم القرآن ، برع في القراءات ، وسمع من جماعة ، وهو حسن العقل ، جيد النقل ، ذو فهم فيما يقوله (١).

المطلب الثاني

حياته العلمية

١ ـ شيوخه :

١ ـ أبو علي غلام الهراس : وهو الحسن بن القاسم بن علي الأستاذ أبو علي الواسطي المعروف بغلام الهراس ، شيخ العراق. توفي يوم الجمعة سابع جمادى الأولى سنة ثمان وستين وأربعمائة هجرية. قرأ بواسط وبغداد ودمشق والجامدة (٢) ومصر والبصرة وحران (٣) ومكة المكرمة والبصرة على شيوخ كثيرين منهم : عبيد الله بن إبراهيم مقرئ ، أبي قرة الدوري من أصحاب ابن مجاهد (٤) ، وعبد الملك النهرواني ، وبكر بن شاذان (٥) ، وأبو علي الأهوازي (٦) ، وقرأ عليه أبو العز القلانسي بجميع ما قرأ به بالروايات المشهورة والشاذة ، ومحمد بن محمد بن جمهور قاضي واسط ، وغيرهما.

٢ ـ أبو القاسم الهذلي : وهو يوسف بن علي بن جبارة المغربي البكري الأستاذ الكبير الرحال ، قرأ عليه أبو العز في كتابه «الكامل» توفي سنة خمس وستين وأربعمائة هجرية.

٣ ـ محمد بن العباس : وهو أبو الفوارس الأواني الصريفيني قرأ عليه أبو العز ختمة لعاصم في قرية أوانا عكبرا.

٤ ـ أبو جعفر بن المسلمة ، ذكر الإمام الذهبي وابن الجزري أن أبا العز سمع منه.

٥ ـ أبو الغنائم بن المأمون ، ذكر الذهبي وابن الجزري أن المؤلف سمع منه.

٦ ـ أبو الحسين المهتدي بالله ، ذكر الإمام الذهبي أنه سمع منه.

__________________

(١) انظر المعرفة (١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٦) ، والطبقات (٢ / ١٢٨ و ١٢٩).

(٢) الجامدة : بكسر الميم قرية كبيرة من أعمال واسط. انظر معجم البلدان ٢ / ٩٥.

(٣) حران : مدينة عظيمة على طريق الموصل والشام والروم بينها وبين الرقة يومان. انظر معجم البلدان : (٢ / ٢٣٥).

(٤) ستأتي ترجمته في هذا الكتاب.

(٥) ستأتي ترجمته في هذا الكتاب.

(٦) ستأتي ترجمته في هذا الكتاب.

١٠

٧ ـ أبو علي الحسين بن أحمد بن البنا الحنبلي المحدث. وزاد العلامة ابن حجر في «لسان الميزان» سماعه من أبي الحسن بن مخلد ، وأبي البركات بن التمار ، والحسن بن أحمد الفندجاني ، وأبي الحسن بن المهتدي وأبي الحسن بن المسور وأبي علي التستري وغيرهم.

٢ ـ تلاميذه :

تصدر أبو العز للإقراء دهرا ، وشد الناس إليه الرحال للاغتراف من علمه الوفير ، ونكتفي في هذه العجالة بالترجمة الجامعة لواحد من أبرز تلاميذه هو أبو العلاء الهمذاني ، الذي كان لأستاذه أبي العز له بصمات واضحة في حياته الإقرائية ، ثم نذكر ما بقي من تلامذته :

١ ـ أبو العلاء الهمذاني وهو : الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد أبو العلاء الهمذاني العطار. الإمام الحافظ الأستاذ الثقة شيخ همذان ، وإمام العراقيين ، ومؤلف كتاب : «الغاية في القراءات العشر» ، ثقة كبير القدر وهو أحد حفاظ العصر. ارتحل إلى أصبهان ؛ فقرأ بها القراءات والحديث على أبي علي الحداد (ت : ٥١٥ ه‍) ، وإلى بغداد فقرأ على أبي عبد الله البارع (ت : ٥٢٤ ه‍) ، وعلى أبي بكر المزرقي (ت : ٥٢٧) ، وإلى واسط فقرأ على أبي العز القلانسي ، وقرأ على كثيرين سواهم. قال ابن الجزري : وعندي أنه في المشارقة كأبي عمرو الداني في المغاربة ، بل هذا أوسع رواية منه بكثير مع أنه في غالب مؤلفاته اقتفى أثره وسلك طريقه. كان يقرئ نصف نهاره القرآن والعلم ، ونصفه الآخر الحديث ، وكان لا يخشى السلاطين ، ولا يأخذه في الله لومة لائم ، وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا. توفي في تاسع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة هجرية.

٢ ـ أبو الفتح الحداد الواسطي وهو : المبارك بن أحمد بن زريق. الإمام بجامع واسط روى كتاب الإرشاد عن شيخه أبي العز. توفي سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة هجرية.

٣ ـ سبط الخياط أبو محمد. وهو : عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي ، شيخ الإقراء ببغداد في عصره. توفي في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ببغداد.

٤ ـ أبو الفضل الواسطي. وهو : هبة الله بن علي بن محمد بن قسام القاضي. توفي في رجب سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

٥ ـ أبو النجم المسيبي. وهو : هلال بن أبي الهيجاء بن أبي الفضل يعرف بابن الزريقا ،

١١

خطيب درباسية الأكراد بنهر الملك ، مقرئ حاذق ضابط صحيح الأخذ.

٦ ـ أبو الحسين البطائحي. وهو : علي بن عساكر بن المرحب بن العوام ، شيخ العراق توفي في شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.

٧ ـ أبو الحسن الواسطي. وهو : علي بن عباس بن أحمد بن مظفر ، خطيب شافيا ، توفي في حدود التسعين وخمسمائة.

٨ ـ أبو بكر الواسطي. وهو : عبد الله بن منصور بن عمران بن ربيعة المعروف بابن الباقلاني ، شيخ العراق ومسندهم بواسط في زمانه. توفي سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

٩ ـ أبو الحسن المقرئ. وهو : سعد الله بن محمد بن علي بن طاهر ، يعرف بابن الدقاق البغدادي. توفي في حدود سنة سبعين وخمسمائة هجرية.

١٠ ـ أبو المظفر الشيباني. وهو : مسعود بن الحسين بن هبة الله ، توفي في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة.

١١ ـ أبو الأزهر الصوفي الواسطي. وهو : محمد بن محمد بن محمود ، توفي ببغداد في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.

١٢ ـ أبو الكرم الشهرزوري. وهو : المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي بن فتحان بن منصور ، توفي في ذي الحجة سنة خمسين وخمسمائة هجرية.

آثاره :

أجمعت المصادر التي ترجمت لأبي العز على أن له كتابين لم يؤلف سواهما :

١ ـ كتاب إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر ، ويقال له اختصارا ((الإرشاد)) ، وهذا هو الذي بين أيدينا.

٢ ـ كتاب «الكفاية الكبرى في القراءات العشر» أو «كفاية المبتدي وتذكرة المنتهي».

وفاته :

توفي أبو العز في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة بواسط بعد حياة حافلة لخدمة كتاب الله وعلومه دامت ستّا وثمانين سنة ، قضيت في رحاب كتاب الله العزيز ، وفيما يلي سنتعرض لنبذة عن القراءات القرآنية والقراء.

١٢

المطلب الثالث

في القراءات والقراء

نبذة عن علم القراءات وأهميتها

أولا : تعريف القراءات :

القراءات : جمع قراءة ، وهي في اللغة مصدر قرأ ، يقال : قرأ فلان يقرأ ، قراءة ، وقرآنا ، بمعنى تلا ، فهو قارئ.

وفي الاصطلاح : علم بكيفيات أداء كلمات القرآن الكريم ، من تخفيف ، وتشديد واختلاف ألفاظ الوحي في الحروف (١).

وذلك أن القرآن نقل إلينا لفظه ونصه كما أنزله الله ـ تعالى ـ على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونقلت إلينا كيفية أدائه كما نطق بها الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفقا لما علمه «جبريل» ، وقد اختلف الرواة الناقلون فكل منهم يعزو ما يرويه بإسناد صحيح إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

ثانيا : الدليل على مشروعيتها :

لقد تواتر الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف.

روى ذلك من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ما يقرب من اثنين وعشرين صحابيا ، سواء كان ذلك مباشرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم بواسطة.

والصحابة الذين وردت عنهم الأحاديث الواردة في هذا الشأن هم : عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبو هريرة ، ومعاذ بن جبل ، وهشام بن حكيم ، وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن عباس ، وحذيفة بن اليمان ، وعبادة بن الصامت ، وسليمان بن صرد ، وأبو بكرة الأنصاري ، وأبو طلحة الأنصاري ، وأنس بن مالك ، وسمرة بن جندب ، وأبو جهيم الأنصاري ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الرحمن بن عبد القاري ، والمسور بن مخرمة ، وأم أيوب الأنصارية.

وهذا قبس من الأحاديث الدالة على نزول القراءات :

الحديث الأول : عن ابن شهاب (ت ١٢٤ ه‍) (٣) قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله

__________________

(١) لمحات في علوم القرآن : محمد الصباغ / ١٠٧ ، ط بيروت.

(٢) المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية. د / محمد سالم محيسن ط. دار محيسن. ص ٦٦.

(٣) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، أبو بكر الزهري ، أول من دون في الحديث ، وأحد الفقهاء الأعلام التابعين بالمدينة المنورة (ت : ١٢٤ ه‍).

انظر : وفيات الأعيان (ج ١ ص ٥٧١) ، وتذكرة الحفاظ (ج ١ ص ١٠٢) ، وغاية النهاية

١٣

(ت : ٩٨ ه‍) (١) ، أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أقرأني جبريل ـ عليه‌السلام ـ على حرف واحد فراجعته ، فلم أزل أستزيده ، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» ا ه (٢).

الحديث الثاني : عن ابن شهاب (ت ١٢٤ ه‍) قال : أخبرني عروة بن الزبير (ت ٩٨ ه‍) أن المسور بن مخرمة (ت ٦٤ ه‍) (٣) ، وعبد الرحمن بن عبد القاري (ت : ٨٠ ه‍) (٤) ، حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب (ت : ٢٣ ه‍ ـ رضي الله عنه) يقول : «سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكدت أساوره في الصلاة (٥) ، فتصبرت حتى سلّم (٦) فلببته بردائه (٧) ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال : أقرأنيها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فقلت : كذبت فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها عليها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر : «أرسله» ، فأرسلته ، فقال لهشام : «اقرأ يا هشام» ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذلك أنزلت» ، ثم قال : «اقرأ يا عمر» ، فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذلك أنزلت ؛ إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» واللفظ للبخاري ا ه (٨).

__________________

(ج ٢ ص ٢٦٢) ، وتهذيب التهذيب (ج ٩ ص ٤٤٥).

(١) هو عبيد الله بن عتبة بن مسعود الهلالي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة ، وأحد علماء التابعين (ت : ٩٨ ه‍) على خلاف. انظر : وفيات الأعيان (ج ١ ص ٣٤١) ، وتذكرة الحفاظ (الجزء الأول ص ٧٤).

(٢) رواه البخاري (ج ٦ ص : ١٠٠).

(٣) هو المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب القرشي الزهري ، صحابي (ت : ٦٤ ه‍) الإصابة (الجزء الثالث ص ٤١٩) ، تهذيب التهذيب (الجزء العاشر ص ١٥١).

(٤) من خيرة علماء المدينة ومن التابعين الأجلاء (ت : ٨٠ ه‍) على خلاف. الطبقات الكبرى (الجزء الخامس ص ٥٧) ، تهذيب التهذيب (ج ٦ ص ٢٢٣).

(٥) أي : أواثبه وأقاتله ، يقال : ساور فلان فلانا : إذا وثب إليه وأخذ برأسه.

(٦) أي : تكلفت الصبر ، وأمهلته حتى فرغ من صلاته.

(٧) أي : جمعت ثيابه عند صدره ونحره ، مأخوذ من اللبة بفتح اللام ، وهي المنحر.

(٨) رواه البخاري (الجزء السادس ص ١٠٠) ، ومسلم (الجزء الثاني ص ٢٠٢) ، والترمذي (الجزء

١٤

الحديث الثالث : عن أم أيوب بنت قيس الخزرجية الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أصبت» ا ه (١).

ثالثا : أنواع القراءات ، وبيان حكم كل نوع :

هذا بيان لما ذكره العلماء في هذه القضية :

١ ـ قال أبو الفتح عثمان بن جني (ت : ٢٩٢ ه‍) :

القراءات على ضربين :

الأول : ضرب اجتمع عليه أكثر قراء الأمصار.

والثاني : ضرب تعدى ذلك ، فسماه أهل زماننا شاذا

أي خارجا عن قراءة القراء السبعة (٢).

٢ ـ قال مكي بن أبي طالب (ت : ٤٣٧ ه‍):

إن جميع ما روي من القرآن على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : يقرأ به اليوم

وذلك ما اجتمع فيه :

١ ـ أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢ ـ أن يكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغا.

٣ ـ أن يكون موافقا لخط المصحف.

فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع بصحته ، لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف ، وكفر من جحده.

القسم الثاني : ما صح نقله عن الآحاد ، وصح وجهه في العربية ، وخالف لفظه خط المصحف ، فهذا يقبل ، ولا يقرأ به لعلتين :

العلة الأولى : أنه لم يؤخذ بإجماع ، وإنما أخذ بأخبار الآحاد ، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.

والعلة الثانية : أنه مخالف لما قد أجمع عليه ، فلا يقطع بصحته ، وما لم يقطع بصحته لا تجوز القراءة به ، ولا يكفر من جحده ، ولبئس ما صنع إذا جحده.

__________________

الحادي عشر ص ٦١) ، وأبو داود (الجزء الثاني ص ١٠١).

(١) المصنف لابن أبي شيبة (الجزء الثاني ص ١٦١) نقلا عن المرشد الوجيز ص ٨٧ الهامش.

(٢) المحتسب لابن جني (الجزء الأول ص ٣٢).

١٥

والقسم الثالث : هو ما نقله غير ثقة ، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية. فهذا لا يقبل ، وإن وافق خط المصحف ا ه.

٣ ـ قال جلال الدين السيوطي (ت : ٩١١ ه‍):

إن القراءات ستة أنواع :

النوع الأول : المتواتر : وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه ، وغالب القراءات كذلك.

والنوع الثاني : المشهور : وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة التواتر ، ووافق العربية والرسم ، واشتهر عند القراء ، فلم يعد من الغلط ، ولا من الشذوذ.

فهذا يقرأ به على ما ذكر ابن الجزري.

والنوع الثالث : الآحاد : وهو ما صح سنده ، وخالف الرسم ، أو العربية ، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور ، وهذا لا يقرأ به.

والنوع الرابع : الشاذ : وهو ما لم يصح سنده (١).

والنوع الخامس : الموضوع :

كقراءات الأوزاعي.

والنوع السادس : المدرج : وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير. ا ه.

[٤ ـ] قال الدكتور / محمد سالم محيسن (٢) :

أرى أن القراءات تنقسم قسمين :

القسم الأول : أي القراءات الصحيحة تحته نوعان :

النوع الأول : القراءات المتواترة ، وهي ما وافقت اللغة العربية ، والرسم العثماني ، ونقلت بطريق التواتر.

__________________

(١) أول من تتبع الشاذ هارون بن موسى الأعور البصري المتوفى قبل سنة ٢٠٠ ه‍. اهتم بهذه المسألة كثير من العلماء فوضعوا فيها العديد من المصنفات ومنها :

أ ـ ((الشواذ في القراءات لابن مجاهد)) وشرحه ابن جني في المحتسب.

ب ـ ((المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات)) والإيضاح عنها. لابن جني (ت : ٣٩٢ ه‍).

ج ـ ((المحتوي في القراءات الشواذ)). للداني (ت : ٤٤٤ ه‍) انظر مقدمة كتاب : «التقريب والبيان في معرفة شواذ القرآن)) للصفراوي : تحقيق د / أحسن سخاء بن محمد أشرف الدين.

(٢) انظر : الهادي إلى تفسير القرآن الكريم ـ للدكتور / محمد سالم محيسن ـ ص ٨٦ : ٨٧ ـ ط دار محيسن.

١٦

ويندرج تحت هذا النوع معظم القراءات التي وصلتنا (١).

والنوع الثاني : القراءات المشهورة : وهي ما وافقت اللغة العربية.

ويندرج تحت هذا النوع بعض كلمات مخصوصة ضمن قراءات الأئمة العشرة. وحكم هذا القسم بنوعيه : أنه يجب اعتقاد أنه القرآن المنزل على نبينا «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثابت في العرضة الأخيرة ، المتعبد بتلاوته ، ويحرم جحوده ، ومن أنكره أو أنكر بعضه فقد كفر بما أنزل على نبينا «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والقسم الثاني : أي القراءات الشاذة ، تحته أربعة أنواع :

النوع الأول : الآحاد : والمراد به ما وافق اللغة العربية ، والرسم العثماني ، ونقل بطريق الآحاد ، ولكنه مع ذلك لم يشتهر ، ولم يستفض بين رجال القراءات المعنيين بهذا العلم.

والنوع الثاني : الشاذ : وهو ما فقد أحد الأركان الثلاثة ، أو معظمها.

والنوع الثالث : المدرج : وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير ، مثل قراءة سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ.

«وله أخ أو أخت من أم» (٢).

والنوع الرابع : الموضوع : كقراءات الأوزاعي.

رابعا : السبب في تعدد القراءات :

من يمعن النظر في طبيعة الأمة العربية ذات القبائل المتعددة واللهجات المتباينة ، يستطيع أن يتوصل من خلال ذلك إلى عدة أشياء تعتبر سببا موجبا إلى أن يسأل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه ـ عزوجل ـ أن ينزل عليه القرآن بأكثر من حرف حتى وصل إلى سبعة أحرف.

ولعل أهم الأسباب في تعدد القراءات تتمثل في : إرادة التخفيف ، والتيسير على هذه الأمة تمشيا مع قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧].

لأنه لو أرادت كل قبيلة من القبائل العربية أن تقرأ بلهجة تختلف عن لهجتها التي اعتادتها لاشتد ذلك عليها ، فأراد الله ـ تعالى ـ برحمته الواسعة أن يجعل لهذه القبائل متسعا

__________________

(١) وهي قراءات الأئمة العشرة.

(٢) وهذه من القراءات الشاذة التي قيلت على وجه التفسير وليست قراءة قرآنية أما القراءة المعتمدة فهي قوله (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء : ١٢].

١٧

وتيسيرا في قراءة القرآن الكريم ، فأنزل القرآن على سبعة أحرف.

خامسا : فوائد تعدد القراءات :

من أهم هذه الفوائد ما يلي :

١ ـ منها : ما يكون لبيان حكم مجمع عليه مثل قراءة سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت من أم» فهذه القراءة تبين أن المراد بالإخوة هنا : الإخوة لأم ، وهذا حكم شرعي متفق عليه (١).

٢ ـ ومنها : ما يكون للجمع بين حكمين مختلفين كقراءة (يَطْهُرْنَ) [البقرة : ٢٢٢] بالتخفيف والتشديد ، وهما قراءتان صحيحتان (٢).

فالأولى الجمع بينهما ؛ وهو أن الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع حيضها ، وتغتسل.

٣ ـ ومنها : ما يكون من أجل الاختلاف بين حكمين شرعيين ، كقراءة (وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] ، بالخفض ، والنصب (٣) فبينهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل المسح للابس الخفين ، والغسل لغيره.

٤ ـ ومنها ما يكون حجة لترجيح قول لبعض الفقهاء ، كقراءة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [النساء : ٤٣] بحذف الألف التي بعد اللام ، وهي قراءة حمزة ، والكسائي : إذ اللمس يطلق على الجس باليد ، قاله ابن عمر وعليه الإمام الشافعي ، وألحق به الجس بباقي البشرة ، ويرجحه قول الله ـ تعالى ـ (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) [الأنعام : ٧] ، أي : مسوه وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ المراد به : الجماع.

بدء نزول القراءات :

هناك رأيان في هذه القضية :

الرأي الأول : أن القراءات نزلت بمكة المكرمة.

والدليل على ذلك الكثير من القرائن : منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقرأني جبريل على

__________________

(١) وهي قراءة شاذة وغير متواترة.

(٢) المهذب في القراءات العشر وتوجيهها (الجزء الأول ص : ٩١).

(٣) والقراءتان متواترتان ، انظر : الميسر في القراءات الأربع عشرة : تأليف (محمد فهد خاروف. ص ١٠٨).

١٨

حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (١) ا ه.

فهذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في الدليل على نزول القراءات كلها تفيد أن القراءات نزلت بمكة المكرمة منذ بدأ نزول القرآن الكريم على الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الرأي الثاني : يفيد أن القراءات نزلت بعد الهجرة في المدينة المنورة ، بسبب سماعهم قراءات بحروف لم يتلقوها من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكل ذلك بالمدينة لا في مكة. ومن الأحاديث الواردة في ذلك الحديث الوارد سالف الذكر.

تعقيب وترجيح :

يرى الأستاذ الدكتور / محمد سالم محيسن أن القول الأول الذي يرى أن القراءات نزلت بمكة المكرمة هو القول الراجح الذي تطمئن إليه النفس.

والدليل على ذلك : أن معظم سور القرآن الكريم ـ وعددها ثلاث وثمانون سورة ـ نزلت بمكة المكرمة ، ومما لا شك فيه أنها نزلت بالأحرف السبعة ؛ لأنه لم يثبت بسند قوي ولا ضعيف أنها نزلت مرة ثانية بالمدينة المنورة ، فعدم نزولها مرة ثانية دليل على أنها عند ما نزلت بمكة إذا نزلت مشتملة على الأحرف السبعة.

أما القول الثاني الذي يرى أن القراءات نزلت بالمدينة المنورة ، فأرى أنه مرجوح ؛ لأنه يعترض عليه بالدليل الذي تقدم على صحة القول الأول. ا ه (٢).

سابعا : تراجم القراء العشرة :

الإمام الأول : نافع المدني (ت : ١٦٩ ه‍)

هو : أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي ، أصله من أصفهان ، كان شديد سواد اللون ، وكان حليف حمزة بن عبد المطلب وأخيه العباس. قال عنه الإمام مالك بن أنس (ت : ١٧٩ ه‍) : نافع إمام الناس في القراءة : ا ه (٣).

وقال أحمد بن هلال المصري : قال لي الشيباني ، قال لي رجل ممن قرأ على نافع : إن نافعا كان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك ، فقلت له : يا أبا عبد الله ، يا أبا رويم أتتطيب كلما قعدت تقرئ؟ قال : ما أمس طيبا ولكني رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقرأ في «في»

__________________

(١) رواه البخاري (الجزء السادس : ص : ١٠٠).

(٢) نقلا عن كتاب ((الهادي إلى تفسير القرآن الكريم)) تأليف د / محمد سالم محيسن. ط دار محيسن.

(٣) انظر : معرفة القراء الكبار (١ / ٩٠) ، ط. القاهرة.

١٩

فمن ذلك أشم من في هذه الرائحة ا ه (١).

وكان ـ رحمه‌الله تعالى ـ صاحب دعابة وطيب أخلاق. قال عنه ابن معين : كان ثقة ، وقال أبو حاتم كان صدوقا (٢).

وقد انتهت إلى الإمام نافع رئاسة الإقراء بالمدينة المنورة ، وأقرأ بها أكثر من سبعين سنة.

قال عنه الذهبي (ت : ٧٤٨ ه‍) حدثنا ابن مجاهد (ت ٣٢٤ ه‍) عن محمد بن إسحاق (ت : ٢٩٠ ه‍) عن أبيه قال : لما حضرت نافعا الوفاة قال له أبناؤه : أوصنا ، قال : اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

ولد الإمام نافع سنة (٧٠) سبعين هجرية ، وتوفي بالمدينة المنورة سنة (١٦٩) تسع وستين ومائة من الهجرة ـ رحمه‌الله تعالى ـ (٣).

الإمام الثاني : ابن كثير (ت : ١٢٠ ه‍)

هو : عبد الله بن كثير بن عمر بن عبد الله بن زاذان بن فيروز بن هرمز المكي.

قال عنه ابن الجزري (ت : ٨٣٣ ه‍) : كان ابن كثير إمام الناس في القراءة بمكة المكرمة لم ينازعه فيها منازع ا ه (٤).

وقال الأصمعي (ت : ٢١٥ ه‍) قلت لأبي عمرو بن العلاء البصري : قرأت على ابن كثير؟ قال : نعم ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد وكان أعلم بالعربية من مجاهد وكان فصيحا ، بليغا ، مفوها ، أبيض اللحية ، طويلا ، أسمر ، جسيما يخضب بالحناء ، عليه السكينة والوقار. ا ه (٥).

ولد ابن كثير سنة (٤٥) خمسين وأربعين ، وتوفي سنة ١٢٠ ه‍ عشرين ومائة هجرية ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

__________________

(١) انظر : معرفة القراء الكبار (١ / ٩٠) ، ط. القاهرة.

(٢) انظر : معرفة القراء الكبار (١ / ٩٢) ، ط. القاهرة.

(٣) انظر : معرفة القراء الكبار (١ / ٩٢) ، ط. القاهرة.

(٤) انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي (١ / ٧١) ، ط. القاهرة.

(٥) انظر : النشر لابن الجزري (١ / ١٢٠ ، ١٢١) ، ط. القاهرة.

٢٠