تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ١٣

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فقلت : جعلت فداك ، ولم؟ وأنا رجل من الله في نعمة ، ولم أقدر على العدو ، وأنا أفدي نفسي بعشرة آلاف درهم.

فقال : وأين هي؟

فقلت : حتى نصبح أنا أرسل من ترى أنت إلى وكيلي في منزلتي بعسكر المهديّ ، فإن لم يأتك بالعشرة آلاف فاقتلني.

فأمر بحملي فحملت ردفا ، وردّوني إلى منزلتهم. وبعد هويّ من الليل إذا نحن بحركة الخيل ، ثم دخلوا وهم يقولون : «يسر زبيدة» (١). فأدخل عليّ رجل عريان عليه سراويل وعمامة ملثّم بها ، وعلى كتفيه خرقة خلقة ، وصيّروه معي ، ووكّلوا بنا ، فلما حسر العمامة عن وجهه إذا هو محمد. فاستعبرت واسترجعت في نفسي. ثم قال : من أنت؟

قلت : أنا مولاك أحمد بن سلّام.

فقال : أعرفك كنت تأتيني بالرّقّة.

قلت : نعم.

قال : كنت تأتيني وتلطفني كثيرا ، لست مولاي بل أنت أخي ومنّي.

أدن منّي ، فإنّي أجد وحشة شديدة.

فضممته إليّ ، ثم قال : يا أحمد ، ما فعل أخي؟

قلت : هو حيّ.

قال : قبّح الله صاحب البريد ما أكذبه ، كان يقول لي قد مات.

قلت : بل قبّح الله وزراءك.

قال : لا تقل ، فما لهم ذنب ، ولست أول من طلب أمرا فلم يقدر عليه.

ثم قال : ما تراهم يصنعون بي؟ يقتلوني أو يفون لي بأمانهم؟

قلت : بل يفون لك يا سيّدي.

وجعل يمسك الخرقة بعضديه ، فنزعت مبطّنة عليّ وقلت : ألقها.

فقال : ويحك! دعني ، فهذا من الله لي في هذا الموضع خير كثير.

__________________

(١) أي : ابن زبيدة.

٦١

ذكر خبر قتل الأمين

ثم قمت أوتر ، فلما انتصف الليل دخل الدار قوم من العجم بالسيوف ، فقام وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ذهبت والله نفسي في سبيل الله ، أما من حيلة ، أما من مغيث. فأحجموا عن التقدّم ، وجعل بعضهم يقول لبعض : تقدّم ، ويدفع بعضهم بعضا ، فقمت وصرت وراء الحصر الملفّفة.

وأخذ محمد بيده وسادة وقال : ويحكم إنّي ابن عمّ رسول الله ، أنا ابن هارون ، أنا أخو المأمون ، الله الله في دمي. فوثب عليه خمارويه ، غلام لقريش الدندانيّ ، فضربه بالسيف على مقدّم رأسه ، فضربه محمد بالوسادة واتّكى عليه ليأخذ السيف من يده. فصاح خمارويه : قتلني قتلني ، فتكاثروا عليه فذبحوه من قفاه ، وذهبوا برأسه إلى طاهر (١).

وذكر عن أحمد بن سلّام في هذه القصّة قال : فلقّنته لما حدّثته ذكر الله والاستغفار ، فجعل يستغفر.

قال : ونصب رأسه على حائط بستان. وأقبل طاهر يقول : هذا رأس المخلوع محمد. ثم بعث به مع البرد والقضيب والمصلّى ، وهو من سعف مبطّن ، مع ابن عمّه محمد بن مصعب ، فأمر له بألف درهم. ولما رأى المأمون الرأس سجد (٢).

__________________

(١) الخبر بطوله في : تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٤ ـ ٤٨٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، مروج الذهب ٣ / ٤٢١ ، ٤٢٢ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٣ ، ٩٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨٥ ـ ٢٨٧ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٨٥ ، زهرة العيون وجلاء القلوب ، للمصري ـ مخطوطة لايدن رقم ٢٦١٠ ـ RO ، ورقة ١٠٧ ب ، شرح قصيدة ابن عبدون ، لابن بدرون ، نشره دوزي ، طبعة لايدن ١٨٤٦ ـ ص ٢٦٠ ، ريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب ، للمواعيني ـ مخطوطة لايدن ، رقم ٤١٥.rO ، وورقة ٢١٦ ب. نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٤ ، ١٨٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤١ ، مختصر تاريخ الدول ١٣٣ ، ١٣٤ ، تاريخ الزمان ٢١ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٠ ، ٢٤١.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٠ ، ٣٤١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨٧ ، خلاصة الذهب ١٨٥ ، ١٨٦ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٦ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٧ ، ٩٨.

٦٢

رثاء إبراهيم بن المهديّ للأمين

ولما بلغ إبراهيم بن المهدب قتل محمد ، وأنّ جثته جرّت بحبل بكى طويلا ، ثم قال :

عوجا بمغنى طلل (١) داثر

بالخلد ذات الصخر والأجر

والمرمر المسنون (٢) يطلى به

والباب باب الذّهب الناضر (٣)

وأبلغا عني مقالا إلى

المولى عن (٤) المأمور والأمر

قولا له : يا ابن وليّ الهدى (٥)

طهّر بلاد الله من طاهر

لم يكفه أن جزّ (٦) أوداجه

ذبح الهدايا بمدى الجازر

حتى أتى تسحب (٧) أوصاله (٨)

في شطن يفني به السّائر (٩)

قد برّد الموت على جفنه (١٠)

فطرفه منكسر الناظر(١١)

وبلغ ذلك المأمون فاشتدّ عليه.

وثوب الجند بطاهر

ثم إنّ طاهرا صلّى بالناس يوم الجمعة ، وخطبهم خطبة بليغة. ثم إنّ الجند وثبوا به للأرزاق ، ولم يكن في يديه مال ، وضاق به أمره ، فخشي وهرب من البستان ، وانتهبوا بعض متاعه ، وأحرق الجند باب الأنبار ، وحملوا السلاح يومهم. ومن الغد نادوا : «موسى يا منصور». ثم تعبّى طاهر ومن معه

__________________

(١) هكذا عند الطبري ، وفي الكامل «الطلل».

(٢) في الكامل «المنسوب» ، وفي نسخة «المنصوب».

(٣) زاد الطبري ، وابن الأثير بعده بيتا هو :

عوجا بها فاستيقنا عندها

على يقين قدرة القادر

(٤) عند الطبري ، وابن الأثير : «على».

(٥) في الكامل : «قولا له يا ابن أبي الناصري».

(٦) في تاريخ الطبري ، والكامل «حزّ» وفي نسخة للكامل مثل ما هنا.

(٧) عند الطبري وابن الأثير «يسحب».

(٨) في الكامل «أوداجه».

(٩) في تاريخ الطبري : «في شطن يفني مدى السائر» وفي الكامل «في شطن هذا مدى السائر».

(١٠) عند الطبري ، وابن الأثير : «جنبه».

(١١) الأبيات في تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٩ ، والكامل ٦ / ٢٨٨.

٦٣

لقتالهم ، فأتاه الوجوه ، واعتذروا بأنّ ما جرى من فعل السّفهاء الأحداث ، فأمر لهم برزق أربعة أشهر ، ووصل البريد إلى المأمون في ستّة عشر يوما وهو بمرو (١).

ما قيل في رثاء الأمين

وممّا قيل في الأمين :

لم نبكّيك لما ذا للطّرب

يا أبا موسى وترويج اللعب

ولترك الخمس في أوقاتها

حرصا منك على ماء العنب

وشنيف أنا لا أبكى له

وعلى كوثر لا أخشى العطب

لم تكن تصلح للملك ولم

تعطك الطّاعة بالملك العرب

لم نبكّيك لما عرّضتنا

للمجانيق وطورا للسّلب(٢)

وساق ابن جرير (٣) عدّة قصائد في مراثيه.

ولخزيمة بن الحسن على لسان أمّ جعفر قصيدة يقول فيها :

أتى طاهر لا طهّر الله طاهرا

فما طاهر فيما أتى بمطهر (٤)

قد (٥) خرّجني (٦) مكشوفة الوجه حاسرا

وأنهب أموالي وأحرق (٧) آدري

يعزّ على هارون ما قد لقيته

وما مرّ بي (٨) من ناقص الخلق أعور

تذكّر أمير المؤمنين قرابتي

فديتك من ذي حرمة متذكّر(٩)

 __________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٩٥ ، ٤٩٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٩٦ ، المعارف ٣٨٥.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٠٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٩٢ ، وفيهما زيادة.

(٣) في تاريخه ٨ / ٥٠٠ ـ ٥٠٧.

(٤) في مروج الذهب : «وما طاهر في فعله بمطهّر».

(٥) كذا في الأصل ، وعند الطبري وابن الأثير : «فأخرجني».

(٦) في مروج الذهب «فأبرزني».

(٧) في مروج الذهب ، والكامل «وأخرب».

(٨) في مروج الذهب «وما نالني».

(٩) تاريخ الطبري ٨ / ٥٠٦ ، مروج الذهب ٣ / ٤٢٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٩٠ ، ٢٩١.

٦٤

ذكر إسراف الأمين في اللهو والإنفاق

قال ابن جرير (١) : ذكر عن حميد بن سعيد بن بحر قال : لما ملك محمد ، ابتاع الخصيان ، وغالى بهم وصيّرهم لخلوته ، ورفض النّساء والجواري.

وقال حميد : لما ملك وجّه إلى البلدان في طلب الملهين (٢) ، وأجرى لهم الأرزاق ، واقتنى الوحوش والسباع والطيور ، واحتجب عن أهل بيته وأمرائه ، واستخفّ بهم ، ومحق ما في بيوت الأموال ، وضيّع الجواهر والنفائس. وبنى (٣) عدّة قصور للهو في أماكن. وعمل خمس حرّاقات على خلقة الأسد والفيل والعقاب والحيّة والفرس ، وأنفق في عملها أموالا. فقال أبو نواس :

سخّر الله للأمين مطايا

لم تسخّر لصاحب المحراب

فإذا ما ركابه سرن برّا

سار في الماء راكبا ليث غاب

أسدا باسطا ذراعيه يهوي (٤)

أهرت الشّدق كالح الأنياب(٥)

وعن الحسين بن الضّحّاك قال : ابتنى الأمين سقيفة عظيمة ، أنفق في عملها نحو ثلاثة آلاف ألف درهم (٦).

وعن أحمد بن محمد البرمكيّ ، أنّ إبراهيم بن المهديّ غنىّ محمد بن زبيدة :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٥٠٨.

(٢) في الأصل «الملهيين».

(٣) في الأصل «بنا».

(٤) في الديوان «يعدو».

(٥) ديوان أبي نواس ١١٦ ، تاريخ الطبري ٨ / ٥٠٩ وفيه زيادة ، والكامل في التاريخ ٦ / ٢٩٤ وفيه زيادة دون البيت الأخير ، وفي تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٣٤ بيتان غير الأبيات التي هنا.

(٦) تاريخ الطبري ٨ / ٥٠٩.

٦٥

هجرتك حتى قلت (١) : لا يعرف الهوى (٢)

وزرتك حتى قيل (٣) : ليس له صبر(٤)

فطرب محمد وقال : أوقروا له زورقه ذهبا (٥).

وجاء عنه أخبار في مثل هذا ، وكان كثير الأكل.

* * *

رجاء ابن حنبل الرحمة للأمين

قال أحمد بن حنبل : إنّي لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على إسماعيل بن عليّة ، فإنّه أدخل عليه فقال له : يا ابن الفاعلة ، أنت الّذي تقول : كلام الله مخلوق (٦)؟!

* * *

استيلاء ابن بيهس على دمشق

وفيها قوى محمد بن صالح بن بيهس الكلابيّ ، وظهر على السّفيانيّ الّذي خرج بدمشق ، وحاصرها ، ثم نصب عليها السلالم وتسوّرها أصحابه.

وكان قد تغلّب على دمشق مسلمة بن يعقوب الأمويّ ، فهرب وعمد إلى أبي العميطر ، وكان في حبسه ، ففك قيده ، ثم خرجا بزيّ النّساء في السّر إلى المزة. واستولى ابن بيهس على البلد. ثم جرى بينه وبين أهل

__________________

(١) في تاريخ الطبري «قيل».

(٢) في الأمالي ، وتاريخ الطبري «القلى».

(٣) في الأمالي «قلت».

(٤) البيت لأبي صخر الهذليّ ، وهو في أمالي القالي ١ / ١٥٠ ، تاريخ الطبري ٨ / ٥٢١.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢١.

(٦) قال الإمام أحمد بن حنبل أن ابن عليّة أدخل على محمد بن هارون ، فلما رآه زحف إليه وجعل يقول له : يا بن ... يا بن ... تتكلم في القرآن!؟ قال : وجعل إسماعيل يقول له : جعله الله فداه زلّة من عالم جعله الله فداه زلّة من عالم ، وردّده في غير مرة وفخّم كلامه. ثم قال ابن حنبل : لعلّ الله أن يغفر له لإنكاره على إسماعيل. (تاريخ بغداد ٦ / ٢٣٨).

٦٦

المزّة وداريّا حرب. وبقي حاكما على دمشق مدّة من جهة المأمون إلى سنة ثمان ومائتين (١).

* * *

ذكر خروج ابن الهرش في سفلة الناس

وفي ذي الحجّة خرج الحسن الهرش في سفلة الناس وخلق من الأعراب يدعو إلى الرضا من آل محمد. وأتى النّيل ، وجبى الخراج ، وصادر التّجّار ، ونهب القرى والمواشي (٢).

* * *

استعمال المأمون للحسن بن سهل على جميع البلاد المفتوحة

وفيها استعمل المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على جميع ما افتتحه طاهر بن الحسين من كور الجبال والعراق والحجاز واليمن (٣).

* * *

ولاية طاهر الجزيرة والشام ومصر والمغرب

وكتب إلى طاهر أن يسير إلى الرّقّة لحرب نصر بن شبث ، وولاه ، الجزيرة والشام ومصر والمغرب (٤).

وأمر هرثمة أن يردّ إلى خراسان (٥).

* * *

__________________

(١) تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٥ / ١١٠ و ٣٨ / ١٠٥ و ٣٥٥ و ٤٥ / ٥١٨ و ٥٣١ ، أمراء دمشق للصفدي ٧٨ رقم ٢٣٩ ، الوافي بالوفيات ٣ / ١٥٦ رقم ١١١١ ، البدء والتاريخ ٦ / ١١٠ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٥٩.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢٧ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠١.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢٧ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٩٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٤ ، خلاصة الذهب ١٨٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤١ ، مآثر الإنافة ١ / ٢١٥.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢٧ ، الكامل ٦ / ٢٩٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٤ ، خلاصة الذهب ١٨٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤١.

(٥) الطبري ٨ / ٥٢٧ الكامل ٦ / ٢٩٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٤.

٦٧

ذكر ثورة أهل قرطبة

وفي رمضان ثار أهل قرطبة بأميرهم الحكم بن هشام الأمويّ وحاربوه لجوره وفسقه ،

وتسمّى وقعة الربض. وخرج عليه أهل ربض البلد ، وشهروا السلاح ، وأحاطوا بالقصر ، واشتدّ القتال ، وعظم الخطب ، واستظهروا على أهل القصر. فأمر الحكم أمراءه فحملوا عليهم ، وأمر طائفة فنقبوا السور ، وخرج منه عسكر ، فأتوا القوم من وراء ظهورهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، ونهبوا الدّور ، وأسروا وعملوا كلّ قبيح ، ثم لقوا الحكم ، فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوه البلد ، فصلبوا على النهر منكّسين. وبقي النّهب والسّلب والحريق في أرباض قرطبة ثلاثة أيام ثم أمّنهم ، فهجّ أهل قرطبة وتفرّقوا أيادي سبإ في الطرق ، ومضى خلق منهم إلى الإسكندريّة فسكنها (١).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ / ٢٩٨ ـ ٣٠٠ ، نهاية الأرب ٢٣ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢ ، الحلّة السيراء ١ / ٤٤ ، ٤٥ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٥٨.

٦٨

سنة تسع وتسعين ومائة

توفّي فيها :

إسحاق بن سليمان الرّازيّ ، أبو يحيى ،

إبراهيم بن عيينة ، في قول ، وقد مرّ ،

حفص بن عبد الرحمن قاضي نيسابور ،

الحكم بن عبد الله ، أبو مطيع البلخيّ ،

سليمان بن المنصور (١) أبي جعفر ، في صفر ،

سيّار بن حاتم ،

شعيب بن اللّيث بن سعد ، في صفر ،

عبد الله بن نمير الخارفيّ الكوفيّ ،

عمر بن حفص العبديّ ، بصريّ ،

عمرو بن محمد العنقزيّ الكوفيّ ،

محمد بن شعيب بن شابور ، ببيروت ،

الهيثم بن مروان العنسيّ الدمشقيّ ،

يونس بن بكير الكوفيّ ، راوي المغازي.

* * *

وفيها قدم الحسن بن سهل من عند المأمون إلى بغداد ، ففرّق عماله في البلاد (٢).

__________________

(١) في الأصل «منصور».

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٤ ، خلاصة الذهب ١٩٧ ، تاريخ خليفة

٦٩

وجهّز أزهر بن زهير بن المسيّب إلى الهرش في المحرّم فقتل الهرش (١).

* * *

خروج ابن طباطبا بالكوفة

وفي جمادى الآخرة خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن طباطبا واسمه إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يدعو إلى الرضا من آل محمد ، والعمل بالكتاب والسّنة. وكان القائم بأمره أبو السرايا سريّ بن منصور الشيبانيّ. فهاجت الفتن ، وتسرّع الناس إلى ابن طباطبا ، واستوسقت له الكوفة. وأتاه الأعراب وأهل النواحي ، فجهّز الحسن بن سهل لحربه زهير بن المسيّب في عشرة آلاف ، فالتقوا ، فهزم زهير واستباحوا عسكره ، وغنموا السلاح والخيل ، وقووا في ذلك في سلخ جمادى الآخرة.

ذكر أمر أبي السرايا

فلمّا كان من الغد أصبح محمد بن إبراهيم بن طباطبا ميتا فجأة. وقيل إنّ أبا السرايا سمّه لكون ابن طباطبا أحرز الغنيمة ولم يحسن جائزة أبي السرايا ، أو لغير ذلك.

وأقام أبو السرايا في الحال مكانه شابا أمرد اسمه محمد بن زيد (٢) بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (٣).

ثم جهّز الحسن بن سهل جيشا ، عليهم عبدوس بن محمد المروروذيّ لحرب أبي السرايا. فالتقوا في رجب ، فقتل عبدوس ، وأسر عمّه هارون بن

__________________

[(٤٦٨ ،)] تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٥ ، تاريخ حلب ٢٤٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٤.

(١) الطبري ٨ / ٥٢٨ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٦٤.

(٢) في مروج الذهب ٤ / ٢٦ «محمد بن محمد بن يحيى بن زيد».

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٢٨ ، ٥٢٩ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ المعارف ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، تاريخ خليفة ٤٦٨ ، ٤٦٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩١ ـ ١٩٣ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٤ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ النجوم الزاهرة ٢ / ١٦٤.

٧٠

أبي خالد ، وقتل أكثر جيشه وأسروا. وقوي الطالبيّون ، وضرب أبو السرايا على الدراهم : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) (١). الآية (٢).

ثم سار أبو السرايا قدما حتى نزل بقصر ابن هبيرة ، وجهّز جيوشا إلى البصرة وإلى واسط فدخلوها ، وأوقعوا أمير واسط من جهة الحسن بن سهل فهزمه ، وانحاز إلى بغداد ، وعظم ذلك على الحسن ، فبعث بردّ هرثمة بن أعين من حلوان لحرب أبي السرايا ، فامتنع ، فأرسل إليه ثانيا يلاطفه ، فرجع هرثمة ، وعقد له الحسن بن سهل على حرب أبي السرايا ، وجهّز معه منصور بن المهديّ. فعسكر بنهر صرصر بإزاء أبي السرايا ، والنهر بينهما. ثم تقهقر أبو السرايا فطلبه هرثمة ، وقتل من تطرّف من جنده.

وقعة قصر ابن هبيرة

ثم كانت وقعة عند قصر ابن هبيرة ، قتل فيها خلق من أصحاب أبي السرايا ، فتحيّز إلى الكوفة ، وعمد محمد بن محمد والطالبيّون إلى دور العباسيّين بالكوفة وضياعهم ، فأحرقوا ونهبوا أموالهم ، وأخرجوهم من الكوفة (٣).

توجيه أبي السرايا عمّاله على المدينة ومكة

ثم وجه أبو السرايا على المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسين (٤) بن عليّ بن أبي طالب ، فدخلها ولم يقاتله أحد. ووجّه على مكة والموسم حسين بن حسن الأفطس بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (٥) ، فلما قرب توقّف عن مكّة هيبة لمن فيها ، وأميرها داود بن

__________________

(١) سورة الصف ـ الآية ٤.

(٢) تاريخ الطبري ، الكامل ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٩ ، تاريخ خليفة ٤٦٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٧ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٣ ، ١٩٤ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٤.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٠ ، ٥٣١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٧ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٤ ، ١٩٥ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٥.

(٤) في مروج الذهب «الحسن» (٤ / ٢٦).

(٥) البدء والتاريخ ٦ / ١٠٩ ، ١١٠ ، تاريخ حلب ٢٤٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٥ ، تاريخ ابن =

٧١

عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ العباسيّ ، فلما بلغ أميرها داود ذلك ، جمع موالي بني العباسي وعبيد حوائطهم (١).

ذكر خروج داود بن عيسى من مكة

وكان مسرور الخادم قد حجّ في تلك السنة في مائتي فارس ، فقال لداود : أقم لي شخصك أو شخص بعض ولدك ، وأنا أكفيك قتالهم.

فقال داود : لا أستحلّ القتال في الحرم ، ولئن دخلوا من هذا الفجّ لأخرجنّ من الفجّ الآخر. فقال : تسلّم مكة وولايتك إلى عدوّك؟ فقال داود : أيّ حال لي؟ والله لقد أقمت معكم حتى شخت ، فما وليت ولاية ؛ حتى كبرت وفني عمري ، فولّوني من الحجاز ما فيه القوت. وإنّما هذا الملك لك ولأشباهك ، فقاتل عليه أو دع.

ثم انحاز داود إلى جهة المشاش بأثقاله ، فوجّه بها على درب العراق ، وافتعل كتابا من المأمون بتولية ابنه محمد بن داود على صلاة الموسم ؛ وقال له : أخرج فصلّ بالناس بمنى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء ، وبت بمنى ، وصلّ الصبح ، ثم اركب دوابّك فانزل طريق عرفة ، وخذ على يسارك في شعب عمرو حتى تأخذ طريق المشاش ، حتى تلحقني ببستان ابن عامر.

ففعل ذلك ، فخاف مسرور وخرج في أثر داود راجعا إلى العراق ، وبقي الوفد بعرفة. فلمّا زالت الشمس حضرت الصلاة ، فتدافعها قوم من أهل مكة ، فقال أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقيّ (٢) ، وهو المؤذّن وقاصّ الجماعة : إذا لم تحضر الولاة يا أهل مكة ، فليصلّ قاضي مكة محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ ، وليخطب بهم.

قال : فلمن أدعو ، وقد هرب هؤلاء ، وأطلّ هؤلاء على الدخول؟

قال : لا تدع لأحد.

__________________

= خلدون ٣ / ٢٤٣.

(١) أي عبيد مزارعهم وبساتينهم.

(٢) في تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٢ «الردميّ».

٧٢

قال : بل تقدّم أنت.

دخول حسين بن حسن مكة وظلم أهلها

فأبي الأزرقيّ ، حتى قدّموا رجلا فصلّى الصلاة بلا خطبة ، ثم مضوا فوقفوا بعرفة. ثم دفعوا بلا إمام. وحسين بن حسن متوقّف بسرف ، فبلغه خلوّ مكة ، وهروب داود ، فدخلها قبل المغرب في نحو عشرة ، فطافوا وسعوا ، ومضوا بعد المغرب فأتوا عرفة ليلا ، فوقفوا ساعة ، وأتى مزدلفة فصلّى بالناس الفجر (١).

ثم إنه أقام بمكة وعسف وظلم وصادر التجار ، وكانت أعوانه تهاجم بيوت التجار لأجل الودائع ، فيتّهمون البريء ويعذّبونه ؛ وأخذ ما في خزائن الكعبة من مال (٢).

ذكر انهزام أبي السرايا

وأما هرثمة فواقع أبا السرايا ثانيا فانكسر ، ثم ثبت وانهزم أصحاب أبي السرايا ، ثم أخذ هرثمة يكاتب رؤساء الكوفة (٣).

* * *

وثوب علي بن محمد بالبصرة

وفيها وثب عليّ بن محمد بن جعفر الصّادق بالبصرة ، واستولى عليها من غير حرب (٤).

* * *

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٢ ، ٥٣٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، مروج الذهب ٤ / ٢٧ ، تاريخ خليفة ٤٦٩ ، ٤٧٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٣ ، مقاتل الطالبيين ٥٣٣.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٨ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٥ و ١٩٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٣.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠٧ ، تاريخ خليفة ٤٧٠.

(٤) البدء والتاريخ ٦ / ١٠٩ ، مروج الذهب ٤ / ٢٦ ، تاريخ خليفة ٤٦٩.

٧٣

ظهور إبراهيم بن علي باليمن

وظهر باليمن إبراهيم بن عليّ بن موسى (١) الرضا ، فنفى عاملها عنها ، وسبى ، وأخذ الأموال. وكان يقال له الجزّار لكثرة ما قتل (٢). والله أعلم.

__________________

(١) في تاريخ الطبري «إبراهيم بن موسى» ، وكذلك في العيون والحدائق ، والبدء والتاريخ ، ومروج الذهب ، وتاريخ اليعقوبي.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، البدء والتاريخ ٦ / ١١٠ ، مروج الذهب ٤ / ٢٦ ، وفي تاريخ خليفة ٤٦٩ : وأتى إبراهيم بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن على اليمن ، ونفى عنها إسحاق بن موسى بن عيسى ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٤ ، مآثر الإنافة ١ / ٢١٦ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٦ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٠ ، ٣١١.

٧٤

سنة مائتين

توفّي فيها :

أسباط بن محمد الكوفيّ ، في المحرّم ،

أميّة بن خالد البصريّ ، أخو هدبة ،

أيّوب بن المتوكّل البصريّ المقرئ ،

أنس بن عياض ، أبو حمزة اللّيثيّ ،

سلم بن قتيبة الخراسانيّ ، بالبصرة ،

سيّار بن حاتم العقديّ ، فيها بخلف ،

صفوان بن عيسى الزّهريّ البصريّ ،

عمر بن عبد الواحد السّلميّ الدمشقيّ ،

عبد الملك بن الصّبّاح المسمعيّ ، بصريّ ،

عمارة بن بشر ، فيها ، حدّث بدمشق ،

قتادة بن الفضيل الرّهاويّ ،

مبشّر بن إسماعيل الحلبيّ ،

محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدنيّ ،

محمد بن الحسن الأسديّ ابن التلّ ،

محمد بن حميد السليحيّ الحمصيّ ،

محمد بن شعيب بن شابور (١) ،

قاله دحيم ،

__________________

(١) تكرّر ذكره أكثر من مرة.

٧٥

معاذ بن هشام الدّستوائيّ ،

معروف الكرخيّ العابد ، على الأصحّ ،

المغيرة بن سلمة المخزوميّ ، بصريّ ،

أبو البختري القاضي وهب بن وهب.

* * *

مقتل أبي السرايا

وفيها هرب أبو السرايا والطالبيّون من الكوفة في المحرّم إلى القادسيّة ، فدخلها هرثمة ومنصور بن المهديّ وأمّنوا أهلها. ثم أتى أبو السرايا إلى ناحية واسط ، ثم مضى حتى أتى السّوس وأنفق الأموال. فجاءهم الحسن بن عليّ الباذغيسيّ فأرسل إليهم : اذهبوا حيث شئتم ، فلا حاجة لي في قتالكم ، ولست بتابعكم. فأتى أبو السرايا إلى قتاله ، فاتقوا ، فهزمهم الحسن واستباح عسكرهم ، وجرح أبو السرايا ، وهرب هو ومحمد بن محمد ، وأبو الشوك ، وطلبوا رأس العين والجزيرة. فلما انتهوا إلى جلولا عثر بهم حمّاد الكندغوش (١) فأخذهم ، وجاء بهم إلى الحسن بن سهل وهو بالنهروان ، فقتل أبا السرايا في عاشر ربيع الأول ، وبعث محمد بن زيد بن عليّ إلى مرو إلى المأمون (٢).

* * *

افتتاح البصرة واختفاء الطالبيين

وسار عليّ بن أبي سعيد إلى البصرة فافتتحها ، وكان بها زيد بن

__________________

(١) في تاريخ خليفة ٤٧٠ «الأندغوش» ، والمثبت يتفق مع الطبري ، وابن الأثير ، والمسعودي.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٤ ، ٥٣٥ ، تاريخ خليفة ٤٧٠ ، مروج الذهب ٤ / ٢٧ ، تاريخ حلب ٢٤٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٠٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢١ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٤ ، دول الإسلام ١ / ١٢٦ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٢١٢ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٦٦ وانظر عن أبي السرايا في : مقاتل الطالبيين ٥١٨ ـ ٥٣٦ و ٥٤٢ ـ ٥٥٩ ، والمحبّر ٤٨٩ ، والمعارف ٣٨٧ ، ٣٨٨ ولطف التدبير للإسكافي ١٨١ ، ١٨٢ ...

٧٦

موسى بن جعفر أخو عليّ بن موسى الرضا ، وهو الّذي يقال له زيد النار ، لكثرة ما حرّق من دور العباسيّين بالبصرة. وكان يأتي بالرجل من المسوّدة فيحرّقه بالنار. وانتهب تجّار البصرة ، فأسره عليّ بن أبي سعيد ، واختفى الطالبيّون (١).

ذكر

ما فعله الأفطس بمكة

وأما حسين بن حسن الأفطس فبدّع بمكة حتى تردّه طائفة من أهلها ، فهدم دورهم ، وأخذ أبناءهم ، وجعل أصحابه يحلّون ما على الأساطين من الذّهب اليسير ، ويقلعون الشبابيك. فبلغهم قتل أبي السرايا ، فأتى حسين إلى محمد بن جعفر الصّادق ، وكان شيخا فاضلا محبّبا إلى الناس ، تاركا للخروج ، قد روى العلم عن أبيه ، فقال : قد تعلم ما لك في الناس ، فابرز نبايعك بالخلافة ، فلا يختلف عليك اثنان ، فأبى ذلك. فلم يزل به ابنه عليّ وحسين بن حسن حتى غلبا على رأيه ، وأقاموه يوم الجمعة في ربيع الآخر ، فبايعوه ، وحشروا الناس لمبايعته طوعا وكرها. فأقام كذلك أشهرا (٢).

ووثب حسين على امرأة قرشيّة بارعة الحسن ، فأخذها قهرا من بيت زوجها ، وبقيت عنده أياما ، ثم هربت (٣).

ووثب عليّ بن محمد على أمرد بديع الجمال ، فأخذه من دارهم ، وأركبه فرسه في السّرج ، وركب على الكفل ، وذهب به في السّوق حتى خرج به إلى بئر ميمون في طريق منى. فاجتمع أهل مكة والمجاورون ، وأغلقت

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٥ ، تاريخ خليفة ٤٧٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٧ ، تاريخ حلب ٢٤٠ ، الفخري ٢٢٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٦ ، مقاتل الطالبيين ٥٣٤.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٣ ، ٥٣٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٨ ، الكامل التاريخ ٦ / ٣١١ ، ٣١٢ ، نهاية والأرب ٢٢ / ١٩٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٤.

(٣) الطبري ٨ / ٥٣٧ ، الكامل ٦ / ٣١٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٨.

٧٧

الأسواق ، وأتوا محمد بن جعفر وقالوا : والله لنخلعنّك ، ولنقتلنّك ، أو لتردنّ هذا الغلام الّذي أخذه ابنك جهرة.

فقال : والله ما علمت.

وأمر حسينا أن يذهب إلى ابنه ، فقال : إنّك والله لتعلم أنّي لا أقوى على ابنك ، وأخاف محاربته.

فقال محمد بن جعفر لأهل مكة : أمّنوني حتى أركب إليه ، فأمّنوه ، فركب حتى صار إلى ابنه وأخذ الغلام ، فسلّمه إلى أهله (١).

وبعد قليل أقبل إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد العبّاسيّ فارّا عن اليمن ، لتغلّب إبراهيم بن موسى بن جعفر عليها ، فنزل المشاش ؛ فاجتمع العلويّون إلى محمد بن جعفر فقالوا : قد رأينا أن نخندق علينا بأعلى مكّة. ثم حشدوا الأعراب ، فقاتلهم إسحاق أياما ، ثم كره الحرب وطلب العراق. فلقيه ورقاء (٢) بن جميل في جند ، فقال : ارجع بنا إلى مكّة ، فرجع.

واجتمع إلى محمد غوغاء أهل مكة ، وسودان أهل المياه والأعراب ، فعبّأهم ببئر ميمون ، وأقبل ورقاء وإسحاق بن موسى بمن معهم من القوّاد والجند فالتقوا وقتل جماعة. ثم تحاجزوا ؛ ثم التقوا من الغد ، فانهزم محمد وأهل مكّة. وطلب محمد الأمان ، فأجابوه إليه ، ثم نزح عن مكة ، ودخلها إسحاق وورقاء في جمادى الآخرة (٣).

ذكر تفرّق الطالبيّين عن مكة

وتفرّق الطالبيّون عن مكّة كلّ قوم ناحية ، فأخذ محمد ناحية جدّة ، ثم

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٤.

(٢) هكذا في الأصل ، وتاريخ الطبري ـ أما في : الكامل في التاريخ ، وتاريخ ابن خلدون وغيرهما : «رجاء».

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٨ ، ٥٣٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٢.

٧٨

طلب الجحفة. فخرج عليه محمد بن حكيم من موالي آل العبّاس. وفد كان الطالبيّون انتهبوا داره بمكة ، وبالغوا في عذابه. فجمع عبيدا ولحق محمدا بقرب عسفان ، فانتهب جميع ما معه حتى بقي في وسط سراويل. وهمّ بقتله ، ثمّ رحمه وطرح عليه ثوبا وعمامة ، وأعطاه دريهمات. فمضى وتوصّل إلى بلاد جهينة على الساحل ، فأقام هناك أشهرا يجمع الجموع ، فكان بينه وبين والي المدينة هارون بن المسيّب وقعات عند الشجرة وغيرها. فهزم محمد ، وفقئت عينه بسهم ، وقتل خلق من أصحابه ، وردّ الى موضعه. ثم طلب الأمان من الجلوديّ ، ومن ابن عمّ (١) الفضل بن سهم رجاء ، وردّ إلى مكّة في آخر السنة (٢). فصعد عيسى بن يزيد الجلوديّ المنبر بمكة ، وصعد دونه محمد بن جعفر ، عليه قباء أسود ؛ فخلع نفسه ، واعتذر عن خروجه بأنّه بلغه موت المأمون. وقد صحّ عنده الآن أنّه حيّ ، وخلع نفسه ، واستغفر من فعله (٣).

ثم خرج به عيسى الجلوديّ إلى العراق ، واستخلف على مكّة ابنه محمد بن عيسى.

فبعث الحسن بن سهل بمحمد إلى المأمون (٤).

* * *

ذكر الحجّ هذا العام

وأقام الحج أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد (٥).

* * *

__________________

(١) هكذا في الأصل ، وتاريخ الطبري ، وفي المطبوع من الكامل ٦ / ٣١٣ «ابن عمّة». وفي نسخة منه : «عم».

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٨ ، تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٩. نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٨ أ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٢ ، ٣١٣.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٩ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٢ ، ٣١٣ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٨ ، ١٩٩ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٦.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٥٣٩.

(٥) تاريخ خليفة ٤٧٠ ، تاريخ الطبري ٨ / ٥٤٥ ، مروج الذهب ٤ / ٤٠٤ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٢٠١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٢٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٦.

٧٩

مقتل هرثمة

وأمّا هرثمة ، فلما فرغ من حرب أبي السرايا سار نحو خراسان ، فأتته الكتب من المأمون أن يرجع فيلي الشام أو الحجاز. فقال : لا أرجع حتى آتي أمير المؤمنين. إدلالا منه عليه ، وليشافهه بمصالح ، وليؤذي الفضل بن سهل بأنّه ليس بناصح له. ففهم الفضل مراده ، فقال للمأمون : إنّ هرثمة قد ظاهر عليك عدوّك ، وعادى وليّك ، وخالف كتبك. وإن خلّيته كان ذلك مفسدة لغيره. فتوحّش عليه.

وأبطا هرثمة ، ثم قدم في أواخر السنة ، فقال له المأمون : مالأت علينا العلويّين ، وداهنت ، وحسّنت في السّرّ لأبي السرايا الخروج؟

فذهب هرثمة ليتكلّم ويدفع عن نفسه ، فلم يقبل منه. وأمر به ، فوجئ على أنفه ، وديس بطنه ، وسحب وحبس. ودسّ الفضل إلى الأعوان الغلظة عليه ، ثم قتلوه ، وقيل مات (١).

ذكر فتنة الجند ببغداد

وفيها هاج الجند ببغداد ، لكون الحسن بن سهل لم ينصفهم في العطاء ، وبقيت الفتنة أياما (٢).

* * *

ذكر توجيه رجاء بن أبي الضحّاك لإشخاص عليّ الرضا

وفيها وجّه المأمون رجاء بن أبي الضحّاك ، وهو الّذي قدم عليه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٥٤٢ ، ٥٤٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٩ ، ٤٥٠ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٤٩ ، ٣٤٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٩٩ ، ٢٠٠ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٢ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٦ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٥ ، دول الإسلام ١ / ١٢٦ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٢١٢.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٥٤٣ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٥١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣١٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٢٠٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٤٥ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٦٦.

٨٠