تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ١٣

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فسقط فابتدره الناس فقتلوه ، وذلك على فرسخ من بغداد لست من رجب.

وأتوا برأسه (١).

وقيل إنّ الأمين لما عفى عنه استوزره ودفع إليه خاتمه (٢).

تجديد البيعة للأمين

وصبيحة قتله جدّد الجند البيعة للأمين (٣).

هرب الفضل بن الربيع

وليلة قتله هرب الفضل بن الربيع (٤).

مسير طاهر بن الحسين لقتال محمد بن يزيد المهلّبيّ

ولما سار طاهر إلى الأهواز بلغه أنّ محمد بن يزيد بن حاتم المهلّبيّ عامل الأمين عليها قد توجّه في جمع عازما النزول بجنديسابور وهو ما بين حدّ الأهواز ، والجبل ، ليحمي الأهواز من أصحاب طاهر ، فدعا طاهر عدّة أمراء من جنده بأن يكمّشوا السير (٥).

ثمّ سارت عساكره حتى أشرفوا على عسكر مكرم ، وبه محمد بن يزيد ، فرجع ودخل الأهواز. ثم عبّى أصحابه على بابها والتقوا ، وطال الحرب بينهم (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٣١ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٦١ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، الفخري ٢١٥ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٨ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧ ، التنبيه والإشراف ٣٠١. المعارف ٣٨٥ ، تاريخ الزمان ٢١.

(٢) الطبري ٨ / ٤٣١ ، الكامل ٦ / ٢٦١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٨ ، التنبيه الإشراف ٣٠١ ، تاريخ الزمان ٢١.

(٣) الطبري ٨ / ٤٣٢ ، الكامل ٦ / ٢٦١ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧.

(٤) الطبري ٨ / ٤٣٢ ، الكامل ٦ / ٢٦١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٨ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧.

(٥) كمّش السير : أسرع وجدّ فيه.

والخبر في تاريخ الطبري ٨ / ٤٣٢ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٢٦٢.

(٦) الطبري ٨ / ٤٣٢ ، ٤٣٣ ، الكامل ٦ / ٢٦٢.

٤١

مصرع محمد بن يزيد وما قيل في رثائه

ثم نزل محمد بن يزيد هو وغلمانه عن خيلهم وعرقبوهم ، وقاتل حتى طعنه رجل برمح (١).

وذكر بعضهم مصرعه ورثاه فقال :

من ذاق طعم الرّقاد من فرح

فإنّي قد أضرّ بي سهري

ولىّ فتى الرّشد فافتقدت به

قلبي وسمعي وغرّني بصري

كان غياثا لدى المحول فقد

ولّى غمام الرّبيع والمطر(٢).

تولية طاهر العمال على البحرين وأخذ الطاعة من الكوفة والموصل وغيرها

وأقام طاهر بالأهواز ، وولّى عمّاله على اليمامة والبحرين. ثمّ أخذ على طريق البر متوجّها إلى واسط ، وبها يومئذ السّندي بن يحيى الحرشيّ. وجعلت المسالح كلّما قرب طاهر من واحدة هرب من يحفظها. فجمع السّنديّ والهيثم بن شعبة أصحابهما وهمّا بالقتال ، ثم هربا عن واسط ، فدخلها طاهر ، ووجّه إلى الكوفة أحمد بن المهلّب القائد ، وعليها يومئذ العبّاس بن موسى الهادي ، فبلغه الخبر ، فخلع الأمين ، وكتب بالطّاعة إلى طاهر. ونزلت خيله واسط ثم فم النيل ، وكتب عامل البصرة ، منصور بن المهدي ، إلى طاهر بالطّاعة. ثم نزل طاهر جرجرايا (٣) وخندق عليه (٤).

وكتب بالطّاعة أمير الموصل المطّلب بن عبد الله بن مالك للمأمون. كلّ ذلك في رجب (٥).

__________________

(١) الطبري ٨ / ٤٣٣ ، الكامل ٦ / ٢٦٣ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٥٢.

(٢) الأبيات في تاريخ الطبري ٨ / ٤٣٤ ، بزيادة ثلاثة أبيات أخرى.

(٣) هكذا في الكامل ٦ / ٢٦٤ ، وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧ ، وعند الطبري ٨ / ٤٣٥ «طرنايا»

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٤٣٥ ، الكامل ٦ / ٢٦٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٠.

(٥) الطبري ٨ / ٤٣٦ ، الكامل ٦ / ٢٦٤ ، العيون ٣ / ٣٣٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧.

٤٢

إقرار العمّال على أعمالهم

ولمّا كتب هؤلاء إلى طاهر بالطّاعة ، أقرّهم على أعمالهم ، واستعمل على مكّة والمدينة داود بن عيسى بن موسى الهاشميّ ، وعلى اليمن يزيد بن جرير القسري (١).

هزيمة محمد البربريّ عند جسر صرصر

ثم غلب طاهر على المدائن ، ثم صار منها إلى نهر صرصر ، فعقد عليه جسرا (٢) ، فوجّه الأمين محمد بن سليمان القائد ، ومحمد بن حمّاد البربريّ (٣) ليبيّتا يزك (٤) طاهر ، فكانت بينهم وقعة شديدة ، فانهزم محمد القائد (٥).

انهزام الفضل بن موسى عن الكوفة

ووجّه الأمين على الكوفة الفضل بن موسى بن عيسى الهاشميّ وولّاه عليها ، فالتقاه محمد بن العلاء ببعض قوّاد طاهر ، فاقتتلوا وانهزم أصحاب فضل ، وهمّ في أقفيتهم قتلا وأسرا ، فأسروا إسماعيل بن محمد القرشيّ وجمهور النّجّاريّ (٦).

إدبار أمر الأمين

وبقي أمر الأمين كلّ يوم في إدبار ، والناس معذورون في خلعه ، لكونه نكث وخلع أخويه المأمون والمؤتمن. وأقام بدلهما ابنه طفلا رضيعا ، مع ما هو فيه من الانهماك على اللهو والجهل.

* * *

__________________

(١) الطبري ٨ / ٤٣٦ ، الكامل ٦ / ٢٦٤ ، ولم يقف على اسمه القلقشندي (مآثر الإنافة ١ / ٢٠٧).

(٢) الطبري ٨ / ٤٣٦ ، الكامل ٦ / ٢٦٥ ، العيون ٣ / ٣٣٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧.

(٣) في (مآثر الإنافة) ١ / ٢٠٧ (حمّاد اليزيدي) ، والمثبت عن الأصل ، والطبري ٨ / ٤٣٦ ، والكامل ٦ / ٢٦٤.

(٤) اليزك : بالفتح. الحرس.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٤٣٦ ، ٤٣٧ ، الكامل ٦ / ٢٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧.

(٦) الطبري ٨ / ٤٣٧.

٤٣

ذكر خبر خلع داود بن عيسى الأمين

(١) وأما داود بن عيسى الهاشميّ فإنه كان على الحرمين ، فأسرع في خلع الأمين (٢). وبايع للمأمون وجوه أهل الحرمين ، فاستخلف عليهما ولده سليمان (٣) ، وسار في حظيرة من أقاربه يريد المأمون بمرو. فلما قدم عليه تيمّن المأمون ببركة مكّة والمدينة ، إذ كانوا أوّل من بايعه بعد خراسان (٤). ووصل داود بخمسمائة ألف درهم ، ثم رجع مسرعا ليقيم موسم الحجّ ، ومعه ابن أخيه العبّاس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ ، فمرّا بالعراق على طاهر ، فبالغ في إكرامهما ، ووجّه معهما يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ ، وقد عقد له طاهر على ولاية اليمن (٥).

* * *

إقامة الموسم

وأقام الموسم العبّاس بن موسى المذكور (٦).

وأحسن يزيد السيرة باليمن.

* * *

انهزام عليّ بن نهيك أمام هرثمة

وفي شعبان عقد الأمين لعليّ بن محمد بن عيسى بن نهيك الإمرة على

__________________

(١) العنوان ليس في الأصل.

(٢) الطبري ٨ / ٣٤٨ ، الكامل ٦ / ٢٦٦ ، العيون ٣ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٧.

(٣) الطبري ٨ / ٤٤٠ ، الكامل ٦ / ٢٦٦ ، العيون ٣ / ٣٣١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٩ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٨.

(٤) الطبري ٨ / ٤٤٠ ، الكامل ٦ / ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، العيون ٣ / ٣٣١ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٩.

(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٠ ، ٤٤١ ، الكامل ٦ / ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، العيون ٣ / ٣٣١ ، ٣٣٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٧٩ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٨.

(٦) تاريخ خليفة ٤٦٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٢ ، تاريخ الطبري ٨ / ٤٤١ ، مروج الذهب ٤ / ٤٠٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٦٩ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧ ، تاريخ حلب ٢٣٨.

٤٤

نحو أربعمائة قائد ، وأمره بالمسير إلى هرثمة. فساروا بحلوان (١) في رمضان ، فهزمهم هرثمة وأسر أمير الجيش عليّ بن محمد ، وبعث به إلى المأمون. وزحف هرثمة فنزل النهروان (٢).

شغب الجند على طاهر وقتالهم له

وأقام طاهر [على] (٣) نهر صرصر ، فكان لا يأتيه جيش من جهة الأمين إلّا هزمه. وأخذ الأمين يدسّ الجواسيس إلى قوّاد طاهر يعدهم ويمنّيهم ، فشغبوا على طاهر ، واستأمن خلق إلى الأمين فأسنى عطاياهم ، ثم كرّوا إلى صرصر لحرب طاهر. فالتقوا ودام القتال.

تفريق الأمين الخزائن والذخائر على الناس

ثم انهزم جيش بغداد ، وانتهب أصحاب طاهر أثقالهم وأموالهم. فبلغ الأمين الخبر ، فأخرج خزائنه وذخائره ، وفرّق الصلات ، وجمع أهل الأرباض. واعترض الناس على عينه ، فكان لا يرى أحدا وسيما حسن الرّواء إلّا خلع عليه وأمّره ، وغلّف لحيته بالغالية ، فسمّوا قوّاد الغالية. وأعطى كلّ واحد خمسمائة درهم وقارورة غالية (٤).

مكاتبة طاهر لقوّاد الأمين واستمالتهم

ثم كاتب طاهر قوّاد الأمين فاستمالهم ، فشغبوا على الأمين ، وذلك لست خلون من ذي الحجّة. فشاور قوّاده. فقيل له : تدارك أمرهم. فبذل

__________________

(١) في تاريخ الطبري ٨ / ٤٤١ «فساروا فالتقوا بجللتا» ، وكذلك في العيون والحدائق ٣ / ٣٣٢ ، وفي الكامل ٦ / ٢٦٧ «فالتقوا بنواحي النهروان».

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤١ ، الكامل ٦ / ٢٦٧ ، العيون ٣ / ٣٣٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧.

(٣) زيادة من الطبري.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٢ ، ٤٤٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٠ ، الكامل ٦ / ٢٦٨ ، مروج الذهب ٣ / ٤٠٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧.

٤٥

فيهم بالعطاء وأسرف. ونزل معسكرا بالبستان ، ففتح أهل السجون السجون وخرجوا ، ووثب على العامّة السواد ، وساءت حال الناس وعظم الشرّ ، وتواكل الفريقان (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٣ ، ٤٤٤ ، الكامل ٦ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، العيون ٣ / ٣٣٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ١٠٩ ، مروج الذهب ٣ / ٤٠٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٠ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٨.

٤٦

سنة سبع وتسعين ومائة

توفّى فيها :

أحمد بن بشير ، أبو بكر الكوفيّ ،

بقيّة بن الوليد ، أبو يحمد الكلاعيّ ،

إبراهيم بن عيينة (١) ، أخو سفيان ،

بهز بن أسد ، مصريّ ثقة ،

ربعيّ بن عليّة (٢) ، أبو الحسن أخو إسماعيل ،

الحسن بن حبيب بن ندبه ، بصريّ ،

زيد بن أبي الزرقاء الموصليّ ،

سلامة بن روح الأيليّ ، عن عقيل ،

شعيب بن حرب المدائنيّ الزّاهد ،

عبد الله بن وهب ، أبو محمد ، بمصر ،

عبد العزيز بن حمران الزّهريّ المدنيّ ،

الفضل بن عنبسة الواسطيّ ، ثقة ،

القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدّم ، حدّث فيها ،

محمد بن فليح بن سليمان المدنيّ ،

هشام بن يوسف الصّنعانيّ الفقيه ،

__________________

(١) من حقّه أن يتقدّم على الّذي قبله.

(٢) من حقّه أن يتأخر إلى ما بعده ، وهو ربعيّ بن إبراهيم الأسدي.

٤٧

ورش المقرئ ، واسمه عثمان بن سعيد ،

وكيع بن الجرّاح الرّواسيّ الإمام ،

ابو سعيد مولى هاشم ، هو عبد الرحمن.

* * *

التحاق المؤتمن ومنصور بالمأمون

وفيها لحق القاسم الملقّب بالمؤتمن ، وهو أخو الأمين ، ومنصور بن المهديّ بالمأمون (١).

شكوى المسلمين من أعمال زهير بن المسيّب

وفيها نزل زهير بن المسيّب الضّبّي بكلواذى (٢) ، ونصب المجانيق ، واحتفر الخندق.

وجعل يخرج في الأوقات عند اشتغال الجند بحرب طاهر ، فيرمي بالمجانيق والعرّادات من أقبل وأدبر ، ويعشّر أموال التّجّار. وجعل يرمي المسلمين ، فأتوا طاهرا يشكون منه. وبلغ ذلك هرثمة بن أعين ، فأمدّه بالجنود (٣).

اشتداد الحصار على الأمين ببغداد

ثم نزل هرثمة نهربين (٤) وبنى عليه حائطا وخندقا ، وأعدّ المجانيق ، وأنزل

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٥ ، خلاصة الذهب ١٨٣ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٨.

(٢) في الأصل «بكلواذى» وكذا في مروج الذهب ٣ / ٤١١ ، والّذي أثبتناه عن الطبري ، وابن الأثير ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤١ ، ومعجم البلدان ٤ / ٤٧٧ ، وقال : آخره ألف تكتب ياء مقصورة. وهو طوّح قرب مدينة السلام بغداد ، وناحية الجانب الشرقي من بغداد من جانبها ، وناحية الجانب الغربي من نهر بوق.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٥ ، الكامل ٦ / ٢٧١.

(٤) في الأصل «تير» ، والمثبت عن الطبري ٨ / ٤٤٦ ، والكامل ٦ / ٢٧١.

وجاء في معجم البلدان ٥ / ٣١٨ «نهربيل» : بكسر الباء وياء ساكنة ولام. طسّوج من سواد=

٤٨

عبيد الله بن الوضّاح الشمّاسيّة. ونزل طاهر بن الحسين البستان الّذي بباب الأبناء ، فضاق الأمين ذرعا ، وتفرّق ما كان في يده من الأموال العظيمة. فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة ، وضرب آنية الذهب والفضّة دنانير ودراهم لينفقها (١).

درس محاسن بغداد

ثم أمر برمي الحربيّة بالنّفط والمجانيق ، وهلك جماعة ، وكثر الخراب والهدم حتّى درست محاسن بغداد ، وعملت فيها المراثي (٢).

تسلّم طاهر لقصر صالح

ولم يزل طاهر مصابرا للأمين وجنده ، حتى ملّ أهل بغداد قتاله ، فاستأمن إلى طاهر الموكّلون للأمين بقصر صالح ، وسلّموا إليه القصر بجميع ما فيه في جمادى الآخرة في منتصفه. ثم استأمن إلى طاهر صاحب شرطة الأمين محمد بن عيسى. فضعف ركن الأمين واستسلم (٣).

مقتل جماعة في قصر صالح

وقتل داخل قصر صالح : أبو العباس يوسف بن يعقوب الباذغيسي وجماعة من القوّاد ، وقتل خلق من أصحاب طاهر (٤).

التحاق جماعة من القادة والعباسيين بطاهر

ثم لحق بطاهر عبد الله بن حميد الطّائيّ ، وإخوته ، وابن الحسن بن قحطبة ، ويحيى بن عليّ بن ماهان ، ومحمد بن أبي العباس (٥) الطّائيّ. وكاتبه

__________________

= بغداد متّصل بنهربوق. أما في تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٤٠ «نهريين».

(١) نهاية الأرب ٢٢ / ١٨١ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٣٨.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٤٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٢ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٧١ ، مروج الذهب ٣ / ٤١٢.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٤٥٤ ، ٤٥٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٧٢.

(٤) الطبري ٨ / ٤٥٥ ، الكامل ٦ / ٢٧٣.

(٥) في تاريخ الطبري ٨ / ٤٥٦ ، «محمد بن أبي العاص» ، والمثبت يتفق مع الكامل ٦ / ٢٧٣ ، =

٤٩

قوم في السّرّ من العباسيّين (١).

إقبال الأمين على اللهو والشرب وسوء حال أهل بغداد

ولما كانت وقعة يوم قصر صالح أقبل محمد على اللهو والشرب ، ووكّل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش. فأقبل أصحاب الهرش يؤذون الرعيّة وينهبونهم ، فلجأ خلق ولاذوا إلى طاهر ، فرأوا من أصحابه الأمن والخير. وبقي الناس في بغداد بأسوإ حال ، وطال الأمر (٢).

ولبعضهم :

بكيت دما على (٣) بغداد لمّا

فقدت غضارة العيش الأنيق

أصابتها (٤) من الحسّاد عين

فأفنت أهلها بالمنجنيق

وهي طويلة (٥).

قتال الغوغاء والعيّارين والحرافيش عن الأمين وما قيل فيهم

وبقي يقاتل عن الأمين غوغاء بغداد والعيّارون والحرافشة وأنكوا في أصحاب طاهر. وكانوا يقاتلون بلا سلاح ، فقال بعض الشعراء :

خرّجت هذه الحروب رجالا

لا لقحطانها ولا لنزار (٦)

معشرا في جواشن الصوف يغدون

إلى الحرب كالأسود (٧) الضّواري

وعليهم مغافر الخوص تجزى

هم عن البيض والتّراس البواري (٨)

 __________________

= ونهاية الأرب ٢٢ / ١٨١.

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٥٦ ، الكامل ٦ / ٢٧٣.

(٢) الطبري ٨ / ٤٥٦ ، الكامل ٦ / ٢٧٣.

(٣) في مروج الذهب : «بكت عيني على».

(٤) في المروج «أصابتنا» ، وكذلك في الكامل (٦ / ٢٧٣).

(٥) ذكر الطبري ١٥ بيتا (٨ / ٤٥٧) ، والمسعودي في مروج الذهب ٣ / ٤١٤ (١٢ بيتا) ، وابن الأثير (٦ / ٢٧٣ ، ٢٧٤) (١٤ بيتا) ، والبيتان في تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٩٩.

(٦) في مروج الذهب : «لا لقحطان ، لا ، ولا لنزار».

(٧) في المروج «كالليوث».

(٨) البواري : مفردها بارية ، وهي الحصيرة.

٥٠

ليس يدرون ما الفرار إذا الأب

طال عاذوا من القنا بالفرار

واحد منهم يشدّ على أل

فين (١) عريان ما له من إزار (٢)

كم شريف قد أخملته وكم قد

رفعت من مقامر عيّار(٣).

وقال آخر في غوغاء البغاددة :

إذا حضروا قالوا بما يعرفونه (٤)

وإن لم (٥) يروا شيئا قبيحا تخرّصوا

ترى البطل المشهور في كلّ بلدة

إذا ما رأى العريان يوما يبصبص(٦)

وقعة درب الحجارة

ثم كانت بينهم وقعة درب الحجارة ، وكانت لأصحاب محمد الأمين على أصحاب طاهر ، فقتل فيها خلق كثير (٧).

وقعة باب الشّماسية

ثم كانت وقعة باب الشّماسيّة ، وأسر فيها هرثمة ، وانتصر فيها أصحاب محمد. وأسر هرثمة رجل من العراة ، ولم يعرفه ، فحمل بعض أصحاب هرثمة على الرجل فقطع يده وخلّصه ، فمرّ منهزما ، وبلغ خبره أهل عسكره

__________________

(١) في خلاصة الذهب «الباقين».

(٢) زاد الطبري بعده ، وهو أيضا في المروج ، والخلاصة :

ويقول الفتى إذا طعن الطعنة

: خذها من الفتى العيّار

(٣) في تاريخ الطبري ٨ / ٤٥٨ ، «طرّار» ، والأبيات كلها في مروج الذهب ٣ / ٤١٥ ما عدا البيت الأخير ، وهي كلها أيضا في خلاصة الذهب المسبوك ١٨٤ وفيه «مغامر طرار» ، وقد تحرّفت إلى «طراد» في الطباعة.

(٤) في مروج الذهب «يبصرونه» ، والمثبت يتفق مع الطبري ، وابن الأثير.

(٥) «لم» ساقطة من تاريخ الطبري ، وهي في الأصل ، والمروج ، والكامل.

(٦) هذا البيت ليس في مروج الذهب ٣ / ٤١٥ ، ولا الكامل ٦ / ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، وقد أورد الطبري في تاريخه ٨ / ٤٥٩ ، ٤٦٠ (١٤ بيتا) ، والمسعودي (٦ أبيات) ، وابن الأثير (٨ أبيات).

(٧) تاريخ الطبري ٨ / ٤٦٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٧٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٩.

٥١

فتقوّض بما فيه ، وهرب أهله نحو حلوان. وكان على العراة حاتم بن الصّقر (١).

وقعة العراة وما قيل فيهم

ثم نجد هرثمة وأصحابه طاهر بن الحسين وأصحابه ، وقتلوا من العراة خلائق ، فأيقن محمد بالهلاك ، وهرب من عنده عبد الله بن خازم بن خزيمة إلى المدائن في السفن بعياله (٢).

وقيل في قتل العراة :

كم قتيل قد رأينا

ما سألنا لأيش

دارعا تلقاه وعريان

بجهل وطيش

حبشيّا يقتل الناس

على قطعة خيش

مرتد بالشمس راض

بالمنى من كلّ عيش

يحمل الحملة لايق

تل إلّا رأس الجيش

احذر الرّمية يا طاهر

من كفّ الحبيش(٣).

ودام حصار بغداد خمسة عشر شهرا ، هكذا ، فلا قوّة إلّا بالله.

* * *

ظهور السفيانيّ بالشام

وفيها أوفى السّفيانيّ بالشام ، واستولى على سائرها باليمانية ، وهربت القيسيّة من الغوطة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، الكامل ٦ / ٢٧٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٩ ، النجوم الزاهرة ٢ / ١٥٤.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٦٦ و ٤٦٧ ، الكامل ٦ / ٢٧٦ ، ٢٧٧.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٤٦٩ وفيه بزيادة بيتين.

٥٢

حصار ابن بيهس لدمشق

ثم إنّه توثّب عليه مسلمة بن يعقوب الأمويّ المروانيّ ، وقبض عليه في أثناء السنة ، وقيّده. واستبدّ بالأمر وبايع لنفسه (١) ، فلم يبلع ريقه حتى حاصره ابن بيهس بدمشق أياما ، ثم نصب على السور السلالم ، كما يأتي.

__________________

(١) تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية) ج ١٦ / ورقة ٢٣١ ، أمراء دمشق ٨٣ رقم ٢٥١ ، معجم بني أميّة ١٦٦ رقم ٣٤٧.

٥٣

سنة ثمان وتسعين ومائة.

توفّي فيها :

إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السّبيعيّ ،

أيّوب بن تميم التّميميّ المقرئ ، بدمشق ،

سفيان بن عيينة ، أبو محمد الهلاليّ ،

صفوان بن عيسى الزّهريّ ، والأصحّ بعد ذلك ،

عبد الرحمن بن مهديّ ، أبو سعيد ،

عمر بن حفص العبديّ ، في قول ،

عمرو بن الهيثم ، أبو قطن ، بصريّ ثقة ،

عنبسة بن خالد الأيليّ ،

مالك بن سعير بن الخمس الكوفيّ ،

محمد بن شعيب بن شابور ، في قول ،

محمد بن معن الغفاريّ المدنيّ ، تقريبا ،

مسكين بن بكير الحرّانيّ الحدّاد ،

محمد بن هارون الأمين الخليفة ، قتل ،

معن بن عيسى القزّاز المدنيّ ،

يحيى بن سعيد القطّان ،

يحيى بن عبّاد الضّبعيّ البصريّ ، ببغداد.

* * *

٥٤

ذكر استيلاء طاهر على بغداد

وفيها الحصار كما هو على بغداد ، ففارق محمدا خزيمة بن خازم من كبار قوّاده.

وقفز إلى طاهر بن الحسين هو ومحمد بن عليّ بن عيسى بن ماهان ، فوثبا على جسر دجلة في ثامن المحرّم فقطعاه ، وركّزا أعلامهما ، وخلعا الأمين ، ودعيا للمأمون. فأصبح طاهر بن الحسين وألحّ في القتال على أصحاب محمد الأمين ، وقاتل بنفسه. فانهزم أصحاب محمد ، ودخل طاهر قسرا بالسيف ، ونادى مناديه : من لزم بيته فهو آمن (١).

ثم أحاط بمدينة المنصور ، وبقصر زبيدة ، وقصر الخلد ، فثبت على قتال طاهر حاتم بن الصّقر والهرش والأفارقة. فنصب المجانيق خلف السّور وعلى القصرين ورماهم. فخرج محمد بأمّه وأهله من القصر إلى مدينة المنصور ، وتفرّق عامة جنده وغلمانه ، وقلّ عليهم القوت والماء ، وفنيت خزائنه على كثرتها (٢).

ذكر غناء الجارية ضعف

وذكر عن محمد بن راشد : أخبرني إبراهيم بن المهديّ أنّه كان مع محمد بمدينة المنصور في قصر باب الذهب ، فخرج ليلة من القصر من الضّيق والضّنك ، فصار إلى قصر القرار فطلبني ، فأتيت ، فقال : ما ترى طيب هذه الليلة ، وحسن القمر ، وضوءه في الماء ، هل لك في الشراب؟ قلت : شأنك.

فدعا برطل من نبيذ فشربه ، ثم سقيت مثله ، وابتدأت أغنّيه من غير أن يسألني ، لعلمي بسوء خلقه ، فغنّيت. فقال : ما تقول فيمن يضرب عليك؟ فقلت : ما أحوجني إلى ذلك.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٢ ـ ٤٧٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨١ ، ١٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٢.

٥٥

فدعا بجارية اسمها ضعف ، فتطيّرت من اسمها. ثم غنّت بشعر النّابغة الجعديّ :

كليب لعمري كان أكثر ناصرا

وأيسر ذنبا منك ضرّج بالدّم(١)

فتطيّر من ذلك ، وقال : غنّي غير هذا ، فغنّت :

أبكى فراقهم عيني فأرّقها (٢)

إنّ التفرّق للأحباب بكّاء

ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم

حتى تفانوا وريب الدّهر عدّاء

فاليوم أبكيهم جهدي وأندبهم

حتى أءوب وما في مقلتي ماء(٣)

فقال لها : لعنك الله ، أما تعرفين غير هذا؟ فقالت : ظننت أنّك تحبّ هذا! ثم غنّت :

أما وربّ السّكون والحرك

إنّ المنايا كثيرة الشّرك

ما اختلف الليل والنهار ولا

وارت نجوم السماء في الفلك (٤)

الّا لنقل السلطان عن ملك

قد زال سلطانه الى ملك (٥)

 __________________

(١) البيت في ديوان النابغة الجعديّ ١٤٣ ، وتاريخ الطبري ٨ / ٤٧٦ ، والعيون والحدائق ٣٣٦ وفيه (وأيسر حزما منك) ، وكذلك في نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٦ وقيّد : ضرّج «ضرح» ، وفي الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨٠ (وأيسر جرما). وفي نسخة (حزما) ؛ وفي مروج الذهب ٣ / ٤٠١ (وأكثر حزما منك) ، تاريخ الخلفاء ٢٩٩ ، والهفوات النادرة ١٠ ، والأغاني ٤ / ٤٢٧.

(٢) في تاريخ الطبري «وأرّقها» ، وكذلك في العيون والحدائق ، والهفوات النادرة ، والمثبت يتّفق مع الإنباء في تاريخ الخلفاء ، والكامل لابن الأثير ، ونهاية الأرب ، وتاريخ الخلفاء.

(٣) البيتان الأولان فقط في كل من : تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٧ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٣٦ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٢ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٢٨١ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٨٦ ، والهفوات النادرة ١١ ، والأبيات كلها في تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٩٩ ، ٣٠٠.

(٤) في العيون والحدائق «في فلك».

(٥) البيت في تاريخ الطبري والهفوات النادرة :

إلا لنقل النعيم من ملك

عان بحبّ الدنيا إلى ملك

وفي العيون والحدائق :

إلا لنقل السلطان عن ملك

عات بسلطانه إلى ملك

وفي الإنباء بتاريخ الخلفاء :

إلا بنقل النعيم من ملك

عات بسلطانه إلى ملك

وفي الكامل في التاريخ :

٥٦

وملك ذي العرش دائم أبدا

ليس بفان ولا بمشترك (١)

فقال لها : قومي لعنك الله. فقامت فتعثّرت في قدح بلور له قيمة فكسرته (٢) ، فقال : ويحك يا إبراهيم ، أما ترى ، والله ما أظنّ أمري إلّا وقد قرب. فقلت : بل يطيل الله عمرك ، ويعزّ ملكك. فسمعت صوتا من دجلة : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٣). فوثب محمد مغتمّا ، ورجع إلى موضعه بالمدينة ، وقتل بعد ليلة أو ليلتين (٤).

حكاية المسعودي عن مقرطة الأمين

وحكى «المسعودي» في «المروج» (٥) قال : ذكر إبراهيم بن المهديّ قال : استأذنت على الأمين في شدّة الحصار ، فإذا هو قد قطع دجلة بالشباك ، وكان في القصر بركة عظيمة ، يدخل من دجلة إليها الماء في شبّاك حديد. فسلّمت وهو مقيم على الماء ، والخدم قد انتشروا في تفتيش الماء ، وهو كالواله ، فقال : لا تؤذيني يا عمّ ، فإنّ مقرطتي قد ذهبت من البركة إلى دجلة. والمقرطة سمكة كانت قد صيدت له ، وهي صغيرة ، فقرطها بحلقتي ذهب ،

__________________

= إلا لنقل النعيم من ملك

قد زال سلطانه إلى ملك

وفي البداية والنهاية :

إلا لنقل السلطان من ملك

قد انقضى ملكه إلى ملك

(١) الأبيات في : تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٧ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، والإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٢ ، ٩٣ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٢٨١ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٢٤٠ ، وتاريخ الخلفاء ٣٠٠ ، والهفوات النادرة ١١ وورد البيت الأول فقط في : مروج الذهب ٣ / ٤٠٢ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٨٦.

(٢) تجمع المصادر كلها على ذكر هذه الرواية ، باستثناء ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٣ حيث قال إن الأمين «كان بين يديه قدح بلّور اسمه زب رباح وكان يحبه ويحب الجارية حبّا شديدا فضربها به فانكسر وأدمى ساقها ...».

(٣) سورة يوسف ـ الآية ٤١.

(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٧ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٧ ، مروج الذهب ٣ / ٤٠٢ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء ٩٣ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨١ ، ٢٨٢ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٨٦ ، كمامة الزهر ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٤٠ ، تاريخ الخلفاء ٣٠٠ ، الهفوات النادرة ١٠ ، ١١ ، أخبار الحمقى ٤٨ ، ثمرات الأوراق ١٨٦.

(٥) مروج الذهب ٣ / ٤٠٢ ، ٤٠٣.

٥٧

فيها جوهرتان ، وقيل ياقوتتان ، فخرجت وأنا آيس من فلاحه.

شدّة بطش الأمين

وكان محمد فيما نقل «المسعوديّ» ، في نهاية الشدّة والبطش والحسن ، إلّا أنّه كان مهينا ، عاجز الرأي ، ضعيف التدبير (١).

وحكي أنّه اصطبح يوما ، فأتي بسبع هائل على جمل في قفص ، فوضع بباب القصر ، فقال : افتحوا القفص وخلّوه.

فقيل : يا أمير المؤمنين ، إنّه سبع هائل أسود كالثور ، كثير الشّعر.

قال : خلّوا عنه.

ففعلوا ، فخرج فزأر وضرب بذنبه الأرض ، فتهارب الناس ، وأغلقت الأبواب ، وبقي الأمين وحده غير مكترث. فأتاه الأسد وقصده ورفع يده ، فجذبه الأمين وقبض على ذنبه ، وغمزه وهزّه ورماه إلى الخلف ، فوقع السّبع على عجزه ميتا. وجلس الأمين كأنّه لم يعمل شيئا. وإذا أصابعه قد تخلّعت. فشقّوا بطن الأسد فإذا مرارته قد انشقّت على كبده (٢).

الإشارة على الأمين بالخروج إلى الجزيزة والشام

وعن محمد بن عيسى الجلوديّ قال : دخل على محمد بن زبيدة : حاتم بن صقر ، ومحمد بن الأغلب الإفريقيّ ، وقوّاده ، فقالوا : قد آلت حالنا إلى ما ترى ، وقد رأينا أن تختار سبعة آلاف رجل من الجند فتحملهم على هذه السبعة آلاف فرس التي عندك ، وتخرج ليلا ، فإنّ اللّيل لأهله ، فتلحق بالجزيرة والشام ، وتصير في مملكة واسعة يتسارع إليك الناس. فعزم على ذلك ، فبلغ الخبر إلى طاهر ، فكتب إلى سليمان بن المنصور ، وإلى محمد بن عيسى بن نهيك ، والسّندي بن شاهك : لئن لم تردّوه عن هذا الرأي لا تركت لكم ضيعة. فدخلوا على محمد ، وخوّفوه من الذين أشاروا عليه أنّهم يأخذونه أسيرا ، ويتقرّبون به إلى المأمون. وضربوا له الأمثال ، فخاف

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٤٠٣.

(٢) مروج الذهب ٣ / ٤٠٣ ، وانظر : كمامة الزهر ٢٤٨ ، ونهاية الأرب ٢٢ / ١٨٧ ، ١٨٨.

٥٨

ورجع إلى قبول ما يبذلونه له من الأيمان ، ويخرج إلى هرثمة (١).

النصح للأمين بالاستسلام لهرثمة

وعن عليّ بن يزيد قال : وفارق محمدا : سليمان بن المنصور ، وإبراهيم بن المهديّ ولحق بعسكر المهديّ. وقوي الحصار على محمد يوم الخميس والجمعة والسبت ، وأشار عليه السنديّ بأنّه ليس له فرج إلّا عند هرثمة. فقال : وكيف لي بهرثمة وقد أحاط الموت بي من كلّ جانب؟ فلما همّ بالخروج إليه من دون طاهر ، اشتدّ ذلك على طاهر وقال : هو في جندي ، وأنا أخرجته بالحرب ، ولا أرضى أن يخرج إلى هرثمة دوني.

فقالوا له : هو خائف منك ، ولكن يدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة ، فلا يفسد هذا الأمر. فرضي بذلك (٢).

وقوع الأمين في الأسر

ثم إنّ الهرش لمّا علم بذلك أراد التقرّب إلى قلب طاهر ، فقال في كتاب إليه : الّذي قالوه لك مكر ، ولا يدفعون إليك شيئا. فاغتاظ وكمن حول قصر أمّ جعفر في السلاح والرجال ، وذلك لخمس بقين من المحرّم. فلما خرج محمد وصار في الحرّاقة رموه بالنّشّاب والحجارة ، فانكفأت الحرّاقة ، وغرق محمد وهرثمة ، ومن كان بها. فسبح محمد حتى صار إلى بستان موسى ، فعرفه محمد بن حميد الطّاهريّ ، فصاح بأصحابه ، فنزلوا ليأخذوه ، فبادر محمد الماء ، فأخذ برجله وحمل على برذون ، وخلفه من يمسكه كالأسير (٣).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٧٨ ، ٤٧٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٧ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٨٤.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٠ ـ ٤٨٢ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٢٨٤ ، خلاصة الذهب المسبوك ١٨٤ ، ١٨٥ ، تاريخ مختصر الدول ١٣٣.

(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، خلاصة الذهب ١٨٥ ، البدء والتاريخ ٦ / ١١٠.

٥٩

ما روي حول أسر الأمين

وعن خطّاب بن زياد أنّ محمدا وهرثمة لما غرقا أتانا محمد بن حميد ، فأسر إلى طاهر أنّه أسر محمدا. فدعا طاهر بمولاه قريش الدّندانيّ ، وأمره بقتل محمد (١).

وأمّا المدائنيّ فروى عن محمد بن عيسى الجلوديّ : أنّ محمدا دعا بعد العشاء بفرس أدهم كان يسميه الزّهيريّ ، وقبّل ولديه ، ودمعت عيناه. ثم ركب وخرجنا بين يديه ، فركبنا دوابّنا ، وبين يديه شمعة ، وأنا أقيه بيدي خوفا من أن تجيئه ضربة سيف بغتة. ففتح لنا باب خراسان ، وخرجنا إلى المشرعة ، فإذا حرّاقة هرثمة ، فنزلنا ورجعنا بالفرس وغلّقنا باب المدينة ، ثم سمعنا الضّجّة ، فصعدنا إلى أعلى الباب (٢).

وذكر عن أحمد بن سلّام صاحب المظالم قال : كنت فيمن كان مع هرثمة من القوّاد في الحرّاقة ، فلما دخل محمد الحرّاقة قمنا له ، وجثا هرثمة على ركبتيه فقال : يا سيّدي ، لم أقدر على القيام لمكان النّقرس. ثم قبّل يديه ورجليه ، وجعل يقول : يا سيّدي ومولاي ، وابن مولاي. وجعل يتصفّح وجوهنا ، ونظر إلى عبيد الله بن الوضّاح ، فقال : أيّهم أنت؟ قال : عبيد الله. قال : جزاك الله خيرا ، فما أشكرني لما كان منك في أمر الثلج.

فشدّ علينا أصحاب طاهر في الزواريق والحرّاقات ، وصبّحوا ، وتعلّق بعضهم بالحرّاقة ، وبعضهم يسوقها ، وبعضهم يرمي بالآجرّ والنّشّاب ، فنقبت الحرّاقة ، ودخلها الماء وغرقت. فعلق الملّاح بشعر هرثمة ، فأخرجه وخرجنا. وشقّ محمد عنه ثيابه ورمى بنفسه. فطلعت فعلق بي رجل من أصحاب طاهر ، وذهب بي إليه ، فقال : ما فعل محمد؟ قلت : قد رأيته حين شقّ ثيابه وقذف بنفسه. فركب ، وأخذت معهم وفي عنقي حبل ، وأنا أعدو ، فتعبت. فقال الّذي يجنبني : هذا ليس يصاد. فقال : انزل فجزّ رأسه.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٣ ، خلاصة الذهب ١٨٥.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٤٨٣ ، ٤٨٤ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٣٨ ، مروج الذهب ٣ / ٤١٩.

٦٠