الإعتماد في شرح واجب الإعتقاد

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

الإعتماد في شرح واجب الإعتقاد

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: صفاء الدين البصري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٥

لمعارضة القرآن عجز منهم ، فيكون معجزا ، لأنّ معنى المعجز : هو ما عجز الغير عن الإتيان بمثله ، فثبت أنّ القرآن معجزة (١).

وكذلك صدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات كثيرة كانشقاق القمر (٢) ، ونبوع الماء من بين أصابعه (٣) ، وشكاية النّاقة (٤) (٥) ، وكلام الذّراع المسمومة (٦) ،

__________________

(١) «ج» : معجز.

(٢) انشقّ القمر له (ص) بنصفين بمكّة في أوّل مبعثه ، وقد نطق به القرآن ، وقد صحّ عن عبد الله بن مسعود ، أنّه قال : انشقّ القمر حتّى صار فرقتين ، فقال كفّار أهل مكّة : هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة ، انظروا السّفّار ، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به ، قال : فسئل السّفّار ـ وقد قدموا من كلّ وجه ـ فقالوا : رأيناه. إعلام الورى : ٣٨.

(٣) وذلك أنّهم كانوا معه في سفر ، فشكوا أن لا ماء معهم ، وأنّهم بمعرض التّلف وسبيل العطب ، فقال : كلّا ، إنّ معي ربّي ، عليه توكّلت ، ثمّ دعا بركوة فصبّ فيها ماء ما كان ليروي ضعيفا ، وجعل يده فيها ، فنبع الماء من بين أصابعه ، فصيح في النّاس فشربوا وسقوا حتّى نهلوا وعلوّا وهم ألوف ، وهو يقول : أشهد أنّي رسول الله حقّا. إعلام الورى : ٣٢.

(٤) «ج» : البعير.

(٥) وذلك عند رجوعه إلى المدينة من غزاة بني ثعلبة ، فقال : أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قال جابر : قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنّه يخبرني أنّ صاحبه عمل عليه حتّى اذا أكبره وأدبره وأهزله أراد نحره وبيعه لحما ، يا جابر اذهب معه إلى صاحبه فأتني به ، قال : قلت : والله ما أعرف صاحبه ، قال : هو يدلّك ، قال : فخرجت معه حتّى انتهيت إلى بني حنظلة أو بني واقف ، قلت : أيّكم صاحب هذا البعير؟ قال بعضهم : أنا ، قلت : أجب رسول الله (ص) ، فجئت أنا وهو والبعير إلى رسول الله (ص) ، فقال : بعيرك هذا يخبرني بكذا وكذا؟ قال : قد كان ذلك يا رسول الله ، قال : فبعنيه ، قال : هو لك ، قال : بل بعنيه ، فاشتراه رسول الله (ص) ثمّ ضرب على صفحته ، فتركه يرعى في ضواحي المدينة ، فكان الرّجل منّا إذا أراد الرّوحة والغدوة منحه رسول الله (ص) ، قال جابر : فرأيته وقد ذهبت دبرته ، ورجعت إليه نفسه. إعلام الورى : ٣٩.

(٦) وهو أنّه اتي بشاة مسمومة أهدتها له امرأة من اليهود بخيبر ، وكانت سألت أيّ شيء أحبّ إلى رسول الله (ص) من الشّاة؟ فقيل لها : الذّراع ، فسمّت الذّراع ، فدعا (ص) أصحابه إليه فوضع يده ، ثمّ قال : ارفعوا فإنّها تخبرني بأنّها مسمومة.

قال الفضل بن الحسن الطّبرسي : ولو كان ذلك لعلّة الارتياب باليهوديّة ، لما قبلها بدءا ولا جمع عليها أصحابه وقد كان (ص) تناول منها أقلّ شيء قبل أن كلّمته ، وكان يعاوده كلّ سنة ، حتّى جعل الله ذلك سبب الشّهادة ، وكان ذلك بابا من التّمحيص ، ليعلم أنّه (ص) مخلوق. إعلام الورى : ٣٥.

٨١

ومجىء الشّجرة إليه (١).

الثّالث : انّ كلّ من ادّعى النّبوّة وظهر على يده المعجزات (٢) يجب أن يكون صادقا ، وذلك لأنّ المعجز من أفعال (٣) الله تعالى ـ كما ذكرنا ـ فلو كان المدّعي كاذبا في دعواه وأظهر [الله] المعجز على يده ، لكان تصديقا للكاذب ، وتصديق الكاذب قبيح. وقد ثبت أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، فلا يجوز عليه تصديق الكاذب ، فثبت أنّه نبيّ صادق ، فيجب تصديقه في جميع ما أخبر به عن الله تعالى من

__________________

يقول الإمام الباقر (ع) :

إنّ رسول الله (ص) اتي باليهوديّة الّتي سمّت الشّاة للنّبيّ (ص) ، فقال لها : ما حملك على ما صنعت؟ فقالت : قلت : إن كان نبيّا لم يضرّه ، وإن كان ملكا أرحت النّاس منه ، قال : فعفا رسول الله (ص) عنها. انظر : الوسائل ٨ : ٥١٩ الباب ١٢ من أبواب أحكام العشرة ، ح ٣.

(١) ذكرها أمير المؤمنين (ع) في خطبته القاصعة [من نهج البلاغة : ٣٠١] قال : ولقد كنت معه (ص) لمّا أتاه الملأ من قريش ، فقالوا له : يا محمّد ، إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمرا إن أنت أجبتنا إليه وأريتناه ، علمنا أنّك نبيّ ورسول ، وإن لم تفعل ، علمنا أنّك ساحر كذّاب. فقال (ص) : وما تسألون؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشّجرة حتّى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك ، فقال (ص) : إنّ الله على كلّ شيء قدير ، فإن فعل الله لكم ذلك ، أتؤمنون وتشهدون بالحقّ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنّي سأريكم ما تطلبون ، وإنّي لأعلم أنّكم لا تفيئون إلى خير ، وإنّ فيكم من يطرح في القليب ، ومن يحزّب الأحزاب ، ثمّ قال (ص) : يا أيّتها الشّجرة ، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر ، وتعلمين أنّي رسول الله ، فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن الله. فو الّذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دويّ شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطّير ، حتّى وقفت بين يدي رسول الله (ص) ، وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه (ص) ، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا ـ علوّا واستكبارا ـ : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّا ، فكادت تلتفّ برسول الله (ص) ، فقالوا ـ كفرا وعتوّا ـ : فمر هذا النّصف فليرجع إلى نصفه ما كان ، فأمره (ص) فرجع ، فقلت أنا : لا إله إلّا الله ، إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول الله ، وأوّل من أقرّ بأنّ الشّجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا بنبوّتك ، وإجلالا لكلمتك. فقال القوم كلّهم : بل ساحر كذّاب ، عجيب السّحر ، خفيف فيه ، وهل يصدّقك في أمرك إلّا مثل هذا (يعنونني). انظر : إعلام الورى : ٣١.

(٢) «ج» : المعجز.

(٣) «ج» : فعل.

٨٢

دين الإسلام من التّكليف ، والنّشور ، والبعث ، والجنّة ، والنّار ، والثّواب ، والعقاب ، وغير ذلك من أحكام الشّرع.

وقوله : والمقدّمتان ، أي ادّعاء النّبوّة ، وإظهار المعجزة (١) على يده ، وكلّ من كان كذلك كان نبيّا ، قطعيتان ، أي : يقينيّتان ، لأنّهما من المقدّمات المعلومة بالتّواتر الّذي يفيد العلم الضّروريّ.

قال «قدّس الله روحه» :

ويجب أن يعتقد أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم ، وإلّا لارتفع الوثوق عن إخباراته ، فتبطل فائدة البعثة.

أقول : من صفات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كونه معصوما. وقد تقدّم معنى العصمة (٢).

والدّليل على أنّه معصوم : أنّه لو لم يكن معصوما ، لجاز عليه الخطأ ، ومع تجويز الخطأ عليه لا يختصّ الجواز بنوع من الخطأ دون نوع ، ومن جملة الخطأ : الكذب ، فلو لم يكن معصوما ، لجوّز المكلّفون عند أمره لهم ونهيه إيّاهم أن (٣) يكون كاذبا في ذلك ، فلا يمتثلون ما يأمرهم به وينهاهم عنه ، فتنتفي فائدة البعثة ، لأنّ فائدة البعثة تبليغ التّكليف من الله تعالى للمكلّف (٤) ، وفيه تعريض لهم للثّواب الّذي هو وجه حسن التكليف ، فلا يكون في بعثة الأنبياء فائدة ، وكلّ ما لا فائدة فيه فهو عبث ، والعبث قبيح ، والقبيح لا يصدر منه (٥).

قال «قدّس الله روحه» :

__________________

(١) «ج» : المعجز.

(٢) راجع ص : ٤٢.

(٣) «ج» : أنّه.

(٤) «ج» : للمكلّفين.

(٥) «ج» : عنه.

٨٣

ويجب أن يعتقد أنّه خاتم الرّسل ، لأنّه معلوم بالضّرورة من دينه عليه‌السلام.

أقول : الأنبياء السّابقون على نبيّنا [محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] (١) نسخت شريعة المتقدّم منهم شريعة المتأخّر ، لما علم الله تعالى في ذلك من المصلحة بحسب اختلاف الزّمان (٢) والأشخاص ، فإنّ الشّيء قد يكون مصلحة في زمان ، فيحصل التّكليف به ، ثمّ يزول كونه مصلحة في زمان آخر ، فينسخ التّكليف به ، لخروجه عن كونه مصلحة ، ونبوّة نبيّنا [محمّد] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تنسخ ، وعلى شرعه تقوم السّاعة.

والدّليل عليه من وجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٣) وإنّما يكون خاتمهم إذا لم يكن بعده نبيّ.

الثّاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا نبيّ بعدي) (٤).

الثّالث : إجماع المسلمين كافّة على ذلك.

__________________

(١) ليست في النّسخة الحجريّة.

(٢) «ج» : الأزمان.

(٣) الأحزاب : ٤٠.

(٤) صحيح البخاريّ ٥ : ٢٤ ، كنز العمّال ١١ : ٥٩٩ ح ٣٢٨٨١ ، مجمع الزّوائد ٩ : ١٠٩.

٨٤

الرّكن الرّابع : فى الإمامة

٨٥
٨٦

قال «قدّس الله روحه» :

ويجب أن يعتقد أنّ الإمام الحقّ من بعده بلا فصل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ عليه نصّا متواترا بالخلافة ، ولأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، لأنّ الإمامة لطف ، لأنّ النّاس إذا كان لهم رئيس مرشد ، كانوا إلى الصّلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد ، واللّطف واجب على الله تعالى ، فتعيّن عليه نصب الإمام.

وذلك الإمام لا يجوز أن يكون جائز الخطأ ، وإلّا لافتقر إلى إمام آخر ، ويتسلسل ، فثبت أنّه معصوم ، [و] غير علي بن أبي طالب عليه‌السلام ممّن ادّعي [فيه] الإمامة بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بمعصوم ، بالإجماع ، والأدلّة في ذلك أكثر من أن تحصى.

أقول : هذا هو الرّكن الرّابع من أركان الإيمان ، وهو ركن الإمامة. والإمامة : رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص في أمور الدّين والدّنيا بحقّ الأصالة ، وهي واجبة على الله تعالى ، لما يأتي.

والإمام الحقّ بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والدّليل عليه من وجوه (١) :

الأوّل : النّصّ عليه من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخلافة ، كقوله (٢) عليه‌السلام : (أنت الخليفة من بعدي (٣)) وقد نقل ذلك الشّيعة نقلا متواترا.

__________________

(١) أورد العلّامة «قدس الله روحه» في كتابه : نهج الحق وكشف الصّدق : ١٧٢ ـ ٢٣١ ، فصلين ممتعين في طريق تعيين إمامة مولانا أمير المؤمنين (ع) بالقرآن والسّنّة ، مع إيراد روايات مختلفة من كتب السّنّة ومصادرهم المعتبرة ، في كونها كلّها في بيان إمامته وأفضليّته بعد رسول الله (ص) ، فليراجع.

(٢) «ج» : لقوله.

(٣) الخصال ٢ : ٥٥٥ باختلاف يسير ، وكذا رواه الخوارزميّ في مقتل الحسين (ع) : ٩٤ ، والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٧٠.

٨٧

وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين بن عليّ عليهما‌السلام : (أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمّة تسعة ؛ تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا) (٢).

الثّاني : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، ولا معصوم سواه ، فيجب أن يكون هو الإمام دون غيره ، وإنما قلنا : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، لأنّ الإمامة لطف ، لأنّ معنى اللّطف : ما يكون المكلّف معه أقرب إلى [فعل] الطّاعة ، وأبعد عن [فعل] المعصية ، والإمامة كذلك ، لأنّ النّاس إذا كان لهم رئيس قاهر يحثّ النّاس إلى (٣) فعل الطّاعات ويأمرهم بفعل الواجبات ، ويزجرهم عن تركها ، ويتوعّدهم على فعل القبائح ، ويزجرهم عنها ، ويرغّبهم في تركها ، وينتصف للمظلوم من الظّالم ، كانوا إلى الطّاعة أقرب وعن (٤) المعصية أبعد ، ولا معنى للّطف إلّا ذلك. فثبت أنّ نصب الإمام لطف ، وكلّ لطف واجب على الله تعالى.

وإنّما قلنا : انّ اللطف واجب على الله تعالى ، لأنّه تعالى لمّا أراد من المكلّفين وقوع ما كلّفهم [به] ، وعلم أنّهم لا يختارون ذلك إلّا إذا فعل فعلا يختارون معه ذلك الفعل الّذي كلّفهم به ، ولا مشقّة عليه : [فيجب في حكمته] فعل ذلك الفعل ، وإلّا لكان ناقضا لغرضه ، ونقض الغرض سفه (٥) قبيح ـ تعالى الله عن ذلك ـ وجرى ذلك مجرى من صنع وليمة وأراد حضور شخص [إلى] تلك الوليمة ، وعلم أنّه لا يحضرها إلّا إذا مشى إليه ، أو أرسل إليه رسولا ، فلو لم يفعل ذلك مع إرادته لحضوره ، كان ناقضا لغرضه. فثبت أنّ نصب الإمام واجب على الله تعالى.

__________________

(١) «ج» : ولقوله.

(٢) الخصال ٢ : ٤٦٩ ، ٤٧٥ ، عيون أخبار الرّضا ١ : ٥٢.

(٣) «ج» : على.

(٤) «ج» : ومن.

(٥) في النّسخة الحجريّة : فيه في حكمه.

٨٨

فنقول (١) : ذلك الإمام الّذي يجب على الله [تعالى] نصبه ، لا يجوز أن يكون ممّن يجوز وقوع الخطأ منه ، وإلّا لاحتاج إلى إمام آخر يردّه عن خطئه ، لأنّ علّة احتياج النّاس إلى الإمام هي جواز الخطأ عليهم ، فإذا كان جائز الخطأ ، احتاج إلى إمام كما احتاجت الامّة إلى الإمام (٢) ، لمشاركته لهم في علّة الاحتياج إلى الإمام ، ويحتاج الإمام الثّاني إلى الثّالث (٣) ، وهكذا ، ويلزم التّسلسل ، وهو محال. وإذا لزم المحال من فرض كون الإمام غير معصوم ، فيجب أن يكون معصوما ، وهو المطلوب.

فنقول : ذلك الإمام المعصوم لا يخلو من أحد الأشخاص الثّلاثة [الّذين] ادّعيت لهم الإمامة بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم : عليّ عليه‌السلام ، والعبّاس رضي الله عنه ، وأبو بكر ، لا يجوز (٤) أن يكون كلّ واحد من العبّاس وأبي بكر إماما ، للاتّفاق على عدم عصمتها ، فيكون القول بإمامتهما قولا بإمامة غير المعصوم ، وهو مخالف لما دلّ عليه الدّليل من وجوب عصمة الإمام ، فيكون باطلا.

فيجب أن يكون قول من ادّعى الإمامة لعليّ عليه‌السلام حقّا ، لاعتقادهم وجوب عصمته (٥) ، لأنّه لو لم يكن قولهم حقّا للزم أن يكون هناك قول بإمامة إمام معصوم غير عليّ ، وهو قول خارق للإجماع.

والأدلّة في ذلك كثيرة (٦).

__________________

(١) «ج» : فيقول.

(٢) «ج» : إمام.

(٣) «ج» : ثالث.

(٤) «ج» : جائز.

(٥) «ج» : العصمة.

(٦) من أراد استقصاءها ، فليرجع إلى كتاب : الألفين في إمامة مولانا أمير المؤمنين (ع) ، للمصنّف «قدّس الله روحه» ، فقد ذكر فيه بحوثا وافية في الإمامة بأدلّة كافية ، لم يسبقه إليها غيره من علمائنا على كثرة مصنّفاتهم في الإمامة ، حيث يقول فيه : أوردت فيه من الأدلّة اليقينيّة ، والبراهين العقليّة والنّقلية ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب (ع) ، وألف دليل على إبطال شبه الطّاعنين.

٨٩

منها : قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) والوليّ المراد به : الأولى (٢) ، لاستعمال ذلك في اللّغة ، وعطف سبحانه ولاية رسوله على ولاية الله ، وعطف ولاية الّذين آمنوا على ولاية الرّسول ، فيجب طاعة الّذين آمنوا كما وجب طاعة الله وطاعة رسوله ، لأنّ حكم المعطوف حكم المعطوف عليه. والمراد بالّذين آمنوا : بعض المؤمنين ، وهو عليّ عليه‌السلام ، لأنّه وصف بصفة لم تحصل لغيره ، وهو إيتاء الزكاة في حال ركوعه ، فيجب أن يكون هو الأولى بالتّصرّف في الأمّة ، وذلك صفة الإمام.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) قال الشيخ الطّوسي «رحمه‌الله» :

وجه الدّلالة من الآية أنّه قد ثبت أنّ الوليّ في الآية بمعنى : الأحقّ ، والأولى ، وثبت أنّ المعنيّ بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أمير المؤمنين (ع) ، وإذا ثبت هذان الأصلان دلّ على إمامته (ع) ، لأنّ كلّ من قال : انّ معنى الوليّ في الآية ما ذكرناه قال : إنّها مخصوصة فيه ، ومن قال : إنّها مخصوصة ، قال : إنّ المراد بها الإمامة.

فإن قيل : دلّوا على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى : الأولى والأحقّ ، ثمّ على أنّ المراد به في الآية ذلك ، ثمّ بيّنوا توجّهها إلى أمير المؤمنين (ع).

قيل له : أمّا الّذي يدلّ على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى : الأولى استعمال أهل اللّغة ، لأنّهم يقولون في السّلطان المالك للأمر : فلان وليّ الأمر ، وقال الكميت :

ونعم وليّ الأمر بعد وليّه

ومنتجع التّقوى ونعم المؤدّب

ويقولون : فلان وليّ العهد ، في من استخلف للأمر ، لأنّه أولى بمقامه من غيره ، وروي عن النّبيّ (ص) : (أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها ، فنكاحها باطل) وإنّما أراد به من يكون أولى بالعقد عليها ، وقال الله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) يعني : من يكون أولى بحوز الميراث من بني العمّ. وقال المبرّد في كتابه المعروف بالعبارة عن صفات الله : إنّ أصل الوليّ هو : الأولى ، والأحقّ ، وكذلك المولى ، فجعل الثّلاث عبارات بمعنى واحد. وشواهد ما ذكرنا كثيرة في كتب اللّغة.

فامّا الّذي يدلّ على أنّ المراد به في الآية ما ذكرناه ، هو أنّ الله تعالى نفى أن يكون لنا وليّ غير الله وغير رسوله والّذين آمنوا بلفظة : «إنّما» ، ولو كان المراد به الموالاة في الدّين لما خصّ بها المذكورين ، لأنّ الموالاة في الدّين عامّة في المؤمنين كلّهم ، قال الله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).

٩٠

__________________

والّذي يدلّ على أنّ لفظة «أنّما» تفيد التّخصيص أنّ القائل إذا قال : إنّما لك عندي درهم ، فهم منه نفي ما زاد عليه ، وجرى مجرى : ليس لك عندي إلّا درهم. وكذلك إذا قالوا : إنّما النّحاة المدقّقون البصريّون ، فهم نفي التّدقيق عن غيرهم. وكذلك إذا قالوا : إنّما السّخاء سخاء حاتم ، فهم نفي السّخاء عن غيره ، وقد قال الأعشى :

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر

وأراد نفي العزّة عمّن ليس بكاثر ، وقد روي عن النّبيّ (ص) : (إنّما الماء من الماء) واحتجّ بذلك الأنصار في نفي الماء من غير الماء ، وادّعى من خالفهم نسخ الخبر ، فعلم أنّهم فهموا منه التخصيص ، والّا كانوا يقولون : (إِنَّما) لا تفيد الاختصاص بوجوب الماء من الماء.

والّذي يدلّ على أنّ الولاية في الآية مختصّة ، أنّه قال : (وَلِيُّكُمُ) فخاطب به جميع المؤمنين جملتهم ودخل في ذلك النّبيّ وغيره ، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج النّبي ـ عليه وآله السّلام ـ من جملتهم ، لكونهم مضافين إلى ولايته ، فلمّا قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وجب أيضا أنّ الّذي خوطب بالآية غير الّذي جعلت له الولاية ، وإلّا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه ، وأدّى إلى أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه ، وذلك محال.

وإذا ثبت أنّ المراد في الآية ما ذكرناه ، والّذي يدلّ على أنّ أمير المؤمنين (ع) هو المختصّ بها أشياء :

منها : أنّ كلّ من قال : إنّ معنى الوليّ في الآية معنى الأحقّ ، قال : إنّه هو المخصوص به ، ومن خالف في اختصاص الآية فجعل الآية عامّة في المؤمنين ، وذلك قد أبطلناه.

ومنها : أنّ النّقل حاصل من الطّائفتين المختلفتين والفرقتين المتباينتين من الشّيعة وأصحاب الحديث انّ الآية خاصّة في أمير المؤمنين (ع).

ومنها : أنّ الله تعالى وصف الّذين آمنوا بصفات ليست موجودة إلّا فيه ، لأنّه قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) فبيّن أنّ المعنيّ بالآية هو الّذي آتى الزّكاة في حال الرّكوع ، وأجمعت الامّة على أنّه لم يؤت أحد الزّكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين (ع).

وليس لأحد أن يقول : انّ قوله : (وهم راكعون) ليس هو حالا لإيتاء الزّكاة ، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزّكاة ، لأنّ ذلك خلاف للّغة ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : لقيت فلانا وهو راكب ، لم يفهم منه إلّا لقاؤه في حال الرّكوب ، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الرّكوب. وإذا قال : رأيته وهو جالس ، أو جاءني وهو ماش ، لم يفهم من ذلك كلّه إلّا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا. وإذا ثبت ذلك ، وجب أن يكون حكم الآية أيضا هذا الحكم.

فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) أي : يؤتون الزّكاة متواضعين ، كما قال الشّاعر :

٩١

__________________

لا تهين الكريم علّك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه

وإنّما أراد به علّك أن تخضع يوما.

قيل له : الرّكوع هو التّواطؤ المخصوص ، وإنّما يقال للخضوع ركوع تشبيها ومجازا ، لأنّ فيه ضربا من الانخفاض ، والّذي يدلّ على ما قلناه : ما نصّ عليه أهل اللّغة ، ذكر صاحب كتاب العين فقال : كلّ شيء ينكبّ لوجهه فيمسّ ركبته الأرض أو لا يمسّ بعد أن يطأطئ رأسه ، فهو راكع. وقال ابن دريد : الرّاكع : الّذي يكبو على وجهه ، ومنه الرّكوع في الصّلاة ، قال الشّاعر :

وافلت حاجب فوق العوالي

على شقّاء تركع في الظّراب

أي : تكبو على وجهها. وإذا ثبت أنّ الحقيقة في الرّكوع ، ما ذكرناه لم يسع حمله على المجاز من غير ضرورة.

فإن قيل : قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) لفظه عامّ ، كيف يجوز لكم حمله على الواحد ، وهل ذلك إلّا ترك للظّاهر؟! قيل له : قد يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان عظيم الشّأن عالي الذّكر ، قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وهو واحد ، وقال : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) وقال : (ربّ ارجعون) ونظائر ذلك كثيرة. وأجمع المفسّرون على أنّ قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أنّ المراد بقوله : (النّاس) الأوّل : نعيم بن مسعود الأشجعيّ ، وقال تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعني : رسول الله (ص) وقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) نزلت في عبد الله بن أبي سلول ، وإذا كان ذلك مستعملا على ما قلناه ، فكذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) نحمله على الواحد الّذي بيّنّاه.

فإن قيل : أليس قد روي أنّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه فما أنكرتم أن يكون المعنيّ ب : (الّذين آمنوا) هم دون من ذهبتم إليه.

قلنا : أوّلا ما نقول إنّا إذا دللنا على أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (ع) بنقل الطّائفتين المختلفتين ، وإنّما ذكرناه من اعتبار الصّفة المذكورة في الآية وأنّها ليست حاصلة في غيره فقد بطل ما روى من هذه الرّواية.

على أنّ الّذي روي من خبر عبد الله بن سلام خلاف ما ذهب إليه السّائل ، وذلك أنّه روي أنّ عبد الله بن سلام كان بينه وبين اليهود محالفة فلمّا أسلموا قطعت اليهود محالفته وتبرّءوا منهم فاغتمّ بذلك هو وأصحابه ، فأنزل الله هذه الآية تسلية لعبد الله بن سلام وأنّه قد عوّضهم من محالفة اليهود ولاية الله وولاية

٩٢

__________________

رسوله وولاية الّذين آمنوا.

والّذي يكشف عن ذلك أنّه قد روي أنّه لمّا نزلت الآية خرج النّبيّ (ص) من البيت فقال لبعض أصحابه : هل أحد أعطى السّائل شيئا؟ فقالوا : نعم يا رسول الله ، قد أعطى عليّ بن أبي طالب السّائل خاتمه وهو راكع ، فقال النّبيّ (ص) : الله أكبر ، قد أنزل الله فيه قرآنا ، ثمّ تلا الآية إلى آخرها ، وفي ذلك بطلان ما توهّمه السّائل. المفصح في إمامة أمير المؤمنين والأئمّة (الرّسائل العشر) : ١٢٩ ـ ١٣٣.

وقد نقل العلّامة الأميني في كتابه الغدير ٢ : ٥٢ ، والإمام شرف الدّين الموسويّ في كتابه المراجعات : ١٦١ ما ذكره الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النّيسابوريّ الثّعلبيّ عند بلوغه هذه الآية من تفسيره الكبير بالإسناد إلى أبي ذرّ الغفاريّ ، قال : سمعت رسول الله (ص) بهاتين وإلّا صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلّا عميتا ، يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إنّي صلّيت مع رسول الله (ص) ذات يوم ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئا ، وكان عليّ راكعا ، فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها ، فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النّبيّ (ص) إلى الله عزوجل يدعوه ، فقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) فأوحيت إليه : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك ، فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدد به ظهري ، قال أبو ذرّ : فو الله ما استتمّ رسول الله (ص) الكلمة حتّى هبط عليه الأمين جبرئيل بهذه الآية : (إنّما وليّكم ...).

أقول : إنّ مسألة نزول هذه الآية الكريمة في حقّ مولانا أمير المؤمنين (ع) ممّا دلّت عليه الرّوايات المتواترة من الفريقين في مختلف الكتب والمصادر الحديثيّة والتّفسيريّة والكلاميّة والفقهيّة والتّأريخية ، وقد نصّ على صحّة هذه الرّوايات والوثوق بها والتّعويل عليها : أعاظم علماء السّنّة بمختلف مذاهبهم ومدارسهم ، وقد ذكر العلّامة الأميني «رحمه‌الله» منهم جمعا غفيرا مع ذكر كتبهم ، فليراجع.

٩٣

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير : (من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث ما دار) (١) والمولى المراد به : الأولى أيضا ، لاستعمال ذلك في اللّغة.

ومنها : قوله [عليه‌السلام] (٢) : (سلّموا [على عليّ] (٣) بإمرة المؤمنين) (٤).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا النّبوّة) (٥) ومن جملتها : كونه خليفة له ، فيجب أن يكون عليّ خليفة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال «قدّس الله روحه» :

ويجب أن يعتقد أنّ الإمام من بعد علي عليه‌السلام : ولده الحسن ، ثمّ [من بعده] الحسين ، ثمّ عليّ ، ثمّ محمّد ، ثمّ جعفر ، ثمّ موسى ، ثمّ عليّ ، ثمّ محمّد ، ثمّ

__________________

(١) أخرج هذا الحديث متواترا جمع غفير من علماء الطائفتين : من أئمّة الحديث والتّفسير والكلام والتّأريخ ، فمن طريق العامّة ، راجع : شواهد التّنزيل ١ : ١٨٧ ، الدّرّ المنثور ٢ : ٢٩٨ ، فتح القدير ٣ : ٥٧ ، روح المعاني ٦ : ١٦٨ ، المنار ٦ : ٤٦٣ ، تفسير الطّبريّ ٦ : ١٩٨ ، الصّواعق المحرقة : ٧٥ ، مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ، ٣٦٨ ، ٣٧٠ ، مجمع الزّوائد ٩ : ١٠٣ ، كنز العمّال ١١ : ٦٠٩.

ومن طريق الخاصّة : فقد رواه الشّيخ الصّدوق في أكثر كتبه ، راجع : الخصال ٢ : ٤٧٩ ، علل الشّرائع ١ : ١٤٤ ، عيون أخبار الرّضا ٢ : ٤٧ ، ٥٩ ، معاني الأخبار ١ : ٦٥ ، ٦٧ ، التّوحيد : ٢١٢ ، وقد ألّف العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأميني في هذا الحديث كتابا أسماه «الغدير» بلغ ١١ مجلّدا ضخما ، راجع الجزء ١ : ١١ ـ ١٥٢.

(٢) «ج» : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) «ج» : عليه.

(٤) أصول الكافي ١ : ٢٩٢.

(٥) انظر : صحيح البخاريّ ٥ : ٢٤ ، صحيح مسلم ٤ : ١٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩ ، سنن التّرمذيّ ٢ : ٣٠ ، مسند أحمد ١ : ١٧ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٨٥ ، خصائص النّسائي : ١٥ ، ١٦ ، كنز العمّال ١١ : ٦٠٧ ، مجمع الزّوائد ٩ : ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ذخائر العقبى : ١٢٠ ، أسد الغابة ٤ : ٢٦ ، ج : ٥ : ٨.

ومن طريق الخاصّة ؛ رواه الشّيخ الصّدوق في : الخصال ١ : ٢١١ ، ٢ : ٤٥٥ ، وعلل الشّرائع ١ : ٢٢٢ ، وعيون أخبار الرّضا ٢ : ١٩٤ ، ومعاني الأخبار ١ : ٧٤.

٩٤

عليّ ، ثمّ الحسن ، ثمّ الخلف الحجّة «صلوات الله عليهم أجمعين» ، لأنّ كلّ إمام منهم نصّ على من بعده نصّا متواترا بالخلافة (١) ولأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وغيرهم ليس بمعصوم ، بإجماع المسلمين ، فتعيّنت الإمامة فيهم صلوات الله عليهم أجمعين.

أقول : أئمّة الحقّ بعد عليّ عليه‌السلام أحد عشر إماما ، وهم : السّبطان الحسن والحسين ابنا عليّ بن أبي طالب ، وعليّ بن الحسين زين العابدين ، ومحمّد بن عليّ الباقر ، وجعفر بن محمّد الصّادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعليّ بن موسى [الرّضا] ، ومحمّد بن عليّ التّقيّ الجواد ، وعليّ بن محمّد النّقيّ الهادي ، والحسن بن عليّ العسكريّ ، والخلف الصّالح (٢) المهديّ محمّد بن الحسن ، صاحب الزّمان «صلوات الله عليهم أجمعين».

والدّليل على إمامتهم ؛ من وجوه :

الأوّل : النّصّ من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما تقدّم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام : (أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمّة تسعة ؛ تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا) (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عدد الأئمّة من بعدي عدد نقباء بني إسرائيل) (٤).

__________________

(١) جاء ذلك في روايات كثيرة ، منها : ما روي أنّ الله تعالى أنزل إلى النّبيّ (ص) كتابا مختوما باثني عشر خاتما ، وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين (ع) ، ويأمره أن يفضّ الخاتم الأوّل فيه ، فيعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى الحسن (ع) ، ويأمره بفضّ الخاتم الثّاني ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسين ، فيفضّ الخاتم الثّالث ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى ابنه عليّ بن الحسين ويأمره بمثل ذلك ، ثمّ يدفعه إلى ابنه محمّد بن عليّ ، ويأمره بمثل ذلك ، ثمّ يدفعه إلى ولده ، حتّى ينتهي إلى آخر الأئمّة (ع). إعلام الورى : ٢٩١.

(٢) «ج» : الحجّة.

(٣) تقدّم تخريجه في ص : ٨٨.

(٤) مسند أحمد ١ : ٣٩٨ ، عوالي اللّئالي ٤ : ٩٠ ح ١٢٣ ، الخصال ٢ : ٤٦٧ ـ ٤٦٩ ، إحقاق الحقّ ١٣ : ٤٥ ، إثبات الهداة ١ : ٧١٧.

٩٥

وقوله عليه‌السلام : (يكون من بعدي اثنى عشر أميرا ؛ كلّهم من قريش) (١).

الثّاني : نصّ كلّ إمام منهم على من بعده كما نصّ عليّ عليه‌السلام على الحسن ، وهكذا إلى أن انتهى النّصّ من العسكريّ على ولده المهديّ عليه‌السلام.

الثّالث : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وغيرهم ممّن ادّعيت له الإمامة في زمان كلّ واحد منهم لم يكن معصوما بالإجماع ، فيجب أن يكون هو الإمام دون غيره.

قال «قدّس الله روحه» :

ويجب أن يعتقد أنّ الإمام الحجّة «صلوات الله عليه» حيّ موجود في كلّ زمان بعد موت أبيه الحسن عليه‌السلام ، لأنّ كلّ زمان لا بدّ فيه من إمام معصوم ، وغيره ليس بمعصوم بالإجماع ، وإلّا لخلا الزّمان من [إمام معصوم] (٢) مع أنّ اللّطف واجب على الله تعالى في كلّ وقت.

أقول : لمّا ثبت أنّ الإمامة لطف [وانّ اللّطف] واجب على الله تعالى ، وأنّ الله تعالى حكيم لا يخلّ بالواجب ، وأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وأن لا معصوم سوى الأئمّة الاثني عشر ، وجب القول بوجود الإمام الثّاني عشر ، وهو المهديّ محمّد بن الحسن «صلوات الله عليه» ، وبقاؤه إلى منتهى الدّنيا (٣).

__________________

(١) سنن التّرمذيّ ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، وقريبا منه في صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ ، الغيبة : ٨٨ ، الخصال ٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧٥ ، عيون أخبار الرّضا ١ : ٥١.

(٢) «ج» : الإمام.

(٣) من المؤسف حقّا أن نرى الكثيرين ممّن يعيب على الإماميّة اعتقادهم بحياة المهديّ المنتظر (ع) طيلة هذه المدّة ، أي : أكثر من اثني عشر قرنا من الزّمن ، في حين أنّ مسألة بقاء الإنسان مئات السّنين في عالم الدّنيا بهذا الجسم العنصريّ جائز وممكن من وجهة نظر قرآنيّة ، وعلميّة ، وتجريبيّة :

أمّا القرآن الكريم ؛ فقد ذكر حياة النبيّ نوح (ع) وصرّح بأنّها امتدّت إلى ألف سنة إلّا خمسين عاما ، في قوله تعالى من سورة العنكبوت الآية : ١٤ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ

٩٦

__________________

عاما ، فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون).

ويذكر حياة النّبي يونس (ع) في قوله تعالى من سورة الصّافات الآية : ١٤٣ : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهو إشارة صريحة إلى أنّه (ع) لو لا تسبيحه لله ، لأمكن له أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم البعث.

وكذا يلوح من الآيات الواردة حول النّبيّ عيسى (ع) في أنّه حيّ يرزق ولم يمت ، بل رفعه الله إليه ، وسيظهر في آخر الزّمان مع مهديّ آل محمّد (ص) ويكون ناصرا له فيما أوكل إليه من تطهير الأرض من الظّلم والجور وملئها قسطا وعدلا ... وإلى غير ذلك من الشّواهد القرآنيّة الكثيرة ، الدّالّة على إمكان طول عمر الإنسان واستمرار حياته في عالم الدّنيا.

وأمّا من وجهة نظر علميّة : فحسبك شهادات الدّكاترة الأطبّاء ذوي الاختصاص في علم الطّب حول هذه المسألة ؛ فقد جاء في مجلّة المقتطف المصريّة ص ٢٣٩ من المجلّد ٥٩ ما نصّه : لكنّ العلماء الموثوق بعلمهم يقولون : إنّ كلّ الأنسجة الرئيسيّة من جسم الحيوان يقبل البقاء إلى ما لا نهاية له ، وأنّه في الإمكان أن يبقى الإنسان الوفاء من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته ، وقولهم هذا ليس مجرّد ظنّ بل هو نتيجة علميّة مؤيّدة بالامتحان ...

وقالوا في الصّفحة ٢٤٠ : وغاية ما ثبت الآن من التّجارب المذكورة أنّ الإنسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثّمانين أو مائة سنة ، بل لأنّ العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها ، ولارتباط بعضها ببعض تموت كلّها ، فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات من السّنين ...

ويقول الدّكتور هنري اسميس ـ استاذ جامعة كولومبيا ـ : إنّ تحديد العمر وحصره مشابه للجدار الصّوتيّ ، فكما أنّ العلم قد تمكّن من نسف هذا الجدار واختراقه ، فسيتمكن العلم كذلك من تحطيم جدار العمر.

ويقول هنري آلجس : لا بدّ من إيصال حدّ الموت في الأعمار المتوسّطة إلى نسبة الموت في الأطفال الّذين لم يبلغوا العاشرة ، واذا تحقّق ذلك أمكن للإنسان القادم أن يعيش ثمانمائة سنة.

وأمّا من وجهة نظر تجريبيّة ؛ فقد قام العلماء المختصّون بإجراء التّجارب العديدة على حيوانات مختلفة وتوصّلوا عمليّا إلى إمكان بقائها لمدّة طويلة تفوق مدّة عمرها الطبيعيّ المألوف بكثير ، يقول الدّكتور الأمريكيّ جيلورد هاوزر : تمكّن علم الطّب بمعونة علم التّغذية أن يقتحم الحدود المعيّنة للعمر ، فإنّنا بخلاف أجدادنا يمكن أن نحلم بأن نعيش مدّة أكثر طولا من المدّة الّتي عاشها أجدادنا.

ويقول أيضا : إنّ لعلم الطّب فصلا خاصّا في التّغذية يتمكّن الإنسان بالاستعانة به أن يصل إلى الشّباب وطول العمر.

ويقول الدّكتور وايزمن : ليس هناك حدود معيّنة لأعمار الموجودات.

٩٧

__________________

ويقول البروفسور بشتس : إنّ الإنسان يمكنه الوصول إلى الحياة الطّويلة ، وطرد الشّيب سنين عنه ، وذلك بالاستفادة من المواهب الطبيعيّة ، والقدرة على التّمدّن الكامنة فيه.

ويقول الدّكتور باك نجاد : إنّ الحيوانات تتفاوت في العمر فيما بينها ، فقد عثر على بعض الأسماك في المحيط الأطلسي يقدّر عمرها بثلاث ملايين سنة ، وهناك بعض الحيّات الّتي قدّر عمرها بآلاف السنين ، ولكن هناك بعض الحشرات لا تذوق طعم الحياة إلّا في لحظات.

وذكرت مجلّة المقتطف تجربة أجراها إلكسيس كارل على قلب دجاجة ، حيث وضعه في محيط مشبّع بالمواد الغذائيّة ، وبذلك بقي هذا القلب سليما لمدّة طويلة ، واستنتج من ذلك ما يلي :

١ ـ أنّ الأجزاء الأصليّة للبدن تقبل البقاء لو وصل لها الغذاء الكافي.

٢ ـ أنّها تستمرّ في نموّها وتكاملها بالإضافة لبقائها.

٣ ـ لا تأثير لمرور الزّمان أبدا.

٤ ـ أنّ رشدها ونموّها له علاقة وثيقة بالغذاء الّذي يصل إليها.

وذكر هنري اسميس : أنّ الدّكتور الكسيس كارل قد وفّق لإبقاء دجاجة لمدّة ثلاثين سنة ، مع أنّ عمر الدّجاجة لا يتجاوز عشر سنوات.

ويمكننا من خلال ما تقدّم : القول بأنّ البقاء لمدّة طويلة هو الأصل ، بينما الموت هو استثناء ، ينزل بالإنسان متى ما نزل به ما يصرم حبل حياته.

إذن ، فلا غرابة ولا عجب في بقاء الإنسان سنين متمادية ، بل لا بدّ من البحث حول سر الموت وحلّ لغز العمر وهذه هي المشكلة التي بحثها ولا يزال يبحثها الكثير من الحضارات والشّعوب عبر التّأريخ. فثبت أنّ ما يعتقده الشّيعة الإماميّة في المهديّ المنتظر (ع) موافق للاصول العلميّة ، والقرآن والعقل.

٩٨

والدّليل عليه ؛ أنّه لو لا ذلك ، للزم أحد امور ثلاثة :

أمّا القول [بإمامة غيره ، فيكون قولا بإمامة غير معصوم ، وهو باطل لما تقدّم. أو القول] بعصمة غيره ، وهو باطل بالإجماع.

أو خلوّ الزمان من الإمام ، فيلزم أن يكون الله تعالى مخلّا بالواجب تعالى الله عن ذلك ، وقد نقل عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : (لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم أو بعض يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يظهر فيه قائمنا أهل البيت) (١).

وأمّا وجوده ؛ فقد شاهده جماعة كثيرة في زمان أبيه عليه‌السلام ، وبعد موته أيضا.

وأمّا استبعاد الخصم طول عمره هذه المدّة ، فانّه غير مقبول ، لأنّ بقاء (٢) هذه المدّة وضعفها ممكن ، والله تعالى قادر على كلّ ممكن. مع أنّه قد عاش قبله من الأنبياء أكثر من عمره من السّعداء ، مثل : نوح [عليه‌السلام ، ومثل : الخضر عليه‌السلام] (٣) ، ومن الأشقياء ، مثل : السّامريّ والدّجّال.

وأمّا سبب غيبته عليه‌السلام ؛ فلا يجوز أن يكون من الله [تعالى] ، لأنّه تعالى يجب عليه نصبه وتمكينه ، ولا منه عليه‌السلام ، لأنّه معصوم ويجب عليه القيام بأمور الإمامة (٤) ، ولا (٥) يجوز [له] أن يترك ما يجب عليه لعصمته ، فتعيّن أن يكون

__________________

(١) رواه جمع غفير من علماء العامّة ، انظر : سنن أبي داود ٤ : ١٠٦ ح ٤٢٨٢ ، سنن التّرمذيّ ٤ : ٥٠٥ ج ٢٢٣٠ ـ ٢٢٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٨ ٢٧٧٩ ، الجامع الصّغير للسّيوطيّ ٢ : ١٣١ ، ومن طريق الخاصّة : رواه الشّيخ الطّوسي في الغيبة : ١١٢ ، والأميني في الغدير ٧ : ١٢٥ ، وغيرهما.

(٢) «ج» : بقاءه.

(٣) في النّسخة الحجريّة : مثل نوح وخضر عليهما‌السلام.

(٤) «ج» : الأمّة.

(٥) «ج» : فلا.

٩٩

من الأمّة وهم أولياء وأعداء ، فالمنع ليس من الأولياء ، لأنّهم لو ظهر لنصروه ، فتعيّن أن يكون من الأعداء ، لكثرتهم وقلّة الأنصار ، فإذا زال ذلك ظهر وملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ـ عجّل الله فرجه ، ورزقنا الشّهادة بين يديه آمين ربّ العالمين.

١٠٠