الإعتماد في شرح واجب الإعتقاد

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

الإعتماد في شرح واجب الإعتقاد

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: صفاء الدين البصري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٥

كتاب الحجّ والعمرة

١٤١
١٤٢

قال «قدّس الله روحه» :

ومنها : الحجّ والعمرة ، وهما واجبان في العمر ، مرّة واحدة.

والحجّ ثلاثة أقسام : تمتّع ، وقران ، وإفراد.

فالتّمتع فرض من نأى عن مكّة ، وصفته : أن يحرم بالعمرة المتمتّع بها من أحد المواقيت الّتي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أشهر الحج ، وهي : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة. فلأهل العراق : بطن العقيق (١) ، وأفضله : المسلخ (٢) ، وأوسطه (٣) : غمرة (٤) ، ثمّ : ذات عرق (٥).

أقول : من العبادات الشّرعيّة : الحجّ والعمرة ، والحجّ ، لغة : القصد ، والعمرة : [الزّيارة] والحجّ في الشّرع : عبارة عن القصد إلى بيت الله الحرام بمكّة لأداء مناسك مخصوصة عنده في وقت مخصوص. وهما واجبان في العمر ، مرّة واحدة مع الاستطاعة.

وشروطه : البلوغ ، والعقل ، والحرّيّة ، والزّاد ، والرّاحلة ، والتّمكّن من المسير ، ومن نفقة عياله ذاهبا وعائدا. وهو من العبادات الّتي لا تتكرّر ، بل تجب في العمر ، مرّة واحدة ، وكذلك العمرة.

ووجوبه على الفور ، وهو : أن يأتي به في العام الّذي يستطيع فيه ، ولا يؤخّره إلى عام آخر.

والحجّ ثلاثة أقسام : تمتّع ، وقران ، وإفراد ، والعمرة عمرتان : عمرة التّمتّع ، وعمرة الإفراد ، فالمتمتّع يأتي بعمرة التّمتّع أوّلا ، وبحجّ التّمتّع بعدها ، وكلّ من

__________________

(١) العقيق : واد من أودية المدينة يزيد على بريد ، قريب من ذات عرق قبلها بمرحلة أو مرحلتين.

(٢) المسلخ ـ بفتح الميم وكسرها ـ : أوّل وادي العقيق من جهة العراق.

(٣) «ج» : ثمّ.

(٤) غمرة ـ بفتح أوّله وسكون ثانية ، وهو : منهل من مناهل طريق مكّة ، ومنزل من منازلها ، وهو فصل ما بين تهامة ونجد.

(٥) ذات عرق : أوّل تهامة وآخر العقيق على نحو مرحلتين من مكّة.

١٤٣

القارن والمفرد يأتي بالحج أوّلا ، وبالعمرة المفردة بعده ، فالتّمتع فرض من نأى عن مكّة ، أي : بعد عنها بأربعة فراسخ فما زاد ، والقران والإفراد فرض من كان من أهل مكّة أو بعد عنها بدون أربعة فراسخ.

وأفعال القارن والمفرد سواء إلّا أنّ القارن يتميّز عنه بسياقه (١) الهدي عند إحرامه.

وصفة (٢) حجّ التّمتّع : أن يأتي أوّلا بالعمرة (٣) ، وأوّل أفعالها : الإحرام ، ويجب أن يوقعه في مكانه ، وهو : [أحد] المواقيت ، وفي زمانه ، وهو : أشهر الحجّ ، وهي : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة [إلى] الوقت الّذي يعلم به إدراك مناسك العمرة ومناسك الحجّ.

فميقات إحرام عمرة التّمتّع لأهل العراق : بطن العقيق ، وهو يشتمل على ثلاثة مواقيت ، أدناها إلى العراق : المسلخ : والإحرام منه أفضل ، فإن لم يحرم منه أحرم من أوسط المواقيت ، وهو : غمرة ، فإن لم يحرم منه تعيّن عليه الإحرام من ذات عرق ، وهو آخر المواقيت.

ولا يجوز له أن يجاوزه غير محرم.

قال «قدّس الله روحه» :

وصفة الإحرام أن ينزع ثيابه المخيطة [ويكشف رأسه] ، وينوي فيقول : «احرم بالعمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» ثمّ يلبس ثوبي الإحرام ، ثمّ يلبّي بعد نيّتها ؛ فيقول : «ألبّي لعقد إحرام العمرة المتمتّع بها إلى حجّة الإسلام لوجوبها ، قربة إلى الله» فيقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، [لبّيك] إنّ الحمد والنّعمة والملك لك ، لا شريك لك لبّيك].

__________________

(١) «ج» : بسياق.

(٢) «ج» : ووصف.

(٣) «ج» : بعمرة التّمتع.

١٤٤

أقول : لكلّ واحد من الحجّ والعمرة أركان ، فأركان العمرة أربعة : النّيّة ، والإحرام [والطّواف ، والسّعي. وأركان الحج ستّة : النّيّة ، والإحرام] ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر ، والطّواف ، والسّعي.

فصفة إحرام العمرة : أن ينزع ثيابه المخيطة وكشف الرّأس والقدمين ، ثمّ ينوي نيّة الإحرام ، وهي الرّكن الأوّل من أركان العمرة ، وصورتها : «احرم بالعمرة المتمتّع بها إلى حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ويلبس ثوبي الإحرام ثوبا يأتزر به وثوبا يتوشّح به ، ويجب أن يكونا ممّا تصحّ الصّلاة فيه للرّجال (١) غير مخيطين.

ويجب [فيها] كشف الرّأس وظاهر القدمين (٢) ويلبّي التّلبيات الأربع ، [و] لا ينعقد إحرامه إلّا بها.

وتجب فيها النّيّة ؛ فيقول : «ألبّي لعقد إحرام العمرة المتمتّع بها إلى حجّة الاسلام ، لوجوبها ، قربة إلى الله» وصورة التّلبيات الأربع كما ذكر (٣).

والإحرام هو الرّكن الثّاني من أركان العمرة.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضي إلى مكّة فيطوف طواف العمرة.

وتجب فيه النّيّة ؛ فيقول : «أطوف طواف العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يطوف [بالبيت] سبعة أشواط : من الحجر الأسود إليه شوطا واحدا ، هكذا سبع مرّات متطهّرا ، ويجعل البيت على يساره ويكون بين البيت والمقام ويدخل الحجر في طوافه. ثم يصلّي ركعتي الطّواف في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ونيّتهما : «اصلّي ركعتي

__________________

(١) «ج» : للرّجل.

(٢) «ج» : ثمّ.

(٣) «ج» : ذكره.

١٤٥

طواف العمرة المتمتع بها إلى حجّة الاسلام ، لوجوبها ، قربة إلى الله».

أقول : الرّكن الثّالث من أركان العمرة الطّواف ، ويجب فيه أمور : النّيّة ، وصفتها : «أطوف طواف العمرة المتمتّع بها إلى حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

والعدد ، وهو : سبعة أشواط.

والبدأة بالحجر ، والختم به من الحجر الأسود إليه شوطا واحدا.

والطّهارة ، وإزالة النّجاسة عن الثّوب والبدن.

وستر العورة.

والختان في الرّجل.

وجعل البيت عن (١) يسار الطّائف. ويكون بين البيت والمقام بحيث لا يكون طوافه من وراء المقام. وإدخال الحجر في الطّواف بحيث لا يطوف (٢) من داخله.

وصلاة الطّواف ، وهي ركعتان كالصّبح ، والإتيان بها (٣) في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ونيّة الصّلاة (٤) : «اصلّي ركعتي طواف العمرة المتمتع بها إلى حجّة الإسلام ، لوجوبها ، قربة إلى الله».

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يسعى بين الصّفا والمروة ، [و] يبدأ بالصّفا ويلصق عقبيه به أو يصعد عليه فينوي ؛ فيقول : «أسعى سعي العمرة المتمتّع بها إلى حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يمضي إلى المروة ، فيلصق أصابع قدميه بها أو يصعد عليها ، ثمّ يمضي إلى

__________________

(١) «ج» : على.

(٢) «ج» : يكون.

(٣) «ج» : بهما.

(٤) «ج» زيادة : يقول.

١٤٦

الصّفا ثانيا ، ثمّ يمضي إلى المروة ثالثا ، وهكذا الى أن يكمل سبعا.

أقول : الرّكن الرّابع من أركان العمرة السّعي ، ومحلّه بين الصّفا والمروة ، ويجب فيه امور :

العدد ؛ وهو سبعة أشواط.

والبدأة بالصّفا ، وهو : إمّا أن يلصق عقبيه به ، أو يصعد عليه.

والنّيّة ، وصورتها : «أسعى سعي العمرة المتمتّع بها إلى حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» ثمّ يمضي إلى المروة فيلصق أصابع قدميه بها ، أو يصعد عليها. فهذا شوط أوّل ، ثمّ يبدأ [في الشّوط الثّاني بالمروة] (١) بأن يلصق عقبيه بها ، أو يصعد عليها ، ويختم بالصّفا بأن يلصق أصابع قدميه به ، أو يصعد عليه ، وهكذا إلى أن يكمل سبعة أشواط من الصّفا إليها شوطا ، ويكون ابتداء سعيه بالصّفا واختتامه بالمروة.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يقصّر : فيقول : «أقصّر للإحلال من العمرة المتمتّع [بها إلى حجّ الإسلام] ، لوجوبه ، قربة إلى الله». ثمّ يقصّر شيئا من شعر رأسه أو شعر لحيته.

أقول : إذا فرغ من السّعي ، قصّر للإحلال من [إحرام] العمرة ، ومحلّه المروة. وهو واجب في العمرة ، وليس بركن ، ولا يجوز الحلق ، ونيّته : «اقصّر للإحلال من عمرة التّمتّع ، عمرة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يقصّر شيئا من شعر رأسه ، أو شعر لحيته ، فإذا فعل ذلك أحلّ من كلّ شيء أحرم منه ، وهو تمام العمرة.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ ينشئ إحراما آخر للحجّ من مكّة ، وأفضله : من تحت الميزاب يوم التروية ، ويتضيّق يوم عرفه ، وصفته كالأوّل ، إلّا أنّه ينوي إحرام الحجّ ؛ فيقول :

__________________

(١) «ج» : بالشّوط الثّاني من المروة.

١٤٧

«احرم بالحجّ الواجب ، حجّ الإسلام ، حجّ التّمتّع ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

أقول : إذا فرغ من العمرة ، وجب عليه الشّروع في الحجّ ، وأوّل أفعاله : الإحرام ونيّته ، وهما ركنان ، وله مكان وزمان ؛ فمكانه : مكّة ، من أيّ موضع أحرم منها أجزأه ، وأفضل مكّة : المسجد ، وأفضل المسجد : تحت الميزاب.

وزمانه : الأولى أن يكون يوم التّروية ، وهو الثّامن من ذي الحجّة بعد الزّوال ، ويتضيّق يوم عرفة. ولا يجوز انشاؤه بعده ، وصفته كإحرام العمرة في أنّه تجب فيه النّيّة ، ولبس الثّوبين ، والتّلبيات الأربع ، ونيّته : «احرم بالحجّ الواجب ، حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يلبّي ، ونيّتها : «ألبّي التّلبيات الأربع لأعقد بها إحرام حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبها ، قربة إلى الله» وقد تقدّم ذكرها في إحرام العمرة (١).

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها [واجبا] من زوال الشّمس يوم عرفة إلى غروبها ناويا للوقوف ؛ فيقول في ابتدائه : «أقف بعرفة لحجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

أقول : إذا أحرم بالحجّ ، خرج إلى منى وبات بها ليلة عرفة ، ثمّ يتوجّه بعد الفجر [من منى] (٢) إلى عرفات. ويجب عليه الوقوف بها ، وهو ركن. والوقوف الاختياريّ بها من زوال الشّمس يوم عرفة إلى غروبها ، والاضطراريّ ليلا إلى طلوع (٣) الفجر.

وتجب فيه النّية ، وصفتها : «أقف بعرفات وقوف الحجّ ، [حجّ] التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

__________________

(١) راجع ص : ١٤٤.

(٢) ليست في «ج».

(٣) ليست في «ج».

١٤٨

والواجب : الكون بها إلى غروب الشمس ، والدّعاء [بها] مندوب.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضى بعد الغروب إلى المزدلفة فيبيت بها ، ويقف واجبا من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس يوم النّحر ناويا ؛ فيقول : «أقف بالمشعر لأجل حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

أقول : لا يجوز الإفاضة من عرفات إلّا بعد غروب الشّمس ، فإذا غربت أفاض منها إلى المزدلفة وهي المشعر ، وتسمّى جمعا أيضا.

ويجب عليه الوقوف بها ، وهو ركن ، وهو من طلوع الفجر يوم النّحر إلى طلوع الشّمس. هذا هو الوقوف الاختياريّ ، والاضطراريّ من طلوع الشّمس إلى الزّوال.

والواجب : الكون بها ، والنّيّة ، وصورتها : «أقف بالمشعر لأجل حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ولو أخلّ بالموقفين معا ، بطل حجّه ، عمدا كان ونسيانا.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيّات ناويا ؛ فيقول : «أرمي جمرة العقبة في حجّة الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يذبح هديه ناويا ، فيقول : «أذبح الهدي الواجب عليّ في حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يأكل ثلثه ويتصدّق بثلثه للقانع والمعترّ وجوبا ويهدي ثلثه.

ثمّ يحلق رأسه أو يقصّر ، والحلق أفضل مع النّيّة ؛ فيقول : «أحلق رأسي للإحلال من إحرام الحجّ ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

أقول : إذا أفاض من المشعر بعد طلوع الشّمس يوم النّحر يأتي [إلى] منى وله بها ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة ، ثمّ الذّبح ، ثمّ الحلق والقصر ، على هذا التّرتيب.

الأوّل : رمي جمرة العقبة ، والواجب فيه العدد ، وهو سبعة ، وكون الرّمي بالحصى

١٤٩

الأبكار ، وكونها من الحرم ، وإصابة الجمرة بفعله في كلّ حصاة وإلقائها بما يسمّى رميا ، والنّيّة ، وصورتها : «أرمي جمرة العقبة في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

الثّاني : الذّبح ، ويجب في الهدي أن يكون من الأنعام من الإبل ، أو من البقر ، أو من الغنم ، ويجب أن يكون ثنيا ، وهو من الابل : ما دخل في السّنة السّادسة ، ومن البقر والغنم : ما دخل في [السّنة] الثّانية. ويجزي الجذع من الضّأن ، وأن يكون تامّا غير ناقص ، ولا يكون مهزولا.

وتجب فيه النّيّة ، وصورتها : «أذبح الهدي الواجب عليّ في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه قربة إلى الله».

ثمّ يأكل منه ، والواجب ما يسمّى أكلا ، والمندوب ثلثه ، وينوي عند أكله ؛ فيقول : «آكل من الهدي الواجب في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يتصدّق بثلثه فما زاد ، وجوبا ، للقانع والمعترّ. والقانع : السّائل ، يقنع بما يعطى ، والمعترّ : الّذي يعتريك ، أي يلمّ بك لتعطيه (١) ، ولا يسأل.

وتجب فيه النّيّة ، وصورتها : «أتصدّق بهذه الحصّة من الهدي الواجب في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يهدي ثلثه ، أو ما دونه إلى أصحابه ، وينوي ، وصورتها : «[اهدي هذه] (٢) الحصّة من الهدي الواجب في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

الثّالث : الحلق أو التّقصير ، والواجب : أحدهما ، والحلق أفضل على الرّجال ، ويتعيّن على النّساء التّقصير.

ويجب التّقصير من الرّأس خاصّة ، وتجب فيه النّيّة ؛ فيقول : «أحلق رأسي أو

__________________

(١) «ج» : للعطيّة.

(٢) «ج» : أتصدّق بهذه.

١٥٠

أقصّر للإحلال من حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» ، فإذا فعل ذلك أحلّ له كلّ شيء أحرم منه [ما] عدا الطّيب ، والنّساء ، والصّيد.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضي إلى مكّة إمّا ليومه أو غده ، فيطوف بالبيت سبعة أشواط ، كما تقدّم (١) للعمرة للحجّ ، وينوي فيقول : «أطوف طواف حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يصلّي بعد فراغه ركعتين في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ونيّتها : «اصلّي ركعتين لطواف (٢) الحج ، لوجوبها ، قربة إلى الله».

أقول : إذا قضى مناسكه الثّلاثة بمنى وجب عليه المضيّ إلى مكّة لطواف الحجّ ، وهو ركن إمّا ليومه وهو يوم النّحر ، أو لغده وهو يوم الحادي عشر. ولا يجوز تأخيره عن الحادي عشر للتّمتّع إلّا لعذر ، وكذا لا يجوز تقديم طواف الحجّ على مناسك منى إلّا لعذر.

وصفة طواف الحجّ وواجباته كطواف العمرة إلّا أنّه ينوي فيه طواف الحجّ ؛ فيقول : «أطوف طواف الحجّ ، حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يصلّي ركعتيه بعد الفراغ منه في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ويجب فيهما النّيّة ، وصورتها : «اصلّي ركعتي طواف حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبهما (٣) ، قربة إلى الله».

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يسعى بين الصّفا والمروة ـ كما تقدّم ـ (٤) إلّا أنّه ينوي ؛ فيقول : «أسعى

__________________

(١) راجع ص : ١٤٥.

(٢) «ج» : في طواف.

(٣) «ج» : لوجوبها.

(٤) راجع ص : ١٤٦.

١٥١

سعي الحجّ ، حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

أقول : إذا فرغ من طواف الحجّ ، وجب عليه المضيّ إلى الصّفا لأجل سعي الحجّ وهو ركن ، وصفته مثل صفة سعي العمرة في أنّه يبدأ بالصّفا ويكون سبعة أشواط ، إلّا أنّه ينوي سعي الحجّ ؛ فيقول : «أسعى سعي الحجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» فإذا أكمل سعيه فقد أكمل أركان الحجّ ، وما يبقى بعده فهو واجب وليس بركن.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يطوف بالبيت سبعة أشواط طواف النّساء ـ كما تقدّم ـ ونيّته : «أطوف طواف النّساء ، لوجوبه ، قربة إلى الله».

ثمّ يصلّي بعد فراغه ركعتين في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ونيّتهما : «اصلّي ركعتي طواف النّساء ، لوجوبهما ، قربة إلى الله».

أقول : إذا فرغ من السّعي وجب عليه العود إلى المسجد لأجل طواف النّساء ، ولا تحلّ له النّساء إلّا به ، وصفته كالطّواف المتقدّم ، ونيّته : «أطوف طواف النّساء الواجب في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» فإذا أكمله صلّى ركعتيه في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وينوي ؛ فيقول : «اصلّي ركعتي طواف النّساء الواجب في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبهما ، قربة إلى الله» وهو واجب ليس بركن ، لو تعمّد تركه لم [يبطل حجّه] (١) لكن يأثم بتركه ، ولا تحل له النّساء إلّا بعد الإتيان به.

قال «قدّس الله روحه» :

ثمّ يمضي إلى منى فيبيت بها ليالي التّشريق ، وهي ليلة الحادي عشر ، والثّاني عشر ، والثّالث عشر ، ويجوز له النّفر يوم الثّاني عشر إن اتّقى الصّيد والنّساء ولم

__________________

(١) «ج» : تبطل حجّته.

١٥٢

تغرب الشّمس يوم النّفر الأوّل بمنى ، ويرمي في كلّ يوم من أيّام التّشريق الجمار الثّلاث مرتّبا : يبدأ بالاولى ، ثمّ الوسطى ، ثمّ جمرة العقبة سبع حصيات مع النّيّة ؛ فيقول : «أرمي هذه الجمرة ، لوجوبه عليّ في حجّ الإسلام ، حجّ التّمتّع ، قربة إلى الله تعالى».

أقول : إذا طاف طواف النّساء فقد أكمل مناسكه بمكّة وبقي عليه مناسك منى ، وهي : المبيت [بها] ليلا ، ورمي الجمار الثّلاث نهارا.

ويجب عليه المبيت بمنى ليالي التّشريق [الثّلاث] ، وهي : ليلة الحادي عشر ، والثّاني عشر ، والثّالث عشر من ذي الحجّة.

والنّفر [من منى] نفران : الأوّل : يوم الثّاني عشر ، وهو للمتّقي ـ وهو الّذي لم يقرب النّساء في إحرامه ولا اصطاد ـ وغير المتّقي ـ وهو الّذي أتى أحدهما ـ يتعيّن عليه المقام إلى النّفر الثّاني وهو الثّالث عشر ، وكذا المتّقي إذا غربت الشّمس من يوم الثّاني عشر ولم ينفر ، وجب عليه المبيت ليلة الثّالث عشر. والنّفر الأوّل لا يكون إلّا بعد الزّوال ، وفي [الباقي يكون] (١) بعد طلوع الشّمس.

ويجب في المبيت النّيّة ؛ فيقول : «أبيت هذه اللّيلة بمنى في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، لوجوبه ، قربة إلى الله» : وحدّ المبيت بها إلى أن يجاوز نصف اللّيل.

ويرمي في كلّ يوم من أيّام التّشريق الجمار الثّلاث مرتّبا : يبدأ بالجمرة الاولى ، ثمّ الوسطى ، ثمّ جمرة العقبة. وتجب فيه النّيّة ، وصورتها : «أرمي هذه الجمرة ، لوجوبه عليّ في حجّ التّمتّع ، حجّ الإسلام ، قربة إلى الله».

__________________

(١) «ج» : الثّاني لا يكون إلّا.

١٥٣
١٥٤

كتاب الجهاد

١٥٥
١٥٦

قال «قدّس الله روحه» :

ومنها : الجهاد ، وهو واجب على الكفاية ؛ إمّا لحراسة المسلمين ، فيجب (١) مطلقا ، أو للرّدّ إلى الدّين ، ويجب (٢) بشرط دعاء الإمام إليه (٣).

أقول : الجهاد من العبادات الشّرعيّة ، لكنّه من فروض الكفايات ، وهو [يجب] على البالغ [العاقل] ، الذّكر ، الحرّ الّذي ليس بهمّ (٤) ولا مريض ، المتمكّن من السّلاح ، والنّفقة ، وهو قسمان :

الأوّل : لحراسة المسلمين ، وهو أن يدهم الكفّار على بلاد المسلمين (٥) ، فيجب دفعهم مطلقا من غير احتياج إلى حضور الإمام.

الثّاني : للرّدّ إلى الدّين ، وهو أن يؤمر الكفّار بالدّخول في دين الإسلام بعد أن يوصف لهم ، فإذا امتنعوا من الدّخول فيه [وجب الجهاد] (٦) (٧).

__________________

(١) «ج» : ويجب.

(٢) «ج» : فيجب.

(٣) قال ابن ادريس في السّرائر : ١٥٦ :

ومن يجب عليه الجهاد انّما يجب عليه عند شروط ، وهي :

أن يكون الإمام العادل الّذي لا يجوز لهم القتال إلّا بأمره ، ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهرا.

أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين في الجهاد حاضرا ، ثمّ يدعوهم إلى الجهاد فيجب عليهم حينئذ القيام به. ومتى لم يكن الإمام ظاهرا ، ولا من نصبه حاضرا ، لم يجز مجاهدة العدوّ ، والجهاد مع أئمّة الجور ، أو من غير امام خطأ يستحقّ به فاعله الإثم إن أصاب به لم يؤجر ، وإن اصيب كان مأثوما ، اللهمّ إلّا أن يدهم المسلمين ـ والعياذ بالله ـ أمر من قبل العدوّ يخاف منه على بيضة الإسلام ، ويخشى بواره. وبيضة الإسلام : مجتمع الإسلام وأصله.

(٤) الهمّ ـ بالكسر : الشّيخ الفاني. المصباح المنير ٢ : ٦٤٠.

(٥) «ج» : الإسلام.

(٦) «ج» : قوتلوا.

(٧) قال الشّيخ الطّوسي في المبسوط ٢ : ٩ ، وابن إدريس في السّرائر : ١٥٦ : الكفّار على ثلاثة أضرب :

أهل كتاب ، وهم : اليهود والنّصارى ، فهؤلاء يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية.

ومن له شبهة كتاب ، فهم المجوس ، فحكمهم حكم أهل الكتاب : يقرّون على دينهم ببذل الجزية.

١٥٧

ووجوبه مشروط بحضور الإمام ، ولا يجب مع غيبته.

قال «قدّس الله روحه» :

ومنها : الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، بشروطه ، وهي : العلم بكون المعروف معروفا ، والمنكر منكرا ، وتجويز التّأثير والأمن [من الضّرر. وهما واجبان على كلّ مستطيع].

أقول : من العبادات الواجبة : الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، وهما واجبان ، إجماعا ، وإنّما الخلاف في شيئين :

أحدهما : هل وجوبهما عقليّ أو سمعيّ؟ فيه قولان (١).

والثّاني : أنّ وجوبهما على الأعيان ، أو [على] الكفاية؟ فيه قولان أيضا (٢).

__________________

ومن لا كتاب له ولا شبهة كتاب ، وهم من عدا هؤلاء الثّلاثة أصناف من عبّاد الأصنام والأوثان والكواكب ، وغيرهم ، فلا يقرّون على دينهم ببذل الجزية.

ومتى امتنع أهل الكتاب من بذل الجزية قوتلوا وسبيت ذراريهم ، ونساؤهم ، وأموالهم تكون فيئا.

(١) قال ابن إدريس :

قال الجمهور من المتكلّمين والمحصّلين من الفقهاء : إنّهما يجبان سمعا ، وأنّه ليس في العقل ما يدلّ على وجوبهما ، وإنّما علمناه بدليل الإجماع من الامّة وبآي من القرآن والأخبار المتواترة. فأمّا ما يقع منه على وجه المدافعة ، فإنّه نعلم وجوبه عقلا ، لما علمناه بالعقل من وجوب دفع المضارّ عن النّفس ، وذلك لا خلاف فيه ، وانّما الخلاف فيما عداه ، وهذا الّذي يقوى في نفسي ، والّذي يدلّ عليه هو أنّه لو وجبا عقلا ، لكان في العقل دليل على وجوبهما ، وقد سبرنا أدلّة العقل فلم نجد فيها ما يدلّ على وجوبهما ، ولا يمكن العلم الضّروريّ في ذلك ، لوجود الخلاف فيه ، وهذا القول خيرة السّيد المرتضى. وقال قوم : طريق وجوبهما : العقل. وإلى هذا المذهب ذهب شيخنا أبو جعفر الطّوسي «رحمه‌الله» في كتاب الاقتصاد ، بعد أن قوّى الأوّل ، واستدلّ على صحّته بأدلّة العقول ، ثمّ قال «رحمه‌الله» : يقوى في نفسي أنّه يجب عقلا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، قال : لما فيه من اللّطف ، ولا يكفي فيه العلم باستحقاق الثّواب والعقاب ، قال : لأنّا متى قلنا ذلك ، لزمنا أنّ الإمامة ليست واجبة بأن يقال يكفي العلم باستحقاق الثّواب والعقاب وما زاد عليه في حكم النّدب وليس بواجب ، قال «رحمه‌الله» : فالأليق بذلك أنّه واجب. السّرائر : ١٦٠.

(٢) قال الشّيخ بالأول ، والسّيّد المرتضى بالثّاني ، احتجّ الشّيخ بعموم الوجوب من غير اختصاص ، بقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) آل عمران : ١٠٦. احتجّ السّيّد بأنّ المقصود وقوع الواجب وارتفاع القبيح ، فمن قام به كفى عن الآخر في الامتثال ، ولقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) آل عمران : ١٠٠ النّافع يوم الحشر : ٩٥.

١٥٨

والأمر : طلب الفعل على وجه الاستعلاء ، والنّهي : طلب التّرك على وجه الاستعلاء ، والمعروف : كلّ فعل حسن اختصّ بوصف زائد على حسنه ، والمنكر : القبيح ، وهو لا ينقسم.

وأمّا المعروف فينقسم إلى واجب ومندوب ؛ فالأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب مندوب.

وإنّما يجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إذا تحقّقت (١) شروطه ، وهي : العلم بكون المعروف معروفا ، والمنكر منكرا : إمّا عقلا ؛ كوجوب شكر المنعم ، وردّ الوديعة [وقبح الظّلم ، ومنع ردّ الوديعة] ، أو شرعا ؛ كالعلم بوجوب الصّلاة ، وقبح شرب الخمر ، لأنّه لو لم [يجب العلم] (٢) بذلك ، لجاز أن يأمر بما ليس بمعروف [ويتوهّمه معروفا] وينهى عمّا ليس بمنكر ، ويتوهّمه منكرا.

ويجوّز (٣) التّأثير ، وهو : أن يعلم ، أو يظنّ أنّ المأمور أو المنهيّ يتأثّران من الأمر والنّهي ؛ بحيث يقلع عن ترك الواجب وفعل القبيح ، فإذا لم يجوّز ذلك سقط الوجوب وبقي الجواز.

والأمن من المفسدة ، وهو : ألّا يؤدّي الأمر ، أو النّهي إلى ضرر عليه ، أو على بعض المؤمنين في النّفس ، أو المال ، وإذا ارتفع الأمن ، ارتفع الوجوب والجواز أيضا.

وليكن هذا آخر ما أوردناه (٤) في هذه الرّسالة ، نفعنا الله بإملائها (٥) ، و [بلّغنا بأجزل الثّواب] (٦) عليها ، ونفع [بها] المشتغلين بما وجب (٧) عليهم من المعارف

__________________

(١) «ج» : حصلت.

(٢) «ج» : يعلم.

(٣) «ج» : وتجويز.

(٤) «ج» : أوردنا.

(٥) «ج» : بها.

(٦) «ج» : أجزل ثوابنا.

(٧) «ج» : يجب.

١٥٩

العقليّة والعبادات الشّرعيّة ، [إنّه خير موفّق ومعين ، والحمد لله حقّ حمده ، والصّلاة والسّلام على خير خلقه من الأنبياء والمرسلين : محمّد المصطفى ، وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين. وكان الفراغ من تسويد هذه المقدّمة مع شرحها : عصريّة يوم الأحد النّصف من شعبان سنة الثّالثة والسّبعين بعد الألف من الهجرة. وكتبه الأقلّ الأحقر ، المقر بالعجز والتّقصير : محمّد بن عليّ بن حسين بن عليّ بن حسين بن مفلح ـ عفى الله عنهم جميعا ـ والحمد لله ربّ العالمين].

١٦٠