إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

شعير. فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كله. فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم.

١١ ـ عن أنس رضي الله عنه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعم ثمانين رجلا من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده ، أي إبطه.

١٢ ـ عن جابر رضي الله عنه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق قال جابر رضي الله عنه : فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا. وأن برمتنا لتغط كما هي ، وأن عجيننا ليخبز. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق في العجين والبرمة وبارك.

١٣ ـ عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه صنع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأبي بكر زهاء ما يكفيهما. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادع ثلاثين من أشراف الأنصار. فدعاهم ، فأكلوا حتى تركوا. ثم قال : ادع ستين. فكان مثل ذلك. ثم قال : ادع سبعين. فأكلوا حتى تركوه ، وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع. قال أبو أيوب رضي الله عنه : فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا.

١٤ ـ عن سمرة بن جندب : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصعة فيها لحم ، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون.

١٥ ـ عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : كنا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثين ومائة. وذكر في الحديث أنه عجن صاع من طعام ، وصنعت شاة فشوى سواد بطنها. قال : وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حزّ له حزّة. ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل في القصعتين فحملته على البعير.

١٦ ـ عن سلمة بن الأكوع وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم. فذكروا مخمصة أصابت الناس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض مغازيه فدعا ببقية الأزواد ، فجاء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك ، وأعلاهم الذين يأتي بالصاع من التمر فجمع على نطع. وقال سلمة فحزرته كربضة العنز. ثم دعا الناس بأوعيتهم. فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي منه.

١٧ ـ عن أنس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين ابتنى بزينب أمره أن يدعو له قوما سماهم حتى امتلأ البيت والحجرة. فقدم لهم تورا فيه قدر مد من تمر جعل حيسا ، فوضعه وغمّس ثلاث أصابعه ، وجعل القوم يتغدون ويخرجون ، وبقي التور نحوا مما كان.

١٨ ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن فاطمة طبخت قدرا لغدائهما ووجهت عليا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتغدى معهما. فأمرها فغرفت لجميع نسائه صحفة صحفة ، ثم له عليه

٤٠١

السلام ، ثم لعلي ، ثم لها ، ثم رفعت القدر ، وأنها لتفيض. قالت : فأكلنا منها ما شاء الله.

١٩ ـ عن جابر رضي الله عنه في دين أبيه بعد موته ، وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله فلم يقبلوه. ولم يكن في ثمرها كفاف دينهم فجاءه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن أمره بجذها وجعلها بيادر في أصولها فمشى فيها ودعا فأوفى منه جابر غرماءه ، وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة.

٢٠ ـ قال أبو هريرة رضي الله عنه : أصاب الناس مخمصة. فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل من شيء؟ قلت نعم ، شيء من التمر في المزود. قال فآتني به. فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ، ثم قال ادع عشرة. فأكلوا حتى شبعوا. ثم عشرة كذلك ، حتى أطعم الجيش كلهم ، وشبعوا وقال خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض منه ولا تكبه. فقبضت على أكثر ما جئت به. فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر إلى أن قتل عثمان ، فانتهب مني فذهب. ومعجزة تكثير الطعام ببركة دعائه مروية عن بضعة عشر صحابيا ، ورواه عنهم أضعافهم من التابعين ، ثم من لا يعدّ بعدهم. وأكثرها وردت في قصص مشهورة ومجامع مشهورة. ولا يمكن التحدث عنها إلا على وفق الصدق حذرا من التكذيب. وإنما حصل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولا الماء القليل أو الطعام القليل ، ثم كثره ولم يخترع من بدء الأمر من العدم إلى الوجود الماء الكثير أو الطعام الكثير مراعاة للأدب بحسب الظاهر ، ليعلم أن الموجد هو الله. وإنما حصلت البركة بسبب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن كان التكثير أيضا في الحقيقة من جانب الله كالإيجاد. وهكذا فعله الأنبياء كما يظهر من معجزة إيلياء عليه‌السلام في تكثير الدقيق والزيت في بيت امرأة أرملة ، على ما صرّح به في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول ، ومن معجزة اليسع عليه‌السلام في تكثير عشرين خبزا من شعير وسنبل مفروك في منديل حتى أكل مائة رجل وفضل ، كما هو مصرّح به في الباب الرابع من سفر الملوك الثاني ، ومن معجزة عيسى عليه‌السلام في تكثير خمسة أرغفة وسمكتين على ما صرّح به في الباب الرابع عشر من إنجيل متّى.

٢١ ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر ، فدنا منه أعرابي فقال : يا أعرابي أين تريد؟ قال : أهلي. قال : هل لك إلى خير؟ قال : وما هو؟ قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. قال من يشهد لك على ما تقول؟ قال هذه الشجرة السمرة وهي بشاطئ الوادي. فأقبلت تخدّ الأرض حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت أنه كما قال ، ثم رجعت إلى مكانها.

٢٢ ـ عن جابر رضي الله عنه : ذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئا يستتر به ،

٤٠٢

فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : انقادي علي بإذن الله. فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده. وذكر جابر أنه فعل بالأخرى كذلك ، حتى إذا كان المنصف بينهما قال : التئما علي بإذن الله. فالتأمتا. فجلس خلفهما ، فخرجت أخضر ، وجلست أحدث نفسي ، فالتفت ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلا والشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق.

٢٣ ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال لأعرابي أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ قال نعم. فدعاه فجعل ينقذ حتى أتاه. فقال ارجع فعاد إلى مكانه.

٢٤ ـ عن جابر رضي الله عنه ، كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، وفي رواية أنس ، حتى ارتجّ المسجد لخواره ، وفي رواية سهل ، وكثر بكاء الناس لما رأوا به ، وفي رواية المطلب حتى تصدع وانشق ، حتى جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكت. والخبر بأنين الجذع وحنينه ، باعتبار مبناه ، مشهور عند السلف والخلف. وباعتبار معناه متواتر يفيد العلم القطعي. رواه من الصحابة بضعة عشر منهم أبيّ بن كعب وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد الساعدي وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة رضي الله عنهم ، كلهم يحدثون بمعنى هذا الحديث ، وان كانت ألفاظهم مختلفة في باب التحديث ، فلا شك في حصول التواتر المعنوي.

٢٥ ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة. فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها ولا يمسّها ، ويقول جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا. فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه ، ولا لقفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم.

٢٦ ـ دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا إلى الإسلام ، فقال لا أؤمن بك حتى تحيي لي ابنتي. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرني قبرها. فأراه إياه. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا فلانة. قالت لبيك وسعديك. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتحبين أن ترجعي إلى الدنيا؟ فقالت لا ، والله يا رسول الله ، إني وجدت الله خيرا لي من أبوي ، ووجدت الآخرة خيرا من الدنيا.

٢٧ ـ ذبح جابر رضي الله عنه شاة وطبخها وثرد في جفنة وأتى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأكل القوم ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول لهم كلوا ولا تكسروا عظما. ثم انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمع العظام ووضع يده عليها ، ثم تكلم بكلام ، فإذا الشاة قامت تنفض ذنبها.

٤٠٣

٢٨ ـ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليناولني السهم لا نصل به ، فيقول ارم به. وقد رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ عن قوسه حتى اندقت ، وأصيبت يومئذ عين قتادة يعني ابن النعمان حتى وقعت على وجنته. فردها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكانت أحسن عينيه.

٢٩ ـ عن عثمان بن حنيف ، أن أعمى قال لرسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري. قال : فانطلق فتوضأ ، ثم صلّ ركعتين ، ثم قال : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرحمة. يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف لي عن بصري ، اللهم شفعه فيّ. قال فرجع وقد كشف الله عن بصره.

٣٠ ـ ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء ، فبعث إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها فأعطاها رسوله فأخذها متعجبا يرى أن قد هزئ به. فأتاه بها وهو على شفاء. فشربها فشفاه الله تعالى. / ٣١ / عن حبيب بن فديك أن أباه ابيضت عيناه ، فكان لا يبصر بهما شيئا. فنفث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ، فأبصر. فرأيته يدخل الإبرة ، وهو ابن ثمانين. / ٣٢ / تفل في عيني علي رضي الله عنه يوم خيبر وكان رمدا ، فأصبح بارئا. / ٣٣ / نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خيبر فبرأت. / ٣٤ / أتته امرأة من خثعم معها صبي به بلاء لا يتكلم. فأتى بماء فمضمض فاه وغسل يديه ، ثم أعطاها إياه وأمر بسقيه ومسّه به. فبرأ الغلام وعقل عقلا يفضل عقول الناس. / ٣٥ / عن ابن عباس رضي الله عنهما : جاءت امرأة بابن لها به جنون ، فمسح صدره فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي. / ٣٦ / انكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل ، فمسح عليه ، ودعا له ، وتفل فيه فبرأ لحينه. / ٣٧ / كانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة ، فشكاها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فما زال يطحنها حتى رفعها ولم يبق لها أثر. / ٣٨ / عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قالت أمي يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له ، فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما آتيته. قال أنس : فو الله ان مالي لكثير وأن ولدي وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة. / ٣٩ / دعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه ، فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رئاسة في سائر أقطار الدنيا. / ٤٠ / عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها أخرجت جبة طيالسة ، وقالت ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها. وهذه المعجزات ، وإن لم يتواتر كل واحد منها ، فالقدر المشترك بينها متواتر بلا شبهة ، كشجاعة علي وسخاوة حاتم ، وهذا القدر يكفي. والحالات التي نقلها مرقس ولوقا كلها آحاد ليس اعتبارها مثل الأحاديث الصحيحة المروية بروايات الآحاد الثابتة أسانيدها المتصلة ، بل

٤٠٤

الحالات التي اتفق على نقلها الإنجيليون الأربعة آحاد لا يزيد اعتبارها عندنا على رواية الآحاد ، كما عرفت في الباب الأول.

المسلك الثاني : (١) انه قد اجتمع فيه من الأخلاق العظيمة والأوصاف الجزيلة والكمالات العلمية والعملية ، والمحاسن الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن ، ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع في غير نبيّ. فإن كل واحد منها ، وإن كان يوجد في غير النبيّ أيضا ، لكن مجموعها مما لا يحصل إلا للأنبياء. فاجتماعها في ذاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دلائل النبوّة. وقد أقر المخالفون أيضا بوجود أكثر هذه المحاسن في ذاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. مثلا اسپان هميس المسيحي من الذين هم أشد أعداء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والطاعنين في حقه. لكنه اضطر في الإقرار بوجود أكثر الأمور المذكورة في ذاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما نقل سيل قوله في مقدمة ترجمة القرآن في الصفحة السادسة من النسخة المطبوعة سنة ١٨٥٠ هكذا : «إنه كان حسن الوجه وذكيا ، وكانت طريقته مرضية. وكان الإحسان إلى المساكين شيمته. وكان يعامل الكل بالخلق الحسن. وكان شجاعا على الأعداء. وكان يعظم اسم الله تعظيما عظيما. وكان يشدد على المفترين والذين يرمون البرآء ، والزانين والقاتلين وأهل الفضول والطامعين وشهود الزور ، تشديدا بليغا. وكانت كثرة وعظه في الصبر والجود والرحم والبر والإحسان وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم. وكان عابدا مرتاضا في الغاية». انتهى كلامه.

المسلك الثالث : من نظر إلى ما اشتملت شريعته الغراء عليه مما يتعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والسياسات والآداب والحكم ، علم قطعا أنها ليس إلّا من الوضع الإلهي والوحي السماوي ، وأن المبعوث بها ليس إلا نبيا. وقد عرفت في الباب الخامس أن اعتراضات القسيسين عليها ضعيفة جدا منشؤها العناد الصرف والاعتساف.

المسلك الرابع : انه عليه‌السلام ادّعى بين قوم لا كتاب لهم ولا حكمة فيهم أني بعثت من عند الله بالكتاب المنير والحكمة الباهرة لأنوّر العالم بالإيمان والعمل الصالح ، وانتصب مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه وأنصاره ، مخالفا لجميع أهل الأرض آحادهم وأوساطهم وسلاطينهم وجبابرتهم ، فضلّل آراءهم وسفّه أحلامهم وأبطل مللهم وهدم دولهم وظهر دينه على الأديان في مدة قليلة شرقا وغربا ، وزاد على مر الأعصار والأزمان ، ولم يقدر الأعداء مع كثرة عددهم وعددهم وشدة شكوتهم وشكيمتهم وفرط تعصبهم وحميتهم وبذل غاية جهدهم

__________________

(١) للتذكير : كان المؤلف قد أشار في بداية الفصل الأول من هذا الباب ص ٣٨٣ أنه جعل هذا الفصل ستة مسالك. وكل ما ورد سابقا من أصل وتقسيم ومتفرّع إنما هو تفصيل للمسلك الأول ... ويتابع المؤلف هنا إيراد المسالك الباقية.

٤٠٥

في إطفاء نور دينه وطمس آثار مذهبه. فهل يكون ذلك إلّا بعون إلهي وتأييد سماوي؟ ولنعم ما قال غمالائيل معلم اليهود لهم في حق الحواريين : «يا أيها الرجال الإسرائيليون احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا ٣٦ لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلا عن نفسه أنه شيء الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة الذي قتل ، وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء ٣٧ بعد هذا قام يهودا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراء شعبا غفيرا. فذاك أيضا هلك ، وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا ٣٨ والآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم لأنه إن كان هذا الرأي وهذا العمل من الناس فسوف ينتقض ٣٩ وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه ، لئلا توجدوا محاربين لله أيضا». كما هو مصرّح به في الباب الخامس من كتاب الأعمال. والآية السابعة من الزبور الأول هكذا : «لأن الرب يعرف طريق الصديقين وطريق المنافقين تهلك». والآية السادسة من الزبور الخامس هكذا : «وتهلك كل الذين يتكلمون بالكذب. الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب» والآية السادسة عشر من الزبور الرابع والثلاثين هكذا : «وجه الرب على الذين يعملون المساوئ ليبيد من الأرض ذكرهم». وفي الزبور السابع والثلاثين هكذا : «١٧ لأن سواعد الخطاة تنكر ، والرب يعضد الصدّيقين ٢٠ الخطاة فيهلكون وأعداء الرب جميعا إذ يمجدون ويرتفعون يبيدون ، وكالدخان يفنون». فلو لم يكن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصدّيقين لأهلك الرب طريقه ورذله وأباد ذكره من الأرض وكسر سواعده وأفناه كالدخان ، لكنه لم يفعل شيئا منها. فكان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصدّيقين. ولعمري أن علماء پروتستنت في تكذيب الدين المحمدي محاربون لله. لكن الوقت قريب فسوف يعلمون : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] ولا يقدرون على نقضه البتة ، كما وعد الله : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) ـ أي دين الإسلام ـ (بِأَفْواهِهِمْ) ـ أي بأقوالهم الباطلة ـ (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ـ أي مبلغه وغايته ـ (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨] أي اليهود والنصارى والمشركون. ولنعم ما قيل :

ألا قل لمن ظلّ لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله

لأنك لم ترض لي ما وهب

المسلك الخامس : انه ظهر في وقت كان الناس محتاجين إلى من يهديهم إلى الطريق المستقيم ويدعوهم إلى الدين القويم ، لأن العرب كانوا على عبادة الأوثان ووأد البنات ، والفرس على اعتقاد الإلهين ووطء الأمهات والبنات ، والترك على تخريب البلاد وتعذيب العباد ، والهند على عبادة البقر والسجود للشجر والحجر ، واليهود على الجحود ودين التشبيه وترويج الأكاذيب المفتريات ، والنصارى على القول بالتثليث وعبادة الصليب وصور القديسين

٤٠٦

والقديسات. وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال والانحراف عن الحق والاشتغال بالمحال. ولا يليق بحكمة الله الملك المبين أن لا يرسل في هذا الوقت أحدا يكون رحمة للعالمين. وما ظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأزال الرسوم الزائغة والمقالات الفاسدة ، وأشرقت شموس التوحيد وأقمار التنزيه ، وزالت ظلمة الشرك والثنوية والتثليث ، والتشبيه عليه من الصلاة أفضلها ، ومن التحيات أكملها ، وإليه أشار لله تعالى بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٩] قال الفخر الرازي قدس‌سره في تفسيره هذه الآية : «الفائدة في بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند فترة من الرسل هي أن التغير والتحريف قد تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها. وبسبب ذلك اختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب ، وصار ذلك عذرا ظاهرا في إعراض الخلق عن العبادات ، لأن لهم أن يقولوا يا إلهنا عرفنا أنه لا بدّ من عبادتك ، ولكنا ما عرفنا كيف نعبد فبعث الله تعالى في هذا الوقت محمدا عليه‌السلام إزالة لهذا العذر». انتهى كلامه بلفظه.

المسلك السادس : أخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته عليه‌السلام. ولما كان القسيسون يغلطون العوام في هذا الباب تغليطا عظيما استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أمورا ثمانية تفيد للناظر بصيرة :

الأمر الأول : ان الأنبياء الإسرائيلية مثل أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليهم‌السلام أخبروا عن الحوادث الآتية ، كحادثة بختنصر وقورش واسكندر وخلفائه ، وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل ، ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول ، ثم صار شجرة عظيمة تتأوى طيور السماء في أغصانها ، فكسر الجبابرة والأكاسرة ، وبلغ دينه شرقا وغربا ، وغلب الأديان وامتد دهرا بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ، ويمتد إن شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا. وظهر في أمته ألوف ألوف من العلماء الربانيين والحكماء المتقنين والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات والسلاطين العظام. وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث ، وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما. فكيف يجوّز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة؟

الأمر الثاني : ان النبيّ المتقدّم إذا أخبر عن النبيّ المتأخر لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني ، وتكون صفته

٤٠٧

كيت وكيت ، بل يكون هذا الاخبار ، في غالب الأوقات ، مجملا عند العوام. وأما عند الخواص فقد يصير جليا بواسطة القرائن ، وقد يبقى خفيا عليهم أيضا لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبيّ اللاحق أن النبيّ المتقدم أخبر عني وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوّة وبعد الادعاء وظهور صدقه يصير جليا عندهم بلا ريب. ولذلك يعاتبون كما عاتب المسيح عليه‌السلام علماء اليهود بقوله : «ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم». كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا. وعلى مذاق المسيحيين قد يبقى خفيا على الأنبياء فضلا عن العلماء ، بل قد يبقى خفيا على النبيّ المخبر عنه على زعمهم. في الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا : «١٩ وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت ٢٠ فاعترف ولم ينكر وأقرّ أني لست أنا المسيح ٢١ فسألوه من أنت إذا؟ أنت إيلياء؟ فقال لست أنا إيلياء ، فسألوه أنت النبيّ؟ فأجاب لا ٢٢ فقالوا له من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا ما ذا تقول عن نفسك ٢٣ قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبيّ ٢٤ وكان المرسلون من الفريسيين ٢٥ فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبيّ». والألف واللام في لفظ النبيّ الواقع في الآية ٢١ و ٢٥ للعهد ، والمراد النبيّ المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه‌السلام في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء ، على ما صرّح به العلماء المسيحية. فالكهنة واللاويون كانوا من علماء اليهود وواقفين على كتبهم ، وعرفوا أيضا أنه يحيى عليه‌السلام نبيّ ، لكنهم شكوا في أنه المسيح عليه‌السلام أو إيلياء عليه‌السلام أو النبيّ المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه‌السلام ، فظهر منه أن علامات هؤلاء الأنبياء الثلاثة لم تكن مصرّحة في كتبهم بحيث لا يبقى الاشتباه للخواص فضلا عن العوام. فلذلك سألوا أولا أنت المسيح؟ فبعد ما أنكر يحيى عليه‌السلام عن كونه مسيحا ، سألوه أنت إيليا؟ فبعد ما أنكر عن كونه إيلياء أيضا ، سألوه أنت النبيّ المعهود؟ ولو كانت العلامات مصرّحه لما كان للشك محل ، بل ظهر منه أن يحيى عليه‌السلام لم يعرف نفسه أنه إيلياء حتى أنكر ، فقال لست أنا. وقد شهد عيسى أنه إيلياء في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى قول عيسى عليه‌السلام في حق يحيى عليه‌السلام هكذا : «وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي» وفي الباب السابع عشر من إنجيل متّى هكذا : «١٠ وسأله تلاميذه قائلين فلما ذا يقول الكتبة ان إيلياء ينبغي أن يأتي أولا ١١ فأجاب يسوع وقال لهم أن إيلياء يأتي أولا ويرد كل شيء ١٢ ولكني أقول لكم ان إيلياء قد جاء ولم يعرفوه ، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضا فسوف يتألم منهم ١٣ حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان». وظهر من العبارة الأخيرة أن علماء اليهود لم يعرفوه بأنه إيلياء وفعلوا به ما

٤٠٨

فعلوا ، وأن الحواريين أيضا لم يعرفوه بأنه إيلياء ، مع أنهم كانوا أنبياء في زعم المسيحيين وأعظم رتبة من موسى عليه‌السلام ، كانوا اعتمدوا من يحيى ورأوه مرارا ، وكان مجيئه ضروريا قبل إلههم ومسيحهم. وفي الآية ٣٣ من الباب الأول من إنجيل يوحنا قول يحيى هكذا : «وأنا لم أكن أعرفه ، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه ، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس» ومعنى قوله (وأنا لم أكن أعرفه) على زعم القسيسين ، أنا لم أكن أعرفه معرفة جيدة بأنه المسيح الموعود به. فعلم أن يحيى عليه‌السلام ما كان يعرف عيسى عليه‌السلام معرفة يقينية بأن المسيح الموعود به إلى ثلاثين سنة ما لم ينزل الروح القدس ، لعلّ كون ولادة المسيح من العذراء لم يكن من العلامات المختصة بالمسيح ، وإلا فكيف يصح هذا؟ لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن يحيى أشرف الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليه‌السلام ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى ، وأن عيسى عليه‌السلام إلهه وربه على زعم المسيحيين ، وكان مجيئه ضروريا قبل المسيح. وكان كونه إيلياء يقينيا ، فإذا لم يعرف هذا النبيّ الأشرف نفسه إلى آخر العمر ولم يعرف إلهه وربه إلى المدة المذكورة ، وكذا لم يعرف الحواريون الذين هم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية مدة حياة يحيى أنه إيلياء ، فما ذا رتبة العلماء والعوام عندهم في معرفة النبيّ اللاحق بخبر النبيّ المتقدم عنه وترددهم فيه؟ وقيافا رئيس الكهنة كان نبيا على شهادة يوحنا ، كما هو مصرّح به في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيله ، وهو أفتى بقتل عيسى عليه‌السلام وكفّره وأهانه ، كما هو مصرّح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى. ولو كانت علامات المسيح في كتبهم مصرّحة بحيث لا يبقى الاشتباه على أحد ، ما كان مجال لهذا النبيّ ، المفتي بقتل إلهه وبكفره ، أن يفتي بقتله وكفره. ونقل متّى ولوقا في الباب الثالث ومرقس ويوحنا في الباب الأول من أناجيلهم خبر أشعيا في حق يحيى عليهما‌السلام ، وأقر يحيى عليه‌السلام بأن هذا الخبر في حقه على ما صرّح به يوحنا. وهذا الخبر في الآية الثالثة من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا : «صوت المنادي في البرية سهلوا طريق الرب أصلحوا في البوادي سبيلا لإلهنا». ولم يذكر فيه شيء من الحالات المختصة بيحيى عليه‌السلام ، لا من صفاته ولا من زمان خروجه ، ولا مكان خروجه ، بحيث لا يبقى الاشتباه. ولو لم يكن ادعاء يحيى عليه‌السلام بأن هذا الخبر من حقه ، كذا ادعاء مؤلفي العهد الجديد ، لما ظهر هذا للعلماء المسيحية وخواصهم فضلا عن العوام. لأن وصف النداء في البرية هم أكثر الأنبياء الإسرائيلية الذين جاءوا من بعد أشعيا عليه‌السلام ، بل يصدق على عيسى عليه‌السلام أيضا لأنه كان ينادي مثل نداء يحيى عليه‌السلام «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماء». وسيظهر لك في الأمر السادس حال الاخبارات التي

٤٠٩

نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه‌السلام عن الأنبياء المتقدمين عليهم‌السلام. ولا ندّعي أن الأنبياء الذين أخبروا عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إخبار كل منهم بصفته مفصلا ، بحيث لا يكون فيه مجال التأويل للمعاند. قال الإمام الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٤٢] : «واعلم أن الأظهر في الباء في قوله بالباطل أنها باء الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم. والمعنى لا تلبسوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين. وذلك لأن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد عليه‌السلام كان نصوصا خفية تحتاج في معرفتها إلى الاستدلال. ثم أنهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات». انتهى كلامه بلفظه. قال المحقق عبد الحكيم السيالكوتي في حاشيته على البيضاوي : «هذا فصل يحتاج إلى مزيد شرح ، وهو يجب أن يتصوّر أن كل نبيّ أتى بلفظة معرضة وإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، وذلك لحكمة إلهية. وقد قال العلماء ما انفك كتاب منزّل من السماء من تضمن ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لكن بإشارات. ولو كان منجليا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه. ثم ازداد ذلك غموضا بنقله من لسان إلى لسان من العبراني إلى السرياني ، ومن السرياني إلى العربي وقد ذكرت محصلة ألفاظ من التوراة والإنجيل إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوّته عليه‌السلام بتعريض هو عند الراسخين في العلم جلي ، وعند العامة خفي». انتهى كلامه بلفظه.

الأمر الثالث : ادعاء أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبيا آخر غير المسيح وإيلياء ، ادعاء باطل لا أصل له. بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضا ، لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى عليه‌السلام سألوا يحيى عليه‌السلام أولا : أنت المسيح؟ ولما أنكر سألوه : أنت إيلياء؟ ولما أنكر سألوه : أنت النبيّ أي النبيّ المعهود الذي أخبر به موسى؟ فعلم أن هذا النبيّ كان منتظرا مثل المسيح وإيلياء ، وكان مشهورا بحيث ما كان محتاجا إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية. وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا بعد نقل قول عيسى عليه‌السلام هكذا : «٤٠ فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبيّ ٤١ وآخرون قالوا هذا هو المسيح». وظهر من هذا الكلام أيضا أن النبيّ المعهود عندهم كان غير المسيح ، ولذلك قابلوا بالمسيح.

الأمر الرابع : ادعاء أن المسيح خاتم النبيّين ولا نبي بعده باطل. لما عرفت في الأمر الثالث أنهم كانوا منتظرين للنبيّ المعهود الآخر الذي يكون غير المسيح وإيلياء عليهم‌السلام ولما لم يثبت بالبرهان مجيئه قبل المسيح ، فهو بعده. ولأنهم يعترفون بنبوّة الحواريين وبولس ، بل بنبوّة غيرهم أيضا. وفي الباب الحادي عشر من كتاب الأعمال هكذا : «٢٧ في

٤١٠

تلك الأيام انحدر الأنبياء من أورشليم إلى أنطاكية ٢٨ وقام واحد منهم اسمه أغابوس وأشار بالروح أن جوعا عظيما كان عتيدا أن يصير على جميع المسكونة الذي صار في أيام كلوديوس قيصر». فهؤلاء كلهم كانوا أنبياء على تصريح إنجيلهم. وأخبر واحد منهم اسمه أغابوس عن وقوع الجدب العظيم. وفي الباب الحادي والعشرين من الكتاب المذكور هكذا : «١٠ وبينما نحن مقيمون أياما كثيرة انحدر من اليهودية نبي اسمه أغابوس ١١ فجاء إلينا وأخذ منطقة بولس وربط يد نفسه ورجليه ، وقال هذا يقوله الروح القدس الرجل الذي له هذه المنطقة هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم». وفي هذه العبارة أيضا تصريح بكون أغابوس نبيا. وقد يتمسكون لإثبات هذا الادعاء بقول المسيح المنقول في الآية الخامس عشر من الباب السابع من إنجيل متّى هكذا : احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة». والتمسك به عجيب ، لأن المسيح عليه‌السلام أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة لا الأنبياء الصدقة أيضا. ولذلك قيد بالكذبة. نعم لو قال احترزوا من كل نبيّ يجيء بعدي لكان بحسب الظاهر وجه للتمسك ، وإن كان واجب التأويل عندهم لثبوت نبوّة الأشخاص المذكورين. وقد ظهر الأنبياء الكذبة الكثيرون في الطبقة الأولى بعد صعوده ، كما يظهر من الرسائل الموجودة في العهد الجديد في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية إلى أهل قورنثيوس هكذا : «١٢ ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا ، كما نحن أيضا فيما يفتخرون به ١٣ لأن مثل هؤلاء رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح». فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذبة الغدارين ظهروا في عهده وقد تشبهوا برسل المسيح. وقال آدم كلارك المفسر في شرح هذا المقام : «هؤلاء الأشخاص كانوا يدّعون كذبا أنهم رسل المسيح ، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر ، وكانوا يعظون ويجتهدون لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة». وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا : «أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله ، لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم». فظهر من العبارتين أن الأنبياء الكذبة قد ظهروا في عهد الحواريين. وفي الباب الثامن من كتاب الأعمال هكذا : «٩ وكان قبلا في المدينة رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويدهش شعب السامرة قائلا أنه شيء عظيم ١٠ وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة الله العظيمة». وفي الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور هكذا : «ولما اجتازا الجزيرة إلى باقوس وجدا رجلا ساحرا نبيا كذابا يهوديا اسمه باريشوع». وكذا سيظهر الدجالون الكذابون يدّعي كلّ منهم أنه المسيح كما أخبر عيسى عليه‌السلام وقال : «لا يضلكم أحد ، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ، ويضلون كثيرين». كما هو مصرّح به في الباب الرابع والعشرين من

٤١١

إنجيل متّى. فمقصود المسيح عليه‌السلام التحذير من هؤلاء الأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة ، لا من الأنبياء الصادقين أيضا. ولذلك قال بعد القول المذكور في الباب السابع : «من ثمارهم تعرفونهم. هل تجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا». ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنبياء الصادقين ، كما يدل عليه ثماره ، على ما عرفت في المسالك المتقدمة. ولا اعتبار لمطاعن المنكرين ، كما ستعرف في الفصل الثاني. ولأن كل شخص يعلم أن اليهود ينكرون عيسى ابن مريم عليهما‌السلام ويكذبونه ، وليس عندهم رجل أشر منه من ابتداء العالم إلى زمان خروجه ، وكذا ألوف من الحكماء والعلماء ، الذين هم من أبناء صنف القسيسين وكانوا مسيحيين ثم خرجوا عن هذه الملة لاستقباحهم إياها ، ينكرونه ويستهزءون به وبملته وألفوا رسائل كثيرة لإثبات آرائهم ، واشتهرت هذه الرسائل في أكناف العالم ، ويزيد متبعوهم كل يوم في ديار أوروبا. فكما أن إنكار اليهود وهؤلاء الحكماء والعلماء في حق عيسى عليه‌السلام غير مقبول عندنا ، فكذا إنكار أهل التثليث في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مقبول عندنا.

الأمر الخامس : الإخبارات التي نقلها المسيحيون في حق عيسى عليه‌السلام لا تصدق عليه على تفاسير اليهود وتأويلاتهم ، ولذلك هم ينكرونه أشدّ الإنكار. والعلماء المسيحية لا يلتفتون في هذا الباب إلى تفاسيرهم وتأويلاتهم ، ويفسرونها ويؤولونها بحيث تصدق في زعمهم على عيسى عليه‌السلام. قال صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الأول في الصفحة ٤٦ من النسخة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٤٩ : «المعلمون القدماء من الملة المسيحية ادّعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط ، أن اليهود أوّلوا الآيات التي كانت إشارة إلى يسوع المسيح بتأويلات غير صحيحة وغير لائقة وبينوها خلاف الواقع». انتهى وقوله (ادّعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط) غلط يقينا لأن المعلمين القدماء كما ادّعوا هذه الدعوى ادّعوا أن اليهود حرّفوا الكتب تحريفا لفظيا ، كما عرفت في الباب الثاني ، لكني أقطع النظر عن هذا ، وأقول : كما أن تأويلات اليهود في الآيات المذكورة مردودة غير صحيحة وغير لائقة عند المسيحيين ، كذلك تأويلات المسيحيين في الإخبارات التي هي في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مردودة غير مقبولة عندنا. وسترى أن الإخبارات التي تنقلها في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أظهر صدقا من الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه‌السلام. فلا بأس علينا إن لم نلتفت إلى تأويلاتهم الفاسدة. وكما أن اليهود ادعوا في حق بعض الإخبارات التي هي في حق عيسى عليه‌السلام ، على زعم المسيحيين ، أنها في حق مسيحهم المنتظر أو في حق غيره أو ليست في حق أحد ، والمسيحيون يدّعون أنها في حق عيسى عليه‌السلام ولا يبالون بمخالفتهم ، فكذا نحن لا نبالي بمخالفة المسيحيين في حق بعض الإخبارات التي هي في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لو قالوا انها في حق عيسى عليه‌السلام. وسترى أيضا أن صدقها في حق

٤١٢

محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أليق من صدقها في حق عيسى عليه‌السلام. فادّعاؤنا أحقّ من ادعائهم.

الأمر السادس : مؤلفو العهد الجديد باعتقاد المسيحيين ذوو إلهام ، وقد نقلوا الإخبارات في حق عيسى عليه‌السلام. فيكون هذا النقل ، على زعمهم ، بالإلهام. فأذكر نبذا منها بطريق الأنموذج ليقيس المخاطب حال هذه الإخبارات بالإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإن سلك أحد من القسيسين مسلك الاعتساف ، وتصدّى لتأويل الإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك ، يجب عليه أن يوجه أولا الإخبارات التي نقلها مؤلفو العهد الجديد في حق عيسى عليه‌السلام ، ليظهر للمنصف اللبيب حال الإخبارات التي نقلها الجانبان ويقابلهما باعتبار القوة والضعف. وإن غمض النظر عن توجيه الإخبارات العيسوية التي نقلها المؤلفون المذكورون وأوّل الإخبارات المحمدية التي أنقلها في هذا المسلك يكون محمولا على عجزه وتعصبه. لأنك قد علمت في الأمر الثاني والخامس أن المعاند له مجال واسع للتأويل في أمثال هذه الإخبارات. وإنما اكتفيت على نبذ مما نقله مؤلفو العهد الجديد ، لأنه إذا ظهر أن البعض منها غلط يقينا ، والبعض منها محرّف ، والبعض منها لا يصدق على عيسى عليه‌السلام إلا بالادعاء البحت والتحكم الصرف ، ظهر أن حال الإخبارات الأخر التي نقلها المسيحيون الذين ليسوا ذوي إلهام ووحي يكون أسوأ فلا حاجة إلى نقلها. الخبر الأول : ما هو المنقول في الباب الأول من إنجيل متّى وقد عرفت في بيان الغلط الخمسين في الفصل الثالث من الباب الأول أنه غلط. على أن كون مريم عذراء وقت الحبل غير مسلم عند اليهود والمنكرين ، ولا يتمّ عليهم حجة. لأنها قبل ولادة عيسى عليه‌السلام كانت في نكاح يوسف النجار على تصريح الإنجيل. واليهود المعاصرون لعيسى عليه‌السلام يقولون أنه ولد يوسف النجار ، كما هو مصرّح به في الآية ٥٥ من الباب ١٣ من إنجيل متّى ، والآية ٤٥ من الباب ١ ، والآية ٤٢ من الباب السادس من إنجيل يوحنا وإلى الآن يقولون هكذا ، بل أشنع منه ، والعلامة الأخرى المختصة بعيسى عليه‌السلام غير مذكورة في هذا الخبر. والخبر الثاني : ما هو المنقول في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متّى ، وهو إشارة إلى الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا. ولا تطابق عبارة متّى عبارة ميخا وإحداهما محرّفة. وقد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني أن محققيهم اختاروا تحريف عبارة ميخا. لكن ادعاءهم هذا لأجل محافظة الإنجيل فقط ، وعند المخالف باطل. والخبر الثالث : ما هو المنقول في الآية الخامسة عشر من الباب المذكور من إنجيل متّى. والخبر الرابع : ما هو منقول في الآية ١٧ و ١٨ من الباب المذكور. والخبر الخامس : ما هو المنقول في الآية الثالثة والعشرين من الباب المذكور. وهذه الأخبار الثلاثة غلط ، كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول. والخبر السادس : الآية التاسعة

٤١٣

من الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى. وقد عرفت في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني أنه غلط. على أن هذا الحال يوجد في الباب الحادي عشر من كتاب زكريا ولا مناسبة له بالقصة التي نقلها متّى ، لأن زكريا عليه‌السلام بعد ما ذكر اسمي عصوين ورعي قطيع ، يقول هكذا ترجمة عربية سنة ١٨٤٤ : «١٢ وقلت لهم ان حسن في أعينكم فهاتوا أجري وإلا فكفوا. فوزنوا أجري ثلاثين من الفضة ١٣ وقال لي الرب : ألقها إلى صناع التماثيل ثمنا كريما اثموني به. فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها في بيت الرب إلى صناع التماثيل». فظاهر كلام زكريا أنه بيان حال لا إخبار عن الحادثة الآتية ، وأن يكون آخذ الدراهم من الصالحين مثل زكريا عليه‌السلام لا من الكافرين مثل يهودا. والخبر السابع : ما نقله مقدسهم بولس في الآية السادسة من الباب الأول من الرسالة العبرانية. وقد عرفت حاله في الفصل الثالث أنه غلط لا يصدق على عيسى عليه‌السلام. والخبر الثامن : الآية الخامسة والثلاثون من الباب الثالث عشر من إنجيل متّى هكذا : «لكي يتمّ ما قيل بالنبيّ القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتوبات منذ تأسيس العالم». وهو إشارة إلى الآية الثانية من الزبور الثامن والسبعين ، لكنه ادعاء محض وتحكم بحت. لأن عبارة هذا الزبور هكذا : «٢ أفتح بالأمثال فمي وأنطق بالذي كان قديما ٣ كل ما سمعناه وعرفناه وآباؤنا أخبرونا ٤ ولم يخفوه عن أولادهم إلى الجيل الآخر ، إذ يخبرون بتسابيح الرب وقواته وعجائبه التي صنع ٥ إذ أقام الشهادة في يعقوب ووضع الناموس في إسرائيل ، كل الذي أوصى آباؤنا ليعرّفوا به أبناءهم ٦ لكيما يعلم الجيل الآخر بينهم المولدين ٧ فيقومون أيضا ويخبرون به أبناءهم ٨ لكي يجعلوا اتّكالهم على الله ، ولا ينسوا أعمال الله ويلتمسوا وصايا ٩ لئلا يكونوا مثل آبائهم الجيل الأعرج المتمرد الذي لم يستقم قلبه ولا آمنت بالله روحه». وهذه الآيات الصريحة في أن داود عليه‌السلام يريد نفسه ، ولذا عبّر عن نفسه بصيغة المتكلم ، ويروي الحالات التي سمعها من الآباء ليبلغ إلى الأبناء على حسب عهد الله ، لتبقى الرواية محفوظة. وبيّن من الآية العاشرة إلى الخامسة والستين حال إنعامات الله والمعجزات الموسوية وشرارة بني إسرائيل وما لحقهم بسببها ثم قال : «٦٥ واستيقظ الرب كالنائم مثل الجبار المفيق من الخمر ٦٦ فضرب أعداءه في الوراء وجعلهم عارا إلى الدهر ٦٧ وأبعد محله يوسف ولم يختر سبط إفرام ٦٨ بل اختار سبط يهوذا لجبل صهيون الذي أحب ٦٩ وبنى مثل وحيد القرن قدّسه وأسسه في الأرض إلى الأبد ٧٠ واختار داود عبده وأخذه من مراعي الغنم ٧١ ومن خلف المرضعات أخذه ليرعى من مراعي الغنم ٧١ ومن خلف المرضعات أخذه ليرعى يعقوب عبده وإسرائيل ميراثه ٧٢ فرعاهم بدعة قلبه وبفهم يديه أهداهم». وهذه الآيات الأخيرة أيضا دالة صراحة في أن هذا الزبور في حق داود عليه‌السلام. فلا علاقة لهذا بعيسى عليه‌السلام. والخبر التاسع : في الباب الرابع من

٤١٤

إنجيل متّى هكذا : «١٤ لكي يتمّ ما قيل بأشعيا النبيّ القائل ١٥ أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ١٦ الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما ، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور». وهو إشارة إلى الآية الأولى والثانية من الباب التاسع من كتاب أشعيا وعبارته هكذا : «في الزمان الأول استخفت أرض زبولون وأرض نفتالي ، وفي الآخر تثقلت طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم ٢ الشعب السالك في الظلمة رأى نورا عظيما. الساكنون في بلاد ظلال الموت أشرق عليهم نور». وفرّق ما بين العبارتين ، فإحداهما محرفة. ومع قطع النظر عن هذا ، إلا دلالة لكلام أشعيا على ظهور شخص ، بل الظاهر أن أشعيا عليه‌السلام يخبر أن حال سكان أرض زبلون ونفتالي كان سقيما في سالف الزمان ثم صار حسنا ، كما تدل عليه صيغ الماضي ، أعني (استخفت وتثقلت ورأى وأشرق) وإن عدلنا عن الظاهر وحملنا على المجاز بمعنى المستقبل ، وقلنا أن رؤية النور وإشراقه عليهم عبارة عن مرور الصلحاء بأرضهم ، فادعاء أن مصداق هذا الخبر عيسى عليه‌السلام فقط تحكم صرف ، لأن كثيرا من الأولياء والصلحاء مرّ بتلك الأرض ، سيما أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأولياء أمته أيضا الذين زالت ظلمة الكفر والتثليث من هذه الديار بسببهم وظهر نور التوحيد وتصديق المسيح كما ينبغي. وأكتفي خوفا من التطويل على هذا القدر ، ونقلت الأخبار الأخر أيضا في إزالة الأوهام وغيره من مؤلفاتي وبينت وجوه ضعفها.

الأمر السابع (١) : ان أهل الكتاب سلفا وخلفا ، عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالبا الأسماء في تراجمهم ويوردون بدلها معانيها. وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد. وأنهم يزيدون تارة شيئا بطريف التفسير في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم ، ولا يشيرون إلى الامتياز. وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم. ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة ، وجد شواهد تلك الأمور كثيرة. وأنا أورد أيضا بطريق الأنموذج بعضا منها. / ١ / في الآية الرابعة عشر من الباب السادس عشر من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «لذلك دعت اسم تلك البير بير الحي الناظرني فترجموا اسم البئر الذي كان في العبراني بالعربي. / ٢ / وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ هكذا : «سمى إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم الله زائره». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة

__________________

(١) كان المؤلف قد أورد الأخبار التسعة في متن الأمر السادس الذي هو أحد الأمور التي يتضمّنها المسلك السادس (ص ١٨٣) من الفصل الأول من الباب السادس من هذا الكتاب. وهو في ما يلي من فقرات يتابع تفصيل أمور هذا المسلك.

٤١٥

١٨٤٤ : «دعا اسم ذلك الموضع الرب يرى». فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم الله زائره ، والمترجم الثاني بالرب يرى / ٣ / وفي الآية العشرين من الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «فكتم يعقوب أمره عن حميه». وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨٢٥ لفظ (لابان) موضع حميه ، فوضع مترجمو العربية لفظ (الحمي) موضع الاسم. / ٤ / وفي الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٤٤ : «فلا يزول القضيب من يهودا والمدبر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم». فقوله (الذي له الكل) ترجمة لفظ (شيلوه) وهذه الترجمة موافقة للترجمة اليونانية. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ «فلا يزول القضيب من يهودا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه يجتمع الشعوب». وهذا المترجم ترجم لفظ شيلوه (بالذي هو له). وهذه الترجمة موافقة للترجمة السريانية. وترجم هذا اللفظ محققهم المشهور ليكلرك (بعاقبته) وفي ترجمة اردو المطبوعة سنة ١٨٢٥ وقع لفظ (شيلا) وفي الترجمة اللاطينية (ولتكيت) أي (الذي سيرسل). فالمترجمون ترجموا لفظ (شيلوه) بما ظهر وترجّح عندهم. وهذا اللفظ كان بمنزلة الاسم للشخص المبشّر به. / ٥ / وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثالث من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٤٤ فقال الله لموسى : «أهيه أشراهيه». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ : «قال له الأزلي الذي لا يزال». فلفظ «أهيه أشراهيه» كان بمنزلة اسم الذات ، فترجمه المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال. / ٦ / وفي الآية الحادية عشر من الباب الثامن من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «تبقى في النيل فقط». / ٧ / وفي الآية الخامسة عشر من الباب السابع عشر من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٢٥ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «فابتنى موسى مذبحا ودعا اسمه الرب عظمتي». وترجمة أردو موافقة لهذه الأخيرة. فأقول مع قطع النظر عن الاختلاف أن المترجمين ترجموا الاسم العبراني. / ٨ / وفي الآية الثالثة والعشرين من الباب الثلاثين من سفر الخروج في الترجمتين المذكورتين هكذا : «من ميعة فائقة». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ «من المسك الخالص». وبين الميعة والمسك فرق ما ، ففسّروا الاسم العبراني بما ترجّح عندهم. / ٩ / وفي الآية الخامسة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمتين المذكورتين هكذا : «فمات هناك موسى عبد الرب». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ هكذا : «فمات هناك موسى رسول الله». فهؤلاء المترجمون لو بدلوا في البشارات المحمدية لفظ رسول الله بلفظ آخر فلا استبعاد منهم. / ١٠ / وفي الآية الثالثة عشر من الباب العاشر من كتاب يوشع

٤١٦

في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «أليس هذا مكتوبا في سفر الأبرار». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ : «أليس هو مكتوبا في سفر المستقيم». وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٨ لفظ (ياصار) موضع (الأبرار) أو (المستقيم) وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٤٥ لفظ (ياشر) وفي الترجمة اردو المطبوعة سنة ١٨٢٥ لفظ (ياشا) لعلّ ياصار أو ياشار أو ياشا اسم مصنف الكتاب. فترجم مترجمو العربية هذا الاسم على آرائهم بالأبرار أو المستقيم. / ١١ / وفي الباب الثامن من كتاب أشعيا في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٩ هكذا (وخداوند مرا فرمود كه لوحي بزرك بكير واز قلم كند كارد رباب مهر شالال جشنر بنويس) ٣ (أورامهر شالال جشنر نام ينه). وترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨٢٥ توافقها. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «١ وقال لي الرب خذلك مدرجا عظيما واكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلا أسلب سريعا ٣ ادع اسمه أغنم بسرعة وانهب عاجلا». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ : «١ وقال لي الرب خذلك مدرجا صحيحا صحيفة جديدة كبيرة واكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر ٣ ادع اسمه اغنم بسرعة وانهبوا تجده». فكان اسم الابن (مهر شالال جاشنر) فترجم مترجمو العربية هذا الاسم على آرائهم ، وخالفوا فيما بينهم ومع قطع النظر عن المخالفة زاد مترجم العربية المطبوعة سنة ١٨١١ ألفاظا من قبل نفسه. فأمثال هؤلاء لو بدلوا في البشارات المحمدية اسما من اسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو زادوا شيئا فلا استبعاد منهم. لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم. / ١٢ / وفي الآية الرابعة عشر من الباب الحادي عشر من إنجيل متّى في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «فإن أردتم أن تقبلوه فهو إيلياء المزمع أن يأتي». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ : «فإن أردتم أن تقبلوه فهذا هو المزمع بالإتيان». فالمترجم الأخير بدل لفظ إيلياء بهذا. فأمثال هؤلاء لو بدلوا اسما من أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في البشارة فلا عجب. / ١٣ / وفي الآية الأولى من الباب الرابع من إنجيل يوحنا في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٦٠ «لما علم الرب». فبدل المترجمان الأخيران لفظ (يسوع) الذي كان علم عيسى عليه‌السلام (بالرب) الذي هو من الألفاظ التعظيمية. فلو بدلوا اسما من أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالألفاظ التحقيرية لأجل عادتهم وعنادهم فلا عجب.

وهذه الشواهد (١) تدل على ترجمة الأسماء وإيراد لفظ آخر بدلها : / ١ / في الباب

__________________

(١) يورد المؤلف هنا شواهد أخرى غير تلك التي سبقتها في الفقرة السابقة. وهذه الشواهد الآتي ذكرها تشير إلى إبدال لفظ بلفظ آخر في ترجمات الكتب المقدسة عند المسيحيين. بينما كانت الشواهد السابقة تشير إلى إبدال أسماء العلم في الترجمات نفسها.

٤١٧

السابع والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما شبقتني؟ أي إلهي إلهي لما ذا تركتني؟». وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا : «وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : الوي الوي لما شبقتني؟ الذي تفسيره : إلهي إلهي لما ذا تركتني؟». فلفظ (أي إلهي إلهي لما ذا تركتني) في إنجيل متّى وكذا لفظ (الذي تفسيره إلهي إلهي لما ذا تركتني) من إنجيل مرقس ليسا من كلام الشخص المصلوب يقينا ، بل ألحقا بكلامه. / ٢ / في الآية السابعة عشر من الباب الثالث من إنجيل مرقس هكذا : «لقبهما ببوان رجس أي ابني الرعد». فلفظ (أي ابني الرعد) ليس من كلام عيسى عليه‌السلام بل هو الحاقي. / ٣ / في الآية الحادية والأربعين من الباب الخامس من إنجيل مرقس هكذا : «وقال لها طليثا قومي الذي تفسيره يا صبية لك أقول قومي». فهذا التفسير الحاقي ليس من كلام عيسى عليه‌السلام. / ٤ / في الآية الرابعة والثلاثين من الباب السابع من إنجيل مرقس في الترجمة المطبوعة سنة ١٨١٦ : «ونظر إلى السماء وتأوّه وقال افثا يعني انفتح». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ «ونظر إلى السماء وقال افاثا الذي هو انفتح». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «ونظر إلى السماء وتنهد وقال له انفتح الذي هو انفتح». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ هكذا : «ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثا أي انفتح». ومن هذه العبارة ، وإن لم يعلم صحة اللفظ العبراني أهو إفثا أو أفاثا أو انفتح أو إفثا لأجل اختلاف التراجم التي منشأ اختلافها عدم صحة ألفاظ أصولها ، لكنه يعلم يقينا أن لفظ (أي انفتح) أو (الذي انفتح) الحاقي. ليس من كلام عيسى عليه‌السلام. وهذه الأقوال المسيحية الأربعة التي نقلتها من الشاهد الأول إلى هاهنا تدل على أن المسيح عليه‌السلام كان يتكلم باللسان العبراني الذي كان لسان قومه ، وما كان يتكلّم باليوناني. وهو قريب القياس لأنه كان عبرانيا ابن عبرانية نشأ في قومه العبرانيين ، فنقل أقواله في هذه الأناجيل في اليوناني نقل بالمعنى. وهذا أمر آخر زائد على كون أقواله مروية برواية الآحاد. / ٥ / في الآية الثامنة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا : «فقالا له ربي الذي تفسيره يا معلم». فقوله (الذي تفسيره يا معلم) الحاقي ليس من كلامهما / ٦ / في الآية الحادية والأربعين من الباب المذكور في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ وسنة ١٨٤٤ «قد وجدنا مسيا الذي تأويله المسيح». وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ (ما مسيح را كه ترجمة آن كرسطوس مى باشد يافتيم) وترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨١٤ توافق الفارسية. فيعلم من الترجمتين العربيتين أن اللفظ الذي قاله اندراوس هو مسيا ، وأن المسيح ترجمته. ومن الترجمة الفارسية وأردو أن اللفظ الأصل هو المسيح وكرسطوس ترجمته. ويعلم من ترجمة اردو المطبوعة سنة ١٨٣٩ أن اللفظ الأصل خرسته وأن المسيح ترجمته فلا يعلم من

٤١٨

كلامهم أن اللفظ الأصل أي لفظ كان مسيا أو المسيح أو خرسته. وهذه الألفاظ وإن كان معناها واحدا ، لكن لا شك أن الذي قاله اندراوس هو واحد من هذه الثلاثة يقينا ، وإذا ذكر اللفظ والتفسير ، فلا بدّ من ذكر اللفظ الأصل أولا ، ثم من ذكر تفسيره. لكني أقطع النظر عن هذا وأقول ان التفسير المشكوك أيا كان إلحاقيا ليس من كلام اندراوس. / ٧ / في الآية الثانية والأربعين من الباب الأول من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه‌السلام في حق بطرس الحواري في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ هكذا : «أنت تدعى ببطرس الذي تأويله الصخرة». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ (ستسمى أنت بالصفا المفسر ببطرس». وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ (ترابكيفاس كه ترجمة آن سنك است ندا خواهند كرد». أمطر الله حجارة على تحقيقهم ، وتصحيحهم لا يتميز من كلامهم المفسّر عن المفسّر. لكني أقطع النظر عن هذا وأقول ان التفسير ليس من كلام المسيح عليه‌السلام ، بل هو إلحاقي. وإذا كان حال تراجمهم وحال تحقيقهم في لقب إلههم ولقب خليفته ، كما علمت ، فكيف نرجو منهم صحة بقاء لفظ محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ / ٨ / في الآية الثانية من الباب الخامس من إنجيل يوحنا في حق البركة في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٣٣ : «تسمى بالعبرانية بيت صيدا». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ : «يقال لها بالعبرانية بيت حسدا». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ : «تسمى بالعبرانية بيت حصدا أي بيت الرحمة». فالاختلاف بين صيدا وحسدا وحصدا ، وإن كان ثمرة من ثمرات تصحيحهم الكتب السماوية. لكني أقطع النظر عنه وأقول : المترجم الأخير زاد التفسير من جانب نفسه في الكلام الذي هو كلام الله في زعمه ، فلو زادوا شيئا بطريق التفسير من جانب أنفسهم في البشارات المحمدية فلا بعد منهم / ٩ / في الآية السادسة والثلاثين من الباب التاسع من كتاب الأعمال هكذا : «وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي ترجمته غزالة». / ١٠ / في الآية الثامنة من الباب الثالث عشر من كتاب الأعمال في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ : «فناصبهما اليماس الساحر لأن هكذا يترجم اسمه». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ : «فقاومهما عليم الساحر لأن هكذا يترجم». وفي بعض تراجم أردو لفظ الماس ، وفي بعضها الماء. فمع قطع النظر عن الاختلاف في أن اسمه اليماس أو عليم أو الماس أو الماء ، أقول : إن ترجمة اسمه إلحاقية / ١١ / في آخر رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنثيوس في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ هكذا : «إلا ومن لا يحبّ ربنا المسيح فليكن ملعونا مارن أتى» وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا «ومن لا يحب ربنا يسوع المسيح فليكم محروما ما ران أتى». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ (إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن إناثيما ما ران اثا». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ :

٤١٩

«من لا يحبّ الرب يسوع المسيح فليكن مفروزا مارن أتى أي الرب قد جاء». فمع قطع النظر عن صحة اللفظ الأصل ، أقول ان المترجم الأخير قد زاد من جانب نفسه التفسير ، وقال أي الرب قد جاء. وهذه شواهد التفسير. فثبت مما ذكرنا أن ترجمة الأسماء أو تبديلها بألفاظ أخر ، وكذا إلحاق التفسيرات من جانب أنفسهم من عاداتهم الجيلية سلفا وخلفا. فلا بعد في أن ترجموا اسما من أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بدلوه بلفظ آخر أو زادوا بطريق التفسير أو غير التفسير شيئا بحيث يخل الاستدلال بحسب الظاهر. ولا شك أن اهتمامهم في هذا الأمر كان زائدا على الاهتمام الذي كان لهم في مقابلة فرقهم ، وما قصروا في التحريف في مقابلتهم ، على ما عرفت في الباب الثاني من قول هورن : «إن هذا الأمر أيضا. محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين ، وكانت هذه التحريفات ترجّح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد. مثلا ترك قصدا الآية الثالثة والأربعين من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الديانة ظنوا أن تقوية الملك للرب مناف لألوهيته ، وتركت قصدا في الباب الأول من إنجيل متّى هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشر. وهذه الألفاظ ابنها البكر في الآية الخامسة والعشرين لئلا يقع الشك في البكارة الدائمة لمريم عليها‌السلام ، وبدل لفظ اثنتي عشرة بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس لئلا يقع إلزام الكذب على بولس ، لأن يهوذا الاسخريوطي كان قد مات قبل ، وترك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس ، ورد هذه الألفاظ بعض المرشدين أيضا لأنهم تخيلوا أنها مؤيدة لفرقة إيرين ، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية وأتهيؤ بك وغيرها من التراجم وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة يؤتي كينس لأنها كانت تنكر أن عيسى فيه صفتان». انتهى كلامه. فإذا كانت خصلة أهل الدين والديانة ما عرفت ، فما ظنك بغير أهل الديانة؟ بل الحق أن التحريف القصدي بالتبديل والزيادة والنقصان من خصالهم كلهم أجمعين. فبعض الإخبارات التي نقلها العلماء الأسلاف من أهل الإسلام مثل الإمام القرطبي وغيره ولا تجدها موافقة في بعض الألفاظ للتراجم المشهورة الآن فسببه غالبا هذا التغير ، لأن هؤلاء العلماء من أهل الإسلام نقلوا عن الترجمة العربية التي كانت رائجة في عهدهم ، وبعد زمانهم وقع الإصلاح في تلك الترجمة. ويحتمل أن يكون ذاك السبب اختلاف التراجم ، لكن الأول هو المعتمد لأنا نرى أن هذه العادة جارية إلى الآن في تراجمهم ورسائلهم. ألا ترى إلى ميزان الحق أن نسخه ثلاث : الأولى النسخة القديمة ورد عليها صاحب الاستفسار ، ولما رد عليها وتنبه مصنفها أصلح النسخة القديمة فزاد في بعض المواضع ، ونقص في البعض ، ثم

٤٢٠