إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

قطعا. وظهر أن رأي أكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن في باب الأناجيل في غاية القوة.

القول التاسع : قد عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول أن أكستاين والقدماء المسيحيين كانوا يقولون إن اليهود حرّفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة ولعناد الدين المسيحي ، وصدر هذا التحريف عنهم في سنة ١٣٠ ، وان المحقّقين هيلز وكني كات : يقولان ، كما قال القدماء. وأثبت هيلز بالأدلة القوية صحة النسخة السامرية. وقال كني كات : إن اليهود حرّفوا التوراة قصدا. وما قال محقّقو كتب العتيق والجديد إن السامريين حرّفوه قصدا لا أصل له.

القول العاشر : قد عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول أن كني كات ادّعى صحة السامرية. وكثير من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها ، ويجزمون بأن اليهود حرّفوا لأجل عداوة السامريين.

القول الحادي عشر : قد عرفت في الشاهد الحادي عشر من المقصد الأول إقرار آدم كلارك المفسّر بأنه وقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخر. والاجتهاد في التطبيق عبث. والأحسن أن يسلّم في أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظّفر. وقد عرفت إقراره في الشاهد الثامن عشر بأنه حصل لنا موضع الاستغاثة كثيرا بوقوع التحريف في أعداد كتب التواريخ.

القول الثاني عشر : قد عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول أن آدم كلارك مختاره أن اليهود حرّفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفا قصديا ، كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة.

القول الثالث عشر : قد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول أن هورن سلّم تحريف اليهود في اثنتي عشرة آية.

القول الرابع عشر : قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كنيسة كاتلك أجمعت على صحة سبعة كتب مرّ تفصيلها في ذلك الشاهد ، وعلى كونها إلهاميّة. وكذلك أجمعت على صحة الترجمة اللّاطينية. وان علماء بروتستنت يقولون إن الكتب المذكورة محرّفة واجبة الردّ. وإن هذه الترجمة وقع فيها التحريفات والإلحاقات الكثيرة من القرن الخامس عشر ، ولم تحرّف ترجمة من التراجم مثل اللّاطينية ، ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر ، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن.

٢٠١

القول الخامس عشر : قد عرفت في الشاهد السادس والعشرين من المقصد الثاني أن آدم كلارك اختار ما اختار كني كات ، فقال : كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزيّنوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة. انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أستير ، وإلى حكاية الخمر والنساء والصدقة التي زيدت في كتاب عزرا ونحميا ويسمى الآن بالكتاب الأول لعزرا ، وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال ، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفس. أقول : لمّا كان مثل هذا التحريف سببا لتزيين الكتب ما كان مذموما عندهم ، فكانوا يحرّفون بلا مبالاة ، سيما إذا عملوا على المقولة المشهورة المسلّمة عندهم التي مرّ ذكرها في القول السادس فكان بعض التحريفات من المستحبّات الدينية.

القول السادس عشر : قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن آدم كلارك اعترف بأن كثيرا من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى أصحّ.

القول السابع عشر : قد عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث أن التتمّة التي في آخر كتاب أيوب في الترجمة اليونانية جعليّة عند بروتستنت ، مع أنها كتبت قبل المسيح ، وكانت داخلة في الترجمة المسطورة في عهد الحواريين ، وكانت مسلّمة عند القدماء.

القول الثامن عشر : قد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث قول كريزاستم ان اليهود ضيّعوا كتبا لأجل غفلتهم ، بل لأجل عدم ديانتهم ، ومزّقوا بعضها وأحرقوا البعض. وقوله هو المختار عند فرقة كاتلك.

القول التاسع عشر : قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان الترجمة اليونانية : «هذه الترجمة قديمة جدا ، وكانت معتبرة غاية الاعتبار فيما بين اليهود والقدماء المسيحيين ، وكانت تقرأ دائما في معابد الفريقين. وما نقل المشايخ المسيحية ، لاطينيين كانوا أو يونانيين ، إلّا عنها. وكل ترجمة سلّمها الكنيسة المسيحية غير ترجمة سريك ترجمت منها في ألسنة أخرى ، مثل العربية والأرمنية وترجمة أتهيوبك وترجمة أتالك القديمة والترجمة اللّاطينية التي كانت مستعملة قبل جيروم ، وتقرأ هذه فقط إلى هذا اليوم في الكنيسة اليونانية والكنائس المشرقية». ثم قال : «والحقّ عندنا أنها ترجمت قبل ميلاد المسيح بمائتين وخمس وثمانين سنة أو بمائتين وستّ وثمانين سنة». ثم قال : «ويكفي لكمال شهرته دليل واحد وهو أن مصنّفي العهد الجديد ما نقلوا الفقرات الكثيرة إلّا عنها. وجميع المشايخ القدماء غير أرجن وجيروم ما كانوا واقفين على اللسان العبراني ، وكانوا مقتدين في النقل عنها للذين كتبوا

٢٠٢

بالإلهام. وهؤلاء الناس ، وإن كانوا في باب الدين في غاية الاجتهاد ، لكنهم مع ذلك ما يعلمون اللسان العبري الذي هو أصل الكتب ، وكانوا راضين بهذه الترجمة وكانوا يفهمونها كافية في جميع مطالبهم ، والكنيسة اليونانية كانت تعتقدها كتابا مقدسا وتعظّمها». ثم قال : «وهذه الترجمة كانت تقرأ في الكنيسة اليونانية واللّاطينية إلى ألف وخمسمائة. وكان السند يؤخذ منها ، وكانت هذه معتبرة في معابد اليهود في أول القرن ثم لمّا استدلّ المسيحيون عليهم من هذه الترجمة ، أطالوا ألسنتهم على هذه بأنها ليست موافقة للمتن العبري ، وجعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها ، ثم تركوها واختاروا ترجمة أيكوئلا. ولمّا كانت مستعملة في اليهود إلى أول القرن المسيحي ، وفي المسيحيين إلى مدة ، فكثرت نقولها ووقعت فيها الأغلاط بسبب تحريف صدر عن اليهود قصدا ، وكذلك بسبب غلط الكاتبين ودخول عبارة الشرح والحاشية في المتن». انتهى بقدر الحاجة. وقال وارد من علماء كاتلك في الصفحة ١٨ من كتابه المطبوع سنة ١٨٤١ : «إن ملحدي المشرق حرّفوها». انتهى. فثبت من إقرار محقّق فرقة بروتستنت أن اليهود حرّفوها قصدا حيث قال أولا : (جعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها) ثم قال ثانيا : (بسبب تحريف صدر عن اليهود قصدا). وهذا التحريف صدر عنهم لأجل عناد الدين المسيحي كما هو مصرّح في كلام المحقّق المذكور. فلا مجال لفرقة بروتستنت أن ينكروا التحريف القصدي الذي صدر عن اليهود في هذه الترجمة ، وعند فرقة كاتلك أيضا التحريف القصدي فيها مسلّم. فالفرقتان في الاعتراف بهذا التحريف متّفقتان. فأقول على قول فرقة بروتستنت ، إذا حرّفت اليهود لعناد الدين المسيحي هذه الترجمة المشهورة التي كانت مستعملة في جميع معابدهم إلى أربعمائة سنة ، وكذا في جميع معابد المسيحيين شرقا وغربا ، وما خافوا الله ولا طعن الخلق ، وأثر تحريفهم في هذه النسخة المشورة ، فكيف لا يجزم أنهم حرّفوا بالتحريف القصدي النسخة العبرانية التي في أيديهم. ولم تكن منتشرة بين المسيحيين ، بل لم تكن مستعملة فيما بينهم إلى القرن الثاني؟ وأثر تحريفهم سواء كان ذلك التحريف إما لأجل عناد الدين المسيحي كما قال القدماء وأكستائن على ما عرفت ، وكما اختار آدم كلارك على ما عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول وفي القول الثاني عشر ، وكما اعترف به هورن مع تعصّبه في ستّة مواضع في اثنتي عشرة آية على ما عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول ، وفي القول الثالث عشر ، وإما لأجل عناد السامريين ، كما هو مختار كني كات وآدم كلارك وكثير من العلماء ، وكما عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول في القول العاشر ، وإما للعناد الذي كان فيما بينهم ، كما صدر عن فرق المسيحيين في القرن الأول وبعده ، كما عرفت في الأقوال السابقة. وستعرف في القول الثلاثين إن هذا التحريف

٢٠٣

القصدي صدر عن الذين كانوا من أهل الديانة وعن المسيحيين الصادقين في زعمهم لأجل مخالفة المسيحيين الآخرين. لم يكونوا كذلك في زعمهم ، ولا عجب ، لأن مثل هذا كان عندهم بمنزلة المستحبّات الدينية وعين مقتضى الديانة ، على ما حكمت به المقولة المشهورة المسلّمة فيما بين القدماء التي مرّ ذكرها في القول السادس ، وإما لوجوه أخر كانت مقتضية للتحريف في زمانها. أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايزيدخان فسمّي بعبد السلام وهو ألّف رسالة صغيرة في الردّ على اليهود سمّاها بالرسالة الهادية. وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام. فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا : «اعلم انّا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمّى عندهم بالتلمود ، أن في زمان تلماي الملك ، وهو بعد بخت نصّر ، أن تلماي الملك قد طلب من أحبار اليهود التوراة. فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكرا لبعض أوامره. فاجتمع سبعون رجلا من أحبار اليهود فغيّروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفا منه. فإذا أقرّوا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟». انتهى كلامه بلفظه. وأقول على قول علماء كاتلك إن ملحدي المشرق إذا حرّفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقا وغربا ، سيما في كنيستكم أيضا ألف وخمسمائة سنة على ما حقّق هورن ، وأثر تحريفهم في نسخها ، فكيف يرد قول علماء بروتستنت في تحريفكم الترجمة اللّاطينية التي كانت مستعملة في كنيستكم؟ لا والله هم الصادقون في هذا الباب.

القول العشرون : في المجلد الرابع من إنسائي كلوبيدياريس في بيان بيل : «قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة ، كتب ما بين ألف وألف وأربعمائة. واستدلّ من هذا وقال : إن جميع النّسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود ، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنّسخ التي كانت معتمدة عندهم. ونظرا إلى هذا قال والتن أيضا : إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلّما توجد ، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية النّدرة». انتهى. فأقرّ داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة بروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق ، أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه ، بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف أربعمائة. وبيّن وجهه أن اليهود ضيّعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة. وهكذا قال والتن : أقول : إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأزيد من مائتين. فلما انمحت جميع النّسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم ، وأثر تحريفهم أثرا بلغ إلى هذه الرتبة ، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها ، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا. فلا

٢٠٤

استبعاد في تحريفهم بعد هذا الزمان ، بل الحقّ أن كتب أهل الكتاب ، قبل إيجاد صنعة الطبع ، كانت صالحة للتحريف في كل قرن من القرون ، بل هم لا يمتنعون ولا يبالون بعد إيجادها أيضا ، كما رأيت حال متّبعي لوطر بالنسبة إلى ترجمته في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني.

القول الحادي والعشرون : قال المفسّر هارسلي في الصفحة ٢٨٢ من المجلد الثالث من تفسيره في مقدمة كتاب يوشع : «هذا القول ان المتن المقدّس حرّف لا ريب فيه وظاهر من اختلاف النّسخ ، لأن العبارة الصحيحة في العبارات المختلفة لا تكون إلّا واحدة. وهذا الأمر مظنون ، بل أقول قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جدا دخلت في بعض الأحيان في المتن المطبوع. لكن لم يظهر لي دليل على أن التحريفات في كتاب يوشع أكثر من سائر كتب العهد العتيق». ثم قال في الصفحة ٢٧٥ من المجلد الثالث : «هذا القول صادق البتّة أن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان بعد حادثة بخت نصّر ، بل لعلّ قبلها أيضا قبلية يسيرة في أشنع حالة التحريف بالنسبة إلى الحالة التي حصلت له في وقت ما بعد تصحيح عزرا». انتهى. فكلام هذا المفسّر غير محتاج إلى البيان.

القول الثاني والعشرون : قال واتسن في الصفحة ٢٧٣ من المجلد الثالث من كتابه : «مضت مدة على أن أرجن كان يشكو عن هذه الاختلافات ، وكان ينسب إلى أسباب مختلفة مثل تغافل الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم. وقال حيروم إنّي لمّا أردت ترجمة العهد الجديد قابلت نسخة التي كانت عندي فوجدت اختلافا عظيما». انتهى.

القول الثالث والعشرون : قال آدم كلارك في المقدمة من المجلد الأول من تفسيره :

«كانت الترجمات الكثيرة باللسان اللّاطيني من المترجمين المختلفين موجودة قبل جيروم ، وكان بعضها محرّفا في غاية درجة التحريف ، وبعض مواضعها مناقضا للمواضع الأخر ، كما يستغيث جيروم». انتهى.

القول الرابع والعشرون : قال وارد كاتلك في الصفحة ١٧ و ١٨ من كتابه المطبوع سنة ١٨٤١ : «قال داكتر همفري في الصفحة ١٧٨ من كتابه : إن أوهام اليهود خرب (يعني كتب العهد العتيق) في مواضع بحيث يتنبّه عليها القارئ بسهولة. ثم قال خرّب علماء اليهود بشارات المسيح تخريبا عظيما. ثم قال عالم من علماء بروتستنت : إن المترجم القديم قرأ على نهج ، ويقرأ اليهود الآن على نهج آخر. وعندي أن نسبة الخطأ إلى الكتابين من اليهود وإلى أيمانهم خير من نسبته إلى جهل المترجم القديم وتساهله ، لأن محافظة الزبور قبل المسيح وبعده كانت في اليهود أقل من محافظة غناءاتهم». انتهى.

٢٠٥

القول الخامس والعشرون : كتب فيلبس كوادنولس الراهب في ردّ كتاب أحمد الشريف بن زين العابدين الأصفهاني كتابا سمّاه بالخيالات ، وطبع هذا الكتاب سنة ١٦٤٩ ، فقال في الفصل السادس منه : «يوجد التحريف كثيرا جدا في النسخة القصاعية ، سيما في كتاب سليمان ، ونقل ربّ أقيلا المشتهر بالكليس التوراة كله ، وكذا نقل ربّ يونثا بن عزيال كتاب يوشع ابن نون وكتاب القضاة وكتاب السلاطين وكتاب أشعياء وكتب الأخر للأنبياء ، ونقل ربّ يوسف أعمى الزبور وكتاب أيوب وراعوث وأستير وسليمان. وهؤلاء كلهم حرّفوا ، ونحن النصرانيون حافظنا هذه الكتب لنلزم اليهود إلزام التحريف ونحن لا نسلّم أباطيلهم».

انتهى. فهذا الراهب في القرن السابع عشر يشهد على تحريف اليهود.

القول السادس والعشرون : قال هورن في الصفحة ٦٨ من المجلد الأول : «فليسلّم في باب الإلحاق أنه وجدت الفقرات الكذائية في التوراة». ثم قال في الصفحة ٤٤٥ من المجلد الثاني : «المقامات المحرّفة في المتن العبراني قليلة أي تسعة فقط كما ذكرنا أولا». انتهى.

القول السابع والعشرون : وصل عرض حال من فرقة بروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون : «إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي (٢٠٠) موضع تخمينا». انتهى.

القول الثامن والعشرون : قال مستر كارلائل : «المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب ، وأخفوا الحق ، وخدعوا الجهّال ، وجعلوا مطلب الإنجيل الذي كان مستقيما معوّجا ، وعندهم الظلمة أحبّ من النور ، والكذب أحقّ من الصدق».

القول التاسع والعشرون : استدعى مستر بروتن من أراكين كونسل للترجمة الجديدة قائلا إن الترجمة التي هي مروّجة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط. وقال للقسّيسين إن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرّفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمانية وأربعين موضعا ، وصارت سببا لردّ أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار. وهذه الأقوال الثلاثة المندرجة في القول ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ ، نقلتها عن كتاب وارد كاتلك. وخوف التطويل يمنعني عن نقل أقوال أخر. وسيظهر أكثرها في الشواهد المذكورة للمقاصد الثلاثة.

فأطوي الكشح عن نقلها ، وأكتفي بنقل قول واحد آخر محتو على اعتراف أنحاء التحريف مغن عن نقل ما سواه ، وتصير به الأقوال المنقولة ثلاثين.

القول الثلاثون : قال هورن في الباب الثامن من المجلد الثاني من تفسيره في بيان

٢٠٦

أسباب وقوع ويريوس ريدنك الذي عرفت معناه في صدر جواب هذه المغالطة : «لوقوعه أسباب أربعة :

السبب الأول : غفلة الكاتب وسهوه. ويتصوّر على وجوه : الأول : ان الذي كان يلقي العبارة على الكاتب ألقى ما ألقى ، أو الكاتب لم يفهم قوله فكتب ما كتب. والثاني : ان الحروف العبرانية واليونانية كانت متشابهة ، فكتب أحدها بدل الآخر. والثالث : ان الكاتب ظن الإعراب خطأ أو الخط الذي كان يكتب عليه جزء الحرف ، وإما فهم أصل المطلب فأصلح العبارة وغلط. والرابع : ان الكاتب انتقل من موضع إلى موضع ، فلما تنبّه لم يرض بمحو ما كتب ، وكتب من الموضع الذي كان ترك مرة أخرى ، وأبقى ما كتبه قبل أيضا. والخامس : ان الكاتب ترك شيئا ، فبعد ما كتب شيئا آخر تنبّه وكتب العبارة المتروكة بعده ، فانتقلت العبارة من موضع إلى موضع آخر. والسادس : ان نظر الكاتب أخطأ ، ووقع على سطر آخر ، فسقطت عبارة ما ، والسابع : ان الكاتب غلط في فهم الألفاظ المخفّفة فكتب على فهمه كاملة فوقع الغلط. والثامن : ان جهل الكاتبين وغفلتهما منشأ عظيم لوقوع ويريوس ريدنك ، بأنهم فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزءا المتن فأدخلوهما.

والسبب الثاني : نقصان النسخة المنقول عنها. وهو أيضا يتصوّر على وجوه : الأول : انمحاء إعراب الحروف. والثاني : ان الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في جانب آخر منها في صفحة أخرى ، وامتزج بحروف الصفحة الأخرى ، وفهم جزء منها. والثالث : ان الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة ، فلم يعلم الكاتب الثاني أن هذه الفقرة تكتب في أيّ موضع ، فغلط.

السبب الثالث : التصحيح الخيالي والإصلاح وهذا أيضا وقع على وجوه : الأول : ان الكاتب فهم العبارة الصحيحة في نفس الأمر ناقصة ، أو غلط في فهم المطلب ، أو تخيّل أن العبارة غلط بحسب القاعدة وما كانت غلطا. لكن كان هذا الغلط الذي صدر عن المصنّف في نفس الأمر. الثاني : ان بعض المحقّقين ما اكتفوا على إصلاح الغلط بحسب القاعدة فقط ، بل بدّلوا العبارة الغير الفصيحة بالفصيحة ، أو أسقطوا الفضول أو الألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرق فيها. والثالث : وهو أكثر الوجوه وقوعا ، أنهم سوّوا الفقرات المقابلة ، وهذا التصرّف وقع في الأناجيل خصوصا. ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارة التي نقلها عن العهد العتيق مطابقة للترجمة اليونانية. والرابع ، ان بعض المحقّقين جعل العهد الجديد مطابقا للترجمة اللّاطينية.

السبب الرابع : التحريف القصدي الذي صدر عن أحد لأجل مطلبه ، سواء كان

٢٠٧

المحرّف من أهل الديانة أو من المبتدعين. وما ألزم أحد في المبتدعين القدماء أزيد من مارسيون ، وما استحق الملامة أحد أزيد منه بسبب هذه الحركة الشنيعة. وهذا الأمر أيضا محقّق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين ، وكانت هذه التحريفات ترجّح بعدهم لتؤيّد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد عليها». انتهى كلامه ملخصا.

وأورد هورن أمثلة كثيرة في بيان أقسام كل سبب من الأسباب الأربعة. ولمّا كان في ذكرها طول تركتها. لكن أذكر الأمثلة التي نقلها التحريف أهل الديانة والدين من كتاب فاف ، قال : «مثلا ترك قصدا الآية الثالثة والأربعين من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا ، لأن بعض أهل الدين ظنّوا أن تقوية الملك للربّ منافية لألوهيته. وترك قصدا في الباب الأول من إنجيل متّى هذه الألفاظ (قبل أن يجتمعا) في الآية الثامنة عشر ، هذه الألفاظ (ابنها البكر) في الآية الخامسة والعشرين ، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمة لمريم عليها‌السلام. بدّل لفظ اثني عشر بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل قورنيثوس ، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس لأن يهودا الإسخريوطي كان قد مات قبل. وترك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس ، وردّ هذه الألفاظ بعض المرشدين أيضا ، لأنهم تخيلوا أنها مؤيدة لفرقة إيرين ، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية وأتهيوبك وغيرها من التراجم وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة لوتي كينس ، لأنها كانت منكرة أن عيسى عليه‌السلام فيه صفتان». انتهى. فبيّن هورن جميع الصور المحتملة في التحريف ، وأقرّ بأنها وقعت في الكتب السماوية. فأقول : إذا ثبت أن عبارات الحاشية والتفسير دخلت في المتن لجهل الكاتبين وغفلتهم ، وثبت أن المصلحين أصلحوا العبارات التي كانت على خلاف القاعدة في زعمهم أو في نفس الأمر ، وثبت أنهم بدّلوا العبارات الغير الفصيحة بالفصيحة ، وأسقطوا ألفاظا فضولا أو مترادفة ، وثبت أنهم سوّوا الفقرات المتقابلة في الأناجيل خصوصا ، ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس ، وثبت أن بعض المحقّقين جعلوا العهد الجديد مطابقا للترجمة اللّاطينية ، وثبت أن المبتدعين حرّفوا ما حرّفوا قصدا ، وثبت أن أهل الدين والديانة أيضا كانوا يحرّفون قصدا لتأييد المسألة ولدفع الاعتراض ، وكانت تحريفاتهم ترجّح بعدهم ، فأية دقيقة من دقائق التحريف باقية؟ وأيّ استبعاد لو قلنا الآن : إن المسيحيين الذين كانوا يحبّون عبادة الصليب وما كانوا راضين بتركها وترك الجاه والمناصب حرّفوا هكذا في بعض العبارات التي كانت نافعة لدين الإسلام بعد ظهوره؟ ورجّح هذا التحريف بعدهم ، كما رجّح تحريفاتهم في مقابلة فرقهم ، بل لمّا كان

٢٠٨

هذا التحريف أشدّ اهتماما عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضا أشدّ من ترجيح ذاك.

المغالطة الثانية : إن المسيح عليه‌السلام شهد بحقّيّة كتب العهد العتيق. ولو كانت محرّفة لما شهد بها ، بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف. فأقول في الجواب : أولا : إنه لمّا لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد ولم يوجد سند متّصل لها إلى مصنّفيها ، كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول ـ وقد عرفت نبذا منها في حق كتاب أستير في الشاهد الأول من المقصد الثاني ، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث ، وستعرف في حق كتاب أيوب وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ـ ثبت جميع أنواع التحريف فيها ، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضا لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض ، كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين. فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا. فلا يتمّ الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب ، لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث من مقابلة الفرقة الأبيونية والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز ، ورجّحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيّدة لمسألتهم المقبولة ، كما فعلوا في مقابلة فرقة إيرين ويوتي كنيس. وكانت هذه التحريفات ترجّح بعدهم لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق ، أما كلها أو أكثرها. وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى. وقال بل في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية : «كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان ، أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر. وتقول إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني. وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد». انتهى كلامه. وقال لاردنر في الصفحة ٤٨٦ من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة : «كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى ، وجاء عيسى ، وجاء عيسى لمحو شريعة موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل». انتهى. وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز : «اتفق المؤرّخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلّم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا : خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلّم موسى وأنبياء اليهود. وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنّا بأن المسيح قال لهم إنهم سرّاق ولصوص». انتهى.

وأقول ثانيا (١) : «لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقيّة أو غير إلحاقيّة ، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها ، لأنها ما بيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماءها. فكيف يعلم أن

__________________

(١) يتابع الجواب على المغالطة الثانية.

٢٠٩

الكتب المستعملة في اليهود من العهد العتيق كانت تسعة وثلاثين التي يسلّمها الآن فرقة بروتستنت أو ستّة وأربعين التي يسلّمها فرقة كاتلك؟ لأن من الكتب كتاب دانيال أيضا ، وكان اليهود معاصرو المسيح وكذا المتأخرون منهم غير يوسيفس ، لا يسلّمونه إلهاميّا بل ما كانوا يعترفون بنبوّة دانيال أيضا. ويوسيفس المؤرّخ الذي هو معتبر عند المسيحيين ومن علماء اليهود المتعصبين ، وكان بعد المسيح عليه‌السلام يعترف في تاريخه بهذا القدر فقط ، ويقول : «ليس عندنا كتب ألوف يناقض بعضها بعضا ، بل عندنا اثنان وعشرون كتابا فقط. فيها أحوال الأزمنة الماضية ، وهي إلهاميّة : منها خمسة لموسى ، فيها بيان العالم من ابتداء الخلق إلى موت موسى ، وثلاثة عشر كتابا كتبها الأنبياء ، فيها أحوال أزمنتهم من موت موسى عليه‌السلام إلى زمان السلطان أردشير ، والباقي أربعة كتب مشتملة على حمد الله وثنائه». انتهى. فلا يثبت من شهادته حقّيّة هذه الكتب المتداولة لأنه بين غير التوراة سبعة عشر كتابا. والحال أن غير التوراة عند فرقة بروتستنت أربعة وثلاثون كتابا ، وعند فرقة كاتلك أحد وأربعون كتابا. ومع ذلك لم يعلم أن أي كتاب من هذه الكتب كان داخلا في سبعة عشر ، لأن هذا المؤرّخ نسب إلى حزقيال ، سوى كتابه المشهور ، كتابين آخرين أيضا في تاريخه. فالظاهر أن هذين الكتابين ، وإن لم يوجدا الآن ، كانا عنده داخلين في سبعة عشر. وقد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث أن كريسزاستم وعلماء كاتلك يعترفون أن اليهود ضيّعوا كتبا لأجل غفلتهم ، بل لأجل عدم ديانتهم ، ومزّقوا وأحرقوا البعض. فيجوز أن تكون هذه الكتب داخلة في سبعة عشر. بل أقول الكتب التي أفصّلها الآن لا مجال لفرقة بروتستنت ولا لفرقة كاتلك ولا لغيرها أن ينكروا فقدانها من العهد العتيق ، فيجوز أن يكون أكثرها داخلا في سبعة عشر.

والكتب المفقودة هذه : الأول : سفر حروب الربّ الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد. وقد عرفت في الشاهد العاشر من المقصد الثاني وفي تفسير هنري واسكات : «الغالب أن موسى كتب هذا السفر لتعليم يوشع ، وكان فيه بيان حدود أرض مواب». انتهى. والثاني : كتاب اليسير الذي جاء ذكره في الآية الثالثة عشر من الباب العاشر من كتاب يوشع ، كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثاني ، وكذا جاء ذكره في الآية الثامنة عشر من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني. والثالث والرابع والخامس : ثلاثة كتب لسليمان عليه‌السلام أحدها ألف وخمسة زبورات ، وثانيها تاريخ المخلوقات ، وثالثها ثلاثة آلاف أمثال وشيء من هذه الأمثال إلى الآن باق أيضا ، كما ستعرف. وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من الباب الرابع من سفر الملوك الأول. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسير ذيل شرح الآية الثانية

٢١٠

والثلاثين في حق الأمثال والزبورات : «الأمثال التي تنسب الآن إلى سليمان تسعمائة ، أو تسعمائة وثلاثة وعشرون تخمينا. وإن سلّم قول البعض أن الأبواب التسعة من أول الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه‌السلام ، فستمائة وخمسون تخمينا ، وبقي من ألف وخمسة زبورات نشيد الإنشاد فقط ، إن قلنا إنّ الزبور السابع والعشرين الذي بعد المائة المكتوب على عنوانه اسم سليمان ليس بداخل فيها. والأصحّ أن الزبور المذكور صنّفه أبوه داود لأجل تعليمه». انتهى كلامه. ثم قال في شرح الآية الثالثة والثلاثين في حق تاريخ المخلوقات : «حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات فقدانا أبديا». انتهى. السادس : كتاب قوانين السلطنة تصنيف صموئيل الذي جاء ذكره في الآية الخامسة والعشرين من الباب العاشر من سفر صموئيل الأول. السابع : تاريخ صموئيل. والثامن : تاريخ ناثان النبيّ. والتاسع : تاريخ جادّ الرائي الغيب. وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثلاثين من الباب التاسع والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام. وقال آدم كلارك في الصفحة ١٥٢٢ من المجلد الثاني من تفسيره : «هذه الكتب مفقودة». انتهى. العاشر : كتاب شمعيا. والحادي عشر : كتاب عدّو الرائي الغيب ، وجاء ذكرهما في الآية الخامسة عشر من الباب الثاني عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام. والثاني عشر : كتاب أحيا النبي. والثالث عشر : مشاهدات عدّو الرائي الغيب ، وجاء ذكرهما في الآية التاسعة والعشرين من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام. وفي هذه الآية ذكر تاريخ ناثان النبيّ أيضا. قال آدم كلارك في الصفحة ١٥٣٩ من المجلد الثاني من تفسيره : «هذه الكتب كلها مفقودة». انتهى. والرابع عشر : كتاب يا هو النبي ابن حناني وجاء ذكره في الآية الرابعة والثلاثين من الباب العشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام. قال آدم كلارك في الصفحة ١٥٦١ من المجلد الثاني : «هذا الكتاب الآن مفقود رأسا ، وإن كان موجودا في وقت تأليف السفر الثاني من أخبار الأيام». انتهى. الخامس عشر : كتاب أشعياء النبيّ الذي كان فيه حال السلطان عزياه من الأول إلى الآخر ، وجاء ذكره في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام. قال آدم كلارك في الصفحة ١٥٧٣ من المجلد الثاني من تفسيره : «هذا الكتاب مفقود رأسا». انتهى السادس عشر ، كتاب مشاهدات أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان حزقيا مكتوبا بالتفصيل ، وجاء ذكره في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثاني والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام. السابع عشر : مرثيّة أرمياء النبي على يوشياه ، وجاء ذكرها في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام. قال آدم كلارك في شرح هذه الآية : «هذه المرثية مفقودة الآن». انتهى. وفي تفسير دوالي ورجرد مينت : «هذه المرثية مفقودة الآن ولا يمكن أن تكون هذه المرثية مرثيّته

٢١١

المشهورة الآن ، لأن المشهورة على حادثة أورشليم وموت صدقياه ، وهذه كانت على موت يوشياه». انتهى. الثامن عشر : كتاب تواريخ الأيام وجاء ذكره في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثاني عشر من كتاب نحميا. قال آدم كلارك في الصفحة ١٦٧٦ من المجلد الثاني من تفسيره : «هذا الكتاب لا يوجد في الكتب التي هي عندنا ، لأنه لا يوجد فيها الفهرست الكذائي ، بل كان هذا كتابا آخر هو مفقود الآن». انتهى. والتاسع عشر : سفر العهد لموسى الذي جاء ذكره في الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج. والعشرون : كتاب أعمال سليمان الذي جاء ذكره في الآية الحادية والأربعين من الباب الحادي عشر من كتاب سلاطين الأول. وقد عرفت أن يوسيفس ينسب إلى حزقيال كتابين آخرين غير كتابه المشهور ، وهو مؤرّخ معتبر عند المسيحيين. فحينئذ صارت الكتب المفقودة اثنين وعشرين ، ولا يقدر فرقة بروتستنت أيضا على إنكارها. وقال طامس أنكلس من علماء كاتلك في كتابه المسمّى بمرآة الصدق وهو بلسان الهند وطبع في سنة ١٨٥١. «اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين». انتهى.

تنبيه : بعض البشارات المنقولة عن أهل الكتاب توجد في الكتب الإسلامية القديمة ، ولا توجد الآن في الكتب المسلّمة عندهم. فلعلها كانت موجودة في هذه الكتب المفقودة. نعم يثبت بشهادة يوسيفس أن خمسة كتب كانت منسوبة إلى موسى في عهده ، لكن لا يعلم أن هذه الخمسة هي الخمسة المتداولة الآن. بل الظاهر خلافه ، لأنه يخالف هذه الكتب ، كما عرفت في الشاهد الأول والثاني من المقصد الأول ، وهو يهودي متعصّب ، فلا يتصوّر أن يخالف التوراة بلا ضرورة مع اعتقاده بأنه كلام الله.

وأقول ثالثا (١) : لو سلّمنا أن هذه الكتب المتداولة كانت في عهد المسيح ، وشهد هو والحواريون لها ، قلنا إن مقتضى شهادتهم هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت عند اليهود في ذلك الوقت ، سواء كانت تصنيف الأشخاص المنسوبة إليه أو لم تكن ، وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو يكون بعضها صادقا وبعضها كاذبا. وليس مقتضاها أن كل كتاب تصنيف المنسوب إليه ، وإن كل حال مندرج فيها صادق البتّة. بل لو نقل المسيح والحواريون شيئا عن هذه الكتب ، لا يلزم عن مجرد نقلهم صدق المنقول بحيث لا يحتاج إلى تحقيقه. نعم لو صرّح المسيح في جزء من أجزائها أو حكم من أحكامها أنه من عند الله ، وثبت تصريحه أيضا بالتواتر ، فيكون صادقا البتّة وما سواه مشكوك محتاج إلى التحقيق.

ولا أقول هذا برأيي واجتهادي بل محقّقو فرقة بروتستنت رجعوا إليه آخر الأمر ، وإلا ما

__________________

(١) ... يتابع المؤلّف الجواب على المغالطة الثانية.

٢١٢

كان لهم ملجأ ومفر من أيدي الذين يسمّونهم ملحدين وامتلأت ديار أوروبا من وجودهم. قال محقّق فرقة بروتستنت پيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة ١٨٥٠ في بلدة لندن : «لا ريب أن شفيعنا قال : إن التوراة من جانب الله ، وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير الله ، سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالا ، وفي الأشياء الأخر مثل فنّ الحرب والصّلح أطفالا ، كانوا لاصقين بالتوحيد ، وكانت مسائلهم في ذات الله وصفاته جيدة ، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة. ولا ريب أن شفيعنا سلّم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق ، ويجب علينا معشر المسيحيين أن نذهب إلى هذا الحدّ. وأما أن العهد العتيق كله أو كل فقرة فقرة منه حقّة ، أو أن كل كتاب منه أصل ، أو أن تحقيق مؤلّفيه واجب ، ففي هذه الأمور ، لو جعل الدين المسيحي مدّعى عليه فلا أقول زائدا على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة في هذه الصورة. هذه الكتب كانت تقرأ عموما ، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلّمونها ، والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها ، لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة : ان المسيح عليه‌السلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب الله فهي إلهاميّة ، وإلّا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلّمة في ذلك الوقت. ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود ، لكن لا بدّ أن تفهم خاصيّة هذه الشهادة. وهذه الخاصيّة مباينة البتّة للتي بيّنت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي ، بل لعلّة كل أمر مع قياس تلك العلّة. قال يعقوب في رسالته : قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الربّ مع أن بين العلماء المسيحية نزاعا ومباحة في حقّيّة أيوب بل في وجوده قديما. وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته ، وكان اليهود يسلّمونه. وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس. كما أن ياناس ويمبراس خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق. وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية ، لكن أحدا ما تخيّل هاهنا أن بولس نقل عن الكتاب ان كان هذا الحال مكتوبا ولا جعل هو نفسه مدّعى عليها لإثبات صدق الرواية ، فضلا عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا. فلأي أمر تحقّق الحالات الأخر؟ وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس ، بل اني أتخيل على وجه آخر ، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة ، بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ، ولا جائز أن تقرر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلّا تكن جميع

٢١٣

كتبهم كاذبة ، لأن هذه القاعدة ما تقرّرت لكتاب آخر وإنّي علمت بيان هذا الأمر ضروريا لأجل أن رسم والي ترو تلاميذه من الأيام الماضية غالبا هكذا أنهم يدخلون في إبط اليهود ثم يصولون على الملّة المسيحية. ونشأ بعض اعتراضاتهم عن بيان المعنى على خلاف نفس الأمر ، وبعضها من المبالغة. لكن مبنى اعتراضاتهم هذه أن شهادة المسيح والمعلّمين القدماء على رسالة موسى والأنبياء الآخرين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من تواريخ اليهود ، وضمانة كل حال مندرج في العهد العتيق واجبة على الملّة المسيحية». انتهى كلامه.

فانظر أيها اللبيب أن كلام محقّقهم مطابق لكلامي أم لا. وما قال إن بين العلماء المسيحية نزاعا في حقّيّة أيوب بل في وجوده قديما فأشار إلى الاختلاف القوي لأن ربّ مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود ، وكذا ميكايلس وليكلرك وسملر وأستاك وغيرهم ، قالوا : إن أيوب اسم فرضي ، وما كان مسمّاه في وقت من الأوقات ، وكتابه حكاية باطلة وقصة كاذبة. وكامت ووانتل وغيرهما قالوا : إنه كان في نفس الأمر ، ثم القائلون بوجوده اختلفوا في زمانه على سبعة أقوال : فقال بعضهم : إنه كان معاصرا لموسى عليه‌السلام. وقال بعضهم : إنه كان معاصرا للقضاة وبعد يوشع عليه‌السلام. وقال بعضهم : إنه كان معاصرا لهاسي روسي أو أردشير سلطان إيران. وقال بعضهم : إنه كان معاصرا ليعقوب. وقال بعضهم : إنه كان معاصرا لسليمان عليه‌السلام. وقال بعضهم : إنه كان معاصرا لبخت نصّر. وقال بعضهم : إنه كان قبل الزمان الذي جاء فيه إبراهيم عليه‌السلام إلى كنعان. قال هورن من محقّقي فرقة بروتستنت : «إن خفّة هذه الخيالات دليل كاف على ضعفها». وكذا اختلفوا في غوط بلده الذي جاء ذكره في الآية الأولى من الباب الأول من كتابه بأنه كان في أيّ إقليم على ثلاثة أقوال. فقال بوجارت وأسياهم وكامت وغيرهم : إنه في إقليم العرب ، وقال ميكايلس والجنّ : إنه في شعب دمشق ، وقال لودوماجي وهيلز وكود وبعض المتأخرين : إن غوط اسم أدومية. وكذا في مصنّف هذا الكتاب بأنه اليهود أو أيوب أو سليمان أو أشعياء ، أو رجل مجهول الاسم معاصرا للسلطان منسا أو حزقيال أو عزرا ، أو رجل من آل اليهود أو موسى عليه‌السلام. ثم اختلف القائلون بالقول الأخير فبعض المتقدمين على أن موسى عليه‌السلام صنّفه في اللسان العبراني. وقال أرجن : إنه ترجمه من السيراني إلى العبراني. وكذا اختلفوا في موضع ختم الكتاب ، كما عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث ، ففيه اختلاف من أربعة وعشرين وجها. هذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم ، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون. وذمّ القسّيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب ذمّا كثيرا ، ونقل وارد كاتلك أن الإمام الأعظم لفرقة بروتستنت لوطر قال : «إن هذا الكتاب قصة محضة». فانظروا ان هذا الكتاب الذي هو داخل في الكتب

٢١٤

المسلّمة عند بروتستنت وكاتلك على تحقيق ربّ مماني ديز وميكايلس وليكلرك وسملر وأستاك وغيرهم حكاية باطلة وقصة كاذبة ، وعلى رأي تهيودور قابل للذمّ ، وعلى رأي إمام فرقة بروتستنت حريّ بأن لا يلتفت إليه ، وعلى قول مخالفيهم لا يتعيّن المصنّف ، بل ينسبونه رجما بالغيب إلى أشخاص. فلو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا ، لا يثبت كونه إلهاميّا. وقد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كتاب أستير كان غير مقبول عند القدماء المسيحيين إلى ثلاثمائة وأربع وستين سنة ، ولا يعلم اسم مصنّفه بالقطع أيضا. وردّه مليتو كري كري نازي زن واتهاني سيش ، وأظهر الشّبهة عليه إيم في لوكيس. وكذا حال كتاب نشيد الإنشاد ، ذمّه القسّيس تهيودور ذمّا كثيرا ، كما ذمّ كتاب أيوب. وسيمن وليكلرك لا يعترفان بصدقه ، وقال وستن وبعض المتأخرين هو غناء فسقي لا بدّ أن يخرج من الكتب الإلهامية. وقال سملر : الظاهر أنه كتاب موضوع. ونقل وارد كاتلك أن كاستيليو قال : لا بدّ أن يخرج هذا الكتاب من العهد العتيق. وهكذا حال كتب أخر أيضا. فلو كانت شهادة المسيح والحواريين مثبتة لصدق كل جزء جزء من كتب العهد العتيق ، لما كان لأمثال هذه الاختلافات الفاحشة الواقعة بين العلماء المسيحية سلفا وخلفا مساغ أصلا. فالإنصاف أن ما قال پيلي هو غاية السعي في هذا الباب من جانبهم ، وبدون الاعتراف بما قال لا يوجد لهم المفرّ. كيف لا ، وقد عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول أن علماء اليهود والمسيحيين متّفقون على أن عزرا غلط في السفر الأول من أخبار الأيام. وهذا السفر أيضا داخل في الكتب التي شهد المسيح حقّيّتها على زعمهم. فإذا لم يسلّموا تحقيق پيلي ، فما ذا يقولون في تصديق هذا الغلط؟.

ثم أقول رابعا (١) : لو سلّمنا على فرض التقدير والمحال أن شهادة المسيح والحواريين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من هذه الكتب ، فلا يضرّنا أيضا. لأنه قد ثبت أن مذهب جمهور العلماء المسيحيين وجستن وأكتساين وكريزاستم من القدماء ، ومذهب كافّة كاتلك ، وسلبرجيس وداكتر كريب ووائي يتكر وأي كلارك وهمفري وواتسن من علماء بروتستنت ، ان اليهود حرّفوا الكتب بعد المسيح والحواريين ، كما عرفت في الهداية الثالثة مفصّلا. وكافّة علماء بروتستنت أيضا يضطرون في أكثر المواضع ، ويقولون : إن اليهود حرّفوا ، كما عرفت في المقاصد الثلاثة. فالآن نسألهم أن المواضع التي يقرّون بالتحريف فيها ، أكانت محرّفة في زمان المسيح عليه‌السلام والحواريين ومع ذلك شهدوا بصدق كل جزء جزء وقول قول من هذه الكتب ، أو لم تكن كذلك بل حرّفت بعدهم؟ والأول أمر لا

__________________

(١) ... يتابع المؤلّف الجواب على المغالطة الثانية.

٢١٥

يجترئ عليه من له ديانة ، والثاني لا ينافي الشهادة ، وهو المقصود. فلا تضرّ الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الفعل.

أقول : على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين ، لا مساغ لهذا الكلام ، بل وقع التحريف في عهدهم. وكانوا يلزمونهم ويوبّخونهم. ولو قطعنا النظر عن مذاقهم ، فأقول : إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم. ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافا موجبا ، لكون أحدهما غلطا محرّفا البتّة؟ ومن هذه المواضع ، موضع مرّ ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول. وبين الفريقين نزاع سلفا وخلفا يدّعي كلّ منهما أن المحرّف الفريق الآخر ، وداكتر كني كات ومتّبعوه على أن الحق مع السامريين ، وجمهور علماء بروتستنت على أن الحق مع اليهود ويزعمون أن السامرية حرّفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليه‌السلام بخمسمائة سنة. فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة ، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود ، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصّة فما ألزم قومها بل سكت ، وسكوته في هذا الوقت مؤيّد للسامريين. ولذلك استدلّ داكتر كني كات بهذا السكوت ، وقال : إن السامريين ما حرّفوا بل اليهود المحرّفون ، كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول ، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع ، إنه يوجد حكم واحد زائد على الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية وفيه نزاع أيضا سلفا وخلفا ، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين.

المغالطة الثالثة : ان اليهود والمسيحيين أيضا كانوا من أهل الديانة ، كما تدعون في حقّكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح. أقول : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى. وإذا وقع التحريف بالفعل ويقينا وأقرّ به علماؤهم سلفا وخلفا ، فما بقي لقول المغالط ، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل ، بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبّات الدينية ، بحسب المقولة المشهورة التي مرّ نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.

المغالطة الرابعة : ان نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم. أقول : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى. فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم ، فأيّ محل لعدم إمكانه. وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق ، لأن هذه الكتب ، قبل إيجاد صنعة

٢١٦

الطبع ، كانت قابلة للتحريف ، وما كان اشتهارها بحيث يكون مانعا عن التحريف. ألا ترى كيف حرّف اليهود وملحدو المشرق ، على ما أقرّت به فرقة بروتستنت وفرقة كاتلك ، الترجمة اليونانية ، مع أن اشتهارها شرقا وغربا كان أزيد من اشتهار النسخة العبرانية ، وكيف أثّر تحريفهم ، كما علمت في القول التاسع عشر من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى؟ بخلاف القرآن المجيد ، فإن اشتهاره وتواتره كانا في كل قرن من القرون مانعين عن التحريف والقرآن في كل طبقة ، كما كان محفوظا في الصحائف. فكذا كان محفوظا في صدور أكثر المسلمين ومن كان شاكّا في هذا الباب فليجرّب في هذا الزمان أيضا ، لأنه لو رأى المجرّب في الجامع الأزهر فقط من جوامع مصر ، وجد في كل وقت أكثر من ألف شخص يكونون حافظين للقرآن كله على سبيل التجويد التامّ ، ووجد كل قرية صغيرة من قرى الإسلام من مصر لا تخلو عن الحفاظ. ولا يوجد في جميع ديار أوروبا في هذه الطبقة من المسيحيين مع فراغ بالهم وتوجّههم التامّ إلى العلوم والصنائع ، وكونهم أكثر من المسلمين عددا ، عدد حفّاظ الإنجيل بحيث يساوي عدد الحفّاظ الموجودين في الجامع الأزهر فقط ، بل لا يكون عددهم في جميع ديار أوروبا يبلغ عشرة. ونحن ما سمعنا أحدا أيضا يكون حافظا لجميع الإنجيل فقط في هذه الطبقة فضلا أن يكون حافظا للتوراة وغيره أيضا. فجميع ديار أوروبا من المسيحيين في هذا الباب ليسوا في مقابلة قرية صغيرة من قرى مصر ، وليس الكبار من القسّيسين في هذا الأمر ، خاصّة في مقابلة الحمارين والبغالين من أهل مصر. وكان عزير النبيّ عليه‌السلام يمدح بحفظ التوراة من أهل الكتاب. ويوجد في الأمة المحمدية في هذه الطبقة أيضا مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفّاظ القرآن في جميع ديار الإسلام. وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكتابهم. وهذا الأمر أيضا معجزة لنبيّهم ترى في كل طبقة من الطبقات.

حكاية : جاء يوما أمير من أمراء الإنكليز في مكتب في بلدة سهارتفور من بلاد الهند ورأى الصبيان مشتغلين بتعلّم القرآن وحفظه. فسأل المعلّم أيّ كتاب هذا؟ فقال : القرآن المجيد. فقال الأمير أحفظ أحد منهم القرآن كله؟ فقال المعلّم : نعم وأشار إلى عدّة منهم. فلما سمع استبعد ، فقال : اطلب واحدا منهم وأعطني القرآن أمتحن. فقال المعلّم : اطلب أيّهم شئت. فطلب واحدا منهم. كان ابن ثلاثة عشر أو أربعة عشر ، وامتحنه في مواضع ، فلما تيقن أنه حافظ لجميع القرآن ، تعجب وقال : أشهد أنه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب ، كما ثبت للقرآن يمكن كتابته من صدر صبي من الصبيان مع غاية صحة الألفاظ وضبط الإعراب.

٢١٧

وأنا أورد عليك أمورا يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم (١).

الأمر الأول : كان موسى عليه‌السلام كتب نسخة التوراة وسلّمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل ، وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد ، لأجل سماع بني إسرائيل. فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق ، وكانت الطبقة الأولى على وصيّة موسى عليه‌السلام. فلما انقرضت هذه الطبقة تغيّر حال بني إسرائيل فكانوا يرتدّون تارة ، ويسلمون أخرى. وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليه‌السلام. وحسنت حالهم في تلك السلطنة ، وصدر سلطنة سليمان عليه‌السلام. وكانوا مؤمنين ، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق ، ولا يعلم جزما متى ضاعت. ولمّا فتح سليمان الصندوق في عهده ، ما وجد فيه غير اللوحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما ، كما هو مصرّح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا : «ولم يكن في التابوت إلّا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت ، حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر». ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليه‌السلام ، على ما تشهد به كتبهم المقدسة ، بأن ارتدّ سليمان ، والعياذ بالله تعالى ، في آخر عمره بترغيب الأزواج وعبد الأصنام وبنى المعابد لها ، فإذا صار مرتدّا وثنيا ما بقي له غرض بالتوراة. وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشدّ من الأول ، بأن تفرّق أسباط بني إسرائيل ، وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين ، فصارت عشرة أسباط في جانب ، والسلطان في جانب. وصار يوربعام سلطانا عن عشرة أسباط ، وسمّيت تلك السلطنة ، السلطنة الإسرائيلية. وصار رحبعام بن سليمان سلطانا على السبطين ، وسمّيت تلك السلطنة سلطنة يهودا. وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين ، لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتدّ وارتدّت الأسباط العشرة معه ، وعبدوا الأصنام ، ومن بقي منهم على ملّة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا. فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين للأصنام. ثم أبادهم الله بأن سلّط الآشوريين عليهم ، فأسروهم وفرّقوهم في الممالك ، وما أبقوا في تلك المملكة إلّا شرذمة قليلة. وعمّروا تلك المملكة من الوثنيين ، فاختلطت هذه الشرذمة القليلة بالوثنيين اختلاطا شديدا ، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا ، وسمّيت أولادهم السامريين. فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ، وما كان لهذه الأسباط

__________________

(١) لم يعط الكاتب لهذا القسم اسما. كان من الممكن ، وفقا للتقسيم الذي اتّبعه ، أن يكون : المقصد الرابع ، ولكنه جعله قسما مستقلا في متن ردّه على المغالطة الرابعة.

٢١٨

غرض بالتوراة ، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء. هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية.

وجلس على سرير سلطنة يهودا ، من بعد موت سليمان عليه‌السلام ، إلى ثلاثمائة واثنتين وسبعين سنة ، عشرون سلطانا. وكان المرتدّون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين. وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام ، ووضعت تحت كل شجرة وعبدت ، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم ، وسدّت أبواب بيت المقدس. وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين : ففي المرة الأولى تسلّط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت الله وبيت السلطان. وفي المرة الثانية تسلّط سلطان إسرائيل المرتدّ ونهب بيت الله وبيت السلطان نهبا شديدا. ثم اشتدّ الكفر في عهد منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين ، وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس ، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس. وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه. ولمّا جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى الله توبة نصوحا ، وكان هو وأراكينه متوجّهين لترويج الملّة الموسوية ، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجدّ والاجتهاد ، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته. ثم ادّعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها شافان الكاتب ، فقرأ عليه يوشا. فلما سمع مضمونه شقّ ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل ، كما هو مصرّح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني ، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام. لكن لا يعتمد على هذه النسخة ولا على قول حلقيا ، لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام. كانوا يدخلون البيت كل يوم وما سمع أحد إلى سبعة عشر عاما من سلطنة يوشيا أيضا اسم التوراة ، ولا رآه ، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتّباع الملّة الموسوية ، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة. فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد. فهذه النسخة ما كانت إلّا من مخترعات حلقيا. فإنه لمّا رأى توجّه السلطان والأراكين إلى اتّباع الملّة الموسوية جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس ، سواء كانت صادقة أو غير صادقة ، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها. فبعد ما جمع ، نسب إلى موسى عليه‌السلام. ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملّة وإشاعة الحق كان من المستحبّات الدينية عند متأخّري اليهود وقدماء المسيحيين ، كما عرفت.

لكني أقطع النظر هاهنا عن هذا ، وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر

٢١٩

من سلطنة يوشيا ، وبقيت معمولة إلى ثلاث عشرة سنة مدة حياته. ولمّا مات وجلس ياهو حاز على سرير السلطنة. ارتدّ وشاع الكفر وتسلّط عيه سلطان مصر وأسره وأجلس أخاه على سرير السلطنة ، وهو كان مرتدّا أيضا كأخيه. ولمّا مات جلس ابنه على السرير ، وكان مرتدّا أيضا كأبيه وعمّه ، وأسره بخت نصّر مع جمّ غفير من بني إسرائيل ، ونهب بيت المقدس وكنز بيت الملك ، وأجلس عمّه على سرير السلطنة. وكان مرتدّا أيضا مثل ابن أخيه. فإذا علمت هذا ، فأقول إن تواتر التوراة في اليهود عندي منقطع قبل زمان يوشيا ، والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر. ومع ذلك ما كانت معمولة إلّا إلى ثلاث عشرة سنة ، وبعدها لم يعلم حالها. والظاهر أنه لمّا راجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا زالت قبل حادثة بخت نصّر. وكان وجودها بين أزمنة الارتداد كالطّهر المتخلّل بين الدمين ، ولو فرض بقاؤها أو بقاء نقلها فالمظنون زوالها في حادثة بخت نصّر ، وهذه الحادثة هي الحادثة الأولى.

الأمر الثاني : لمّا بغى هذا السلطان الذي أجلسه بخت نصّر عليه فأسره وذبح أولاده قدّام عينيه أولا ، ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله إلى بابل ، وأحرق بيت الله وبيوت الملك وجميع بيوت أورشليم وكل منزل جليل ، وجميع بيوت الكبراء أحرقها بالنار وهدم سور أورشليم وأسر سائر شعوب بني إسرائيل وسباهم ، وعمّر تلك المملكة من مساكين الأرض وضعفائها ، كرّامين وفلّاحين. وهذه هي الحادثة الثانية لبخت نصّر. وفي هذه الحادثة انعدم التوراة ، وكذا جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنّفة قبل هذه الحادثة عن صفحة العالم رأسا. وهذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أيضا ، كما عرفت مفصّلا في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول.

الأمر الثالث : لمّا كتب عزرا عليه‌السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم ، ووقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول من الكتاب الأول للمقابيين هكذا : «لمّا فتح أنتيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أيّ مكان بعد ما قطعها ، وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ العهد العتيق أو يؤدّي رسم الشريعة يقتل. وكان تحقيق هذا الأمر في كل شهر. فكان يقتل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق أو ثبت أنه أدّى رسما من رسوم الشريعة ، وتعدم تلك النسخة». انتهى ملخّصا. وكانت هذه الحادثة قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستّين سنة. وكانت ممتدّة إلى ثلاث سنين ونصف ، كما فصّلت في تواريخهم وتاريخ يوسيفس. فانعدمت في هذه الحادثة جميع النّسخ التي كتبها عزرا ، كما عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من كلام جان ملنر كاتلك : «أنه لمّا ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ، ضاعت تلك النقول أيضا في حادثة أنتيوكس». انتهى. ثم قال جان ملنر : «فلم تكن شهادة لصداقة هذه الكتب ما لم يشهد

٢٢٠