إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

عليها وقوفا جيدا على ما كان عادته قبل تأليفها بدون الرجوع إليها. إلّا أنه يحصل الإيقان الجيّد بصدق الأناجيل في الصورتين ، لأن الأمر في صورة الرجوع ظاهر. وأما في غيرها فيظهر تصديق الأناجيل أيضا ، لأن ألفاظه موافقة لها وكانت مشهورة بحيث كان هو وأهل قورنيثوس عالمين بها. فهو يعطينا الجزم بأن الإنجيليين كتبوا ألفاظ المسيح التي عملها ربّنا وقت تعلّم الحلم والرياضة حقا وصدقا. وهذه الألفاظ لائقة أن تحفظ بكمال الأدب ، وإن كان المشكل هاهنا. لكنني أتخيل مع ذلك أن يكون رأي أكثر الأفاضل موافقا لرأي ليكلرك. نعم يعظ بولس في الآية ١٥ من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا : تذكّروا كلمات الربّ يسوع أنه قال إن العطاء مغبوط أكثر من الأخذ. وأنا أجزم أنه سلم عموما أن بولس ما نقل عن مكتوب ما ، بل نقل الألفاظ المسيحية التي كان هو وهم واقفين منها. لكن لا يلزم منه أن يفهم طريق الرجوع دائما هكذا ، بل يمكن استعمال مثل هذا الطريق في المكتوب وغيره. ونحن نجد أن پوليكارب يستعمل هذا الطريق ، والغالب بل المتيقن أنه ينقل من الأناجيل المكتوبة». انتهى كلامه.

فظهر من كلامه أنه لا يثبت جزما عند علمائهم أن كليمنس نقل عن هذه الأناجيل ، بل من ادّعى النقل ادّعى ظنّا ، وقوله : (يحصل الإيقان الجيد بصدق الأناجيل في الصورتين) مردود ، لأنه يحصل الشك بأن الإنجيليين ، كما نقلوا هاهنا كلام المسيح بالزيادة والنقصان ، فكذا يكون نقلهم في المواضع الأخر ، وما نقلوا الأقوال كما كانت. ولو قطعنا النظر عن هذا ، فنقول إنه يلزم من كلام كليمنس أن هذه الفقرات في هذه الأناجيل من كلام المسيح ، ولا يلزم منه أن المنقول فيها كله أيضا. كذلك إذ لا يلزم من اشتهار بعض الأقوال اشتهار سائر الأقوال ، وإلّا يلزم أن يكون سائر الأناجيل الكاذبة عندهم أيضا صادقة ، بشهادة كليمنس أن بعض فقرات مكتوبة توافقها أيضا يقينا. وقوله : (نحن نجد أن پوليكارب يستعمل هذا الطريق إلخ) مردود ، لأنه من تابعي الحواريين أيضا مثل كليمنس. فحاله كحاله ، ولا يكون نقله عن الأناجيل مظنونا بالظن الغالب ، فضلا عن أن يكون متيقنا. بل يجوز أن يكون حاله عند استعماله هذا الطريق كحالة مقدسهم بولس.

إذا عرفت حال كليمنس الذي هو أعظم الشاهدين ، أحكي لك حال الشاهد الثاني الذي هو أكناثيوس الذي هو من تابعي الحواريين أيضا ، وكان أسقف انطاكية. قال لاردنر في المجلد الثاني من تفسيره : «إن يوسي بيس وجيروم ذكرا سبعة مكتوبات له ، وما سواها مكتوبات أخر منسوبة إليه أيضا يعتقدها جمهور العلماء أنها جعليات. وهو الظاهر عندي أيضا. وللمكتوبات السبعة نسختان : إحداهما كبيرة ، والأخرى صغيرة. واعتقاد الكل ، إلّا مستر وستن واثنين أو أربعة من تابعيه ، أن النسخة الكبيرة زيد فيها ، والنسخة الصغيرة قابلة أن

١٤١

تنسب إليه. واني قابلتهما بالإمعان ، فظهر لي أن النسخة الصغيرة بالإلحاق والزيادة جعلت كبيرة ، لا أن الكبيرة بالحذف والإسقاط جعلت صغيرة. ومنقولات القدماء أيضا توافق الصغيرة مناسبة زائدة بالنسبة إلى الكبيرة. بقي هذا السؤال : إن المكتوبات المندرجة في النسخة الصغيرة ، أهي مكتوبات أكناثيوس في نفس الأمر ، أم لا؟ ففيه نزاع عظيم. واستعمل المحقّقون الأعاظم في هذا الباب أقلامهم. وهذا السؤال عندي بملاحظة تحرير الجانبين مشكل. وثبت عند هذا القدر أن هذه المكتوبات هي التي قرأها يوسي بيس وكانت موجودة في زمان أرجن ، وبعض الفقرات منها لا تناسب زمان أكناثيوس. فعلى هذا المناسب أن نعتقد أن هذه الفقرات إلحاقيّة لا أن نردّ المكتوبات كلها لأجل هذه الفقرات ، سيما في صورة قلّة النسخ التي نحن مبتلون بها. وكما أن أحدا من فرقة إيرين زاد في النسخة الكبيرة ، فكذا يمكن أن يكون أحد من فرقة إيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما تصرّف في النسخة الصغيرة أيضا ، وإن لم يحصل عندي فساد عظيم من تصرّفه». انتهى. وكتب پيلي في الحاشية : «انه ظهر في الزمان الماضي ترجمة ثلاث مكتوبات لأكناثيوس في اللسان السرياني وطبعها كيوري تن ، وهذا الملفوظ الجديد قرب إلى اليقين أن المكتوبات الصغيرة التي أصلحها اشر يوجد فيها الإلحاق». انتهى.

فظهر مما نقلنا أمور : الأول : إن المكتوبات التي هي غير السبعة جعلية عند جمهور المسيحيين. فهذه المكتوبات ساقطة عن الاعتبار. الثاني : إن النسخة الكبيرة للمكتوبات أيضا عند الكل غير مستر وسن وبعض تابعيه جعلية محرّفة ، فهي أيضا ساقطة عن الاعتبار. الثالث : إن النسخة فيها نزاع عظيم في أنها أصلية أم جعلية ، وإلى كلّ منهما ذهب المحقّقون الأعاظم. فعلى رأي المنكرين هذه النسخة ساقطة عن الاعتبار أيضا. وعلى رأي المثبتين أيضا لا بدّ من إقرار التحريف فيها ، سواء أكان المحرّف من فرقة إيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما. فبهذا الاعتبار هذه النسخة أيضا ساقطة عن الاعتبار. والغالب أن هذه النسخة جعلية اختلقها أحد في القرن الثالث كالمكتوبات التي هي غير السبعة ولا عجب لأن مثل هذا الاختلاق والجعل كان في القرون الأولى من القرون المسيحية جائزا بل مستحبّا ، واختلفوا بقدر خمسة وسبعين إنجيلا ورسالة ونسبوها إلى عيسى ومريم والحواريين عليهم‌السلام. فأيّ استبعاد في نسبة سبعة مكتوبات جعليّة إلى أكناثيوس بل هي قريبة من القياس كما نسبوا إليه المكتوبات الأخرى ، وكما اختلقوا تفسيرا ونسبوه إلى تي شن ، قال آدم كلارك في مقدمة تفسيره : «إن التفسير الأصلي المنسوب إلى تي شن انعدم المنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكّهم حق». انتهى كلامه. ولو فرضنا أنها مكتوبات أكناثيوس ، فلا تفيد أيضا ، لأنه لما ثبت الإلحاق فيه ، فما بقي الاعتماد عليها. فكما أن بعض الفقرات إلحاقيّة عندهم ،

١٤٢

فكذلك يجوز أن يكون بعض الفقرات التي يفهمها المدّعون أنها أسناد جعليّة أيضا ، وأمثال هذه الأمور ليست بمستبعدة من عادات هؤلاء الناس.

قال يوسي بيس في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الرابع من تاريخه : «قال ديوني سيش أسقف كورنتيه : إني كتبت مكتوبات باستدعاء الإخوة وهؤلاء خلفاء الشيطان ملؤها بالنجاسة. بدّلوا بعض الأقوال وأدخلوا البعض ، فحصل لي حزن مضاعف. ولذلك لا عجب ان أراد أحد للإلحاق في كتب ربّنا المقدسة ، لأنهم أرادوا في الكتب التي ما كانت في رتبتها». انتهى كلامه. وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره : «إن الكتب الكبيرة من تصنيفات أرجن فقدت ، وكثير من تفاسيره باق ، لكنه يوجد فيها شرح تمثيلي وخيالي بالكثرة. وهو دليل قوي على وقوع التحريف فيها بعد أرجن». انتهى.

قال المعلّم ميخائيل مشّاقة من علماء بروتستنت في الفصل العاشر من القسم الأول من كتابه العربي المسمى بأجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين : «وأما تحريفهم لأقوال الآباء القدماء فلا بدّ أن نقدّم دلائله لئلا نوقف أنفسنا في موقف مخالفينا بأن تكون دعاوينا مثلهم بلا برهان. فنقول : إن الأفشين المنسوب إلى يوحنّا فم الذهب الذي يتلى في الكنائس في خدمة سرّ الأفخار تستيا لا نجده مطابقا عند الطائفة الواحدة لما عند الطائفة الأخرى. لأن عند الروم يطلب فيه من الأب السماوي أن يرسل روحه القدوس على الخبز والخمر ناقلا إياهما إلى لحم ودم. وأما عند الكاثوليكيين منهم فيقال فيه أن يرسله على الخبز والخمر لكي ينتقلا ويستحيلا. ولكن في مدة رئاسة السيد مكسيموس قد غيّروا فيه وقالوا المنتقلان المستحيلان هربا من دعوى الروم عليهم بأن الاستحالة تتمّ به. وأما عند سريان الكاثوليك فيقال أرسل روحك القدّوس على هذا الخبز الذي هو سرّ جسد مسيحك ، ولا يوجد فيه كلام يدلّ على الاستحالة. وربما هذا هو قول فم الذهب الأصلي. لأن تعليم الاستحالة في عصره لم يكن قد تقرر في الكنائس. وأما السيد يابيطا مطران صيد الذي أنشأ الانشقاق في كنيسة الروم وصار كاثوليكيا ، ففي خطابه لمجمع رومية سنة ١٧٢٢ ، يقول في هذه القضية : إنه موجود عندي كتب في طقس قدّاسنا يونانية وعربية وسريانية قد قابلناها على النسخة المطبوعة في رومية للرهبان الباسليين ، وجميعها لم يكن فيها كلام يدلّ على الاستحالة ، وإنما هذه القضية وضعها في قدّاس الروم نيكفورس بطريق القسطنطينية. وهي موجبة الضحك لمن يتأمل فيها. انتهى. فإذا كان أفشين مثل هذا القدّيس الشهير بين الآباء شرقا وغربا يتلى يوميا في كنائس جميع الطوائف قد لعبوا فيه وغيّروه أشكالا كأغراضهم ، ولم يخجلوا من إبقائهم نسبته إلى هذا القدّيس ، فمن أين تبقى لنا ثقة بذمّتهم أنهم لم يحرّفوا أقوال بقية الآباء كأهوائهم مع إبقاء عنوانها باسمهم؟ هذا وان ما حصل بمشاهدتنا منذ سنين قريبة ، أن الشماس غبريل

١٤٣

القبطي الكاثوليكي صحّح ترجمة تفسير إنجيل يوحنّا ليوحنّا فم الذهب عن الأصل اليوناني بأتعاب كليّة ومصاريف وافرة ، وعلماء الروم العارفون جيدا باللغتين اليونانية والعربية قابلوها بدمشق وشهدوا بصحتها وأخذوا عنها نسخة مدقّقة. فالسيد مكسيموس لم يأذن لطبعها في دير الشوير حتى تفحص بمعرفة البادري ألكسيوس الإسبانيولي والخوري يوسف جعجع الماروني الجاهلين كليهما اللغة اليونانية أصالة. فتصرّفا في النسخة المذكورة كمشيئتهما في الزيادة والنقصان تطبيقا على المذهب البابوي. وبعد إتمامهما إفسادها سجّلا شهادتهما بتصحيحها ، وهكذا رخّص غبطته في طبعها. وبعد اشتهار الجزء الأول منها قوبل على الأصل المحفوظ عند الروم ، فظهر التحريف ، وافتضح ما صنعوه حتى أن الشماس غبريل مات قهرا من هذا الصنيع». ثم قال : «نورد لهم برهانا بشهادة رؤسائهم الإجماعية من كتاب عربي العبارة يوجد بين أيديهم مطبوعا ، وهو كتاب مجمع اللبناني المثبت من كنيسة رومية بجميع أجزائه المؤلّف من جميع أساقفة الطائفة المارونية ومن بطريركهم وعلمائهم تحت نظارة المونسنيور السمعاني المتقدّم في المجمع الروماني والمطوع في دير الشوير بإذن الرؤساء الكاثوليكيين. فهذا المجمع عند ما يتكلم على خدمة القدّاس يقول : قد وجد في كنيستنا نوافير أي ليتورجيات قديمة ، وإن كانت خالصة من الغلط ، لكنها مجرّدة بأسماء القدّيسين ما صنّفوها ولا هي لهم وبعضها بأسماء أساقفة أراتقة أدخلتها النسّاخ بغرض فاسد. اه. وحسبك شهادة من جميعهم على أنفسهم بأن كنيستهم تحتوي على كتب مزوّرة». انتهى كلامه بعبارته. ثم قال : «ونحن عرفنا ما وقع في جيلنا المتنوّر الذي يخشون فيه إطلاق باعهم بتحريف كل ما يرغبونه ، إذ يعلمون أن أعين حرّاس الإنجيل ترقبهم. وأما ما حصل في الأجيال المظلمة من الجيل السابع إلى الجيل الخامس عند ما كان الباباوات والأساقفة عبارة عن دولة بربرية ، وكثير منهم لا يعرف القراءة والكتابة ، وكان المسيحيون المشارقة في ضنك من استيلاء الأمم عليهم ، مشتغلين في وقاية أنفسهم من الدمار ، فهذا لا نعرفه بالتحقيق. ولكن عند ما نطالع تواريخ تلك الأزمنة لا نرى فيها إلّا ما يوجب النّوح والبكاء على حالة كنيسة المسيح التي تهشّمت وقتئذ من الرأس إلى القدم». انتهى كلامه بلفظه. فانظر أيها اللبيب إلى عباراته الثلاثة. فبعد ملاحظة ما ذكرت هل يبقى شك فيما قلت؟

والمجمع النيقاوي كان له عشرون قانونا فقط ، فحرّفوا وزادوا فيه قوانين. وتتمسك فرقة كاتلك بالقانون السابع والثلاثين والرابع والأربعين منها على رئاسة البابا في الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوع سنة ١٨٤٩ في الصفحة ٦٨ و ٦٩ : «إن المجمع المذكور ليس له غير عشرين قانونا فقط ، كما تشهد تواريخ ثاودوريتوس وكتب جيلاسيوس وغيرهما. وأيضا المجمع الرابع المسكوني يذكر للمجمع النيقاوي المذكور عشرين قانونا لا

١٤٤

غير». انتهى كلامه بلفظه. وكذلك جعلوا كتبا مزوّرة ونسبوها إلى الباباوات مثل كاليتوس وسينرسيوس ونكليتوس وإسكندر ومرسيليوس في الرسالة الثانية من الكتاب المذكور في الصفحة ٨٠ هكذا «إن البابا لاون وغالب علمائكم في الكنيسة الرومانية يعترفون بأن كتب هؤلاء الباباوات مزوّرة لا أصل لها». انتهى بلفظه.

وأقول في جواب التغليط الثاني : إنه تغليط بحت. قال أرينيوس : «إن مريد بطرس ومترجمه مرقس كتب بعد موت بطرس وبولس الأشياء التي وعظ بها بطرس». انتهى. وقال لاردنر في تفسيره : «إني أظن أن مرقس ما كتب إنجيله قبل سنة ٦٣ أو سنة ٦٤ ، لأنه لا يتخيل وجه معقول لقيام بطرس في الروم قبل هذا. وهذا التاريخ موافق للكاتب القديم أرينيوس الذي قال : إن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس ، وقال باسينج موافقا لأرينيوس : إن مرقس كتب إنجيله في سنة ٦٦ بعد موت بطرس وبولس واستشهد على رأيه في سنة ٦٥» انتهى كلامه. فظهر من كلام باسينج وأرينيوس أن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس. فثبت أن بطرس ما رأى إنجيل مرقس يقينا ، ورواية رؤية بطرس هذا الإنجيل رواية ضعيفة لا يعتدّ بها. فلذلك قال صاحب مرشد الطالبين مع تعصّبه في الصفحة ١٧٠ من النسخة المطبوعة سنة ١٨٤٠ : «قد زعم أن إنجيل مار مرقس كتب بتدبير مار بطرس». انتهى بلفظه. فانظروا إلى لفظ (قد زعم) فإنه ينادي بأن هذا القول زعم باطل لا أصل له. وكذلك ما رأى بولس إنجيل لوقا لوجهين : الأول : إن المختار عند علماء بروتستنت الآن أن لوقا كتب إنجيله سنة ٦٣ ، وكان تأليفه في أخيا. وهذا الأمر محقّق أيضا أن مقدسهم بولس أطلق من الأسر سنة ٦٣ ، ثم لا يعلم حاله بعد الإطلاق إلى الموت بالخبر الصحيح. لكن الغالب أنه ذهب بعد الإطلاق إلى إسبانيا والمغرب لا إلى الكنائس المشرقية ، وأخيا من بلاد المشرق. والظن الغالب أن لوقا أرسل إنجيله بعد ما فرغ من تأليفه إلى ثاوفيلس الذي ألّف لوقا الإنجيل لأجله. قال صاحب مرشد الطالبين في الفصل الثاني من الجزء الثاني في الصفحة ١٦١ من النسخة المطبوعة سنة ١٨٤٠ في بيان حال لوقا : «كتب إنجيله في أخيا سنة ٦٣». انتهى. ولم يثبت من موضع بدليل أن ثاوفيلس لقي مقدسهم ، فلا يثبت رؤية مقدسهم هذا الإنجيل. قال هورن في الصفحة ٣٣٨ من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «لمّا لم يكتب لوقا حال بولس بعد ما أطلق ، لم يعلم بالخبر الصحيح حاله من السفر وغيره من حين الإطلاق الذي كان في سنة ٦٣ إلى الموت». انتهى. وقال لاردنر في الصفحة ٣٥٠ من المجلد الخامس من تفسيره المطبوع سنة ١٧٢٨ : «نريد أن نكتب الآن حال الحواري من هذا الوقت (أي وقت الإطلاق) إلى موته لكنه لا يحصل إعانة ما من بيان لوقا ، ويحصل من الكتب الأخرى من العهد الجديد إعانة في غاية القلّة ، ولا يحصل من كلام القدماء أيضا

١٤٥

إعانة زائدة. ووقع الاختلاف في أن بولس أين ذهب بعد ما أطلق». انتهى. فثبت من كلام هذين المفسّرين أنه لا يعلم بالخبر الصحيح حال مقدسهم من إطلاقه إلى الموت. فلا يكون ظن بعض المتأخرين بذهابه إلى الكنائس المشرقية بعد الإطلاق حجّة وسندا. وفي الباب الخامس عشر من الرسالة الرومية هكذا : «٢٣ وأما الآن فإذ ليس لي مكان بعد في هذه الأقاليم ولي اشتياق إلى المجيء إليكم منذ سنين كثيرة ٢٤ فعند ما أذهب إلى إسبانيا آتي إليكم لأني أرجو أن أريكم في مروري» فصرّح مقدسهم أن عزمه كان إلى إسبانيا ، ولم يثبت بدليل قوي وخبر صحيح أنه ذهب إليه قبل الإطلاق. فالأغلب أنه ذهب إليه بعد ما أطلق ، لأنه لا يعلم وجه وجيه لفسخ هذا العزم. وفي الآية ٢٥ من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا : «والآن ها أنا أعلم أنكم لا ترون وجهي أيضا أنتم جميعا الذين مررت بينكم كارزا بملكوت الله». فهذا القول يدلّ على أنه ما كان له العزم أن يذهب إلى الكنائس المشرقية. وقال كليمنس أسقف الروم في رسالته : «إن بولس وصل إلى أقصى المغرب معلّما لجميع العالم الصدق ، وذهب إلى الموضع المقدس بعد ما استشهد». انتهى. فهذا القول دليل على أنه راح إلى المغرب لا إلى الكنائس المشرقية. الثاني : إن لاردنر نقل أولا قول أرينيوس هكذا : «كتب لوقا لمقتدي بولس في كتاب واحد البشارة التي وعظ بها بولس» ثم قال ثانيا : «يعلم من ربط الكلام أن هذا الأمر يعني تحرير لوقا إنجيله وقع بعد ما حرّر مرقس إنجيله وبعد موت بولس وبطرس» انتهى. فعلى هذا القول لا يمكن رؤية بولس إنجيل لوقا ، على أنه لو فرض أن بولس رأى إنجيل لوقا أيضا فلا اعتداد برؤيته عندنا ، لأن قول بولس ليس إلهاميّا عندنا ، فكيف يكون قول غير الشخص الإلهامي برؤية بولس في حكم الإلهامي؟؟

١٤٦

الباب الثاني

في إثبات التحريف

وهو قسمان لفظي ومعنوي. ولا نزاع بيننا وبين المسيحيين في القسم الثاني. لأنهم يسلّمون كلهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح ، وفي تفسير الأحكام التي هي أبدية عند اليهود. وإن شاء علماء بروتستنت يعترفون بصدوره عن معتقدي البابا في كتب العهدين ، كما أن معتقدي البابا يرمونهم بهذا رميا شديدا. فلا احتياج إلى إثباته. بقي القسم الأول ، وقد أنكره علماء بروتستنت في الظاهر إنكارا بليغا لتغليط جهّال المسلمين ، وأوردوا أدلّة مموّهة مزوّرة في رسائلهم ليوقعوا الناظرين في الشك. فهو محتاج إلى الإثبات فأريد إثباته في كتابي هذا بعون خالق الأرض والسموات. وأقول : إن التحريف اللفظي بجميع أقسامه ، أعني بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها ، ثابت في الكتب المذكورة. وأورد هذه الأقسام الثلاثة على سبيل الترتيب في ثلاثة مقاصد.

١٤٧

المقصد الأول

في إثبات التحريف اللفظي بالتبديل

اعلم أرشدك الله تعالى أن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ : الأولى : النسخة العبرانية ، وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء بروتستنت. والثانية : النسخة اليونانية ، وهي التي كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية ، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية. وهي إلى هذا الزمان أيضا معتبرة عند الكنيسة اليونانية. وكذا عند كنائس المشرق. وهاتان النسختان تشتملان على جميع الكتب من العهد العتيق. والثالثة : النسخة السامرية ، وهي المعتبرة عند السامريين وهذه النسخة هي النسخة العبرانية. لكنها تشتمل على سبعة كتب من العهد العتيق فقط ، أعني الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه‌السلام وكتاب يوشع وكتاب القضاة ، لأن السامريين لا يسلّمون الكتب الباقية من العهد العتيق. وتزيد على النسخة العبرانية في الألفاظ والفقرات الكثيرة التي لا توجد فيها الآن. وكثير من محقّقي علماء بروتستنت مثل كني كات وهيلز وهيوبي كينت وغيرهم يعتبرونها دون العبرانية ، ويعتقدون أن اليهود حرّفوا العبرانية وجمهور علماء بروتستنت أيضا يضطرون في بعض المواضع إليها ويقدّمونها على العبرانية ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى. وإذا علمت هذا فأقول :

الشاهد الأول : إن الزمان من خلق آدم إلى طوفان نوح عليه‌السلام على وفق العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة (١٦٥٦) وعلى وفق اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستّون سنة (٢٢٦٢) ، وعلى وفق السامرية ألف وثلاثمائة وسبع سنين (١٣٠٧) وفي تفسير هنري واسكات جدول كتب فيه مقابلة كل شخص غير نوح عليه‌السلام من سني عمر هذا الشخص سنة تولد له فيها الولد ، وكتب في مقابلة اسم نوح عليه‌السلام من سني عمره زمان الطوفان والجدول المذكور هذا :

١٤٨

الأسماء

النسخة العبرانية

النسخة السامرية

النسخة اليونانية

آدم عليه السلام

١٣٠

١٣٠

٢٣٠

شيث عليه السلام

١٠٥

١٠٥

٢٠٥

آنوش

٩٠

٩٠

١٩٠

قينان

٧٠

٧٠

١٧٠

مهلائيل

٦٥

٦٥

١٦٥

بارد

١٦٢

٦٢

٢٦٢

حنوك

٦٥

٦٥

١٦٥

متوسالح

١٨٧

٦٧

١٨٧

١٨٢

٥٣

١٨٨

نوح عليه

٦٠٠

٦٠٠

٦٠٠

١٦٥٦

١٣٠٧

٢٢٦٢

فبين النسخ المذكورة في بيان المدة المسطورة فرق كثير واختلاف فاحش لا يمكن التطبيق بينها. ولمّا كان نوح عليه‌السلام في زمن الطوفان ابن ستمائة سنة على وفق النّسخ الثلاث ، وعاش آدم عليه‌السلام تسعمائة وثلاثين سنة ، فيلزم على وفق النسخة السامرية أن يكون نوح عليه‌السلام حين مات آدم عليه‌السلام ابن مائتين وثلاث وعشرين سنة. وهذا باطل باتفاق المؤرّخين ، وتكذّبه العبرانية واليونانية. إذ ولادته على وفق الأولى بعد موت آدم عليه‌السلام بمائة وست وعشرين سنة وعلى وفق الثانية بعد موته بسبعمائة واثنين وثلاثين سنة (٧٣٢). ولأجل الاختلاف الفاحش ما اعتمد يوسيفس اليهودي المؤرّخ المشهور المعتبر عند المسيحيين على نسخة من النسخ المذكورة ، واختار أن المدة المذكورة ألفا ومائتان وستّ وخمسون سنة.

الشاهد الثاني : إن الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه‌السلام على وفق العبرانية مائتان واثنتان وتسعون سنة (٢٩٢) ، وعلى وفق اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة (١٠٧٢) ، وعلى وفق السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة (٩٤٢) وفي تفسير هنري واسكات أيضا

١٤٩

جدول مثل الجدول المذكور. لكن كتب في هذا الجدول في محاذاة اسم كل رجل غير سام من سني عمره سنة تولد له فيها ولد ، وكتب في محاذاة اسم سام زمان تولد له فيه ولد بعد الطوفان. والجدول المذكور هذا :

الأسماء

النسخة العبرانية

النسخة السامرية

النسخة اليونانية

سام

٢

٢

٢

أرفخشذ

٣٥

١٣٥

١٣٥

قينان

*

*

١٣٠

شالخ

٣٠

١٣٠

١٣٠

عار

٣٤

١٣٤

١٣٤

فالغ

٣٠

١٣٠

١٣٠

رعو

٣٢

١٣٢

١٣٢

سروغ

٣٠

١٣٠

١٣٠

ناحور

٢٩

٧٩

٧٩

تارح

٧٠

٧٠

٧٠

٢٩٢

٩٤٢

١٠٧٢

فهنا أيضا اختلاف فاحش بين النسخ المذكورة لا يمكن التطبيق بينها. ولمّا كانت ولادة إبراهيم عليه‌السلام بعد الطوفان بمائتين واثنتين وتسعين سنة (٢٩٢) على وفق النسخة العبرانية ، وعاش نوح عليه‌السلام بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة (٣٥٠) كما هو مصرّح في الآية الثامنة والعشرين من الباب التاسع من سفر التكوين ، فيلزم أن يكون إبراهيم عليه‌السلام حين مات نوح عليه‌السلام ابن ثمان وخمسين سنة. وهذا باطل باتفاق المؤرّخين ، ويكذّبه اليونانية والسامرية ، إذ ولادة إبراهيم عليه‌السلام بعد موت نوح عليه‌السلام بسبعمائة واثنتين وعشرين سنة ، على وفق النسخة الأولى ، وبخمسمائة واثنتين وتسعين سنة ، على وفق النسخة الثانية. وزيد في النسخة اليونانية بطن واحد بين أرفخشذ وشالخ وهو قينان ، ولا يوجد هذا البطن في العبرانية والسامرية. واعتمد لوقا الإنجيلي على اليونانية ، فزاد قينان في بيان

١٥٠

نسب المسيح. ولأجل الاختلاف الفاحش المذكور اختلف المسيحيون فيما بينهم ، فنبذ المؤرّخون النسخ الثلاث في هذا الأمر وراء ظهورهم وقالوا : إن الزمان المذكور ثلاثمائة واثنتان وخمسون (٣٥٢) وكذا ما اعتمد عليها يوسيفس اليهودي المؤرّخ المشهور ، وقال : إن هذا الزمان تسعمائة وثلاث وتسعون سنة (٩٩٣) ، كما هو منقول في تفسير هنري واسكات واكستائن الذي كان أعلم العلماء المسيحية في القرن الرابع من القرون المسيحية. وكذا القدماء الآخرون ، على أن الصحيح النسخة اليونانية واختاره المفسّر هارسلي في تفسير ذيل تفسير الآية الحادية عشر من الباب الحادي عشر من سفر التكوين ، وهيلز على أن الصحيح النسخة السامرية ، ويفهم ميل محقّقهم المشهور هورن إلى هذا في المجلد الأول من تفسير هنري واسكات : «إن أكستائن كان يقول : إن اليهود قد حرّفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين قبل زمن الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه‌السلام ، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة ولعناد الدين المسيحي. ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله ، وكانوا يقولون : إن اليهود حرّفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية». انتهى كلام التفسير المذكور. وقال هورن في المجلد الثاني من تفسيره : «إن المحقّق هيلز أثبت بالأدلّة القوية صحة النسخة السامرية ، ولا يمكن تلخيص دلائله هاهنا. فمن شاء فلينظر في كتابه من الصفحة الثمانين إلى الآخر. وان كني كات يقول : لو لاحظنا أدب السامريين بالنسبة إلى التوراة ، ولاحظنا عاداتهم ، ولاحظنا سكوت المسيح عليه‌السلام حين المكالمة المشهورة التي وقعت بينه وبين الامرأة السامرية». وقصتها منقولة في الباب الرابع من إنجيل يوحنّا وفي هذه القصة هكذا «١٩ قالت له الامرأة : إني أرى أنك يا ربّ نبيّ ٢٠ وكان آباؤنا يسجدون في هذا الجبل (تعني جرزيم) وأنتم (أي اليهود) تقولون : المكان الذي ينبغي أن يسجد فيه في أورشليم. ولمّا علمت هذه الامرأة أن عيسى عليه‌السلام نبيّ سألت عن هذا الأمر الذي هو من أعظم الأمور المتنازعة بين اليهود والسامريين ويدّعي كل فرقة فيه تحريف الأخرى ليتّضح لها الحق. فلو كان السامريون حرّفوا التوراة في هذا الموضع كان لعيسى عليه‌السلام أن يبيّن هذا الأمر في جوابها. لكنه ما بيّن بل سكت عنه. فسكوته دليل على أن الحق ما عليه السامريون «ولو لاحظنا أمورا أخر ، لاقتضى الكل أن اليهود حرّفوا التوراة قصدا. وان ما قال محقّقو كتب العهد العتيق والجديد : إن السامريين حرّفوه قصدا لا أصل له». انتهى كلام هورن. فانظر أيها اللبيب أنهم كيف اعترفوا بالتحريف وما وجدوا ملجأ غير الإقرار.

الشاهد الثالث : إن الآية الرابعة من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء في النسخة العبرانية هكذا «فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل

١٥١

عيبال وشيّدوها بالجصّ تشييدا». وهذه الجملة (فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال) في النسخة السامرية هكذا (فانصبوا الحجارة التي أنا أوصيكم في جبل جرزيم). وعيبال وجرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية الثانية عشرة والثالثة عشر من هذا الباب ، ومن الآية التاسعة والعشرين من الباب الحادي عشر من هذا الكتاب. فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه‌السلام أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عيبال ، ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جرزيم. وبين اليهود والسامريين سلفا وخلفا نزاع مشهور يدّعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرّفت التوراة في هذا المقام. وكذلك بيّن علماء بروتستنت اختلاف في هذا الموضع. قال مفسّرهم المشهور آدم كلارك في صفحة ٨١٧ من المجلد الأول من تفسيره : «إن المحقّق كني كات يدّعي صحة السامرية ، والمحقّق پاري ودرشيور يدّعيان صحة العبرانية. لكن كثيرا من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها ، ويجزمون بأن اليهود حرّفوا لأجل عداوة السامريين. وهذا الأمر مسلّم عند الكل أن جرزيم ذو عيون وحدائق ونباتات كثيرة ، وعيبال جبل يابس لا شيء عليه من هذه الأشياء. فإذا كان الأمر كذلك كان الجبل الأول مناسبا لإسماع البركة والثاني للعن». انتهى كلام المفسّر. وعلم منه أن المختار كني كات وكثيرا من الناس أن التحريف واقع في النسخة العبرانية ، وان أدلة كني كات قوية جدا.

الشاهد الرابع : في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا «٢ ونظر بئرا في الحقل وثلاث قطعان غنم رابضة عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم وكان حجر عظيم على فم البئر ٨ فقالوا : ما نستطيع حتى تجتمع الماشية»؟ إلى آخر الآية. ففي الآية الثانية والثامنة وقع لفظ قطعان غنم ولفظ الماشية والصحيح لفظ الرعاة بدلهما ، كما هو في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية لوالتن. قال المفسّر هارسلي في الصفحة الرابعة والسبعين من المجلد الأول من تفسيره في ذيل الآية الثانية : «لعلّ لفظ ثلاثة رعاة كان هاهنا. انظروا كني كات» ثم قال في ذيل الآية الثامنة : «لو كان هاهنا حتى تجتمع الرعاة لكان أحسن. انظروا النسخة السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت». وقال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره : «يصرّ هيوبي كينت إصرارا بليغا على صحة السامرية». وقال هورن في المجلد الأول من تفسيره موافقا لما قال كني كات وهيوبي كينت : «إنه وقع من غلط الكاتب لفظ قطعان الغنم بدل لفظ الرعاة».

الشاهد الخامس : وقع في الآية الثالثة عشر من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني لفظ سبع سنين. ووقع في الآية الثانية عشر من الباب الحادي والعشرين من الكتاب الأول من أخبار الأيام لفظ ثلاث سنين. وأحدهما غلط يقينا. قال آدم كلارك في ذيل

١٥٢

عبارة صموئيل : «وقع في كتاب أخبار الأيام ثلاث سنين لا سبع سنين ، وكذا في اليونانية وقع هاهنا ثلاث سنين ، كما وقع في أخبار الأيام ، وهذه هي العبارة الصادقة بلا ريب». انتهى كلامه.

الشاهد السادس : وقع في الآية الخامسة والثلاثين من الباب التاسع من الكتاب الأول من أخبار الأيام في النسخة العبرانية (وكان اسم أخته معكاه) والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت. قال آدم كلارك : «وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت ، وفي اليونانية واللّاطينية والسريانية لفظ الزوجة ، وتبع المترجمون هذه التراجم». انتهى كلامه. وهاهنا جمهور بروتستنت تركوا العبرانية وتبعوا التراجم المذكورة. فالتحريف في العبرانية متعيّن عندهم.

الشاهد السابع : وقع في الآية الثانية من الباب الثاني والعشرين من الكتاب الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية «أحذياه صار سلطانا وكان ابن اثنتين وأربعين سنة» ولا شك أنه غلط يقينا. لأن أباه يهورام حين موته كان ابن أربعين سنة ، وجلس هو على سرير سلطنته بعد موت أبيه متّصلا ، فلو صحّ هذا يلزم أن يكون أكبر من أبيه بسنتين. وفي الآية السادسة والعشرين من الباب الثامن من سفر الملوك الثاني «أنه كان في ذلك الوقت ابن اثنتين وعشرين سنة». قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة أخبار الأيام : «وقع في الترجمة السريانية والعبرية اثنان وعشرون ، وفي بعض النسخ اليونانية. والغالب أن يكون في العبرانية في الأصل هكذا. لكنهم كانوا يكتبون العدد بالحروف ، فوقع الميم موضع الكاف من غلط الكاتب. ثم قال عبارة سفر الملوك الثاني صحيحة. ولا يمكن أن تتطابق العبارتان. وكيف تصحّ العبارة التي يظهر منها كون الابن أكبر من أبيه بسنتين». انتهى كلامه. وفي المجلد الأول من تفسير هورن ، وكذا في تفسير هنري واسكات أيضا اعتراف بأنه من غلط الكتّاب.

الشاهد الثامن : وقع في الآية التاسعة عشر من الباب الثامن والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية : «الربّ قد أذلّ يهودا بسبب أحاز ملك إسرائيل». ولفظ إسرائيل غلط يقينا. لأنه كان ملك يهودا لا ملك إسرائيل. ووقع في اليونانية واللّاطينية لفظ يهودا. فالتحريف في العبرانية.

الشاهد التاسع : وقع في الآية السادسة من الزبور الأربعين «فتحت أذني» ونقل بولس هذه الجملة في كتابه إلى العبرانيين في الآية الخامسة من الباب العاشر هكذا : «قد هيّئت لي جسدا» فإحدى العبارتين غلط ومحرّفة يقينا. وتحيّر العلماء المسيحيون فقال جامعو تفسير هنري واسكات : «إن هذا الفرق وقع من غلط الكاتب وأحد المطلبين صحيح» ، فجامعو

١٥٣

التفسير المذكور اعترفوا بالتحريف لكنهم توقفوا في نسبته إلى إحدى العبارتين بالتعيين. وقال آدم كلارك في المجلد الثالث من تفسيره ذيل عبارة الزبور : «المتن العبراني المتداول محرّف». فنسب التحريف إلى عبارة الزبور في تفسير دوالي ورجرد مينت «العجب أنه وقع في الترجمة اليونانية وفي الآية الخامسة من الباب العاشر من الكتاب إلى العبرانيين بدل تلك الفقرة هذه الفقرة قد هيّئت لي جسدا». فهذان المفسّران نسبوا التحريف إلى عبارة الإنجيل.

الشاهد العاشر : وقع في الآية الثامنة والعشرين من الزبور المائة والخامس في العبرانية (هم ما عصوا قوله) وفي اليونانية (هم عصوا قوله). ففي الأولى نفي والثانية إثبات. فأحدهما غلط يقينا. وتحيّر العلماء المسيحيون هاهنا في تفسير هنري واسكات : «لقد طالت المباحثة لأجل هذا الفرق جدا وظاهر أنه نشأ إما لزيادة حرف أو لتركه». انتهى. فجامعو هذا التفسير اعترفوا بالتحريف ، لكن ما قدروا على تعيينه.

الشاهد الحادي عشر : وقع في الآية التاسعة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني «بنو إسرائيل كانوا ثمانمائة ألف رجل شجاع وبنو يهودا خمسمائة ألف رجل شجاع». وفي الآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من سفر الملوك الأول «فبنو إسرائيل كانوا ألف ألف ومائة رجل شجاع ويهودا كانوا أربعمائة ألف وسبعون ألف رجل شجاع». فإحدى العبارتين هاهنا محرّفة. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة صموئيل : «لا يمكن صحة العبارتين ، وتعيين الصحيحة عسير. والأغلب أنها الأولى ووقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخر. والاجتهاد في التطبيق عبث ، والأحسن أن يسلّم من أول الوهلة. الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر. ومصنّفو العهد العتيق وإن كانوا ذوي إلهام لكن الناقلين لم يكونوا كذلك». انتهى كلامه. فهذا المفسّر اعترف بالتحريف ، لكنه لم يقدر على التعيين. واعترف أن التحريفات في كتب التواريخ كثيرة. وأنصف فقال : إن الطريق الأسلم تسليم التحريف من أول الوهلة.

الشاهد الثاني عشر : قال المفسّر هارسلي في الصفحة ٢٩١ من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب القضاة : «لا شبهة أن هذه الآية محرّفة».

الشاهد الثالث عشر : وقع في الآية الثامنة من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الثاني لفظ إرم. ولا شك أنه غلط. والصحيح لفظ أدوم. وآدم كلارك المفسّر حكم أولا بأنه غلط يقينا ، ثم قال : الأغلب انه من غلط الكاتب.

الشاهد الرابع عشر : وقع في الآية السابعة من الباب المذكور : «إن أبا سالوم قال

١٥٤

للسلطان بعد أربعين سنة». ولفظ الأربعين غلط يقينا. والصحيح لفظ الأربع. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره : «لا شبهة أن هذه العبارة محرّفة» ، ثم قال : «أكثر العلماء على أن الأربعين وقع موضع الأربع من غلط الكاتب». انتهى كلامه.

الشاهد الخامس عشر : قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية الثامنة من الباب الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني : «قال كني كات في هذه الآية في المتن العبراني : ثلاث تحريفات عظيمة». انتهى كلامه. فأقرّ هاهنا بثلاثة تحريفات جسيمة.

الشاهد السادس عشر : الآية السادسة من الباب السابع من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا : «بنو بنيامين بالع وبكر وبديع بيل ثلاثة أشخاص». وفي الباب الثامن من السفر المذكور هكذا : «١ ولد بنيامين ولده الأكبر بالع والثاني إشبيل والثالث أخرج ٢ والرابع نوحاه والخامس رافاه». وفي الآية الحادية والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا نسخة سنة ١٨٤٨ : «بنو بنيامين بالع وباخور وإشبل وجيرا ونعمان واحي وروش ومافيم وحوفيم وارد». ففي العبارات الثلاث اختلاف من وجهين : الأول في الأسماء ، والثاني في العدد ، حيث يفهم من الأول أن أبناء بنيامين ثلاثة ، ويفهم من الثانية أنهم خمسة ، ويفهم من الثالثة أنهم عشرة. ولمّا كانت العبارة الأولى والثانية من كتاب واحد يلزم التناقض في كلام مصنّف واحد وهو عزرا النبيّ عليه‌السلام. ولا شك أن إحدى العبارات عندهم تكون صادقة ، والباقيتين تكونان كاذبتين. وتحرير علماء أهل الكتاب فيه ، واضطروا ونسبوا الخطأ إلى عزرا عليه‌السلام. قال آدم كلارك في ذيل العبارة الأولى : «كتب هاهنا لأجل عدم التميّز للمصنف ابن الابن موضع الابن وبالعكس. والتطبيق في مثل هذه الاختلافات غير مفيد. وعلماء اليهود يقولون : إن عزرا عليه‌السلام الذي كتب هذا السفر ما كان له علم بأن بعض هؤلاء بنون أم بنو الأبناء. ويقولون أيضا : إن أوراق النسب التي نقل عنها عزرا عليه‌السلام كان أكثرها ناقصة ، ولا بدّ لنا أن نترك أمثال هذه المعاملات». انتهى كلامه. فانظر أيها اللبيب هاهنا كيف اضطر أهل الكتاب طرّا سواء كانوا من اليهود أو من المسيحيين وما وجدوا ملجأ سوى الإقرار بأن ما كتب عزرا عليه‌السلام غلط ، وما حصل له التميّز بين الأبناء وأبناء الأبناء ، فكتب ما كتب. والمفسّر لمّا أيس من التطبيق قال أولا : (والتطبيق في مثل هذه الاختلافات غير مفيد) ، وقال ثانيا : (لا بدّ لنا أن نترك أمثال هذه المعاملات).

فائدة جليلة لا بدّ من التنبيه عليها : اعلم ، أرشدك الله تعالى ، ان جمهور أهل الكتاب يقولون : إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنّفهما عزرا عليه‌السلام بإعانة حجي وزكريا الرسولين عليهما‌السلام. فعلى هذا ، السفران المذكوران اتفق عليهما الأنبياء الثلاثة

١٥٥

عليهم‌السلام ، وكتب التواريخ شاهدة بأن حال كتب العهد العتيق قبل حادثة بخت نصّر كان أبتر ، وبعد حادثته ما بقي لها غير الاسم. ولو لم يدوّن عزرا عليه‌السلام هذه الكتب مرة أخرى لم توجد في زمانه فضلا عن الزمان الآخر. وهذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أيضا في السفر الذي هو منسوب إلى عزرا. وفرقة بروتستنت لا يعترفون بأنه سماوي. لكن مع ذلك الاعتقاد لا تنحطّ رتبته عن كتب المؤرّخين المسيحيين عندهم وقع هكذا «أحرق التوراة وما كان أحد يعلّمه ، وقيل : إن عزرا جمع ما فيه مرة أخرى بإعانة روح المقدس» انتهى. وقال كليمنس إسكندريانوس : «إن الكتب السماوية ضاعت فألهم عزرا أن يكتبها مرة أخرى». انتهى. وقال ترتولين : «المشهور ان عزرا كتب مجموع الكتب بعد ما أعار أهل بابل بروشالم». انتهى. وقال تهيوفلكت : «إن الكتب المقدسة انعدمت رأسا فأوجدها عزرا مرة أخرى بإلهام». انتهى. وقال جان ملز كاتلك في الصفحة ١١٥ من كتابه الذي طبع في بلدة دربي سنة ١٨٤٣ : «اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية ، وكذا نسخ كتب العهد العتيق ، ضاعت من أيدي عسكر بخت نصّر. ولمّا ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضا في حالة أنتيوكس». انتهى كلامه بقدر الحاجة. إذا علمت هذه الأقوال فارجع إلى كلام المفسّر المذكور. وأقول يظهر للّبيب هاهنا سبعة أمور :

الأمر الأول : إن هذا التوراة المتداول الآن ليس التوراة الذي ألهم به موسى عليه‌السلام أولا ، ثم بعد انعدامه كتبه عزرا عليه‌السلام بالإلهام مرة أخرى. وإلّا لرجع إليه عزرا عليه‌السلام وما خالفه ونقل على حسبه وما اعتمد على الأوراق الناقصة التي لم يقدر على التمييز بين الغلط والصحيح منها. وإن قالوا إنه هو ، لكنه أيضا كان منقولا عن النّسخ الناقصة التي حصلت له ولم يقدر حين التحرير على التمييز بينها ، كما لم يقدر هاهنا بين الأوراق الناقصة. فقلت على هذا التقدير لا يكون التوراة معتمدا ، وإن كان ناقله عزرا عليه‌السلام. الأمر الثاني : إنه إذا غلط عزرا في هذا السفر ، مع أن الرسولين الآخرين كانا معينين له في تأليف هذا السفر ، فيجوز صدور الغلط منه في الكتب الأخر أيضا. فلا بأس لو أنكر أحد شيئا من هذه الكتب ، إذا كان ذلك الشيء مخالفا للبراهين القطعية أو مصادما للبداهة. مثل أن ينكر ما وقع في الباب التاسع عشر من سفر التكوين من أن لوطا عليه‌السلام زنى بابنتيه ، والعياذ بالله تعالى ، وحملتا من أبيهما ، وتولد لهما ابنان هما أبو الموآبيّين والعمانيين. وما وقع في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول من أن داود عليه‌السلام زنى بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه فقتل زوجها بالحيلة وتصرّف فيها. وما وقع في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول أن سليمان عليه‌السلام ارتدّ في آخر عمره بترغيب أزواجه وعبد الأصنام وبنى لها معابد وسقط من نظر الله. وأمثال هذه القصص التي تقشعرّ منها جلود أهل الإيمان

١٥٦

ويكذّبها البرهان. الأمر الثالث : إن الشيء إذا صار محرّفا فليس بضروري أن يزول ذلك التحريف بتوجّه النبيّ الذي بعده ، وأن يخبر الله تعالى عن المواضع المحرّفة البتّة ، ولا جرت عليه العادة الإلهية. الأمر الرابع : إن علماء بروتستنت ادّعوا أن الأنبياء والحواريين ، وإن لم يكونوا معصومين عن الذنوب والخطأ والنسيان ، لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير. فكل شيء بلغوه أو حرّروه فهو مصون عن الخطأ والسّهو والنسيان. أقول ما ادّعوه لا أصل له من كتبهم ، وإلّا لم صار تحرير عزرا عليه‌السلام ، مع كون الرسولين عليهم‌السلام معيّنين له ، غير مصون عن الخطأ؟ الأمر الخامس : إنه لا يلهم النبي في بعض الأحيان في بعض الأمور ، مع كون الإلهام محتاجا إليه ، لأن عزرا عليه‌السلام لم يلهم مع كونه محتاجا إلى الإلهام في ذلك الأمر. الأمر السادس : إنه ظهر صدق دعوى أهل الإسلام بأنّا لا نسلّم أن كل ما اندرج في هذه الكتب فهو إلهامي ومن جانب الله ، لأن الغلط لا يصلح أن يكون إلهاميّا ومن جانب الله ، وهو يوجد في هذه الكتب بلا ريب ، كما عرفت آنفا وفي الشواهد السابقة ، وستعرف في الشواهد اللاحقة أيضا إن شاء الله تعالى. الأمر السابع : إنه إذا لم يكن عزرا عليه‌السلام مصونا عن الخطأ في التحرير فكيف يكون مرقس ولوقا الإنجيليان اللذان ليسا من الحواريين أيضا مصونين عن الخطأ في التحرير؟ لأن عزرا عليه‌السلام عند أهل الكتاب نبيّ ذو إلهام ، وكان النبيّان ذوا الإلهام معينين له في التحرير. ومرقس ولوقا ليسا بنبيّين ذوي إلهام بل عندنا متّى ويوحنّا ليسا كذلك ، وإن كان زعم المسيحيين من فرقة بروتستنت بخلافه. وكلام هؤلاء الأربعة الإنجيليين مملوء من الأغلاط والاختلافات الفاحشة.

الشاهد السابع عشر : قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية التاسعة والعشرين من الباب الثامن من السفر الأول من أخبار الأيام : «في هذا الباب من هذه الآية إلى الآية الثامنة والثلاثين ، وفي الباب التاسع من الآية الخامسة والثلاثين إلى الآية الرابعة والأربعين ، توجد أسماء مختلفة. وقال علماء اليهود إن عزرا وجد كتابين توجد فيهما هذه الفقرات مع شيء من اختلاف الأسماء ، ولم يحصل له تميّز بأن أيّهما أحسن فنقلهما». انتهى كلامه. ولك أن تقول هاهنا كما مرّ في الشاهد المتقدّم.

الشاهد الثامن عشر : في الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام وقع في الآية الثالثة لفظ أربعمائة ألف في تعداد عسكر آبياه ، ولفظ ثمانمائة ألف في تعداد عسكر يربعام ، وفي الآية السابعة عشر لفظ خمسمائة ألف في تعداد المقتولين من عسكر يربعام. ولمّا كانت هذه الأعداد بالنسبة إلى هؤلاء الملوك مخالفة للقياس ، غيّرت في أكثر نسخ الترجمة اللّاطينية إلى أربعين ألفا في الموضع الأول ، وثمانين ألفا في الموضع الثاني ، وخمسين ألفا في الموضع الثالث. ورضي المفسّرون بهذا التغيير. قال هورن في المجلد

١٥٧

الأول من تفسيره : «الأغلب أن عدد هذه النسخ (أي نسخ الترجمة اللّاطينية) صحيح. انتهى. وقال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره يعلم أن العدد الصغير (أي الواقع في نسخ الترجمة اللّاطينية) في غاية الصحة ، وحصل لنا موضع الاستغاثة كثيرا بوقوع التحريف في أعداد كتب التواريخ هذه». انتهى كلامه. وهذا المفسّر ، بعد اعتراف التحريف هاهنا ، صرّح بوقوعه كثيرا في الأعداد.

الشاهد التاسع عشر : في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام : «وكان يواخين ابن ثمان سنين حين صار سلطانا». ولفظ ثماني سنين غلط ، ومخالف لما وقع في الآية الثامنة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني : «وكان يواخين حين جلس على سرير السلطنة ابن ثماني عشرة سنة». قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة سفر الملوك : «وقع في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام لفظ ثمانية ، وهو غلط البتّة. لأن سلطنته كانت إلى ثلاثة أشهر ، ثم ذهب إلى بابل أسيرا ، وكان في المحبس وأزواجه معه. والغالب أنه لا يكون لابن ثماني أو تسع سنين أزواجا. ويشكّل أيضا أن يقال لمثل هذا الصغير أنه فعل ما كان قبيحا عند الله. فهذا الموضع من السفر محرّف».

الشاهد العشرون : في الآية السابعة عشرة من الزبور الحادي والعشرين على ما في بعض النّسخ أو في الآية السادسة عشرة من الزبور الثاني والعشرين وقعت هذه الجملة في النسخة العبرانية : «وكلتا يدي مثل الأسد». والمسيحيون من فرقة كاثوليك وبروتستنت في تراجمهم ينقلونها هكذا «وهم طعنوا يدي ورجلي» فهؤلاء متّفقون على تحريف العبرانية هاهنا.

الشاهد الحادي والعشرون : قال آدم كلارك في المجلد الرابع من تفسيره ذيل الآية الثانية من الباب الرابع والستّين من كتاب أشعياء : «المتن العبراني محرّف كثيرا هاهنا ، والصحيح أن يكون هذا ، كما أن الشمع يذوب من النار».

الشاهد الثاني والعشرون : الآية الرابعة من الباب المذكور هكذا : «لأن الإنسان من القديم ما سمع ، وما وصل إلى أذن أحد ، وما رأت عينا أحد إلها غيرك يفعل لمنتظريه مثل هذا». ونقل بولس هذه الآية في الآية التاسعة من الباب الثاني من رسالته الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا : «بل كما كتب أن الأشياء التي هيّأها الله للذين يحبّونه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولم يخطر بخاطر إنسان». فكم من فرق بينهما. فإحداهما محرّفة. في تفسير هنري واسكات «الرأي الحسن أن المتن العبري محرّف». انتهى. وآدم كلارك ذيل عبارة

١٥٨

أشعياء عليه‌السلام نقل أولا أقوالا كثيرة وردّها وجرّحها ثم قال : «إني متحيّر ما ذا أفعل في هذه المشكلات ، غير أن أضع بين يدي الناظر أحد الأمرين ، إما أن يعتقد بأن اليهود حرّفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفا قصديا ، كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة في العهد الجديد عن العهد العتيق ، انظروا كتاب أوون من الفصل السادس إلى الفصل التاسع في حق الترجمة اليونانية ، وإما أن يعتقد أن بولس ما نقل عن ذلك الكتاب ، بل نقل عن كتاب أو كتابين من الكتب الجعليّة ، أعني معراج أشعياء ومشاهدات إيلياء اللذين وجدت هذه الفقرة فيهما. وظن البعض أن الحواري نقل عن الكتب الجعليّة ، ولعلّ الناس لا يقبلون الاحتمال الأول بسهولة. فأنبّه الناظرين تنبيها بليغا على أن جيروم عدّ الاحتمال الثاني أسوأ من الإلحاد». انتهى كلامه.

الشاهد الثالث والعشرون إلى الشاهد الثامن والعشرين : قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره : «يعلم أن المتن العبري في الفقرات المفصّلة الذيل محرّف. ١ ـ الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا. ٢ ـ الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا. ٣ ـ من الآية الثامنة إلى الآية الحادية عشرة من الزبور السادس عشر. ٤ ـ الآية الحادية عشرة والثانية عشرة من الباب التاسع من كتاب عاموس. ٥ ـ من الآية السادسة إلى الثامنة من الزبور الأربعين. ٦ ـ الآية الرابعة من الزبور العاشر بعد المائة». فأقرّ محقّقهم بالتحريف في هذه المواضع في الآيات ، ووجّه إقراره. الموضع الأول نقله متّى في الآية العاشرة من الباب الحادي عشر من إنجيله ، وما نقله يخالف كلام ملاخيا المنقول في المتن العبراني والتراجم القديمة بوجهين : الأول : إن لفظ (أمام وجهك) في هذه الجملة (ها أنا ذا أرسل ملكي أمام وجهك) زائد في منقول متّى ، لا يوجد في كلام ملاخيا. والثاني : إنه وقع في منقوله (ليوطئ السبيل قدّامك) وفي كلام ملاخيا (ليوطئ السبيل قدّامي) ، وقال هورن في الحاشية : «ولا يمكن أن يبيّن سبب المخالفة بسهولة ، غير أن النّسخ القديمة وقع فيها تحريف ما». انتهى كلامه. وأن الموضع الثاني نقله متّى أيضا في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيله وبينهما مخالفة. وان الموضع الثالث نقله لوقا في الآية الخامسة والعشرين إلى الثمانية والعشرين من الباب الثاني من كتاب أعمال الحواريين ، وبينهما مخالفة. وان الموضع الرابع نقله لوقا في الآية السادسة عشر والسابعة عشر من الباب الخامس عشر من كتاب أعمال الحواريين ، وبينهما مخالفة. وان الموضع الخامس نقله بولس في الآية الخامسة إلى السابعة في رسالته إلى العبرانيين ، وبينهما مخالفة. وأما حال الموضع السادس فلم يتّضح لي حق الاتّضاح ، لكن هورن لمّا كان من المحقّقين المعتبرين عندهم فإقراره يكفي حجّة عليهم.

الشاهد التاسع والعشرون : في الآية الثامنة من الباب الحادي والعشرين من كتاب

١٥٩

الخروج في المتن العبراني الأصل في مسألة الجارية وقع النفي ، وفي عبارة الحاشية وجد الإثبات.

الشاهد الثلاثون : في الآية الحادية والعشرين من الباب الحادي عشر من كتاب الأحبار في حكم الطيور التي تمشي على الأرض في المتن العبراني وجد النفي ، وفي عبارة الحاشية الإثبات.

الشاهد الحادي والثلاثون : في الآية الثلاثين من الباب الخامس والعشرين من كتاب الأحبار في حكم البيت في المتن وجد النفي ، وفي عبارة الحاشية الإثبات. واختار علماء بروتستنت في هذه المواضع الثلاثة في تراجمهم الإثبات وعبارة الحاشية ، وتركوا المتن الأصل. فعندهم الأصل في هذه المواضع محرّف ، ومن وقوع التحريف فيها اشتبهت الأحكام الثلاثة المندرجة فيها. فلا يعلم يقينا أن الصحيح الحكم الذي يفيده النفي أو الحكم الذي يفيده الإثبات. وظهر من هذا أن ما قالوا من أنه لم يفت حكم من أحكام الكتب السماوية بوقوع التحريف الذي فيها ، غير صحيح.

الشاهد الثاني والثلاثون : في الآية الثامنة والعشرين من الباب العشرين من كتاب الأعمال «حتى تركوا كنيسة الله التي اقتنى بدمه» قال كريباخ : «لفظ الله غلط والصحيح لفظ الرّب» فعنده لفظ الله محرّف.

الشاهد الثالث والثلاثون : في الآية السادسة عشر من الباب الثالث من رسالة بولس الأولى إلى طيموثاوس (الله ظهر في الجسد) قال كريباخ : (إن لفظ الله غلط والصحيح ضمير الغائب) أي بأن يقال هو.

الشاهد الرابع والثلاثون : في الآية الثالثة عشر من الباب الثامن من المشاهدات (ثم رأيت ملكا طائرا) قال كريباخ وشولز : (لفظ الملك غلط والصحيح لفظ العقاب).

الشاهد الخامس والثلاثون : في الآية الحادية والعشرين من الباب الخامس من رسالة بولس إلى أهل إفسيس (وليخضع بعض لبعض لخوف الله). قال كريباخ وشولز : (إن لفظ الله غلط والصحيح لفظ المسيح). انتهى.

وأكتفي من شواهد المقصد الأول على هذا القدر خوفا من الإطالة.

١٦٠