أسباب النّزول القرآني

المؤلف:

الدكتور غازي عناية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (سورة التوبة : ٧٤)

وأخرج الحاكم هذا الحديث بهذا اللفظ ، وقال : فأنزل الله :

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (سورة المجادلة : ١٨ ـ ١٩)

٤ ـ ما أخرجه الواحدي عن المفسرين قالوا : «إن المشركين قالوا : أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ، ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ، ويرجع عنه غدا ، ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله تعالى :

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) (النحل : ١٠١)

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦)

فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد ، وهو قول المشركين ، بأن محمدا يأمر بأمر ، ويأمر بخلافه.

٥ ـ ما أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم بسند حسن عن أمامه بن سهل بن حنيف ، قال : «لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله تعالى :

(لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (النساء : ١٩)

٨١

وأخرج ابن أبي حاتم ، والفريابي ، والطبراني ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار ، قال : «توفي أبو قيس بن الأسلت ، وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأته ، فقالت : إنما أعدّك ولدا ، فأنت من صالحي قومك ، فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرته ، فقال : ارجعي إلى بيتك ، فنزلت هذه الآية :

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (النساء : ٢٢)

فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد ، وهو خطبة قيس بن الأسلف من امرأة أبيه.

٦ ـ ما أخرجه ابن جرير من طرق عن الحسن : أن رجلا من الأنصار لطم امرأته ، فجاءت تلتمس القصاص ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما القصاص ، فنزلت :

(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (سورة طه : ١١٤) ونزلت :

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (سورة النّساء : ٣٤)

فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد ، وهو لطم أحد الأنصار لزوجته.

٧ ـ ما أخرجه الواحدي عن عكرمة ، عن ابن عباس : «أن رجلا أنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء ، وإني حرمت عليّ اللحم ، فنزلت :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) (المائدة : ٨٧)

٨٢

ونزلت :

(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) (المائدة : ٨٨)

فهاتان الآيتان ، نزلتا لسبب واحد ، وهو تحريم أحد الصحابة أكل اللحم على نفسه.

٨٣

الفصل الرابع

صيغة سبب النزول

ويقصد بها صيغة الروايات المتعلقة بالأسباب. وأحيانا لا تكون عبارة ، أو صيغة الرواية حتى الصحيحة نصا في بيان سبب النزول في جميع الأحوال.

فهناك النص الواضح الصريح في بيان سبب النزول ، وهناك النص المحتمل لسبب النزول ، وعلى هذا فصيغة سبب النزول ، إما أن تكون نصا صريحا في السبب ، أي سبب النزول ، وإما أن تكون نصا محتملا في السبب ، أي سبب النزول.

أولا : تكون صيغة سبب النزول نصا صريحا ، وواضحا في السببية في حالتين : ـ أ ـ إذا قال الراوي : «سبب نزول هذه الآية كذا» ـ أي ذكر كلمة السبب صراحة.

ب ـ إذا أتى بفاء تعقيبية داخله على مادة نزول الآية بعد ذكره للحادثة ، أو الواقعة ، أو السؤال الذي طرح على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما إذا قال : «حدث كذا ، فنزلت آية كذا» ، أو «سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت آية كذا» ، فهاتان الصيغتان صريحتان في السبية تبينان ، ويفهم منهما صراحة سبب نزول الآية.

ثانيا : وتكون صيغة سبب النزول نصا محتملا في السببية في حالتين :

أ ـ إذا قال الراوي : «نزلت هذه الآية في كذا» ، فلم يذكر كلمة السبب.

٨٤

ب ـ إذا قال الراوي : «أحسب هذه الآية نزلت في كذا» أو «ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا» ، فصيغة الراوي في هذين القولين ، هي صيغة محتملة للسببية ، أي لا تدل صراحة أن ما يقصده هو السبب ، وإنما تحتمل صيغته بيان السبب ، وبيان أمر آخر غير السبب ، وهو الأحكام التي تتضمنها الآية.

وعليه ، فإن صيغة النص المحتمل للسببية ، قد تفيد السببية ، وقد تفيد الأحكام التي تضمنتها الآية.

قال الزركشي في البرهان : «قد عرف من عادة الصحابة ، والتابعين أن أحدهم إذا قال : «نزلت هذه الآية في كذا» ، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب في نزولها ، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآيات ، لا من جنس النقل لما وقع».

ولذلك لو قال راو : «نزلت هذه الآية في كذا» ، وقال آخر : «نزلت في غير ذلك» ، فإن كان اللفظ يحتمل كلا القولين حمل عليهما ، ولا تناقض في ذلك ، وإلا تعين ما يدل عليه اللفظ ، ويساعد السياق على فهمه.

وأما إذا قال أحد الراوين : «نزلت الآية في كذا» بهذا النص الصريح ، فالمعوّل عليه ما كان نصا ، فهو أولى بالتقديم مما كان محتملا.

ولنا القول : إن صيغة رواية الصحابي تكون أحيانا نصا صريحا ، وواضحا في السببية ، كقوله : «سبب نزول هذه الآية كذا» ، ففي هذه الحالة صرح بالسبب ، ويكون هو المقصود من الرواية.

وتكون رواية الصحابي أحيانا نصا محتملا في السببية ، كقوله : «نزلت هذه الآية في كذا» ، ففي هذه الحالة لم يصرح بالسبب ، فيكون المقصود من قوله : إما ذكر السبب ، وإما الحكم في الآية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «قولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد

٨٥

به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية ، وإن لم يكن السبب»

أي ان هذا لم يكن السبب في نزولها ، ولقد اختلفت آراء العلماء بالنسبة لقول الصحابي : «نزلت هذه الآية فى كذا».

هل يجعل هذا القول من المرفوع المسند؟ أي المسند إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيعتبر بمثابة السبب الذي نزلت الآية من أجله ، أو به؟ أي نعتبر هذا القول هو سبب نزول الآية ، أو أن لا يجعل هذا القول من المرفوع المسند؟؟ فيعتبر هنا بمثابة تفسير حكم الآية.

ان جماعة من المحدثين ، ومنهم البخاري يجعلون قول الصحابي هذا من المرفوع المسند ، فيفسر على أنه هو سبب نزول الآية ، ويستشهدون.

بصيغة الصحابي ابن عمر : «نزلت في إتيان النساء في أدبارهن» ، وذلك في روايته عن سبب نزول الآية :

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : ٢٢٣) ومن جهة أخرى فإن جماعة من العلماء المحدثين لا يجعلون قول الصحابي ذلك «نزلت الآية في كذا».

من المرفوع المسند : أمثال الإمام أحمد في مسنده ، والإمام مسلم ، بل ، ومعظم المسانيد ، فلا يكون قول الصحابي في هذه الحالة سببا في نزول الآية.

وجعل هؤلاء المحدثين أن قول الصحابي هذا هو مما يقال بالاستدلال والتأويل ، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع.

أمثلة عن الصيغة الصريحة فى السببية :

٨٦

أ ـ مثال الصيغة : «فأنزل الله».

أخرج الحاكم عن أم سلمة أنها قالت : «تغزو الرجال ولا تغزو النساء ، وإنما لنا نصف الميراث» ، فأنزل الله :

(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء : ٣٢)

ب ـ مثال الصيغة : «فنزلت هذه الآية».

أخرج الشيخان عن المسيب قال : «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقالا : أي عم ، قل : لا إله إلا الله أحاجّ لك بها عند الله. فقالا : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب! فقال : هو على ملة عبد المطلب ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)».

أمثلة على الصيغة المحتملة للسببية :

أ ـ مثال الصيغة : «نزلت هذه الآية في كذا».

مثالها : قول ابن عمر (رضي الله عنهما) : «أنزلت : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ، الآية في إتيان النساء في أدبارهن.

ب ـ مثال الصيغة : «أحسب ، أو ما أحسب أن هذه الآية إلا نزلت في كذا».

٨٧

مثالها : قول (الزبير) : «ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك :» ، وذلك في الآية :

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (النساء : ٦٥) والقصة هي ما

روي عن عبد الله بن الزبير : «إن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شراج من الحرة ، وكانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاري : سرح الماء يمز ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، وقال : يا رسول الله ، إن كان ابن عمتك؟؟ ، فتلون وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : اسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك

، واستوعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزبير حقه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له ، وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم ، فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك».

٨٨

الباب الرابع

لآيات التي لها أسباب نزول

٨٩

الباب الرابع

الآيات التي لها أسباب نزول

ـ سورة البقرة ـ

أخرج الواحدي عن عكرمة قال : «أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة».

وأخرج الواحدي ، والفريابي ، وابن جرير عن مجاهد قال :

«أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين ، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين ، وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين».

الآيتان : ٦ ، ٧ ، قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) أخرج الواحدي عن الضحاك قال : «نزلت في أبي جهل ، وخمسة من أهل بيته».

وأخرج الواحدي عن الكلبي قال : «يعني اليهود».

وأخرج ابن جرير عن طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، الآيتين أنهما نزلتا في يهود المدينة.

الآية : ١٤ ، قوله تعالى :

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)

أخرج الواحدي ، والثعلبي من طريق محمد بن مروان ، والسدي

٩٠

الصغير عن الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ ، وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال عبد الله بن أبيّ : أنظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم؟ ، فذهب ، فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تيم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه ، وماله ، ثم أخذ بيد عمر ، فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه ، وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد علي ، فقال : مرحبا بابن عم رسول الله ، وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ، ثم افترقوا ، فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ ، فإذا رأيتموهم ، فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيرا ، فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخبروه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية».

الآية : ١٩ ، قوله تعالى :

(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)

أخرج ابن جرير من طريق السدي الكبير عن أبي مالك ، وأبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة ، قالوا : «كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، فيه رعد شديد ، وصواعق ، وبرق ، فجعلا كل ما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما ، فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، فأتيا مكانهما يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمدا ، فنضع أيدينا في يده ، فأتياه فأسلما ، ووضعا أيديهما في يده، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن

٩١

هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، فرقا من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا ، فإن كثرت أموالهم ، وولدهم ، وأصابوا غنيمة ، أو فتحا مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد حينئذ صدق ، واستقاموا عليه كما كان ذلك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهما البرق ، وإذا أظلم عليهما ، قاما. وكانوا إذا هلكت أموالهم ، وولدهم ، وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، وارتدوا كفارا كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما».

الآيتان : ٢٦ ، ٢٧ قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)

أخرج ابن جرير عن السدي بأسانيده ، وأخرج الواحدي عن ابن عباس : «لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين ، قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً). وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ).

قال المنافقون : الله أجلّ ، وأعلى من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) ، إلى قوله : (هُمُ الْخاسِرُونَ)

.

٩٢

وأخرج الواحدي : «قال الحسن ، وقتادة : لما ذكر الله الذباب ، والعنكبوت في كتابه ، وضرب للمشركين المثل ضحكت اليهود ، وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله هذه الآية».

الآية : ٤٤ ، قوله تعالى :

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)

أخرج الواحدي ، والثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في يهود المدينة ، كان الرجل يقول لصهره ، ولذوي قرابته ، ولمن بينهم ، وبينه رضاع من المسلمين : أثبت على الدين الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل ، فإن أمره حق ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ، ولا يفعلونه».

الآية : ٦٢ ، قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

أخرج الواحدين طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد قال : «لما قص سلمان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة أصحاب الدير ، قال : هم في النار. قال سلمان : فأظلمت عليّ الأرض ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ، إلى قوله : (يَحْزَنُونَ)، قال : فكأنما كشف عني جبل».

وأخرج الواحدي عن السدي ، قال : «نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، لما قدم سلمان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه ، واجتهادهم ، وقال : يا رسول الله ، كانوا يصلون ، ويصومون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك تبعث نبيا ، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا سلمان ، هم من أهل النار ، فأنزل الله :

٩٣

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ، وتلا إلى قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

الآية : ٧٦ ، قوله تعالى :

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ).

أخرج ابن جرير عن مجاهد قال : «قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال : يا إخوان القردة ، ويا إخوان الخنازير ، ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر بهذا محمدا؟! ، ما خرج هذا إلا منكم ، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ، ليكون لهم حجة عليكم ، فنزلت الآية».

وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : «كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، إن صاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أيتحدث العرب بهذا ، فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم ، فأنزل الله : (وَإِذا لَقُوا) الآية».

الآية : ٧٩ ، قوله تعالى :

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)

أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : نزلت في أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي مكتوبة في التوراة : أكحل ، أعين ، ربعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه ، فمحوه ، حسدا ، وبغيا ، وقالوا : نجده طويلا ، أزرق ، سبط الشعر».

وأخرج الواحدي عن الكلبي قال : «إنهم غيّروا صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٩٤

في كتابهم ، وجعلوا آدم سبطا طويلا ، وكان ربعة أسمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا لأصحابهم ، وأتباعهم : أنظروا إلى صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا ، وكانت الأحبار ، والعلماء مأكلة من سائر اليهود ، فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة ، ومن ثم غيروا».

الآيتان : ٨٠ ، ٨١ ، قوله تعالى :

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

أخرج الطبراني في الكبير ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، ويهود تقول : إنما مدة الدنيا سبع آلاف سنة ، وإنما يعذّب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك :

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) إلى قوله : (فِيها خالِدُونَ)»

وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : «إن اليهود قالوا : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ـ الأيام التي عبدنا فيها العجل أربعين ليلة ـ فإذا انقضت انقطع عنا العذاب ، فنزلت الآية».

الآية : ٨٩. قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).

أخرج الحاكم ، والبيهقي ، والواحدي عن ابن عباس قال : «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا هزمت يهود ، فعاذت يهود بهذا الدعاء : اللهم ، إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ، فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفروا به ، فأنزلت.

٩٥

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس : «إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس ، والخزرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء ، وداود بن سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله ، وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ، ونحن أهل شرك ، وتخبرونا بأنه مبعوث ، وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مشكم ـ أحد بن النضير ـ : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزلت الآية».

الآيتان : ٩٧ ـ ٩٨. قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ).

أخرج أحمد ، والترمذي ، والنسائي من طريق بكر بن شهان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : «أقبلت يهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إنّا نسألك عن خمسة أشياء ، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي ، فذكر فيه الحديث ، وفيه : أنهم سألوه عما حرّم اسرائيل على نفسه ، وعن علامة النبي ، وعن الرعد ، وصوته ، وكيف تذكر المرأة وتؤنث ، وعمن يأتيه بخبر السماء ، إلى أن قالوا : فأخبرنا عن صاحبك ، قال : جبريل. قالوا : جبريل ذاك ينزل بالحرب ، والقتال ، والعذاب عدونا ، ولو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالرحمة ، والنبات ، والقطر ، لكان خيرا ، فنزلت».

٩٦

وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده ، وابن جرير من طريق الشعبي ، وأخرج الواحدي من طريق الشعبي ، «قال : قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة ، فأعجب من موافقة القرآن التوراة ، فقالوا : ما أحد أحب إلينا منك ، قلت : ولم؟! قالوا : لأنك تأتينا ، وتغشانا ، قلت : إنما أجيء لاعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا ، وموافقة التوراة القرآن ، وموافقة القرآن التوراة ، فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلف ظهري ، فقالوا : إن هذا صاحبك ، فقم إليه ، فالتفت ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دخل خوخة في المدينة ، فأقبلت عليهم فقلت : انشدكم بالله ، وما أنزل عليكم من كتاب ، أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال سيدهم : قد نشدكم الله ، فأخبروه ، فقالوا : أنت سيدنا ، فأخبره ، فقال سيدهم : إنا نعلم أنه رسول الله ، قال : فقلت : فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون ، أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم لم تتبعوه ، قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة ، وسلما من الملائكة ، فقلت : من عدوكم؟ ، ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا جبريل ، وهو ملك الفظاظة ، والغلظة ، والإصار ، والتشديد ، قلت : ومن سلمكم؟ قالوا : ميكائيل ، وهو ملك الرأفة ، واللين ، والتيسير ، قلت : فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل ، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ، وإنهما جميعا ، ومن معهما أعداء لمن عادوا ، وسلم لمن سالموا ، ثم قمت ، فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستقبلني ، فقال : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلت عليّ قبل؟

قلت : بلى ، فقرأ : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ) الآية ، حتى بلغ : (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ).

قلت : والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود ، فإذا

٩٧

اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر ، قال عمر : فلقد رأيتني اشد في دين الله من حجر».

الآية : ٩٩ ، قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ)

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «قال ابن صوريا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية بيّنة ، فأنزل الله في ذلك : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) الآية.

الآية : ١٠٢ ، قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال : «إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فيجئ ، أحدهم بكلمة حق ، فإذا جرب مع أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة ، فبشر بها قلوب الناس ، فأطلع على ذلك سليمان ، فأخذها ، فدفنها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق ، فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله؟؟ قالوا : نعم. قال : تحت الكرسي ، فأخرجوه ، فقالوا : هذا سحر سليمان سحر به الأمم ، فأنزل الله عذر سليمان : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ).

وأخرج الواحدي عن الكلبي ، قال : «إن الشياطين كتبوا السحر ،

٩٨

والناجيات على لسان آصف : هذا ما علم آصف بن برخيا الملك ، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ، ولم يشعر بذلك سليمان ، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه ، وقالوا للناس : إنما ملككم سليمان بهذا ، فتعلموه ، فلما علم علماء بني اسرائيل قالوا : معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان ، وأما السفلة ، فقالوا : هذا علم سليمان ، وأقبلوا على تعلمه ، ورفضوا كتب أنبيائهم ، ففشت الملامة لسليمان ، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ، ونزّل براءته مما رمي به ، فقال : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ).

الآية : ١٠٤ ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ)

أخرج ابن المنذر عن السدي قال : «كان رجلان من اليهود : مالك بن صيف ، ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالا له ، وهما يكلمانه : راعنا سمعك ، واسمع غير مسمع ، فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا).

وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) من طريق السّدّي الصغير ، عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : راعنا بلسان اليهود السب القبيح ، فلما سمعوا أصحابه يقولونه ، أعلنوا بها له ، فكانوا يقولون ذلك ، ويضحكون فيما بينهم ، فنزلت فسمعها منهم سعد بن معاذ ، فقال لليهود : يا أعداء الله ، لئن سمعتها من رجل منكم بعد هذا المجلس ، لأضربن عنقه».

الآية : ١٠٦ ، قوله تعالى :

٩٩

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

قال الواحدي : قال المفسرون : إن المشركين قالوا : أترون الى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ، ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ، ويرجع عنه غدا ، ما هذا القرآن إلّا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله ، (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) الآية و (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) الآية

الآية ١٠٨ : قوله تعالى :

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبى كعب ، ورهط من قريش ، قالوا : يا محمد ، اجعل لنا الصفا ذهبا ، ووسع لنا أرض مكة ، وفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، نؤمن بك ، فأنزل الله هذه الآية».

وقال الواحدي : قال المفسرون : «إن اليهود ، والمشركين تمنعوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن قائل يقول : يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة ، ومن قائل يقول ـ وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي ـ : ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين الى أمية ، أعلم أني قد أرسلت محمدا الى الناس ، فأنزل الله هذه الآية.

الآية ١٠٩ : قوله تعالى :

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

١٠٠