وقال الواحدي : «نزلت في رهط من قريش قالوا : يا محمد ، هلم اتبع ديننا ، ونتبع دينك ، تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، قد شركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك ، قد شركت في أمرنا ، وأخذت بحظك ، فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) الى آخر السورة .. فغدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الحرام ـ وفيه الملأ من قريش ـ فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة».
ـ سورة النصر ـ
أخرج ابن عبد الرزاق في (مصنفة) عن معمر عن الزهري قال : «لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة عام الفتح بعث خالد بن الوليد ، فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ، ثم أمر بالسلاح ، فرفع عنهم ، فدخلوا في دين الله ، فأنزل الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختمها».
ـ سورة المسد ـ
وأخرج البخاري ، وغيره عن ابن عباس قال : «صعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم على الصفا فنادى : يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش. قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم ، أو ممسيكم أكنتم تصدقونني؟ قالوا : بلى. قال : فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك! ألهذا جمعتنا!! فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَ) إلى آخرها».
وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال : «لما أنزل الله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفا ، فصعد عليه ثم نادى : يا صباحاه!! فاجتمع إليه الناس من بين رجل يجيء ، ورجل يبعث رسوله. فقال : يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني لؤي ، لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا : نعم. قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ما دعوتنا إلّا لهذا؟!! فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ)
وأخرج ابن جرير من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل من همدان يقال له يزيد بن زيد : «أن امرأة أبي لهب كانت تلقى في طريق النبي صلىاللهعليهوسلم الشوك ، فنزلت : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) إلى (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله».
ـ سورة الاخلاص ـ
أخرج الترمذي ، والحاكم ، وابن خزيمة من طريق أبي العالية عن أبيّ بن كعب : «أن المشركين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : انسب لنا ربك؟ فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إلى آخرها.
وأخرج الطبراني ، وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله ، فاستدل بها على أنّ السورة مكية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله بهذا على أنها مدنية.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : «قالت الأحزاب : انسب لنا ربك؟ فأتاه جبريل بهذه السورة. وهذا المراد بالمشركين في حديث أبيّ فتكون السورة مدنية كما دلّ عليه حديث ابن عباس ، وينتفي التعارض بين الحديثين».
وأخرج أبو الشيخ في كتاب (العظمة) من طريق أبان عن أنس قال : «أتت يهود خيبر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، خلق الله الملائكة من نور الحجاب ، وآدم من حماء مسنون ، وإبليس من لهب النار ، والسماء من دخان ، والأرض من زبد الماء ، فأخبرنا عن ربك؟ فلم يجبهم ، فأتاه جبريل بهذه السورة : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)
وأخرج الواحدي عن قتادة ، والضحاك ، ومقاتل : «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : صف لنا ربك؟ فإنّ الله أنزل نعته بالتوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو؟؟ ومن أي جنس هو؟؟ أذهب هو ، أم نحاس ، أم فضة؟؟ وهل يأكل ، ويشرب ، وممن ورث الدنيا ، ومن يورثها؟ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة ، وهي نسبة الله خاصة».
ـ المعوّذتان ـ
ـ سورة الفلق وسورة الناس ـ
أخرج البيهقي في (دلائل النبوة) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرضا شديدا ، فأتاه ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه. ما ترى؟ قال : طبّ. قال : وما طبّ؟ قال : سحر. قال : ومن سحره؟ قال : لبيد بن الأعصم ال؟؟؟ ودي
قال : أين هو؟ قال : في بئر آل فلان تحت صخرة في كرّية ، فأتوا الكرية فانزحوا ماءها ، وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكرية ، واحرقوها. فلما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث عمار بن ياسر في نفر ، فأتوا الكرية فإذا ماؤها مثل ماء الحنّاء ، فنزحوا الماء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الكرية ، وأحرقوها ، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، وأنزلت عليه هاتان السورتان ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) لأصله شاهد في الصحيح دون نزول السورتين ، وله شاهد بنزولها».
وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال : «صنعت اليهود لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد ، فدخل عليه أصحابه فظنّوا أنه لما به ، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوّذه بهما ، فخرج إلى أصحابه صحيحا».
وروى الواحدي قال المفسرون : «كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتت إليه اليهود ، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعدة أسنان من مشطة ، فاعطاها اليهود ، فسحروه فيها ، وكان الذي تولّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي ، ثم دسّها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان ، فمرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وانتثر شعر رأسه ، ويرى أنه يأتي نسائه ، ولا يأتيهن ، وجعل يدور ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه : ما بال الرجل؟ قال : طبّ. قال : وما طبّ؟ قال : سحر. قال : وأين هو؟ قال : في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف : قشر الطلع.
والراعوفة : حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح. فانتبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا عائشة ، ما شعرت أن الله أخبرني بدائي ، ثم بعث
عليا ، والزبير ، وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الجف ، فإذا هو مشاطة رأسه ، وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقد فيه احدى عشر عقدة مغروزة بالابر ، فأنزل الله تعالى سورتي المعوّذتين. فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم خفّه حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل (عليهالسلام) يقول : بسم الله أرقيك من كل شيئ يؤذيك ومن حاسد ، وعين الله يشفيك. فقالوا : يا رسول الله ، أولا نأخذ الخبيث فنقتله؟! فقال : أما أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن أثير على الناس شرا».
ـ ثبت المراجع ـ
١ ـ الاتقان. جلال الدين السيوطي. الجزء الأول والثاني. دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
٢ ـ لباب النقول في اسباب النزول. جلال الدين السيوطي. الدار التونسية للنشر ـ ١٩٨١ م.
٣ ـ البرهان في علوم القرآن. الزركشي. دار إحياء الكتب العربية القاهرة ـ ١٩٥٧ م.
٤ ـ الكشاف. الزمخشري.
٥ ـ أسباب النزول. الواحدي. دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
موضوعات الكتاب
مقدمة.......................................................................... ٥
الباب الأول
التعريف بعلم أسباب النزول القرآني
مقدمة ـ أهمية العناية بأسباب النزول القرآني.......................................... ٩
الفصل الأول ـ التعريف بسبب النزول القرآني....................................... ١٢
الفصل الثاني ـ أمثلة على أسباب النزول القرآني..................................... ١٦
الفصل الثالث ـ فوائد معرفة اسباب النزول لقرأني.................................... ٢٦
الباب الثاني
عموم اللفظ وخصوص السبب................................................... ٤١
الفصل الأول ـ عموم اللفظ وعموم السبب......................................... ٤٣
الفصل الثاني ـ خصوص اللفظ وخصوص السبب................................... ٤٦
الفصل الثالث ـ عموم اللفظ وخصوص السبب..................................... ٥٦
الباب الثالث
روايت سبب النزول القرآني
الفصل الأول ـ تعدد الروايات في سبب النزول...................................... ٦٩
الفصل الثاني ـ تعدد السبب مع وحدة النزول....................................... ٧٧
الفصل الثالث ـ تعدد النزول مع وحدة السبب...................................... ٧٦
الباب الرابع
الآيات التي لها أسباب نزول...................................................... ٩٠
ثبت المراجع.................................................................. ٤٢٥