أسباب النّزول القرآني

المؤلف:

الدكتور غازي عناية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

الآية : ٥٧. قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)

أخرج أحمد بسند صحيح ، والطبراني عن ابن عباس : «أن قريشا قالت للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألست تزعم أن عيسى كان نبيا ، وعبدا صالحا ، وقد عبد من دون الله! فأنزل الله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) الآية.

الآية : ٨٠. قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : «بينما ثلاثة بين الكعبة ، وأستارها : قرشيان وثقفي ، أو ثقفيان وقرشي ، فقال واحد منهم : ترون الله يسمع كلامنا؟! فقال آخر : إذا جهرتم سمع ، وإذا أسررتم لم يسمع ، فنزلت : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى) الآية».

٣٤١

سورة الدخان

الآية : ١٠ ـ ١٥ ـ ١٧. قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)

أخرج البخاري عن ابن مسعود قال : «إنّ قريشا لما استعصوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه ، وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) فأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر ، فإنها قد هلكت ، فاستسقى فسقوا ، فنزلت : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) يعني يوم بدر.

الآيتان : ٤٣ ـ ٤٤. قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ)

أخرج البخاري عن سعيد بن منصور عن أبي مالك قال : «إنّ أبا جهل كان يأتي بالتمر ، والزبد فيقول : تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد ، فنزلت : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ)

الآية : ٤٩. قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)

أخرج الأموي في (مغازية) عن عكرمة قال : «لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا جهل فقال : إن الله أمرني أن أقول لك : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) قال : فنزع ثوبه من يده ، فقال : ما تستطيع لي أنت ، ولا صاحبك من شيء لقد علمت أنّي أمنع أهل بطحاء ، وأنا العزيز الكريم ، فقتله الله يوم بدر ، وأذلّه ، وعيّره بكلمته ، ونزل فيه : (ذُقْ إِنَّكَ

٣٤٢

أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)

وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : «نزلت في عدو الله أبي جهل ، وذلك أنه قال : أيوعدني محمد ، والله ، لأنا أعزّ من بين جبليها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

٣٤٣

ـ سورة الجاثية ـ

الآية : ١٤. قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

روى الواحدي عن ابن عباس قال : «لما نزلت هذه الآية : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال يهودي بالمدينة ـ يقال له فنحاص ـ : احتاج ربّ محمد فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه ، وخرج في طلبه ، فجاء جبريل (عليه‌السلام) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّ ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وأعلم أنّ عمر قد اشتمل على سيفه ، وخرج في طلب اليهودي ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبه ، فلما جاء ، قال : يا عمر ، ضع سيفك. قال : صدقت يا رسول الله ، أشهد أنك أرسلت بالحق. قال : فإن ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قال : لا جرم ، والّذي بعثك بالحق ، ولا يرى الغضب في وجهي».

الآية : ٢٣. قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)

أخرج ابن المنذر ، وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : «كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه ، طرحوا الأول ، وعبدوا الآخر ، فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)

الآية : ٢٤. قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)

أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : «كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل ، والنهار ، فأنزل الله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)

٣٤٤

سورة الأحقاف

الآية : ١٠. قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ)

أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عوف بن مالك الأشجعي قال : «انطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلا منكم ، يشهدون أن لا اله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه ، فسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال : كما أنت يا محمد ، فأقبل ، فقال : أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود؟ قالوا : والله ، ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك قبلك ، ولا جدك قبل أبيك. قال : فإني أشهد أنه النبي التي تجدونه في التوراة. قالوا : كذبت ، ثم ردوا عليه ، وقالوا فيه شرا ، فأنزل الله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) الآية».

الآية : ١٠. قوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال : «في عبد الله بن سلام نزلت : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن سلام قال : «فيّ نزلت».

الآية : ١١. قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ)

أخرج ابن جرير عن قتادة قال : «قال ناس من المشركين : نحن

٣٤٥

أعزّ ، ونحن ، ونحن ... فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان ، وفلان ، فنزل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا)

أخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال : «كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنّيرة ، فكان عمر يضربها على إسلامها حتى يفتر ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا لما سبقتنا إليه زنّيرة ، فأنزل الله في شأنها : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ)

الآية : ١٥. قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

روى الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال : «أنزلت في أبي بكر (رضي الله عنه) ، وذلك أنه صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن ثماني عشرة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة ، وهم يريدون التجارة إلى بلاد الشام ، فنزلوا منزلا فيه سدرة ، فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأل عن الدين ، فقال له : من الرجل الذي في ظل السدرة؟! فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال : هذا والله ، نبي ، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم الّا محمد نبي الله ، فوقع في قلب أبي بكر اليقين ، والتصديق ، وكان لا يفارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أسفاره ، وحضوره ، فلما نبّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن أربعين سنة ، وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم ، وصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ)

الآيات : ١٧ ـ ١٩. قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما

٣٤٦

أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : «نزلت هذه الآية : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) في عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال لأبويه : وكانا قد أسلما ، وأبى هو أن يسلم ، فكانا يأمرانه بالاسلام فيرد عليهما ، ويكذبهما ، ويقول : فأين فلان؟! وأين فلان؟ ـ يعني مشايخ قريش ممن قد مات ـ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ، فنزلت توبته في هذه الآية : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)

وأخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهان قال : «قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر : إنّ هذا الذي أنزل فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلّا أنّ الله أنزل عذري».

وأخرج عبد الرزاق من طريق مكي : «أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقالت : إنما نزلت في فلان سمّت اسمه».

قال الحافظ بن حجر : «ونفي عائشة أصح إسنادا ، وأولى بالقبول».

الآيات : ٢٩ ـ ٣٢. قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)

أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : «إنّ الجن هبطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يقرأ القرآن في بطن نخلة ، فلما سمعوه قالوا : أنصتوا ، وكانوا تسعة : أحدهم زوبعة ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) إلى قوله : (ضَلالٍ مُبِينٍ)

٣٤٧

ـ سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

الآيتان : ١ ـ ٢. قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : هم الأنصار».

الآية : ٤. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ)

أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الشّعب ، وقد نشبت فيهم الجراحات ، والقتل. وقد نادى المشركون يومئذ : اعل هبل ، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجلّ. فقال المشركون : إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم».

الآية : ١٣. قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ).

أخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال : «لمّا خرج رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلقاء الغار نظر إلى مكة ، فقال : أنت أحب بلاد الله إليّ ، ولو لا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك ، فأنزل الله تعالى الآية : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ)». الآية.

الآية : ١٦. قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ

٣٤٨

طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ).

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : «كان المؤمنون ، والمنافقون يجتمعون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسمع المؤمنون منهم ما يقول ، ويعونه ، ويسمعه المنافقون فلا يعونه ، فإذا خرجوا سألوا المؤمنين : ما ذا قال آنفا ، فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الآية.

الآية : ٣٣. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

أخرج ابن أبي حاتم ، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب (الصلاة) عن أبي العالية قال : «كان اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرون أنه لا يضر مع لا اله الا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)

فخافوا أن يبطل الذنب العمل».

٣٤٩

ـ سورة الفتح ـ

أخرج الحاكم ، وغيره عن المسود بن مخرمة ، ومروان بن الحكم قالا : «نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها».

الآيات : ٢ ـ ٥. قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً).

أخرج الشيخان ، والترمذي ، والحاكم عن أنس قال : «أنزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أثناء مرجعه من الحديبية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد نزلت عليّ آية أحبّ اليّ مما على الأرض ، ثم قرأها عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، قد بيّن الله لك ما ذا يفعل بك فما ذا يفعل بنا؟! فنزلت : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) حتى بلغ (فَوْزاً عَظِيماً).

الآية : ١٨. قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)

أخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع قال : «بينما نحن قائلون إذ نادى منادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيها الناس : البيعة ، نزل روح القدس ، فسرنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو تحت شجرة سمرة ـ فبايعناه ، فأنزل الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)

الآية : ٢٤. قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)

٣٥٠

أخرج مسلم ، والترمذي ، والنّسائي عن أنس قال : «لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه ثمانون رجلا في السلاح من جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذوا ، فأعتقهم ، فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية».

وأخرج مسلم نحوه من حديث سلمه بن الأكوع.

وأخرج أحمد ، والنسائي نحوه من حديث عبد الله بن مغفل المزني. وأخرج ابن إسحاق نحوه من حديث ابن عباس.

الآية : ٢٥. قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)

أخرج الطبراني ، وأبو يعلى عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال : «قاتلت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول النهار كافرا ، وقاتلت معه آخر النهار مسلما ، وكنا ثلاثة رجال ، وسبع نسوة ، وفينا نزلت : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ)

الآية : ٢٧. قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)

أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، والبيهقي في (الدلائل) عن مجاهد قال : «أري النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو ، وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ، ومقصرين ، فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه : أين رؤياك يا رسول الله! فنزلت : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) الآية».

٣٥١

ـ سورة الحجرات ـ

الآيات : ١ ـ ٥. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

أخرج البخاري ، وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي ملكية : «أن عبد الله عن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلّا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)

وأخرج ابن المنذر عن الحسن : «أن ناسا ذبحوا قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم النحر ، فأمرهم أن يعيدوا ذبحا ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (الأضاحي) بلفظ : «ذبح رجل قبل الصلاة ، فنزلت».

وأخرج الطبراني في (الأوسط) عن عائشة : «أن أناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)

الآية : ٢. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).

روى الواحدي : «نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصوت ، وكان إذا كلّم إنسانا جهر بصوته ، فربما

٣٥٢

كان يكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيتأذى بصوته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : «كانوا يجهرون له بالكلام ، ويرفعون أصواتهم ، فأنزل الله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) الآية.

الآية : ٣. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)

أخرج ابن جرير عن محمد بن ثابت بن شماس قال : «لما نزلت هذه الآية : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي ، فمر به عاصم بن عدي بن العجلان ، فقال : ما يبكيك؟! قال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ ، وأنا صيت رفيع الصوت ، فرفع عاصم ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا به ، فقال : أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة؟ قال : رضيت ، ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) الآية».

وأخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس : «لما نزل قوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا كأخى السرار ، فأنزل الله تعالى في أبي بكر : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)

الآية : ٤. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

أخرج الطبراني ، وأبو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم قال : «جاء ناس من العرب إلى حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعلوا ينادون : يا محمد ، يا محمد ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)

٣٥٣

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : «أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد ، إنّ مدحي زين ، وإنّ شتمي شين ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذلك هو الله ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) الآية».

وأخرج أحمد بسند صحيح : «عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وراء الحجرات ، فلم يجبه ، فقال : يا محمد ، إن حمدي لزين ، وإن ذمي لشين ، فقال : ذاكم الله».

الآية : ٦. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)

أخرج أحمد ، وغيره بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي (رضي الله عنه) قال : «قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاني إلى الاسلام ، ودخلت فيه ، وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة ، فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الاسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته فترسل لإبّان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة ، فلمّا جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الأبان الذي أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته فظنّ الحارث أنه حدث فيه سخطة من الله تعالى ، ورسوله فدعا سروات قومه فقال لهم : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد كان وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلّا من سخطة ، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى الحارث ، ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي ، فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البعث إلى

٣٥٤

الحارث ، فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث ـ وقد فصل من المدينة ـ فلقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث! فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم؟! قالوا : إليك. قال : ولم؟! قالوا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ، وأردت قتله! قال : لا. والذي بعث محمدا بالحق ، ما رأيته بتّة ، ولا أتاني ، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : منعت الزكاة ، وأردت قتل رسولي؟! قال : لا. والذي بعثك بالحق ، ما رأيته بتّة ، ولا أتاني ، وما أقبلت إلّا حين احتبس عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خشيت أن تكون ، كانت سخطة من الله تعالى ، ورسوله. قال : فنزلت في الحجرات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) رجال اسناده ثقات».

الآية : ٩. قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

أخرج الشيخان عن أنس : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركب حمارا ، وانطلق الى عبد الله بن أبيّ فقال : إليك عني ، فوا الله ، لقد أذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : والله ، لحماره أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم ضرب بالجريد ، والأيدي ، والنعال ، فنزلت فيهم : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما)

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي قال : «كان رجل من الأنصار يقال له : عمران ، تحته امرأة يقال لها : أم زيد ، وإنّ المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها ، وجعلها في علية له ، وإنّ المرأة

٣٥٥

بعثت إلى أهلها فجاء قومها ، فأنزلوها لينطلقوا بها ، وكان الرجل قد خرج ، فاستعان بأهله ، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ، فتدافعوا ، واجلدوا بالنعال ، فنزلت فيهم هذه الآية : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) فبعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأصلح بينهم ، وفاءوا إلى أمر الله».

وأخرج ابن جرير عن قتادة : «ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما ، فقال أحدهما للآخر لآخذنّ عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبى ، فلم يزل الأمر حتى تدافعوا وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي ، والنعال ولم يكن قتال بالسيوف».

الآية : ١١. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ).

روى الواحدي : «نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوسعوا له حتى يجلس الى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فجاء يوما ، وقد أخذ الناس مجالسهم ، فجعل يتخطى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا تفسحوا! فقال له رجل : قد أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس ثابت مغضبا ، فغمز الرجل فقال : من هذا؟! فقال : أنا فلان ، فقال ثابت : بن فلانة ، وذكر أمّا كانت له يعيّر بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه استحياء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية»

وروى الواحدي في (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) : «نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سخرتا من أم سلمة ، وذلك أنها ربطت حقويها بسبنية ـ وهي ثوب أبيض ـ وسدلت طرفها خلفها ، فكانت تجره ،

٣٥٦

فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ، فهذا كان سخريتها».

الآية : ١١. قوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ).

أخرج أصحاب السنن الأربعة عن أبي جبير بن الضحاك قال : «كان رجل منا يكون له الاسمان ، والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره ، فنزلت : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) قال الترمذي : حسن وأخرج الحاكم ، وغيره من حديثه أيضا قال : «كانت الألقاب في الجاهلية فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا منهم بلقبه فقيل له : يا رسول الله ، انه يكرهه ، فأنزل الله (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).

الآية : ١٢. قوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : «زعموا أنها نزلت في سلمان الفارسي ، أكل ثم رقد ، فنفخ فذكر رجل أكله ، ورقاده ، فنزلت» الآية : ١٣. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال : «لما كان يوم الفتح رقي بلال على ظهر الكعبة ، فأذّن ، فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة!! فقال بعضهم : إن يسخط الله هذا يغيره! فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية».

وقال ابن عساكر في مبهماته : «وجدت بخط ابن بشكوال : أن أبا بكر بن أبي داود أخرج في تفسير له أنها أنزلت في أبي هند ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله ، نزوج بناتنا موالينا!! فنزلت الآية».

٣٥٧

وروى الواحدي عن مقاتل قال : «لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا حتى أذّن على ظهر الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا!! وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيّره وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل (عليه‌السلام) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره بما قالوا ، فدعاهم ، وسألهم عما قالوا : فأقرّوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء».

الآية : ١٤. قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)

قال الواحدي : «نزلت في أعراب بني أسد بن خزيمة ، قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة في سنة جدبة ، وأظهروا الشهادتين ، ولم يكونوا مؤمنين في السر ، وقد أفسدوا طرق المدينة بالعذرات ، وأغلوا أسعارها ، وكانوا يقولون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتيناك بالأثقال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، فاعطنا من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».

الآية : ١٧. قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

أخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى : «أن أناسا من العرب قالوا : يا رسول الله ، أسلمنا ، ولم نقاتلك ، وقاتلك بنو فلان ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».

وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال : «قدم عشرة نفر

٣٥٨

من بني أسد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة تسع ، وفيهم طلحة بن خويلد ـ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد مع أصحابه ـ فسلّموا وقال متكلمهم : يا رسول الله ، إنا شهدنا أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له ، وانك عبده ، ورسوله ، وجئناك يا رسول الله ، ولم تبعث الينا بعثا ، ونحن لمن وراءنا سلم ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».

وأخرج سعيد بن منصور في (سننه) عن سعيد بن جبير قال : «أتى قوم من الأعراب من بني أسد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : جئناك ، ولم نقاتلك ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».

٣٥٩

ـ سورة ق ـ

الآيتان : ٣٨ ـ ٣٩. قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)

أخرج الحاكم ، وصححه عن ابن عباس : «أنّ اليهود أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألته عن خلق السموات والأرض ، فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد ، والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ، وما فيهن من منافع ، وخلق يوم الاربعاء الشجر ، والماء ، والمدائن ، والعمران ، والخراب ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم ، والشمس والقمر ، والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ، فخلق أول ساعة الآجال حتى يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنّة ، وأمر ابليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة. قالت اليهود : ثم ما ذا يا محمد؟ قال : استوى على العرش. قالوا : قد أصبت لو أتممت. قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا شديدا ، فنزلت : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) الآية».

الآية : ٤٥. قوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ)

أخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائي عن ابن عباس قال : «قالوا : يا رسول الله ، لو خوّفتنا! فنزلت : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

٣٦٠