أسباب النّزول القرآني

المؤلف:

الدكتور غازي عناية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

قال : «نزلت في علي ، وحمزة ، وأبي جهل.

وأخرج الواحدي عن السدّي : «نزلت في عمار ، والوليد بن المغيرة».

الآية : ٦٨. قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

روى الواحدي عن المفسرين قالوا : «نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختياره».

الآية : ٨٥. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : «لما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)

٣٠١

سورة العنكبوت

الآية ١ ـ ٢. قوله تعالى : (الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)

أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله : (الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) الآية. قال : أنزلت في أناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالاسلام فكتب هم المسلمون من المدينة : أنه لا يقبل منكم حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فتبعهم المشركون ، فردوهم ، فنزلت هذه الآية ، فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا ، فقالوا : نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه ، فخرجوا فاتبعهم المشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) وأخرج الواحدي عن مقاتل قال : نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيد الشهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة ، فجزع عليه أبواه ، وامرأته ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية ، وأخبر أنه لا بدّ لهم من البلاء ، والمشقة في ذات الله تعالى».

الآية : ٨. قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)

روى الواحدي عن المفسرين قالوا : «نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة : يا سعد ، بلغني أنك صبوت ، فو الله ، لا يظلني سقف بيت من الضح ، والريح ، ولا آكل ، ولا أشرب حتى تكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وترجع إلى ما كنت عليه ـ وكان أحب ولدها إليها ـ فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ، ولم تشرب ، ولم

٣٠٢

تستظل حتى غشي عليها فأتى سعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشكا ذلك إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والتي في لقمان ، والأحقاف».

الآية : ٨. قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

أخرج الواحدي عن سعد بن مالك قال : «أنزلت فيّ هذه الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) قال : كنت رجلا برا بأمي ، فلما أسلمت قال : يا سعد ، ما هذا الدين الذي أحدثت؟ ، لتدعن عن دينك هذا ، أو لا آكل ، ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي ، فيقال : يا قاتل أمه. قلت : لا تفعلي يا أمّاه ، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. قال : فمكثت يوما لا تأكل ، فأصبحت قد جهدت. قال : فمكثت يوما آخر ، وليلة لا تأكل ، فأصبحت وقد اشتدّ جهدها. قال : فلما رأيت ذلك قلت : تعلمين يا أماه لو كانت لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء ، إن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت ، فأنزل الله هذه الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ) الآية».

الآية : ٦٠. قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

روى الواحدي عن ابن عمر قال : «خرجنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دخل حيطان الأنصار ، فجعل يلقط من التمر ، ويأكل ، فقال : يا ابن عمر ، مالك لا تأكل؟! فقلت : ما أشتهيه يا رسول الله. فقال : ولكن أشتهيه ، وهذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاما ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى ، وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر ، إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ، ويضعف اليقين!! قال : فو الله ، ما برحنا حتى نزلت : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

٣٠٣

ـ سورة الروم ـ

الآية : ١ ـ ٥. قوله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : «بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين ، وهم بمكة قبل أن يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقولون :

الروم يشهدون أنهم أهل الكتاب ، وقد غلبتهم المجوس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فكيف غلب المجوس الروم ، وهم أهل الكتاب؟! سنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فأنزل الله : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ)

وأخرج ابن جرير عن عكرمة ، ويحيى بن يعمر ، وقتادة على قراءة «غلبت» بالفتح ، لأنها نزلت يوم غلبهم يوم بدر ، والثانية على قراءة الضم ، فيكون معناه : وهم بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون حتى يصبح معنى الكلام ، وإلّا لم يكن له كبير معنى».

وأخرج الواحدي عن المفسرين قالوا : «بعث كسرى جيشا إلى الروم ، واستعمل عليهم رجلا يسمى شهريران ، فسار إلى الروم بأهل فارس ، وظهر عليهم ، فقتلهم ، وخرّب ديارهم ، وقطع زيتونهم ، وكان قيصر بعث رجلا يدعى «يحنس» فالتقى مع شهريران بأذرعات ، وبصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب ، فغلب فارس الروم ، وبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم ،

٣٠٤

وفرح كفار مكة ، وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن اميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا ، لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) إلى آخر الآيات».

الآية : ٢٩. قوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال : «كان يلبي أهل الشرك : لبيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه ، وما ملك ، فأنزل الله (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ).» الآية.

وأخرج جويبر مثله عن داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه.

٣٠٥

ـ سورة لقمان ـ

الآية : ٦. قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

أخرج جويبر عن ابن عباس قال : «نزلت في النضر بن الحارث ، اشترى قينة ، وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه ، وأسقيه ، وغنيه ، هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة ، والصيام ، وأن تقاتل بين يديه ، فنزلت».

أخرج الواحدي عن الكلبي ، ومقاتل : «نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس ، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ، ويحدّث بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا «عليه الصلاة والسلام» يحدثكم بحديث عاد ، وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم ، واسفنديار ، وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ، ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية».

روى الواحدي عن أبي أمامة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام ، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ) إلى آخر الآية. وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث الله تعالى عليه شيطانين ، أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت».

وأخرج الواحدي عن ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : «نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ، ونهارا».

٣٠٦

الآية : ١٥. قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

روى الواحدي : «نزلت في أبي بكر (رضي الله عنه).

وروى الواحدي أيضا عن عطاء عن ابن عباس : «يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، فقالوا لأبي بكر (رضي الله عنه) : آمنت ، وصدقت محمد (عليه الصلاة والسلام)؟! فقال أبو بكر : نعم ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فآمنوا ، وصدقوا ، فأنزل الله تعالى يقول لسعد : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يعني أبا بكر (رضي الله عنه).

الآية : ٢٧. قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال : «سأل أهل الكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فقالوا : تزعم أنّا لم نؤت من العلم إلّا قليلا ، وقد أوتينا التوراة ، وهي حكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية».

وأخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار ، وأخرج الواحدي عن المفسرين قالوا : «سألت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا عنك أنك تقول : وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا!

٣٠٧

أفتعنينا أم قومك؟! فقال : كلّا عنيت. قالوا : ألست تتلو فيما جاءك إنّا قد أوتينا التوراة ، وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هي في علم الله سبحانه وتعالى قليل ، ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به ، فقالوا : يا محمد ، كيف تزعم هذا وأنت تقول : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا!! وكيف يجتمع هذا علم قليل ، وخير كثير ، فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية».

الآية : ٣٤. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : «جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني بما تلد ، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت ، فأخبرني متى أموت؟! فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)

وروى البخاري عن ابن عمر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى : لا يعلم متى تقوم الساعة الّا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله.

٣٠٨

سورة السجدة

الآية : ١٦. قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).

أخرج البزار عن بلال قال : كنا نجلس في المسجد ، وناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء ، فنزلت هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية.

وروى الواحدي عن معاذ بن جبل قال : «بينما نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ـ وقد أصابنا الحر ـ فتفرق القوم ، فنظرت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقربهم مني ، فقلت : يا رسول الله ، أنبئني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار؟ قال : لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسّره الله تعالى عليه : تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير ، فقال : قلت : أجل يا رسول الله. قال : الصوم جنّة ، والصدقة تكفّر الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى ، ثم قرأ هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)

الآية : ١٨. قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال : «قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : أنا أحد منك سنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ للكتيبة منك ، فقال له عليّ : اسكت ، فإنما أنت

٣٠٩

فاسق ، فنزل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) قال : يعني بالمؤمن عليا ، وبالفاسق الوليد بن عقبة».

٣١٠

ـ سورة الأحزاب ـ

الآية : ١. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)

روى الواحدي : «نزلت في أبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد ، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ، وقد أعطاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده عمر بن الخطاب : أرفض ذكر آلهتنا : اللّات والعزى ، ومنات ، وقل : إنّ لها شفاعة ، ومنفعة لمن عبدها ، وندعك ، وربك ، فشق على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولهم ، فقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : ائذن لنا يا رسول الله ، في قتلهم ، فقال : إنّي قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله ، وغضبه.

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرجهم من المدينة ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية».

الآية : ٤. قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)

روى الواحدي : «نزلت في جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع ، فقالت قريش ما حفظ هذه الأشياء إلّا وله قلبان ، وكان يقول : إنّ لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان يوم بدر ، وهزم المشركون ، وفيهم يومئذ جميل بن معمر ، تلقاه أبو سفيان ـ وهو معلق إحدى نعليه بيده ، والأخرى في رجله ـ فقال له : يا أبا معمر ، ما حال الناس؟ قال : انهزموا. قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك ، والأخرى في رجلك؟! قال : ما

٣١١

شعرت إلّا أنهما في رجلي ، وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده».

أخرج الترمذي ، وحسّنه عن ابن عباس قال : «قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما يصلى فخطر خطرة ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترى أنّ له قلبين : قلبا معكم ، وقلبا معه ، فأنزل الله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)

الآية : ٤ ـ ٥. قوله تعالى : (ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).

أخرج البخاري عن ابن عمر قال : «ما كنا ندعوا زيد بن حارثة إلّا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).

الآية : ٩. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً).

أخرج البيهقي في «الدلائل» عن حذيفة قال : «لقد رأينا ليلة الأحزاب ، ونحن صافّون قعودا ، وأبو سفيان ، ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة أسفل منا ، نخافهم على ذرارينا ، وما أتت قطّ علينا ليلة أشد ظلمة ، ولا أشد ريحا منها ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون : إن بيوتنا عورة ، وما هي بعورة ، فما يستأذن أحد منهم إلّا أذن له فيتسلّلون إذا استقبلنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا رجلا حتى أتى عليّ فقال : ائتني بخبر القوم ، فجئت ، فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا ، فو الله ، اني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، وفرشهم ، الريح تضربهم بها ، وهم يقولون : الرحيل! الرحيل! فجئت ، فأخبرته

٣١٢

خبر القوم ، وأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ)». الآية.

الآية : ١٢. قوله تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).

أخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي «في الدلائل» من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : «خط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق عام الأحزاب ، فأخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة ، فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعول فضربها ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة ، فكبّر ، وكبّر المسلمون ، ثم الثانية فصدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، فكبّر وكبّر المسلمون. ثم ضربها الثالثة فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، فكبر ، وكبر المسلمون ، فسئل عن ذلك ، فقال : ضربت الأولى ، فأضاءت قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثانية ، فأضاءت لي قصور الحيرة من أرض الروم ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثالثة ، فأضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبريل : أن أمتي ظاهرة عليها. فقال المنافقون : ألا تعجبون يحدثكم ، ويمنيكم ، ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، وحدائق كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ، فنزل القرآن (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).

الآية : ٢٣. قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).

أخرج مسلم ، والترمذي ، وغيرهما عن أنس قال : «غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه ، فقال : أول مشهد قد شهده رسول الله

٣١٣

صلى‌الله‌عليه‌وسلم غبت عنه ، لئن اراني الله مشهدا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليرينّ الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة ، وطعنة ، ورمية ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)

الآية : ٢٣. قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)

روى الواحدي : «نزلت في طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أوجب لطلحة الجنّة»

وروى الواحدي عن عليّ قال : «قالوا : أخبرنا عن طلحة ، قال : ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل.

روى الواحدي عن وكيع عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ عليه طلحة ، فقال : هذا ممن قضى نحبه».

الآية : ٢٨. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً)

أخرج مسلم ، وأحمد ، والنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال : «أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر ، فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لهما فدخلا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس ، وحوله نساؤه ، وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعله يضحك ، فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد ـ امرأة عمر ـ

٣١٤

سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها ، فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدا ناجذه ، وقال : هن حولي يسألنني النفقة ، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول : تسألان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ليس عنده! وأنزل الله الخيار ، فبدأ بعائشة فقال : إني ذاكر لك أمرا ما أحبّ أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك. قالت : ما هو؟ فتلا عليها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية. قالت عائشة : أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله ، ورسوله».

الآية : ٣٣. قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) روى الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وروى الواحدي عن عكرمة في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال : ليس الذين يذهبون إليه ، إنما هي أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : وكان عكرمة ينادي هذا في السوق».

وروى الواحدي عن أبي سعيد قال : «نزلت في خمسة : في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين الآية : ٣٥. قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ)

أخرج الترمذي ، وحسّنه من طريق عكرمة عن أم عمارة الأنصاري : أنها أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : ما أرى كل شيء إلّا الرجال ، وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ)

أخرج الواحدي عن مقاتل بن حيّان : «بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة ، ومعها زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على

٣١٥

نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن : لا. فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إنّ النساء لفي خيبة ، وخسارة قال : وممّ ذلك! قالت : لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ)

وأخرج ابن سعد عن قتادة قال : «لما ذكر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال النساء : لو كان فينا خير لذكرنا ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية».

الآية : ٣٦. قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)

أخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال : «خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ـ وهو يريدها لزيد ـ فظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية ، فرضيت ، وأسلمت».

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : «نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ـ وكانت أول امرأة هاجرت من النساء ـ فوهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي ، وأخوها ، قالا : إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوجنا عبده ، فنزلت».

الآية : ٤٠. قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).

أخرج الترمذي عن عائشة قالت : «لما تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب قالوا : تزوج حليلة ابنه ، فأنزل الله تعالى (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) الآية.

الآية : ٤٣. قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ

٣١٦

لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : «لما نزلت : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه ، فنزلت.

الآية : ٤٧. قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً).

أخرج ابن جرير عن عكرمة ، والحسن البصري قالا : لما نزلت : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا رسول الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) الآية ، وأنزل في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً).

الآية : ٥٠. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : «خطبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاعتذرت إليه ، فعذرني ، فأنزل الله (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) الى قوله (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) فلم أكن أحل له ، لأني لم أهاجر».

الآية : ٥٠. قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)

أخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي : «أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت جميلة ، فقبلها ، فقالت عائشة ، ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير. قالت أم شريك : فأنا تلك ، فسماها الله مؤمنة ، فقال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة :

٣١٧

إن الله يسرع لك في هواك».

الآية : ٣٧. قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أخرج البخاري عن أنس : «أن هذه الآية : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) نزلت في بنت جحش ، وزيد بن حارثة».

وأخرج الحاكم عن أنس قال : «جاء زيد بن حارثة يشكو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زينب بنت جحش ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمسك عليك أهلك ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ)

الآية : ٥١. قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)

روى البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عائشة : «أنها كانت تقول لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) فقالت عائشة : أرى ربك يسارع لك في هواك».

الآية : ٥٣. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ)

أخرج مسلم ، وأحمد ، والنسائي قال : «لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد : اذهب فاذكرها عليّ ، فانطلق فأخبرها ، فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخل عليها بغير إذن ، ولقد رأيتني حين دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أطعمنا عليها الخبز واللحم ،

٣١٨

فخرج الناس ، وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واتّبعته ، فجعل يتبع حجر نسائه ، ثم أخبر أن القوم خرجوا ، فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت أدخل معه ، فألقي الستر بيني وبينه ، ونزل الحجاب ، ووعظ القوم بما أوعظوا به : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الآية

وروى الواحدي عن المفسرين قالوا : «لما بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة .. قال أنس : وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان أدعو اصحابه الى الطعام ، ـ فجعل القوم يجيئون ، فيأكلون ، فيخرجون ثم يجيء القوم ، ويأكلون ، ويخرجون فقلت : يا نبي الله ، قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقال : ارفعوا طعامكم ، فرفعوا وخرج القوم ، وبقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت ، فأطالوا المكث ، فتأذى منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان شديد الحياء ـ فنزلت هذه الآية».

الآية : ٥٣. قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : «بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا يقول : لو قد توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوجت فلانة من بعده ، فنزلت : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : «بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال : أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ، ويتزوج نساءنا! لئن حدث به حدث ، لنتزوجن نساءه من بعده ، فأنزلت هذه الآية».

وأخرج جويبر عن ابن عباس : «أن رجلا أتى بعض أزواج النبي فكلمها ، وهو ابن عمها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا. فقال : يا رسول الله ، إنها ابنة عمي ، والله ما قلت لها

٣١٩

منكرا ، ولا قالت لي. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد عرفت ذلك ، إنه ليس أحد أغير من الله ، وإنه ليس أحد أغير مني ، فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي!! لأتزوجنها من بعده ، فأنزل الله هذه الآية». قال ابن عباس : «فأعتق ذلك الرجل رقبة ، وحمل على عشرة أبعر في سبيل الله ، وحج ماشيا توبة من كلمته».

الآية : ٥٧. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية. قال : «نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي».

وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : «أنزلت في عبد الله بن أبيّ ، وناس معه قذفوا عائشة فخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : من يعذرني من رجل يؤذيني ، ويجمع في بيته من يؤذيني ، فنزلت».

الآية : ٥٨. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)

روى الواحدي عن مقاتل قال : «نزلت في علي بن أبي طالب ، وذلك أن أناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ، ويسمعونه».

وروى الواحدي عن الضحاك ، والسدي ، والكلبي : «نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيرون المرأة فيدنون منها ، فيغمزونها ، فإن سكتت ، اتبعوها ، وإن زجرتهم ، انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلّا الإماء ، ولكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة إنما يخرجن في درع ، وخمار ، فشكون ذلك إلى أزواجهن.

الآية : ٥٩. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ

٣٢٠