أسباب النّزول القرآني

المؤلف:

الدكتور غازي عناية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : «لما نزلت : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وقد كان تخلّف عنه ناس في البدو يفقّهون قومهم ، فقال المنافقون : قد بقي ناس في البوادي ، هلك أصحاب محمد ، فنزلت : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)

وأخرج الواحدي من رواية الكلبي عن ابن عباس : «لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون : والله ، لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا سرية أبدا ، فلما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعا ، وتركوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده بالمدينة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

٢٤١

ـ سورة يونس ـ

الآية : ٢. قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ)

روى الواحدي : قال ابن عباس : «لما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا أنكرت الكفار ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ١٥. قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

روى الواحدي : قال مجاهد : «نزلت في مشركي مكة».

وروى الواحدي : قال مقاتل : «وهم خمسة نفر : عبد الله بن ابي امية المخزومي ، والوليد ابن المغيرة ، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن ابي قيس العامري ، والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات ، والعزى».

وقال الكليب : «نزلت في المستهزئين ، فقالوا : يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك»

.

٢٤٢

سورة هود

الآية : ٥. قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)

قال الواحدي : «نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يحب ، ويطوي بقلبه ما يكره».

وقال الكلبي : «كان يجالس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يظهر له أمرا يسره ، ويضمر في قلبه خلاف ما يظهر ، فأنزل الله تعالى الآية : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ).

يقول : يكمنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

الآية : ١١٤. قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)

روى الواحدي عن عبد الله قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنّي عالجت؟؟؟ امرأة في أقصى المدينة ، وإني أصبت منها دون أن آتيها ، وأنا هذا قض فيّ ما شئت. قال : فقال عمر : لقد سترك الله لو سترت نفسك ، فلم يرد عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانطلق الرجل ، فاتبعه رجلا ، ودعاه ، فتلا عليه هذه الآية ، فقال رجل : يا رسول الله ، هذا له خاصة؟ قال : لا ، بل للناس كافة».

٢٤٣

سورة يوسف

الآية : ٣. قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)

روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص في قوله عزوجل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قال : أنزل القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله ، لو قصصت ، فأنزل الله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) إلى قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الآية. فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا يا رسول الله ، لو حدثتنا ، فأنزل الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) قال : كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن.

وروى الواحدي عن عون بن عبد الله : «ملّ أصحاب رسول الله ملّة ، فقالوا : يا رسول الله ، حدّثنا ، فأنزل الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية. قال : ثم إنهم ملّوا ملّة أخرى ، فقالوا : يا رسول الله ، فوق الحديث ، ودون القرآن [يعنون القصص] ، فأنزل الله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ).

فأرادوا الحديث ، فدلهم على أحسن الحديث ، وأرادوا القصص ، فدلهم على أحسن القصص».

٢٤٤

سورة الرّعد

الآيات : ١٠ ـ ١٤. قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) إلى قوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)

قال ابن عباس في رواية أبي صالح ، وابن جريج ، وابن زيد : «نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة ، وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه ، فإن يرد الله به خيرا ، يهده ، فأقبل حتّى قام عليه ، فقال : يا محمد ، ما لي إن اسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم. قال : تجعل لي الأمر بعدك؟ قال : لا ليس ذلك إليّ ، إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال : فتجعلني على الوبر ، وأنت على المدر؟ قال : لا. قال : فما ذا تجعل لي؟ قال : أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها. قال : أوليس ذلك إليّ اليوم؟ وكان أوصى أربد بن ربيعة : إذا رأيتني أكلمه ، فدر من خلفه واضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويراجعه ، فدار أربد خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليضربه ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله تعالى ، فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه ، فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرأى أربد وما يصنع بسيفه ، فقال : اللهم اكفنيها بما شئت. فأرسل الله تعالى صاعقة في يوم صائف صاح ، فاحرقته ، وولّى عامر هاربا ، وقال : يا محمد ، دعوت ربك ، فقتل أربد ، والله لأملأنها عليك خيلا جردا ، وفتيانا مردا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يمنعك الله تعالى من ذلك ، وابنا قيله ـ يريد الأوس ، والخزرج ـ فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلمّا أصبح ضم إليه سلاحه ، فخرج ، وهو يقول : والله ، لئن أصحر إليّ محمد وصاحبه ـ يعني ملك الموت ـ لأنفذنهما برمحي ، فلمّا رأى الله تعالى ذلك

٢٤٥

منه أرسل ملكا ، فلطمه بجناحيه ، فأذراه في التراب ، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير ، فعاد إلى بيت السلولية ، وهو يقول : غدة كغدة البعير ، وموت في بيت السلولية! ثم مات على ظهر فرسه ، وأنزل الله تعالى فيه : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) حتى بلغ : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)

الآية : ٣٠. قوله تعالى : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ)

روى الواحدي عن أهل التفسير قالوا : «نزلت في صلح الحديبية ، حين أرادوا كتابة الصلح ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو ، والمشركون : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة ـ يعنون مسيلمة الكذاب ـ : أكتب : باسمك اللهم. ـ وهكذا كانت الجاهلية يكتبون ـ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».

وروى الواحدي من رواية الضحاك عن ابن عباس : «نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن؟! (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا). فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال : قل لهم : إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربّي لا إله إلا هو».

الآية : ٣١. قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً)

أخرج الواحدي عن الزبير بن العوام قال : قالت قريش للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وأن سليمان سخّرت له الريح ، وأن موسى سخّر له البحر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، فادع الله تعالى أن يسير عنّا هذه الجبال ، ويفجر لنا الأرض أنهارا ، فنتخذها محارث ، ومزارع ، ومآكل ، وإلا فادع أن يحيي لنا موتانا ، فنكلمهم ، ويكلمونا ، وإلا

٢٤٦

فادع الله تعالى أن يصيّر هذه الصخرة التي تحتك ذهبا ، فننحت منها ، وتغنينا عن رحلة الشتاء ، والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم ، فبينما نحن حوله إذ نزل عليه الوحي ، فلما سرّي عنه قال : والذي نفسي بيده ، لقد أعطاني ما سألتم ، ولو شئت لكان ، ولكنه خيّرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم ، فتضلوا عن باب الرحمة ، فاخترت باب الرحمة ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، فنزلت : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ). ونزلت : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) الآية.

الآية : ٣٨. قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ)

روى الواحدي عن الكلبي : «عيرت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالت : ما نرى لهذا الرجل مهمة إلّا النساء ، والنكاح ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآيتان : ٣٨ ـ ٣٩. قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)

أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : «قالت قريش حين أنزل : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : ما نراك يا محمد تملك من شيء ، لقد فرغ من الأمر ، فأنزل الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) الآية».

٢٤٧

سورة الحجر

الآية : ٢٤. قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ)

روى الواحدي عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأة حسناء في آخر النساء ، وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها ، وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه ، فنزلت : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ)

الآيات : ٤٣ ـ ٤٥. قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

أخرج الثعلبي عن سلمان الفارسي : «لمّا سمع قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ). فرّ ثلاثة أيام هاربا من الخوف لا يعقل ، فجيء به للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله ، فقال : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) فو الذي بعثك بالحق ، لقد قطعت قلبي!!. فأنزل الله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

الآية : ٤٧. قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين : «إن هذه الآية نزلت في أبي بكر ، وعمر : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ). قيل : وأي غل؟ قال : غل الجاهلية ، إن بني تيم ، وبني عدي ، وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية عداوة ، فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا ، فأخذت أبا بكر الخاصرة ، فجعل علي يسخن يده ، فيكمد بها خاصرة أبي بكر ، فنزلت هذه الآية».

٢٤٨

الآيتان : ٤٩ ـ ٥٠. قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)

روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «طلع علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ، ونحن نضحك ، فقال : لا أراكم تضحكون ، ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقري ، فقال : إنّي لما خرجت جاء جبريل (عليه‌السلام) ، فقال : يا محمد ، يقول الله عزوجل : لم تقنط عبادي؟ : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

الآية : ٨٧. قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)

روى الواحدي عن الحسين بن الفضل قال : إن سبع قوافل وافت من بصرى ، وأذرعات ليهود قريظة ، والنضير في يوم واحد ، فيها أنواع من البز ، وأوعية الطيب ، والجواهر ، وأمتعة البحر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها ، فأنفقناها في سبيل الله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ، ويدل على صحة هذا قوله على إثرها : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية.

الآية : ٩٥. قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)

أخرج البزاز ، والطبراني عن أنس بن مالك قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أناس بمكة ، فجعلوا يغمزون في قفاه ، ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي ، ومعه جبريل ، فغمز جبريل بإصبعه فوق مثل الظفر في أجسادهم ، فصارت قروحا حتى نتنوا ، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم ، فأنزل الله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)

٢٤٩

سورة النّحل

الآية : ١. قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

روى الواحدي عن ابن عباس قال : «لما أنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال الكفار بعضهم لبعض : إنّ هذا يزعم أن القيامة قد قربت ، فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نرى شيئا ، فأنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) ، فأشفقوا ، وانتظروا قرب الساعة ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ، ما نرى شيئا مما تخوفنا به ، فأنزل الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، فوثب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفع الناس رءوسهم ، فنزل : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنوا ، فلما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت أنا ، والساعة كهاتين ـ وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني».

وقال الآخرون : الأمر هاهنا العذاب بالسيف ، وهذا جواب للنضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فامطر علينا حجارة من السماء ـ يستعجل العذاب ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية» الآية : ٤. قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)

روى الواحدي : «نزلت الآية في أبيّ بن خلف الجمحي ، حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا محمد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ! نظيرة هذه الآية قوله تعالى في سورة يس : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) إلى آخر سورة يس. نازلة في

٢٥٠

هذه القصة».

الآية : ٣٨. قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : «كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه ، يتقاضاه ، فكان فيما يتكلم به : والذي أرجوه بعد الموت أنه كذا ، وكذا ، فقال له المشرك : إنك لتزعم انك تبعث من بعد الموت ، فأقسم بالله جهد يمينه ، لا يبعث الله من يموت. فنزلت هذه الآية».

الآيتان : ٤١ ـ ٤٢. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

روى الواحدي : «الآية نزلت في أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة : بلال ، وصهيب ، وخباب ، وعامر ، وجندل بن صهب ، أخذهم المشركون بمكة ، فعذبوهم ، وآذوهم ، فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة».

الآيتان : ٧٥ ـ ٧٦. قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا ، وجهرا ، ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه ،

٢٥١

فالأبكم منهما الكلّ على مولاه ، هذا السيد أسد بن أبي العيص ، والذي يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم ، هو عثمان بن عفان (رضي الله عنه).

الآية : ٨٣. قوله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)

أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد : «أن أعرابيا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله ، فقرأ عليه : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) قال الأعرابي : نعم ، ثم قرأ عليه : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ). قال : نعم ، ثم قرأ عليه كل ذلك ، وهو يقول : نعم حتى بلغ : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ). فولى الأعرابي ، فأنزل الله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)

الآية : ٩٠. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

روى الواحدي عن ابن عباس قال : «بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفناء بيته بمكة جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : ألا تجلس؟ فقال : بلى ، فجلس إليه مستقبله ، فبينما هو يحدثه إذ شخّص بصره إلى السماء ، فنظر ساعة ، وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض ، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له ، ثم شخّص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة ، فاتبعه بصره حتى توارى في السماء ، وأقبل على عثمان كجلسته الأولى ، فقال : يا محمد ، فيما كنت أجالسك ، وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟!. قال : ما رأيتني فعلت؟ قال : رأيتك تشخص

٢٥٢

بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك ، فتحرفت إليه ، وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئا يقال لك. قال : أو فطنت إلى ذلك؟! قال عثمان : نعم. قال : أتاني رسول الله جبريل (عليه‌السلام) آنفا ، وأنت جالس. قال : فما ذا قال لك؟! قال : قال لي : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فذاك حين استقر الإيمان في قلبي ، وأحببت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

الآية : ٩٢. قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ)

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي حفص قال : «كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشّعر ، واللّيف ، فنزلت هذه الآية : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) الآية».

الآية : ١٠١. قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)

روى الواحدي : «نزلت حين قال المشركون : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم سخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، وينهاهم عنه غدا ، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم ، وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والتي بعدها».

الآية : ١٠٣. قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)

أخرج ابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلّم قينا بمكة اسمه بلعام ـ وكان أعجمي اللسان ـ وكان المشركون يرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخل عليه ، ويخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ

٢٥٣

بَشَرٌ) الآية».

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حصين بن عبد الله بن مسلم الحضرمي ، قال : «كان لنا عبدان ، أحدهما : يقال له يسار ، والآخر جبر ، وكانا صيقلين ، فكانا يقرءان كتابهما ، ويعلمان علمهما ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمر بهما فيستمع قراءتهما ، فقالوا : إنما يتعلم منهما ، فنزلت».

الآية : ١٠٦. قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يهاجر إلى المدينة أخذ المشركون بلالا ، وخبابا ، وعمار بن ياسر ، فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم ، تقية. فلما رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثه ، فقال : كيف كان قلبك حين قلت ، أكان منشرحا بالذي قلت؟ قال : لا. فأنزل الله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

الآية : ١١٠. قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر بن الحكم قال : «كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وبلال ، وعامر بن فهيرة ، وقوم من المسلمين ، وفيهم نزلت هذه الآية : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا).

الآيات : ١٢٥ ـ ١٢٨. قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ، وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، وَاصْبِرْ وَما

٢٥٤

صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)

أخرج الحاكم والبيهقي في : «الدلائل» والبزاز عن أبي هريرة : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف على حمزة حين استشهد ، ومثّل به ، فقال : لأمثلنّ بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل ـ والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقف ـ بخواتيم سورة النحل : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) إلى آخر السورة ، فكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمسك عما أراد».

وأخرج الترمذي ، وحسنه والحاكم عن أبيّ بن كعب قال : «لما كان يوم أحد أصيب من الانصار أربع وستون ، ومن المهاجرين ستة ، منهم : حمزة فمثّلوا بهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) الآية ، وظاهر هذا تأخر نزولها إلى الفتح ، وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد ، وجمع ابن الحصار بأنها نزلت أولا بمكة ، ثم ثانيا بأحد ، ثم ثالثا يوم الفتح ، تذكيرا من الله لعباده.

٢٥٥

سورة الإسراء

الآية : ١٥. قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)

أخرج ابن عبد البرّ بسند ضعيف عن عائشة قالت : سألت خديجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أولاد المشركين ، فقال : هم من آبائهم ، ثم سألته بعد ذلك ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام ، فنزلت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). وقال : هم على الفطرة ، أو قال : هم في الجنة.

الآية : ٢٦. قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).

أخرج الطبراني ، وغيره عن أبي سعيد الخدري قال : «لما أنزلت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة ، فأعطاها فدك.

قال ابن كثير : هذا مشكل ، فإنه يشعر بأن الآية مدنية ، والمشهور خلافة».

وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله.

الآية : ٢٨. قوله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً)

أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراساني قال : «جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، فتولّوا ، وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ـ ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) الآية».

الآية : ٢٩. قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)

أخرج الواحدي عن جابر بن عبد الله ، وابن مردويه عن عبد الله

٢٥٦

بن مسعود قال : «جاء غلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : إنّ أمي تسألك كذا وكذا ، قال : ما عندنا شيء اليوم. قال : فتقول لك : ألبسني قميصك. قال : فخلع قميصه ، فدفعه إليه ، وجلس في البيت حاسرا» فأنزل الله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) الآية.

الآية : ٤٥ : قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً)

أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا يستهزءون به : قلوبنا في أكنة ممّا تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآية.

الآية : ٥٣. قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً)

روى الواحدي : «نزلت في عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، وذلك أنّ رجلا من العرب شتمه ، فأمره الله تعالى بالعفو».

وروى الواحدي عن الكلبي قال : «كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقول ، والفعل فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ٥٩. قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)

أخرج الحاكم ، والطبراني ، وغيرهما عن ابن عباس قال : «سأل أهل مكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال ، فيزرعوا ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم ، وان شئت تؤتهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم. قال : بل أستأني بهم ،

٢٥٧

فأنزل الله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)

الآية : ٦٠. قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً)

أخرج أبو يعلى عن أم هاني : «أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أسري به أصبح يحدث نفرا من قريش يستهزءون به ، فطلبوا منه آية ، فوصف لهم بيت المقدس ، وذكر لهم قصة العير ، فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر ، فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)

وأخرج ابن أبى حاتم ، والبيهقي في (البعث) عن ابن عباس قال : «لما ذكر الله الزّقوم خوّف به هذا الحي من قريش قال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوّفكم به محمد؟ قالوا : لا. قال : الثريد ، والزبد ، أما والله ، لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما ، فأنزل الله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الآيات : ٧٣ ـ ٧٥. قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ، وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً).

أخرج ابن مردويه ، وابن ابي حاتم من طريق إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : «خرج أمية بن خلف ، وأبو جهل بن هشام ، ورجال من قريش ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : يا محمد تعال تمسح بآلهتنا ، وندخل معك في دينك ـ وكان يحب إسلام قومه ـ فرّق لهم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الى قوله : (نَصِيراً).

٢٥٨

واخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الحجر ، فقالوا : لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وما عليّ لو فعلت ، والله يعلم مني خلافه ، فنزلت».

وأخرج أبو الشيخ عن جبير بن نفير : «أن قريشا أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن كنت أرسلت إلينا ، فاطرد الذين أتبعوك من سقاط الناس ، ومواليهم فنكون نحن أصحابك ، فركن إليهم ، فنزلت».

الآيات : ٧٦ ـ ٨٠. قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً).

أخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي في (الدلائل) من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم : «أن اليهود أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إن كنت نبيّا ، فالحق بالشام أرض المحشر ، وأرض الأنبياء ، فصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قالوا ، فغزا غزوة تبوك يريد الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) ، وأمره بالرجوع إلى المدينة ، وقال له جبريل : سل ربك فإن لكل نبي مسألة ، فقال : ما تأمرني أن أسأل؟ قال : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) فهؤلاء نزلن في رجعته من تبوك».

الآية : ٨٠. قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)

روى الواحدي عن الحسن قال : «إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة ، وأمر نبيه أن يخرج مهاجرا إلى المدينة ، ونزلت الآية.

الآية ٨٥. قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ

٢٥٩

رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)

أخرج البخاري عن ابن مسعود قال : «كنت أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة ، وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من يهود ، فقال بعضهم : لو سألتموه ، فقالوا : حدثنا عن الروح ، فقام ساعة ورفع رأسه ، فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال : (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)

وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال : «قالت قريش لليهود : علّمونا شيئا نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)

وقال ابن كثير : «يجمع بين الحديثين بتعدد النزول. وكذا قال الحافظ ابن حجر ، أو يحمل سكوته حين سؤال اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك ، وإلّا فما في الصحيح أصح.

قال السيوطي : «ويرجح ما في الصحيح بأن راويه حاضر القصة بخلاف ابن عباس».

الآية : ٨٨. قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)

أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلام بن مشكم في عامّة من يهود سماهم ، فقالوا : كيف نتبعك ، وقد تركت قبلتنا ، وان هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كتناسق التوراة ، فأنزل علينا كتابا نعرفه ، وإلّا جئناك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الآية.

الآية : ٩٠. قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)

٢٦٠