أسباب النّزول القرآني

المؤلف:

الدكتور غازي عناية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

إليها ، فانضمت الأوس ، والخزرج بعضهم الى بعض على دعواهم التى كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال : يا معشر المسلمين ، أتدّعون الجاهلية ، وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألّف بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ، الله ، الله!! فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الأوس ، والخزرج : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني شاسا ، وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).

قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأومأ إلينا بيده ، فكففنا ، وأصلح الله تعالى ما بيننا ، فما كان شخص أحبّ إلينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما رأيت يوما أقبح ، ولا أوحش ، ولا أحسن من ذلك اليوم.

الآية ١١٠. قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ).

أخرج الواحدي عن عكرمة ، ومقاتل قالا : «نزلت فى ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أن مالك بن الصّيف ، ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعوننا إليه ، ونحن خير ، وأفضل منكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الآية : ١١٣ ـ ١١٥. قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ

١٤١

وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).

أخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن منده فى «الصحابة» عن ابن عباس قال : «لمّا أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن شعبه ، وأسيد بن شعبه ، وأسيد بن عبد ، ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا ، وصدقوا ، ورغبوا فى الاسلام قالت أحبار اليهود ، وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ، وأتباعه إلا شرارنا ، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم ، وذهبوا إلى غيره ، فأنزل الله في ذلك : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) الآية.

وأخرج أحمد ، وغيره عن ابن مسعود قال : «أخّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد ، فإذا النّاس ينتظرون الصلاة ، فقال : أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ، قال : فأنزلت هذه الآيات : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).

الآية : ١١٨. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

أخرج ابن جرير ، وابن اسحاق ، عن ابن عباس ، قال : «كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار ، والحلف في الجاهلية ، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم ، تخوف الفتنة عليهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) الآية.

١٤٢

الآيات : ١٢١ ـ ١٢٥ ، قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).

أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو يعلى عن المسوّر بن مخرمة قال :

«قلت لعبد الرحمن بن عوف : أخبرني عن قصتكم يوم أحد ، فقال : اقرأ بعد العشرين ، ومائة من آل عمران ، تجد قصتنا : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) إلى قوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) قال : هم الذين طلبوا الأمان من المشركين ، إلى قوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ). قال : هو تمنّي المؤمنين لقاء العدو. إلى قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ). قال : هو صياح الشيطان يوم أحد :

قتل محمد إلى قوله : (أَمَنَةً نُعاساً) قال : ألقي عليهم النوم».

الآية : ١٢٨. قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ).

روى أحمد ، ومسلم عن أنس : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشبح في وجهه حتى سال الدم على وجهه ، فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم الى ربهم ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

وروى أحمد والبخاري عن ابن عمر : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

١٤٣

اللهم العن فلانا ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم ألعن سهيل بن عمرو ، اللهم ألعن صفوان بن أميّة ، فنزلت هذه الآية : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الى آخرها فتيب عليهم كلهم.

الآية : ١٣٥. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

أخرج الواحدي من رواية عطاء عن ابن عباس قال : «نزلت الآية فى نبهان التمّار ، أتته امرأة حسناء باع منها تمرا ، فضمها الى نفسه ، وقبلها ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر له ذلك ، فنزلت هذه الآية.

وأخرج الواحدي في رواية الكلبي : «إن رجلين : أنصاريا ، وثقفيا آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما ، فكانا لا يفترقان ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بعض مغازيه ، وخرج معه الثقفي ، وخلف الأنصاري في أهله ، وحاجته ، وكان يتعاهد أهل الثقفي ، فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت ، وهي ناشرة شعرها ، فوقعت في نفسه ، فدخل ، ولم يستأذن حتى انتهى إليها ، فذهب ليقبلها فوضعت كفيها على وجهها ، فقبّل ظاهر كفها ثم ندم ، واستحيا ، فأدبر راجعا ، فقالت : سبحان الله ، خنت أمانتك ، وعصيت ربك ، ولم تصب حاجتك ، قال : فندم على صنيعه ، فخرج يسيح في الجبال ، ويتوب الى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي ، فأخبرته أهله بفعله ، فخرج يطلبه حتى دلّ عليه ، فوافقه ساجدا ، وهو يقول : رب ذنبي قد خنت أخي. فقال : يا فلان ، قم فانطلق الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجا ، وتوبة ، فأقبل معه راجعا الى المدينة ، وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل (عليه‌السلام) بتوبته ، فتلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) الى قوله (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)

١٤٤

فقال عمر : يا رسول الله ، أخاص هذا لهذا الرجل ، أم للناس عامة؟؟ قال : بل للناس عامة.

الآية : ١٣٩. قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال : «انهزم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم لا يعلون علينا ، اللهم لا قوة لنا إلّا بك ، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وثاب نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا الجبل ، ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).

الآية : ١٤٠. قوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ).

أخرج الواحدي عن راشد بن سعد قال : لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كئيبا حزينا يوم أحد ، جعلت المرأة تجيء بزوجها ، وابنها مقتولين وهي تلدم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أهكذا يفعل برسولك؟! فأنزل الله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) الآية.

الآية : ١٤٠. قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ).

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : «لما أبطأ على النساء الخبر خرجن ليستخبرن ، فإذا رجلان مقبلان على بعير ، فقالت امرأة : ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالا حيّ. قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء ، ونزل القرآن على ما قالت : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ).

الآية : ١٤٣. قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).

١٤٥

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس : «إن رجالا من الصحابة كانوا يقولون : «ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبلي فيه خيرا ، أو نلتمس الشهادة ، والجنة ، أو الحياة ، والرزق ، فأشهدهم الله أحدا ، فلم يلبثوا إلّا من شاء الله منهم ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) الآية.

الآيات : ١٤٤ ـ ١٤٨. قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) الآيات.

أخرج الواحدي عن عطية العوفي قال : «لما كان يوم أحد انهزم النّاس ، فقال بعض الناس : قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم ، فإنما هم إخوانكم. وقال بعضهم : إن كان محمد أصيب إلام تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به ، فأنزل الله تعالى في ذلك : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) لقتل نبيهم إلى قوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا).

وأخرج ابن المنذر عن عمر قال : «نفرنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد فصعدت الجبل ، فسمعت يهود تقول : قتل محمد. فقلت : لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس يتراجعون ، فنزلت : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ، قال : «لمّا أصابهم يوم أحد ما أصابهم من القرح ، وتداعوا نبي الله. قالوا : قد قتل ، فقال أناس : لو كان نبيا ما قتل ، وقال أناس : قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم ، أو تلحقوا به ، فأنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الآية.

١٤٦

وأخرج البيهقي في «الدلائل» عن أبي نجيح : «ان رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار ، يتشحط في دمه ، فقال : أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال : إذا كان محمد قتل فقد بلّغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزلت».

وأخرج ابن راهويه في مسنده عن الزهري : «ان الشيطان صاح يوم أحد : إن محمدا قد قتل ، قال كعب بن مالك : فأنا أول من عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رأيت عينيه من تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي ـ هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الآية.

الآية : ١٥١. قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ).

أخرج الواحدي عن السّدّي قال : «لما ارتحل أبو سفيان ، والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكّة ، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم انهم ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ، ارجعوا فاستصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ، القى الله تعالى في قلوبهم الرّعب حتى رجعوا عما همّوا به ، وأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ١٥٤. قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).

١٤٧

أخرج ابن راهويه عن الزبير قال : «لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف ، وأرسل علينا النوم ، فما منا أحد إلّا ذقنه في صدره ، فو الله ، إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، فحفظتها ، فأنزل الله في ذلك (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)

الآية : ١٦١. قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

أخرج أبو داود ، والترمذي وحسّنه عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في قطينة حمراء ، افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذها ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) إلى آخر الآية.

وأخرج الطبراني بسند في «الكبير» رجاله ثقات عن ابن عباس قال : «بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا فردّت رايته ، ثم بعث فردّت ، بغلول رأس غزال من ذهب ، فنزلت : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ).

الآية : ١٦٥. قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال : «عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفرّ أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشّمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) الآية.

الآية : ١٦٩ ـ ١٧١. قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ

١٤٨

مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).

روى أحمد ، وأبو داود ، والحاكم عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ، ومشربهم ، وحسن مقبلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب ، فقال الله : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله هذه الآية : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية وما بعدها.

وأخرج الواحدي عن جابر بن عبد الله قال : (نظر إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وأنه كلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك ، قال أسألك أن تردّني الى الدنيا ، فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم اليها لا يرجعون. قال : يا رب ، فأبلّغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية.

وأخرج الواحدي عن سعيد بن جبير قال : «لمّا أصيب حمزة بن عبد المطلب ، ومصعب بن عمير يوم أحد ، ورأوا ما رزقوا من الخير ، قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة ، فأنزل الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى :

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) الى قوله :(لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).

الآية : ١٧٢ ـ ١٧٥. قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ،

١٤٩

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ، إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

أخرج الواحدي من طريق أبي يونس القشيري عن عمر بن دينار : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون ، فاستجاب له سبعون رجلا ، فطلبهم ، فلقي أبو سفيان عيرا من خزاعة ، فقال لهم : إن لقيتم محمد يطلبني ، فأخبروه أني في جمع كثير ، فلقيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألهم عن أبى سفيان ، فقالوا : لقيناه في جمع كثير ، ونراك في قلة ، ولا نأمنه عليك ، فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا أن يطلبه ، فسبقه أبو سفيان ، فدخل مكة ، فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) حتى بلغ : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : «إن الله قذف الرعب في قلب أبي سفيان يوم أحد بعد الذي كان منه ، فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع ، وقذف الله في قلبه الرعب. وكانت وقعة أحد في شوال ، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى ، وأنهم قدموا بعد وقعة أحد ، وكان أصاب المؤمنين القرح ، واشتكوا ذلك ، فندب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس ، لينطلقوا معه ، فجاء الشيطان فخوّف أولياءه ، فقال : إن الناس قد جمعوا لكم ، فأبى عليه الناس أن يتبعوه ، فقال : إني ذاهب ، وإن لم يتبعني أحد ، فانتدب معه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وسعد ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة الجراح في سبعين رجلا ، فساروا في طلب أبي سفيان ، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء ، فأنزل الله

١٥٠

تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الآية.

وأخرج الواحدي عن سعيد عن قتادة قال : «ذاك يوم أحد بعد القتل ، والجراحة ، وبعد ما انصرف المشركون ـ أبو سفيان ، وأصحابه ـ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : ألا عصابة تشدد لأمر الله ، فتطلب عدوها ، فإنه أنكى للعدو ، وأبعد للسمع ، فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب ، والناس يأتون عليهم ، ويقولون : هذا أبو سفيان مائل عليكم ، فقالوا : حسنا الله ، ونعم الوكيل ، فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ).

الآية : ١٧٩. قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).

أخرج الواحدي عن السّدّي قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم ، وأعلمت من يؤمن بي ، ومن يكفر ، فبلغ ذلك المنافقين ، فاستهزءوا ، وقالوا : يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ، ومن يكفر ، ونحن معه ، ولا يعرفنا ، فأنزل الله هذه الآية.

وأخرج الواحدي عن الكلبي قال : «قالت قريش : تزعم يا محمد ، أنّ من خالفك فهو في النار ، والله عليه غضبان ، وأنّ من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة ، والله عنه راض ، فأخبرنا بمن يؤمن بك ، ومن لا يؤمن بك؟؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وأخرج الواحدي عن أبي العالية قال : «سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن ، والمنافق فأنزل الله تعالى هذه الآية».

١٥١

الآية : ١٨١. قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).

أخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «دخل أبو بكر بيت المدارس فوجد يهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص ، فقال له : والله ، يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، فغضب أبو بكر ، وضرب وجهه ، فذهب فنحاص الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا محمد ، انظر ما صنع صاحبك بي ، فقال : يا أبا بكر ما حملك على ما صنعت؟! قال : يا رسول الله ، قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير ، وأنهم عنه أغنياء ، فجحد فنحاص ، فأنزل الله (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «أتت اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) فقالوا : يا محمد ، افتقر ربك يسأل عباده!! فأنزل الله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) الآية.

وأخرج الواحدي عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : «نزلت في اليهود ، صك أبو بكر (رضي الله عنه) وجه رجل منهم ، وهو الذي قال : إن الله فقير ، ونحن أغنياء ، قال شبل : بلغني أنه فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال : «يد الله مغلولة».

الآية : ١٨٣. قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

أخرج الواحدي عن الكلبي قال : «نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصّيف ، ووهب بن يهوذا ، وزيد بن تابوت ، وفي فنحاص

١٥٢

بن عازوراء ، وحيي بن أخطب ، أتوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا ، وأنزل عليك كتابا ، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة ، أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النّار ، فإن جئتنا به صدّقناك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ١٨٦ ، قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

أخرج الواحدي عن كعب بن مالك عن أبيه ، وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم : «أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا ، وكان يهجو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويحرض عليه كفار قريش في شعره ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم المدينة ، وأهلها أخلاط ، منهم المسلمون ، ومنهم المشركون ، ومنهم اليهود ، فأراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستصلحهم ، فكان المشركون ، واليهود يؤذونه ، ويؤذون أصحابه أشد الاذى ، فأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر على ذلك ، وفيهم أنزل الله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية.

الآية : ١٩٠. قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)

أخرج الطبراني ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، قال : «أتت قريش النصارى فقالوا : بم جاءكم عيسى؟؟ قالوا : كان يبرئ الأكمة ، والأبرص ، ويحيي الموتى ، فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصّفا ذهبا ، فدعا ربه فنزلت هذه الآية : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)

الآية : ١٩٩ : قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)

١٥٣

أخرج الواحدي : قال جابر بن عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، وقتادة : «نزلت في النجاشي ، وذلك لما مات نعاه جبريل (عليه‌السلام) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : أخرجوا ، فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، فقالوا : ومن هو؟! فقال : النجاشي ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البقيع ـ وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ـ فأبصر سرير النجاشي ، وصلّى عليه ، وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، وقال لأصحابه : استغفروا له ، فقال المنافقون : أنظروا إلى هذا يصلّى على علج حبشي نصراني ، لم يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

وروى النّسائي عن أنس قال : «لما جاء نعي النجاشي ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صلّوا عليه قالوا : يا رسول الله ، نصلي على عبد حبشي؟! ، فأنزل الله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ).

الآية : ٢٠٠. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

روى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن ابن محمد المزني ، عن أحمد بن نجدة ، عن سعيد بن منصور ، عن ابن المبارك ، قال : أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدّثني داود بن صالح قال : «قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)؟ قال : قلت : لا. قال : إنه يا ابن أخي ، لم يكن في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثغر يرابط فيه ، ولكن الصلاة خلف الصلاة».

١٥٤

سورة النساء

الآية : ٢. قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً)

أخرج الواحدي عن مقاتل ، والكلبي قالا : «نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال ، فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العمّ قال : أطعنا الله ، وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير ، فدفع إليه ماله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يوق شحّ نفسه ، ورجع به هكذا فإنه يحل داره «يعني جنته» ، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثبت الأجر ، وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقى الوزر ، وهو ينفق في سبيل الله؟! ، فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقى الوزر على والده».

الآية : ٣ قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

أخرج الواحدي عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) الآية. قالت : أنزلت هذه في الرجل ، يكون له اليتيمة ، وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا ينكحها حبا لمالها ، ويضربها ، ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ). يقول : ما أحللت لك ، ودع هذه.

١٥٥

وأخرج الواحدي من رواية الوالبي عن ابن عباس قال : «كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ، ويترخصون في النساء ، ويتزوجون ما شاءوا فربما عدلوا ، وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن اليتامى ، فنزلت آية اليتامى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) الآية ، أنزل الله تعالى أيضا : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى)، يقول : كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك خافوا في النساء ألا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز.

الآية : ٦. قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).

أخرج الواحدي : «نزلت في ثابت بن رفاعة ، وفي عمه ، وذلك أن رفاعة توفي ، وترك ابنه ثابتا ، وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحلّ لي من ماله؟؟ ، ومتى أدفع إليه ماله؟؟. فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ٧. قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً).

أخرج أبو الشيخ ، وابن حبان في كتاب «الفرائض» من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : «كان أهل الجاهلية لا يورّثون البنات ، ولا الصغار الذكور حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت ، وترك ابنتين ، وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمّه خالد ، وعرفطة ـ وهما عصبته ـ فأخذا ميراثه كله ، فأتت امرأته

١٥٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكرت له ذلك ، فقال : ما أدري ما أقول ، فنزلت : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ) الآية.

وأخرج الواحدي : «إن المفسرين قالوا : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي ، وترك امرأة يقال لها أمّ كحّة ، وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان هما : ابنا عمّ الميت ، ووصيّاه ، يقال لهما : سويد ، وعرفجة ، فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته شيئا ، ولا بناته ، وكانوا في الجاهلية لا يورّثون النّساء ، ولا الصغير ، وإن كان ذكرا ، إنما يورّثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يعطى إلّا من قاتل على ظهور الخيل ، وحاز الغنيمة ، فجاءت أمّ كحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أوس بن ثابت مات ، وترك عليّ بنات ، وأنا امرأة ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسنا ، وهو عند سويد ، وعرفجة ، لم يعطياني ، ولا بناته من المال شيئا ، وهنّ في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ، ولا يرفعان لهنّ رأسا ، فدعاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالا :

يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلّا ، ولا ينكى عدوّا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهنّ ، فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

الآية : ١٠. قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

أخرج الواحدي عن مقاتل بن حيان ، قال : «نزلت في رجل من غطفان ، يقال له : مرثد بن زيد ، ولّي مال ابن أخيه ، وهو يتيم صغير ، فأكله ، فأنزل الله فيه هذه الآية».

الآية : ١١ ، ١٢. قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

أخرج الأئمة الستة عن جابر بن عبد الله ، قال : «عادني رسول الله

١٥٧

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا أعقل شيئا ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم رشّ عليّ ، فأفقت ، فقلت : ما تأمرني أن أصنع بمالي؟؟ ، فنزلت : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)

وأخرج الواحدي من طريق بشر بن الفضل ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : «جاءت امرأة بابنتين لها ، فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ، أو قالت : سعد بن الربيع ، قتل معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما ، وميراثهما ، فلم يدع لهما مالا إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فو الله ، ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقضي الله في ذلك ، فنزلت سورة النساء ، وفيها : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إلى آخر الآية ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أدع لي المرأة وصاحبها ، فقال لعمهما : أعطهما الثلثين ، وأعط امهما الثمن ، وما بقي فلك».

وأخرج ابن جرير عن السدّي قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ، ولا الضعفاء من الغلمان ، لا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسّان الشاعر ، وترك امرأة يقال لها أمّ كحّة ، وخمس بنات ، فجاء الورثة يأخذون ماله ، فشكت أمّ كحّة ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله هذه الآية : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ، ثم قال في أمّ كحّة : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ).

الآية : ١٩. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).

روى البخاري ، وأبو داود والنسائي ، عن ابن عباس قال : «كانوا

١٥٨

إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوّجها ، وإن شاءوا زوّجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية».

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم بسند حسن ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف. قال : «لما توفّي أبو قيس بن الأسلت ، أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) الآية.

الآية : ٢٢. قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).

أخرج ابن أبي حاتم ، والفريابي ، والطبراني ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار ، قال : توفيّ أبو قيس بن الأسلت ـ وكان من صالحي الأنصار ـ فخطب ابنه قيس امرأته ، فقالت : إنما أعدّك ولدا ، وأنت من صالحي قومك ، فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرته فقال : ارجعي إلى بيتك ، فنزلت هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).

وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي ، قال : «كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء ، إن لم تكن أمّه أو ينكحها من شاء ، فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت ، قام ابنه محصن ، فورث نكاح امرأته ، ولم يورّثها من المال شيئا ، فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : ارجعي لعلّ الله ينزل فيك شيئا ، فنزلت هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ). ونزلت : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) الآية.

وروى الواحدي : «إن الآية نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن ، وفي الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه ، وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن

١٥٩

المطلب ، وفي منصور بن ماذن ، تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة».

الآية : ٢٤. قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية

روى مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي سعيد الخدري ، قال : «أصبنا سبايا من سبي أوطاس لهن أزواج ، فكرهن أن نقع عليهن ، ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). يقول : إلا ما أفاء الله عليكم ، فاستحللنا بها فروجهنّ».

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : «نزلت يوم حنين ، لما فتح الله حنينا ، أصاب المسلمون نساء من نساء أهل الكتاب ، وكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت : إن لي زوجا ، فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فنزلت : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) الآية.

الآية : ٢٤. قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

أخرج ابن جرير عن معمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن رجالا كانوا يقرضون المهر ، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة ، فنزلت : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ).

الآية : ٣٢. قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).

روى الترمذي ، والحاكم عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ، ولا تغزو النّساء ، وإنما لنا نصف الميراث ، فأنزل الله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، وأنزل فيها : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية.

١٦٠