أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

القتل فى النّاس ، صمد له فرسان قريش وتعاقدوا وتحالفوا (١) على قتله واحتوشوه وحاربوه بكل سلاح حتى رموه بالحجارة. فصبر لهم (٢) ، حتى شجّ فى وجهه ، وسالت الدماء على لحيته ، وغاب من حلق (٣) المغفر فى جبهته ، وأصيبت رباعيّته ، وجرح فى شفته ؛ وأقبل أبىّ بن خلف ، وهو يقول : لا نجوت إن نجا (٤) محمد ؛ وكان يقول بمكّة : إن (٥) لى عودا أعلّقه وأضعه ، لا قتل عليه محمّدا. فبلغ ذلك النّبيّ (ص) فقال : «أنا أقتله إن شاء الله». فلمّا أقبل ذلك اليوم ، عارضه (٦) عليّ (ع) مع قوم من المسلمين ، يريدون منعه من رسول الله (ص). فقال (ص) لهم : «خلّوا (٧) سبيله» ؛ فبرز إليه وتناول حربة فطعنه بها فى فرجة بين البيضة والمغفر (٨) فى عنقه ، فصرعه. ثم نهض (أبىّ) وانهزم عنه وأتى أصحابه ، وهو يخور كما يخور الثّور. فقالوا له : لا بأس عليك ، إنّما هو خدش! فقال : أليس قد قال إنّه يقتلنى؟ والله لو كانت هذه الخدشة بأهل ذى المجاز (٩) ، لماتوا كلّهم (١٠) منها (١١).

ويوم حنين ، لمّا انهزم أصحابه (ص) وذهبوا فى كلّ وجه ، وقف فى حومة الحرب ومعه عليّ (ع) (١٢) مع نفر يسير من أصحابه ، والنّبال (١٣) والسّهام عليه (ص) مثل قطر المطر ؛ وهو ينادى : «هلمّوا إلى ، أنا (١٤) محمّد بن عبد الله ، أنا محمّد رسول الله» ، وما ولىّ حتى أتاه النّصر من الله عزوجل (١٥). ومقاماته

__________________

(١) ـ وتحالفوا : تحالفواA (٢) ـ لهم : ـ A (٣) ـ حلق : حلف C (٤) ـ نجا : نجى A (٥) ان : + ان A (٦) ـ عارضه : اعرضه B (٧) ـ خلوا : خلوA (٨) ـ المغفر : المغفرةB (٩) ـ ذى المجاز : ذى الحجازA ، ذى المحارC (١٠) كلهم : + فمات كلهم A ، فمات B (١١) منها : عنهاB (١٢) ـ (ع) : كرم الله وجهه BC ـ (١٣) النبال : النبل C (١٤) ـ الى ، انا : ـ انا (١٥) ـ عزوجل : ـ A

٨١

فى غزواته وما ظهر من شجاعته ، يطول الشّرح به.

(٥) ـ وأمّا الوقار والرّزانة ، فانّه كان أوقر النّاس مجلسا ، وأعظمهم هيبة فى صدور النّاس. وكان إذا قعد بين أصحابه ، قعدوا حوله كأنّما على رءوسهم (١) الطّير هيبة له ؛ يهابونه هيبة الملوك مع بشاشته بهم وبجميع النّاس ، وحسن خلقه ؛ فإنّه كان أحسن النّاس خلقا وخلقا ؛ وكان يأمر أصحابه بمحاسن الاخلاق ويحثّهم على ذلك ، ويقول : «أقربكم إلى الله أحسنكم خلقا» ، وقال : «إنّ العبد ليبلغ بحسن الخلق درجة الصّائم القائم (٢)» ، وقال : «ليس عمل فى الميزان أثقل من حسن الخلق (٣)».

(٦) ـ وما روى عنه نحو هذا (٤) كثير ممّا (٥) كان يأمر به ويحثّ عليه. وكان لا يطرب ولا يمزح (٦) ، ولا يطيش (٧) ولا يبطش فى فرح ولا غضب. وترد عليه الأمور العظيمة البشارة ، فلا يستخفّ (٨) لها (٩) ، وكان جلّ غضبه أن تحمّر وجنتاه ، فيملك نفسه ، ويدرّ العرق من عرق بين عينيه ، فلا (١٠) يتزعزع ، ولا يبطش بيد ولا لسان ؛ وما رؤى قطّ قهقه واستغرب فى ضحك (١١) ، وكان جلّ ضحكه التّبسّم. وكانت ترد عليه الامور العظيمة التى يمتحن بها ، فلا يتزعزع لها (١٢) ، بل كان يظهر الوقار الشّديد والرّكانة ، ويحتسب ويحمل الصّبر ؛ حتى أمر الله عزوجل أمّته أن يتأسّوا (١٣) به فى الّذي ينوبهم من محن الدّنيا ، وأن يتأدّبوا بأدبه (١٤) ،

__________________

(١) ـ رءوسهم : رءوسهم ABC (٢) ـ الصائم القائم : الصوم والصلاةBC ـ (٣) ـ الخلق : + بدرجة الصائم A (٤) ـ نحو هذا : ـ B (٥) مما : لماB (٦) ـ يمزح : يمرح A (٧) ولا يبطش : ـ B (٨) ـ يستخف : يستخق A ، يستخق C (٩) لها : ـ B (١٠) ـ فلا : ولاAB (١١) ـ ضحك : ضحكه B (١٢) ـ لها : بهاB (١٣) ـ يتاسوا : يتاساسواA (١٤) بادبه : بآدابه B

٨٢

فقال جلّ ذكره : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ.)

(٧) وأمّا الوفاء ، فانّه كان أوفى النّاس بعهد وذمّة ، وأوكدهم حرمة. قد كان بعث خالد (١) بن وليد إلى بنى جذيمة (٢) ، ولم يبعثه مقاتلا بل بعثه داعيا ؛ فأجابوه (٣) إلى الاسلام. وكانت بين خالد وبين القوم (٤) ترة فى الجاهلية ، فقال لهم : ضعوا سلاحكم. فلمّا وضعوا السلاح ، كتّفهم وعرضهم على السّيف. فلما انتهى خبرهم إلى النبي (ص) رفع يديه إلى السّماء ، وقال : «اللهمّ إنّى أبرأ (٥) إليك ممّا صنع خالد (٦)». وزعم خالد ، أنّه لم يقتلهم حتى امتنعوا من الاسلام. فبعث رسول الله (ص) عليا (ع) وبعث معه مالا ، وقال : «اجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك» فخرج إليهم وودى الدّماء والاموال ، حتى وداهم ميلغة الكلب ، وبقيت معه بقيّة من المال ، فقال : هل بقى لكم دم (٧) أو (٨) مال؟ قالوا : لا. قال : فهذه البقيّة (٩) لكم احتياطا لرسول الله (ص) ممّا لا أعلم وممّا لا تعلمون. فلمّا رجع ، قال له النبي (ص) : «أحسنت وأصبت.»

وكانت (١٠) بينه وبين العرب هدنة بعد فتح مكّة ، أن لا يمنعوا عن البيت وأن لا يخافوا. فنزلت سورة «براءة» (١١) وأمره (١٢) الله ، أن يردّ إليهم عهدهم ؛ فدفع الآيات من أول سورة براءة إلى أبى بكر ، وبعثه إلى الموسم ، وأمره أن يقرأها على النّاس. فنزل جبرائيل (ع) وقال له (١٣) : إنّه لا يبلّغها إلا أنت او رجل

__________________

(١) ـ خالد : خالداA (٢) بنى جذيمه : بنى خزيمةABC (٣) ـ فاجابوه : فاجابواC (٤) وكانت بين خالد وبين القوم : وكانت بين القوم وبين خالدA (٥) ـ ابراء : براءA (٦) خالد : الخالدA (٧) ـ دم : دمأB (٨) ـ او : وB (٩) البقية : القيةA (١٠) ـ كانت : كان B (١١) ـ براءة : براةC (١٢) امره : امرC (١٣) ـ له : ـ A

٨٣

منك. فبعث عليا (ع) (١) فأخذ (٢) الصحيفة من أبى بكر بعد أن لحقه فى طريقه ، ومضى. فلمّا وافى «منى» (٣) يوم النّحر ، أذّن فى النّاس حتى اجتمعوا ، فقرأها ، وردّ إليهم عهدهم : أن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان (٤) ؛ ومن كان له عند رسول الله عهد او (٥) ذمّة ، فهو إلى مدّة أربعة أشهر ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم ، ثم لا عهد بعد ذلك لمشرك ، إلا من كان له عهد (٦) عند رسول الله (ص) إلى أجل معلوم ، فعلى رسول الله الوفاء بذلك. فلو (٧) شاء أن يكابرهم قبل أن يرجعوا إلى ديارهم ، ويوقع بهم ، لفعل ؛ ولكنّه ، أراد أن يفى بذمّتهم ، ولم يغزهم فى ديارهم ولم يرعبهم (٨) حتى أخذوا حذرهم ، وفاء بعهدهم واجتنابا للخديعة والمكر بهم (٩).

(٨) وأمّا (١٠) التّواضع ، فإنّه (ص) مع رفيع منزلته (١١) وهيبته فى صدور النّاس ، كان يبدر (١٢) من لقى بالسّلام ؛ وكان (١٣) لا يتقدّم أصحابه إذا مشى ؛ و (كان) يقف للصّغير (١٤) والكبير ، والغنىّ والفقير ، والنّساء والرّجال ؛ ولا ينصرف عمّن يقف له (١٥) حتى ينصرف عنه صاحبه ؛ ولا يقوم فى مجلسه عن جليسه ، حتى يقوم (١٦) عنه ؛ و (كان) يقعد حيث ينتهى (١٧) به المجلس ؛ وكان الفقير والضّعيف أقرب إليه من الغنىّ (١٨) والقوىّ حتى انّه : رؤى واقفا على عجوز حتّى أعيا. فقيل له : يا رسول الله أطلت الوقوف على هذه المرأة! فقال : «إنّها عجوز (١٩) كانت تأتينا (٢٠) أيّام خديجة ، وإنّ حسن العهد من الايمان» وفى حديث

__________________

(١) ـ (ع): ـ A ـ A ، كرم الله وجهه B ، كرم الله وجهه فى الجنةC (٢) فاخذ : واخذABC (٣) ـ منى : مناC (٤) ـ عريان : ـ A (٥) او : وB (٦) ـ عهد : ـ A (٧) ـ فلو : ولوAC ـ (٨) ـ لم يرعبهم : لا يرعبهم A (٩) ـ والمكر بهم : وانما كربهم A (١٠) ـ واما : فاماB (١١) منزلته : المنزلةA (١٢) ـ يبدر : يندرA (١٣) كان : ـ ABC (١٤) ـ للصغير : على الصغيرABC (١٥) ـ له : عليه ABC (١٦) ـ يقوم : يقدم A (١٧) ـ ينتهى : انتهى AB (١٨) ـ الغنى : + فقيرB (١٩) ـ عجوز ... عجوز : ـ A (٢٠) تاتينا : تاتينهاA

٨٤

آخر : أنّه بسط لها رداءه ، وقال : «إنّ هذه من صدائق (١) خديجة وإنّ حسن العهد من الايمان». وفى حديث آخر (٢) : أنّ خالته من الرّضاعة أتته فبسط لها رداءه. وكان يأكل على الارض ويقول : «إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد». وكان لا يذمّ ذواقا ولا يمدحه. فهذه أخلاقه ، ذكرنا منها على الاختصار ، ولو شرحنا محاسنها لطال الوصف بها (٣).

(٩) وأمّا خلقه فى اعتداله وحسن صورته وجماله التى يحكم (٤) بها أصحاب الفراسة (٥) ويستدلّون بها على تمام عقل الانسان ، فانّه كان مشتهرا بالجمال واعتدال الصّورة ، وكان معتدل القامة أطول من المربوع وأقصر من المشذّب ، عظيم الهامة ، رجل الشّعر ، واسع الجبين (٦) ، أزجّ الحواجب سوابغ (٧) فى غير قرن ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه (٨) من لم يتأمله أشمّ ، كثّ اللّحية ، سهل الخدّين ، ضليع الفم ، أشنب (٩) ، مفلّج الاسنان ، كان يفترّ عن مثل حبّ الغمام ، واسع الصّدر ، بعيد ما بين المنكبين ، طويل الزّندين ، رحب الرّاحة ، سبط القصب ، سائل الاطراف ، خمصان الأخمصين مسيح (١٠) القدمين ، خافض الطرف ، نظره إلى الارض أكثر من نظره إلى السّماء ، لا يسارق النّظر ولا يلاحظ (١١) ، بل كان يلتفت جمعا ، ولا ينظر شزرا نظر المسارق (١٢) ونظر التّعادى ؛ لأنّ الّذي ينظر شررا ، يكون متجسسا أو مضمرا حقدا ، فتنزّه

__________________

(١) ـ صدائق : حدائق A (٢) ـ آخر : ـ C (٣) ـ بها : + واما الوصف بهاA (٤) ـ يحكم : + التى يحكم B (٥) ـ الفراسة : الفلسفةB (٦) ـ الجبين : الجنبين C (٧) سوابغ : سوابغ A (٨) ـ يحسبه : يحببه A (٩) ـ اشنب : انشب C (١٠) ـ مسيح : فسيح C (١١) ـ يلاحظ : نال C (١٢) المسارق : المارق A ، السارق B

٨٥

عن هذه (١) الخليقة (٢) المذمومة ، وصان نفسه عنها ؛ فكان إذا التفت ، يلتفت جمعا.

وإن ذكرنا صفة خلقته المستحسنة الجامعة لكلّ جمال ، طال شرحها. وذكرنا هذا المقدار ، مختصرا من الّذي روى عن ربيبه (٣) هند بن أبى هالة التّميمىّ ، وكان أوصف النّاس له ؛ لانّه نشأ (٤) فى حجره. فرويت (٥) عنه صفة حليته (٦) ؛ وأخذها عنه النّاس ، ولم ينكروا شيئا ممّا قاله (٧) ؛ لأنّهم شاهدوه (ص) ووجدوه (ص) بهذه الصّفة. هذا ، دون ما وصفته به أمّ معبد لزوجها ، لمّا نزل عندها وحلب شاة حائلا حتّى درّت باللّبن ؛ ودون ما وصفه به غيرها من الخلق الجميلة.

(١٠) وذكرنا ذلك ، لانّ الفلاسفة يحكمون بالفراسة ، ويستدلّون بمثل (٨) هذه (٩) الصّفة (١٠) على عقل الانسان وكماله. فمن الّذي وجد فى العالم وذكر ، أجمع منه لهذه الخصال؟ لانّ ، من ذكر بالأمانة والصّدق ، كان منفردا بتلك (١١) دون غيرها من الخصال ؛ وكذلك من ذكر بالسّخاء أو بالحلم أو بالشّجاعة أو بالوفاء أو بغير ذلك ، كان ينفرد بتلك الخصلة دون غيرها. فكان (ص) قد برع النّاس وفاقهم أجمعين ، فى جميع هذه الخصال ؛ حتى لا يقاومه أحد ، ولا يذكر له فى العالم نظير قد جمع هذه الاخلاق والخلق.

(١١) ثم كان أنضر الناس عودا ، وأعلاهم شرفا ، وأفخرهم منصبا. شعبه

__________________

(١) ـ هذه : ـ B (٢) الخليقة : الخلقةC (٣) ـ ربيبه : ربيبةA ، زبيب بن C (٤) ـ لانه نشأ : لا نشاءB (٥) فرويت : فروى B ، فرويه C (٦) ـ صفة حليته : صفته وحليته A (٧) قاله : قال A (٨) ـ بمثل : ـ A (٩) هذه : بهذه A (١٠) ـ الصفة : ـ A (١١) ـ بتلك : + الخصال A

٨٦

أفضل الشّعوب ، وقبيلته (١) أفضل القبائل ، وعشيرته أفضل العشائر. قد ولده الأنبياء والرّسل : آدم وشيث ونوح وسام وإبراهيم وإسماعيل (ع). ثم ولده كرام النّاس وكرام العرب ، ثم كرام مضر ، ثم كرام كنانة (٢) ، ثم كرام قريش ، ثم كرام بنى هاشم. ومناقب أجداده ظاهرة ، وكرائم (٣) أخلاقهم مذكورة فى الزّمن الأوّل :

(١٢) كان مضر أفضل عدنان ، وكان يفك العانى ، ويطعم الطّعام. وكان كنانة أفضل مضر ، وكان يأنف أن يأكل وحده ؛ فاذا لم يجد من يأكل معه ، أكل لقمة ورمى بلقمة إلى صخرة قد نصبها بين يديه ، أنفة من أن يأكل وحده. وكان قريش قد فاق (٤) العرب بأصالة رأيه وتدبيره (٥). وكان قصيّ أفضل قريش ، واسمه «زيد» وسمّى «مجمعا» لأنّه جمع قبائل قريش ، وأنزلها مكّة ؛ وفيه يقول القائل :

أبوكم قصيّ كان يدعى مجمعا

به جمّع الله القبائل من فهر

وكان هاشم أفضل قريش واسمه «عمرو» (٦) فسمّى هاشما ، لأنّه كان يهشم الثريد ويطعم الحاجّ والنّاس ، وكان يقعد على كرسيّ من ساسم ويختصر (٧) بقضيب من خيزران ، وجزور (٨) تنحر (٩) ، وأخرى تطبخ ، وأخرى تساق لتنحر ، ومناديه ينادى (١٠) : يا وفد الله هلمّوا إلى الغذاء ، وآخر ينادى : ألا من تغذّى فليرح للعشاء (١١). وأمّا عبد المطلب ، فكان حكمهم ، ومفزعهم (١٢) فى النّوائب ،

__________________

(١) ـ قبيلته : قبيله C (٢) ـ ثم كرام كنانة : ـ A (٣) ـ كرائم : كرام A (٤) ـ فاق : فارق A (٥) تدبيره : تدبيرهاA (٦) ـ عمرو : عمرA (٧) ـ يختصر : يختصم A ، يحتصم BC ـ (٨) جزور : جزرB (٩) تنحر : تجزA (١٠) ـ ينادى : ـ B (١١) ـ للعشاء : الى العشاءA (١٢) مفزعهم : منفرعهم A

٨٧

وموئلهم فى الامور ، وكان (١) يرفع من (٢) مائدته فى رءوس الجبال للطّير ، ويطعم الحجيج ويسقيهم ، وسوطه للسّفيه قائم (٣) ، وكان يقال له (٤) «شيبة الحمد» : وأجدبت قريش (٥) فاستسقت (٦) به ؛ فوضع عبد المطلب رسول الله (ص) على عاتقه وهو يومئذ طفل وارتقى أبا قبيس (٧) ، وأقبلت قريش (٨) تدفّ حوله ، وطافوا به وهو يدعو ؛ فما راموا (٩) حتى انفجرت السّماء بمائها وسالت الأودية ، وقريش تقول (١٠) : هنيئا لك (١١) يا أبا البطحاء بك (١٢) عاش النّاس. وقال فيه شاعرهم :

بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا

وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر

مبارك (١٣) الوجه (١٤) يستسقى الغمام به

ما فى الأنام له عدل ولا خطر

(١٣) وأمّا عبد الله ، فكانت غرّة رسول الله (ص) ظاهرة بين عينيه ؛ ورأته امرأة ، فعرفت أنّ لتلك الغرّة شأنا ، فراودته عن نفسه ؛ فعصمه الله ، ودخل على آمنة (١٥) بنت وهب امرأته ، فواقعها ؛ فحملت برسول الله (ص) ، وتحوّلت تلك الغرة إلى (١٦) وجهها. ثم لقيته المرأة بعد ذلك ، فقال كالمجرّب لها : هل لك فيما قلت لى؟ فقالت : قد (١٧) كان ذلك (١٨) مرّة فاليوم لا. فصار ذلك مثلا. وكانت له من الله عصمة ، وكان رسول الله (ص) يقول : «نقلت من طهر إلى طهر ما مسّنى سفاح الجاهليّة».

__________________

(١) ـ وكان : فكان B (٢) من : ـ C (٣) ـ قائم : ـ B (٤) له : ـ A (٥) ـ قريش : القريش B (٦) فاستسقت : فاستسقواC (٧) ـ أبا قبيس : ابى قبيس C (٨) قريش : القريش B (٩) ـ راموا : راحواC (١٠) ـ وقريش تقول : وقالت قريش A (١١) هنيئا لك : هنالك A (١٢) بك : ـ A (١٣) ـ مبارك : تبارك A (١٤) الوجه : الامرC (١٥) ـ آمنة : الامنةB (١٦) ـ الى : فى ABC (١٧) ـ قد : ـ C (١٨) دلك : ـ AC ـ

٨٨

(١٤) فهذه صفته (ص) وأخلاقه المشهورة ، وخلقته الطّاهرة ، وفخره الباذخ ؛ ولا يدفع ذلك الّا مباهت ؛ لأنّ قريش (١) والعرب وسائر الأمم الذين شاهدوه ، عرفوه بذلك ، واعترفوا به ؛ فهو (ص) جمع هذه الخصال كلّها ، وفاق النّاس أجمعين فيها ؛ وحقّ له أن يكون كذلك ، وقد اختاره الله عزوجل من جميع ولد آدم من أوّل الدهر إلى آخره ، وفضّله عليهم أجمعين ، وأعطاه من القوّة الشّديدة والنّصرة الظّاهرة والغلبة القاهرة والملك العالى على جميع الممالك فى الدّنيا ، ما لم يعطه أحدا من عباده ؛ ومضى (ص) من الدّنيا ، وقوّته باقية فى العالم ، تزداد على مرّ الأيّام ؛ وما أعدّ الله فى آخرته ، فأكبر درجات وأكبر تفضيلا.

(١٥) فان قال قائل : إنّه قد كان فى الدّنيا ، من كان أشدّ قوّة فى ملكه وسلطانه ، وأظهر غلبة (٢) ، مثل الاسكندر وغيره من ملوك الارض ، قلنا : هؤلاء ملكوا فى عصرهم وغلبوا فى دهرهم (٣) ، فلمّا ماتوا ، زال ذلك عنهم ؛ ورسم محمد (ص) باق (٤) إلى الابد ، وعزّه وشرفه متّصل بالقيامة. وكذلك كان سبيل موسى وعيسى (ع) وإن لم يبلغا منزلة محمّد (ص) فإنّهما جمعا الخصال الجميلة ، وكان كل واحد منهما أكمل أهل زمانه ، وأجمعهم لكلّ أمر يحتاج إليه الامام فى سياسة النّاس دينا ودنيا ، كما ظهر من موسى (ع) من الافعال العظيمة والآيات العجيبة. وإن كان الملحدون ينكرونها ، فانّهم لا يقدرون على (٥) أن يطعنوا فى عقله ، واستحكام فهمه ، وحسن تمييزه ، وكمال تدبيره ؛ لانّ أفعاله العظيمة التى كانت منه ، لا تتم إلا لكامل (٦) عقل (٧) مؤيّد حازم : فانّه

__________________

(١) ـ قريش : قريشاAC ـ (٢) ـ غلبة : عليه C (٣) ـ فى دهرهم : ـ A (٤) ـ باق : باقى C (٥) ـ على : ـ ABC (٦) ـ لكامل : الكامل A (٧) عقل : العقل ABC

٨٩

خرج من مصر وانقذ بنى إسرائيل من عبوديّة فرعون ، وهم ستّمائة ألف رجل بالغ سوى النّساء والذّراري ، بما أعطاه الله من القوّة ولطف (١) له من التّدبير ، وعبر بهم البحر. فاتّبعهم فرعون بجنوده (٢) ، حتّى كان من أمره ما كان. ثم ساسهم أربعين عاما فى المهامة (٣) والقفار تلك السّياسة (٤) العجيبة ، مع تلوّنهم والتيائهم عليه ومع ما (٥) امتحن به من أمور عظيمة كانت منهم. فقدموه مع ذلك كله على أنفسهم ، وملك ذلك الجمع العظيم ، وأقام فيهم الأمر والنّهى ، وأقرّوا له بالنّبوّة لما رأوا منه من الآيات. وكان هارون (٦) أخوه أكبر سنّا منه ، وكان وجيها فيهم مبجّلا عندهم عظيما فى صدورهم ، فقدّموا موسى (ع) عليه (٧) ، لتقديم الله عزوجل إيّاه بالنّبوّة.

(١٦) فان أنكر الملحدون (٨) نبوّته ، وقالوا (٩) : إنّ ذلك بحيلته (١٠) ودولته ، قلنا : فان أنكرتم نبوّته ، هل تنكرون عقله؟ وهل يجوز أنّ ذلك الجمع العظيم من بنى إسرائيل قدّموه وانقادوا له إلا لفضل كان فيه ، وقوّة (١١) عظيمة ، وكمال رأى ، ووفور عقل؟ وأن من يجوّز (١٢) حيله على ذلك الخلق الكثير حتى يملك (١٣) رقابهم ويجعلهم (١٤) تحت طاعته ويقرّوا (١٥) له بالنّبوّة ، لا يجوز (١٦) أن يكون مطعونا (١٧) عليه فى عقله وكماله وفضله؟ ولا يجوز أن يقدّموا على أنفسهم معتوها ناقصا مجنونا ، من غير جدوى ينالونها (١٨) منه من أعراض الدنيا. ولا يوجب المعقول (١٩) ،

__________________

(١) ـ ولطف : فلطف B (٢) ـ بجنوده : بجنودA (٣) ـ المهامة : المهامةA (٤) السياسة : السياسات B (٥) ـ ما : ـ B (٦) ـ هارون : هردون AC ـ (٧) ـ عليه : ـ B (٨) ـ الملحدون : الملحدBC ـ (٩) قالوا : قال B (١٠) بحيلته : بحيلةAC ـ (١١) ـ وقوة : قوةA (١٢) ـ يجوز : تجوزC (١٣) يملك : تملك C (١٤) ـ يجعلهم : تجعلهم C (١٥) يقروا : يقوواA (١٦) لا يجوز : ولا يجوزC (١٧) مطعونا : مطنوعاB (١٨) ـ ينالونها : ينالونه ABC (١٩) المعقول : العقول AB

٩٠

انّهم قدّموه إلّا لما ذكرنا من الآيات التى ظهرت (١) منه ، والامور العظيمة التى شاهدوها منه وعاينوها. وإن جحد الملحدون (٢) تلك الآيات التى دلّت على نبوته ، فلكما له وحسن تدبيره ولطفه فى السّياسة.

(١٧) وهكذا كان أمر المسيح (ع) حين ظهر بالنبوة ، وأظهر تلك الجرائح (٣) ، وجال (٤) فى كور فلسطين والأردن والشّام ، وظهرت منه تلك الاسباب العظيمة من إحياء الموتى ، وإبراء ذوى العاهات والمئوفين (٥) ، والدلائل الكثيرة. فان أنكر الملحدون (٦) وقالوا : إنّ ذلك لم يكن ، فلا يقدرون أن يدفعوا ما شرعه لحوارييه (٧) الذين عرفوا أيضا بالكمال والفضل والقوّة التى جمعوا بها النّاس على قبول شرائعه وآثاره. فهل (٨) قدروا مع تفرّقهم فى بلدان شتّى وكور متباينة على إقامة دعوته وبسط شرائعه وترسيم آثاره ، إلّا بآيات (٩) كاملة؟ وهل تبعوا (١٠) المسيح مع كمالهم (١١) ، إلّا لمعرفتهم بفضله؟ فان (١٢) كانوا ينكرون أنّهم اتّبعوا (١٣) لما رأوا منه من الآيات ، فلا يقدرون أن ينكروا عقولهم وأفهامهم وحسن تمييزهم ؛ فانّه لا يقدر على إقامة مثل تلك الدّعوة إلّا المجانين ومن لا عقول لهم ولا أفهام.

فمن أنكر ما ذكرنا فى شأن محمّد (ص) وموسى وعيسى (ع) من الكمال فى عقولهم وأفهامهم وجمعهم الخصال (١٤) الحميدة التى تكون فى الأئمّة و

__________________

(١) ـ ظهرت : اظهرت A (٢) ـ الملحدون : الملحدAC ـ (٣) ـ الجرائح : الحوائج B (٤) ـ وجال : رجال A ، وحال C (٥) ـ المئوفين : المئوفين AB ، المئوفين C (٦) ـ الملحدون : + ذلك B (٧) ـ لحوارييه : لحواريه ABC (٨) ـ فهل : + يقدرون A (٩) ـ بآيات : يات A بآلات C (١٠) ـ تبعوا : تبع A (١١) كمالهم : لحالهم A (١٢) فان : وان AB ، ولوC (١٣) ـ اتبعوه : تبعوه BC ـ (١٤) ـ الخصال : للخصال AC

٩١

الرّؤساء ، وما كانوا عليه من حسن التّدبير والسّياسة ، وإن كان منكرا لنبوّتهم ، فهو معاند (١) مكابر دافع للعيان (٢) ؛ فانّ هذه الاسباب لا تعزب عن أفهام النّاس من المخالفين والمؤالفين ؛ وهم يشاهدونها (٣) بعقولهم وإن كانت أمورا (٤) قد انقضت.

(١٨) وإذا (٥) كان الامام بالصّفة التى وصف بها (٦) هؤلاء الرّسل (ع) من البراعة والعقول التّامة ، لا يجوز ، أن لا يعقل أحدهم ما يتكلّم به ، وأن يخفى عليه من تناقض كلامه واستحالته (٧) ، ما يعرفه غيره مثل الملحد وأشباهه. فهلّا تدبّر الملحد هذا الشأن ، وهلّا علم (٨) أنّ أمثال (٩) هؤلاء (ع) لم يخف عليهم ما ادّعاه الملحد من التّناقض فى كلامهم ، والاختلاف فى رسومهم ، ومخالفة بعضهم لبعض فى شرائعهم وفى كتبهم والأخبار التى رويت عنهم ؛ أفتراهم كانوا لا يميّزون ما يقولون ، ولا يعرفون منه مقدار ما عرفه الملحد حين قال : الآن ننظر فى كلام القوم وتناقضه؟ فهلّا تدبّر (١٠) هذه الحال ، وتأمّل ما كانوا عليه من الكمال ، وجمعهم لكل محمود من الخصال ؛ وهلّا حكم فى كلامهم حسب (١١) ما ادّعوه من ضرب الامثال؟!

وإنما ذكرنا هذه الصّفات التى كانت فيهم ، ليعرف العاقل المميّز المنصف ، أنّ أمثالهم فى العقول التّامة والافهام الكاملة ، ومع هذه الاسباب العظيمة التى كانت منهم والخصال الجميلة التى كانت فيهم ، لا يجوز لأحد أن يحكم عليهم ، أنّهم تكلّموا بكلام متناقض ، ورسموا رسوما متناقضة ،

__________________

(١) ـ معاند : + وA (٢) دافع للعيان : دافع العيان A (٣) ـ يشاهدونها : + هاA (٤) امورا : امرA ، امورBC ـ (٥) ـ واذا : اذA (٦) وصف بها : وصفناA ، وصفنا بهاB (٧) ـ استحالته : استحالةABC (٨) ـ هلا علم : هل العلم A (٩) امثال : مثال C (١٠) ـ تدبر : تدبره C (١١) ـ حسب : حسن A

٩٢

وهم لا يعقلون ما يقولون ويفعلون ؛ بل ، يجب أن يتدبّر أمرهم ، ويطلب العلّة الموجبة لعذرهم ، فيعرف الهدى من الضّلال ؛ فليس من الدّين عوض ، ولا عن الله مهرب ، ولا بعد الموت مستعتب (١) ، ولا مأوى بعد هذه (٢) الدّار إلّا الجنّة أو (٣) النّار.

__________________

(١) ـ مستعتب : متعتب A (٢) بعد هذه : بعده B (٣) ـ او : وA

٩٣

الفصل الثالث

فى كلام الأنبياء ورسومهم

(١) الآن ، نذكر صدرا من كلام الأنبياء (ع) ورسومهم ، وما نطقت به كتبهم وادّعوه (١) فيها ، أنّهم يضربون الأمثال التى تختلف ألفاظها ، وتتّفق (٢) معانيها ؛ وما دلّوا عليه ، وأمروا به من البحث عن معانى كلامهم المرموز ، ليتّضح عدلهم (٣) ويظهر صدقهم (٤) ؛ فيزول ما يدّعيه الملحدون عليهم من اختلافهم وتناقض كلامهم إن شاء الله تعالى (٥) :

روى (٦) عن النّبيّ (ص) أنّه قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتى (٧) الصّراط سور (٨) ، وفى السّور أبواب مفتّحة ، وعلى تلك الأبواب ستور مرخاة (٩) ، وعلى رأس الصّراط داع (١٠) يقول : ادخلوا الصّراط ولا تعرجوا.

قال : فالصّراط هو الاسلام ، والابواب المفتّحة محارم الله ، والسّتور حدود

__________________

(١) ـ ادعوه : اودعوه C (٢) تتفق : يتفق BC ـ (٣) ـ عدلهم : عدولهم C (٤) صدقهم : صدC (٥) ـ ان شاء الله تعالى : ـ A (٦) ـ روى : ـ C (٧) ـ جنبتى : جينى A (٨) سور : السورB (٩) ـ مرخاة : مرخات B (١٠) داع : يداعى A ، داعى C

٩٤

الله ، والدّاعى القرآن. فهكذا سبيل المثل والمعنى (١). وما جاء فى القرآن العظيم (٢) أبلغ وأوجز :

(٢) قال الله عزوجل (٣) : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً (٥) فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ (٦) عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ (٧) يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (٤). قال أهل التّفسير : شبّه علوم الأنبياء وما أنزل الله من الوحى ، بماء (٨) ينزل من السّماء ؛ ومما يوقدون عليه فى النّار يعنى : الذّهب والفضّة وغير ذلك من الجواهر ، شبهه بالايمان وأهله ؛ والزّبد الّذي يذهب جفاء ، شبّهه (٩) بالكفر وأهله ؛ يعنى : أنّ أعمال المؤمنين تبقى وتحصل (١٠) يوم القيامة ، وأعمال الكفّار (١١) تبطل ولا تنفع. وذكرنا من معنى هذا المثل ، مقدار ما ذكروه فى تفسيره. وقال الله عزوجل (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ (١٣) مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (١٢ ؛ وقال فى آية اخرى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (١٤) وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (١٥) ؛ وقال الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً

__________________

(١) ـ المعنى : المعانى (٢) ـ العظيم : ـ B (٣) ـ عزوجل : ـ A (٤) انزل : نزل B (٥) ماء : ـ A (٦) ـ يوقدون : توقدون B (٧) ـ كذلك : وABC (٨) ـ بماء : بماBC ـ (٩) ـ شبهه : شبه B (١٠) ـ تبقى وتحصل : يبقى وتحصل B (١١) الكفار : الكفرةB الكفرC (١٢) ـ للناس : ـ B (١٣) القرآن : + للناس (١٤) ـ فابى ... كل مثل : ـ B (١٥) للناس : ـ A (١٦) ـ لا يستحيى : لا يستحى A

٩٥

وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.)

وإنّما أنزل الله عزوجل هذه (١) الآية لمّا قال المشركون : ما هذه الامثال التى يذكرها محمّد ويضربها (٢) بالذّباب والعنكبوت (٣) وغير ذلك ، فعندها أنزل الله عزوجل هذه الآية ؛ وأعلمنا أنّ الذين آمنوا ، يعلمون ما فى الأمثال من الحق ، والذين كفروا يجهلون ذلك ، فيهتدى بها كثير من الناس الذين يعرفون حقائقها ويضلّ بها الفاسقون (٤).

(٣) وقال عزوجل (٥) فى صفة النّار : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.) فعرّفنا عزوجل أنّه (٧) ضرب بهذا مثلا (٨) ، يضلّ به من يشاء ويهدى به من يشاء. وقال عزوجل : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.)

وروينا عن بعض أئمّتنا الصادقين (ع) أنّه قال لبعض أصحابه : انظر أن (٩) لا تمرّ بك آية من كتاب الله إلا وأنت تعرف معناها أو تحبّ أن تعلمه ، لتكون (١٠) عالما أو متعلّما ؛ فان الله يقول : وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ. وقال عزوجل : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ

__________________

(١) ـ هذه : ـ B (٢) ـ يضربها : يضرب بهاBC ـ (٣) العنكبوت : بالعنكبوت A (٤) ـ الفاسقون : العاشقون A (٥) ـ عزوجل : ـ A ـ A ، جل ذكره C (٦) ـ كذلك : ـ C (٧) ـ انه : ان C (٨) بهذا مثلا : بهذه امثالاC (٩) ـ ان : ـ B (١٠) لتكون : ليكوC

٩٦

يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يعنى : أنّ الذين (١) آمنوا ، قد علموا أنّه أمثال ، وعرفوا منه ما عرفوا ، وسلّموا فيما لم يعرفوا ؛ وأنّ الذين لا يعرفون ذلك (٣) يعمون فيه ، وينادون من مكان بعيد (٢) ؛ لانّهم لا يعرفون معانيه.

(٤) وأخبرنا عزوجل : أنّ الأنبياء الذين مضوا ، ضربوا لقومهم الامثال ؛ فهلك من هلك ، لانهم جهلوا معانيها فكذّبوا (٤) الرّسل ؛ وكان سبيلهم فى جهلهم بتلك المعانى ، سبيل الملحد حين جهل هذا الباب ، وظنّ بالانبياء الكذب والاختلاف ، فقدّر (٥) فى كلامهم الاختلاف والتّناقض. قال الله عزوجل : (وَعاداً وَثَمُودَ (٦) وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٧) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٨)) فدلّ (٩) ذلك على (١٠) أنّهم هلكوا حين ضربت لهم الامثال فجهلوا معانيها وضلّوا. فهذا ما فى القرآن ، وفيه أمثال كثيرة يطول الشّرح بها.

(٥) ومثل ذلك فى سائر كتب الأنبياء (ع) : فى الإنجيل ، فى بشرى (١١) متّى : هذا كلام تكلم به يسوع (١٢) بالامثال ، ولم يكن يكلمهم بغير الامثال ، ليتمّ ما قيل على لسان النبي الّذي قال : أفتح فمى (١٣) بالامثال ، وأعلم السرائر التى كانت من قبل أن وضع (١٤) أساس (١٥) الدّنيا. وفيه أيضا مثل ضربه عيسى (ع) وقال بعد ذلك : فدنا (١٦) منه تلاميذه وقالوا (١٧) له : ما بالك (١٨) تكلّمهم بالأمثال؟ فقال لهم : أنتم أعطيتم سرّ ملكوت السّماء ، فأمّا أولئك ، فلم يعطوا. من كان له فانه

__________________

(١) ـ الذين : للذين B (٢) يعنى .... بعيد : ـ A (٣) ـ ذلك : ـ A (٤) ـ فكذبوا : وكذبواAB (٥) ـ فقدر : وقدرB (٦) ـ ثمود : ثموداC (٧) ـ كثيرا : كثيرC (٨) تتبيرا : تبتيراB ، + فقدBC ـ (٩) فدل : ـ C (١٠) ـ على : ـ A (١١) ـ فى بشرى : من بشرى A (١٢) ـ يسوع : اليشوع BC الشرع ، A (١٣) ـ فمى : فمن C (١٤) ـ وضع : اوضع A (١٥) اساس : اهناس ABC (١٦) ـ فدنا : فدنى A (١٧) قالوا : قال B (١٨) ما بالك : مالك B

٩٧

يعطى (١) ويزاد (٢) ، ومن لم يكن له ، فانّه (٣) مهما كان له ، يؤخذ (٤) منه أيضا ؛ لذلك أكلّمهم بالامثال ، لأنّهم يبصرون الحقّ ، فيعمون أبصارهم ، ويسمعون ثم لا يعقلون ولا يفقهون ؛ فأمّا أنتم فطوبى لاعينكم التى ترى وآذانكم التى تسمع. ومثل هذا فى القرآن ، قال الله عزوجل : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٥) يعنى بهذا : أنّ من سمع القرآن ولم يعقل الامثال التى ضربت فيه (٦) ، فهو بهذه المنزلة.

(٦) وفى بشرى مارقوس : أنّ المسيح ضرب للحواريّين مثلا ، ثم قال لهم أنتم أعطيتم أن تعلموا سرّ ملكوت السّماء (٧) ، فأما الغرباء ، فانّهم يكلّمون بالامثال ، لكيما إذا رأوا لم يروا ، وإذا سمعوا لم يسمعوا ولم يفهموا ، لعلهم يرجعون ، فتغفر لهم خطاياهم ، أما يحسنون هذا (٨) المثل فكيف إذا تعلّموا جميع الامثال. ويقول فيه أيضا بعد مثل (٩) ضربه لهم ، ثم قال : بمثل (١٠) هذه الامثال جعل يكلّمهم يسوع (١٢) ، ولم يكن يكلمهم بغير أمثال (١١) ، وكان يفسر لتلاميذه جميع الأشياء بينه وبينهم. ومن (١٣) الامثال التى (١٤) ضربها وفسرّها لهم ، قال :

إنّ الزّراع خرج ليزرع ، فلمّا زرع ، منه ما سقط فى جادّة الطّريق ، فجاءه الطّير فلقطه ؛ ومنه ما سقط على الصّخر حيث لم يكن طين كثير ، فنبت من ساعته ، لانّه لم يكن له قعر (١٥) فى الأرض ، فلما طلعت عليه الشمس ،

__________________

(١) ـ يعطى : يعطاBC ـ (٢) يزاد : يردادBC ـ (٣) فانه : فان ABC (٤) له يؤخذ : لم يؤخذB (٥) ـ لهم اعين لا يبصرون بها : ـ AB (٦) ـ فيه : ـ B (٧) ـ ملكوت السماء : الملكوت BC ـ (٨) ـ هذا : فهذاB (٩) ـ مثل : مثلاC (١٠) بمثل : بمل C (١١) ـ جعل ... امثال : ـ B (١٢) يسوع : ايشوع ABC (١٣) ـ من : فى A (١٤) التى : ـ A (١٥) ـ قعر : اصل A

٩٨

ذوى لأنّه لم يكن له أصل فى الأرض ، فيبس ؛ ومنه ما سقط بين الشّوك (١) ، فارتفع الشّوك فخنقه ؛ ومنه ما سقط فى الارض الصّالحة وربا (٢) ، فمنه ما خرج مائة ضعف ، ومنه ستون ، ومنه ثلاثون. من كان له أذنان سامعتان فليسمع. ثم فسر لهم هذا المثل فقال : الزّرع ، مثل من سمع كلام الملكوت فلم يفهمه ، يأتيه الشيطان فيختلف الكلمة التى زرعت فى قلبه ، وهو الزّرع على جادّة الطّريق ؛ والزّرع على الصّفاء (٣) ، هو الّذي يسمع الكلمة فيقبلها من ساعته فرحا ، وليس له فيها أصل ، بل إنّما هى إلى حين قليل ، فاذا كان ضرّ أو (٤) مشقّة من أجل (٥) تلك الكلمة ، كفر وشيكا ؛ والّذي زرع بين الشّوك ، فهو الّذي يسمع الكلمة ، فتأتى هموم الدّنيا وفتنة الغنى (٦) ، فتخنق (٧) الكلمة ، فتصير لا ثمرة لها ؛ واما الزرع (٨) الّذي فى الارض الصالحة ، فهو الّذي يسمع الكلمة (٩) فيعيها (١٠) ، ويثمرها منه مائة ضعف ، ومنه ستّون ومنه ثلاثون.

(٧) وتمثّل مثلا آخر ، فقال : يشبه ملكوت السّماء رجلا زرع فى قريته زرعا صالحا ، فلمّا رقد النّاس جاء عدو له (١١) ، فزرع زوانا بين الحنطة وذهب ، فلما نشأ الزّرع وأثمر ، طلع (١٢) الزّوان (١٣) بين الزّرع ؛ ثم إنّ عبيد صاحب القرية قالوا : يا سيدنا ، أليس إنّما زرعت (١٤) زرعا صالحا ، فمن أين صار فيه هذا الزّوان؟ هو بحق قال لهم : دخل (١٦) عدّو وفعل هذا. قالوا له : أيسرّك أن (١٥) ننطلق ونلقطه؟ هو بحق قال لهم : لعلكم مع لقطكم الزّوان (١٧) ،

__________________

(١) ـ الشوك : ـ C (٢) ـ ربا : ربى A (٣) ـ الصفا : الحصفاB (٤) ـ او : وB (٥) اجل : ـ B (٦) الغنى : الغنى A (٧) ـ فتخنق : فتخفف B (٨) الزرع : الزراع C (٩) ـ الكلمة : كلمتى C (١٠) فيعيها : فيقيهاC (١١) ـ عدوله : عدوه C (١٢) ـ طلع : الطلع B (١٣) الزوان : الزمان A (١٤) ـ زرعت : زرعةC (١٥) ـ قال لهم ... ان : ـ B (١٦) دخل : فعل A (١٧) ـ الزوان : + ان B

٩٩

تقلعون (١) معه الحنطة ، ولكن دعوهما (٢) حتى ينبتا (٣) جميعا ، حتى يبلغ الحصاد (٤). فاذا كان الحصاد ، قلت للحصدة : القطوا الزّوان واحزموه حزما ليحرق بالنار ، وأمّا الحنطة فاجمعوها إلى أهراى (٥). قالوا له : فسر لنا هذا المثل فأجابهم :

إن الّذي زرع الزّرع الصّالح ، هو ابن البشر ؛ والقرية هى العالم ؛ والزّرع الصّالح ، بنو (٦) الملكوت ؛ والزّوان هم بنو طاعة الشّيطان ؛ والعدوّ الّذي زرع الزّوان ، هو الشّيطان ؛ والحصاد ، هو فناء (٧) العالم ؛ والحصدة ، هم الملائكة. وكما أنّ الزّوان يلقط ويحرق بالنّار ، كذلك يكون فى منتهى العالم ، يرسل الله ملائكته ، فيلقطون من ملكوته جميع الفتّانين والأئمة ، فيلقونهم (٨) فى أتون النّار ؛ ثم يكون البكاء (٩) وصرير (١٠) الأسنان. فعلى هذه الامثال التى هى فى الإنجيل ؛ وهى كثيرة.

(٨) ونحو هذا فى سائر كتب الأنبياء : فى كتاب هوشع ، ما هو مفسّر من الأمثال : اسمعوا قول الرّب يا بنى إسرائيل ، إنّ للرّبّ حكومة مع سكّان الارض لعدم البرّ والقسط ، وعدم المعرفة بالله فى الارض ، ولما كثر من اللّعن والكذب والقتل والسّرق (١١) والسّفاح فى الارض ، ولانّهم خلطوا الدّم بالدّم ؛ لذلك تئنّ (١٢) الارض وترثى ، وينوح (١٣) جميع سكانها وحيوان القفار وطير (١٤) السّماء ، ويهلك سمك البحر. وقال فى تفسير هذا (١٥) المثل :

يعنى بالحيوان الملوك ، وبالطّير الكهنة وبالسّمك سائر الشّعب.

__________________

(١) ـ تقلعون : تقلعواABC (٢) دعوهما : دعوهاA (٣) ينبتا : ينبتان ABC (٤) الحصاد : الحصاC (٥) ـ اهراى : هراى B ، اهرأى C (٦) ـ بنو : نبوت C (٧) ـ هو فناءB (٨) ـ فيلقونهم : فيلقوهم B ، فيلقونه C (٩) البكاء : البكائى A (١٠) حرير : صريف ABC (١١) ـ السرق : العزف B (١٢) ـ تئن : تابل ABC ، كلمه لا تقرأ وبالرجوع الى التوراة احتملنا كونهاتتن (١٣) ينوح : تنوح ABC (١٤) ـ طير : طيران C (١٥) ـ هذا : ـ B

١٠٠