أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

مكرهين ؛ فألزموا البارى الجور ، وأوجبوا أنّ الله أجبر خلقه على المعاصى ، ثمّ يعاقبهم عليها ، عزّ الله عن ذلك.

والطّائفة الأخرى قالوا : إنّ أفعال العباد ليست بمخلوقة ، وإنّه ليس لله (١) فيها مشيّة ولا إرادة ولا تقدير. فأوجبوا أنّ العباد يقدرون على فعل ما لا يريده الله ولا يقدّره ، وأنّهم عصوه وأطاعوه غالبين ؛ فأشركوا أنفسهم مع الله فى سلطانه ؛ إذ كانوا يقدرون (٢) على ما لا يقدّر الله ولا يريده. وسقطوا عن حكم التّنزيل ؛ لأنّ الله عزوجل (٣) ، يقول : (إِنَّا(٤) كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ (٥) بِقَدَرٍ (٦)) وأفعال العباد هى (٧) شيء داخل (٨) فى الكلّ الّذي ذكره الله أنّه خلقه بقدر ـ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

وقوم عرفوا الحقّ والعدل ، فنفوا القدر والاجبار وصحّحوا (٩) الأخبار التى أنكرها الملحد وزعم أنّها متناقضة ، وزعم أنّ منها ما ينفى القدر ومنها ما ينفى الاجبار ، جهلا منه بهذه المنزلة الثالثة. وأهل الحقّ والعدل اقتدوا فى ذلك بالصّادقين من آل الرسول عليه وعليهم‌السلام (١٠) الذين هم ورثة علم رسول الله وصحّحوا هذه الأخبار كلّها التى تنفى القدر والإجبار ، وقالوا : لا إجبار (١١) ولا تفويض ؛ كما قال الصّادق (١٢) جعفر بن محمد عليه‌السلام (١٣) ، حين سئل فقيل له : يا ابن (١٤) رسول الله ، الناس مجبرون؟ قال (١٥) : الله أعدل (١٦) من أن يجبر خلقه على المعاصى ، ثم يعاقبهم عليها. قيل : فمفوّض إليهم؟ قال : هو أعزّ

__________________

(١) ـ لله : معه A (٢) ـ واطاعوه ... يقدرون : ـ C (٣) ـ عزوجل : ـ A (٤) انا : ان B (٥) ـ خلقناه : خلقاه B (٦) بقدر : يقدرA (٧) هى : هوB (٨) داخل : داخلةBC ـ (٩) ـ صححوا : صححواA (١٠) ـ عليه وعليهم‌السلام : ـ A (١١) ـ لا اجبار : الاجبارC (١٢) ـ الصادق : ـ A (١٣) عليه‌السلام : ـ A (١٤) ـ يا ابن : يا ابن AC ـ (١٥) قال : قائل A (١٦) اعدل : اعذرC

٤١

من أن يكون (١) لاحد فى ملكه سلطان. قالوا : فكيف هو؟ قال : هو أمر بين أمرين ، لا إجبار ولا تفويض.

(٧) فهذا هو سرّ الله الّذي من ترك القول بالعدل والحقّ فيه ، وسلك فيه برأيه وقياسه ، هلك ؛ وهو سرّ الله الّذي أطلع عليه أنبياءه واولياءه (٢) ؛ ولا يوصل إلى معرفته إلّا بتوقيف (٣) منهم. وكذلك كلّ أمر ملتبس فى الدّين لا يلحق الّا بتوقيف (٤) منهم ؛ ومن لم يرجع فى ذلك الى الاصل (٥) يأخذه عنهم (٦) ، وقال فى ذلك برأيه وقياسه ، لم يزل الدهر فى التباس ، على نحو ما روى فى الحديث الّذي عاب به الملحد ، وذكر أنّ هذا الحديث ينهى عن النّظر. وقد ذكرنا فى باب النّظر ما فيه كفاية لمن أنصف. وإنّما هذا الحديث ينهى عن الخوض فيما ليس فى (٧) وسع المخلوقين أن يدركوه برأيهم وقياسهم ، ولا يعرفونه إلّا بتوقيف (٨) من العلماء البررة كما ذكرنا ، الذين هم قادة الأنام. ومن قاس برأيه فى مثل هذه الغوامض ، على غير أصل من أصولهم وابتدع (٩) بقياسه (١٠) ما يعقد به الرئاسة ، لا يزال الدهر فى التباس ؛ وهذا هو القياس المنهىّ عنه.

__________________

(١) ـ يكون : تكون A (٢) ـ اولياءه : + عليهم‌السلام BC ـ (٣) ـ بتوقيف : بتوفيق A (٤) ـ بتوقيف : بتوفيق A (٥) الاصل : اصل AB (٦) عنهم : منهم B (٧) ـ فى : ـ B (٨) ـ بتوقيف : بتوفيق A (٩) ـ ابتدع : يبتدع ABC (١٠) ـ بقياسه : به AB

٤٢

الفصل الثالث

البحث فى التعمق

(١) وأمّا قوله : «إيّاكم والتّعمّق فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمق» فليس فى هذا أيضا نهى عن النظر ، إنّما هو نهى (١) عن التّعمق فى الدّين (٢). وليس معناه ، إيّاكم والنّظر ؛ بل ، التّعمق فى الدّين ترك القصد ؛ وهو الغلوّ فى الدّين ، وابتداع أشياء لم يؤمروا بها فى باب العبادة ، والتشديد (٣) فى ذلك ، وترك القصد فى الاجتهاد والأخذ بالتّعسير فيه. فالمتعمّق (٤) يغلو ويزعم أنّه مجتهد فى الدّين ، يتكلّف ما لم (٥) يكلّفه الله ؛ كما فعل (٦) الخوارج فى هذه الأمّة ، حتى ابتدعوا تلك الآراء وخالفوا الأئمّة وغلوا فى الدّين وتعمّقوا فى العبادة ، من غير جهة السّنّة التى سنّها الله عزوجل (٧) ، وأمرهم بها. وقد جاءت فيهم أخبار

__________________

(١) ـ عن النظر ... نهى : ـ C (٢) ـ فى الدين : ـ A (٣) ـ التشديد : تشديدABC (٤) ـ فالمتعمق فالتعمق A (٥) ـ لم : ـ B (٦) فعل : فعله C (٧) ـ عزوجل : ـ A ، ع ج C

٤٣

بصحّة (١) ما قلنا ؛ كما روى أنّ رسول الله (ص) (٢) (١١) نظر إلى رجل ساجد فى المسجد ، حتى فرغ النبي (ص) من صلاته ، فقال (ص) : «من رجل يقتله»؟ فقام (٣) أبو بكر ومشى إليه ليقتله ، ثم انصرف وقال : «يا رسول الله كيف أقتل رجلا ساجدا لله؟!» فقال : «من رجل يقتله؟» فقام عمر ومشى إليه (٤) ليقتله ، ثم انصرف وقال : «يا رسول الله كيف أقتل رجلا ساجدا لله؟!». فقال : «من رجل يقتله؟» ، فقام على (ع) ومشى إليه ليقتله ، فوجده قد ذهب. وفى الحديث زيادة ، ولرسول الله (ص) فيه قول ؛ وإنّما أمر رسول الله (ص) بقتله ، لأنّه ترك القصد وابتدع ما لم يفترضه الله جلّ ذكره (٥) ، ولا أمر به رسوله (ص) من التّعمّق فى العبادة. ثم قيل (٦) إنّه كان أحد الخوارج الذين قال فيهم النّبيّ (ص) : «يقرءون (٧) القرآن لا يجاوز تراقيهم». وقال : «يمرقون من الدّين (٨) كما يمرق السّهم من الرّميّة» ؛ والمروق ، هو أن يصيب السّهم الرّميّة ، ثم ينفذ إلى الجانب الاخر ؛ فهذا ، هو خروج عن المقدار. وكذلك التّعمّق ، هو الغلوّ والخروج عن المقدار (٩). وكل خارج عن المقدار والحدّ ، فهو غال (١٠) ومتعمق ومارق.

(٢) وروى عن أمير المؤمنين (ع) ، أنّه قال : «الغلوّ على أربع شعب : على التّعمّق ، والتّنازع ، والدّفع والشّقاق. فمن تعمّق ،

__________________

(١) ـ بصحة : بتصحيح AB ، تصحيح C (٢) ـ (ص): ـ A ـ A ، صلى الله عليه وعلى آله BC (٣) ـ فقام : فقال A (٤) ـ إليه : ـ A (٥) ـ جل ذكره : ـ A (٦) قيل : ـ B (٧) ـ يقرءون : يقيرون A ، يقرءون B ، يقرون C (٨) ـ الدين : الذين A (٩) ـ والخروج ... عن المقدار : ـ A (١٠) ـ غال : غالى AC ـ (١١) وسنكتفى من الآن فصاعدا باستعمال (ص) رمزا للصلوات على النبي وآله و (ع) رمزا لعليه‌السلام نظرا لعدم اتفاق النسخ على نسق واحد وتلافيا للتكرار والاضطراب.

٤٤

لم ينب (١) الى الحقّ ، ولم تنحسر عنه فتنة إلّا غشيته أخرى ، وانخرق دينه فهوى فى أمر مريج». والغلوّ والتّعمّق فى الدّين على وجوه كثيرة ، أحدها ما قد ذكرناه من فعل الخوارج الذين شدّدوا فى أشياء لم يلزموها ، وخفّف الله (٢) عن الامّة فيها ؛ فتعمقوا وتركوا القصد وغلوا ومرقوا ؛ وإنّما تعرف (٣) هذه المعانى من لغة العرب.

(٣) وقد قال السيد بن محمد الحميرىّ فى تحقيق ما قلنا يخاطب الشّيعة : «أنتم قليل (٤) من كثير ، فاقصدوا وذروا التّعمق واحذروا ان تمرقوا. إنّ الّذين بنهروان ، إنّما مرقوا من الاسلام حين تعمّقوا ، نزعوا غداتئذ بحكم (٥) واقع عند الحكومة ، جاحدين ؛ فأغرقوا». فجمع معنى التّعمّق والمروق والأغراق ، وهى كلّها بمعنى الغلوّ وترك (٦) القصد. ألا تراه يقول فاقصدوا وذروا التّعمّق؟

(٤) وقوله فى هذا الحديث : «فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق» ، فانّه هذا المعنى بعينه ؛ يعنى بذلك النّصارى (٧) الذين ذكرهم الله تعالى (٨) حيث يقول : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَ رِعايَتِها) (٩) ؛ يعنى ما ابتدعته النّصارى من الرّهبانيّة ، والتعمق فى الدّين ، والتّعسير على أنفسهم ، والغلوّ فيما لم يأمرهم الله (١٠) به ولا كتبه عليهم ، أى : لم يفترضه عليهم ؛ إنّما أمروا بالعبادة بمقدار (١١) ما يبتغون به رضوان الله ، وأمروا أن يقتصدوا رأفة ورحمة ؛ فابتدعوا وتكلّفوا ما

__________________

(١) ـ ينب : ينسب B (٢) ـ الله : ـ A (٣) ـ تعرف : يعرف ABC (٤) ـ قليل : قليلاA (٥) ـ بحكم : لحكم C (٦) ـ وترك : او ترك C (٧) ـ النصارى : الانصارC (٨) تعالى : ـ BC (٩) ـ رعوها حق : +C ـ (١٠) ـ الله : ـ B (١١) ـ بمقدار : بقدرB

٤٥

لم يؤمروا به ، ولم يرعوا فرائض الله حقّ رعايتها ؛ فهلكوا بذلك. فهذا هو التّعمّق فى الدّين الّذي نهينا عنه ، وأمرنا باجتنابه واستعمال القصد وترك الابتداع (١) فى التّعمّق ، لئلّا نهلك كما هلك من كان قبلنا. ولم نعن بالتّعمّق ، النّظر ؛ ولا نهينا عن النّظر. وأخطأ الملحد فى تأويل هذا الحديث ، لقلّة معرفته بلغة العرب ؛ فجهل معنى الخبر ، وعاب بما لو مدح به ، لكان (٢) أولى ؛ لانّ من أمر بالقصد ونهى عن التّعمّق ، فقد احتاط ، وخفّف ، ويسرّ ؛ وهو بالمدح أحقّ منه بالذّمّ.

(٥) ولعلّ معارضا يقول : إنّا احتججنا على الملحد بالقرآن وبالحديث وبالشّعر ، ولم نقل ذلك احتجاجا عليه فى أصله. ولكنّا أردنا أن نبيّن معنى ما جهله من تأويل الاخبار ؛ وكذلك السبيل فيما نورد بعد هذا من الاحتجاج بالقرآن والاخبار والشّعر إن شاء (٣) الله تعالى (٤).

__________________

(١) ـ الابتداع : الابتلاع B (٢) ـ لكان : كان ABC (٣) ـ ان شاء : إنشاءB (٤) تعالى : تع A ، عزوجل BC ـ

٤٦

الفصل الرابع

البحث فى التناقض

(١) وأمّا الاخبار التى ادّعى فيها التناقض وما ذكر فى باب التّشبيه وغير ذلك ، فانّ هذه الاخبار ، منها ما هى مصنوعة (١) ، ومنها ما هى صحيحة. فأمّا المصنوعة ، فمنها : ما ابتدعها (٢) الكذّابون من أهل الشّريعة ، أرادوا أن يعقدوا بها (٣) الرئاسات ، ويوردوا (٤) أخبار غريبة يستميلون (٥) بها قلوب العامّة ؛ فانّ المبتدعين فى كلّ شريعة هكذا كان سبيلهم. ومنها : ما وضعها (٦) الملحدون ودسّوها (٧) ، يريدون أن يشنّعوا (٨) بها. فقد روى عن قوم منهم أنّهم فعلوا ذلك ، مثل : ابن المقفّع (٩) وابن أبى العوجاء وأشباههما. فامّا ابن المقفّع ، فانّه كان مشتهرا بالزندقة ، يستتر (١٠) بالاسلام ، ويميل (١١) الى المجوسيّة والمنّانية (١٢) ، ويعتقد القول بالاثنين. وروى أنّه مرّ على بيت النّار ، فتمثّل بقول القائل :

__________________

(١) ـ مصنوعة : موضوعةC (٢) ابتدعها : ابتدعه ABC (٣) ـ بها : ـ B (٤) يوردوا : يوردون ABC (٥) يستميلون : يستحيلون A (٦) ـ وضعها : وضعه B (٧) دسوها : درسوهاABC (٨) يشنعوا : يشنعون BC ـ (٩) ـ ابن المقفع : ابن المقنع A (١٠) ـ يستر : ينسترC (١١) يميل : يحيل A (١٢) ـ المنانية : ، المانويةA ، المانيةB

٤٧

شعر

يا بيت (١) عاتكة التى أتعزّل

حذرا لعدى وبه الفؤاد (٢) موكّل

انّى لأمنحك الصّدود وأنّني

قسما أليك مع الصّدود لأميل

وأمّا ابن أبى العوجاء ، فانّه كان معروفا بالالحاد. فهذان (٣) قد عرفا واشتهر أمرهما ؛ وأنّهما كانا (٤) يصنعان هذه (٥) الاخبار ويدسّانها (٦) ، نحو قوله : إنّ الله أجرى خيلا (٧) ، فعرقت ، فخلق نفسه من ذلك العرق. ونحو حديث : زغب (٨) الصّدر ، ونور الذّراعين (٩) ، وعبادة (١١) الملائكة (١٠) ، وقفص الذّهب على جمل أورق (١٢) ، وأشباه هذه الاخبار التى هى من هذا الجنس.

(٢) وأمّا الاخبار التى وضعها الكذّابون من المحدّثين الذين ابتدعوها واستمالوا بها قلوب العامّة ، فانّ الثّقات (١٣) من رواة الحديث قد نبّهوا (١٤) على (١٥) كثير منها ، وذكروا رواتها الذين صنعوها وجرّحوهم (١٦) ، ونهوا عن الرّواية عنهم ، ووقفوا على كذبهم. كما روى عن شعبة أنّه قال : لان أزنى كذا وكذا (١٧) زنية ، أحبّ إلى من أن أروى عن أبان بن عيّاش. وروى عن ابن المبارك أنّه قال : حديث أبىّ بن كعب أنّه قال : من قرأ سورة كذا فله كذا (١٨) ، ومن قرأ سورة كذا فله كذا ، هو من

__________________

(١) ـ بيت : دارA (٢) ـ الفواد : الفزادC (٣) ـ فهذان : فهذاA (٤) ـ كانا : كان C (٥) هذه : ـ B (٦) يدسانها : يدرسانهاAB (٧) ـ خيلا : ـ B ، حبلاA (٨) ـ زغب : رغب ABC (٩) الذراعين : الذياعين C (١٠) الملائكة : ـ A ـ A ، الملئكة (١١) C عيادة : عبادةABC (١٢) ـ اورق : اوراق B (١٣) ـ الثقاوت : الثفاوت C (١٤) نبهوا : نهبواC (١٥) على : عن C (١٦) ـ جرحوهم : خرجوهم B (١٧) ـ وكذا : كذاB (١٨) ـ ومن ... فله كذا : ـ A

٤٨

وضع الزّنادقة ، فلا ترووه. ويروى عن المغيرة صاحب ابراهيم أنّه قال : حديث سالم بن (١) أبى الجعد وحديث فلّاس لا ترووه ؛ وكان لا يعبأ بما يروى عنهما. وروى عن غير واحد أنّ (٢) حديث ابن عبّاس (٣) ، أنّه كان يبصق فى الدّواة ويكتب منها ، وضعه عاصم الكوزىّ. وكذلك الحديث : شرب الماء على الرّيق يعقد الشّحم (٤) ، وضعه عاصم الكوزىّ. وقالوا (٥) : حديث النّبيّ (ص) ، انّه لم يحدّ (٦) المريض ، وضعه سهل السرّاج. وحديثه (ع) الّذي (٧) روى عن عمرو بن حريث ، أنّه قال : رايت رسول الله (ص) يوم العيد يسار (٨) بين يديه بالحراب (٩) ، وضعه المنذر بن زياد. وحديثه (ع) ، أنّه نهى عن عشر كنى ، وضعه أبو عاصم قاضى مرو. وحديثه (ع) (١٠) ، لا يزال راجل (١١) راكبا ما دام منتعلا ، وضعه أيّوب بن خوط (١٢).

فهكذا كان سبيل هؤلاء الكذّابين والزّنادقة والملحدين ، الذين وضعوا هذه الاخبار. وليس ما يبتدعه (١٣) الكذّابون ويدلّسه (١٤) الملحدون ، بحجّة للملحدين على الأنبياء الطّاهرين وعلى أهل الصّدق من الامّة ؛ إذ كانت الشّريعة قد اشتملت على أصناف النّاس.

(٣) وأمّا الاخبار الصّحيحة : فمنها ما يشكل معناها ، ومنها ما يقع فيها (١٥) النّسخ. وأما ما يشكل معناها فكثيرة ؛ ومن لا يعرف معانيها يقدّر فيها التّناقض. ومنها ما تقع فيها (١٦) الزّيادة والنّقصان ، ويوهم

__________________

(١) ـ بن : ابن A (٢) ـ ان : ـ A (٣) ابن عباس : ابن عياش A (٤) ـ الشحم : الشهم B (٥) ـ قالوا : قال B (٦) يحد : يحل A (٧) ـ الّذي : ـ A (٨) ـ يسار : يسادA (٩) ـ بالحراب : بالجراب B (١٠) ـ انه نهى ... (ع): ـ A (١١) ـ راجل : رجل A ، رجلاC (١٢) ـ خوط : خوظB (١٣) ـ يبتدعه : يدعيه C (١٤) ـ يدلسه : ـ B (١٥) ـ فيها : ـ C (١٦) ـ وفيها : ـ C

٤٩

فيها المحدّث ويغلط ؛ مثل الحديث الّذي احتجّ به الملحد وعابه وطعن على النّبيّ (ص) ، قوله : «رايت ربّي (١) فى أحسن صورة ووضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثندوتىّ (٢)». فانّه (ص) إنّما أراد أنّه (٣) رآه فى المنام ، لم يرد أنّه رآه فى اليقظة. وكيف يجوز أن يقول إنّه رأى ربّه ، والله عزوجل يقول : (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟ فأراد (ص) أنّه (٥) رآه فى المنام. ومثل هذا الحديث رواه عبيد الله بن وهب عن عمرو بن الحرث (٦) عن سعد بن أبى مالك عن مروان (٧) بن عثمان عن عمارة بن عامر عن أمّ الطّفيل امرأة أبى بن كعب ، قال : سمعت النّبيّ (ص) يذكر أنّه رأى ربّه فى المنام فى صورة شاب موفّر على فراش من ذهب فى رجليه نعلان من ذهب. وليس هذا بمنكر أن يقول (ص) : رأيت ربّي فى المنام ؛ فانّ كثيرا (٨) من الناس يرون مثل هذه (٩) المنامات : يرون ربّهم ويرون الملائكة ويرون الأنبياء ويرون القيامة ويرون الامور العظيمة ؛ وهذا واسع كثير غير مدفوع ، وليس يقع فيه نكير من أحد من العالمين.

(٤) وقرأت فى كتاب إشعياء النّبيّ (١٠) : أنّ إشعياء راى (١١) رؤيا من بعد ارتفاع النّبوّة عنه بثلاث سنين ، فى السنة التى (توفى) فيها عزّيّا (١٢) الملك (١٣) وقال (١٤) : رايت الرّبّ جالسا على منبر عظيم ، ورأيت نورا خرج من اسفل منبره ملا (١٥) هيكله ، ورايت السّرافين (١٦) قائما امامه ، له ستّة أجنحة ،

__________________

(١) ـ ربى : ابى A (٢) ـ ثندوتى : ثنذوتى A ، ثندونى B (٣) انه : ان AB (٤) ـ وهو اللطيف الخبير : ـ AB (٥) فاراد (ص) انه : فاراد انه (ص) (٦) ـ الحرث : الحراث A المحرث B (٧) مروان : مرون C (٨) ـ كثيرا كثير : C (٩) هذه : فى C (١٠) ـ النبي : ـ A (١١) رأى : رياى C (١٢) ـ عزيا : عورياABC (١٣) الملك : للملك ABC (١٤) وقال : قال B (١٥) ـ ملاء : فملاءB (١٦) السرافين : السراقيل A ، : السرافيل C

٥٠

يستر وجهه بجناحين وبجناحين يستر رجليه ويطير بجناحين (١) ، ويضيف (٢) بعضها إلى بعض ويقول : «قدّوس قدّوس ، ربّ الملائكة والروح ، قدّوس الرب القوىّ الّذي الارض كلّها (٣) ممتلئة من تسبيحه وتزلزلت معاقم الابواب من الصّوت الّذي هتف ، وامتلأ (٤) البيت دخانا ، ورأت عيناى الملك الرّبّ القوىّ». ثم ذكر أشياء كثيرة رآها (٥) ثم فسّرها. وقرأت فى كتاب دانيال : رأى دانيال (٦) رؤيا وحلم حلما ورأسه (٧) على مضجعه ، فكتب حينئذ رؤياه وقصّ مبتدأ (٨) كلامه وبدأ بالقول ، فقال : رأيت فيما يرى النائم باللّيل كذا ، ورأيت كذا ، وذكر أشياء كثيرة ثم (٩) عبّرها وفسّرها ؛ وتطول الخطب بذكرها. وقال فى آخرها : ومن بعد هذه الأمور ، رأيت كراسيّ (١٠) قد وضعت ، وعتيق الأيّام (١١) قد جلس ولسانه أبيض كبياض الثّلج ، وشعر رأسه كالقطن الابيض النّقيّ ، وكرسيّه كلهب (١٢) النّار ، ودعائم كرسيّه وبكراته (١٣) من نار تتّقد ؛ ورأيت نهرا من نار يجرى (١٤) بين يديه ، وبين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه ، وكتّاب لا تحصى (١٥) ؛ ورأيت الدّيّان (١٦) قد جلس ، ونشرت الأسفار ؛ ورأيت على سحاب (١٧) السّماء كهيئة انسان ، فانتهى (١٨) الى عتيق الأيّام وقدّموه (١٩) بين يديه. فخوّله الملك والسّلطان والكرامة ؛ وأن تتعبّد (٢٠) له جميع الشّعوب والأمم واللّغات ؛ وسلطانه دائم إلى (٢١) الأبد ، وملكه الى الابد لا يتغيّر. وضاقت نفسى أنا دانيال على

__________________

(١) ـ وبجناحين ... بجناحين : ـ A (٢) يضيف : كلمة لا تقرأ فى النسخ الثلاثة ، يهين A ، يعيف B ، يهيف C (٣) ـ كلها : ـ A (٤) ـ امتلا : امتلاءA (٥) ـ رآها : ـ A (٦) ـ راى دانيال : ـ B (٧) ورأسه : فداسه C (٨) ـ مبتداء : مبتدأBC ـ (٩) ـ ثم : ـ A (١٠) ـ كراسى : كرسياB ، كرسى C (١١) عتيق الايام : عبق الانام A (١٢) ـ كلهب : كلبهب A (١٣) بكراته : بكراتهاABC ـ بكراتها : بركراتهاC (١٤) ـ يجرى : تجرى (١٥) ـ تحصى : يحصرA ، يحصى BC ـ (١٦) الديان : الذياب A (١٧) ـ سحاب : الشهاب AC ـ (١٨) ـ فانتهى : وانتهى B (١٩) وقدموه : فقدموه B (٢٠) ـ تتعبد : يتعبدABC (٢١) ـ الى : ـ C

٥١

مضجعى ، وغمّتنى الرّؤيا التى رأيت ، فدنوت من خادم من الخدّام ، وسألته عن تحقيق هذه كلّها ، وقال لى يقينا ، وأخبرنى (١) بتعبير رؤياى (٢). ثم فسّر دانيال تعبيرها ، وقال فى آخرها : أربعة املاك تقوم فى الأرض ويرثون الملك ؛ والمملكة الرّابعة ، هى التى (٣) تتفاضل على المملكات ، ويملك (٤) الارض كلها ، ويدوسها ، ويدقّها ، وينال الملك والسلطان العظيم ، والعظمة (٥) التى تحت السماء والشّعب الظّاهر (٦) ؛ ملكه دائم الى الأبد ، له يتعبّد كلّ سلطان ويطيع. الى هاهنا (٧) انقضى (٨) الكلام. فأمّا أنا دانيال ، فغمّتنى فكرتى (٩) جدّا وتغير لون بهائى (١٠) ، ولكنّى (١١) حفظت الكلام فى قلبى.

فهكذا ، هو من الحديث الّذي ذكره (١٢) الملحد ، وقال : إنّ فى التّوراة أنّ قديم الأيّام فى صورة (١٣) شيخ ابيض الرّأس واللحية. فعاب الملحد هذا وأشباهه ممّا رآه (١٤) الأنبياء فى مناماتهم (١٥). وهذه الرّؤيا (١٦) ، أراد الله عزوجل (١٧) ، أن يوحى بها الى دانيال ، ليخبر بما يكون (١٨) فى العالم (١٩) ؛ فأخبر بذلك وصحّ ما ذكره. وذكر (٢٠) فى هذه الرؤيا أخبار ملوك كانوا بعده ، وما يحدث من أمورهم (٢١) وممالكهم ؛ (و) يطول شرحها. ثمّ أخبر بعد أخبارهم وقصصهم ، بهذه القصّة التى أمرها أوضح من فلق الصّبح ؛ لانّه قال : أربعة أملاك تقوم (٢٢) فى الأرض ويرثون (٢٣) الملك. فالأملاك (٢٤) الاربعة (٢٥) هى أملاك أهل الاديان

__________________

(١) ـ واخبرنى : اخبرنى B (٢) رؤياى : رؤيائى A (٣) هى التى : التى هى C (٤) ـ يملك : نملل A (٥) ـ العظمة : العظيمةA (٦) ـ الظاهر : الطاهرA (٧) هاهنا ، هاهناA ، هاهناB (٨) انقضى : انقضاءB ، انقضاC (٩) فكرتى : فكرى C (١٠) ـ بهائى : بهاA ، بهاى C (١١) لكنى : لكن B (١٢) ـ ذكره : ذكره B (١٣) ـ صورة : سورةB (١٤) ـ رآه : رواه AC ، رواه B ، (١٥) مناماتهم : مقاماتهم : B (١٦) الرؤيا : ـ A ـ A ، الروياءC (١٧) عزوجل : ـ A (١٨) ـ يكون : كان A (١٩) فى العالم : ـ C (٢٠) ـ ذكر : ذكرناA (٢١) ـ امورهم : ادوارهم A (٢٢) ـ تقوم : تقدم C (٢٣) ويرثون : يرثون B (٢٤) فالاملاك : فاملاك B ، فلاملاك C (٢٥) الاربعة : الارض B

٥٢

الاربعة ، اليهوديّة والنّصرانيّة والمجوسيّة والاسلام. والمملكة الرّابعة التى ذكر أنّها تتفاضل على المملكات ، هى مملكة الاسلام (١) ، وهى التى ورثت الملك فى هذا العالم. فأمّا الممالك كلّها فى العالم ، فهى (٢) تحت هذه الممالك الاربع ، ومنها انشعبت كلّها. ومملكة الاسلام التى هى الرّابعة (٣) ، قد علت عليها ؛ كما قال : «إنّ الرّابعة تتفاضل على المملكات (٤) ، وتملك الارض كلّها ، وتدوسها ، وتدقّها ؛ وينال الملك ، والسلطان العظيم ، والعظمة (٥) التى تحت السّماء ، والشّعب الظّاهر ؛ ملكه دائم إلى الأبد ؛ وله يتعبّد كلّ سلطان ويطيع». فهذه المملكة الرابعة ، هى مملكة الاسلام ؛ وقد داست الأرض ، ودقّتها ، وقهرت كلّ شريعة. وكسرت الأصنام ، وتعبّد لها كلّ سلطان ؛ وهى دائمة الى القيامة.

والّذي رآه على سحاب السّماء كهيئة انسان وقدّم إلى (٦) عتيق (٧) الأيّام ، وخوّله الملك والسلطان والكرامة ، وأن يتعبّد (٨) له جميع الشّعوب والأمم واللّغات ، وسلطانه دائم (٩) الى (١٠) الأبد ، وملكه لا يتغيّر ، هو محمّد صلّى الله عليه وعلى آله (١١) ؛ لانّ شريعته قد قهرت جميع الشّرائع ، وسلطانه دائم الى الابد.

فهذا هو كتاب دانيال ، وهو فى يدى أهل الكتاب ، يقرءونه (١٢) ويدرسونه ، ولا ينكرونه ؛ ولكن ، قد عميت قلوبهم عن هذا (١٣) الامر الواضح ؛ وهذا أقوى الدّلالات على نبوّة محمّد (ص) ، وعلى سائر (١٤) النّبوّات ، وهذا ما عاب

__________________

(١) ـ والمملكة الرابعة ... الاسلام : ـ A (٢) ـ فهى : هى ABC (٣) ـ الرابعة : رابعهاB (٤) ـ المملكات : المملكةA (٥) ـ العظمة : العظيمةA (٦) ـ الى : + يوم B (٧) ـ عتيق : عتق A (٨) ـ يتعبد : يستعبدA (٩) ـ دائم : دائماC (١٠) الى : ـ A (١١) ـ صلى الله ... آله : ـ A ـ A ، صلع C (١٢) ـ يقرءونه : يقرءونه AB ، يقرونه C (١٣) ـ هذا : هذه C (١٤) ـ سائر : سائرات B

٥٣

به الملحد. وانّما كانت رؤيا أراها الله دانيال فى نومه ، وصحّت كما ترى ؛ ولكنّ الملحد قصد (١) الى موضع التشنيع ، وذكر الفاظا شنّع بها ، ولم يعرف القصّة بعينها ؛ وإن كان قد سمعها بكمالها ، فقد حبل (٢) تأويلها ، وكتم ذلك عنادا منه وكفرا. وهذا (٣) حجّة عليه فى اثبات النّبوة أكيدة ، لا يدفعها إلا مباهت ولا ينكرها الا معاند. وحديث النبي (ص) الّذي طعن عليه الملحد ، هو رؤيا ، كما قد (٤) ذكرنا ؛ وهو (٥) (٦) مشاكل (٧) لرؤيا دانيال ولرؤيا إشعياء ، فى رؤية الله عزوجل (٨). وليس ذلك (٩) بمنكر ، ولا فيه مطعن ولا حجّة للملحد.

__________________

(١) ـ قصد : ـ A (٢) ـ حبل : حل AC ، حيل B (٣) ـ هذا : هذه BC ـ (٤) ـ قد : ـ AB (٥) هو : فهوABC (٦) هو : ـ B (٧) مشاكل : شاكل A (٨) ـ عزوجل : ـ A ـ A ، ع ج C (٩) ذلك : بذلك C

٥٤

الفصل الخامس

انّ أهل الشرائع اذا طولبوا بالدّليل شتموا!

(١) وأمّا قوله : إنّ أهل الشرائع إذا طولبوا بالدّليل على دعاويهم ، شتموا وغضبوا وهدروا (٣) دم (٤) من يطالبهم ؛ فمن أجل (٥) ذلك ، اندفن الحقّ أشدّ اندفان وانكتم أشدّ انكتام (٦).

فإنّا نقول : لا تخلو (٧) كلّ أمّة (٨) من أخلاط النّاس ، ولا يكملون (٩) قاطبة فى العقل والفهم والمعرفة والحلم. وليس يجوز أن تطالب (١٠) الأمّة كلّها أنّ يكونوا تامّين فى هذه الخصال ، مع كثرة عددهم الّذي لا يحصيه الا الله عزوجل (١١) ؛ لانّ العالم قد امتلأ من أهل الشّرائع ، وهم مجبولون على طبائع (١٢) مختلفة وأخلاق شتّى. ففيهم (١٣) الكامل والنّاقص ، والعالم والجاهل ، والسّفيه والحليم ، والعاقل والاحمق ؛

__________________

(١) ـ ان : ـ C (٢) طولبوا : طلبواC (٣) ـ هدروا : هددواAC ـ (٤) دم : ـ AC ـ (٥) اجل : ـ B (٦) ـ انكتام : انكتمام B (٧) ـ تخلو : يخلوABC (٨) كل امة : كلامه AB (٩) يكملون : يتكلمون A ، يكلمون C (١٠) ـ تطالب : يطالب C (١١) ـ عزوجل : ـ A (١٢) ـ طبائع : طباع A (١٣) ـ ففيهم : فمنهم A

٥٥

بل ، أهل العقل والعلم والحلم والمعرفة ، هم الأقلّون عددا فى كلّ شريعة ؛ واشتملت الشّرائع على هذه الطّبقات من النّاس ، على تفاوت آرائها ومذاهبها ؛ وليس فى رسم الشّرائع ، أن لا يقبل إلّا الكامل العاقل الدّيّن (١) اللّبيب ، وأن يطرد عنها من نقص عن هذه المراتب ؛ ولا توجب الدّيانة (٢) ذلك ، بل يقبلون على مراتبهم ويعلّمون (٣) ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ، ويؤمرون (٤) وينهون ويراضون ؛ ثمّ حسابهم على الله عزوجل (٥) ، يجازى كلا (٦) بعمله ، وعلى مقدار قبوله الأمر والنّهى ، وسعيه لأمر معاده ؛ اذ كان الله عزوجل (٧) ، يستعبد الأنام على مقدار عقولهم ووسعهم وطاقتهم ؛ ثمّ هو أعلم بما يستوجبون من الثّواب والعقاب وإنّه عليم بذات الصّدور ؛ كما أمر به رسوله محمّدا (ص) ، وسنّه له فى القرآن ، فقال تبارك اسمه (٨) : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) وقال : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٩).

(٢) هكذا جرت السنّة فيمن تقدّم من الأنبياء ، كما قال الله عزوجل (١٠) فى قصّة نوح (ع) لمّا عيّره قومه باتّباعه ، وقالوا له. «أنؤمن لك واتّبعك الارذلون» قال لهم «وما علمى بما كانوا يعملون ان حسابهم الّا على ربّي لو تشعرون وما (١١) أنا بطارد المؤمنين» فقد دلّ (١٢) أنّهم لم يطردوا أتباعهم ، وان قلّت معرفتهم ، وضعفت عقولهم ؛ بل ، علّموهم وبلّغوا رسالات الله ،

__________________

(١) ـ الدين : الذين A (٢) ـ الديانة : ـ C (٣) ـ يعلمون : يعملون C (٤) ـ يؤمرون : يؤمرن B (٥) عزوجل : ـ A (٦) كلا : كل C (٧) ـ عزوجل : ـ A (٨) ـ اسمه : + له A (٩) ـ عليك : يمدك ـ A (١٠) ـ عزوجل : ـ A (١١) ـ ما : ـ B (١٢) دل : دلك C

٥٦

ووكلوا أمرهم (١) إلى الله. فاشتملت الشّرائع على طبقات النّاس. وليس (٢) فعل السّفهاء الذين يسيئون آدابهم ، بحجّة للملحد (٣) على العلماء وذوى الالباب. فانّ أهل العلم و (٤) المعرفة لا يدفعون النّظر ، ولا يكيعون عن الحجج والبراهين ؛ ولكنّ الملحد أراد أن يستظهر بهذه الدّعاوى ، ويحتجّ بما لا حجّة له فى إبطال النّبوّة. ولو وجد الملحد على اعتقاده وأصل مقالته أتباعا (٥) يكون لهم أدنى (٦) عدد (٧) ، لكانوا لا يخلون من (٨) هذه الأخلاق التى قد جبل عليها عوامّ النّاس ؛ لأنّ الجميع إذا كثر ، لم يخل من هذه الطّبقات ؛ ولكنّ الملحد لم يجد من تابعه على مقالته وأصل اعتقاده ، إلّا من ينقص عددهم عن عدد أصابعه. ومع ذلك ، فقد ماتت مقالته قبل موته ؛ إذ (٩) كان الباطل لا قوام له (١٠) ، ولا ثبات ؛ كما قال الله تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).

__________________

(١) ـ امرهم : ـ B (٢) ليس : + هذاA (٣) ـ للملحد : الملحدA (٤) ـ العلم و : ـ A (٥) ـ اتباعا : اتناعاA (٦) ـ ادنى : ادناC (٧) عدد : عدداC (٨) من هنا ساقط من C بمقدار صفحه تبداء من : ولكن الملحد ... (٩) ـ اذ : اذاB (١٠) له : ـ B (١١) ـ تعالى و : ـ A (١٢) خبيثة اجتثت خبيثة ن اجتثت B

٥٧

الفصل السادس

قوله : اغترّوا بطول لحى التّيوس ...

(١) وأمّا قوله : اغترّوا بطول لحى التّيوس ، الذين يمزّقون حلوقهم بالزّور والبهتان وروايات الأخبار المتناقضة التى ذكرها ، وأنّهم اغترّوا بكثرة الحمقاء المجتمعين (٢) حولهم من ضعفاء الرّجال والنّساء والصّبيان ، وطول المدّة حتّى صار طبعا وعادة ، وأنّهم يفعلون ذلك ليبلغوا مبلغ رؤسائهم التّيوس ، فليس فى هذا الكلام فائدة ولا حجّة ؛ بل ، هو جنس من الحمق والسّفاهة. ولو شئنا لقابلناه بمثله ، وطوّلنا القول بصفته وصفة أمثاله من الملحدين ، الذين هم [على] مثل أخلاق القردة والخنازير ؛ ولكنّا نكره أن نجرى مجراه فى باب السّفاهة والحمق ، فنكون قد نهينا عن شيء وآتيناه ؛ كما قال الله تعالى (٣) : (أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ).

__________________

(١) ـ لا يزال الكلام تحت عنوان الفصل السابق فى نسخةA (٢) ـ المجتمعين : لمجتمعين B (٣) ـ تعالى : ـ A (٤) ـ انفسكم : ... رسوم : ـ A

٥٨

(٢) ولكنّا نقول : لو لا هذه القوّة التى هى فى الشّرائع وفى رسوم الأنبياء وكلامهم ، التى صدّرت أصحاب هذه اللّحى فى هذه المجالس ، لكان عيش الكلاب أهنى من عيش الملحدين. ولكنّ تلك (١) القوّة هى (٢) التى أقرّت رءوسهم (٣) على كواهلها ، وحقنت دمائهم فى أهبها. فان قال قائل : إنّ قولنا له «الملحد» هو من باب السّفاهة ، قلنا : ليس كذلك ؛ لأنّ الإنسان يكون ملحدا ولا يكون تيسا (٤). فاذا سمّى أحدهم الاخر تيسا ، فقد سبّه. وإذا سمّاه ملحدا ، وكان ملحدا ، فلم يسبّه ؛ ولكن نسبه إلى مقالته ؛ كما يقال مسلم ويهودىّ ونصرانىّ ومجوسىّ وديصانىّ (٥) ومنّانىّ (٦) وغير ذلك. فكلّ إنسان يدعى بما يعتقده ؛ وعلى هذه الجهة (٧) ، قلنا «ملحد». وإن قال : إنّا ذكرنا القردة والخنازير ، قلنا : ليس هذا المقدار يستوجب من الجواب هذا المقدار ...؟ ... حين أسبّ أعلام الشريعة ومشايخها ابتداء؟! ولا عيب علينا إذا كان الجواب هذا المقدار ، إلّا أن نعاتب (٨) على التّقصير والمحاباة (٩) ؛ قصدا (١٠) منّا للاقتصار (١١) ، وتركا للتّطويل واجتنابا للسّفاهة ؛ ونستغفر الله من ذلك.

__________________

(١) ـ تلك : ـ A (٢) هى : ـ A (٣) ـ رءوسهم : رءوسهم B (٤) ـ حتى «لا يكون تيسا» تنتهى الصفحة الساقطة من C (٥) ـ ديصانى : نصابى C (٦) منانى : مانى AB (٧) ـ الجهة : الحجةA (٨) ـ نعاتب : يعاتب C (٩) ـ المحاباة : المحابات B (١٠) قصدا : وقصدا : A (١١) للاقتصار : للاقتصادA

٥٩

الفصل السابع

قوله : اندفن الحقّ أشدّ اندفان ...!

(١) وأمّا (١) قوله : اندفن الحقّ أشدّ اندفان وانكتم أشدّ انكتام ، فإن كان (٢) هذا الحقّ الّذي اندفن وانكتم ، هو النّظر فى أصول هؤلاء الضّلّال الذين تشبّهوا بالفلاسفة المحقّين ، حتّى قبّحوا أمرهم عند (٣) العامّة (٤) بوساوسهم وأباطيلهم التى تدعو (٥) إلى الإلحاد ، فانّ تلك (٦) ، ظاهرة مكشوفة مبذولة لكلّ حاذق وقاذف ؛ وهى غير مندفنة ولا مكتومة (٧) ؛ واختلافاتهم وقوانينهم (٨) المتناقضة غير معدومة ؛ ولكن ، ليس فيها برهان (٩) واضح تقبله (١٠) العقول ، ولا قوّة كامنة فتجتذب القلوب. والرّاغبون فيها ، على مقدار قوّة ذلك الكلام ؛ وليس هو كقوّة كلام الأنبياء (ع) والكتب المنزّلة التى قد جذبت قلوب الخلائق من الخاصّ والعامّ ، والعالم والجاهل ؛ وكثير ممّن قبل كلام الأنبياء

__________________

(١) ـ واما : فاماB (٢) كان : ـ A (٣) ـ عند : عنك C (٤) العامة : العام B (٥) ـ تدعو : يدعون C (٦) تلك : اشارة الى الاصول (٧) ـ مكتومة : مكنونةC (٨) قوانينهم : قوانيهم B (٩) ـ برهان : ـ A (١٠) تقبله : يقبله B

٦٠