أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

فى إحداث العالم ، أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل (١) فى هذا العالم ، وحرّكتها الشّهوة لذلك ، ولم تعلم ما يلحقها من الوبال اذا تجبّلت (٢) فيه واضطربت فى إحداث العالم ، وحركت الهيولى حركات مضطربة مشوّشة (٣) على غير نظام وعجزت عما أرادت. فرحمها البارى جلّ وتعالى (٤) ، وأعانها على إحداث هذا العالم ، وحملها على النّظام والاعتدال رحمة منه لها ، وعلما أنّها إذا ذاقت وبال ما اكتسبته ، عادت الى عالمها وسكن اضطرابها وزالت (٥) شهوتها (٦) واستراحت. فأحدثت هذا العالم بمعاونة (٧) البارى (٨) لها. لو لا ذلك لما قدرت على إحداثه (٩) ، ولو لا هذه العلّة لما احدث العالم. وليست لنا حجّة على الدّهرية (١٠) أو كد من هذه. وان لم يكن هكذا ، فلا حجّة لنا عليهم بتّة (١١) بتّة ؛ لأنّا لا نجد لاحداث العالم علّة ثبتت (١٢) بحجّة ولا برهان.

قلت : أمّا الحجج على الدهريّة فى إحداث العالم فكثيرة (١٣) ، ولكنّها خفيت عليك ؛ لأنّ هواك فيما تدّعيه قد غلب. وإن لم يكن على الدّهريّة حجّة فى إحداث العالم إلّا ما ذكرت ، فقد ضعف من قال بحدث العالم ـ ونعوذ بالله من ذلك ـ لانّ الّذي تدّعيه ، ينكسر عليك من وجوه كثيرة.

قال : ومن أين ينكسر عليّ؟

(٢) قلت : أخبرنى! ألست تزعم أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل فى

__________________

(١) ـ تتجبل : تستجبل A (٢) ـ تجيلت : تجبلت A (٣) ـ مشوشة : مشوسته B (٤) ـ جل وتعالى : ـ A (٥) ـ وزالت : +B ـ (٦) شهوتها : شهواتهاC (٧) هذا العالم بمعاونة : +C (٨) البارى : البارى جل وتعالى B (٩) ـ احداثه : احدثه B (١٠) ـ الدهرية : الدهرA (١١) ـ بتة : ـ A (١٢) ـ ثبتت : تثبت A (١٣) ـ فكثيرة : كثيرةABC

٢١

هذا العالم ، فاضطربت فى إحداثه على ما حكيت من القول ، فأعانها البارى رحمة منه لها؟

قال : نعم!

قلت : فهل علم البارى أن يلحقها فى ذلك (١) الوبال إن تجبّلت فيه؟

قال : نعم (٢)!

قلت : أليس لو لم يعاونها على إحداث هذا العالم ومنعها من التّجبّل فيه ، كان أولى بالرّحمة لها من أن أعانها وأوقعها فى هذا الوبال العظيم على زعمك؟

قال : لم يقدر على منعها من ذلك.

قلت : قد (٣) ألزمت البارى العجز!

قال : لم ألزمه العجز.

قلت : ألست تزعم أنّه لم يقدر على منعها؟ فقولك : «لم يقدر» أليس هو عجز؟

قال : لم أعن ، أنّه لم يقدر لانّه عجز عن منعها ؛ ولكنّى أضرب لك مثلا تعرف منه صواب ما أوردته : إنّما المثل فى هذا كمثل (٤) رجل له ولد صغير يحبّه ويرحمه ويشفق عليه ويمنع منه الآفات. فتطلع ولده هذا فى بستان ، فرأى ما فيه من الزّهر والغضارة. وفى البستان شوك كثير وهوامّ تلسع ، والصّبىّ لا يعرف ما فيه من الآفات ، إنّما يرى (٥) الزّهر والغضارة ، فتحرّكه الشّهوة وتنازعه نفسه (٦) إلى الدّخول إلى هذا البستان ، ووالده يمنعه لعلمه بما فى البستان من الآفات ، وهو يبكى وينزع إلى ذلك جهلا منه بما يلحقه

__________________

(١) ـ ذلك : ـ C (٢) ـ قلت ... نعم : ـ A (٣) ـ قد : ـ A (٤) ـ كمثل : ـ C (٥) ـ يرى : يرC (٦) ـ نفسه : النفس A

٢٢

من الوبال من جهة الشّوك والهوام. فيرحمه والده وهو يقدر على منعه (١) من الدّخول ؛ ولكن يعلم أنّه لا ينتهى حتّى يدخله ، فتشوكه شوكة أو تلسعه عقرب ؛ فعند ذلك ينتهى ، وتزول شهوته ، وتستريح نفسه ؛ فيخلّيه حتّى يدخله. فاذا دخله (٢) ، لسعته عقرب ، فرجع ثمّ لم تنازعه نفسه بعد ذلك (٣) إلى العود إليه ، واستراح. فهكذا مثال النّفس مع البارى جلّ (٤) وتعالى ، وهذا معنى قولى : «لم يقدر على منعها» ، ولم ألزمه العجز.

قلت : وهذا أيضا (٥) منكسر (٦) من جهات.

قال : كيف؟

قلت : أليس تقول إنّ البارى جلّ وعزّ (٧) تامّ القدرة؟

قال : نعم!

قلت (٨) : فكيف لم يعرّف النّفس (٩) ما ينالها من الوبال إذا تجبّلت فى هذا العالم قبل أن تتجبّل فيه ، وهو قادر تامّ القدرة؟ فانّ ذلك أتمّ فى الحكمة وأبلغ فى الرحمة من أن ألقاها فى هذا الوبال الطّويل هذا الدّهر المديد. فان زعمت أنّه لم يقدر أن يعرّفها إلّا بعد تجبّلها فى هذا العالم ، فقد عجّزته ؛ لأنّ المخلوق أيضا لا يقدر أن يعرّف الصّبىّ إلّا بعد دخوله (١٠) البستان ؛ فاذا قد استوى الخالق والمخلوق فى القدرة ؛ وهذا هو العجز التامّ ، جلّ الله وتعالى عن ذلك. وإن زعمت أنّه قدر ولم يفعل ، فقد أدخلت النّقص فى رحمته وحكمته ، عزّ الله عن ذلك. وينكسر أيضا من جهات أخر : ألست تزعم أنّ النّفس كانت جاهلة (١١) بما يلحقها من الوبال

__________________

(١) ـ منعه : منصرف A (٢) ـ دخله : ـ A (٣) ذلك : ذلك A (٤) ـ جل و : ـ B (٥) ـ أيضا : ـ A (٦) منكسر : ينكسرB (٧) ـ جل وعز : ـ A (٨) ـ قلت : A (٩) النفس : ـ C (١٠) ـ دخوله : دخول AB (١١) ـ جاهلة : جاهليةC

٢٣

إذا تجبّلت فى هذا العالم ، وضربت المثل بالصّبى والبستان؟

قال : نعم!

قلت : فقد وجدنا البستان مع وجود الصّبىّ ، والصّبىّ ينظر إليه وتحرّكه الشّهوة الغريزيّة للدّخول إليه ، فهل كان العالم موجودا مع النّفس حتى تطلّعت فيه وحرّكتها الشهوة للتّجبّل (١) فيه؟ فان زعمت (٢) أنّ العالم كان موجودا مع النّفس (٣) ، فقد رجعت عن القول بحدث العالم ؛ لأنك زعمت أنّه موجود مع النّفس ؛ والنّفس عندك أزليّة قديمة. وان (٤) زعمت أنّ العالم كان معدوما (٥) ، فمن أين عرفت النّفس أنّ عالما يكون بهذه الصّفة حتى اشتهت أن تتجبّل فيه ؛ والنّفس جاهلة بما نالها (٦) من الوبال فى ذلك ؛ فهى بأن تجهل عالما ليس بموجود أولى. وإن زعمت أنّها علمت أنّ عالما (٧) يكون على هذا (٨) المثال قبل أن كان ، فقد قضيت (٩) على النّفس بالعلم. فكيف يجوز أن (١٠) تعلم أنّ عالما يكون بهذه الصّفة ، ولم تعلم ما يلحقها من الوبال لمّا تجبّلت (١١) فيه؟ وإن زعمت أنّ العالم ليس بقديم مع النّفس ، وأنّه أحدث بعد ذلك ، ثم تطلّعت النفس فيه ، فقد نقضت قولك : انّ (١٢) علّة إحداث العالم ، أنّ النّفس اضطربت وحركتها الشّهوة للتّجبّل فى هذا العالم ، فأعانها البارى حتى أحدثته.

(٣) وفى وجه آخر : أخبرنى عن هذه الحركة التى بعثت (١٣) شهوة النّفس على التّجبّل فى هذا العالم : أهى (١٤) غريزيّة ، أم قسريّة؟ فان ادّعيت أنّها غريزيّة ، فقد لزمك أن تقول : إنّ هذه الحركة والشّهوة قديمتان (١٥)

__________________

(١) ـ للتجبل : المتجبل C (٢) زعمت : زعم C (٣) حتى تطلعت ... مع النفس : +C (٤) ـ وان : فان A (٥) ـ معدوما : معلوماA (٦) ـ نالها : لهاC (٧) ـ عالما : عالمهاC (٨) هذا : هذه C (٩) قضيت : نقضت C (١٠) ـ أن : ـ A (١١) ـ تجبلت : تجيلت A (١٢) ـ أن : انه A (١٣) ـ بعثت : بعث C (١٤) ـ أهي : هى AB (١٥) ـ قديمتان : قديمان C

٢٤

مع النّفس. وإذا كان كذلك ، فيجب أن يكون سبعة أشياء قديمة ؛ لأنّ الحركة والشّهوة قديمتان. ويلزمك أيضا ، أن يكون العالم قديما معها ؛ لأنّه إذا كانت (١) علّة تجبّلها فى العالم ، الحركة والشهوة ، وهما قديمتان (٢) ، فالعالم إذا قديم مع علّته ؛ لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله ، والمعلول مضاف إلى علته. وإن زعمت أنّ الحركة التى بعثت الشّهوة ، محدثة غير طبيعية ، فلا بدّ أن تكون قسريّة (٣) ، ولا بدّ من قاسر قسرها ؛ ولا يجوز أن يكون شيء (٤) قسرها إلّا البارى جلّ وتعالى ؛ الّا أن تجعل (٥) القاسر لها الهيولى أو المكان أو الزمان ؛ وهذا خلف غير ممكن.

قال : فانّى أقول إنّ هذه الحركة ليست (٦) طبيعيّة ولا هى قسريّة.

قلت : فإنّ الفلاسفة اتّفقوا على أنّ الحركة حركتان : طبيعيّة وقسريّة ؛ ولا ثالثة لهما (٧).

قال : صدقت ، هذا قول القدماء. ولكنّنى قد استدركت فى هذا شيئا لطيفا ، واستخرجت منه ما لم يسبقنى (٨) إليه أحد غيرى. وأنا أقول : إنّ (٩) الحركات ثلاثة : طبيعيّة ، وقسريّة ، وفلتيّة.

قلت : فهذه (١٠) الثّالثة لم نسمع بها (١١) ولا نعرفها ، فعرّفناها (١٢) كيف تكون؟

قال : أنا أضرب لك مثلا يتصوّر لك وتعرف وجه الصّواب فيه.

وجرت هذه المناظرة (١٣) بينى وبينه فى دار بعض الرؤساء ، وكان ذلك الرّئيس قاعدا مع قاضى البلد يتناظران فى أمر بينهما ،

__________________

(١) ـ كانت : كان ABC (٢) ـ قديمتان : قديمان A (٣) ـ قسرية : قيريةC (٤) شيء : شيئاABC (٥) ـ تجعل : يجعل ABC (٦) ـ ليست : + هى C (٧) ـ لهما : لهاC (٨) ـ يسبقنى : يسبقن A ، يسبق B (٩) ان : ـ B (١٠) ـ فهذه : وهذه A (١١) لم نسمع بها : لم نسمعهاAB (١٢) فعرفناها : ـ AC ـ (١٣) ـ المناظرة : للناظرةA

٢٥

وهما بحيث نراهما ؛ وحضر هذا المجلس معنا المعروف بأبى بكر ختن (١) التّمار المتطبّب. فقال الملحد فى باب المثل الّذي (٢) أراد أن يثبت به الحركة الفلتيّة التى أبدعها : (٤) ـ هل ترى هذا القاضى قاعدا مع الأمير؟

قلت : نعم!

قال : أرأيت لو أنه (٣) تناول طعاما ريا حيّا ، فتحرّكت الرّياح فى جوفه واشتدّت ، وهو يمسكها ويضبط نفسه ، وهو لا يرسلها حذرا من أن يتأذّى (٤) الأمير بنتنها ، أو حذرا من أن يكون لها وقع (٥) ، فيفتضح ؛ ثمّ تغلبه الرياح فتفلت منه ؛ فليست هذه الحركة طبيعيّة ولا قسرية ، بل هى فلتيّة.

قلت : ألست (٦) تزعم أنّ علّة هذه الرّياح التى انفلتت (٧) من القاضى ، هى الطّعام الّذي تناوله؟

قال : نعم!

قلت : فيجب إذا (٨) ، أن تكون لهذه الحركة الفلتيّة التى تزعم أنّها حرّكت شهوة النّفس ، علّة قد تقدّمت الحركة حتى أحدثتها (٩) فى النّفس ، كما أنّ الطعام علّة لهذه (١٠) الرّياح. وإذا كانت هنالك (١١) علّة (١٢) قد تقدّمت ، فلا بدّ أن تكون قديمة مع النّفس ، أو أحدثها محدث. فان كانت قديمة معها ، فهى (١٣) طبيعيّة. ويجب أن تكون النفس أبدا متحرّكة بهذه الحركة ، لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله ؛ ويجب أيضا أن تعدّها مع هذه الخمسة التى تزعم أنّها قديمة. وإن كانت هذه الحركة محدثة ، فهى قسريّة.

__________________

(١) ـ ختن : خنن A (٢) ـ الّذي : ـ C (٣) ـ انه : ـ C (٤) ـ يتأذى : + به A (٥) ـ وقع : وقعاABC (٦) ـ الست : لست B (٧) انفلتت : انفلت B (٨) ـ اذا : ـ A (٩) ـ احدثتها : احدثهاC (١٠) ـ لهذه : هذه C (١١) هنالك : هذا لك A (١٢) علة : ـ A (١٣) ـ فهى : وهى C

٢٦

فمن ذا (١) الّذي أحدثها ، وقسر النّفس عليها؟

فلما انتهى الكلام إلى هاهنا (٢) ، ضحك ختن التّمار شامتا به ، وكان يحضر هذه المناظرات ، فيظهر الشّماتة به إذا انكسر ، لما كان بينهما من الخلاف فى قدم العالم وحدثه (٣). فلما ضحك متعجّبا لما أورده ، خجل الملحد من ضحكه ، وأقبل عليه وقال له : وأىّ (٤) مقدار للدّهرى (٥) حتى يستهزئ ويضحك ويسيء أدبه! دع عنك الضحك ، وتكلّم على مذهبك من القول (٦) بالدّهر وقدم العالم ، لأعرّفك مقدارك. قال له ختن التّمار : الآن (٧) بعد أن افتضحت وانكسرت ولم يقنعك حتّى ضرّطت القاضى وفضحته عند الأمير وأوردت هذا السّخف (٨) وهذه الحجة الباردة ، أقبلت تسفّه (٩) عليّ وتستريح إلى مخاصمتى؟! دعنى ومذهبى ، وأجب الرجل ؛ فليس هذا مما (١٠) يعينك (١١) ويخلصك من هذه الفضائح والدّعاوى الباطلة التى (١٢) تمخرق بها على النّاس.

وبقيا ساعة فى نحو هذا (١٣) التّشاتم وانقطع الكلام.

وانّما ذكرت هذه الحكايات لتعرف ـ رحمك الله ـ ما كان عليه الملحد من الاعتقاد الضّعيف والرّأى السّخيف ؛ ثمّ يصنّف (١٤) بعقله المدخول ورأيه المأفون (١٥) كلاما فى إبطال النّبوّة ، ويورد ذلك

__________________

(١) ـ ذا : ـ B ، فى : C (٢) ـ هاهنا : هاهناA ، هاهنى C (٣) ـ حدثه : جدثه C (٤) ـ واى : واين A (٥) للدهرى : للدهريين A ، للزهرى C (٦) ـ القول : القبول A (٧) ـ الآن : الاC (٨) ـ السخف : الخف A (٩) تسفه : تسعه A (١٠) ـ مما : ماC (١١) ـ يعينك : يغنيك B (١٢) التى : ـ B (١٣) ـ هذا : هذه C (١٤) ـ يصنف : يضيف C (١٥) ـ المأفون : الحافون A ، المأفول B

٢٧

الهذر (١) الّذي فى كتابه الّذي صنّفه فى هذا الباب. وأنا أذكر نكتا أحتجّ بها وأدلّ على فساد قوله ، وأقول فى إثبات النّبوّة ، وتقوية أمر الأنبياء والرّسل عليهم‌السلام (٢) والدّلائل الواضحة على نبوّتهم ، ما يمحق الله به دعاوى الملحدين الكفرة الضّالين الفجرة ؛ وإن كان الله عزوجل (٣) ، قد أوهن كيدهم ، وأعزّ دينه ونصر أولياءه ، وأهان أعداءه وأعداء دينه ؛ وأذكر من (٤) معجزات محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، القائمة فى العالم ، ما لا يقدر ملحد على دفعه ، ولا كافر على نقضه ، بحول الله وقوته ـ عز جاره (٦) ـ وبحسن نظر أوليائه. وبالله نستعين ، وعليه نتوكل ؛ وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وممّا ذكر الملحد فى كتابه المسألة التى ذكرنا فى صدر كتابنا هذا : أنّا ناظرناه عليها ، وذكرنا (٧) فى جوابها ما فيه مقنع لمن أنصف (٨) إن شاء (٩) الله.

__________________

(١) ـ الهذر : العذرA ، الهذاءB (٢) ـ عليهم‌السلام : ـ AC ـ (٣) ـ عزوجل : ـ A (٤) ـ من : ـ C (٥) ـ صلى ... آله : ـ A (٦) ـ عز جاره : عزوجل B (٧) ـ فى صدر ... ذكرنا : ـ A (٨) ـ انصف : انصفت A (٩) ان شاء : إنشاءAB

٢٨

الباب الثّاني

٢٩
٣٠

الفصل الاول

ومما ذكر أيضا فى كتابه واحتجّ به.

(١) قال : انّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد ؛ ودفعوا النّظر والبحث عن الأصول (١) ، وشدّدوا فيه ، ونهوا عنه ؛ ورووا عن رؤسائهم أخبارا توجب (٢) عليهم ترك النّظر ديانة ، وتوجب الكفر على من خالف الأخبار التى رووها (٣). من ذلك ، ما رووه عن أسلافهم : أنّ الجدل (٤) فى الدّين والمراء (٥) فيه كفر ؛ ومن عرض دينه للقياس ، لم يزل الدّهر فى التباس ؛ ولا تتفكّروا (٦) فى الله وتفكّروا (٧) فى خلقه ؛ والقدر سرّ الله ، فلا تخوضوا فيه ؛ وإيّاكم والتّعمّق ، فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق. وذكر نحو هذا ، ثمّ قال :

(٢) إن سئل أهل هذه الدّعوى عن الدّليل على صحّة دعواهم (٨) ،

__________________

(١) ـ الاصول : الوصول B (٢) ـ توجب : فوجب A (٣) ـ رووها : رواهاC (٤) ـ الجدل : الجدال C (٥) المراء : المراC (٦) ـ تتفكروا : نتفكرواA ، يتفكرواC (٧) تفكروا : يفكرواC (٨) ـ دعواهم : دعواهم A

٣١

استطاروا (١) وغضبوا وهدروا دم من يطالبهم بذلك ، ونهوا عن النّظر ، وحرّضوا (٢) على قتل مخالفيهم. فمن أجل ذلك ، اندفن الحقّ أشدّ اندفان ، وانكتم أشدّ انكتام.

(٣) وقال (٣) الملحد : وإنّما أتوا فى هذا (٤) الباب من طول الألف لمذهبهم ، ومرّ (٥) الأيام والعادة ، واغترارهم بلحى التّيوس المتصدّرين (٦) فى المجالس يمزقون حلوقهم بالأكاذيب والخرافات وحدّثنا فلان عن فلان بالزّور والبهتان وبرواياتهم الأخبار المتناقضة ؛ من ذلك (٧) : آثار توجب خلق القرآن وأخرى تنفى ذلك ، وأخبار فى تقديم على وأخرى فى تقديم غيره ، وآثار تنفى القدر وأخرى تنفى الاجبار ، وآثار فى التّشبيه ؛ ذكرها الملحد وكرهنا تطويل الكتاب بها.

(٤) وقال الملحد : إنّما غرّهم طول لحىّ التّيوس ؛ وبياض ثياب المجتمعين حولهم : الضّعفاء (٨) من الرّجال والنّساء والصّبيان ، وطول المدّة ؛ حتّى صار طبعا وعادة.

هذا كلام الملحد واحتجاجه فى هذا الباب.

جوابه

(٥) أمّا (٩) قوله : «إنّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد

__________________

(١) ـ استطاروا : استطادوA (٢) ـ حرضوا : حرصواC (٣) ـ وقال : قال BC (٤) هذا : هذه A (٥) ـ مر : من C (٦) ـ المتصدرين : ـ A (٧) ـ ذلك : ذلك A ، عن ذلك C (٨) ـ الضعفاء : الضعف C (٩) ـ اما : واماAB

٣٢

ودفعوا البحث عن الأصول والنظر وشدّدوا فيه ونهوا عنه» فقد ذكرنا فى صدر كتابنا ما فيه جواب قوله فى باب التّقليد والنّظر ؛ ولكنّا نعيد القول به ، إذ كان هذا موضعه ، ونقول :

إنّه وغيره ممّن يدّعى الفلسفة (١) ، قد أوجبوا التّقليد على أتباعهم فيما يدقّ من علومهم ، وأجازوا التّسليم (٢) لرؤسائهم فيما لا تبلغه عقولهم ؛ على ما ادّعاه الملحد من أنّ من نظر فى شيء من الفلسفة ، تخلّصت نفسه من كدورة هذا العالم ، وإن لم يبلغ الغاية فيها (٣). أو ليست هذه رخصة (٤) فى ترك النّظر فيما يدقّ ، والتّسليم والرّضى بمقدار ما يلحق؟ أو ليس قد أوجب التّقليد (٥) فيما لا يبلغه عقله؟ فكيف يجيز ذلك لأتباعه ، وينكر على أهل الشّرائع أن ينهوا أتباعهم عن النظر فيما تعجز عنه عقولهم ، وأن يسلّموا لعلمائهم اذا عرفوا طريق الحقّ ، وأن يقلّدوهم ما ليس فى وسعهم أن يلحقوه؟!

ونقول : إنّ أهل الحقّ والعدل لا يجيزون (٦) التقليد فى الأصول ، مثل : معرفة التّوحيد ، وأمر النّبوّة ، وإثبات الإمامة ؛ هذا ما لا يجوز قبوله بالتّقليد. فاذا ثبت (٧) التّوحيد وصحّ أمر النّبوّة وثبت (٨) أمر الإمامة ، بعد ذلك يجوز التقليد للامام الحقّ (٩) العادل العالم. وليس فى جبلّة البشر أن يبلغوا الغاية من العلم (١٠) ، اذ (١١) كان فوق كل ذى علم عليم. وإن سقط التّقليد بعد معرفة هذه الأصول كما ذكرنا وكلّف الناس كلّهم أن يبلغوا الغاية ، فقد

__________________

(١) ـ الفلسفة : علم الفلسفةC (٢) ـ التسليم : + والرضى B (٣) ـ فيها : ـ C (٤) رخصة : رخصيةA (٥) ـ التقليد : ـ B (٦) ـ لا يجيزون : لا يجوزون AB (٧) ـ ثبت : اثبت C (٨) ثبت : يثبت C (٩) ـ الحق : المحق BC (١٠) ـ العلم : المعالم A (١١) اذ : وان A ، واذ : C

٣٣

كلّفوا ما لا يطيقون ؛ والله عزوجل (١) أعدل (٢) وأرحم بعباده من ذلك ، ولا يكلّف نفسا إلّا وسعها.

__________________

(١) ـ عزوجل : ـ A (٢) اعدل : اعذرC

٣٤

الفصل الثانى

عود الى البحث والنظر

(١) وأمّا ما ذكر فى باب البحث والنظر ، فإنّ أهل الشّرائع كافة (١) ، لا يدفعون ذلك ؛ ولا توجب الشرائع ترك البحث والنّظر. وإن (٢) كان (٣) قوم من ضعفاء أهل الملل يدفعون لضعفهم ، ويخفى عليهم وجه (٤) الصّواب فيه ، فليس ذلك بحجّة للملحد على كافّة أهل الشّرائع. وتحقيق ذلك فى القرآن العظيم ، قال الله (٥) أصدق القائلين :

(فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ (٧) اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ). وأمر النّبيّ (٨) أن يدعو (٩) اليهود الى النّظر ، فقال : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ

__________________

(١) ـ كافة : كانواB (٢) ـ ان : ـ B (٣) وان كان : ـ C (٤) ـ وجه : وجهاA (٥) ـ الله : + عزوجل وهوB (٦) ـ فيتبعون : فيبعون B (٧) ـ هديهم : هداهم B (٨) ـ النبي : + صلع وعلى آله B ، صلع C (٩) ـ يدعو : يدعواB

٣٥

بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) الآية. ودعاهم إلى النّظر فى التّوراة (١) وما يوجبه حكم التّوراة فيما أنكروه عليه (٢) وخالفوه فيه ، فى أشياء أحلّت لهم وحرّمت عليهم ، فقال : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ (٤) صادِقِينَ (٣)). فهذه الآيات تدلّ على (٥) أنّ الله جلّ وتعالى (٦) ، أمر بالنّظر وأمر بالاستماع من المختلفين ، والنّظر فيه واتّباع ما هو أحسن وأولى وأحقّ وأوجب ؛ وعلى هذا أهل المعرفة وذوو (٧) الألباب من أصحاب الشّرائع. وليست (٨) للملحد (٩) حجة عليهم بما يفعله ضعفاء الأمّة ، ومن لا معرفة له مستحكمة ، ومن هو من عوام الناس.

(٢) فأمّا الخبر الّذي احتجّ به وعاب على رواته ، وزعم أنّه يوجب ترك النّظر ، قوله : «الجدل فى الدّين والمراء (١٠) فيه (١١) كفر» ، فانّه صحيح (١٢) ؛ ولكن ليس (١٣) الجدل معناه النّظر ، وإنّما معنى (١٤) الجدل ، الخصومة والتنازع. وأخذ الجدل من (١٥) الجدالة ، والجدالة هى الأرض : كأنّ المجادلين ، أحدهما يخاصم صاحبه وينازعه حتّى يلقيه (١٦) الى الأرض ويستعلى عليه. فاذا كان الأمر على هذا ، فليس ذلك بنظر ؛ بل هو جدل وخصومة ، وهو كفر فى الدّين ؛ لأنّه على طريق المغالبة والمعاداة وترك الانصاف. والمجادل على هذه الجهة ، هو تارك لما أمر به من النّظر على أحسن الوجوه بالانصاف والعدل ؛ وهو الجدل (١٧) الّذي نهينا عنه ، وروى فيه أنّه كفر ، لأنّه كما ذكرنا

__________________

(١) ـ التوراة : التوريةBC ـ (٢) ـ عليه : + صلى الله عليه وعلى آله B ، وعلى : ـ C (٣) ـ بالتوراة : بالتواةB (٤) ان كنتم : انكنتم B (٥) ـ على : ـ AC ـ (٦) جل وتعالى : ـ A ـ A ، ع ج : C (٧) ـ ذوو : ذوB (٨) ـ ليست : ليس AB (٩) للملحد : للملحدين C (١٠) ـ المراء : المراه C (١١) فيه : ـ AB (١٢) صحيح : صح B (١٣) ـ ليس : ليست C ، + معنى B (١٤) معنى : معناC (١٥) ـ الجدل من : ـ B (١٦) ـ يلقيه : يلقاه C (١٧) ـ الجدل : الجدال C

٣٦

مغالبة ومكابرة واستعلاء. وقد نهى الله عن الجدل وأمر بالنّظر على أحسن الوجوه ، فقال جلّ ذكره : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). ألا تراه قد نهى عن الجدل (١) على وجه المغالبة والاستعلاء والمكابرة ودفع الحق ، وأطلق فيه على أحسن الوجوه ، واستثنى ، فقال : (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؟ وقال فى آية اخرى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (٢) وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). فقد نهينا عن الجدل (٣) والخصومة والمراء ، إذا (٤) كان على سبيل التّنازع والمكابرة وترك الانصاف ودفع الحقّ ؛ فهذا (٥) هو الكفر. فأمّا إذا ترك المناظر الخصومة والتّنازع (٦) ودفع الحقّ ، فالنّظر مطلق له (٧) ؛ بل هو أمر من الله ، على حسب ما ذكرنا (٨). والمراء أيضا ، معناه الخصومة والتّنازع. وقال بعض أهل اللّغة : المراء هو الجحود ، واحتجّ بقول الشاعر :

لئن هجرت أخا صدق ومكرمة

لقد مريت أخا ما كان يمريكا. (٩)

قال : يمريك (١٠) ، معناه يجحدك (١١). فالجحود فى الدين هو كفر ؛ لأنه استعلاء وظلم وردّ (١٢) للحقّ على معرفة ويقين ؛ كما قال الله عزوجل (١٣) : (وَجَحَدُوا

__________________

(١) ـ الجدل : الجدال C (٢) ـ الحسنة : ـ B (٣) ـ الجدل : الجدال C (٤) اذا : اذC (٥) ـ فهذا : وهذاA (٦) التنازع ... والتنازع : ـ B (٧) ـ له : به C (٨) ـ ذكرنا : ذكرA (٩) ـ يمريكا : يمريك C (١٠) ـ يمريك : يمريكاA (١١) يجحدك : يجحدB (١٢) ـ رد : مردA (١٣) عزوجل : ـ A

٣٧

بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا). فهذا معنى الحديث ؛ ولكنّ الملحد خفى عليه معناه ، لقلّة معرفته بلغة العرب ؛ فقدّر (١) أنّ (٢) المراد (٣) بالمراء (٤) والجدل هو النّظر والانصاف ، واحتجّ بما لا حجّة له فيه.

(٣) وأمّا احتجاجه بالحديث : «لا تتفكّروا (٥) فى الله وتفكّروا فى خلقه» فهو أيضا خبر صحيح ؛ ولكن ليس هو ممّا ينهى (٦) عن النّظر ؛ انّما نهينا عن (٧) أن ننظر (٨) فى كيفيّة الخالق (٩) ، وأن نقدّر أنّا نبلغ (١٠) الغاية فيه. وأمرنا (١١) أن نعلم (١٢) ، أنّ أحدا من الخلائق لا يبلغ (١٣) نعته ، وأنّ الحواسّ لا تحيط به (١٤) ، وأنّ الاوهام والصّفات تقصر عنه (١٥). فنهينا عن (١٦) أن ننظر فى كيفيّته ، وأمرنا أن ننظر فى خلقه ، ونعتبر به ، ونعرف إلهيتّه وربوبيّته وتوحيده بخلقه ، ونستدلّ عليه بصنعه ؛ فانّ فى ما خلق من سماواته وأرضه وما بينهما من عجائب الصّنع ، ما يدل على إنّيّته (١٧) ووحدانيّته ؛ وفى ذلك عبرة للمعتبرين ، ودليل للمتفكّرين. وبهذا أمر جلّ ذكره فى القرآن العظيم ، فقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ

__________________

(١) ـ فقدر : فقدC (٢) ان : بان BC ـ (٣) ـ المراد : ـ A (٤) بالمراء : المراءRC (٥) ـ لا تتفكروا : لا يتفكرون C (٦) ـ ينهى : ينفى A (٧) ـ عن : ـ ABC (٨) ننظر : ينظرBC ـ (٩) الخالق : + تع ذكره BC ـ (١٠) انا نبلغ : ان نبلغ A (١١) امرنا : ـ ABC ـ هكذا اصلحنا الجملة لاضطرابها بين معنى النهى وادوات النفى (١٢) ـ نعلم : لا نعلم ABC (١٣) لا يبلغ : لا يبلغون ABC (١٤) ـ به : ـ A (١٥) عنه : ـ A (١٦) عن : ـ ABC (١٧) ـ انيته : ابنيته A

٣٨

النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ؛ وقال فى آية اخرى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) ؛ وقال فى آية اخرى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) إلى قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ؛ وقال فى آية أخرى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) الى قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.).

(٤) فهذه الآيات وما أشبهها كثيرة فى القرآن ، هى كلّها تدلّ على أنّا قد أمرنا أن (١) نتفكّر فى خلق الله ، ونعتبر بما فيه من عجائب (٢) الصّنع والتّدبير ، ونستدلّ (٣) بذلك عليه جل وتعالى ؛ إذ كنّا لا نلحق كيفيّته ولا نحيط (٤) به. ومن تفكّر فيه (٥) دون خلقه ، تحيّر ، وذهل عقله ، ولم يدرك كيفيّته ولم يحط به ، لأنّه عزّ وتعالى (٦) ، جلّ عن (٧) أن يحيط به مخلوق ؛ لأنه إذا أحاط المخلوق بالخالق ، فالمخلوق أعلى من الخالق (٨) ، تعالى (٩) الله (١٠) عن ذلك ؛

__________________

(١) ـ ان : ـ B ، نتفكر : يتفكرC (٢) من عجائب : + من عجائب C (٣) ـ نستدل : يستدل C (٤) ـ لا نحيط : لم يحطC (٥) فيه : ـ C (٦) ـ تعالى : ـ B (٧) ـ عن : ـ C (٨) ـ به مخلوق ... الخالق يحيط : ـ A (٩) تعالى : تع C (١٠) الله : ـ B

٣٩

بل ، المخلوق يعجز عن الاحاطة بالخالق ، والخالق (١) يحيط بخلقه كلّه ؛ لا يعزب عنه مثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء. وانّما نهينا عن التّفكّر فى الله ، وأمرنا بالتّفكّر فى خلقه لهذه العلّة ؛ ومن خالف ذلك هلك. وهذا هو الحقّ الواضح. وليس للملحد فى ردّه حجّة ، ولا له إلى (٢) ذلك سبيل. وليس هذا الحديث ممّا يردّ النّظر وينهى عنه ؛ بل ، فيه : النّهى عن النّظر فى كيفيّة الخالق ، والتّفكّر فى ذاته ؛ والأمر بالتّفكّر فى خلقه والاعتبار به (٣) والاستدلال بذلك (٤) على (٥) إنّيّته وكيفيّته. وأىّ حجّة للملحد فى هذا حين أنكره على رواته (٦)؟!

(٥) وأمّا الخبر ، قوله : «القدر سرّ الله فلا تخوضوا فيه» ، وما ادّعى من الأخبار التى ذكر (٧) أنّها تنفى القدر ، وأخرى تنفى الاجبار ، فانّها كلّها صحيحة. ومن الّذي نظر فى القدر فبلغ الغاية فيه حتى قطع حجة خصمه ؛ ومن الّذي أثبت القدر ، أو من الّذي أثبت (٨) الإجبار ، مع كثرة نظر النّاس فيه ومجاذباتهم ؛ وهل حصلوا إلّا على الوسواس والهذيان ونقض بعضهم على بعض؟ هذا ، ممّا يدل على أنّ (٩) الأخبار التى تنفى القدر ، هى صحيحة ؛ وكذلك ، التى تنفى الاجبار (١٠) هى صحيحة.

(٦) وأهل النّظر فى ذلك ـ أعنى القدر ـ على ثلاث طبقات : قوم أوجبوا الإجبار ، وادّعوا أنّ أفعال العباد مخلوقة وأنّها بقدر ، وأنّ العباد مجبرون (١١) على أفعالهم. فهؤلاء أوجبوا (١٢) أنّهم أطاعوا الله وعصوه

__________________

(١) ـ والخالق : بل الخالق C (٢) ـ الى : الاC (٣) ـ به : ـ C (٤) بذلك : به B (٥) على : ـ A (٦) ـ رواته : روايته A (٧) ـ ذكر : ذكرناC (٨) ـ القدر ... اثبت : ـ A (٩) ـ على ان : ان AC ـ (١٠) ـ الاجبار : + وA (١١) ـ مجبرون : مجبورون B (١٢) اوجبوا : اجبواB

٤٠