أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

مستدرك بالرّصد ، قلنا. فان (١) هؤلاء الذين استدركوا هذا لم يقدروا على هذا إلّا بعد إحضار هذه الآلات ونظروا فى الزّيجات المقدّمة (٢) وكانت معرفتهم قد تقدّمت بهذا الشّأن بالتّعليم والرياضة وعلم بارع ، ولم يكن ذلك اختراعا (٣) ولا استخراجا (٤) بطبع ، بل برجوع إلى أصول ، ومعوّل على تقدير علم ومعرفة ؛ وباب الرّصد هو داخل فى هذه الجملة على هذا القياس. ولا حجّة للملحد فى باب الرّصد والطّبع ، ولم يبق إلّا الرّجوع إلى أنّ ذلك كلّه مستخرج من الرّسوم المعروفة المشهورة عند أهلها دون الأرصاد والطّبع وليس يصحّ (٥) بها اختراع شيء من هذه الأسباب إلّا من جهة التّعلّم والرّجوع إلى قوانين الحكماء التى رسموها بتأييد من الله عزوجل ووحى منه. وليس فى وسع الناس اختراع شيء دون ذلك. وإذا صحّ هذا ، صحّ أنّ (٦) اولئك الحكماء لم يقدروا على اختراع شيء بالفطنة والطّبع ، وأنّ ذلك أصله بالوحى كما قلنا ، وأنهم لم يقدروا أن يرقوا الى السّماء ويقفوا على هذه الغيوب (٧) ، بل الله أطلعهم عليه بوحى منه ، لأنّه عزوجل (٨) عالم الغيب ولا يطلع على غيبه (٩) أحدا إلا من ارتضى من رسول. سبحانه عن أن يشركه أحد فى علم هذه الغيوب من غير أن يمنّ هو بها عليه ، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

__________________

(١) ـ قلنا فان : ـ C (٢) ـ المقدمة : المتقدمةA (٣) ـ اختراعا : اختراع ABC (٤) ـ استخراج : استخراجاABC (٥) ـ يصح : بصحيح C (٦) ـ صح ان : ـ A (٧) ـ الغيوب : العيوب B (٨) ـ عزوجل : جل ذكره BC ـ (٩) على غيبه : عليه B

٣٠١

الفصل الثالث

أصل معرفة العقاقير

(١) قد قلنا فى باب النّجوم ما فيه كفاية إن شاء الله (١). وقد ذكرنا طرفا فى باب الطّب ونعيد ذكره ونشبع القول فيه. زعم الملحد أنّ النّاس عرفوا أفعال العقاقير فى الابدان ومعرفة (٢) قوامها بالطّعوم والأراييح واستدركوا ذلك بالطّبع ، وأدخل هذه الدّعوى (٣) أيضا فى جملة ما ذكر فى باب سباحة الإوزّ بالطّبع.

نقول فى جوابه : إنّ سبيل معرفة العقاقير بالطّبع سبيل النّجوم. فان قال قائل إنّ هذا الباب أقرب مأخذا من ذلك ، لأنّ العقاقير هى فى الأرض ويمكن مباشرتها بالحواس كما ادّعى الملحد أنّهم يعرفونها بالطّعوم والأراييح ، فانّ النّجوم هى فى السّماء وإنّ الفلك لا يحسّ ولا يمسّ ، و

__________________

(١) ـ ان شاء الله : + تعالى BC ـ (٢) ـ ومعرفة : معرفةA (٣) ـ الدعوى : ـ A

٣٠٢

ليس سبيل العقاقير سبيل (١) ما قد فات أيدى (٢) المتناولين ، قلنا :

صدقت فى باب مباشرة العقاقير بالحواس وتناولها بالذّوق والشّم. ولكنا نقول إنّ هذه العقاقير تكون فى بلدان مختلفة بعيدة بعضها من بعض. فمنها ما يجلب من بلدان بالمشرق ، ومنها ما يجلب من بلدان بالمغرب ، ومن بلدان فى ناحية الجنوب وناحية الشمال كالاهليلج الّذي يجلب من الهند والمصطكى من الرّوم والمسك من التّبت والدّار صينى من الصّين وحصى الخزّ (٣) من الترك والأفيون من مصر والصّبر من اليمن والبورق من أرمينية. وهكذا سبيل جميع العقاقير التى تكون فى مشارق الأرض ومغاربها. ومنها ما تكون منتنة ومنها ما تكون طيّبة الرّيح ، ومنها مرّة ومنها حلوة ومنها عفصة ومنها حريفة على اختلاف طعومها ، ومنها ما هى لحاء الشّجر ومنها عروقه ومنها ورقه ومنها ثمره ومنها زهره ومنها صمغه ، ومنها حجارة (٤) ، ومنها أصناف جواهر الأرض كالشبوب والبورقات المختلفات الأجناس والألوان التى تنقل من بلدان شتّى من أرمينية والرّوم وكرمان وسائر البلدان ، وغير ذلك من جواهر الأرض من الأملاح والأحجار ، ومنها ما هي مرارة الطّير والسّباع وسائر الحيوان من دواب البرّ والبحر وأدمغتها ورئاتها وغير ذلك من أعضائها ، ومنها (٥) ما هى لحوم الحيّات ذوات السّموم النّاقعة (٦) التى تدخل فى التّرياق وغيره ، ومنها أصناف الكحل من الطيارة والدبابة (٧) من السّامة والهامة كالعقارب التى تجفّف (٨) وتستعمل فى معجون يصلح النّقرس وتحرق ويسقى رمادها صاحب الحصاة

__________________

(١) ـ العقاقير سبيل : ـ A (٢) ايدى : بايدى B (٣) ـ الخز : الحرC (٤) ـ حجارة : حجاره B (٥) ـ ومنها : بينهاA (٦) ـ الناقعة : النافعةB (٧) ـ الدبابة : الديابةA (٨) تجفف : تجف B

٣٠٣

وتنفع فى الدهن فتنفع للاورام الغليظة ، وكالذباب الّذي يستعمل فى الكحل ويضمّد على لدغة العقرب وكالضّفادع التى (١) يقلع بها (٢) الأضراس الضّاربة وكالزّنابير والذّراريح (٣) التى يعالج بها فى إنبات الشّعر ، ومنها أبوال (٤) أصناف الحيوان من البهائم والسّباع وأحشائها وذرق الطّيور حتى غائط الانسان وبوله ، كأبعرة الابل التى تستعمل (٥) فى معجون لحمّى الرّبع ، وكبول الابل العراب التى تستعمل فى دواء للرّياح المقعدة ، وكبول الانسان ينقع فيه بعض العقاقير للبهق ، وكغائط الانسان يسحق جافة وينفخ فى حلق من يأخذه الخناق ويضمّد بالرّطب منه ، وكذرق الحمام يدخل فى معجون يتخذ للباءة وكذرق الخطاطيف يستعمل فى بعض الأدوية. هذا الى سائر ما لم نذكره من (٦) العقاقير التى تجلب من بلدان شتى وتسمى بأسماء مختلفة وبلغات أهل تلك البلاد الذين هم أمم مختلفون ، متعادون متغالبون.

فأين هؤلاء (٧) الحكماء الذين اتّفقت آراؤهم وكملت عقولهم وتمّت طبائعهم وقويت أبدانهم وطالت أعمارهم واتّفقت كلمتهم وتظاهروا وتعاونوا وطافوا فى اقاليم الأرضين (٨) وجالوا فى جزائرها وبلدانها ، وعاشروا كلّ أمّة وأقاموا فى كلّ بلدة وعرفوا (٩) لغات أهل كلّ بلد وكلّ جزيرة حتى عرفوا أسماء العقاقير فى كل مكان وجرّبوها وعرفوا أشجارها وبقولها وأدركوا صفاتها وعرفوا بالطعوم والأراييح الخصوصيات التى فى جميع

__________________

(١) ـ التى : الّذي B (٢) يقلع بها : بها يقلع B (٣) الذراريح : الزاريح A (٤) ـ ابوال : ابواب A (٥) ـ تستعمل : يستعمل B (٦) ـ من : فى B (٧) ـ فاين هؤلاء : ونقول أن C (٨) ـ الارضين : الارضيين A (٩) ـ عرفوا+ اصحاب C

٣٠٤

العقاقير المختلفة الاعمال والطبائع؟ ومنها ما يعمل فى الدّماغ ومنها ما يعمل فى الكبد ومنها ما يعمل فى الطحال ومنها ما يعمل فى المثانة ومنها ما يحلّ ومنها ما يعقد ؛ لكل واحد منها خصوصية تعمل فى عضو (١) من الأعضاء ، فى أعالى (٢) البدن وأسافله (٣). ومنها ما هى سموم قاتلة ، لا يلبث ساعة من ذاقها حتى تذيقه (٤) حتفه ، بل تدوى بالشّم دون الذوق. فأين من (٥) عرف هذه الخصوصيّات فى هذه العقاقير بالذوق والشم (٦) وعرف مقاديرها وأوزانها (٧) بالطّبع والالهام وقراريطها (٨) ومثاقيلها؟ لأن منها ما يستعمل فى خلط مقدار قيراط فما دونه ، ومنها ما يستعمل فى خلط عشرين مثقالا فما فوقها ، وإن زدت او نقصت كان ضرّه أكثر من نفعه (٩) ؛ لأن الّذي يكون منها سموما إن زدته على المقدار قتل ، وإن نقصته بطل. ومنها ما يدخل فى خلط واحد خمسون صنفا من العقاقير فما فوق ذلك بأوزان مختلفة وأجزاء محدودة لا يجوز الزيادة والنقصان فيها. فأين هؤلاء (١٠) الحكماء الذين تتّبعوا هذه العقاقير ، فذاقوا شجرة شجرة وثمرة ثمرة وعرفوا نباتها ووقفوا على صفاتها ووضعوا نسبها (١١) وأمثالها ومقاديرها وتتبّعوا جميع طير الدّنيا وسباعها ودوابّها ، دابة دابة ، فذاقوا مرارتها ، وطائرا طائرا ، وغاصوا فى البحار واستخرجوا دوابّها (١٢) ، فذاقوا لحومها وأدمغتها وأبوالها وأحشائها حتى

__________________

(١) ـ عضو : عضدA (٢) ـ عالى : اعلى BC ـ (٣) اسافله : اسفله C (٤) ـ تذيقه : يذيقه ABC (٥) ـ فاين من : فكيف C (٦) ـ بالذوق والشم : بالشم والذوق B (٧) ـ مقاديرها واوزانها : اوزانها ومقاديرهاC (٨) ـ قراريطها : قواريطهاB (٩) ـ نفعه : نفعهاA (١٠) ـ فاين هؤلاء : وان C (١١) ـ نسبها : شبههاBC ـ (١٢) ـ فذاقوا ... دوابها : ـ C

٣٠٥

ذاقوا بول الانسان وغائطه ، فعرفوه بالذّوق والشّم وعلموا بالطّبع والاستدراك عمل كل شيء من هذه الأجناس وكيف يدبّ فى العروق ، حتى يؤدّى كل دواء فعله إلى الدّاء الّذي عمل له فى أعلى البدن وأسفله وداخله وخارجه ، بعد (١) ان يصير الى المعدة ويختلط (٢) بالدّم فيصير شيئا واحدا ، ثم يتفرق من المعدة فى الأعضاء والعروق التى هى مجرى الدم؟ فهل يجوز أن يحكم أن قوما تعاونوا وجالوا فى الدّنيا بأبدان صحيحة وأعمار طويلة حتى عرفوا هذه الأشياء بعد أن جمعوها وجرّبوها بالذّوق والأراييح ، فأدركوا طبائعها بالطّبع والالهام كما ادّعاه الملحد ، ثم اتّفقوا فلم يختلفوا فى شيء من ذلك ؛ لأن هذا إن كان من جماعة تعاونوا على ذلك ، لا بدّ أن يقع فى شيء منها خلاف ، فكان لا ينتظم أمر هذا النظام الّذي نراه فى باب العقاقير من اتفاق الأطباء عليه واهل المعرفة بالطبائع ولو اجتمعوا أيضا فى بلد واحد وجمعوا هذه العقاقير عندهم ، فكيف مع تباين ما بين هذه البلدان وصعوبة الأمر فى جميع هذه العقاقير وتجربتها من غير معرفة تقدمت من المجربين لها ولا أصل يرجعون إليه؟

(٣) فان زعم (٣) أن أهل كلّ بلد جرّبوا ما ببلدهم وعرفوها ، ثم نقلت من بلد الى بلد وجمعت ، قلنا (٤) : هذا غير جائز لأنّه لا يظهر علمها الا بعد أن تجمع وتخلط. فكيف (٥) يعرف أهل كل بلد ما فى بلدهم على الانفراد ، قبل أن تجمع وتخلط ، وكيف عرفوا مقدار كل شيء فى بلدهم على الانفراد (٦) من غير أن يعرف مقدار شكله وخلطه الّذي هو فى بلد آخر وهو لم

__________________

(١) ـ بعد : وبعدC (٢) ويختلط : فيخلط (٣) ـ فان زعم : فقال C (٤) ـ قلنا : ـ C (٥) ـ فكيف : وكيف AC ـ (٦) ـ قبل ... الانفراد : ـ A

٣٠٦

يعرفه ولم يجربه؟ ونقول : انه لا بد ان تكون المعرفة بطبائع هذه العقاقير ، أصلها من رجل واحد ، أو من جماعة. فان كانت من جماعة فسبيلها ما قد ذكرنا.

(٤) فان قال قائل : إن قوما اجتمعوا فى دهر واحد واتفقوا هذا الاتفاق ولحقوا هذه المعرفة ، فقد أورد ما لا تقبله العقول ؛ لأنّه غير ممكن أن يكون قوم يتفرّقون فى هذه البلدان فى مشارق الأرض ومغاربها ، فيلحق (١) كل واحد معرفة شيء منها ممّا فى ذلك البلد ، وسبيلهم ما قد ذكرنا ، ثم يجتمعوا ويجمعوها ويتّفقوا ، ثم لا يلحقهم (٢) موت ولا شيء من آفات الدنيا حتى يحكموا ذلك. هذا خلف جدا.

(٥) وإن ادّعى (٣) أن قوما بعد قوم عرفوا ذلك بطباعهم فى دهور شتّى وأزمنة مختلفة ، ثم جمعوها بعد ذلك ، فهذا أمحل (٤) ، لأنّ الدّواء الواحد الّذي يخلط من خمسين لونا من العقاقير ، لا يجوز أن يكون اجتمعت (٥) على معرفتها الآراء من قوم شتّى فى دهور مختلفة وأزمنة متفاوتة ، قد لحق كل رجل معرفة شيء فى دهر ما (٦) ، جاء ، ثم جاء آخر فى دهر آخر ، فيدرك معرفة شيء آخر ، ثم تجتمع الآراء على ذلك الخلط الواحد الّذي هو من الخمسين لونا ولا يقع فيه شيء (٧) من الخلاف. هذا أنكر من الباب الاوّل. فان زعم (٨) أنّ رجلا واحدا عرف هذه الطبائع وعاش وعمّر حتى جال الدّنيا ووقف عليها ، مع اختلاف أجناسها على ما وصفنا ، فهذا أبعد من العقول. وهل يقدر أحد أن يجرّب هذه العقاقير كلّها دون أن يمتحن جميع (٩)

__________________

(١) ـ فيلحق : فلحق B (٢) ـ لا يلحقهم : يلحقهم A (٣) ـ وان ادعى : وقال C (٤) ـ امحل : محل B (٥) ـ اجتمعت : اجتمع ABC (٦) ـ فى دهر ما : ـ C (٧) فى دهر ... لا شيء : ـ A (٨) ـ فان زعم : ـ C (٩) ـ جميع : ـ A

٣٠٧

الشّجر والنّبات ، ثمرها وورقها وعروقها وغير ذلك ويمتحن (١) جميع الحيوان من الوحش والسّباع والبهائم والطّير ودوابّ الماء والهوامّ وغير ذلك ، حتى يعرف الضّارّ من النّافع والمستعمل من المهمل من لحومها ومن مرارتها وسائر أعضائها ، وأبوالها (٢) وأحشائها ، وحتى يعرف الخصوصيّات التى فيها؟ فأى عقل لا ينكر هذا ، وأى عقل يصغى إليه ويقبله؟ وهؤلاء (٣) الذين أدركوا معرفة طبائع هذه (٤) العقاقير بالطّعوم والأراييح ، جماعة كانوا أم واحدا (٥)؟ فى دهر واحد كانوا ، أم فى دهور مختلفة؟ وهبهم (٦) صبروا على ذوق هذه القذارات (٧) التى ذكرناها من الأبوال والأحشاء وغير ذلك على نتنها وكراهة شمّها وذوقها كيف يسلمون (٨) من سمومها القاتلة لأنّ منها ما هو سم ساعة. وقد (٩) رأينا (١٠) حشيشة تنبت فى صحارينا ، إذا أكلها من لا يعرفها ، قتلته على المكان ؛ ومثل ذلك كثير؟ فأين فى العالم من يقدر على إدراك طبائع هذه الأشياء بالطعوم والأراييح (١٢) وبالطّبع والإلهام؟ وأين (١١) فى زماننا (١٣) من أدرك (١٤) من ذلك فيحكم بالشّاهد على الغائب؟ أو ليس من يدّعى هذا ، هو مسلوب العقل عازب الفهم؟ أو ليس من يصغى إليه ولا ينكره ، هو أعمى قلبا منه وأضلّ سبيلا؟

ولعمرى إن قوما من المتّسمين بالفلسفة قد ادّعوا مثل هذه التّرّهات وكذبوا على الحكماء القدماء وعلّفوا عليهم الخرافات التى لا تليق بهم ؛ فقالوا : إنّ أفلاطن (١٥) دخل فى جبال تكون فى الشّمال حيث لا ترى الشّمس

__________________

(١) ـ الشجر ... ويمتحن : ـ A (٢) ـ ابوالها : ابوابهاA (٣) ـ هؤلاء : وان C (٤) هذه : + الطبائع هذه : A (٥) أم واحدا : امر واحدC (٦) ـ وهبهم : هبهم B (٧) ـ القذارات : القذرات BC ـ (٨) ـ يسلمون : يسلمواABC (٩) ـ وقد : ـ C (١٠) رأينا : لان C (١١) ـ واين : فاين AB (١٢) والأراييح : والروائح A ، فالارائح C (١٣) زماننا : ازمانناA (١٤) من أدرك : ـ A (١٥) ـ افلاطن : افلاطون B

٣٠٨

وحيث لا يكون نبات ، ومكث فيها حينا يطلب حيلة للموت بالتّجارب والأدوية ، ويطلب الأخلاط التى تزيد فى العمر. وإنّه كان عنده ألف رجل فأرسلهم إلى مشارق الأرض ومغاربها وإلى ناحية الشّمال والجنوب ليذوقوا الأرض ويطلبوا العقاقير. وإنّ أرسطاطاليس بعث قوما مع ذى القرنين ليعلموا تخوم الأرض وكيف قوامها ، وأىّ مكان أخف وأىّ مكان أثقل وأىّ مكان أصفى وأىّ مكان أكدر وكم أقاليم الدّنيا وكم فرسخا هو (١) كلّ إقليم ويجلبوا العقاقير ويجرّبوها. فبلغ الذين مضوا نحو المشرق (٢) إلى حيث أصابهم حرّ الشّمس وخافوا أن يحترقوا ، فحفروا أسرابا فى الأرض ودخلوا فيها. والذين مضوا الى المغرب ذهبوا إلى موضع لم يقدروا أن يجوزوه من كثرة البخار وشدّته. وقالوا : رأينا الشّمس دخلت فى البحر ، ومنهم من قال دخلت فى السّماء ، ومنهم من قال (٣) خلف البخار. والذين (٤) ذهبوا نحو الشّمال لم يقدروا أن يجوزوا من البرد والثّلج ، حتّى مرضوا ثم رجعوا. والذين ذهبوا نحو الجنوب وصلوا إلى أرض (٥) يكون فيها العقاقير والأدوية والجواهر التى لا تكون ببلادنا. هذا ما ادّعوه لأفلاطن وأرسطاطاليس وادّعوا أنّ بثاغورس ارتقى فى الهواء حتى صار إلى عالم الطبيعة وعالم النفس وعالم العقل ، فنظر إلى جميع ما فيها من الصّور والحسن والبهاء والأنوار. وبثاغورس ، هو (٦) الّذي تلمذ له فلانوس (٧) الّذي صار إلى الهند وأخذ عنه برخمس (٨) الفلسفة وقد تقدّم ذكره فى باب قبل هذا. فادّعوا هذه التّرهات مع دعاويهم أنّ أصول الأشياء كلّها منهم وأنّ كلّ شيء ينتفع به بنو آدم وصار علمه إلى

__________________

(١) ـ هو : ـ B (٢) ـ المشرق ؛ الشرق A (٣) ـ دخلت فى السماء ومنهم من قال : ـ AB (٤) ـ والذين : ـ B (٥) ـ ارض : الارض A (٦) ـ هو : هذاB (٧) ـ فلانوس ؛ بلانوس ABC (٨) برجس : برحبس ABC

٣٠٩

النّاس ، من علم النّجوم والطبّ وغير ذلك هم استخرجوها ، وهم قسّموا ذلك فى الآفاق ، وأنّهم وضعوا لأهل فارس ثمانين كتابا من كتب الطب ، وثلاثة عشر كتابا للهند من الطب والحكمة والأمثال ، وأنهم وضعوا هذه الكتب كلّها بآرائهم ودبّروها بعقولهم إلهاما وطبعا من غير تأييد من الله عزوجل. وادّعوا أنّهم أبدعوا إجانة (١) النّار التى لا تطفأ بفارس ، التى يعبدها المجوس ، مع دعاوى مزخرفة من هذا النّوع لا تقبلها العقول. فأين الملحد لم يذكر هذه الخرافات التى يدّعيها هؤلاء الضّلال الكذابون حين (٢) ذكر دعاوى المجوس والمنانيّة (٣) والخرافات التى حكاها عن المبتدعين عنهم ؛ كقولهم : إنّ مانى كان يختطف من (٤) بين أيديهم فيصير فى الهواء يحاذى الشمس ؛ فربما مكث ساعات وربما مكث أيّاما ، ثم نزل. وإنّه الّذي رفع سابور الّذي عمل له (٥) الشابرقان إلى الجوّ وأخفاه (٦) حينا هناك. فانّ هذه الدّعاوى مثل ما ادّعاه أولئك الكذّابون أنّ بثاغورس ارتقى إلى الهواء وإلى عالم الطّبيعة وعالم النّفس وعالم العقل حتى عاين هذه العلوم وأدركها. أو ليس هذا مثل ما ادّعاه المنّانيّة (٧) لمانى حذو النّعل بالنعل والقذّة بالقذّة ؛ فكيف لم يعب من هو على مذهبه من المتفلسفين بهذه الدّعوى؟ ولكن عيّر (٨) المسلمين وعابهم بدعوى المنّانيّة لمانى! وكيف لم يعلّق هذا الجلجل فى عنق نفسه وأهل مذهبه!؟ فانّه أولى به وأحق ، اذ كان على مذهب هؤلاء الذين ادّعوا (٩) لبثاغورس هذه الدّعوى ، ولأفلاطن وأرسطاطاليس هذه الأكاذيب.

__________________

(١) اجانة : احانةA ، حانةC (٢) ـ حين : حتى B (٣) المنانية : المانيةB (٤) ـ من : ماA (٥) ـ له : ـ A (٦) واخفاه : فاخفاه B (٧) ـ المنانية : المانيةAB (٨) ـ عير : غيرAB (٩) ـ ادعوا : ـ A

٣١٠

(٧) فأمّا القرابة بين المسلمين (١) وبين المجوس والمنّانيّة فكالفيل (٢) من ولد (٣) الأتان. فان زعم أنّ هذا ، لأنّ المنّانيّة والمجوس أقرّوا بالنبوّة كما أقرّ بها المسلمون ، قلنا : ليس كلّ من أقرّ بالأنبياء هو مصدّق فى جميع دعاويه ، ولا هو صادق مصيب فى بدعهم التى يبتدعونها. إنما نصدقه فى إقراره بالنبوة ، ونكذّبه فى هذه الترهات التى يبتدعونها. فان ادّعى الملحد أنّ من ادّعى لبثاغورس هذه الدّعوى ولأفلاطن وأرسطاطاليس هو متكذّب (٤) عليهم ، وأنّهم قد اختلفوا فى ذلك ، واختلفوا فى الأصول التى قد ذكرناها (٥) ، وذكرنا تناقض كلامهم وتكذيب بعضهم لبعض ، فلم احتجّ على أهل الملل بالخلاف ، والخلاف الّذي بين أئمّته هو فى القبح والشّناعة بحيث لا غاية وراءه. ولكنه لعله يحتج بحجّة قد كان ذكرها لى لأنّى ناظرته فى هذا الباب وطالبته وقلت له : الخلاف الّذي بينكم هو أقبح وأشنع مما تدعيه (٦) على أهل الشّرائع. فقال مجيبا : مثلنا ومثلكم فى (٧) هذا مثل رجلين اختصما فقال أحدهما لصاحبه : أليست (٨) أختك معروفة بالزّنا (٩)؟ فقال الآخر : يجوز ، فانّ ابنتك أيضا (١١) مشهورة (١٢) بالفجور. فكان هذا جوابه والتجأ إلى هذه السّخافة يريد بذلك أنّه يجوز (١٠) وإن اختلفنا (١٣) فقد اختلف أصحاب الشّرائع. قلت له : إذا كان الأمر هكذا ، فالتّمسك بشريعة محمّد (ص) أولى وأنفع فى العاجل والآجل. أما فى العاجل فحقن الدّم وتحصين المال والأهل وصيانة الفروج وتصحيح النّسب بالولادة الطّيبة بتزويج حلال ، فانّ ذلك أجمل فى المروءة لمن لا يعتقد

__________________

(١) لافلاطن ... المسلمين : ـ A (٢) ـ فكالفيل : كالفيل ABC (٣) من ولد : لولدB (٤) ـ متكذب : تكذب B (٥) ـ ذكرناها : + وذكرناهاA (٦) ـ تدعيه : يدعيه B (٧) ـ فى : + مثل A (٨) ـ أليست : أليس ABC (٩) بالزنى : بالزناBC ـ (١٠) ـ يجوز : يحوب B (١١) أيضا : ـ C (١٢) مشهورة : + مشهورةA (١٣) اختلفا : اختلفاC

٣١١

الاسلام أيضا ، من (١) إباحة فروج الأمّهات والبنات والأخوات. هذا إلى سائر المنافع التى قد جرى ذكرها. وأما فى الآجل فللوعد بالثّواب الجزيل العظيم الّذي لا يقادر قدره ، والوعيد بالعذاب الأليم (٢) الّذي لا ألم (٣) فوقه. فالأخذ بالوثيقة فى هذا أحزم من الدّخول فى التّعطيل والقول بالالحاد الّذي لا يحقن فيه دم ولا يحصّن مال ولا أهل ولا يصان فرج ولا يصحّ نسب وفى الآخرة عذاب أليم.

(٨) نقول لمن يصحّح هذا الدعوى لأفلاطن (٤) وجالينوس ، أفلا (٥) علم أفلاطن مع حكمته واستحكام معرفته أنّه إذا لم يوجد للموت حيلة فى هذه الأرض العامرة التى تطلع عليها الشّمس وينبت فيها من كل نبات ، وأنّ هذه الأخلاط التى يعالج بها (٦) جميع الأدواء ، تكون (٧) فى العمران ، فاذا لم يوجد هاهنا دواء يدفع به الموت ، كيف يجده (٨) فى الخراب وفى جبال لا تطلع عليها الشمس ولا يكون فيها نبات؟! أو كيف غرّته نفسه واغترّ بالأمانى ، وقد عاين وعرف أنّ أحدا من العالمين لم يسلم من الموت؟! فهلا اعتبر بذلك؟! أولم يكن له من (٩) العقل مع حكمته أن يعرف هذه الحال؟ وهل هذا إلّا كذب من هؤلاء الضّلال الذين أرادوا أن يعظموا شأن أفلاطن فشانوه بما قدر وأنهم يزيّنونه (١٠) به؟

(٩) وأمّا القول فى الذين ادّعوا أن أفلاطن بعث ألف رجل فى مشارق الأرض ومغاربها ، وأنّ أرسطاطاليس بعث قوما مع ذى القرنين ليعرفوا التّخوم والأقاليم والجزائر ويجلبوا العقاقير ويجرّبوها ، فانّ فيما ذكرنا

__________________

(١) ـ من : فى C (٢) ـ الاليم : الم A ، ـ B (٣) الم : اله B (٤) ـ لافلاطن : لافلاطون B (٥) أفلا : الافلاAC ـ (٦) ـ بها : + فى B (٧) تكون : وتكون ABC (٨) ـ يجده : يجده ABC (٩) ـ من : ـ B (١٠) ـ يزينونه : يزينوه B

٣١٢

فى شأن العقاقير (١) ، ومن يدّعى أنّهم عرفوها بالطّبع والفطنة ، كفاية. وهو جواب يجمع هؤلاء وأولئك ؛ لأنّ سبيل هؤلاء ، سبيل أولئك ، وفى ذلك مقنع لمن أنصف إن شاء الله تعالى. وبعد فانّا نقول : إن كان هؤلاء عرفوا من العقاقير (٢) فى هذه البلدان التى صاروا إليها ما لم يعرفه أفلاطن وجالينوس ، فهؤلاء قدوة لأفلاطن وجالينوس (٣). فاين أسماء هؤلاء الذين كانوا أشدّ عناية بهذا (٤) الشّأن من هذين الرّجلين ، وتحملوا من المشقّة ما لم يتحمّله هذان الرجلان؟ وأين تلك العقاقير التى جلبوها من هذه البلدان؟ ولم (٥) لم تنسب إليهم كما نسبت (٦) كتب أفلاطن وجالينوس إليهما؟ ومحصول هذه الدّعاوى أنها زخارف وأكاذيب ، وهو من سخف الملحدين ودعاويهم الكاذبة. وذكرنا ذلك لأنّ (٧) الملحد (٨) ترك هذه الدّعاوى وعاب المسلمين بما تدّعيه المجوس والمنّانيّة (٩) لزرهشت ومانى من الأباطيل المبتدعة إلحادا منه وشدّة عداوة للاسلام. وما مثله فى ذلك إلّا كما قال الأوّل :

كناطح صخرة يوما ليفلقها

فلم يضرها (١٠) وأوهى قرنه الوعل

__________________

(١) ـ العقاقير ... العقاقير : ـ B (٢) ـ من العقاقير : للعقاقيرA (٣) ـ فهؤلاء ... جالينوس : ـ A (٤) ـ بهذا : بهذه C (٥) ـ ولم : ولوB (٦) كما نسبت : ـ B (٧) ـ لان : ان C (٨) الملحد : الملحدين B (٩) ـ المنانية : المانيةB (١٠) ـ يضرها : يضربهاB

٣١٣

الفصل الرابع

كل معرفة عائدة إلى الحكيم الاول

(١) وقد ذكرنا فى باب العقاقير التى هى فى الأرض ويمكن مباشرتها بالحواس ، بالذوق والأراييح ، وجها (١) من صعوبة الأمر فيها : ما يقارب صعوبة الأمر فى باب النّجوم وإن كانت فى السماء. والسبيل فى معرفة العقاقير بالطّبع والفطنة مثل السبيل (٢) فى معرفة النّجوم ، وبيّنا (٣) أنّ تناول ذلك عسر جدّا ، وليس إلّا الرجوع فى ذلك الى أصول الحكماء وأنّ ذلك لا يلحق (٤) إلّا بالتعلّم والرّياضة والاقتداء بقوانينهم ؛ وما سوى (٥) ذلك من الدّعاوى فى باب إدراك شيء منه بالطّبع والفطنة ، هو باطل ، ومن (٦) يدّعى ذلك هو كاذب أثيم ذو إفك عظيم. وإنّما يعرف هذه العقاقير بالطّعوم والأراييح من تقدّمت معرفته بها ، فيذوق ويشمّ ما يعلم أنّها تضرّه إذا ذاقها وشمّها ولا يخشى غائلتها ، فيميّز الأجود من الأدون والخالص من المغشوش (٧) والصّافى

__________________

(١) ـ وجها : وشرحهاBC ـ (٢) السبيل ... السبيل : ـ A (٣) ـ وبينا : ـ A (٤) ـ لا يلحق : ـ C (٥) سوى : سوت A (٦) ـ ومن : من A (٧) ـ المغشوش : المشوب A

٣١٤

من المختلط. فمن هذه الجهة (١) تعرف بالشّم والذّوق. فأما أن يعرف إنسان طبعها بالشّم والذّوق ، ويعرف (٢) الخصوصيّة التى فيها من غير معرفة تقدّمت منه بها ، فهو أمحل المحال. وسبيل الطّبيب الحاذق المتفلسف الّذي يعرف العقاقير وسبيل من لم يمارس هذا الشأن ولا يعرف شيئا منه فى معرفة طبيعة شيء لم تتقدّم معرفته به واحد. ومن ادّعى سوى ذلك فهو مبطل.

(٢) وقد كنت ذاكرت الملحد فى ذلك فباهت وأصرّ على هذه الدّعوى. فقلت له : هل (٣) أدركت أنت بطبعك وفطنتك ما لم يسبق إليه من تقدّمك فيصدّقك فى هذه الدّعوى.؟ قال : نعم (٤) ، أخبرك فى هذا بأمر عجيب. كانت لى قصة مع أحمد بن إسماعيل وقت مقامى ببخارى عجيبة. وذلك أنه قد كان خرج يوما من الأيّام متنزها وكنت معه فى موكبه. فدفعنا إلى موضع نزه كثير (٥) العشب والنّور. فنزل ونزلنا معه ونظر إلى حشيشة قريبة منه. فقال لى : يا فلان! لما ذا تصلح هذه الحشيشة؟ فاجبته على البديهة وقلت : تدرّ البول. فأمر ان تختلى (٦) تلك. وحضر الطّعام وقدّمت المائدة ، فوضعت تلك الحشيشة على طرف المائدة وقعدنا معه. ودعا بغلام له كان يأكل معه. فأقعده فى ناحية المائدة التى عليها تلك الحشيشة وأقبلنا نأكل. فتناول الغلام تلك الحشيشة على سبيل من تناول البقل ، وهو لم يعرف خبرها وما جرى (٧) فى أمرها. فما استتمّ طعامه حتى قام عن المائدة وغاب عنا وبال. فلما انصرف قال له صاحبه : ما شأنك ولم قمت عن الطعام؟ قال : غلبنى البول ولم أقدر على ضبطه. فتعجّب هو من ذلك

__________________

(١) الجهة : الحجةB (٢) ـ يعرف ... يعرف : ـ B (٣) ـ هل : ـ B (٤) ـ نعم : + اناC (٥) ـ كثير : كثرA (٦) ـ تختلى : يختلى C (٧) ـ جرى : حمى C

٣١٥

وتعجّب النّاس.

(٣) قلت له : فهل كنت عرفت هذه الحشيشة قبل ذلك؟ قال : لا والله ، ما كنت رأيتها ولا عرفتها. قلت : فهل (١) توجد فى بلدنا وهل تعرفها الآن؟ قال : لا والله ، ما أعرفها ولا أدرى توجد هاهنا أم لا. قلت له : ألست تعرف شأن هؤلاء (٢) الزّراقين الذين يقعدون على السّبيل ويخدعون عوامّ النّاس بالزّرق؟ قال (٣) : هل أحد أعرف بهم منى؟ قلت : فانّ حديثك هذا هو (٤) من نوع الزّرق ، وليس هو من نوع المعرفة بطباع (٥) العقاقير طبعا وفطنة وتجربة. قال : وأى فطنة ألطف من هذه؟ قلت : كيف تعدّ (٦) هذا من الفطنة؟ وكيف (٧) تشبّه هذا بفطنة الحكماء الذين تزعم أنّهم أدركوا معرفة طبائع الأشياء بفطنتهم واستخرجوا ذلك بالذّوق والشمّ (٨) ، وكانوا بزعمك لا يعرفون ذلك إلّا (٩) بتدبير وتأمّل وقياس وتجربة وشمّ وذوق ؛ ثم كانوا يدونون (١٠) فى كتبهم ما يلحقون معرفته حتى يصير أصلا يعتمد عليه ، وتزعم أنّ هذه الأصول كان سبيلها هكذا وأنت تزعم أنك تكلّمت فى هذه الحشيشة على البديهة من غير فكرة ولا رويّة ولا تجربة ، وأنك لم تعرف هذه الحشيشة قبل ذلك ولا ذقتها (١١) ولا شممتها ولا تعرفها الآن ولا تدرى هل توجد فى هذه البلدان أم لا؟ او (١٢) ليس قولك هذا (١٤) هو الزّرق ودعواك هى بالزّرق أشبه منها بفطنة الحكماء وتجاربهم؟ أو ليس هذا هو الزّرق بعينه؟ أو لست تزعم أنك أعرف الناس بالزّراقين؟ فهل هذا إلّا الزرق بعينه؟ أو ليس (١٣) الزّرق هو خديعة وسخرية؟ فان كان أولئك الحكماء سبيلهم فى معرفة طبائع العقاقير هكذا ، فكانوا زرّاقين (١٥) يخدعون

__________________

(١) ـ فهل ... فهل : ـ C (٢) ـ هؤلاء : ـ C (٣) ـ قال : قدل ٤ (٤) هو : هوى A (٥) ـ بطباع : بطبائع C (٦) ـ تعد : بعدA ، تعدن C (٧) وكيف : ـ AC ـ (٨) ـ بالذوق والشم : بالشم والذوق B (٩) الا : الاشياء بفطنتهم A (١٠) يدونون : يدونواB (١١) ـ ولاذقتها : ـ A (١٢) ـ او : وA (١٣) أولست ... او ليس : ـ B (١٤) ـ هذا : ـ A (١٥) ـ زارقين : زارقين B

٣١٦

الناس ويسخرون. ولو كان كذلك لما صحّ شيء من رسومهم ولا انتفع النّاس بشيء (١) من كتبهم ؛ لان الزّرق باطل وخديعة لا قوام له ولا نظام. وأنت ، وإن (٢) تم لك ذلك الزّرق على ذلك الإنسان ، فانا لا ننخدع لك ؛ وهذه اوهى حجة أوردتها فانقطع.

(٤) وأستغفر الله من الزّيادة والنقصان فى هذه الحكاية ، فان الكلام يزيد وينقص ؛ ولكن هذا جملته. وإنّما ذكرت هذا لان الملحد حين طالبته بما لحقه بطبعه وفطنته من معرفة طبائع العقاقير طول عمره ، لم يحصل من دعواه الا على ما ذكرناه عنه ، مع دعواه أنّه (٣) نظير بقراط وجالينوس فى الطبّ وسقراط وأرسطاطاليس فى (٤) سائر علوم الفلسفة والعلم بالطّبائع. وهكذا تحصل جميع دعاوى الملحدين فى باب معرفة الأشياء بالفطنة والطبع ، وهى سخيفة متناقضة. فان كان قد صدق فى هذه الحكاية ، فهو سخيف (٥) كما ترى. وإن كان كذب ، فالكذب (٦) أولى به.

(٥) وأمّا ما ذكره الملحد فى كتابه فى هذا الباب أنّ منها ما أخذه الأوّل عن الأوّل (٧) إلى نهاية الزّمان ، فان كان أراد بقوله (٨) نهاية الزّمان ، ما كان يعتقده من القول بقدم الزّمان المطلق الّذي جعله أصل مقالته وزعم انهما (٩) زمانان (١٠) : زمان مطلق (١١) وزمان مضاف ، فقد أحال فى الدّعوى ونقض قوله ؛ لأنّ الزّمان المطلق عنده قديم بلا نهاية ولم يدع (١٢) هو أنّ الطب قديم مع الزّمان. وإن كان أراد الزّمان المضاف الّذي هو بحركات الفلك ، فقد أحال أيضا ،

__________________

(١) ـ بشيء : شيءB (٢) ـ وان : فان AB ، ـ C (٣) ـ انه : + ليس C (٤) ـ فى : ليس فى B (٥) ـ فهو سخيف : فى سخف C (٦) ـ فالكذب : فى الكذاب B ، والكذب C (٧) ـ عن الاول : ـ C (٨) بقوله : + بقوله C (٩) ـ انهما : انهاC (١٠) ـ زمانان : زمان C (١١) مطلق : + مطلق A (١٢) ـ لم يدع : لم يدعى C

٣١٧

لأنّ الطب وحساب النّجوم أخذت بعد حدوث البشر والبشر آخر متولّدات العالم عند أهل الشرائع وعند الفلاسفة ، والفلك وحركاته وما فيه ، اقدم من جميع المتولّدات. وليست النهاية فى معرفة هذه الأسباب إلى نهاية الزّمان فى هذا الوجه أيضا (١). ولكنا نقول : إنّ علم الطبّ ومعرفة طبائع العقاقير وغير ذلك من علم (٢) النّجوم والفلسفة ، أخذه الخلف عن السّلف إلى أن ينتهى إلى الحكيم الّذي كان الأوّل فيها ، وإنّ ذلك الحكيم عرف هذه اللّطائف تأييدا من الله عزوجل (٣) ووحيا منه وهو داخل فى جملة الأنبياء (ع) ، لان أحدا ليس فى وسعه أن يبلغ معرفتها إلّا كذلك.

وكفى بما تقدّم من الاحتجاج برهانا ودليلا على ذلك ونقول : إنّ هؤلاء الحكماء الذين تنسب إليهم هذه الأصول إن كانت ابتداء منهم ، فكما (٤) ذكرنا. وإلّا فأخذوها عمّن تقدّمهم (٥) شيئا بعد شيء (٦) فيها ؛ فكان سبيله سبيل من تقدّمه فى التأييد من الله عزوجل ، حتى ينتهى (٧) الامر إلى الاوّل الّذي ابتدأه الله بتعليم (٨) ذلك ، لأنّ الله عزوجل بعث أنبياءه فعلّمهم من كل شيء يحتاج إليه النّاس (٩) فى أمورهم دينا ودنيا ولذلك استقام أمر العالم. ولو لا أنّ الله عزوجل (١٠) علّمهم لما علموا ؛ لأنّه خلق جميع الخلائق ، وعلم ما ظهر وما بطن ، ولم يشرك أحدا (١١) من خلقه فى العلم بها إلّا النبىّ ، وهو عالم الغيب ، لا يظهر على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول (١٢) وهو أعلم حيث يجعل رسالته (١٣) ولا يشرك فى حكمه أحدا.

__________________

(١) ـ أيضا : ـ A (٢) ـ علم : علوم B (٣) ـ عزوجل : ـ A (٤) ـ فكما : كماAB ، مثل ماC (٥) ـ عمق تقدمهم : عن حكماء يقدموهم AC ، + قابلين C (٦) شيئا بعد شيء : بلبن شاشاA ، شيئا تشئياC (٧) ـ حتى ينتهى ... الفه : ـ A (٨) ـ بتعليم : بتعلم A (٩) ـ إليه الناس : الناس إليه C (١٠) ـ عزوجل : ـ A (١١) ـ احدا : احدA (١٢) رسول : رسوله A (١٣) رسالته : رسالاته B

٣١٨

فهرس الاعلام

الف

آدم (ع) : ٨٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٥

آغا يونس : ٢٧٩

آمنة : ٨٨

ابان بن عياش : ٤٨

ابراهيم (ع) : ٤٩ ، ٨٧ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٧٦

ابن ابى العوجاء : ٤٧ ، ٤٨

ابن احمر المخضرمى : ٢٣١

ابن المبارك : ٤٨

ابن المقفع : ٤٧

ابن المسعود : ٢١٢

ابن عباس : ٤٩

ابو الاسود الدؤلي : ٢٩١

ابو بكر : ٢٦ ، ٤٤ ، ٨٤ ، ٢٦٤

ابو بكر ختن التمار (المتطبب) : ٢٧ ـ ٢٦

ابو سفيان : ٧٨

ابو عاصم قاضى مرو : ٤٩ ، ٥٤

ابيقورس : ١٣٥ ، ١٣٦

ابى بن خلف : ٨١

ابى بن كعب : ٤٨

احمد بن اسماعيل : ٢٧٨

اخنوخ : ٢٧٨

ادريس النبي : ٢٧٩

ادريس بن ادريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن على (ع) : ٢٦٧

اربد بن قيس : ٢١٦ ٢٧٨

ارسطاطاليس : ٧ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٩ ، ٧٢ ، ١٢٧ ، ١٣٨ ، ١٤٤ ،

اسكندر : ٨٩

اسماعيل (ع) ٨٧ ، ١٩٥ ، ٢٨٦

إسماعيل : بن ابراهيم ٨٧ ، ٢٨٦

اشعياء : ٥٠ ، ٥٤ ، ١٩٦ ، ١٩٧

افلاطن : ٧ ، ١٦ ، ١٩ ، ١٣٣ ، ١٤٠

افلاطن القبطى ١٤٠

اقليدس ٢٥٧ ، ٢٧٥ ، ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٢٨٩

٣١٩

الاسود العنسى المتنبى : ٢٦٣

الاسود بن عبد يغوث : ٢١٧

الاشعث بن قيس ٢٦٥

البراء بن عازب ٢١٤

الحارث بن الطلاطلة ٢١٨

الحكماء السبعة : ١٣٢

الديسمى الاباضى ٢٦٧

الصين ٢٦٧

المامون ٢٧٦

المغيرة ، صاحب ابراهيم ٤٩

المنذر بن زياد ٤٩

أم الطفيل ٥٠ ، ٥٩

أمّ الفضل ٢٠٩

أمّ معبد ٨٦

امية بن خلف الحجمى ٢٤٨

امية بن عبد شمس ٢٠٠

انبدقليس ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٢ ، ١٤٤

اندريوس ٢٧٨

انكساغورس ١٣٤ ، ١٤٣

آنكسماندروس : ١٣٨

انكسمانس ١٣٧ ، ١٤٣

انيقوس ١٣٤

اوريا ١٠٦

اهبان بن اوس الاسلمى (مكلم الذئب) ٢٠٢

ابرقليطس واناسيس ١٣٦

أيوب بن خوط ٤٩        

ايساغورس ١٤٤

ب

باذان : ٢٠٧

بال ٢٧٧

بخت نصر ١٠١ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

برخمس الهندى ١٣٥ ، ١٤١

برقلس ١٠٧ ، ١٣٥

برقونس ١٤١ ،

بطلميوس ٢٧٤

بقراط ٢٧٤

بلطشاسر ٢٧٦

بليناس ١٠٧

بوثاغورس ١٣٦ ، ١٣٩ ، ١٤٥ ، ٤٦

بولس ١٠٣

بيرس ١٣٤

ت

تغلث فلاسر (ملك الموصل) ١٠١

تيرس ١٣٤

تيموثاوس ١٠٣

ث

ثالس ١٣٣ ، ١٣٧

ج

جابر بن عبد الله الجعفى ٢١٣ ، ٣١٧

جالينوس ٢٧٤

جعفر بن محمد الصادق ٤١

٣٢٠