أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

الباب الأوّل

١
٢

الفصل الاول

فيما جرى بينى وبين الملحد

(١) أنه ناظرنى (٢) فى أمر النبوة واورد كلاما نحو ما رسمه فى كتابه الّذي قد ذكرناه (٣) فقال :

من أين أوجبتم (٤) أن الله اختصّ قوما بالنبوة دون قوم وفضلهم (٥) على الناس وجعلهم أدلة لهم وأحوج (٦) الناس إليهم ، ومن أين أجزتم فى حكمة الحكيم أن يختار لهم (٧) ذلك ويشلى بعضهم على بعض ويؤكّد بينهم العداوات ويكثر المحاربات (٨) ويهلك بذلك الناس؟!

قلت : فكيف يجوز عندك فى حكمته أن يفعل؟!

قال : الأولى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم (٩) أن يلهم عباده أجمعين معرفة منافعهم ومضارهم فى عاجلهم وآجلهم (١٠) ؛ فلا يفضّل بعضهم على بعض ولا يكون بينهم تنازع ولا اختلاف فيهلكوا ، وذلك (١١) أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمة لبعض ؛ فتصدّق كلّ فرقه إمامها وتكذب غيره ، ويضرب بعضهم

__________________

(١) ـ فيما : وفيما B (٢) ـ ناظرنى : ناظر A (٣) ـ ذكرناه : ذكرنا B (٤) ـ اين اوجبتم : اين ما اوجبتم A (٥) فضلهم : فضله A (٦) ـ واحوج : من احوج A (٧) ـ ان يختار لهم : يجب ادلهم C (٨) ـ المحاربات : المجاذبات B (٩) ـ الاولى ... الرحيم : الاولى بحكمته والاحق C (١٠) ـ وآجلهم ـ C (١١) ـ وذلك : وذا B

٣

وجوه بعض بالسّيف ، ويعمّ البلاء (١) ويهلكون (٢) بالتّعادى والمجاذبات ؛ وقد هلك بذلك كثير من النّاس (٣) كما نرى.

قلت : ألست تزعم أنّ البارى جلّ جلاله (٤) حكيم (٥) رحيم؟

قال : نعم!

قلت : فهل ترى الحكيم فعل بخلقه (٦) هذا الّذي تزعم أنه أولى بحكمته ورحمته ، وهل احتاط لهم ، فألهم الجميع ذلك ، وجعل هذه الهبة عامّة ، ليستغنى (٧) الناس بعضهم عن بعض ، وترتفع عنهم الحاجة ، إذ كان ذلك أولى بحكمته ورحمته؟

قال : نعم!

قلت : أوجدنى حقيقة ما تدّعى. فانّا لا نرى فى العالم إلّا إماما ومأموما وعالما ومتعلما فى جميع الملل والأديان والمقالات من أهل الشرائع وأصحاب الفلسفة التى هى أصل مقالتك ؛ ولا نرى النّاس يستغنى بعضهم عن بعض (٨) ، بل كلهم محتاجون بعضهم الى بعض غير مستغنين بإلهامهم عن الأئمّة والعلماء ، ولم يلهموا (٩) ما ادعيت من منافعهم ومضارهم فى أمر العاجل والآجل ، بل أحوجوا إلى علماء يتعلمون منهم وأئمّة يقتدون بهم وراضة يروضونهم (١٠) ؛ وهذا عيان لا يقدر على دفعه إلّا مباهت ظاهر البهت والعناد. وأنت مع ذلك تدّعى أنك قد خصصت بهذه العلوم التى تدّعيها من الفلسفة (١١) ، وأن غيرك قد حرم ذلك وأحوج إليك ، وأوجبت عليهم التّعلم منك والاقتداء بك.

(٢) قال : لم أخصّ بها انا (١٢) دون غيرى ، ولكنّى طلبتها وتوانوا فيها ، وإنّما حرموا ذلك لاضرابهم عن النّظر لا لنقص (١٣) فيهم. والدليل على ذلك أنّ احدهم

__________________

(١) ـ البلاء : البلاCB (٢) يهلكون : يهلكواABC (٣) ـ من الناس : والناس A (٤) ـ جل جلاله ـ A (٥) حكيم : هو حكيم A (٦) ـ بخلقه : بخلق C (٧) ـ ليستغنى : ليستغن A (٨) ـ وترتفع ... عن بعض ـ C (٩) ـ ولهم يلهموا : لم يلهمواB ، بل يلهموا فلم C (١٠) ـ يروضونهم : يرضونهم AB (١١) ـ من الفلسفة : والفلسفة (١٢) ـ بها انا بها : BC (١٣) ـ لا لنقص : لنقص A

٤

يفهم من أمر معاشه وتجارته وتصرّفه فى هذه الأمور ويهتدى بحيله (١) الى أشياء تدقّ عن (٢) فهم كثير منّا ، وذلك لأنه صرف همّته إلى ذلك ؛ ولو صرف همّته إلى ما صرفت همّتى أنا إليه وطلب ما طلبت لأدرك (٣) ما أدركت.»

قلت : فهل (٤) يستوى النّاس فى العقل والهمّة والفطنة ، أم لا؟

قال : لو اجتهدوا واشتغلوا بما يعينهم (٥) لاستووا فى الهمم والعقول.

قلت : كيف تجيز هذا وتدفع العيان؟! وإنّا نرى ونعاين أنّ النّاس على طبقات وتفاوت مراتب ، ولست (٦) تقدر على دفع ما اتّفق النّاس عليه ، أن يقولوا : فلان أعقل من فلان ، وفلان عاقل وفلان أحمق ، وفلان أكيس من فلان (٧) ، وفلان كيّس وفلان بليد ، وفلان لطيف الطّبع وفلان غليظ الطّبع ، وفلان فطن وفلان غبىّ ؛ ومن دفع هذا فقد كابر وعاند. وإذا ثبت هذا فقد وقعت (٨) الخصوصيّة. وقد علمنا (٩) أنّ الأحمق البليد الطّبع الغبىّ (١٠) لا يدرك بفطنته ونظره ما يدركه العاقل الكيّس الفطن اللّطيف الطّبع من العلوم الدّقيقة والجليلة فى باب المعاش والصّناعات التى ذكرت أنّ النّاس اشتغلوا بها عن النّظر (١١) فى العلوم الدقيقة وأنهم بلغوا فى تلك الصّناعات ما يدقّ عن أفهامنا. والنّاس فى ذلك أيضا (١٢) يتفاوتون فى المراتب والطّبقات ويتفاضلون فى كلّ صناعة. وفى كلّ طبقة من النّاس فاضل ومفضول وعالم ومتعلّم ولا نرى أحدا (١٣) يدرك شيئا من الأمور بفطنته وكيسه وعقله إلّا بمعلّم يرشده وبقانون يرجع إليه ثمّ يتحدّى على مثاله ويبنى عليه أمره ؛ وهذا ما لا مرية فيه ، ولا يقدر أحد على دفعه.

وإذا ثبت هذا فقد جاز أن يقع التّفاضل فى النّاس ، والتّفاوت فى مراتبهم ؛ كما قد اجزت لنفسك ما تدّعيه أنّك أدركت (١٤) من علوم الفلسفة

__________________

(١) ـ بحيله : بحيلته AB (٢) ـ عن : من B (٣) ـ لادرك : لادراك B (٤) ـ فهل : نعم فهل B (٥) ـ يعينهم : يغنيهم C (٦) ـ ولست : وليست B (٧) ـ وفلان عاقل ... من فلان ـ B (٨) ـ وقعت : وجبت C (٩) ـ وقد علمنا : وعلمناB (١٠) ، البليد الطبع الغبى : الغبى البليد الطبع B (١١) ـ عن النظر : من النظرA (١٢) ـ فى ذلك أيضا : أيضا فى ذلك B (١٣) ـ احدا : احدC (١٤) ـ ادركت : قد ادركت A

٥

بالعقل الكامل والهمّة البعيدة (١) والطّبع (٢) التّام ، ما لا يقدر على بلوغه من هو ناقص العقل متخلّف فى الهمّة (٣) ، ولا يتعلّمه وان علّم ، ولا يتوجّه له وإن هدى إليه (٤) ، لبلادته ونقصان طباعه ؛ وهذا موجود فى جبلّة النّاس ، أنّ البليد الجافى لا يبلغ معرفة ما يبلغه الفطن ولا يطيقه وإن تكلّفه واجتهد فيه. فاذا وجب هذا وثبت أن تختلف (٥) أحوال النّاس فى العقل والكيس والفطنة ، فقد وجب أن يحوج بعضهم إلى بعض (٦) ، وأن يتعلّم بعضهم من بعض ، فيكون فيهم عالم ومتعلّم ، وإمام ومأموم ، فى جميع الأسباب فى الدّين وفى الأمور الدنياويّة ، كما نشاهده عيانا ؛ وقد انتقض قولك انه : لا يجوز فى حكمة الحكيم ورحمة الرّحيم أن يجعل النّاس بعضهم أئمّة لبعض ، وانه يجب أن يلهم عباده أجمعين (٧) معرفة منافعهم ومضارّهم فى عاجلهم وآجلهم ، وأن لا يحوج بعضهم إلى بعض ؛ وزعمت أنّ ذلك أحوط لهم ، وأولى بحكمته. فانّ (٨) هذا غير موجود فى جبلّة النّاس.

ونرى الحكيم الرّحيم قد فعل بعباده خلاف ما تدّعيه أنّه أحوط لهم وأولى (٩) بحكمته ، إلّا ما نجد فى طبائعهم من تساويهم فى أشياء طبعوا عليها ، كما طبع عليها سائر أصناف الحيوان من البهائم والسّباع والطّير ودوابّ الماء (١٠) وجميع الأجناس ، من طلب الغذاء والتّناسل ، وألهمت معرفة مالها من المنافع والمضارّ فى ذلك ؛ فكلّ جنس من الحيوان لا تفاضل فيه (١١) ولا درجات بينه (١٢) ، بل استوت فى ذلك ، وهى مطبوعة عليه ، فلا درجات بينها (١٣) ولا مراتب ، لأنّها ليست بمأمورة ولا منهيّة (١٤) (ولا مستعبدة) ولا مكلّفة ولا مثابة ولا معاقبة ؛ ومن (١٥) أجل (١٦) ذلك لا درجات بينها.

وخصّ البشر بأن يكون فيهم عالم ومتعلّم ، وإمام ومأموم ، وفاضل

__________________

(١) ـ الهمة البعيدة : الهم البعيدA (٢) ، والطبع : والطباع BC (٣) ـ فى الهمة : فى الهم A (٤) ـ إليه ـ C (٥) ـ تختلف : يختلف AB (٦) ـ بعضهم الى بعض : بعضهم الى بعضهم B (٧) ـ اجمعين : ـ B (٨) ـ فان : وان B (٩) ـ واولى : وانه اولى B (١٠) ـ دواب الماء : ذوات النماءC (١١) ـ فيه : فيهاABC (١٢) بينه : بينهاABC (١٣) بل استوت ... بينها : ـ B (١٤) ـ منهية : مضريةA (١٥) ومن : فمن ABC (١٦) اجل : ـ B

٦

ومفضول ، ليقوم الأمر والنّهى ، وتظهر الطّاعة والمعصية ، ويثبت الاستعباد ، ويقع الثّواب والعقاب على حسب ما يكون من أعمالهم باختيار لا باجبار ؛ وهذا أوجب فى حكمة الحكيم ورحمة الرّحيم من أن يكون سبيل البشر سبيل البهائم وسائر الحيوان.

(٣) وليس يخلو الأمر من إحدى ثلاث خلال (١) :

إمّا أن تقول : إنّ الحكيم (٢) ترك ما ادّعيت أنّه أولى به فى حكمته ورحمته وأنّه أعمّ نفعا لبرّيته وأحوط لهم ، فلم يفعله بهم وهو يقدر عليه ، فانّ الّذي تدّعيه من هذا الباب هو معدوم فى العالم ، وإنّه فعل بهم ما هو أعمّ ضررا وأقرب إلى هلاكهم على زعمك ؛ فيكون قد فعل ما لا توجبه (٣) الحكمة والرّحمة ؛ فانّا نراه قد فعل بهم هكذا من إحواج بعضهم إلى بعض.

أو تقول : أراد ذلك وأوجبه (٤) ، فلم يقدر عليه ؛ فتلزمه (٥) العجز.

أو تقول : إنّ الأولى بحكمته ورحمته ما قد فعله بهم ، على نحو ما ادّعيناه ؛ فترجع عن أصلك وتدع اعتقادك السّقيم (٦) ودعواك البشعة (٧) التى قد نقضتها على نفسك حين زعمت أنّك أدركت بفطنتك ودقة نظرك ما لم يدركه كثير من الفلاسفة القدماء ؛ وهم كانوا لك أئمّة ، وفى أصولهم نظرت وكتبهم درست وبها استدركت ما تدّعيه. فمرّة تزعم أنّه لا يجب أن يكون الناس أئمّة بعضهم لبعض ، وأنّه يجب أن يتساووا ، فلا يحوج (٨) بعضهم إلى بعض ؛ ثمّ تنتقض (٩) على نفسك كما قد أجزت أن تتفاوت (١٠) مراتب الفلاسفة حتّى يدرك بعضهم ما لا يدركه البعض ، وأن يكون بعضهم أئمّة لبعض ؛ كما اتّفقت عليه الفلاسفة أنّ أفلاطن الحكيم (١١) كان إماما لأرسطاطاليس وأنّ أرسطاطاليس كان تلميذا له ، وكما ادّعيت أنّهم قد نقصوا عن مرتبتك حين أدركت ما تدّعى

__________________

(١) ـ خلال : خصال B (٢) ـ ان الحكيم : ـ B (٣) ـ توجبه : يوجبه B (٤) ـ اوجبه : احبه A ، اجبه B (٥) فتلزمه : فلزمه B (٦) ـ السقيم : ـ AC ـ (٧) البشعة : الشنيعةBC ـ (٨) ـ يحوج : يخرج B (٩) ـ تنتقض : تنقض AC ـ (١٠) تتفاوت : يتفاوت ABC (١١) ـ الحكيم : ـ AB

٧

أنّهم لم يدركوه من الصواب الّذي زعمت أنّهم أخطئوا (١) فيه ، وأنّه واجب عليهم الرّجوع إلى قولك والاقتداء بك.

أو ليس قد أثبت بهذه الدّعوى المراتب والدّرجات وأثبتّ أن يكون فى الناس عالم ومتعلّم وإمام ومأموم ، وأن بعضهم تعجز فطنته عن فطنة غيره وإن اجتهد؟! أو ليس قد انكسر عليك قولك الأوّل؟!

ولعمرى إنّ هذا هو أشبه بالصواب وأثبت.

وإذا ثبت هذا ، وجاز أن يكون فى الناس عالم ومتعلّم ، وإمام ومأموم ، وأن تكون فيهم مراتب ودرجات ، جاز أن يختصّ الله بحكمته ورحمته قوما ، ويصطفيهم (٢) من خلقه ، ويجعلهم رسلا إليهم ، ويؤيّدهم ويفضّلهم بالنّبوّة ، ويعلّمهم بوحى منه ما ليس فى وسع البشر أن يعلموه (٣) ؛ ليعلّموا النّاس ، ويرشدوهم (٤) إلى ما فيه (٥) صلاح أمورهم دينا ودنيا ، ويسوسوا (٦) الخلائق بمثل ما يرى من هذه السّياسة العجيبة التى يرتاض عليها الخاصّ والعامّ والعالم (٧) والجاهل والكيّس والبليد ، ويستقيم أمر العالم بهذه السّياسة التى نشاهدها (٨) بالشرائع التى شرعوها ، واستغنى بها (٩) البليد الغليظ الطّبع عن النّظر فى دقائق علوم (١٠) الفلسفة التى يتحيّرون فيها وتبهر عقولهم ويعجزون عن ضبطها وإن اجتهدوا.

(٤) فأىّ الأمرين أولى بحكمته ورحمته ، وأوجب عليك أن تأخذ به : أن يختصّك بهذه الفضيلة التى ادّعيتها لنفسك ونقضت بها دعواك الأولى ، فتثبت (١١) دعوى من يقول بأنّ (١٢) فى العالم إماما ومأموما وعالما ومتعلما (١٣)؟

__________________

(١) ـ أخطئوا : اخطوABC (٢) ـ يصطفيهم : يصطفهم A (٣) ـ يعلموه : يعلمواA (٤) يرشدوهم : ليرشدوهم AB (٥) فيه : به (٦) ـ يسوسوا : يسوسون AC ، يوسوسون B (٧) ـ والعالم : ـ A (٨) ـ نشاهدها : تشاهدهاAB ، نشاهدها ، ولكن تحت النون نقطتين وفوقها ضمة (٩) بها : به A (١٠) ـ علوم : العلوم B (١١) ـ فتثبت : فيثبت ABC (١٢) بان : هذه بان A (١٣) إماما ومأموما وعالما ومتعلما : امام ومأموم وعالم ومتعلم ABC

٨

أو دعواك الأولى أنّه لا يجوز فى حكمته أن يكون فى العالم إمام ومأموم وعالم ومتعلم (١)؟ فاختر أيّهما شئت! فإن اخترت هذه الدعوى بطلت دعواك وانكسرت عليك (٢) ، وأنت نقضت على نفسك. وان اخترت الأخرى ، وأجزت فى حكمة الحكيم أن يختصّك بهذه الفضيلة دون غيرك ، وأن يحوج النّاس إليك وإلى التّعلم (٣) منك ، فلم أنكرت أن يختار عزوجل رسلا ويختصّهم بالنّبوّة ويجعلهم أئمّة للنّاس ، ويحوج النّاس إليهم وإلى التعلّم منهم ، ليكونوا ساسة (٤) للنّاس فى أولاهم وقادة لهم فى أمر دينهم ؛ كما تراه أنّه قد فعله؟ ولم جاز أن يفيض عليك نعمته ، فيجعلك إماما للنّاس وأنت لا تقدر على سياسة رجلين ، ولم يجز أن يفيضها (٥) على أنبيائه الذين اصطفاهم وجعلهم أئمّة للنّاس ، حتّى ساسوا العالم بأبنية (٦) شرائعهم وأحكامهم؟!!

فهذا ما جرى فى هذه المسألة ، وإن كان الكلام يزيد وينقص والألفاظ تختلف ؛ كان (٧) جملته (٨) ومعانيه ما قد ذكرته. وقد كان ادّعى فى غير هذا المجلس ما احتججت به ، أنه أدرك من العلوم ما لم يدركه من تقدّمه من الفلاسفة ، الى غير ذلك مما قد ذكرته من دعاويه.

__________________

(١) ـ او دعواك ... ومتعلم : ـ A (٢) ـ وانكسرت عليك : +A (٣) ـ التعلم : التعليم A (٤) ـ ساسة : سامةB (٥) ـ يفيضها : يفيض AB (٦) ـ العالم بابنية : العلم بانبوه C (٧) ـ كان : وكان B (٨) جملته : جمله C

٩

الفصل الثانى

فى ذكر القدماء الخمسة والقول فى التقليد والنظر

(١) وطالبته (٢) فى مجلس آخر وقلت له : أخبرنى عن الأصل الّذي تعتقده (٣) من القول (٤) بقدم الخمسة : البارى والنّفس والهيولى والمكان والزمان ؛ أهو شيء وافقك عليه القدماء من الفلاسفة (٥) ، أم خالفوك فيه؟

قال : بل (٦) للقدماء فى هذا أقوال مختلفة ، ولكنّى استدركت هذا بكثرة البحث والنظر فى أصولهم ، فاستخرجت ما هو الحقّ الّذي لا مدفع (٧) له ولا محيص عنه.

قلت : فكيف عجزت فطن هؤلاء الحكماء واختلفت (٨) أقاويلهم ، وكانوا بزعمك مجتهدين قد صرفوا هممهم إلى النّظر فى الفلسفة حتى أدركوا العلوم اللّطيفة وصاروا فيها علماء وقدوة ؛ وأنت تزعم أنك أدركت ما لم يدركوا بكثرة نظرك فى رسومهم وكتبهم ؛ وهم لك أئمّة ، وأنت لهم تبع ، لأنك درست رسومهم ونظرت فى أصولهم وتعلمت من كتبهم؟ فكيف يجوز

__________________

(١) ـ رأينا ان نضع عناوين لكل فصل كما انه قد ورد شيء من ذلك فى نسخةA (٢) ـ وطالبته : فطالبته A (٣) تعتقده : تعتقدوه C (٤) من القول : من القوم B (٥) ـ من الفلاسفة : والفلاسفةA (٦) ـ بل : ـ A (٧) ـ لا مدفع : ـ A (٨) ـ اختلفت : خالفت A

١٠

أن يكون التابع أعلى (١) من المتبوع ، والماموم أتمّ فى الحكمة من الامام (٢)؟! قال : أنا أورد عليك فى هذا ما تعلم أنّ الأمر كما ذكرته ، وتعرف الصّواب من الخطأ فى هذا الباب : اعلم أنّ كلّ متأخّر من الفلاسفة إذا صرف همّته إلى النّظر فى الفلسفة وواظب على ذلك واجتهد فيه وبحث عن الّذي (٣) اختلفوا فيه لدقّته وصعوبته ، علم علم من تقدّمه منهم وحفظه واستدرك بفطنته وكثرة بحثه ونظره (٤) أشياء أخر ؛ لأنه مهر بعلم من تقدّمه وفطن لفوائد (٥) أخر واستفضلها ؛ اذ كان البحث والنّظر والاجتهاد يوجب الزيادة والفضل.

قلت (٦) : فان كان الّذي استدركه المتأخّر خلافا على من تقدّمه كما خالفت أنت من تقدّمك ، فانّ الخلاف ليس بفائدة ؛ بل ، الخلاف شرّ وزيادة فى العمى وتقوية للباطل ونقض (٧) وفساد. ونحن نجدكم لم تزدادوا بكثرة البحث والنظر بآرائكم الّا اختلافا وتناقضا. فاذا شرطت على نفسك أنّ (٨) المتأخّر يدرك ما لم يدركه المتقدّم كما زعمت أنك ادركته وأوردت الخلاف على من تقدمك ، لا تأمن أن يجيء بعدك من يجتهد فوق ما اجتهدت ، فيعلم ما قد علمت ويستفضل ، ويدرك بفطنته واجتهاده ونظره ما لم تدركه أنت ؛ فينقض ما حكمت به ويخالفك فى أصلك ، كما نقضت على من تقدمك وخالفته فى أصله ، حين (٩) ادّعيت قدم الخمسة وزعمت أنّ من تقدّمك قد أخطأ حين خالفك ؛ وكما قد خالف (١٠) بعضكم بعضا. وعلى هذه الشّريطة فانّ الفساد قائم فى العالم والحقّ معدوم أبدا والباطل منتظم ، والذين خالفوك قد مضوا على الباطل والضّلال ؛ لأنّ الخلاف باطل والخطأ ضلال. ويلزمك أيضا على هذه الشريطة أن تمضى على الباطل والضّلال ، اذ (١١) كان الّذي يجيء بعدك يأتى بفائدة ويصيب

__________________

(١) ـ اعلى : اعلم AC ـ (٢) من الامام : عن الامام A (٣) ـ عن الّذي : على الّذي ABC (٤) ـ نظره : نظرB (٥) ، لفوائد : بفوائدC (٦) ـ قلت : +B (٧) ـ نقض : غير واضحةC (٨) ـ ان : من ان A (٩) ـ حين : حيث B (١٠) ـ وكما قد خالف : +A ، قد : ـ B (١١) ـ اذ : اذاBC ـ

١١

ما لم تصبه ، على قياس (١) قولك.

(٢) قال : ليس هذا باطلا ولا ضلالا (٢) ، لأنّ كلّ واحد (٣) منهما مجتهد. فاذا اجتهد وشغل نفسه بالنظر والبحث فقد أخذ فى طريق الحقّ ؛ لأنّ الأنفس (٤) لا تصفو (٥) من كدورة هذا العالم ، ولا تتخلص الى ذلك العالم الّا بالنظر فى الفلسفة. فاذا نظر فيها ناظر وأدرك منها شيئا ولو أقلّ قليل ، صفت نفسه من هذه الكدورة وتخلصت. ولو أنّ العامّة الذين قد (٦) أهلكوا أنفسهم وغفلوا عن البحث نظروا فيها أدنى (٧) نظر ، لكان فى ذلك خلاصهم من هذه الكدورة ، وإن أدركوا القليل من ذلك (٨).

قلت : ألست أوجبت أنّ النّظر فى الفلسفة هو الوصول إلى الحقّ والخروج عن الباطل؟

قال : نعم!

قلت : قد زعمت أنّ النّاس هلكوا بالتّعادى والاختلاف ؛ فعلى زعمك ، لا يزداد من ينظر فى الفلسفة الّا هلاكا ؛ لأنك قد أقررت ، أنّ للفلاسفة أقاويل مختلفة ، وأنّ الّذي تعتقده خلاف ما كان عليه من تقدّمك ، وألزمت نفسك هذه الشّريطة (٩) (١٠) : أنّ الّذي يجيء بعدك يجوز أن يخالفك ويخالف غيرك. فعلى هذه الشّريطة ، يقوى سبب الهلاك (١١) فى كل يوم ويزداد الباطل والضلال.

قال : أنا لا أعدّ هذا باطلا ولا ضلالا ؛ لأنّ (١٢) من نظر واجتهد هو محقّ ، وانّ لم يبلغ الغاية على ما قد وصفته لك (١٣) ، ولأنّ الانفس لا تصفو

__________________

(١) ـ قياس : فسادA ، قيادC (٢) ـ باطلا ولا ضلالا : باطل ولا ضلال ABC ، ولا : ـ B (٣) ، واحد : ـ B (٤) ـ الانفس : النفس B (٥) ، لا تصفو : لا تصفواAC ـ (٦) ـ قد : ـ B (٧) ـ ادنى : اذاA (٨) ـ وان ... ذلك : ـ B (٩) ـ ان الّذي ... الشريطة : ـ A (١٠) ، هذه الشريطة : هذا الشرطC (١١) يقوى سبب الهلاك : سبب الهلاك يقوى ABC (١٢) ـ لان : كان A (١٣) ـ لك : ذلك

١٢

الّا بالنظر والبحث ؛ هذا هو جملة القول فقط.

قلت : أمّا اذا أصررت على هذه الدّعوى ورددت الحقّ وعاندت ، فأخبرنى ما تقول فيمن نظر فى الفلسفة وهو معتقد لشرائع الأنبياء ؛ هل تصفو نفسه وهل ترجو (١) له الخلاص من كدورة هذا العالم؟

قال : كيف يكون ناظرا فى الفلسفة وهو معتقد (٢) لهذه الخرافات ، مقيم على الاختلافات ، مصرّ على الجهل والتقليد؟!

قلت : أو ليس ادّعيت أنّ من نظر فى الفلسفة ، وان لم يتبحّر فيها ، ونظر (٣) فى أقلّ قليل منها ، صفت نفسه؟!

قال : نعم!

قلت : فانّ هذا الّذي لم يتبحّر ونظر (٤) فى القليل ، قد اقتدى بمن تقدّمه وقلّده ، ولم يحصل الّا على الاقتداء بالخلاف وعلى التّقليد ؛ فأىّ خرافات أكثر من هذه ، وأىّ تقليد فوق هذا ، واى جهل (٥) أعظم منه ، وأىّ تصفية لنفس هذا؟! وعلى ما ذا حصل الّا على رفض الشرائع والكفر (٦) بالله وأنبيائه ورسله ، والدخول فى الالحاد ، والقول بالتّعطيل؟! أو ليس هذا أولى بأن (٧) يسمّى جاهلا (٨) مقلّدا معتقدا للخرافات والاختلاف من جميع الناس؟.

قال : اذا انتهى الكلام الى هذا يجب أن يسكت!!

__________________

(١) ـ ترجو : ترجواC (٢) ـ معتقد : معتمدB (٣) ـ ونظر : ـ C (٤) ـ ونظر : نظرA (٥) ـ جهل : جهلاA (٦) ـ والكفر : وهذا الكفرA (٧) ـ بأن : أن B (٨) ـ جاهلا : جهلاA

١٣

الفصل الثالث

قوله ان الخمسة قديمة لا قديم غيرها القول فى الزمان والمكان

(١) وطالبته فى مجلس آخر ، وقلت له : أخبرنى ، الست تزعم أنّ الخمسة قديمة لا قديم غيرها؟

قال : نعم!

قلت : فانّا نعرف الزّمان بحركات الفلك وبمرّ الأيّام والليالى ، وعدد السنين والأشهر ، وانقضاء الأوقات ؛ فهذه قديمة مع الزّمان أم محدثة؟

قال : لا يجوز أن تكون (١) هذه قديمة ، لأنّ هذه كلّها مقدرة على حركات الفلك ، ومعدودة (٢) بطلوع الشمس وغروبها ؛ والفلك وما فيه محدث ؛ وهذا قول أرسطاطاليس فى الزّمان. وقد يخالفه غيره ؛ وقالوا فيه أقاويل مختلفة ، وأنا أقول : ان الزمان زمان مطلق ، وزمان محصور. فالمطلق هو المدة والدهر ، وهو القديم ، وهو متحرك غير لابث. والمحصور هو الّذي بحركات

__________________

(١) ـ تكون : يكون ABC (٢) ـ ومعدودة : معدودةB

١٤

الفلك وجرى الشمس والكواكب. واذا ميّزت هذا وتوهّمت حركة الدهر ، فقد توهمت الزّمان المطلق ؛ وهذا هو الأبد السّرمد. وان توهّمت حركة الفلك ، فقد توهمت الزمان المحصور.

قلت : فأوجدنى للزمان المطلق حقيقة نتوهمها. فانّا اذا رفعنا حركات الفلك ومرّا لأيام والليالى وانقضاء (١) الساعات عن الوهم ، ارتفع الزمان عن الوهم ، فلا نعرف له حقيقة ، فأوجدنى حركة الدهر الّذي ذكرت أنّه الزمان المطلق.

قال : ألا ترى (٢) كيف ينقضى أمر هذا العالم بمر الزّمان : (طفّ طفّ ، طفّ)؟ هو شيء لا ينقضى (٣) ولا يفنى (٤) ، وهكذا حركة الدّهر اذا توهّمت الزّمان المطلق.

قلت : انّما ينقضى أمر العالم (٥) بمر الزّمان الّذي هو بحركات الفلك والعالم محدث والفلك محدث ، وانت مقرّ بذلك ؛ والزّمان من أسباب العالم وهو محدث معه ؛ ومرّ الزّمان وانقضاؤه (٦) مع انقضاء أمر العالم ، كما أنّ حدوثه مع حدوثه ؛ ولا نعرف للزمان حقيقة الّا ما ذكرنا من حركات الفلك والشّمس وعدد السّنين والأشهر والأيّام والسّاعات ؛ فاذا رفعت (٧) هذه عن الوهم ارتفع الزّمان ، فلا زمان كما ذكرنا. فإمّا أن تجعل هذه أيضا قديمة مع الزّمان حتى يكثر عدد الاشياء القديمة ، ويكون الفلك وما يدبّره داخلا فى هذه الجملة ؛ فيكون من ذلك الرجوع الى القول بقدم العالم.

أو (٨) تقرّ بأنّ الزمان محدث كما هذه محدثة. أو توجدنى (٩) للزمان انيّة غير هذه ،

__________________

(١) ـ انقضاء : انقطاع B (٢) ـ ترى : تراC (٣) ـ لا ينقضى : لا ينقض A (٤) ، لا يفنى : لا يفناC (٥) ـ امر العالم : امر هذا العالم B (٦) ـ انقضاؤه : انقضائه A (٧) ـ رفعت : عرفت C (٨) ـ او : وB (٩) توجدنى : توجد لى A

١٥

يكون واقعا تحت الوهم ، كما انّه الآن واقع (١) تحت الوهم ، بوقوع هذه تحت الوهم. وهذه الالفاظ التى أوردتها ، قولك : طفّ طفّ طفّ (٢) ، هو أيضا شيء يقع عليه العدد ، ولا يقع تحت الوهم الّا من جهة النطق والعدد ؛ والنطق والعدد محدّثان. واذا (٣) كان كذلك فلم تورد بعد (٤) شيئا حين أوردت هذه الألفاظ التى يستحى (٥) العاقل من (٦) مثلها. فهات ما تكون له حقيقة ويقع تحت الوهم!!

قال : هذا (٧) لا ينقضى القول فيه. وقد عرّفتك أنّ ارسطاطاليس كان يعتقد ما تقوله أنت ، وقد خولف فيه. وقول أفلاطن (٨) لا يكاد يخالف ما نعتقده فى الزمان ؛ وهذا عندى أصوب الأقوال (٩).

قلت : فاذا رجعت (١٠) إلى التقليد والى الاختلاف (١١) الّذي أنكرته ، واقتديت بافلاطن (١٢) فى هذا الباب وقلّدته ، وتركت قول أرسطاطاليس وخالفته ، فقد سلمناه لك. ويلزمك أيضا فى المكان مثل ما قد لزمك (١٣) فى الزمان.

قال : كيف؟

(٢) قلت : أخبرنى عن المكان ، أهو محيط بالأقطار ، أم الأقطار محيطة به (١٤)؟

قال : بل الأقطار محيطة بالمكان.

قلت : كيف لا تعدّ الأقطار مع (١٥) الخمسة التى زعمت أنّها قديمة؟ لأنّه ان كان المكان قديما ، فقد أوجبت أنّ الأقطار قديمة معه!

__________________

(١) ـ واقع : واقعاAC ـ (٢) ـ طف طف طف : طق طق طق C (٣) ـ واذا : اذاA ، ولاC (٤) بعد : ـ C (٥) ـ يستحى : يستحيئ BC ـ (٦) من : ـ C (٧) ـ هذا : ـ A (٨) ـ افلاطن : افلاطون B (٩) ـ الاقوال : الاقوال عندى B (١٠) ـ رجعت : قد رجعت BC ـ (١١) ، الى الاختلاف : الاختلاف A (١٢) ـ بافلاطن : بافلاطون B (١٣) ـ مثل ما قد لزمك : ما يلزمك A (١٤) ـ به : ـ B (١٥) ـ مع : ـ C

١٦

قال : الأقطار هى المكان ، والمكان هو الأقطار ، وهما شيء واحد لا فرق بينهما.

قلت : كيف لا يكون الفرق (١) بينهما؟ وكيف يكونان شيئا واحدا وقد أعطيتنى أنّ الأقطار تحيط بالمكان والمكان لا يحيط بالأقطار؟! أو ليس قد فرّقت بهذا القول بين المكان والأقطار؟ ولعمرى إنّ الصّواب أن تفرّق بينهما ، ولكن قد اضطرك الأمر الى أنّ تباهت (٢) وتقول : انهماشى واحد ، حين انتقض عليك قولك (٣) بقدم المكان دون الأقطار. فامّا أن تجعل الاقطار الستّة قديمة مع المكان حتى يصير عدد الاشياء القديمة أحد عشر ، أو ترجع عن القول بقدم المكان (٤).

قال : قد اختلف قول الفلاسفة فى الاقطار ، فأنكر بعضهم أن تكون ستّة ، وقالوا فى هذا أقوالا كثيرة.

فلما رأيته قد فزع الى هذا القول يريد أن يخرج الى كلام آخر ، قلت : لا نبالى اختلفوا فى عددها أم اتّفقوا ، زادوا أم نقصوا ، قالوا انّ اعدادها (٥) كثيرة او قالوا هو (٦) قطر واحد ، فانّ تلك الكثيرة او هذا الواحد ، هو مع المكان. فان كان المكان قديما ، فان القطر قديم (٧) ؛ وان كان [القطر] محدثا (٨) ، فانّ المكان محدث ولا بدّ للمكان من الاقطار ؛ لانه ان لم تكن اقطار ، فلا مكان.

قال : فانّى (٩) أقول فى المكان أيضا : انّه مكان مطلق

__________________

(١) ـ الفرق : ـ C (٢) ـ تباهت : تبهت A ، تبلهت C (٣) ـ قولك : القول B (٤) ـ حتى يصير ... المكان : ـ A (٥) ـ اعدادها : عددهاC (٦) ـ هو : ـ C (٧) ـ قديم : قديماB (٨) ، محدثا : القطر محدثاA (٩) ـ فانى : فان A

١٧

ومكان مضاف (١). فالمكان (٢) المطلق ، مثاله مثال الوعاء الّذي يجمع أجساما ، وان رفعت الاجسام عن الوهم ، لم يرتفع (٣) الوعاء ؛ كما لو انا (٤) رفعنا الفلك عن الوهم ، لم يرتفع الشيء الّذي هو فيه عن الوهم ؛ بل ، هو باق (٥) فى الوهم ، كالدّن (٦) الّذي يفرغ من الشراب ، فارتفع (٧) الشّراب عن الوهم ولم (٨) يرتفع الدّن (٩) بتّة (١٠). والمكان المضاف إنّما هو مضاف الى المتمكّن. فاذا لم يكن (١١) المتمكّن ، لم يكن مكان (١٢). وهذا مثل العرض الّذي اذا رفعته عن الوهم ارتفع الجسم ؛ كما أنك اذا رفعت الخطّ عن الوهم ، ارتفع السّطح (١٣) عن الوهم.

قلت : فان السطح من الخطّ وليس مثاله مثال (١٤) المكان من المتمكّن ؛ وإنّما المثال ، كقولك الاوّل فى الفلك ولكنّ الامر خلاف ما ذكرت انّك إذا (١٥) رفعت الفلك عن الوهم ، لم يرتفع المكان عن الوهم ؛ بل يرتفع المكان عن الوهم بارتفاع (١٦) (١٧) الفلك عن الوهم. والّذي قلت فى باب الدّنّ والشّراب ، هو أيضا مثل الخطّ والسّطح ؛ لأنّ كليهما (١٨) جسمان ، وليس مثل المكان والمتمكّن (١٩).

قال : فأوجدنى للاقطار (٢٠) أتّية يشار إليها (٢١).

قلت : أجبنى! هل نحن فى المكان؟

قال : نعم!

__________________

(١) ـ مضاف : محصورB (٢) ، فالمكان : والمكان AC ـ (٣) ـ لم يرتفع : لم ترتفع C (٤) ، لوانا : انالوB (٥) ـ باق : باقى AC ـ (٦) كالدن : كمالان A (٧) فأرتفع : فان ارتفع B (٨) ـ ولم : لم B (٩) الدن : الآن A (١٠) ، بته : +BC (١١) ـ يكن المتمكن : يكن متمكناC (١٢) مكان : مكاناB (١٣) ـ السطح : سطح B (١٤) ـ مثال : مثل C (١٥) ـ اذا : لوC (١٦) ـ عن الوهم بارتفاع : بارتفاع B (١٧) ـ بارتفاع : بالارتفاع A (١٨) ـ كليهما : كلاهماABC (١٩) المتمكن : ـ A (٢٠) ـ للاقطار : لاقطارA ، بالاقطارC (٢١) ، إليها : ـ B ، إليه A

١٨

قلت : فأشر إلى المكان الّذي نحن فيه.

قال : هذا الّذي نحن فيه ، لا يدفعه أحد.

قلت : قولك ان أشرت إلى (١) الأرض ، قلنا هذه أرض ولها أقطار ؛ وان أشرت الى الهواء ، قلنا هذا هواء وله أقطار ؛ وان أشرت الى السّماء قلنا هذه سماء ، ولها أقطار.

قال : هذه كلّها متمكّنة فى المكان ، والمكان ليس له جرم يشار إليه ، انّما يعرف بالوهم.

قلت : وكذلك الأقطار التى تحيط بالمكان ، ليس لها جرم يشار إليه ، إنّما تدرك (٢) بالوهم ؛ كما يدرك المكان بالوهم (٣). فان ارتفعت الأقطار عن الوهم ارتفع المكان. فاذا لا مكان ولا أقطار ، وسبيلهما فى الوقوع تحت الوهم سبيل واحد. وهذه المسألة مثل (٤) ما جرى فى باب الزّمان.

قال : أجل لعمرى ، والّذي أقوله أيضا فى باب المكان هو قول أفلاطن (٥) ؛ والّذي تشبّثت (٦) به أنت ، هو قول أرسطاطاليس. وأنا ، قد (٧) وضعت فى المكان والزّمان كتابا ؛ فان أردت الشفاء فى هذا الباب ، فانظر فى ذلك الكتاب.

قلت : لست أدرى ما فى ذلك (٨) الكتاب ، ولا ما قاله أفلاطن (٩) وأرسطاطاليس فهات على (١٠) ما تدّعيه برهانا ، ولا تحلنى (١١) على كتاب.

قال : هو ما قد قلت لك. ـ ثم سكت.

__________________

(١) ـ الى : ـ A (٢) ـ تدرك : يدرك B (٣) ـ كما ... بالوهم : ـ B (٤) ـ مثل : مثال AB (٥) ـ افلاطن : افلاطون B (٦) تشبثت : ثثبت A (٧) ـ قد : فقدAC ـ (٨) ـ ذلك : ـ A (٩) ـ افلاطن : افلاطون B (١٠) ـ على : ـ C (١١) ـ تحلنى : تحيلنى BC ـ

١٩

الفصل الرابع

[فى] أن العالم محدث

(١) قلت : قد انقضى (١) هذا (٢). ألست تزعم أنّه (٣) لا قديم الّا هذه الخمسة ، وأنّ العالم محدث؟

قال : نعم!

قلت : وأىّ هذه (٤) الخمسة أحدث العالم؟

قال نعم (٥)!

قلت (٦) : تكلّم فى هذا الباب ؛ فانّه أنفع ، فقد كثرت المطالبة من الدّهريّة لما بالعلّة فى حدث العالم.

قال : للنّاس فيه أقاويل (٧) غير مقنعة ، وليست عليهم حجة أوكد ممّا استدركته ، ولا تثبت (٨) لأحد حجة فى ذلك دون الرّجوع إلى ما أعتقده.

قلت : وما تلك الحجّة المقنعة؟

قال : أنا أقول : انّ الخمسة قديمة ، وإنّ العالم محدث. والعلّة

__________________

(١) ـ انقضى : انقض C (٢) المقصود ما دار بينهما فى الفصل السادبق. (٣) انه : ان C (٤) ـ هذه : هذA (٥) ـ قال نعم : ـ A (٦) ـ قلت : ـ C (٧) ـ اقاويل : اقاويلاC (٨) ـ تثبت : يثبت ABC

٢٠