أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

فان قال قائل ، إنّ العالم كان يساس قبل نزول القرآن ، قلنا : قامت سياسة العالم قبل نزوله فى جميع الممالك برسوم الأنبياء (ع) التى أسّسوها على الدّيانة ، وبآثارهم فى جميع الممالك. فاهل كلّ مملكة كان يسوسهم (١) من يملكهم بتلك الرّسوم. فلما جاء القرآن طبّق الأرض وكبس (٢) العالم تحت أحكامه وظهر (٣) على جميع الأديان وعلى جميع الأمم وقهر الأنام كافة. فاين يقع النّفع والضّرّ الّذي فى تلك (٤) الكتب من النّفع والضّرّ الّذي فى القرآن؟ فانّ أحكام القرآن قد نفعت المؤمن والكافر فى أمور دنياهم ، لا يستغنون عنها (٥) يوما واحدا ، وخصّت المؤمنين دون الكافرين بالنّفع (٦) فى أخراهم. فهلّا التجأ الملحد إلى المجسطي وكتب الهندسة والطبّ والمنطق ، فحقن بها دمه وحصّن ماله وذريّته حتى يكون خارجا من (٧) أحكام القرآن الّذي زعم انه لا نفع فيه ولا ضرّ (٨) كما فى تلك الكتب ، وجهل ما قد نفع الملحدين حين دخلوا تحت أحكام القرآن وحقنوا دماءهم وحصّنوا (٩) أموالهم وذراريهم وهل ينكر هذا الشّأن العظيم من نفع القرآن وضرّه إلّا معتوه ونعوذ بالله من الكفر لنعم الله والعمى فى دينه.

(٦) وقد ذكرنا طرفا من الأمور الجليلة التى يجمعها القرآن دون القوّة الالهية التى هى فيه كامنة مستسرة (١٠) ، التى هى المؤثّرة فى العالم بهذه الأسباب الظّاهرة ، التى جمعت الخاصّ والعامّ والمؤمن والكافر. وتلك القوة هى للخاصّة دون العامّة ، وللمؤمن دون الكافر ؛ وذلك أنّ الله عزوجل

__________________

(١) ـ يسوسهم : يسوس A (٢) كبس : لبس A (٣) ظهر : طبع C (٤) تلك : ـ C (٥) ـ عنها : ـ A (٦) ـ بالنفع : ـ A (٧) ـ من : + حكم C (٨) لا نفع فيه ولا ضر : ليس فيه نفع ولا ضرB (٩) ـ حصنوا : احصنواA (١٠) ـ مستسره : مسترةA ، مستترةB

٢٤١

اصطفى محمّدا (ص) لنبوّته وبعثه (١) إلى خلقه ليدعوهم إلى عبادته واختاره من (٢) الأنام ؛ فكان أطهر النّاس نفسا وأطيبهم روحا ، وكانت روحه النّاطقة ونفسه الحسّية أبلغ تهيّؤا لقبول آثار الوحى ، وأشدّ مشاكلة للرّوح المقدسة التى أيّد الله بها أنبياءه ورسله ، من جميع أرواح البشر وأنفسهم ، فأثّر ذلك الوحى فى نفسه لصفائها من كدورة العوارض النّفسانيّة التى تكدّر الأنفس ، مثل الهوى والحسد والكبر والحرص والبخل والطّغيان والاستنكاف وغير ذلك ممّا (٣) يشاكلها ، الضّارّة بأنفس البشر ، المفسدة لها. فكان هو (ص) أصفى الخلائق أجمعين نفسا من (٤) الأوساخ المدنّسة للانفس ؛ وأثّرت تلك الرّوح المقدّسة فى نفسه الحسيّة وامتزجت بروحه النّاطقة الطيّبة النقيّة من هذه الآفات والنّجاسات ، وقبل هذه الموهبة من ربّه عزوجل ، وعرف بها عظمة الله سبحانه (٥) وربوبيّته وإلهيّته ووحدانيّته وجلال سلطانه ، وقام بخالص (٦) العبوديّة ، وقويت نفسه بذلك التّأييد ، وأيقن (٧) بكلّ ما وعد الله ، وقام بأمره عزوجل ، باذلا نفسه له ، موقنا بكل ما أوحى إليه (٨) ، مؤمنا بكل ما أعلمه أنه (٩) يبلغه إذا قام بأمر ربّه من الشّرف الرّفيع فى أولاه والدّرجات العلى فى أخراه ، لم يشكّ فى ربّه ولا ارتاب بوعده. فلمّا أثر ذلك الوحى فى نفسه وقبله بقلبه وصوّره فى فكره ، أظهره بنطقه. فذلك (١١) الوحى (١٠) أوكد أسبابه فى نبوّته وأعلى حجج الله على بريّته وأوضح ما أتى به من براهينه وبيّناته (١٢) ومعجزاته ، وكان ما (١٣) أظهره بمنزلة ضياء يطلع

__________________

(١) ـ بعثه : بعث A (٢) اختاره من : اختارهم عن A (٣) ـ مما : ماB (٤) ـ من : + هذه BC ـ (٥) ـ سبحانه : ـ A (٦) ـ بخالص : لخالص C (٧) ـ أيقن : انفق C (٨) إليه : ـ A (٩) انه : ان C (١٠) ـ فى نفسه ... الوحى : ـ A (١١) فذلك : من ذلك BC ـ (١٢) ـ بيناته : بنيانه A (١٣) ما : ـ B

٢٤٢

فى العالم ؛ فكذلك أضاء فى قلوب البشر ، فقبله من كان (١) أقرب النّاس إليه فى الصّفوة والطّهارة ، لا فى قرب البشريّة ، بل فى القرب (٢) الروحانىّ من طهارة الأنفس وسلامتها من الآفات وقرب بعضها من بعض ، والمشاكلة والائتلاف ؛ فأثّر كلامه فى أنفس الذين (٣) قبلوه واختلط بها كاختلاط الرّوح المقدسة بنفس محمد (ص) ، فكان فضله على من قبل منه كلامه كفضل ما قبله عن ربه بواسطة (٤) من الملائكة الروحانيين فى حد (٥) اللطافة على من (٦) قبله من الناس بواسطة من الملائكة (و) منه (ص) على سبيل النطق. فمن كان منهم أصفى نفسا ، كان أحسن تهيّؤا لقبول ذلك الكلام ولتأثير تلك القوة فى نفسه وقبله (٧) الواحد (٨) بعد الواحد يوما يوما ، وهو يلقيه إليهم على حسب ما يوحى إليه ويؤثر ذلك فى الأنفس على حسب تصفيتها ، وتنبو عنه الأنفس الكدرة الظّلمانيّة التى قد أفسدتها العوارض النّفسانيّة التى قد ذكرناها ، ومنعتها عن الطّهارات. فعلى قدر سلامة الأنفس من تلك العوارض وصفائها ، وعلى مقدار امتزاجه بها ، كان قبولهم (٩) ما أتى به محمّد (ص). ووقعت (١٠) عليهم الأسماء على طبقاتهم ، فطائفة سمّاهم مسلمين ، وطائفة سمّاهم (١١) مؤمنين ، وطائفة سماهم كافرين ، على حسب الاستحقاق ، وكذلك سائر الأسماء والنّعوت التى سمّا بها أمّته ونعتهم بها. وأكثر هذه الأسماء لم تعرفها الأمّة التى بعث فيها ، بل هو رسمها بتأييد الله إيّاه على حسب قبولهم ما أتى به.

فشرق ذلك النور على العالم وفشا فى قلوب البشر وأثّر فيها وصار

__________________

(١) ـ من كان : ـ C (٢) ـ القرب : القراب C (٣) ـ الذين : الّذي A (٤) ـ محمد ... بواسطة : ـ A (٥) ـ حد : ـ A (٦) من : ـ A ـ A ، ماBC ـ (٧) ـ قبله : قبل AB (٨) الواحد : الوحدA (٩) ـ قبولهم : قبولهاB (١٠) وقعت : وقفت A (١١) ـ مسلمين ... سماهم : ـ A

٢٤٣

بمنزلة بذر يبذره (١) الزّراع فى أرضه ، فمنه ما يقع على صخرة ومنه (٢) ما يقع على سبخة ، ومنه ما يقع على صعيد طيب ؛ فعلى حسب ذلك يزكو وينبت ، كما قد ذكرنا أنّه مكتوب فى الإنجيل. وبهذا وصف عزوجل محمّدا (٣) (ص) وأصحابه ومن تبعه وأخذ عنه وقبل كلامه ، فقال عزوجل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ). الى قوله : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) فشبه تبارك اسمه (٤) محمّدا ونبوته بالزّرع وشبّه أتباعه وأصحابه بشطإ (٥) الزّرع والشّطأ هو فراخ الزّرع وصغاره التى تنبت (٦) حوله بمنزلة الحبّة التى تنبت ساقا واحدة (٧) ، ثم ينبت حول تلك السّاق فراخ كثيرة (٨) ، فمن أجاب محمّدا (ص) إلى يومنا هذا ، هم زرعه ، وغذاؤهم القرآن وبه قوامهم. ولو لا القرآن الّذي ورّثه محمد (ص) أمّته وما فيه من القوّة الشّديدة التى قد جمعت (٩) قلوب البشر على قبوله وقبول أحكامه ، لما استقام أمر الأنام ولا اعتدل (١٠) أمر العالم. ولو لا (١١) ما أثّرت تلك القوى الرّوحانيّة فى أنفس البشر لما قبلوه ولما بقى أثره فى العالم إلى هذا اليوم. ولكنّه يزداد ويقوى على مرور الأيّام لأنّها قوة إلهيّة مقدّسة من كلام (١٢) الله عزوجل. ولو لا ذلك لكان سبيل القرآن سبيل مسيلمة وطلحة والأسود العنسيّ وغيرهم من المتنبّين (١٣) الكذّابين ولكان رسمه لا يبقى فى العالم ، كما أنّ كلام أولئك ورسومهم لم تبق فى العالم (١٤). ومن أجل (١٥) هذه القوّة التى فى القرآن سمّوه

__________________

(١) ـ يبذره : يبذه A ، ـ B (٢) منه : منهاA (٣) ـ محمدا : محمدC (٤) ـ تبارك اسمه : ع ج A (٥) ـ بشطإ : شطاءB (٦) تنبت : نبتت C (٧) ـ واحدة : واحداABC (٨) كثيرة : كثيرB ، كثيراC (٩) ـ قد جمعت : ـ A (١٠) ـ اعتدل : اعتدال AC (١١) ولو لا : ـ C (١٢) ـ كلام : ـ C (١٣) ـ المتنبين : المفتنين C (١٤) كما ... العالم : ـ AB (١٥) ـ اجل : ـ B

٢٤٤

سحرا ، لأنّ محمّدا (ص) كان يتلوه على النّاس ، فيقع فى أسماعهم وتؤدّيه الأسماع إلى القلوب ، فيجذب القلوب (١) إلى طاعته بتلك القوة الرّوحانيّة الإلهيّة التى هى مستترة كامنة فيه ، التى من أجلها قالت قريش والعرب إنّه سحر وإنّ محمّدا هو ساحر على حسب ما يدعيه النّاس أنّ السّحر يؤثّر فى أنفس البشر وأنّ كلام السّحرة وما يكون منهم من الرّقى والنّفث فى العقل وأصناف السّحر (٢) تؤثّر فى القلوب وتقلبها من الألف إلى التّعادى ومن التّعادى إلى الألف ، ومن المحبّة إلى العداوة ومن العداوة الى المحبّة (٣) إلى غير ذلك من التأثيرات التى تقع من فعل السّحرة فى أنفس البشر. وهذا شيء قد اتّفقت عليه أمم من النّاس وإن أنكره قوم ودفعوه ؛ فانّ أكثر الأمم التى قد خلت فيما مضى من الدهور والأعصار ، إلى يومنا هذا ، قد قالت به وصحّحته وزعمت أنّ عينه قائم ، كما يذكر عن الهند خاصة من الأمور العظيمة فى الرّقى التى (٤) تذكر عنهم ، أنّهم يحلّون بها ويعقدون ، ويذكر أنّهم يرقون المسلوع ومن سقى السّم فيخرجون السمّ ، وما يذكر أنّهم يظهرونه من التّخائيل التى يتحيّر فيها الأريب اللّبيب (٥) ، وما يذكر عنهم من أمر النّكر ، وما يفعلونه فى باب المطر والبرد وحبسه وغير ذلك من أصناف السّحر.

هذا (٦) ، وإن لم يصحّ كلّه فانّا نقول إنّ أصل السحر صحيح ، وقد خلط به كثير من المخاريق ؛ لأنّ القرآن وسائر كتب الله عزوجل قد نطقت به وجماهير النّاس يقرّون به ولا يدفعون أنّ أصل السّحر صحيح. ومن أجل ذلك قالت الأمم لأنبيائهم سحرة ، كما قالت العرب إنّ محمّدا (ص) هو ساحر وقوله سحر. وكانوا يقعدون بكل (٧) سبيل ويصدّون عنه النّاس ،

__________________

(١) ـ فيجذب القلوب : ـ A (٢) ـ السحر : السحرةC (٣) ـ الألف ... الى المحبة : ـ B (٤) ـ التى : الّذي C (٥) ـ الأريب اللبيب : الاديب الاريب B (٦) ـ هذا : ـ B (٧) ـ بكل : كل C

٢٤٥

مخافة أن يسمعوا كلامه فيؤمنوا به. وكانوا يسمّون (١) من سمع كلامه وآمن به صابيا وقالوا : «صبا فلان وفلان». ومعنى التّصابى فى كلام العرب هو العشق والمحبّة. فلمّا رأوا من يسمع كلامه يحبّه (٢) ويؤثّر فى قلبه ويختلط بنفسه ، قالوا له «قد صبأ» وكانوا يصدّون كلّ من ورد مكة من أهل الوبر والمدر عنه وينهونه عن الاستماع منه. وذلك أن العرب كانت تأتى مكة حجّاجا وفى التّجارات وكانت مواسمهم (٣) بمكة قائمة ، وكان رسول الله (ص) يعرض عليهم الاسلام ويتلو عليهم القرآن فيؤمنون وتخبت له قلوبهم وينقادون له ويرجعون إلى قبائلهم فيدعونهم (٤) الى الاسلام (٥) ؛ كما روى أنّ الطفيل (٦) بن عمر والدّوسى (٧) ورد بمكّة (٨) وكان لبيبا شاعرا ورئيسا فى قومه ، فاجتمعت إليه (٩) قريش ونهوه أن يقرب رسول الله (ص) وقالوا له : كلامه سحر يفرّق بين المرء وزوجته وأحبّته وعشيرته وإنّا (١٠) نخشاه عليك وعلى قومك ؛ فلا تكلّمه ولا تسمع من قوله ، فانّه يسحرك بكلامه. فعمد إلى كرسف وحشا به أذنيه فرقا من أن يسمع (١١) قوله ، وغدا الى المسجد وطاف بالبيت ، واذا رسول الله (ص) يصلى عند الكعبة وهو يتلو هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فوقر ذلك فى أذنيه (١٢). فلمّا سمعها ، أخرج الكرسف من أذنيه ورمى به وقال : واثكل أمّى ، إنّى لبيب شاعر أعرف الحسن من القبيح ، ما لى أتّهم عقلى ولا أتّهم عقول قريش؟! ثم أقبل إلى النّبي (ص) فقال : أعد عليّ كلامك يا محمّد! فأعاده عليه وزاده.

__________________

(١) ـ يسمون : يسمعون A (٢) ـ يحبه : يحبسه B (٣) ـ مواسمهم : يواسمهم A (٤) ـ فيدعونهم : فيدعوهم ABC (٥) الاسلام : + ويتلو عليهم القرآن B (٦) ـ الطفيل : طفيل ABC (٧) الدوسى : الدوحى A (٨) بمكة : مكةA (٩) إليه : له C (١٠) ـ انا : + واناA (١١) ـ يسمع : يستمع A (١٢) ـ اذنيه : اذنه BC

٢٤٦

فقال : والله إنّ هذا لو لم يكن أيضا (١) دينا لكان حسنا ، وإنّى لأشهد (٢) انّك صادق (٣). فأسلم (٤) وحسن (٥) إسلامه ورجع إلى قومه ودعاهم الى الاسلام. وقد كان سأل النبىّ (ص) أن يعطيه آية ، فقال : «اللهم اعطه آية» ومسح سوطا كان فى يده. فلمّا طلع على قومه من الثّنيّة ، رأى قومه نورا يسطع (٦) من رأس سوطه ؛ فسألوه عن شأنه ، فأخبرهم ، فأسلموا وقدموا على رسول الله (ص) وشهدوا معه فتح مكة. وله فى ذلك شعر يقول فيه :

رأيت علامة واللّيل داج

على ظهر الطّريق كضوء (٧) برق

علامة احمد اذ سال ربّى

فكانت آية مصداق صدقى

وهى قصيدة. فكان أصل إسلامه ما وقع فى قلبه من قوة كلام رسول الله (ص).

وهكذا سبيل هذه القوّة المستسرّة فى القرآن التى وقعت فى أنفس النّاس وألّفت بين قلوبهم بتأييد من الله عزوجل. وهكذا قال الله تعالى ذكره (٨) (٩) : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (١٠). ولو لا أنّ (١١) القرآن وما فيه من القوّة التى ألّفت بين قلوب النّاس وجمعتهم على قبوله (١٢) وقبول أحكامه ثم اجتمع أهل الأرض على أن يفعلوا ذلك ، لما قدروا عليه (١٣).

والّذي ذكره الملحد أنّ الّذي جمع هذه الأمّة على قبول أحكام (١٤) الاسلام والإقامة عليها ، سببه (١٥) الألف والعادة ومرّ الأيّام ، فليست له فى ذلك

__________________

(١) ـ أيضا : ـ A (٢) وانى لا شهد : واشهدB (٣) ـ صادق : لصادق A (٤) فاسلم : واسلم B (٥) وحسن : فحسن B (٦) ـ يسطع : سطع B (٧) ـ كضوء : لضوءB (٨) ـ تعالى ذكره : ـ A (٩) ذكره : ـ B (١٠) ـ لو انفقت ... قلوبهم : ـ A (١١) ـ أن : ـ B (١٢) ـ قبوله : قوله C (١٣) ـ عليه : ـ C (١٤) ـ احكام : اهل B (١٥) سببه : سبب B

٢٤٧

حجّة ؛ لأنّه لم يتقدّم إلف ولا عادة لأصحاب رسول الله (ص) الذين آمنوا به بمكّة (١) عند ظهوره قبل أن قوى الاسلام ، ولم يعتادوا ذلك ، ولا مرّت به الأيّام بالالف. وإنّما سمعوا كلامه ، فقبلوه وآمنوا به ، كما ذكرنا من شأن (٢) الطفيل بن عمرو (٣) ، وأثّر القرآن فى قلوبهم وجمع بينها وألّفها على طاعته ، وصبروا معه على الأذى الشديد ؛ فانهم كانوا يفتنون ويعذبون بأنواع البلاء (٤) ليرجعوا عنه ، فصبروا ولم يرجعوا عنه كما روى من (٥) حديث بلال : أنّ ورقة بن نوفل مر على بلال وقد (٦) أخذه أميّة بن خلف (٧) الحجمى وألقاه على ظهره فى الرّمضاء ووضع الحجر على بطنه وهو يقول : هذا دأبى ودأبك أو (٨) أن تكفر بمحمد. وبلال يقول : أحد أحد. وورقة بن نوفل يقول : نعم يا بلال! أحد أحد. فصبر على ذلك ولم يرجع عن الاسلام.

ومثل (٩) حديث بلال ، فيما كانوا يلقون من قريش عدد كثير تطول الخطب بذكرهم فعلى هذا كانوا يؤذون ويصبرون ويزدادون ايمانا ويقينا ، حتى صار الأمر بهم إلى الجلاء (١٠) ، فخرج كثير منهم مهاجرا إلى أرض الحبشة ، ثم اشتدّ الأمر بهم فهاجروا الى المدينة (١١) وهجروا الآباء والأمّهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والعشائر والقرابات وقطعوا الأزواج والأحبّة ولحقوا برسول الله (ص) فى دار الهجرة المدينة ؛ وخرجوا إليه إرسالا كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضا ، ينقطع الرجال عن حلائلهم والنّساء عن أزواجهن طيّبة بذلك أنفسهم (١٢) ، مستميتين (١٣)

__________________

(١) ـ بمكة : ـ C (٢) ـ شان : شاب A (٣) عمرو : عمرB (٤) ـ البلاء : البلاياB (٥) من : عن B (٦) ـ ان ... وقد : ـ C (٧) خلف : خلق A (٨) ـ أو : ـ BC (٩) ـ ومثل : مثل B ، وممن له C (١٠) ـ الجلاء : المجلاءA ، الجلى B (١١) ـ المدينة : + وهجروا الى المدينةB (١٢) ـ انفسهم : ـ A (١٣) مستميتين : مستميتون AC ، متتميون B

٢٤٨

فى حب رسول الله (ص) تابعين (١) له على (٢) دينه ، قابلين لسنته وأحكامه باذلين (٣) له (٤) أنفسهم (٥) ومهجهم (٦) وأموالهم. وعلى هذا تابعه من آمن به فى دار هجرته لمّا سمعوا القرآن وأثّرت (٧) قوته فى قلوبهم ، فآووه ونصروه ، وأحبوا من هاجر إليهم ، واتّخذ بعضهم بعضا إخوانا ، وواسوهم بأموالهم وآووهم (٨) فى ديارهم ، ونابذوا آباءهم وأبناءهم وعشائرهم ، فقطعوا كل عهد وذمّة كانت بينهم وبين من يحاددهم ، وردوا كلّ جوار وحرمة كانت بينهم بعضهم فى بعض ، وآثروا محمدا (ص) ومن هاجر معه إليهم ، على جميع من ذكرنا من القريب والبعيد ، ونزلوا على حكمه ، ولم يقبل إيمانهم حتى حكّموه فى أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، ورضوا بذلك وسلّموا (٩) له ، وهم مختارون (١٠) غير مجبرين وطائعون غير مكرهين ؛ وتلا عليهم (١١) قول الله عزوجل : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، وقوله : (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) ، فقبلوا ذلك منه وألزمهم هذه الشّرائط ، وهو رجل وحيد فريد (١٢) لا سلطان له عليهم ولا مال له ولا عشيرة تعينه ولا قبيلة. فقبلوا منه هذه الشرائط طيّبة بذلك أنفسهم مع ما قد جبل الله عليه البشر من حبّ من أحسن إليها ، والنّفور ممّن أساء إليها ؛ ولم ينالوا (١٣) منه من أمر الدّنيا شيئا (١٤) ، من أعراضها (١٥) التى (١٦) يعدّها من يؤثر الدّنيا إحسانا ، بل نالوا منه هذه الأسباب التى يعدونها إساءة اذا آثروا الدّنيا على الآخرة ؛ كما قالت له قريش : قطعت أرحامنا وسفّهت أحلامنا وعبت أدياننا

__________________

(١) تابعين : تابعون ABC (٢) على : عن B (٣) ـ باذلين : باذلون ABC (٤) له : ـ C (٥) له انفسهم : لانفسهم B (٦) مهجهم : مهجتهم C (٧) ـ اثرت : اثرات A (٨) ـ آووهم : آووه B (٩) ـ سلموا : تسلمواC (١٠) مختارون : مختارين C (١١) ـ عليهم : C (١٢) ـ وحيد فريد : فريد وحيدB (١٣) ـ ينالوا : تنالواA (١٤) شيئا : ـ C (١٥) اعراضها : اعراضه C (١٦) التى : ـ B

٢٤٩

وفرّقت بيننا. ومن (١) آثر الدّين على الدّنيا قبل ذلك من محمّد (ص) وعّده إحسانا.

وأثّرت قوّة كلام الله فى قلوبهم ولو لا ذلك لما أجابوه إلى ما دعاهم إليه من ترك الشّهوات الدّنياويّة ومن قطيعة من ذكرنا من الأحبّة ، ولا تابعوه على بذل الأموال والمهج له فى حياته ، والتّمسك (٢) بما شرعه لهم بعد وفاته والتّشديد فيه ، وما ظهر منهم من استماتتهم فى ذلك واعتكافهم (٣) عليه ومحبّتهم له والتزامهم (٤) إيّاه طائعين غير مكرهين. فأىّ (٥) إلف وعادة تقدّمت لهم ، وأىّ أيّام مرّت عليهم فى بدء أمرهم ، وسبيلهم ما قد وصفناه؟! وأىّ حجّة تثبت للملحدين بما يدّعونه فى باب الألف والعادة؟!!

فان قال (٦) قائل ، إنّه (٧) حارب (٨) من خالفوه وأجبرهم على قبول ما أتى به ، قلنا : قبلوه فى بدء (٩) أمره وهم مختارون ، حتى قوى أمره ؛ ثم عانده النّاس من كل وجه وأظهروا منازعته ؛ فلم يحب (١٠) الله عزوجل له قبول الصّغار على نفسه بعد أن أظهره الله. فحينئذ أكره المستكبرين والعتاة (١١) الذين كانوا يفتنون أصحابه ، على قبوله ، وألزمهم الذّلّ ، وأعلى المؤمنين به عليهم. وبذلك أمره الله عزوجل ، فقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وإلّا ، فانّ أوّل أمره لا يخفى ، أنّه قام فيهم وهو رجل واحد ، ثار بين ظهرانى (١٢) قومه ، ما أظهر وأوحى إليه ربّه ؛ فجفوه ، واستخفّوا به ، وبلغوا من أذاه كلّ غاية ، وخرج فى بعض أيّامه حين رهقه

__________________

(١) ـ من : عن A (٢) ـ والتمسك : فى التمسك C (٣) ـ اعتكافهم : اعتكافه A (٤) ـ التزامهم : الزامهم C (٥) فأي : واى BC ـ (٦) ـ قال : ـ A (٧) فانه : انه ABC (٨) حارب : قد حارب B (٩) ـ بدء : بدوC (١٠) ـ يحب : يجب C (١١) العتاة : العناةAB (١٢) ـ ظهرانى : ظهران AC ـ

٢٥٠

الأمر إلى الطّائف ، وعرض (١) نفسه على أهلها ؛ فنظر إليه عبديا ليل بن عمرو ، وهو قاعد فى ظل حائط له ، يتّقى حمارة القيظ عن نفسه وكان عبد ياليل (٢) بن عمرو سيّدا فيهم متكبّرا طاغية. فقال له : قم يا محمّد عن ظلّ حائطى ، فرفع رأسه إلى السّماء وقال : «يا رب ، إليك أشكو (٣) ضعفى وقلة حيلتى وهوانى على الناس. ان لم يكن بك سخط ، فلا أبالى ، ولكن عافيتك أوسع لى».

واجتمعت (٤) قريش وتعاقدوا فيما بينهم وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا ، وعلقوه فى الكعبة. واتفقوا أن يقطعوه (٥) ويقطعوا من تابعه ، فلا يخالطوهم ولا يبيعوا منهم طعاما وأن يمنعوا من مخالطتهم كلّ حاضر وباد (٦). وأخرجوهم إلى شعب مكّة. وبقوا فيه على هذه الحال. وكتبوا بذلك كتابا وعلقوه (٧) فى الكعبة حتى استقبح ذلك قوم من قريش واجتمع نفر منهم ومزّقوا (٨) ذلك الكتاب وقالوا : مزّقوا هذه الصّحيفة القاطعة. فلم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن آمن به يلقون هذا الأذى الشّديد من عشيرته وقومه إلى أن هاجر إلى المدينة على السبيل التى فى شهرتها غنية عن تطويل الخطب بها (٩) ، وهاجر على أثره أصحابه على نحو ما قد ذكرناه (١٠). فأىّ إلف جمع المسلمين مع هذه الشّدائد؟ وأىّ عادة تقدّمت منهم؟! وأىّ أيّام مرّت عليهم؟! وأىّ دهر أتى عليهم فى ابتداء أمرهم؟! فهذا كان أصل بنيانه وتأسيس أمر دينه ، وما بعد ذلك فهو فرع لذلك الأصل ، فان (١١) كان ذلك الأصل مبنيّا على الإلف والعادة ، فكذلك يجب أن يحكم فى الفرع ، فانّ الفروع (١٢) تقاس

__________________

(١) ـ وعرض : فعرض C (٢) ـ يا ليل : بالليل A (٣) ـ أليك اشكو : اشكو أليك B (٤) ـ واجتمعت : فاجتمعت B (٥) ـ يقطعوه : يقطعواAB (٦) ـ باد : بادى AC (٧) ـ علقوه : اعلقوه B (٨) ـ مزقوا : مرفقواA (٩) ـ بها : به ABC (١٠) ذكرناه : ذكرناC (١١) فان : ـ C (١٢) الفروع : ـ C

٢٥١

على الأصول ، وإلّا فحجّة الملحد داحضة فى باب الألف والعادة.

وكانت سبيل (١) الأنبياء (ع) كلّهم مثل سبيل محمّد (ص) وعزّاه (سبحانه) عمّا كان يتلقّى من قومه وأمره بأن يتأسّى بمن تقدّمه من الأنبياء (ع) فقال تبارك اسمه (٢) : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) وعزّى من آمن به (٣) فأمرهم أن يتأسّوا بمن تقدّمهم من أتباع الأنبياء (ع) ، فقال جلّ ذكره : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) وانّما امتحن الله عزوجل (٤) الأنبياء (ع) فى ابتداء أمرهم بهذه المحن ، لكى لا تثبت حجج المبطلين فى دعواهم (٥) ، أنّ الذين قبلوا الشرائع ، قبلوها بالإلف والعادة ، ثم نصرهم الله (٦) بعد ذلك وقوّاهم (٧) بعد الضعف وأعلى (٨) أمرهم وشدّ بنيانهم بتأييد منه وبقوة الكلام الّذي أنزله عليهم وعمل ذلك فى قلوب البشر هذا العمل العظيم كما قد ذكرناه. وانّما أطلنا الكلام بذلك لأنّ الملحدين يحتجّون بهذه الحجّة الواهية ويزعمون أنّ الّذي جمع أهل الشّرائع على إقامتها ، سببه الألف والعادة ومرور الأيّام والدّهور. وهذه عندهم أوكد الحجج جهلا منهم وقلّة إنصاف (٩) وسوء تمييز ؛ إذ (١٠) لا يميّزون حال الأنبياء فى ابتداء أمرهم كيف ، كان؟ وكيف امتحن الله الخلائق؟ لكى لا يقولوا (١١) إنّه إلف وعادة ، ولئلّا يكون للنّاس على الله حجّة ، وليعرفوا عظم (١٢) شأن كتب الله (١٣) المنزلة وكلام الأنبياء (ع) وما فى ذلك من القوّة

__________________

(١) ـ سبيل : ـ B (٢) ـ تبارك اسمه : تع A (٣) ـ به : بهم B (٤) ـ عزوجل : ـ A (٥) ـ دعواهم : دعواهم A (٦) ـ الله : ـ B (٧) قواهم : قويهم A (٨) اعلى : على A ، اعلاBC ـ (٩) ـ انصاف : اضاف A (١٠) اذ : اوA (١١) ـ يقولوا : تقولواA (١٢) ـ عظم : عظيم B (١٣) كتب الله : الكتب B

٢٥٢

الجامعة لهم المؤلفة بين قلوبهم على إقامة الشّرائع ؛ كما نرى كيف اختلطت تلك القوّة بأنفسهم ودبّت فى عروقهم وأثّرت فى قلوبهم كما تدبّ العقاقير فى أبدان البشر وتجرى فى عروقهم وتؤثّر فى طبائعهم.

(٧) وإن (١) قال قائل : فما بال هذه القوّة أثّرت فى بعض الانفس دون بعض؟ ولم أثّرت فى أنفس من تبع محمّدا (ص) ولم تؤثّر (٢) فى أنفس من خالفه وعاداه وأخرجه عن أهله وداره؟

قلنا : قد تقدّم القول منّا أن هذه الانفس تلحقها عوارض نفسانيّة لطيفة تفسدها وتنجّسها حتّى لا تقبل تلك التّأثيرات ، كما ذكرنا فى باب الهوى والحسد والكبر والجفاء والبغى والطّغيان والطّعن والعداوة (٣) والخيلاء والنّخوة والافتخار والحرص والأمل والشّك والشّبهة والعتو والشقاق (٤) والعزة وغير ذلك ممّا يشاكل هذه الاسباب المفسدة للانفس. فهذا كان (٥) سبب امتناع تلك القوّة من التّأثير (٦) فى قلوب من خالفه وعاداه. ومثل ذلك موجود بيّن (٧) فى العقاقير التى تؤثّر فى طبائع النّاس ؛ فان الطّباع إذا عارضتها (٨) علّة قويّة امتنعت من (٩) قبول أثر العقاقير فيها ، ومثل حجر المغناطيس اذا حكّ عليه الثّوم لم يجذب (١٠) الحديد ، ولم يظهر أثر قوّته للعارض الّذي منعه ؛ فهكذا كان (١١) سبيل تلك القلوب التى لم تقبل (١٢) أثر القرآن. وكانت قريش قد بليت بهذه (١٣) العوارض ما لم يبل به سائر العرب لانّهم كانوا من (١٤) معدن الشّرف والعزّ ومصاص الفخر وكانوا سكان حرم الله ويقولون :

__________________

(١) ـ وان : فان AB (٢) ـ تؤثر : تأثرB (٣) ـ العداوة : + والعدوان B (٤) ـ الشقاق : النفاق B (٥) ـ كان : ـ C (٦) التأثير : التاثيرات A (٧) ـ بين : ـ AB (٨) ـ عارضتها : عارضهاC (٩) من : عن B (١٠) ـ لم يجذب : يمنع C (١١) ـ كان : C (١٢) تقبل : قبل C (١٣) ـ بهذه : + فى B (١٤) ـ من : فى AB

٢٥٣

نحن آل الله ونحن أهل الله. وكانت العرب قاطبة تعرف ذلك لهم ، فكانوا لا يغزونهم ولا يؤذونهم ، كما كان يغزو (١) بعضهم بعضا ، إكراما لهم واعترافا بشرفهم. فكانت تلك النّخوة وذلك الكبر والافتخار قد ران على قلوبهم ، وأفسدتها تلك العوارض المذمومة وكدّرتها (٢) ونجّستها ، فامتنعت من (٣) قبول تلك القوّة (٤) الطّاهرة (٥) الطّيبة. وقبلتها القلوب التى سلمت من تلك العوارض وصفت منها. فمن أجل ذلك آمنوا بمحمّد (ص) وصبروا معه على الأذى الشّديد والمحن العظيمة ، ولم يهنوا لذلك ، ولا ملّوا ولا ضعفت نياتهم ، بل كانوا يزدادون إيمانا إذا اشتدّ بهم (٦) الأمر وخوّفهم النّاس ، ويقوى يقينهم كما وصفهم الله به ، فقال (٧) : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ (٩) عَظِيمٍ) (٨) فأولئك أسلافنا (١٠) الذين هم أسّ (١١) دعوة الاسلام وقواعد الشريعة. هكذا جرى أمرهم فى قبول الملّة اختيارا من غير إجبار ولا قهر ، وابتداء (١٢) من غير إلف ولا عادة ولا مرور أيّام (١٣) عليهم ولا دهور ؛ بل عملت تلك القوّة الالهية فى قلوبهم وألّفت بينها وجمعتها على قبوله. ونحن فروع لتلك (١٤) الاصول وخلف لذلك السّلف ، وسبيلنا فى حبّ الاسلام واجتماع القلوب (١٥) عليه (١٦) سبيلهم.

__________________

(١) ـ يغزو : يعرف B (٢) ـ كدرتها : + العوارض المذمومةC (٣) من : عن B (٤) القوة : النبوةA (٥) الطاهرة : الظاهرةB (٦) ـ بهم : لهم C (٧) ـ فقال : + الله عزوجل B ، عزوجل C (٨) ـ واتبعوا : فاتبعواB (٩) فضل : الفضل A (١٠) اسلافنا : اسلافهم B (١١) ـ أس : اسوادB (١٢) ـ ابتداء : ابتلاءC (١٣) ـ ايام : اياماC (١٤) ـ لتلك : تلك B (١٥) ـ القلوب : قلوب AC ـ (١٦) عليه : ـ A

٢٥٤

فهذا فعل القرآن العظيم بقلوب البشر ، أعدنا القول به مرة بعد مرة لتعرف ـ رحمك الله ـ عظم (١) شأنه وما فيه من المعجز الكبير الدّالّ على نبوّة محمد (ص) وهو ظاهر قائم فى العالم ، يزداد قوة على مرور الأيّام تشتد (٢) وتنمو فى مشارق الأرض ومغاربها ، وتثمر هذه (٣) القوة هذه الثّمرة الزّكيّة كما ترى فى هذه الأمصار الكثيرة (٤) التى لا تحصى (٥) عددا فى كل مصر ، فى قصبته وسواده ، من المساجد ما يعجز الناس عن إحصائها ، وكل مسجد يقوم فيه مناد ينادى فى كلّ يوم فى خمسة أوقات ، يشهد بتوحيد الله عزوجل وبتصديق محمّد (ص) وبنبوّته (٦) ، ويدعو إلى إقامة شريعته بأعلى صوته مجّدا مجتهدا. فأى قوّة فى العالم عملت فى أنفس البشر ما عملت قوّة كلام الله الّذي جاء به محمّد (ص)؟ وأىّ دلالة أوكد من هذه ؛ وأى معجزة أبلغ من القرآن؟ وأى كتاب فى العالم أعظم نفعا للبشر منه فى الدّين والدّنيا ، به حقنت الدّماء وحصّنت الأموال ومنعت (٧) أيدى الخلائق ـ بعضهم عن بعض ـ من الفساد فى الأرض؟ ولو لا ذلك لهلك الحرث والنّسل وفسدت الأرض وما فيها.

وهذا (٨) هو المثل الّذي طالب به محمّد (ص) النّاس أن يأتوا به حيث بلّغ عن الله عزوجل ، فقال : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) وهذا هو المثل الّذي (٩) طالبنا به الملحد فى كتابه ، فقال : إنّا نطالبكم بالمثل الّذي

__________________

(١) ـ عظم : عظيم AB (٢) تشتد : وتشتدABC (٣) ـ هذه : بهذه B (٤) الكثيرة : الكبيرةC (٥) ـ تحصى : يحصى C (٦) ـ بنبوته : نبوته AC ـ (٧) ـ منعت : منع ABC (٨) ـ وهذا : فهذاABC (٩) ـ الّذي : الذين B

٢٥٥

تزعمون (١) أنّا لا نقدر أن نأتى به ، لا ما قاله الملحد ، أنّ شعر الشعراء وخطب البلغاء وسجع الكهان هى أفضل منه ، وأنّ القرآن خلو من هذه على زعم الملحد المعتوه وزعم أنّه يأتى بألف مثله. وأى مثل يوجد للقرآن فى العالم مع ما قد وصفناه (٢) به (٣) من هذه القوة الشّديدة وهذا الفضل العظيم؟ هيهات هيهات!! لا يوجد ذلك أبدا.

(٨) هذا ، سوى ما فيه من المنفعة الدّينيّة التى بها نجاة المؤمنين به المقيمين لما فيه من الفرائض والسّنن ، وما وعدهم الله عليه من الثّواب العظيم وأعدّ لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون. وتلك هى النّعمة الكبرى (٤) والمنفعة العظمى والشّرف الأعلى والجزاء الأوفى. وإنّ الملحد قد سخر بنفسه (٥) وغرب فهمه (٦) وتاه عقله حين زعم أنّ المجسطي وكتب الهندسة والطبّ والمنطق والنّجوم ، أكبر نفعا من القرآن ، وأنّه ليس فى القرآن فائدة ولا نفع ولا ضرّ ، وأورد كلام المجانين الذين لا يعقلون ما يقولون. وقد كشفنا عمّا فى القرآن من النّفع العظيم فى الدّين والدّنيا ؛ فليكشف لنا الملحدون عن الّذي فى المجسطي وكتب الهندسة والمنطق والنّجوم من النّفع ، سوى ما فيها من الآداب التى لا يحوز نفعها من يتعلّمها وذلك شيء نزر قليل ، يشاكل سائر الآداب التى (٧) يتأدّب بها النّاس ، ويستغنى عنها من لا يشتغل (٨) بها فى دينه ودنياه. وأنت لا تجد فى دهماء النّاس فى كلّ مصر من يشتغلون (٩) بها إلّا رجلا أو (١٠) رجلين ، بل (١١) أمصار كثيرة ليس فيها أحد يعرفها. وقد اتّفق المسلم والملحد على (١٢) أنّ

__________________

(١) تزعمون : يزعمون C (٢) ـ وصفناه : وصفناC (٣) به : ـ A (٤) ـ الكبرى : الكبيرةC (٥) ـ بنفسه : ـ C (٦) غرب فهمه : غر بفهمه B (٧) ـ التى : ـ C (٨) يشتغل : يشغل B (٩) ـ يشتغلون : يشتغل ABC (١٠) او : وA (١١) بل : وC (١٢) ـ على : ـ ABC

٢٥٦

المجسطى وكتب الهندسة والطبّ والمنطق والنّجوم ليس فيها نفع من جهة الدّيانة. وأمّا فى أمور الدّنيا ، فكل الصّناعات أكبر نفعا منها ، وأهلها أوفر حظّا وأغنى بما فى أيديهم ممّن يكسب بتلك الكتب. ومن ازداد فيها نظرا (١) ، إذا (٢) لم يكن متمسّكا بحبل الشّريعة والتّوحيد والنبوّة ، مستبصرا فيه ، مستحكم المعرفة بأمر الدّين ، أدّاه ذلك الى التّعطيل والخروج إلى (٣) الالحاد ، ويدعوه ذلك إلى الاشتغال بكتب هؤلاء الذين تشبّهوا بالفلاسفة والقدماء الحكماء ، وتسمّوا (٤) بأسمائهم ، ووضعوا كتبا مزخرفة ليس فيها إلّا الوساوس المتناقضة على حسب ما فسّرنا وشرحنا اختلالها وتناقضها ، التى تذهل عقل من يشتغل بها وتسلبه لبّه (٥) وتوقعه فى حيرة مهلكة ولا تزيده (٦) إلّا عمى وضلالا (٧). و (٨) لسنا نطعن على المجسطي واقليدس وبطلميوس وغير ذلك من الكتب المنطق والطبّ وما كان من هذا (٩) الجنس ؛ فانّ هذه من الحكماء ، وأظهروا ما فيها من الحكمة بتأييد من الله عزوجل. ولكنّها ليست نظائر (١٠) القرآن. كما أنّ أولئك الحكماء لم يكونوا نظائر لمحمّد (ص) لأنّ حكمة محمّد (ص) عمّت أهل الأرض ، المؤمن والكافر ، على ما قد وصفنا. والحكماء الذين (١١) وضعوا هذه (١٢) الكتب أظهروا للنّاس حكمتهم ليعرّفوا النّاس مراتبهم ، وكان نفع ذلك راجعا إليهم فى انفسهم وإلى من عرف (١٣) فضلهم فى اعصارهم ، فاخذوا عنهم أمر دينهم. وكل واحد منهم كان حكيم دهره ، وكان نفع كلامه وضرّه فى أمر الدّيانة يصل فى عصره الى الذين شاهدوه ، فمن عرف منزلته وفضله ، نفعه ذلك فى دينه

__________________

(١) ـ نظرا : نظرAB (٢) اذا : ان B (٣) ـ الى : وA (٤) ـ تسموا : قسمواA (٥) ـ لبه : ـ C (٦) ـ تزيده : يزيده BC ـ (٧) ضلالا : ضلال BC ـ (٨) و : اوB (٩) ـ هذا : هذه C (١٠) ـ نظائر : بنظائرAB (١١) ـ الذين : والذين A (١٢) هذه : ـ BC (١٣) ـ عرف : عرفهم B

٢٥٧

ودنياه ، ومن جهل فضله ومنزلته ، لم ينتفع بحكمته إلّا مقدار هذا النّفع الّذي يصل إلى أهل هذا الدهر. فلما خرجوا عن العالم ، لم يبق نفع هذا الكلام وهذه الكتب إلّا ما فيها (١) يومنا هذا. وليست قوة تلك الكتب ، مثل قوّة (٢) كتب أصحاب الشّرائع الذين كانوا أئمّة أهل الأرض دهرا طويلا ، مثل موسى وعيسى وغيرهما ، ومثل محمّد (ص) الّذي هو إمام العالم إلى يوم القيامة ، وفى كلامه من النّفع والضّرّ ما قد فسّرناه. وقد عم ذلك أهل الأرض واشترك فى نفعه المؤمنون به المخلصون فيه ، وأصناف الملحدين والمعطّلين والمنافقين الذين يستترون بالاسلام. ولو لا أحكام الشّريعة وما فى القرآن من الرّسوم والسّنن والفرائض فى المناكحات والمواريث وقسمة الأموال وغير ذلك ، لكان سبيل (٣) الملحدين فى الأزواج والأولاد ، سبيل البهائم ، وكان لا يعرف لهم (٤) رحم ولا نسب ، ولكانت أموالهم نهبا. فقبحا للملحدين الذين رضوا لأنفسهم أن يخرجوا عن أحكام القرآن ، فتكون أمّهاتهم وبناتهم و (٥) أخواتهم بغايا ، ينكحن بلا مهور ولا تزويج ، وينزو عليهنّ (٦) كل مسلم وكافر (٧) ، وأن يكون أولادهم لغير رشدة ، فلا يعرف لهم أب ، وتكون اموالهم منتهبة فى حياتهم ، ومستباحة بعد مماتهم ، ويكون سبيلهم سبيل بهائم الأنعام. فلولا الاسلام وأحكام القرآن ، لماج النّاس بعضهم فى بعض وتهارجوا ؛ فلم يكن نكاح بتزويج ولا قسمة بالسّوية ولا مبايعة على العدل والصلاح. ومن خلع ربقة (٨) الاسلام من (٩) عنقه ، فاتته نفسه قبل أن يرتد إليه طرفه. ولكن (١٠) قد أحاطت سلاسل الدّين

__________________

(١) ـ فيها : + الى AB (٢) ـ قوة : ـ C (٣) ـ سبيل : وسبيل A (٤) ـ يعرف لهم : ـ C (٥) ـ رضوا ... بناتهم و : ـ A (٦) ـ عليهن : عليهم C (٧) وكافر : ـ C (٨) ـ ربقة : رقبةA (٩) من : عن B (١٠) ـ لكن : لكنه B

٢٥٨

برقابهم وجعلت ربقة الاسلام فى اعناقهم وربطوا بها أوثق رباط كما قال بعض الشّعراء المخضرمين (١) ، حين أسلم وقبل أحكام الاسلام وترك أمر الجاهليّة من الزّنى (٢) وشرب الخمور والميسر وغير ذلك من الفحشاء والمنكر ، فقال فى شعره :

وليس كعهد الدّار يا أمّ مالك

ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل

سوى العدل شيئا فاستراح العواذل

فهذا نفع القرآن وضرّه فى الدّنيا والآخرة.

فان قال قائل : إنّ أمر الآخرة غائب ولا يدرى (٣) ما يكون من نفعه وضرّه هناك ، قلنا : فان كان ذلك أمرا غائبا (٤) يقدر الملحد على إنكاره ، فكيف يجوز دفع ما يعاينه ويشاهده فى الدّنيا؟ أو ليس من قد دخل تحت أحكام القرآن ، قد آوى إلى ركن وثيق وحصن منيع ، لا حصن فى العالم أمنع منه؟ ومن خرج عن أحكامه فلا مأوى له ولا وزر ، ولا ملجأ ولا عنصر؟ فأيّ كتاب يعدل (٥) القرآن وأىّ شاهد أعدل (٦) من هذه القوة التى قد ظهرت منه؟ وأىّ دليل أوكد من هذا : أنّه كلام الله ومعجز (٧) محمّد (ص) ولا يقدر على مثل هذه القوة الّا الله؟ ومن يقدر على دفع هذا (٨) إلّا مباهت مكابر أو مجنون مختبل؟

فان قال قائل : إنّ أهل الملل لم يدخلوا تحت أحكام القرآن وقد

__________________

(١) ـ المخضرمين : للمخضرمين C (٢) ـ الزنى : الزناBC ـ (٣) ـ يدرى : يدرك A (٤) ـ امرا غائبا : امر غائب C (٥) ـ يعدل : + فى C (٦) اعدل : اعظم C (٧) ـ معجز : معجزةC (٨) ـ هذا : هذه AB

٢٥٩

نجوا من هذه الأسباب التى قد ذكرناها ، قلنا :

إنّ من هم (١) منهم فى دار الاسلام قد دخلوا تحت أحكامه لقبولهم الجزية والتزامهم (٢) الذّلّة والصّغار. وبذلك حقنوا دماءهم وحصنوا اموالهم وذراريهم. ومن هم (٣) فى الممالك التى هى خارجة عن دار الاسلام فإنّهم متعلقون برسوم الأنبياء (ع) ؛ وبتلك الآثار ساسوا ممالكهم ، وبتلك الشّرائع انتظمت أمورهم ، لا بالمجسطى وبطليموس وكتب المنطق واقليدس وكتب الطّب ، بل بقوّة كتب الأنبياء (ع) التى قد بقيت آثارها فى أيديهم ؛ وان كانت قوة كتاب محمد (ص) هى أعظم وأجّل منها ، كما أن مقدار مرتبته ورفيع درجته وعلو منزلته عند الله فوق درجات النّبيّين ، وهذه معجزته القائمة فى العالم.

ومما يزيد فى تاكيدها وإيضاحها أنّ الله عزوجل لمّا أنزل عليه هذا (٤) الكتاب ، وعده (٥) فيه أن يؤثّر فى هذا العالم هذا الأثر العظيم ، وبشّره بذلك فى أوّل أمره (٦) ومبتدأ شأنه قبل أن كان ؛ فأنجز له ما وعده. وقد كان بشّر محمّد (ص) بذلك أمّته وصدق الله عزوجل (٧) بشراه وأنّه وعده أن تعلو ملّته على جميع الملل والأديان علوّا ظاهرا على (٨) حسب ما قد انكشف وظهر للعالمين (٩).

فقال (١٠) : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فأنزل هذه الآية عليه ووعده فيها أن يظهر دينه على جميع الأديان فى مشارق الأرض ومغاربها ، فقد ظهر عليها وقهرها وهو يزيد

__________________

(١) ـ هم : هوABC (٢) ـ التزامهم : الزامهم C (٣) ـ هم : هوBC ـ (٤) ـ هذا : ـ B (٥) وعده : وعدةA (٦) ـ امره : مرةA (٧) ـ عزوجل : ـ A (٨) ـ على : ـ A (٩) للعالمين : للعالم C (١٠) فقال : + الله C ، عزوجل B

٢٦٠