أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

الفصل الاول

ومما قال الملحد أيضا

(١) قال الملحد : أخبرونا (١) ، من وجد إلى أمر (٢) طريقين ، فسلك الأطول منهما والأوعر ؛ وهل يكون مريدا للأفضل والأصلح من يجد إلى تعريف شيء من وجهين سبيلا ، فيعرفه (٣) من أعسر هما وأبعدهما وأكثر هما ريبا وشكوكا وجلبا لسوء (٤) العواقب (٥) ، ويدع ما خالف (٦) هذه الوجوه؟ فان قلتم : لا ، قلنا : فهلّا (٧) ألهم الله عباده (٨) معرفة منافعهم ومضارّهم فى عاجلهم وآجلهم وترك الاحتجاج ببعضهم على بعض ، فانّا نرى ذلك قد أهلك كثيرا (٩) من النّاس وأدخل عليهم أعظم البلاء فى عاجلهم بالعيان (١٠) وفى آجلهم ؛ أمّا فى عاجلهم فلتصديق كلّ أمّة إمامها ، وضرب بعضهم وجوه بعض بالسّيف واجتهادهم فى ذلك. وقال : لو لا ما انعقد بين النّاس

__________________

(١) ـ اخبرونا : خبروناAB (٢) امر : اقوى C (٣) ـ فيعرفه : فتعرفه C (٤) ـ لسوء : ليسواC (٥) العواقب : العوافت B (٦) خالف : خلف AB (٧) ـ فهلا : فهل AB (٨) عباده : عبادAB (٩) ـ كثيرا : كثيرC (١٠) بالعيان : بالعنان A

١٨١

بأسباب الدّيانات ، لسقطت (١) المجاذبات والمحاربات (٢) والبلايا (٣) ؛ لأنّ (٤) المنازعات تقع إمّا لعاجل وإمّا لآجل ، وأورد كلاما طويلا فى هذا الباب ، ولكن (٥) هذه جملته.

(٢) وقال أيضا : إن قلتم إنّ المجاذبات والمحاربات ، من أجل (٦) إيثارهم أعراض الدّنيا ، قلنا لكم : هل رأيتم أحدا (٧) آثر القليل على الكثير (٨) إلّا لشكّ منه (٩) فى نيل (١٠) الكثير؟ فان قلتم : نعم ، كابرتم (١١) ؛ وإن قلتم : لا ، فكذلك المؤثر لاعراض الدّنيا وشهواتها على الأمور الجليلة والثّواب العظيم الّذي عجز الواصفون عنه ، ليس ذلك إلّا لشكّ منه (١٢) فى نيل ذلك الكثير العظيم الدّائم (١٣) الّذي يعجز الواصفون (١٤) عنه ؛ كما نرى (١٥) الرّجل يؤثر المائة دينار (١٦) على الألف إذا خاف (١٨) فوت المائة والألف ؛ فاذا كان مستيقنا أنّه يصل إلى الألف (١٧) ، مع ترك المائة ، فانّه لا يرى أخذ المائة. قال : وكذلك لو أنّ النّاس أخلصوا اليقين بقول أئمّتهم (١٩) فيما وعدوهم من الثّواب الجزيل ، لما آثروا القليل من عاجلهم على الكثير من آجلهم. قال : وفيما (٢٠) جعل بعض الخلق أئمّة لبعض؟ هو إشلاء (٢١) بعضهم على بعض وكثرة (٢٢) الهرج

__________________

(١) ـ لسقطت : لسقطةB (٢) المحاربات : المجاريات B (٣) البلايا : البلايات B (٤) ـ لان : ـ B (٥) ـ لكن : لكنه C (٦) ـ من اجل : واحل A (٧) ـ احدا : اخذA (٨) الكثيرة : الكثير : ـ B (٩) منه : فيه A (١٠) نيل : قبل A (١١) كابرتم : كافيتم C (١٢) ـ منه : فيه ABC (١٣) الدائم : اللائم B (١٤) الواصفون : الواصف A ، الوصف B (١٥) ـ نرى : نرC (١٦) المائة دينار : المائة الدينارA ، مائة الدينارBC ـ (١٧) اذا ... الى الألف : ـ A (١٨) خاف : كان B (١٩) ـ ائمتهم : ائمتكم AB (٢٠) ـ فيم : فيماABC (٢١) ـ اشلاء : ابتلاءB ، اشداءB (٢٢) كثرة : كثرت B

١٨٢

والفساد والتّهالك ؛ وليس يجوز هذا فى حكمة الحكيم ، بل الأفضل والأعمّ للنّفع أن يلهم النّاس معرفة منافعهم ومضارّهم ، ويركّب (١) ذلك فى طباعهم (٢) كما ركّبه (٣) فى طباع البهائم ؛ فانّا نرى البهائم بطباعهم (٤) وبضروب من الرّوائح تعرف كثيرا من الأشياء التى لا توافقها. فهلّا جعل النّاس كذلك ، إذ كان ذلك فى طباعهم ممكنا؟ فانّ ذلك أعم نفعا وأحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمّة لبعض.

هذا قول الملحد ، وحذفت الكثير (٥) منه تركا للتّطويل ، وذكرت النّكت منه. وإنّما أراد بقوله : جعل بعضهم أئمّة لبعض ، أنّه اختار منهم أنبياء ورسلا ، فجعلهم أئمّة لهم. وقد تقدّم القول منّا فيما ذكرنا أنّه جرى بيننا وبينه ؛ وفيما أجبناه مقنع لمن أنصف إن شاء الله (٦) ولكنّا نعيده ، ونشبع القول به ، اذ كان رسمه فى كتابه

فنقول (٧) فى جوابه :

(٣) إنّ الأفضل والأصلح والأشبه بحكمة الحكيم ، أن يقصد لأيسر (٨) الأمرين ويأتى من أقرب الطّريقين ويترك الأوعر (٩) والأبعد. وقد وجدنا ما اختاره الله عزوجل لخلقه بأن (١٠) بعث فيهم أنبياء ورسلا وجعل بعضهم أئمّة لبعض ، هو أشبه بحكمته ورحمته وأحوط لعباده وأعمّ نفعا ، وهو أيسر الأمرين و

__________________

(١) يركب : تركب) (٢) ـ طباعهم : طبائعهم B ، طاعتهم C (٣) ركبه : ركب ABC (٤) ـ بطباعها : بطبائعهاB (٥) ـ الكثير : الكثيرةB (٦) ـ الله : ـ B (٧) ـ فنقول : نقول A ، ـ B (٨) ـ لا يسر : الاسيرC (٩) الاوعر : الاوعدB (١٠) ـ بان : ان ABC

١٨٣

أقرب الطّريقين من أن يكلفهم النّظر فى أمور (١) دنياهم ، وأن يهملهم (٢) فى أمور أخراهم ، فيكونوا كالسّوائم (٣) المهملة التى قد طبعت على (٤) منافعها ومضارها ، فعرفت ذلك بضروب من الرّوائح وبطباعها ، وميّزت ذلك ، وأهملت فى أمر معادها ، فلا ثواب عليها ولا عقاب ، على حسب ما (٥) اختاره (٦) الملحد لنفسه وأشباهه ؛ وأنه (٧) لو جعل مثل (٨) البهيمة على هذه الشّريطة ، لكان خير أله. ولعمرى ، إنّهم (٩) لو كانوا كالبهائم فى صورها وطباعها ، لسقط عنهم الثواب والعقاب ، ولكان ذلك خيرا لهم من أن كانوا فى دنياهم فى صور البشر وفى معرفة البهائم ؛ فألحدوا (١٠) فى دين الله ، وهم يردون فى أخراهم إلى العذاب الأليم.

(٤) فأمّا أهل الدّيانة ، فما اختاره (١١) الله لهم من طاعة الأنبياء والرّسل التى قامت بها سياستهم فى أولاهم ، ثم جازاهم على ذلك بالثّواب الجزيل فى أخراهم ، هو خير لهم وأعمّ نفعا من أن يكون سبيلهم سبيل البهائم. وبعد ، فلو اختار الله لهم ما ذكره الملحد لقلنا : إنّ الّذي اختاره الله لهم ، هو خير لهم. ولكنّا نجدهم محتاجين إلى الأئمّة والمعلمين فى جميع أسباب الدّين والدّنيا ، ولا نجدهم قد ألهموا ذلك طبعا ، ولا يستغنون عن معلّمين فى كلّ صناعة. ولو أنّ أحدهم تكلّف شيئا من الصّناعات من غير تعليم من معلّم قد راضه وعلّمه حتى مهر به ، ثم خاض (١٢) فيه بتكلّفه ، لأفسد عمله ، ولا يلتام له شيء ممّا يحاوله. هذا (١٣) فى الأمور الدّنياويّة ، فكيف من ينظر فى أمور الدّين وما يحتاج إليه من دقيق العلم وجليله؟ وكذلك فى سائر العلوم الدّنياويّة الدّقيقة مثل النّجوم والهندسة ومعرفة الطّبائع وغير

__________________

(١) ـ فى امور : ـ AB (٢) يهملهم : يلهمهم C (٣) كالسوائم : كالسوام ABC (٤) ـ على : فى C (٥) ـ ما : ـ AB (٦) اختاره : اختارAB (٧) ـ وانه : انه AB (٨) مثل : + هذه C (٩) ـ انهم : انه C (١٠) ـ فالحدوا : فالحدودAB (١١) ـ اختاره : اختارC (١٢) ـ خاض : خاص B (١٣) ـ هذا : فهذB

١٨٤

ذلك ، لا يستغنى النّاظر فيها عن معلّم يوقفه (١) على تلك الأصول.

(٥) فترى الصّانع الحكيم الرّحيم بخلقه (٢) (٣) ، قد اختار لهم أن يبعث (٤) فيهم أنبياء ، فعلّموهم هذه الأسباب بوحى من الله عزوجل ؛ ثمّ أخذها الآخر عن الأوّل بتعليم. ولم يكلّفوا أن ينظروا فى (٥) ذلك بطباعهم ؛ وهذا ما نشاهده ونعاينه (٦). ولو كلّفوا ذلك كذلك ، لكلّفوا عسيرا (٧) ، لتفاوت طبقات النّاس فى العقول والأفهام والتّمييز والمعرفة ؛ لأنّ النّاس لم يخلقوا متساوين فى الطّبائع ، كما خلقت البهائم الّتي لا تتفاضل فى معرفة ما تحتاج (٨) إليه ، ولأنّ كلّ طبقة من الحيوان ، قد استوت فى طباعها ، من معرفة ما كلّفت من طلب الغذاء والتّناسل ، فلا تفاوت فيها ؛ كما ذكرنا من تفاوت طبقات النّاس فى العقول والأفهام. وهكذا نرى (التّفاوت) فى جبلّة البشر وفى جبلّة الحيوان. ولو (٩) خلقهم الحكيم جلّ ذكره (١٠) متساوين على خلقة البهائم ، لقلنا ، ما اختاره الله لهم ، وهو (١١) خير لهم. ولكنّه عزوجل (١٢) أعدل وأحكم وأرحم من (١٣) أن يسوى (١٤) بين البشر والبهائم وهو سبحانه أحسن الخالقين.

__________________

(١) ـ يوقفه : يقفةB ، + الله C (٢) ـ بخلقه : الخلقةB (٣) بخلقه : + عزوجل B ، عز وتعالى C (٤) يبعث. بعث B (٥) ـ فى : ـ A (٦) نشاهده ونعاينه : تشاهده وتعاينه C (٧) عسيرا : عيراC (٨) تحتاج! يحتاج AB (٩) ـ ولو : ـ C (١٠) جل ذكره : ـ A (١١) ـ وهو : فهوC (١٢) ـ عزوجل : ـ A ـ A ، عز وتعالى C (١٣) ـ من : ـ ABC (١٤) يسوى : يسوين A ، يستوى B

١٨٥

الفصل الثانى

[فى القهر والغلبة]

(١) وأمّا قوله (٢) : لو لا (٣) ما انعقد بين النّاس باسباب الدّيانات ، لسقطت (٤) المجاذبات والمحاربات ، من أجل إيثارهم أعراض الدّنيا ؛ وأنّهم إنّما آثروا القليل من عرض الدّنيا على الثّواب الجزيل فى الأخرى ، لأنّهم شكّوا فى نيل الكثير والجزاء العظيم ؛ وضرب المثل بالألف دينار والمائة كما (٥) حكينا.

نقول فى جوابه :

(٢) إنّا قد نجد أكثر المجاذبات والمحاربات فى أمور الدّنيا ، لا فى أمور الدّين ؛ لأنّا نرى (٧) الحروب بين أهل الملل (٨) بعضهم فى إثر بعض ، أكثر من محاربتهم لمخالفيهم (٩) ، تنازعا فى الدّنيا وتنافسا عليها ؛ كما نشاهده فى دار الاسلام من المنازعات على الممالك والأمصار. وهكذا سبيل سائر أهل الملل (١٠) فى بلادهم (١١) ؛ وليس ذلك من جهة (١٢) أنّ أهل الاسلام شكّوا فى الاسلام ،

__________________

(١) ـ فصل : ـ B (٢) ـ واما قوله : ـ BC (٣) لو لا : ـ C (٤) لسقطت : لسقطه B (٥) ـ كما : + قدC (٦) ـ نقول : ـ B (٧) ـ نرى : + فى A (٨) الملل : المال C (٩) ـ لمخالفيهم : لمخالفتهم A (١٠) ـ الملل : المال C (١١) بلادهم : البلادهم B (١٢) من جهة : لمن جملةC

١٨٦

وأنكروا ما جاء به محمّد (ص) بل ، اتّفقوا على الاقرار به والتّمسك بشرائعه وإقامتها. وكذلك سائر أهل الملل المتنازعين بينهم لم يشكّوا فى مللهم ولم يتنازعوا فيها ، ولكنهم آثروا الدّنيا على الدّين ، وهم موقنون بالثواب والعقاب اللّذين (١) وعدوا وأوعدوا بهما (٢) ؛ فاختار واعرض الدّنيا على الآخرة ، إلّا القليل من النّاس. ونرى كثيرا منهم يقتلون الأنفس ويأخذون الأموال ويرتكبون المحارم ويأتون الحدود ، وقد عرفوا ما يحرم (٣) عليهم من ذلك ، وآمنوا بالعقاب على (٤) ما يرتكبونه فى أخراهم ، ولا يرتابون فيما (٥) أوعدوا من العذاب الأليم ، ولا يشكّون فيما وعدوا (٦) من الثواب العظيم على اجتناب هذه الحدود والقصد لأعمال (٧) الخير ، وقد أيقنوا بذلك ويعتقدونه فى دينهم ؛ ولكن الشّهوة الغريزيّة تحملهم (٨) على ذلك وتغلب (٩) عقولهم ، حتى يختاروا الأخسّ (١٠) على الأفضل ، وذلك على يقين وبصيرة. وهذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى شاهد ودليل. ومن دفع هذا فقد ردّ العيان وكابر.

(٣) فان شغب مشغب وعاند (١١) ودفع (١٢) العيان ، قلنا : فهل تشكّ (١٣) فيما يلحق أهل العبث (١٤) والفساد فى هذه الدّنيا من القتل والصّلب وقطع الأيدى والأرجل والحبس والضّرب وغير ذلك (١٥) ممّا يلحقهم على ما يرتكبونه ، وهم يشاهدون (١٦) ذلك ويعاينونه (١٧) ولا يرتدعون؟ فهل يقدر (١٨) على دفع هذا أحد ، وهل يردّه إلّا مجنون؟! ولو (١٩) لا ما سنّه الأنبياء (ع) فى كلّ أمّة ، بأن (٢٠) أقاموا فيهم أئمّة

__________________

(١) ـ اللذين : الذين A ، الّذي BC ـ (٢) بهما : بهاAB (٣) ـ يحرم : بحرم C (٤) ـ على : ـ B (٥) فيما : بماABC (٦) اوعدوا ... وعدوا : ـ B (٧) ـ لاعمال : الاعمال B (٨) ـ تحملهم : لحملهم C (٩) تغلب : تقلب : A ، ـ B (١٠) الاخس : الاخسرB (١١) ـ عاند : عانك C (١٢) ودفع : دفع B (١٣) ـ تشك : شك C (١٤) العبث : العيث A (١٥) ـ وقطع ... غير ذلك : ـ B (١٦) ـ يشاهدون : شاهدون C (١٧) يعاينونه : بعاينوه C (١٨) ـ يقدر : + وB (١٩) ولو : لوB (٢٠) ـ بان : ان ABC

١٨٧

يأخذون على أيدى سفهائهم ، يعلّمون جاهلهم ويحامون (١) على ضعفائهم ويقمعون أهل العبث (٢) والفساد ويقيمون فيهم الحدود من القصاص والقود وغير ذلك ، كما سنّه محمّد (ص) ، لتهارج النّاس ، وفسد أمر (٣) العالم ولما كان يسالم (٤) بعضهم بعضا كما يجرى عليه أمر أصناف الحيوان من المسالمة ؛ فانّها لا يعدو بعضها على بعض فى أجناسها ؛ إلا ما يعدو بعض الأجناس على بعض ويصيدها (٥) للغذاء (٦) وطلب الرّزق. ولكنّ النّاس قد طبعوا على الحرص والتّنافس على أعراض الدّنيا والجمع والادّخار وما ركّب فيهم من حبّ الشّهوات من النّساء (٧) والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث وسائر ذلك من متاع الدّنيا ؛ وليس سبيل أصناف الحيوان هكذا. كما نرى أنّ إنسانا لو جمع ما يعلم أنّه يكفيه ألف سنة وزيادة ، لما انتهى عن الجمع والزّيادة فيه والحرص عليه ؛ وكل أصناف الحيوان تطلب (٨) غداءها (٩) مقدار ما يشبعها (١٠) ، وليس سبيلها سبيل البشر. (٤) فلذلك اختار الله عزوجل (١١) للنّاس أئمّة يسوسونهم ويقوّمونهم ، ليستقيم (١٢) أمر العالم ، ويكون فيه صلاح النّاس دينا ودنيا فيحيى الأنام ولا يهلكوا (١٣) ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ...) (١٤) بما شرعه الأنبياء للنّاس وسنّوه وحملوهم عليه وأقاموا فيهم الحدود والأحكام.

والنّاس وإن كانوا يتنافسون فى أمور الدّنيا فانّ كلّ متغلّب لا يقدر

__________________

(١) ـ يحامون : يحابون A (٢) ـ العبث : العيث A (٣) ـ امر : الامرB (٤) ـ يسالم : سالم C (٥) ـ يصيدها : يطلبهاC (٦) للغذاء : الغداءA (٧) ـ من النساء : ـ B (٨) ـ تطلب : يطلب AB (٩) غذاءها : غذائه A ، غذاه B (١٠) يشبعها : يشبعه ABC (١١) ـ عزوجل : ـ A (١٢) ـ ليستقيم : لتستقيم A (١٣) ـ لا يهلكوا : لا يهلكواB ، لا يهلكون C (١٤) ـ ببعض : + لفسدت الارض BC ـ

١٨٨

على التّغلّب حتّى يكون مرجعه إلى الدّين ويقهر النّاس على ذلك الأصل وبتلك الرّيح ؛ كما نرى ، لو أنّ يهوديا أو نصرانيّا أو من كان من أىّ (١) ملّة غير ملّة الاسلام ، إن أراد أن يتغلّب فى دار الاسلام ، لما أطاق ذلك ولا قدر عليه. وهم مع إيثارهم أعراض الدّنيا على الآخرة ، غير شاكّين فى أمر الملّة حسب ما قد شرحناه. وكذلك (٢) السّبيل فى سائر الملل ، لا يقدر (٣) أحد أن يرأسهم (٤) حتّى يكون من أهل ملّتهم فى البلدان التى (٥) تغلّبوا عليها.

(٥) وما قال الملحد : إنّهم آثروا الدّنيا على الدّين ، لانهم شكّوا فى أمر الدّين ، فهو من أمحل المحال ، وهو ردّ للعيان (٦) ؛ لأنّ المتجاذبين فى أمر الدّنيا والمتنافسين فيها ، مرجعهم إلى الدّنيا ؛ ويجتمعون على كل متغلّب بريح الدّيانة فى كلّ ملّة على ما ذكرنا (٧) ؛ كما نرى من اقتداء هذه الأمّة بمن هو أولى بالخلافة ، وتفويضهم أمر الخلافة إليه. وكذلك من يرى الخلافة فى قريش ، يجعلونها فيمن هو مقدّم عندهم فى الدّين. وهكذا سبيل اليهود فى اقتدائهم بآل داود ؛ وكذلك سبيل كلّ أمّة ، وإن كان الأمر مختلطا عليهم من غلبة الأهواء (٩) ، فأصلهم على ما قلنا. وكذلك الملوك فى كلّ أمّة (٨) ، ملكوا (١٠) النّاس بريح الدّيانة ، ثم قويت أسبابهم بالتّغلّب ، ومع ذلك فانّهم حملوا النّاس على أحكام الدّين فى كلّ أمّة حتى انتظم أمرهم (١١) ، واستتبّ (١٢) أمر العالم بريح الدّين إلى الوقت المعلوم.

(٦) وكذلك قول الملحد : إنّه لو لا ما انعقد بين النّاس بأسباب الدّيانات ،

__________________

(١) ـ اى : ابى B (٢) ـ وكذلك : فكذلك B (٣) ـ لا يقدر : لا يقلدB (٤) يرأسهم : يرأس عليهم ABC (٥) ـ التى : + قدBC ـ (٦) ـ للعيان : العيان B (٧) ـ ذكرنا : قدمنا ذكرناC (٨) ـ كل امة : كلامه C (٩) ـ الاهواء : الهواءB (١٠) ـ ملكوا : ملوك AB ـ وقع فى الفقرة بين نمرة ١٥ ـ ١٧ و١٨ تقديم وتاخير فى نسخةB (١١) ـ امرهم : امرA (١٢) استتب : استت A ، استب C

١٨٩

لسقطت المجاذبات والمحاربات ، هو أمحل من الأوّل ؛ لأنّ المجاذبات والمحاربات كما قلنا ، هى فى أمور الدّنيا أكثر وأعمّ ، ولو لا الدّين وشرائع الأنبياء الّتي قام بها أمر العالم وانتظم ، لتفانى (١) النّاس ، ولما قامت فى الأرض سياسة. فبأحكام الأنبياء (ع) قد استقام أمر العالم ؛ وهذا واضح (٢) لا خفاء به ، والحمد لله (٣).

__________________

(١) ـ لتفانى : ل A ، لتغان B ، لتفاناC (٢) ـ واضح : + به C ، اوضح B (٣) والحمد لله : ـ BC

١٩٠

الفصل الثالث

[الفرق بين المعجزات والدلائل]

(١) قال (٢) الملحد فى باب المعجزات قولا كثيرا ، وجعله سؤالا وجوابا ، وضعّف فيه حجج من ادّعى المعجزات للانبياء (٣) (ع) واحتجّ بكلام واه (٤) ؛ نتركه (٥) ، ونختصر (٦) النّكت التى ادّعاها ، ونذكر بعض دلائل محمّد (ص) ومعجزاته التى ليس فى وسع البشر أن يأتوا بمثلها إلّا بتأييد من الله عزوجل ؛ وهى على وجوه كثيرة ، فنذكر من كلّ وجه شيئا بالاختصار (٧) دون ذكر الجميع ؛ لأنّنا (٨) إن (٩) ذكرناها (١٠) بأسرها ، ذهب الكتاب بقنّها (١١) ، وطال القول بها ؛ لأنّها كثيرة جدا. وقد اتّفقت عليها الأمّة ، وشاهدها المؤمن والكافر ، وأخذها الخلف عن السّلف. وليس قول الملحد بحجّة حين زعم أن أعلام محمّد (ص) نقلها واحد واثنان وثلاثة ، ويجوز عليهم التّواطؤ (١٢) ؛ لأنّ أكثرها ما قد شاهدها عدد كثير من المسلمين والكافرين ولا يجوز عليهم (١٣) التّواطؤ ؛ و

__________________

(١) ـ فصل : ـ BC (٢) ـ قال : ـ B (٣) ـ للانبياء : الأنبياءC (٤) واه : واهى ABC (٥) نتركه : نترك القول به AB ، ترك القول به C ـ C (٦) نختصر : تختصرB ، يختص C (٧) ـ بالاختصار : من الاختصارABC (٨) لاننا : لان ABC (٩) لان : ـ C (١٠) ذكرناها : تذكر ناهاA (١١) ـ بقنها : بفنهاA (١٢) ـ التواطؤ : التواطى ABC (١٣) ـ عليهم : عليهاC

١٩١

اكثرها برهانها واضح ، وشاهدها عدل قائم ، لا مدفع له. ولكنا لا نحتج عليه بما يقدر (١) الملحدون على دفعه وإنكاره ، وإنما نذكرها ليكون لها فى الكتاب رسم ، فانّ النّاظر فى كتابنا هذا ، لا يخلو من أن يكون موافقا أو مخالفا ؛ فأمّا الموافق ، فانّ الله عزوجل يزيده (٢) بذلك إيمانا وتصديقا ؛ ولعلّ بعض المخالفين يوفّقه الله (٣) للرّشد والهداية. ثم نكشف بعد ذكرها عمّا (٤) فى القرآن العظيم من المعجزة (٥) الكبيرة الّتي هى حجّة أكيدة على الملحدين وبرهان واضح منير (٦) لا يقدر على دفعه إلّا مباهت مكابر ؛ لأنّه علم قائم فى العالم ، وليست سبيله ، سبيل الدّلائل والمعجزات الّتي قد سلفت ، ويقدر (٧) الملحدون أن ينكروها ؛ ويدّعون أنه يجوز عليها التّواطؤ ، وأنهم لم يشاهدوها ولا يقبلون دعاوينا فيها إلّا ببراهين حاضرة ؛ كما قال الملحد فى كتابه ، وكما ادّعى أنّ مثل هذه الأسباب قد كانت ممّن لم يدّع (٨) النّبوّة ؛ ثم ذكر عمل (٩) أصحاب الخفّة والشّعبدة (١٠) كالرّقص على الأرسان ، والدّوران على الأسنّة (١٢) فوق الرّماح وكلام القافية والكهان (١١) وسحر السّحرة وغير ذلك ممّا ادّعاه وعارض به من يدّعى المعجزات للانبياء (ع).

(٢) ثم (١٣) قال : إنّكم تدّعون أنّ المعجزة (١٤) قائمة (١٥) موجودة وهى القرآن ، وتقولون (١٦) من أنكر ذلك فليأت بمثله. وقال : نحن نأتيكم بألف مثله. وسوف نشرح ما فى القرآن من المعجز العظيم حتّى يعلم الملحدون أنّه لا يقدر

__________________

(١) ـ يقدر : ـ B ، يقله C (٢) ـ يزيده : يره BC ـ (٣) الله : ـ C (٤) ـ عما : اماB (٥) ـ المعجزة : المعجزات BC ـ (٦) ـ منير : ميزB (٧) ـ يقدر : يقدره C (٨) ـ لم يدع : لم يدعواB ، لم يدعى C (٩) ـ عمل : عملاB (١٠) الشعبدة : الشعبدB ، السعيدةC (١١) ـ على الارسان ... الكهان : ـ A (١٢) الاسنة : ان الالسنةB (١٣) ـ ثم : ـ B (١٤) المعجزة : المعجزات A (١٥) قائمة : آيةC (١٦) ـ تقولون : نقول ان C

١٩٢

أهل الأرض أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وبالله الحول والقوّة.

نقول :

(٣) إن دلائل محمّد (ص) ومعجزاته كثيرة ، وهى على وجوه : فمنها ما يقال لها دلائل ومنها ما يقال لها معجزات. فأمّا المعجزات فانّها تسمّى معجزات ، وتسمّى (١) دلائل ؛ لأنّها أسباب يأتى بها الأنبياء (ع) ويعجز غيرهم أن يأتوا بمثلها ؛ فلذلك يقال (٢) إنّها معجزات. وتكون دالّة على صدق. دعواهم فى نبوّاتهم ؛ فلذلك يقال لها دلائل. ومنها أسباب يقال لها دلالات (٣) ، ولا يقال لها معجزات ؛ لأنّها أسباب لا يأتى بها النّبيّ بنفسه ، بل تكون (٤) من غيره ، وتدل على نبوّته ؛ كقول نبىّ يشهد لمن يجيء بعده ويدل عليه ، مثل الّذي هو فى التّوراة والإنجيل وسائر الكتب من (٥) الدّلائل على نبوّة محمّد (ص) ، ومثل أشياء حدثت (٦) فى العالم كما حدث أيّام كسرى من ارتجاس (٧) الايوان وغير ذلك ؛ فسأل عنه الكهنة (٨) ، فتكلّموا فيه بما يكون من بعد ، ودلّوا على ظهور محمّد (ص) بالنّبوّة. وكذلك ما جاء عن سائر الكهان من سجعهم بنبوّته (٩) ، مثل كلام البهائم والسّباع وغير ذلك ونطقهم بنبوّته (١٠) ، وآيات كانت فى العالم (١١) نحو ذلك. فهذه يقال لها دلائل ولا يقال لها معجزات ، لأنّها كانت من غيره فيه ، لم يأت هو بها بنفسه. فكلّ هذه يقال لها أعلام ويقال لها آيات ؛ لأنّها علامات وشواهد تدلّ عليه ؛ وهذه الوجوه كلّها من الآيات

__________________

(١) ـ وتسمى : ويسمى B (٢) ـ يقال : تقال C (٣) ـ دلالات : دلائلات B (٤) ـ تكون : يكون AB (٥) ـ من : وA (٦) ـ حدثت : حديث B (٧) ارتجاس : ارتجارC (٨) الكهنة : الكنةB (٩) ـ بنبوته : بنبوةAB (١٠) ومثل ... بنبوته : ـ C (١١) ـ العالم : العالمين B

١٩٣

والأعلام الّتي قد كانت (١) لمحمّد (ص) ونحن نذكر من كلّ نوع شيئا على الاختصار كما شرطنا (٢) ، ونترك الطّويل بذكر الجميع ، وبالله التّوفيق.

__________________

(١) ـ قد كانت : ـ A (٢) ـ شرطنا : شرحنا : A

١٩٤

الفصل الرابع

ذكر دلائل محمد (ص) فى الكتب المنزّلة

(١) فى (١) التّوراة أنّ الله عزوجل (٢) قال لبنى إسرائيل : إنّى أقيم نبيّا من إخوتكم (٣) أجعل كلامى على فمه. فاخوة بنى إسرائيل ، هم (٤) بنو إسماعيل. والنّبيّ الّذي قام فى بنى إسماعيل (٥) ، هو محمّد (ص). وفى التّوراة أيضا : جاء الله من سيناء وأشرق (٦) من ساعير (٧) وأضاء من جبال فاران (٨). فمجيء الله من سيناء هو مجيء موسى (ع) ، لأن الله أعطاه الألواح بطور سيناء ؛ وإشراقه من ساعير ، هو (٩) خروج المسيح (ع) ، لأنّه كان من ساعير ، من أرض الجليل من قرية يقال لها ناصرة ؛ وإضاءته (١٠) من جبال فاران ، هى ظهور محمّد (ص) من مكّة ، لأنّ (١١) فاران هو مكّة ؛ وفى التّوراة : أنّ إسماعيل كان يتعلّم الرّمى (١٢) فى برّية فاران ، وهذا ما لا مرية (١٣) فيه أن إسماعيل نشأ بمكّة وفيها تعلّم الرّمى.

__________________

(١) ـ فى : من AB (٢) ـ عزوجل : ـ A (٣) اخوتكم : اخوانكم C (٤) هم : هوA (٥) ـ والنبي ... اسماعيل : ـ B (٦) ـ اشرق : اشراقه A (٧) ساعير : ساعين B (٨) فاران : فاوان B (٩) ـ هو : ـ C (١٠) ـ اضاءته : اضاءABC (١١) ـ لان : لاA (١٢) الرمى : الوحى C (١٣) مرية : فريةA

١٩٥

(٢) وفى الإنجيل ، قال المسيح : إنّى ذاهب وسيأتيكم «البارقليط» (١) روح الحق الّذي لا يتكلّم من قبل نفسه ، ويعلّمكم (٢) كلّ شيء وهو يشهد لي كما شهدت له وهو يرسل باسمى. قوله يرسل باسمى (٣) أى يكون صاحب شريعة مثله. ولم يخرج بعده (٥) صاحب شريعة (٤) مثله إلى محمّد ، وهو شهد له (٦) كما شهد محمّد له. وفى الزّبور فى صفة محمّد (ص) : أنّه ينقذ الضّعيف الّذي لا ناصر له ، ويرأف بالمساكين ويصلّى عليه فى كلّ وقت (٧) ويبارك عليه فى كلّ يوم ويدوم ذكره إلى الأبد ويحوز (٨) ملكه من البحر إلى البحر. فهذا ما لا مرية فيه أنّه صفة محمّد (ص) ، لأن شريعته (٩) متّصلة (١٠) بالقيامة لا تنسخ (١١) ، ولا نبىّ بعده ، فهو الّذي ذكره (١٢) يدوم (١٣) إلى الأبد وهو الّذي يصلّى عليه ويبارك فى كلّ يوم (١٤) وفى كلّ وقت. وفى كتاب أشعياء : قال لى الرّب أقم نظارا ليخبر بما يرى ، فكان الّذي رأى صاحب المنظرة ، قال : قد أقبل راكبان أحدهما على حمار والآخر على جمل ، فبينا أنا كذلك إذا قبل أحد الرّاكبين (١٥) وهو يقول : هوت هوت بابل ونكست (١٦) جميع آلهتها (١٧) النّخرة على الأرض. فهذا الّذي سمعت من الرّبّ إله إسرائيل (١٨) العزيز ، قد نبأتكم به. يعنى براكب الحمار المسيح (ع) لأنّه دخل اورشليم وهو راكب حمارا ؛ ويعنى براكب (١٩) الجمل محمّدا (ص) ، لأنّه دخل (٢٠) المدينة وهو راكب الجمل ، وعلى يديه فتحت

__________________

(١) ـ البارقليط : البارقليقطB (٢) ويعلمكم كل شيء : ـ C (٣) ـ قوله يرسل باسمى : ـ B (٤) ـ بعده صاحب شريعة : + ويعلمكم كل شيء قوله يرسل باسمى A (٥) بعده : ـ C (٦) ـ له : ـ B (٧) ـ فى كل وقت : ـ A (٨) ـ يحوز : يجوزB (٩) ـ شريعته : شريعةB (١٠) متصلة : متصل ABC (١١) تنسخ : + محمدB (١٢) ـ فهو الّذي ذكره : فهو ذكره الّذي AB ، فهو شهود ذكره الّذي C (١٣) يدوم : ـ A (١٤) ـ فى كل يوم و : ـ B (١٥) ـ الراكبين : الراكبان C (١٦) ـ نكست : تكسرA ، تكسرت C ، + منحوته B (١٧) آلهتها : القهاA (١٨) ـ اسرائيل : بنى اسرائيل A (١٩) ـ براكب : راكب C (٢٠) ـ دخل ... دخل : ـ B

١٩٦

بابل وكسّرت أصنامها. وفى كتاب إشعياء أيضا : عبدى الّذي سرّت به نفسى أحمد المحمود بحمد الله حمدا حديثا تفرح (١) به البريّة وسكّانها ؛ فهذا إفصاح باسمه ، والبريّة يعنى البادية ، لأنّها مسكن العرب وبها أرض الحجاز ومنها (٢) خرج محمّد (ص). وفى كتاب إشعياء أيضا : لتفرح الأرض البادية ، ولتبتهج البرارى والفلوات وليخرج نور (٣) كنور الشّنبليد (٤) وتستنير وتزهو مثل الوعاء (٥) ، لأنها ستعطى بأحمد محاسن الشأن (٦). وفى كتاب إشعياء أيضا : ولد لنا مولود ووهب لنا ابن على كتفيه علامة النّبوّة. ولم (٧) يكن أحد من الأنبياء على كتفيه علامة النّبوّة (٨) غير محمّد (ص). وفى كتاب حيقوق : لقد انكشفت السّماء من بهاء محمّد وامتلأت الأرض من حمده (٩). هذا ، مع كلام كثير مثله يذكره فى كتابه (١٠).

(٣) وفى كتاب دانيال رؤياه الّتي رآها وعبّرها (١١) ، وذكر تفسيرها ، وقال فيها : رأيت عتيق الأيّام (١٢) قد جلس وبين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه وكتّاب لا تحصى وذكر أشياء كثيرة قد جرى ذكرها فى صدر كتابنا هذا وقال فيها (١٣) : رأيت على سحاب السّماء كهيئة إنسان فانتهى إلى عتيق الأيّام وقدّموه بين يديه فخوّلوه الملك والسّلطان والكرامة وأن تتعبّد له جميع الشّعوب والأمم واللّغات ، سلطانه (١٤) دائم إلى (١٥) الأبد وملكه لا يتغيّر إلى الأبد (١٦). وقد ذكرنا رؤياه هذه وتفسيرها ، ويغنى ذلك (١٧) عن إعادة ذكره. وفى كتابه أيضا

__________________

(١) ـ تفرح : تفوح B (٢) ومنها : منهاB (٣) ـ نور : نوراAB (٤) الشنبليد : الشنبليل : A (٥) ـ الوعا : الوعدB ، الوعل C (٦) الشأن : لشان C (٧) ـ ولم : فلم C (٨) ولم يكن ... النبوة : ـ A (٩) ـ حمده : جحده A (١٠) ـ فى كتابه : فى الكتابةB (١١) ـ عبرها : غيرها : B (١٢) ـ الايام : الانام B (١٣) فيها : فيماB (١٤) ـ سلطانه : + النعمان بن منذرB (١٥) الى : ـ A (١٦) لا يتغير الى الابد : الى الابد لا يتغيرA (١٧) ـ ذلك : ـ B

١٩٧

فى تعبير الرّؤيا التى رآها الملك ، فى آخر كلامه : فيفتح إلى السّماء فى تلك الأيّام ملكا دائما لا يتغيّر ولا يزول ، ولا يذر (١) لغيره من الأمم مملكة ولا سلطانا ، بل يدقّ ويبيد الممالك كلّها ، ويقوم هو (٢) إلى دهر الدّاهرين. هذا فى تعبير الحجر الّذي دق (٣) ذلك الصّنم من الحديد والنّحاس والخزف الّذي (٤) رآه الملك فى رؤياه ؛ وهو مشهور فى كتاب دانيال وفى حديثه الّذي فى أيدى العامّة. وفى كتاب إرميا : جعلتك (٥) نبيّا للامم لتنسف (٦) وتهدم وتبير (٧) وتسحق وتبنى وتغرس. وفى كتاب هوشع : أنا الرّبّ الاله الّذي ارعاك فى البدو فى أرض (٨) خراب قفر. فليس نبيّ خرج فى أرض قفر الّا محمّد (ص) ؛ لأنّه خرج فى البادية.

فهذه دلائله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فى كتب الأنبياء (ع) وأهل الكتاب يقرءونها (٩) ، ولا ينكرون ما (١٠) قد ذكرنا (١١) منها ؛ لأنّها مكتوبة فى هذه الكتب ؛ ولكن قد غلب عليهم (١٢) الهوى (١٣) ورموا (١٤) بالخذلان والعمى ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا. وفيها من هذا النّحو دلائل كثيرة ، تركنا الأكثر منها (١٥) لشرط الاختصار (١٦) الّذي قدّمنا ، أنا نذكر من كلّ فنّ شيئا دون الجميع. وهذا ما لا يجوز عليه التّواطؤ ، وليس هو ممّا نقلة رجل (١٧) أو رجلان أو ثلاثة ، كما ادّعاه الملحد ؛ لأنّها نبوّات من الأنبياء ، وكانوا فى دهور متباينة قبل محمّد (ص) بزمن طويل.

__________________

(١) ـ يذر : يدورC (٢) ـ هو : ـ B (٣) دق : ـ C (٤) دق ... الّذي : ـ A (٥) ـ جعلتك : بعثتك B (٦) لتنسف : لتعرB (٧) ـ تبير : تديرB (٨) ـ فى البدو فى ارض : فى البلاد او فى الارض B (٩) ـ يقرءونها : يعرف بهاB (١٠) ما : منهاAC ـ (١١) ما قد ذكرنا : ـ B (١٢) ـ عليهم : عليهاBC ـ (١٣) الهوى : الامورBC ـ (١٤) رموا : دسواA (١٥) ـ منها : ـ A (١٦) لشرط الاختصار : للاختصار الشرطC (١٧) ـ رجل : رجلاC

١٩٨

الفصل الخامس

(أعلام محمد (ص) فى الاسلام)

(١) ووجه آخر من دلالاته وأعلامه ، أمور حدثت فى العالم ، دلّت على نبوّته ، مثل : حديث كسرى وإيوانه وسطيح الكاهن. فانّه لمّا كان فى اللّيلة التى ولد فيها رسول الله (ص) ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، فاهتمّ لذلك كسرى ، وجمع وزراءه وموابذته ، وسألهم عن الحال فيه. فقال له الموبذان الأكبر : أنا رأيت فى هذه اللّيلة فى منامى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، قد قطعت دجلة ، دخلت من بلاد العرب ، فرعت فى بلاد العجم. وما لبث إلا قليلا حتّى أتاه كتاب من عامله بفارس : أن نار فارس طفئت فى تلك اللّيلة ولم تطفأ قبل ذلك بألف عام. فهّمه ذلك ، واستقصى فى البحث عنه. فقالوا : حادثة تكون فى بلاد العرب! فكتب إلى النّعمان بن المنذر ليبعث إليه رجلا عالما يسأله عن أشياء. فبعث إليه عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة العبادى. فلما قدم عليه سأله عن ذلك ، فقال : علم هذا عند خال لى بالشّام ، اسمه سطيح. فجهّزه وأخرجه إليه ليسأله. فخرج حتّى قدم عليه وهو بآخر رمق ، فوقف عليه ، وقال : «أصمّ أم يسمع غطريف اليمن» ، فى سجع له. فلما سمعها سطيح ، رفع رأسه وقال : عبد المسيح جاء إلى سطيح وقد أوفى على الضّريح. بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان ورؤيا الموبذان وخمود النّيران. قال : نعم ، فما تقول فى ذلك؟ قال : إذا كثرت التّلاوة وفاض وادى السّماوة وغارت بحيرة ساوة ، بعث

١٩٩

صاحب الهراوة ؛ فليست الشّام لسطيح شاما. قال : متى يكون هذا؟ قال : يملك منهم ملوك (١) وملكات على عدد الشّرفات (٢) ، وكل ما هو آت (٣) آت. فانصرف عبد المسيح إلى كسرى ، وأخبره بقول سطيح. فقال : إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا ، قد كانت أمور. فملك منهم أربعة عشر ملكا فى مدة يسيرة ؛ وهذا حديث طويل اختصرناه.

ومثل هذا حديث كاهن كان بعسفان. فسافر إليه هاشم بن عبد مناف وأميّة بن عبد شمس ؛ وقيل له احكم بينهما أيّهما أشرف. فقال : والقمر الباهر والكوكب (٤) الزّاهر والغمام الماطر وما بالجوّ (٥) من طائر وما اهتدى بعلم مسافر ، لقد سبق هاشم إلى مآثر ، أوّلا منه وآخر (٦) ، وسيكون له ولد فاخر على كل (٧) باد وحاضر نبىّ مؤيّد طاهر والله لدينه ناصر وهو على الأديان كلّها ظاهر إلى انقضاء الدّهور (٨) الغوابر.

ومثل هذا حديث عبد المطلّب ، حين ولد رسول الله (ص) أخذه عبد المطّلب فأدخله على هبل كما كانت قريش تفعل بمن يولد لهم (٩). فولّى رسول الله (ص) وجهه (١٠) عن هبل (١١). فارتاع عبد المطّلب لذلك ، وسمع صوتا من جوف الصّنم ـ ويقال من جدار الكعبة ـ يقول (١٢) : ما لهذا وللصّنم ، إنّ ذا سيّد الأمم ، من فصيح ومن عجم ، ورسول لذى (١٣) النّعم ، يبطل الشّرك والصّنم ، ثمّ يجلو دجى الظّلم. فارتعدت فرائض عبد المطّلب وفزع فزعا شديدا ؛ وهو حديث طويل اختصرناه (١٤).

__________________

(١) ـ ملوك : ملكون ABC (٢) الشرفات : الشرط فات C (٣) آت : ـ B (٤) ـ الكوكب : الكواكب B (٥) بالجو : بالجرم C (٦) أولا منه وآخر : ولا منه اهرB (٧) ـ كل : ـ B (٨) ـ انقضاء الدهور : انقضى الدهورC (٩) ـ لهم : هم B (١٠) وجهه : ـ A (١١) هبل : الهبل B (١٢) ـ يقول : ـ A (١٣) ـ لذى : الّذي B (١٤) ـ اختصرناه : واختصرناه B

٢٠٠