أعلام النبوّة

أبو حاتم الرازي

أعلام النبوّة

المؤلف:

أبو حاتم الرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسه پژوهشى حكمت و فلسفه ايران
المطبعة: صارمي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٤

محيطة (١) بها ، والأنفس الزّكيّة ترتفع إلى عالمها وتكون سماؤهم سماء نورانيّة أشرف من هذه ؛ ففيها (٢) آثار البارى بلا متوسّطات (٣) ، وهناك الحسن (٤) المحض ، لأنّه مبدعه (٥) بلا توسّط ولا تعب ، وإنّ البارى يمسح الأنفس فى كلّ دهر مسحة ويتجلّى حتى (٦) تنظر إلى نوره المحض الخارج من جوهره الحقّ ، فيشتد (٧) عشقها وشوقها ؛ ولا يزال كذلك (٨) أبد الآباد دائما. وقال (٩) : إنّ أوّل الأوائل من المبدعات هو الهيولى ، ومنها كان جميع ما فى هذا العالم ، ومنها كان الهواء والنّار والماء والأرض ؛ وإنّ كلّ ما كوّن ، من الهواء (١٠) المحض ؛ وإنّه لطيف روحانى لا يدثر ولا يدخل عليه الفساد ولا يقبل الدّنس ؛ وكل ما بقى فى هذا (١١) العالم الدّنس الكثير الأوساخ ، يتشبّث به هذا العالم ؛ لأنّ هذا العالم دنس ، ويمنعه أن يرتفع علوا. وكلّ ما لم يقبل (١٢) هذا الدّنس وهذه الأوساخ ، وألقاها عن نفسه واتّصل بكليّته الطّاهرة (١٣) النّقيّة ، تخلّص ولحق بكليّته. وهذا (١٤) العالم يدثر ويدخله الفساد ، من أجل أنّه ثقل تلك العوالم الرّوحانيّة الشّريفة ، وهو قشر ؛ ولو لا ما فيه من نوريّة تلك الأوائل ، لما ثبت (١٥) طرفة عين ، وإنّما ثباته بقدر ما يصفّى العقل جزءه والنّفس جزءها ؛ فاذا صفت هذه الأجزاء (١٦) النّيرة الشّريفة ، دثر وفسد وبقى مظلما ؛ وهو الدّثور الّذي ذكروه أجمعون. والأنفس الدّنسة (١٧) ، تبقى فى هذه الظّلمة ، لا تعاين النّورانيّة. (٢٠) وقال ديمقراط وبرقونس (١٨) وبرقلس (١٩) : إنّ العقل أوّل مبدع وقالوا

__________________

(١) محيطة : محيطBC ـ (٢) ـ ففيها : فيهاAB (٣) متوسطات : متوسطان B (٤) الحسن : الحس C (٥) ـ مبدعه : مبتدعةB (٦) ـ حتى : حين C (٧) ـ فيشتد : فيستدC (٨) كذلك : لذلك A (٩) ـ وقال : قال C (١٠) ـ الهواء ... الهواء : ـ B (١١) ـ هذا : بهذاB ، به هذاC (١٢) ـ لم يقبل : يقبل B (١٣) ـ الطاهرة : الظاهرةC (١٤) وهذا : هذاA (١٥) ـ ثبت : + كل C (١٦) ـ الاجزاء : الآخرB (١٧) الدنسة : الدنيةB (١٨) ـ برقونس : يرقونس AB (١٩) برقلس : برقليس ABC

١٤١

برأى أنبدقليس فى النّشأة الثّانية ، وخالفوه فى المبدع الأوّل (١) ؛ لأنّ أنبدقليس (٢) قال : إنّ العنصر أوّل مبدع. وخالفوه فى المحبّة والغلبة وقالوا : إنّ المبدع الأوّل ، ليس هو العنصر فقط ، بل الأخلاط (٣) الأربعة ، وهى الأسطقسّات ؛ منها أبدعت الأشياء البسيطة كلّها دفعة واحدة ؛ فأمّا المركّبة ، فانّها كوّنت دائمة داثرة ، إلّا أنّ ديمومتها بنوع ، ودثورها (٤) بنوع ؛ لأنّ منها ما (٥) أبدع باقيا دائما لا يجوز عليه الدّثور ، ومنها (٦) داثر غير باق لا يجوز عليه البقاء.

(٢١) وقال فلوطرخس (٧) : إنّ البارى (٨) لم يزل بالأزليّة ، وهو مبدع فقط ، وكل مبدع ظهرت صورته فى حدّ (٩) الابداع ؛ وكانت صورته فى علمه (١٠) الأوّل. والصّورة عنده بلا نهاية ، ولو لم تكن الصّورة معه فى أزليّته ، لم يكن ليبقى. وأورد كلاما خلط فيه تخليطا كثيرا ، وخالف ثالس فى قدم الصّورة ؛ وقد (١١) ذكرنا قول ثالس فى نفى الصّورة مع ذكر مقالته.

(٢٢) وقال كسنوفانس : إنّ المبدع الأوّل ، هو إنّيّة لأزليّته الّتي هى بنوع الدّيمومة (١٢) والقدمة ، لا يدرك بنوع صفة منطقيّة ولا عقليّة. ونفى (١٣) أزليّة الصّورة والهيولى ، وقارب قول أهل التّوحيد ؛ ولكنّه أورد بعد ذلك كلاما خلط فيه.

(٢٣) وقال زينون الّذي (١٤) يقال له الأكبر : إنّ المبادئ هى الله (١٥) والعنصر. والله هو العلّة الفاعلة ـ تعالى الله عن ذلك ـ وإنّه المبدع الأوّل ، كان فى علمه صورة (١٦) إبداع كلّ جوهر ، وإنّ علمه غير متناه ، والصّورة الّتي فيه

__________________

(١) ـ الاول : ـ B (٢) انبدقليس : بندقليس B (٣) ـ الاخلاط : الاختلاطB (٤) ـ ودثورها بنوع : ـ B (٥) ما : ـ A (٦) ـ منها : نهاA (٧) ـ فلوطرخس : فلوطوخس B (٨) البارى : + جل وتعالى A ، جل الله B (٩) ـ حد : ـ B ، جسدC (١٠) علمه : محله B (١١) ـ وقد : فقدABC (١٢) ـ الديمومة : الديموميةBC ـ (١٣) ـ نفى : قى C (١٤) ـ الّذي : الدنى B (١٥) الله : + عزوجل BC ـ (١٦) ـ صورة : لصورةC

١٤٢

من حدّ الابتداع غير متناهية ؛ وكذلك صورة الدّثور غير متناهية. وقال : إنّ هذا العالم يبقى بقاء دائما ، ولا (١) يفنى فناء دائرا (٢). وقال : إنّ صورة هذه (٣) العوالم وما فيها من العلم الأزليّ باقية (٤) دائرة (٥) ، وهى (٦) باقية (٧) بنوع تجديد وداثرة (٨) بنوع دثور الصّورة الأولى عند تجديد الأخرى ؛ والدّثور يلزم الصّورة والهيولى معا. وقال أيضا مثل قول خرسبوس (٩) : إنّ البارى (١٠) محض هو «انّ» فقط ، أبدع العقل والنّفس دفعة واحدة ، ثم أبدع جميع ما تحتهما (١١) بتوسّطهما. وقال : إنّ للنّفس (١٢) جرمان ، جرم من النّار والهواء (١٣) ، وجرم من الماء والأرض ؛ والنّفس متّحدة بالجرم الّذي من النار والهواء ، والجرم الّذي هو من النّار والهواء ، هو متّحد (١٤) بالجرم الّذي من الماء والأرض. والنّفس مستطيعة ما خلاها البارى (١٥) ، فاذا ربطها فليست بمستطيعة ؛ كالحيوان الّذي إذا خلّاه مدبّره (١٦) الّذي هو الانسان المالك له ، كان مستطيعا ؛ وإذا ربطه ، كان غير مستطيع.

(٢٤) وقال انكساغورس وكسناغورس بقول فلوطرخس فى المبدع وخالفاه فى المبدع الأوّل وفى أشياء غير ذلك. وقال فيلوخوس : إنّ المبدع الأوّل كان مبدع الصّورة فقط ، فأمّا الهيولى فلم تزل معه.

(٢٥) وقال انكسمانس الّذي يعدّ أيضا من السّبعة الذين كانوا يدعون أساطين الحكمة : إن البارى أزليّ لا أوّل له ولا آخر ، وهو بدء الاشياء كلّها ، وهو «انّه» فقط ولا هويّة تشبهه ، وكلّ هويّة مبدعة ، وهو أحد لا يتكثّر ،

__________________

(١) ـ ولا : لاB (٢) داثرا : داثرةC (٣) هذه : هذاA (٤) ـ باقية : باقى ABC (٥) داثرة : داثرABC (٦) هى : هوABC ، + بنوع (٧) باقية : باقى ABC (٨) داثرة : داثرABC (٩) ـ خرسبوس : جرسيوس ABC (١٠) البارى : + عزوجل BC (١١) ـ تحتهما : تحتهاBC ـ (١٢) للنفس : النفس BC ـ (١٣) الهواء : ـ AB (١٤) ـ متحد : متحدةB (١٥) البارى+ جل وعزBC ـ (١٦) ـ مدبره : مدبرA

١٤٣

أبدع صورة العنصر وصورة العقل. وصورة العنصر واحدة أيضا إلّا أنّها تتكثّر (١) ، ومنها انبعثت صورة العقل ؛ فترتبت ألوان الصّور على قدر ما فيها (٢) من طبقات الانوار ، فصارت تلك الطّبقات ، العوالم ؛ حتّى قل نور (٣) الصورة فى الهيولى ، وقلّت الهيولى حتى لم يبق إلّا ثقلها ، فصارت منها هذه (٤) الصّورة (٥) الرّديئة (٦) وترتّبت (٧) هذه (٨) القوى بقدر (٩) سكون النّفس فى هذه الاجرام ، فمدبّر هذا كلّه ساكن ، لا تجوز (١٠) عليه الحركة ، لانّ الحركة محدثة ؛ إلّا أن نقول إنّ تلك الحركة فوق هذه الحركة كما أنّ ذلك السّكون فوق هذا السّكون. فأورد كلاما يقرب من قول أهل التّوحيد ، ثم خلط بعد ذلك.

(٢٦) وقال أنبدقليس أيضا : هو يتحرك (١١) بنوع السّكون. وبهذا القول قال انكساغورس (١٢) وكثير منهم. واختلفوا (١٣) وخلطوا ونقض بعضهم على بعض. وقال أرسطاطاليس فى هذا الباب : الا له لا يتحرّك لأنّ الحركة لا تخلو من أن تكون (١٤) ، إمّا مكانيّة وإمّا (١٥) زمانيّة وإمّا فكريّة (١٦) : ثم قال : إنّ الاله حركته (١٧) بنوع سكون ، وسكونه بنوع حركة ، إلا أنّ تلك الحركة وذلك السكون ليساهما وهميّين ولا عقليّين.

(٢٧) وقال انكسمانس (١٨) فى الحق والحكمة : إنّ الحقّ حقّان ، حق نورىّ وحق مظلم ، والحكمة (١٩) واحدة. وقال فى ذلك سقراطيس : الحق متعلق بالحكمة

__________________

(١) ـ تتكثر : تنكثرB (٢) فيها : فيهن A (٣) ـ نور : نودB (٤) ـ هذه : هذاB (٥) الصورة : ـ B (٦) ـ الردئية : المرديةB (٧) ـ ترتبت : ترتيب B تزينت C (٨) هذه : هذاB (٩) بقدر : فقدرB (١٠) ـ تجوز : يجوزABC (١١) ـ يتحرك : بتحرك A (١٢) ـ انكساغورس : ايساغورس ABC (١٣) واختلفوا : اختلفواA (١٤) ـ تكون يكون C (١٥) ـ واما : اوA (١٦) فكرية : فكربه AB (١٧) حركته : حركةB (١٨) ـ انكسمانس : انكمانس AB ، انكماس C (١٩) ـ الحكمة : حكمةAC ، حكمةB

١٤٤

من (١) نحو العقل. وقال فلسنيون (٢) : إنّ الحقّ متعلّق بالحكمة (٣) لا من نحو العقل. واختلفوا فى هذا الباب أيضا اختلافا كثيرا ؛ فمنهم من قال : إنّ الحكمة قبل الحقّ وإنّ الحقّ لا يقوم (٤) إلّا بالحكمة ، ومنهم من قال إنّ الحقّ قبل الحكمة (٥) ، وإنّما صارت الحكمة حكمة بالحق الّذي أقامها.

(٢٨) وقال بثاغورس الانطاكى : البارى جلّ ذكره (٦) واحد (٧) لا يدرك من جهة العقل والنّفس ؛ وإنّ هذا العالم ألّف وصنع من اللّحون البسيطة الروحانيّة واعداد الرّوحانيّة (٨) ، وهى غير منقطعة ، وهى متحدة تتجزّأ من نحو العقل ولا تتجزّأ من (٩) الحواسّ ؛ وإنّ هذا العالم هو سرور فقط فى أصل (١٠) الإبداع مثل العوالم الأوّل ، إلّا أنّ تلك أبسط من هذا ؛ ومنطق العوالم هو باللّحون الرّوحانيّة (١١) البسيطة ، فمن أجل ذلك صار سرورا دائما غير منقطع. وقال ، إنّ أوّل ما أبدعت (١٢) السّماء ، أظهرت النّفس (١٣) النّجوم (١٤) السّبعة التى هى دلالات اللهو والسّرور والحسن والعدل والعزّ والعشق وما أشبه ذلك. ولو عرف أصحاب القضاء (١٥) كيف حركاتها وانتقالها ومزاجها ومقابلاتها (١٦) ، لقدروا على معرفة تأليف العالم ولكن لمّا (١٧) لم يقدروا عليها ، لم ينالوا علم تاليف هذا العالم.

__________________

(١) ـ من : وA ، لاC (٢) فلسنيون : فلسينون AB (٣) ـ بالحكمة : + بالحكمةB (٤) ـ فمنهم ... لا يقوم : +C (٥) ـ الحق قبل الحكمة : الحكمة قبل الحق C (٦) صارت ... جل ذكره : ـ A (٧) ـ واحد : انما واحدA (٨) ـ والاعداد الروحانية : ـ B (٩) ـ العقل ... من : ـ A (١٠) ـ اصل : الاصل A (١١) ـ الروحانية : الروحانيات A (١٢) ـ ابدعت : بدعت A (١٣) النفس : + من C (١٤) النجوم : + من C (١٥) ـ القضاء : القصارA (١٦) مقابلاتها : مقابلا لهاB (١٧) ـ لما : كماA

١٤٥

وقال موزنوش (٢) وكان تلميذا لبثاغورس : إنّ ثبات (١) العالم وقوامه (٣) من اثنين مبدعين ، من ذكر وأنثى ، من ضوء وظلمة ، والضوء ذكر والظلمة (٤) أنثى ومنهما (٥) تكوّنت الاشياء كلّها. وأخذت عنه المجوس هذا القول ، لأنّه (٦) كان دخل مملكة الفرس ، فأخذ ذلك عنه وارطوس الّذي قام فى المجوس بعد زرهشت (٧) وخلطه (٨) بالرّسم الّذي كان عليه المجوس من رسوم الأنبياء (ع) ، وأفسد عليهم دينهم (٩) ، وأزالهم عن التّوحيد ، ودعاهم إلى القول بالاثنين ، وخلط الباطل بالحقّ ؛ فضّل وأضلّ ، وبنى مقالته (١٠) على أنّ الضّوء والظّلمة مبدعين ، وأن الضّوء سماوى والظلمة أرضية فلا يتمّ للسماوىّ امر (١١) الا بالأرضىّ الا انّ الأرض فى سلطان الظّلمة ، ولمّا اتّفق النّور (١٢) والظّلمة ، ولد النّور النّار وولدت الظّلمة الارض ، وهى أرضيّة ، ثم تولّدت (١٣) من النّار الحرارة واليبوسة (١٤) ، ومن الماء البرودة والرّطوبة ؛ ثمّ ازدوجت ، فتولّد منها هذا العالم كلّه. فأصل مقالة المجوس فى اعتقادهم القول بالاثنين من هذه الجهة.

(٣٠) وقال (١٥) ملّيسس (١٦) وأصحابه : إنّ المبدع واحد ، ولا يجوز أن يخلق اثنين ، لأنّ الاثنين يدلان (١٧) على التّنازع والتّضاد. فلمّا رأينا (١٨) هذا العالم لا ضدّ له ولا موافق ، استدللنا أنّه واحد لا يدخله الفساد والفناء (١٩) من غيره أو من (٢٠) خاصّته فى الجزء (٢١) والكلّ ؛ وإنّما الحقّ واحد ، لا تغيير فيه ولا تبديل ولا زوال ، وإنّما هو منتقل كالمكان والزّمان ، وكالرّجل يكون فى الظّل حسن اللون وفى

__________________

(١) ـ وقال ... ثبات : ـ A (٢) موزنوش : مرزنوش C (٣) قوامه : قومه A (٤) ـ والضوء ... الظلمة : ـ B (٥) منهما : منهاABC (٦) ـ لانه : انه B (٧) ـ بعد زرهشت : بعذرهشت B (٨) خلطه : خلطB (٩) دينهم : ومنهم A (١٠) ـ بنى مقالته : بين مقالتى B (١١) ـ امر : وامرB ، امراC (١٢) ـ النور : + وB (١٣) ـ تولدت : تولدABC (١٤) اليبوسة : اليبس AC ـ (١٥) ـ وقال : قال C (١٦) مليسس : ميلس AC ، مبلس B (١٧) ـ يدلان : يدلاB (١٨) رأينا : ـ B (١٩) ـ والفناء : ولا الفناءBC ـ (٢٠) ـ او من : ولا من ABC (٢١) ـ الجزء : الجزاءB

١٤٦

الشمس قبيح اللّون والرّجل واحد لم يتغيّر ولم يتبدّل (١) ولم يفن ولم يزل ؛ وكذلك (٢) سائر (٣) ما يرى وما لا يرى من الألوان والطّعوم (٤) والاصوات والحسّ (٥) والشمّ ، لا (٦) تغيير ولا تبديل ولا انفعال ولا حركة ؛ فهذا أصل قولهم.

(٣٠) وقال فلانوس وكان أيضا من تلاميذ بثاغورس وصار إلى الهند وادعى أنّ بثاغورس ارتقى إلى الهواء (٧) وعاين عالم الطّبيعة وعالم النّفس وعالم العقل ، وقال : إنّ كلّ ما فى (٨) العالم من الحسّ هو معلول الطّبيعة ، وما عند النّفس أكرم ممّا عند الطّبيعة (٩) وأخسّ (١٠) ممّا عند العقل ، إلى أن ينتهى إلى العلة الّتي لا علّة فوقها. وأخذ عنه هذا الرأى برخمس الهندى ؛ فدعا إليه النّاس ، وخلط بدعه برسوم الأنبياء (١١) الّتي كانت فى أيديهم كما فعل وارطوس بأصحاب زرهشت ، وأبدع بدعا كثيرة ، منها (١٢) تفرّقت أديان الهند. وعنه أخذ برهما (١٣) فسنّ لهم الاحراق وأمر بالتّعرّى والسّياحة فى البرارى والجبال حيارى ورغّب الناس فى تلطيف الأبدان وتهذيب الانفس والاسراع فى الخروج عن هذا (١٤) العالم والاتّصال بذلك العالم ، لتكون (١٥) (الأنفس) مسرورة (١٦) متلذّة (١٧) ، لا تملّ (١٨) ولا تكلّ (١٩) بزعمه. فأخذ عنه أهل (٢٠) الهند ، وتفرّقوا بعده فرقا كثيرة (٢١) ؛ إلا أنّ (٢٢) أصل البدع فى مقالاتهم من (٢٣) فلانوس الّذي كان من تلاميذ بثاغورس. وقال قوم منهم إنّ

__________________

(١) ـ لم يتبدل : لا يتبدل C (٢) ـ وكذلك : فكذلك (٣) سائر : ـ B (٤) الطعوم : الطعام A (٥) ـ الحس : الحسن A ، الحسرB ، الحشرC (٦) لا : ولاABC (٧) ـ الهواء : الهوى B (٨) ـ فى : + هذاC (٩) ـ مما عند الطبيعة : ـ A (١٠) اخس : احسن A (١١) ـ الأنبياء : + عليهم‌السلام BC ـ (١٢) ـ منها : ـ B (١٣) برهما : برهمى B ، برهمتى C (١٤) ـ هذا : ـ B (١٥) لتكون : ليكون ABC (١٦) ـ مسرورة : مسرورABC (١٧) ملتذة : ملتذاABC (١٨) تمل : يمل ABC (١٩) تكل : يكل ABC (٢٠) ـ اهل : ـ A (٢١) كثيرة : كثيراB (٢٢) الا ان : لان B (٢٣) ـ من : ـ A

١٤٧

التناسل فى هذا العالم خطأ ، وأفضل الأعمال عندهم أن يلقوا أنفسهم فى النّار ، يزعمون أنّهم يطهّرون أبدانهم ؛ ولهم أديان كثيرة مختلفة عجيبة جدا ابتدعوها ويطول التّفسير بذكرها.

١٤٨

الفصل (١) الثالث

جملة الخلاف فيما قال الفلاسفة

(١) فتأمّل (٢) رحمك الله ما قد ذكرته من أصول هؤلاء (٣) الضّلّال وشدّة اختلافهم وضلالهم ، وكيف خالف بعضهم بعضا فى القول فى البارى جل وتعالى وفى (٤) مبادي الاشياء وفى انتهائها ، وكيف ضلّوا حتى قال بعضهم : إنّ الله هو (٥) العقل وهو عقل (٦) هذا العالم (٧) ، والعنصر والصّورة قديمان معه ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقال بعضهم : الله هو عقل العالم ـ عزّ الله عن ذلك ـ وهو أبدع الصّورة والعنصر. وقال غيره (٨) : العقل هو الاله ـ سبحانه عن ذلك ـ وانّ الأجسام كانت واقفة فزينها وجعل لها مناسبات وتولّدا ، وقال آخر : الله (٩) علّة هذا العالم ـ عزّ الله وجلّ. وقال (١٠) آخر : البارى (١١) هو العلم والإرادة والجود والعزّ والعدل (١٢) والخير وقوى غيرها. وقال غيره : الله هو نور عقلىّ

__________________

(١) ـ فصل : ـ B (٢) ـ فتامل : تامل BC ـ (٣) هؤلاء : هذاA (٤) ـ وفى : فى A (٥) ـ الله هو : انه C (٦) عقل : اعقل B (٧) العالم : للعالم B (٨) ـ غيره : + هوB (٩) ـ الله : + هوC (١٠) ـ قال : ـ B (١١) البارى : + جل وعزBC ـ (١٢) ـ العدل : ـ A

١٤٩

وعقولنا أبدعت من ذلك النور ـ عزّ الله وتعالى. وقال آخر : البارى هو متحرّك. وقال غيره : هو ساكن وقال غيره : هو متحرّك بنوع الحركة ؛ ساكن بنوع السكون (١). وقال آخر الله (٢) خلق هذا العالم على مثال صورته. وقال (٣) آخر : الله هو فى صورة إنسان ـ تعالى الله عن ذلك (٤). وقال آخر. هو الله والعنصر قديم معه ، والله هو العلّة الفاعلة (٥) ـ عزّ الله وجلّ (٦)

وقال آخر : إن الصّورة (٧) كانت قديمة عند الله (٨) ؛ ونفى غيره ذلك. وقال آخر : إنّ الله أبدع الصّورة ، والهيولى لم تزل معه. وقال آخر : إنّ الله أبدع العقل والنّفس ، وبتوسّطهما (٩) أبدع العالم. وقال آخر : إن الله أبدع العالم من المحبّة والغلبة. وقال آخر : أبدعه من اللّحون البسيطة (١٠) ، وقال آخر : العالم دائم لا يزول ولا يفتر (١١) ولا يضمحلّ. وقال كثير منهم بدهر العالم. وقال آخر : الاشياء تخرج من ذاتها بلا حدث. وقال آخر : المبادئ هى أجسام لا خلاء فيها ولا كون ، وهى سرمديّة غير فاسدة. وقال آخر : مبدأ (١٢) الاشياء كلّها النّار. وقال آخر : هو الهواء. وقال آخر : هو الماء. وقال آخر : هو الأرض.

وقال آخر : لا (١٣) شيء مبدع الّا ما يرى ويسمع ، وأنكر ما غاب. وقال آخر :

لا فعل ولا حركة ولا تغيير ولا فناء (١٤). وقال آخر : الا وائل اثنان ، الخلاء والصّورة. وقال آخر : إنّ جميع ما يرى ويحس (١٥) لا حقيقة له ، إنّما هو على طريق الخيلولة والحسبان ، وإنما نرى (١٦) هذه الاشياء ونشاهدها كما نراها فى المنام ولا حقيقة لها ، ولا حقيقة لأنفسنا ، ولا لشيء مما يرى ويحس ، ولا لشيء من هذا العالم كمذهب

__________________

(١) ـ وقال غيره ... السكون : ـ C (٢) ـ الله : + عز الله B + وجل C (٣) ـ وقال : قال A (٤) ـ تعالى الله عن ذلك : ـ A (٥) ـ الفاعلة : لفاعله B (٦) عز الله وجل : ـ A (٧) ـ الصورة : الصورAC ـ (٨) عند الله : ـ B (٩) ـ بتوسطهما : بتوسطهم A (١٠) ـ البسيطة : البسيطB (١١) ـ يفتر : يفنى A (١٢) ـ مبدأ : مبدى B (١٣) ـ لا : هولاB (١٤) ـ فناء : ـ C (١٥) ـ يحس : يحسن A (١٦) ـ نرى : ترى B ، يرى C

١٥٠

السوفسطائيّة (١).

وقال غيره : إنّ العالم يدثر ويفنى ، ولا ثواب ولا عقاب. وقال آخر : العالم غير دائر ولا مستحيل. وقال آخر (٢) : إنّ الأنفس تلحق (٣) بالعالم العلوى وتبقى هناك وتلتذّ. وقال آخر : بل تدثر وترجع إلى هيولاها الأولى. وقال آخر : البارى ـ جلّ وعزّ ـ يمسحها حتى ترى نوره. وقال آخر : بل يمسح العقل ، والعقل يمسح النفس ، والنفس تمسح العالم ؛ فتستضيء ، وتعاين الانفس الجزئيّة النّفس الكليّة. وقال آخر : بل البارى يمسحها فى كل دهر ، ويتجلّى حتّى ينظر إلى نوره. وقال آخر : إن بثاغورس ارتقى إلى الهواء وعاين عالم الطّبيعة وعالم النّفس وعالم العقل.

__________________

(١) ـ السوفسطائية : السوقسطانيةA ، السووطاتيةB (٢) ـ ان ... آخر : ـ C (٣) تلحق : تليق A

١٥١

الفصل الرابع

أى الفريقين أكذب؟!

(١) أعدت القول بذكر جمل هذه النّكت ، ليكون أقرب إلى الفهم بعد ذكر أصولهم وأقاويلهم الّتي حكيتها على الاختصار دون الشّرح ودون ذكر اختلافاتهم فى الفروع وتناقض كلامهم (١) فيها وتكذيب بعضهم لبعض ؛ فانّهم لم يتركوا شيئا نظروا فيه إلا اختلفوا فيه ، ورد بعضهم على بعض ؛ ومن تتبّع ذلك وقع فى شغل شاغل (٢) وعناء طويل ، لا (٣) يحصل منه الاعلى العمى والضلال والخروج إلى الحيرة (٤) والغرق فى الوساوس (٥) المهلكة الّتي زعموا أنّهم أدركوا بها وبعقولهم وفطونهم وآرائهم معرفة كيفيّة البارى جلّ وتعالى (٦) ، وكيفيّة بدء (٧) كون العالم وانتهائه (٨) وما كان قبل حدث العالم وبعد فنائه. وسمّوا (٩) بعضهم الشّعراء ، يزعمون أنّهم شعروا (١٠) بهذه (١١) الامور الغائبة (١٢) بنظرهم ، وسمّوا كلامهم شعرا واسترقوا هذا الاسم من

__________________

(١) ـ كلامهم : كلمهم B (٢) ـ شاغل : شاغلاB (٣) لا : ولاA (٤) ـ الحيرة : الخبرةB (٥) الوساوس : الوسواس C (٦) ـ جل وتعالى : ـ A (٧) بدء : بدوABC (٨) انتهائه : انتهاءC (٩) ـ سموا : سموهم BC ـ (١٠) شعروا : شعرB (١١) بهذه : بهذاB (١٢) الغائبة : الغايةA

١٥٢

العرب (١) حين سمّوا به شعراءهم ، يعنون أنّهم شعراء (٢) بالاشياء التى ذكروها فى شعرهم من التشبيهات فى التّشبيب وذكر الدّيار وفى المدح والهجاء (٣) والافتخار وغير ذلك من صفات (٤) ؛ فصار لهم هذا رسما (٥) ، وحسن به ذكرهم ، وخلّدهم (٦) على الدّهر ـ فتشبّه (٧) هؤلاء الجهال بهم ، وسمّوا أئمّتهم بهذا الاسم ، وزعموا أنّهم شعراء بهذه (٨) الامور العظيمة العسر تناولها ، البعيد مأخذها ، وأنّ عقولهم أحاطت (٩) بالعالم كلّه ، و (أنّهم) ارتقوا (١٠) إلى الاحاطة بمحدث العالم (١١) ؛ فأوردوا هذا الكفر (١٢) العظيم واختلفوا فيه هذا الاختلاف الشّديد.

وحق لهم أن يتيهوا ويكفروا. فانّ من لا يحيط علمه (١٣) بما فوق سطح بيته ، وبما غاب عن عينه فى بيته ، حتى يعاينه ، ثم يزعم أنّه يرقى الى السّماء ، ويدرك ما وراء الفلك ؛ ومن لا يقدر أن يعرف كيفيّة نفسه اللّطيفة الّتي تدبّر أمر (١٤) جسده ، حتّى يقع فى هذه (١٥) الاختلافات والوساوس ؛ ثم يزعم أنّه يحيط علمه بخالق الخلائق أجمعين ومدبّرهم (١٦) ، ويزعم أنّه يدرك (١٧) علم ما كان قبل أن كان (١٨) وما يريد أن (١٩) يكون قبل أن يكون (٢٠) ، من غير توقيف (٢١) من نبىّ مؤيّد بوحى (٢٢) من الله (٢٣) ؛ حقّ له أن يتيه ويوسوس ، وأن يدعى مجنونا معتوها ، وأن يكفر بالله عزوجل (٢٤) ، ويطعن على أنبيائه (ع) ، و

__________________

(١) ـ العرب : الغرب B (٢) شعراء : شعرواAC ـ (٣) ـ الهجاء : اهجاءB (٤) صفات : الصفات A (٥) ـ رسما : وسماA (٦) خلدهم : خلد لهم A (٧) فتشبه : فتشبهه B (٨) ـ بهذه : بهذاB (٩) ـ احاطت : واحاطت B (١٠) ارتقوا : نفوB (١١) ـ العالم : + تعالى الله عن ذلك EC (١٢) هذا الكفر : بهذا الكفرA (١٣) ـ علمه : ـ A (١٤) ـ امر : أمن B (١٥) هذه : هذاB ، هوةC (١٦) ـ مدبرهم : + تعالى الله عن ذلك BC ـ (١٧) يدرك : ينبئك B (١٨) ان كان : ان يكون C (١٩) ـ ان : ـ AB (٢٠) ، قبل ان يكون : ـ C (٢١) توقيف : توفيق A (٢٢) بوحى : بوحى B (٢٣) الله : + عزوجل BC ـ (٢٤) ـ عزوجل : ـ A

١٥٣

ينسبهم إلى الخلاف ؛ ولا يرى خلاف هؤلاء التّائهين ، ولا يذكر تناقض كلامهم ؛ وأن يدّعى أنّ الله (١) أغناهم عن إمام مرشد مؤيّد من الله (٢) الّذي خلقهم بحكمته وتعطّف عليهم برحمته ، ويزعم أنّه وكلهم إلى آرائهم حتّى يستغنوا عن (٣) اختلافات الأنبياء (٤) المؤسّسة على الحكمة باختلافات (٥) هؤلاء الموسوسين (٦) المحيّرة المهلكة ، ثم يقول : قد والله تعجّبنا من قولكم : إنّ القرآن هو معجز وهو مملوء من التّناقض وهو أساطير الأوّلين وهو خرافات!

(٣) فكم بين هذه الاختلافات الّتي بين هؤلاء الذين ابتدعوها بآرائهم ، والتى إنّ نظر فيها ناظر غير مستبصر بهذه (٧) الأمور مستحكم فى أمر الدّيانة ، قادته (٨) إلى العمى ، وأوقعته (٩) فى الحيرة ؛ وبين الاختلافات الّتي ذكرها الملحد وعاب بها الأنبياء (ع) الّذين (١٠) وضعوها على الحكمة ، وهى (١١) أمثال مضروبة إذا كشف عن معانيها اعتدل منها النّظام ، وقامت بها الحدود والأحكام ، وظهر صدق الأنبياء عليهم‌السلام؟ وأىّ الفريقين أكذب ، الّذين يمزّقون حلوقهم بما زعم الملحد أنّه الزّور والبهتان ، بحدّثنا (١٢) فلان عن فلان (١٣) عن محمد (ص) عن جبرئيل (ع) عن الله عزوجل (١٤) ، أنّه قال : (إنّنى انا الله لا إله الّا انا فاعبدنى واقم الصّلاة لذكرى انّ السّاعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) فأخبر

__________________

(١) ـ الله : + جل ذكره BC ـ (٢) الله : + عزوجل BC ـ (٣) ـ عن : من B (٤) الأنبياء : الانباءA (٥) باختلافات : باختلاف C (٦) ـ الموسوسين : المسوسين B (٧) ـ بهذه : بهذاBC ـ (٨) ـ قادته : فادةB (٩) اوقعته : اوقعةB (١٠) ـ الذين : التى ABC (١١) هى : هوB (١٢) ـ بحدثنا : حدثناAB (١٣) عن فلان : من فلان BC ـ (١٤) ـ عزوجل : ـ A

١٥٤

بأنّ الله عزوجل (١) واحد لا إله (٢) غيره وأمر بعبادته ، وحثّ على طاعته ، وحذّر مجيء (٣) وما يكون من القيامة المجازاة بالأعمال ، ووعد وأوعد بالثّواب والعقاب ؛ أم الّذي (٤) يقول : حدّثني طبعى عن نفسى عن عقلى ، أنّه عاين (٥) ما كان قبل حدث العالم ، فرأى النّفس والهيولى والمكان والزّمان قديمة مع البارى ـ جلّ الله وعزّ (٦) ـ وأنّ النّفس (٧) اشتهت أن تتجبّل فى هذا العالم ، فأعانها البارى حتّى خلقت العالم وأنّه لو لا ذلك لما كان هذا العالم ، وأنّه لا بعث ولا ثواب ولا عقاب ، وأنّ النّاس مهملون (٨) كبهائم الأنعام ، وأنّه لا فضل للبشر على سائر الحيوان ، ولا أمر ولا نهى ؛ وأنّ عقلى حدّثني : أنّه يبلغ علم ما كان قبل حدث العالم وما يكون بعد فنائه ، ويبلغ علم (٩) سرائر الخليقة كلّه من أوّل الدّهر إلى آخره ؛ وأنّه لا حاجة به إلى معلّم يعلّمه فانّه (١٠) قد استوى مع الله (١١) فى العلم بجميع الخلائق وكيف خلقت (١٢) وكيف طبعت ، وما فيها من الصّلاح والفساد والضّر (١٣) والنّفع ؛ وأنّ عقله يدرك (١٤) علم ذلك إذا (١٥) شاء ونظر فيه وبحث عنه؟ فأىّ الفريقين أولى بأن يسمّى (١٦) كذّابا ، وأنّه يدّعى الزّور والبهتان؟

(٤) من أنصف ولم يغرّ (١٧) نفسه ، ونظر فى اختلافات هؤلاء الّذين نظروا فى هذه (١٨) الأمور العظيمة ، وأوردوا هذه الآراء المتناقضة من ذات أنفسهم وبعقولهم ؛ وفى اختلافات الأنبياء (ع) وما رسموه (١٩) فى شرائعهم بالحكمة ،

__________________

(١) ـ عزوجل : ـ A ـ A ، جل ذكره C (٢) اله : ـ A (٣) ـ مجيء : محبى B (٤) ـ الّذي : الذين B (٥) ـ عاين : عالى C (٦) ـ جل الله وعز : ـ A (٧) النفس : الانفس C (٨) ـ مهملون : مهملين BC ـ (٩) ـ علم : العلم B (١٠) ـ فانه : ـ C (١١) الله : + جل الله وتعالى B ، جل وتعالى C (١٢) خلقت : خلقن B (١٣) ـ الضر : الضرع B (١٤) يدرك : بنبئه B ، ادرك C (١٥) اذا : ان C (١٦) ـ يسمى : سماB (١٧) ـ يغر : يغيرBC ـ (١٨) ـ هذه : هذB (١٩) ـ رسموه : وسموه A

١٥٥

وضربوا الأمثال بوحى من الله عزوجل (١) وميّز بينهما ؛ عرف الصواب من الخطأ ، والحقّ من الباطل والصّدق من الكذب فانّ الأنبياء (ع) وإن اختلفت ألفاظهم بضرب الأمثال ، فانّ معانيها متّفقة ، ولم يختلفوا فى أصل الدّين وفى توحيد الله عزوجل (٢) ، واتّفقوا أنّ الله جلّ ذكره (٣) إله واحد لا إله غيره ، وأنّه قديم لا قديم (٤) معه ، وأنّه لم يزل ولا يزال ، وهو خالق جميع الخلائق لا من شيء ، ولا خالق غيره ؛ ووصفوه جلّ ذكره بأحسن الصّفات كما هو أهله ؛ واتّفقوا أنّه بعث النّبيّين مبشّرين ومنذرين ، واختارهم من خلقه واصطفاهم لتبليغ رسالاته ، وأنّه خلق دارين ، دارا للسّعى والعمل ودارا (٥) للثّواب (٦) والعقاب ، وأنّ العباد مأمورون منهيّون مبعوثون بعد الموت محاسبون (٧) مدانون (٨) بأعمالهم ، وأنّ الله (٩) (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) ، وأنّ الجنّة والنّار هما العقبى. وسلكوا فى هذا سبيلا (١٠) واحدة ، لم يختلفوا فى شيء منه ، ودعوا كلهم إلى عبارة الله بالأعمال الّتي اتّفقوا على أصولها مثل الصّلاة والزّكاة والصّيام والمناسك والقرابين وسائر الفرائض والسّنن التى فى أصول الدّين (١١) ، لم يختلفوا فى شيء منها (١٢) ، ودعوا كلّهم إلى ذلك وشهد بعضهم لبعض بالصّدق والنّبوة ودعوا إلى منهاج واحد فى باب (١٣) الاستعباد ؛ وإنّما اختلفوا فى وضع الشّرائع ، مثل أوقات الصّلاة (١٤) و

__________________

(١) ـ عزوجل : ـ A (٢) ـ عزوجل : ـ A (٣) جل ذكره : ـ A (٤) لا قديم : الا قديم B (٥) ـ دارا : دارB (٦) للثواب : الثواب B (٧) ـ محاسبون : يحاسبون AB (٨) مدانون : ملانون A ، ملادنون B (٩) الله : + عزوجل BC ـ (١٠) ـ سبيلا : التسبيل B (١١) ـ الدين : الذين B (١٢) منها : منه ABC (١٣) ـ باب : ـ B (١٤) ـ الصلاة : الصلوات C

١٥٦

عدد ركعاتها ، وحدود الزّكوات (١) ، ومواقيت الصّيام (٢) وغير ذلك من الفروع امتحانا من الله عزوجل (٣) لخلقه واختبارا لهم ، كما أمر موسى (ع) بالصّلاة التى هى أصل الدّين فى جميع الشّرائع ، ولكنّه أمره (٤) أن يتّخذ بيت المقدس قبلة (٥). وكذلك أمر عيسى (ع) بالصّلاة ، وأمره أن يتّخذ (٦) المشرق قبلة ؛ وشهد (عيسى) لموسى (٧) بالصّدق والنّبوّة.

وإنّما فعلوا ذلك ، ليظهر (٨) المطيع من العاصى والضّال من المهتدى (١٠) والخاضع المنقاد (٩) من المتكبّر الباغي ، وليكون الثّواب والعقاب على حسب الطّاعة والمعصية ، كما قال الله عزوجل (١١) : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) (١٢) فقد (١٣) دلّ (١٥) ذلك (على) أنّه امتحنهم ، ليعرف من يتّبع (١٦) الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه (١٤). ثم قال : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أى انّ مخالفته (ص) لمن تقدّمه فى تغيير القبلة هى كبيرة منكرة عند من لا يعرف مراده ، (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) فعرفوا مغزاه فى ذلك ، وعلموا أنّه بحكمه. وقال جلّ ذكره (١٧) : ((وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١٨) ألا تراه يقول (١٩) : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) أى يمتحنكم ؛ وحثّهم على عمل الخيرات ، فقال : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (٢٠) فانّ مرجعكم إلى

__________________

(١) الزكوات : الزكاةB (٢) الصيام : + فى القبل C (٣) ـ عزوجل : ـ A (٤) ـ امره : امرC (٥) قبلة : ـ A (٦) ـ يتخذ : ـ A (٧) لموسى : الموسى B (٨) ـ ليظهر : ليطهرB (٩) من ... المنقاد : ـ B (١٠) المهتدى : المهتدين A (١١) ـ عزوجل : ـ A (١٢) ـ كنت : ـ A (١٣) فقد : وان كانت فقدB (١٤) فقد ... عقبيه : ـ A (١٥) ـ فقد دل : فقدرC (١٦) يتبع : تبع C (١٧) ـ جل ذكره : عزوجل A (١٨) آتيكم : آتكم B (١٩) ـ يقول : ـ B (٢٠) ـ فاستبقوا : استبقواC

١٥٧

الّذي يجازيكم باختلافكم وائتلافكم؟ وقال (١) : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يعنى خلقهم وامتحنهم بالاختلاف والائتلاف ليظهر المطيع من العاصى (٢) كما ذكرنا (٣) ، وليكون مرجعهم إلى الأنبياء ، وليرضوا بحكمهم ، ويقيموا طاعتهم ، كما قال عزوجل (٤) : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ (٥)) ثمّ عرّفنا أنّ الباغين فى كلّ أمّة امتحنهم الله بطاعة الأنبياء ، فخالفوهم بعد أن رأوا البيّنات ، فقال : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (٦).

(٥) فهكذا كان سبيل الأنبياء ، وسبب اختلافهم فى وضع الشّرائع. فأمّا فى الأصول فلم يختلفوا : ولو اتّفقوا كلهم فى وجوه الاستعباد ، لما ظهرت (٧) منزلة الأنبياء ، ولا كانت درجة لمن جاء بعد من تقدّمه ؛ فكان لا يقدر على تغيير البدع الّتي أبدعها الضّالون فى كل (٨) شريعة ، ولسقط (٩) الامتحان (١٠) من الله عزوجل (١١) لخلقه ، ولبطل الأمر والنّهى ، فلم تكن طاعة ولا معصية ولا ثواب ولا عقاب. فهذه علّة اختلافهم فى وضع الرّسوم : وأسّسوا شرائعهم على العلم والحكمة بوحى من الله عزوجل (١٢) ، ولم يختلفوا فى أصول الدّين والتّوحيد ، كما اختلف هؤلاء الضّلال الذين وضعوا هذه (١٣) الوساوس بآرائهم واختلفوا فى البارى عزوجل (١٤) ، وفى (١٥) جميع الأصول

__________________

(١) ـ قال : قالواA (٢) ـ العاصى : المعاصى B (٣) ذكرنا : ذكرياA (٤) ـ عزوجل : ـ A ـ A ، جل وعزC (٥) كان : وعن كان B (٦) ـ فيه الا : ـ A (٧) ـ ظهرت : اظهرت B (٨) ـ كل : ـ B (٩) لسقط : اسقطC (١٠) الامتحان : ـ A (١١) عزوجل : ـ A (١٢) ـ عزوجل : ـ A (١٣) ـ هذه : هذB (١٤) عزوجل : ـ A ـ A ، جل وعزC (١٥) وفى : فى C

١٥٨

والفروع ، وأبطلوا كلّهم العبادة والثّواب والعقاب ، وجعلوا النّاس مهملين كالبهائم ، وأوجبوا أن لا يكون لهم سائس ومؤدّب فى الدنيا ومرشد فى الدّين.

١٥٩

الفصل (١) الخامس

لا اختلاف بين الأنبياء فى الاصول

وأمّا ما ذكره (٢) الملحد عن المجوس وغيرهم من القول بالاثنين ، وعن النّصارى وقولهم فى المسيح (ع) ، فانّ ذلك ليس من الأنبياء ؛ بل هو من المبتدعين فى كلّ أمّة على حسب ما ذكرنا. فأمّا المجوس فقلنا إنّ سبب (٣) قولهم بالاثنين وتركهم رسوم الأنبياء ، أصل بدعهم هو من موزنوش تلميذ بثاغورس الّذي دخل مملكة الفرس ، وأخذ عنه وارطوس هذا القول ودعا إليه المجوس ، فأجابوه. ثم تكثّرت (٤) فيهم البدع بعد ذلك.

وأمّا النّصارى وقولهم فى المسيح (٥) انّه ابن الله (٦) ، فانّهم ضلّوا بالتّأويل ؛ لأنّ المسيح (ع) قال فى الإنجيل إنّه ابن الله ؛ ولم يعن به (٧) أنّه ابنه من جهة الولادة ـ عزّ الله أن يتّخذ صاحبة وولدا ـ ولكنّه أراد أنّ الله عزوجل (٨) رفعه وأعلى منزلته وقرّبه واختاره واصطفاه واحبّه ، وضرب فى هذا مثلا ، كما يحب الانسان ولده ويصطفيه و

__________________

(١) ـ فصل : ـ B (٢) ـ واما ما ذكره : ـ B (٣) ـ سبب : السبب B (٤) ـ تكثرت : تكثرن B ، تكثره C (٥) ـ فى المسيح : ـ A (٦) الله : + تعالى عن ذلك BC (٧) ـ يعن به : يعذبه B (٨) ـ عزوجل : ـ A

١٦٠