الإعتصام - ج ١ و ٢

أبي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي

الإعتصام - ج ١ و ٢

المؤلف:

أبي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٧

إلى العبادة ففعل عبادة مشروعة من غير قصد الانضمام ، ولا جعله عرضة لقصد انضمامه ، فتلك العبادتان على أصالتهما ، وكقول الرجل عند الذبح أو العتق : اللهم منك وإليك ، على غير التزام ولا قصد الانضمام ، وكقراءة القرآن في الطواف لا بقصد الطواف ولا على الالتزام ، فكل عبادة هنا منفردة عن صاحبتها فلا حرج فيها.

وعلى ذلك نقول : لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزا ، لأنه على الشرط المذكور ، إذ لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام ، ولا كونه سنّة تقام في الجماعات ويعلن به في المساجد ، كما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب ، وكما أنه دعا أيضا في غير أعقاب الصلوات على هيئة الاجتماع ، لكن في الفرط وفي بعض الأحايين كسائر المستحبات التي لا يتربص بها وقتا بعينه وكيفية بعينها.

وخرّج عن أبي سعيد مولى أسيد ... قال : كان عمر رضي الله عنه إذا صلى العشاء أخرج الناس من المسجد ، فتخلف ليلة مع قوم يذكرون الله فأتى عليهم فعرفهم ، فألقى درته وجلس معهم ، فجعل يقول : يا فلان! ادع الله لنا ، يا فلان ادع الله لنا ، حتى صار الدعاء إلى غير (؟) فكانوا يقولون : عمر فظ غليظ ، فلم أر أحدا من الناس تلك الساعة أرق من عمر رضي الله عنه لا ثكلى ولا أحدا.

وعن سلم العلوي قال : قال رجل لأنس رضي الله عنه يوما : يا أبا حمزة! لو دعوت لنا بدعوات ... فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ـ قال ـ فأعادها مرارا ثلاثا ، فقال : يا أبا حمزة! لو دعوت ... فقال مثل ذلك لا يزيد عليه ، فإذا كان الأمر على هذا فلا إنكار فيه ، حتى إذا دخل فيه أمر زائد صار الدعاء فيه بتلك الزيادة مخالفا للسنّة ، فقد جاء في دعاء الإنسان لغيره الكراهية عن السلف ، لا على حكم الأصالة بل بسبب ما ينضم إليه من الأمور المخرجة عن الأصل ، ولنذكره هنا لاجتماع أطراف المسألة في التشبيه على الدعاء بهيئة الاجتماع بآثار الصلوات في الجماعات دائما.

٣٢١

فخرّج الطبري عن مدرك بن عمران ، قال : كتب رجل إلى عمر رضي الله عنه : فادع الله لي ، فكتب إليه عمر : إني لست بنبي ، ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر الله لذنبك ، فأباية عمر رضي الله عنه في هذا الموضع ليس من جهة أصل الدعاء ، ولكن من جهة أخرى ، وإلّا تعارض كلامه مع ما تقدم فكأنه فهم من السائل أمرا زائدا على الدعاء فلذلك قال : لست بنبي. ويدلك على هذا ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال : استغفر لي ، فقال : غفر الله لك. ثم أتاه آخر فقال : استغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ولا لذاك ، أنبي أنا؟ فهذا أوضح في أنه فهم من السائل أمرا زائدا ، وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي ، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك ، أو يعتقد أنه سنة تلزم ، أو يجري في الناس مجرى السنن الملتزمة.

ونحوه عن زيد بن وهب أن رجلا قال لحذيفة رضي الله عنه : استغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ، ثم قال : هذا يذهب إلى نسائه فيقول استغفر لي حذيفة أترضين أن أدعو الله أن تكنّ مثل حذيفة؟ فدلّ هذا على أنه وقع في قلبه أمر زائد يكون الدعاء له ذريعة حتى يخرج عن أصله ، لقوله بعد ما دعا على الرجل : هذا يذهب إلى نسائه فيقول كذا ، أي : فيأتي نساءه لمثلها ، ويشتهر الأمر حتى يتخذ سنّة ، ويعتقد في حذيفة ما لا يحبه هو لنفسه ، وذلك يخرج المشروع عن كونه مشروعا ، ويؤدي إلى التشيع واعتقاد أكثر مما يحتاج إليه.

وقد تبين هذا المعنى بحديث رواه ابن علية عن ابن عن ، قال : جاء رجل إلى إبراهيم ، فقال : يا أبا عمران! ادع الله أن يشفيني ، فكره ذلك إبراهيم وقطب وقال : جاء رجل إلى حذيفة ، فقال : ادع الله أن يغفر لي ، فقال : لا غفر الله لك ، فتنحى الرجل فجلس ، فلما كان بعد ذلك ، قال : فأدخلك الله مدخل حذيفة أقد رضيت؟ الآن يأتي أحدكم الرجل كأنه قد أحصر شأنه ، ثم ذكر إبراهيم السنّة فرغب فيها وذكر ما أحدث الناس فكرهه.

وروى منصور عن إبراهيم قال : كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض : استغفر لنا.

فتأملوا يا أولي الألباب ما ذكره العلماء من هذه الأصنام المنضمة إلى الدعاء ، حتى كرهوا الدعاء إذا انضم إليه ما لم يكن عليه سلف الأمة ، فقس بعقلك ما ذا كانوا يقولون في دعائنا اليوم بآثار الصلاة ، بل في كثير من المواطن ، وانظروا إلى اسبتارة

٣٢٢

(؟) إبراهيم ترغيبه في السنة وكراهيته ما أحدث الناس ، بعد تقرير ما تقدم.

وهذه الآثار من تخريج الطبري في تهذيب الآثار له ، وعلى هذا ينبني ما خرّجه ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن ناسا من أهل الكوفة يقرءون عليك السلام ويأمرونك أن تدعو لهم وتوصيهم ، فقال : اقرءوا عليهم‌السلام ومروهم أن يعطوا القرآن حقه ، فإنه يحملهم ، أو يأخذ بهم على القصد والسهولة ، ويجنبهم الجور والحزونة ، ولم يذكر أنه دعا لهم.

وأما القسم الثاني : وهو أن يصير العمل العادي أو غيره كالوصف للعمل المشروع إلا أن الدليل على أن العمل المشروع لم يتصف في الشرع بذلك الوصف فظاهر الأمر انقلاب العمل المشروع غير مشروع ، ويبين ذلك من الأدلة عموم قوله عليه الصلاة والسلام : «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» (١) وهذا العمل عند اتصافه بالوصف المذكور عمل ليس عليه أمره عليه الصلاة والسلام ، فهو إذا ردّ ، كصلاة الفرض مثلا إذا صلاها القادر الصحيح قاعدا أو سبّح في موضع القراءة ، أو قرأ في موضع التسبيح ، وما أشبه ذلك.

وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد الصبح ، وبعد العصر ، ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها ، فبالغ كثير من العلماء في تعميم النهي ، حتى عدوا صلاة الفرض في ذلك الوقت داخلا تحت النهي ، فباشر النهي الصلاة لأجل اتصافها بأنها واقعة في زمان مخصوص ، كما اعتبر فيها الزمان باتفاق في الفرض ، فلا تصلى الظهر قبل الزوال ، ولا المغرب قبل الغروب.

ونهى عليه الصلاة والسلام عن صيام الفطر والأضحى ، والاتفاق على بطلان الحج في غير أشهر الحج ، فكل من تعبد لله تعالى بشيء من هذه العبادات الواقعة في غير أزمانها

__________________

(١) أخرج نحوه البخاري في كتاب : البيوع ، باب : النجش (الحديث : ٤ / ٢٩٨) ، ووصله في كتاب : الصلح ، باب : إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (الحديث : ٥ / ٢٢١). وأخرجه مسلم في كتاب : الأقضية ، باب : نقض الأحكام الباطلة (الحديث : ١٧١٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : لزوم السنة (الحديث : ٢ / ٥٠٦). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة ، باب : تعظيم حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الحديث : ١٤).

٣٢٣

فقد تعبد ببدعة حقيقية لا إضافية ، فلا جهة لها إلى المشروع بل غلبت عليها جهة الابتداع ، فلا ثواب فيها على ذلك التقدير ، فلو فرضنا قائلا يقول بصحة الصلاة الواقعة في وقت الكراهية ، أو صحة الصوم الواقع يوم العيد ، فعلى فرض أن النهي راجع إلى أمر لم يصر للعبادة كالوصف بل الأمر منفك منفرد ـ حسبما تبين بحول الله.

ويدخل في هذا القسم ما جرى به العمل في بعض الناس كالذي حكى القرافي عن العجم في اعتقاد كون صلاة الصبح يوم الجمعة ثلاث ركعات ، فإن قراءة سورة السجدة لما التزمت فيها وحوفظ عليها اعتقدوا فيها الركنية فعدوها ركعة ثالثة ، فصارت السجدة إذا وصفا لازما وجزءا من صلاة صبح الجمعة ، فوجب أن تبطل.

وعلى هذا الترتيب ينبغي أن تجري العبادات المشروعة إذا خصت بأزمان مخصوصة بالرأي المجرد ، من حيث فهمنا أن للزمان تلبسا بالأعمال على الجملة ، فصيرورة ذلك الزائد وصفا للمزيد فيه مخرج له عن أصله ، وذلك أن الصفة مع الموصوف من حيث هي صفة له لا تفارقه هي من جملته.

وذلك لأنا نقول : إن الصفة هي عين الموصوف إذا كانت لازمة له حقيقة أو اعتبارا ، ولو فرضنا ارتفاعها عنه لارتفع الموصوف من حيث هو موصوف بها ، كارتفاع الإنسان بارتفاع الناطق أو الضاحك ، فإذا كانت الصفة الزائدة على المشروع على هذه النسبة صار المجموع منهما غير مشروع ، فارتفع اعتبار المشروع الأصلي.

ومن أمثلة ذلك : أيضا قراءة بالإدارة على صوت واحد ، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة ، وكذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الزوايا وربما لطف اعتبار الصفة فيشك في بطلان المشروعية ، كما وقع في العتبية عن مالك في مسألة الاعتماد في الصلاة لا يحرك رجليه ، وأن أول من أحدثه رجل قد عرف ـ قال ـ وقد كان مساء (أي يساء الثناء عليه) فقيل له : أفعيب؟ قال : قد عيب عليه ذلك ، وهذا مكروه من الفعل ؛ ولم يذكر فيها أن الصلاة باطلة وذلك لضعف وصف الاعتماد أن يؤثر في الصلاة ، ولطفه بالنسبة إلى كمال هيئتها ، وهكذا ينبغي أن يكون النظر في المسألة بالنسبة إلى اتصاف العمل بما يؤثر فيه أو لا يؤثر فيه ، فإذا غلب الوصف على العمل كان أقرب إلى الفساد ، وإذا لم يغلب لم يكن أقرب وبقي في حكم النظر ، فيدخل هاهنا نظر الاحتياط للعبادة إذا صار العمل في الاعتبار من المتشابهات.

٣٢٤

واعلموا أنه حيث قلنا : إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفا لها أو كالوصف ، فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة : إما بالقصد ، وإما بالعادة ، وإما بالشرع أو النقصان.

أما بالعادة : فكالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان ، فإن بينه وبين الذكر المشروع بونا بعيدا ، إذ هما كالمتضادين عادة ، وكالذي حكى ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه ، قال : مرّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول : سبحوا عشرا وهلّلوا عشرا ، فقال عبد الله : إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أضل بل هذه (يعني : أضل) ، وفي رواية عنه أن رجلا كان يجمع الناس فيقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة سبحان الله ـ قال ـ فيقول القوم ، ويقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة الحمد لله ـ قال ـ فيقول القوم ـ قال ـ فمرّ بهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال لهم : هديتم لما لم يهد نبيكم! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة.

وذكر له أن ناسا بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد ، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كوما من حصى ـ قال ـ فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : لقد أحدثتم بدعة وظلما ، وقد فضلتم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم علما؟ فهذه أمور أخرجت الذكر المشروع كالذي تقدم من النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، أو الصلوات المفروضة إذا صليت قبل أوقاتها ، فإنا قد فهمنا من الشرع القصد إلى النهي عنها ، والمنهي عنه لا يكون متعبدا به وكذلك صيام يوم العيد.

وخرج ابن وضاح من حديث أبان بن أبي عباس ، قال : لقيت طلحة بن عبيد الله الخزاعي ، فقلت له : قوم من إخوانك من أهل السنّة والجماعة لا يطعنون على أحد من المسلمين ، يجتمعون في بيت هذا يوما وفي بيت هذا يوما ، ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونها ، وقال طلحة : بدعة من أشد البدع ، والله لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من عبادتهم ، ثم استيقظ أنس بن مالك رضي الله عنه فرقيت إليه وسألته كما سألت طلحة ، فردّ على مثل قول طلحة ، كأنهما كانا على ميعاد ، فجعل صوم تلك الأيام من تعظيم ما تعظمه المجوس وذاك القصد لو كان أفسد العبادة فكذلك ما كان نحوه.

وعن يونس بن عبيد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد! ما ترى في مجلسنا هذا؟ قوم من أهل السنة والجماعة لا يطعنون على أحد نجتمع في بيت هذا يوما ، وفي بيت هذا يوما ،

٣٢٥

فنقرأ كتاب الله وندعوا لأنفسنا ولعامة المسلمين؟ قال : فنهى الحسن عن ذلك أشد النهي.

والنقل في هذا المعنى كثير ، فلو لم يبلغ العمل الزائد ذلك المبلغ كان أخف. وانفرد العمل بحكمة ، والعمل المشروع بحكمه ، كما حكى ابن وضاح عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : كنت جالسا عند الأسود بن سريع ، وكان مجلسه في مؤخر المسجد الجامع ، فافتتح سورة بني إسرائيل حتى بلغ : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١) فرفع أصواتهم الذين كانوا حوله جلوسا ، فجاء مجالد بن مسعود متوكئا على عصاه ، فلما رآه القوم قالوا : مرحبا اجلس ، قال : ما كنت لأجلس إليكم ، وإن كان مجلسكم حسنا ، ولكنكم صنعتم قبلي شيئا أنكره المسلمون ، فإياكم وما أنكر المسلمون ، فتحسينه المجلس كان لقراءة القرآن ، وأما رفع الصوت فكان خارجا عن ذلك ، فلم ينضم إلى العمل الحسن ، حتى إذا انضم إليه صار المجموع غير مشروع.

ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرءون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك ، وأنكر أن يكون من عمل الناس.

وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ، ونهى عنها ورآها بدعة.

وقال في رواية أخرى عن مالك : وسئل عن القراءة بالمسجد ، فقال : لم يكن بالأمر القديم ، وإنما هو شيء أحدث ، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها ، والقرآن حسن.

قال ابن رشد : يزيد التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كله سنّة ، مثل ما بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح. قال : فرأى ذلك بدعة.

فقول في الرواية : «والقرآن حسن» يحتمل أن يقال : إنه يعني أن تلك الزيادة من الاجتماع وجعله في المسجد منفصل لا يقدح في حسن قراءة القرآن ، ويحتمل ـ وهو الظاهر ـ أنه يقول : قراءة حسن على غير ذلك الوجه بدليل قوله في موضع آخر : ما يعجبني

__________________

(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١١١.

٣٢٦

أن يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد ، لا في الأسواق والطرق ، فيريد أنه لا يقرأ إلا على النحو الذي كان يقرؤه السلف ، وذلك يدل على أن قراءة الإدارة مكروهة عنده فلا تفعل أصلا وتحرز بقوله : «والقرآن حسن» من توهم أنه يكره قراءة القرآن مطلقا ، فلا يكون في كلام مالك دليل على انفكاك الاجتماع من القراءة ، والله أعلم.

وأما القسم الثالث : وهو أن يصير الوصف عرضة لأن ينضم إلى العبادة حتى يعتقد فيه أنه من أوصافها أو جزء منها ، فهذا القسم ينظر فيه من جهة النهي عن الذرائع ، وهو إن كان في الجملة متفقا عليه ، ففيه في التفصيل نزاع بين العلماء ، إذ ليس كل ما هو ذريعة إلى ممنوع يمنع ، بدليل الخلاف الواقع في بيوع الآجال ، وما كان نحوها ، غير أن أبا بكر الطرطوشي يحكي الاتفاق في هذا النوع استقراء من مسائل وقعت للعلماء منعوها سدّا للذريعة ، وإذا ثبت الخلاف في بعض التفاصيل لم ينكر أن يقول به قائل في بعض ما نحن فيه ، ولنمثله أولا ثم نتكلم حكمه بحول الله.

فمن ذلك ما جاء في الحديث من نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين ، ووجه ذلك عند العلماء مخافة أن يعد ذلك من جملة رمضان.

ومنه ما ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه كان لا يقصر في السفر ، فيقال له : ألست قصرت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فيقول : بلى! ولكني أمام الناس فينظر إلى الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين ، فيقول : هكذا فرضت ، فالقصر في السفر سنّة أو واجب ، ومع ذلك تركه خوف أو يتذرع به لأمر حادث في الدين غير مشروع.

ومنه قصة عمر رضي الله عنه في غسله من الاحتلام حتى أسفر ، وقوله لمن راجعه في ذلك ، وأن يأخذ من أثوابهم ما يصلي به ، ثم يغسل ثوبه على السعة ، لو فعلته لكانت سنّة ، بل اغسل ما رأيت ، وأنضح ما لم أر.

وقال حذيفة بن أسيد : شهدت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا لا يضحيان مخافة أن يرى أنها واجبة.

ونحو ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إني لأترك أضحيتي ـ وإني لمن أيسركم ـ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة.

٣٢٧

وكثير من هذا عن السلف الصالح.

وقد كره مالك إتباع رمضان بست من شوال ، ووافقه أبو حنيفة فقال : لا أستحبها ، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح ، وأخبر مالك عن غيره ممن يقتدى به أنهم كانوا لا يصومونها ويخافون بدعتها.

ومنه ما تقدم في اتباع الآثار كمجيء «قبا» ونحو ذلك.

وبالجملة : فكل عمل أصله ثابت شرعا إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنّة ، فتركه مطلوب في الجملة أيضا ، من باب سد الذرائع ولذلك كره مالك دعاء التوجه بعد الإحرام وقبل القراءة ، وكره غسل اليد قبل الطعام ، وأنكر على من جعل ثوبه في المسجد أمامه في الصف.

ولنرجع إلى ما كنا فيه ، فاعلموا أنه إن ذهب مجتهد إلى عدم سد الذريعة في غير محل النص مما يتضمنه هذا الباب ، فلا شك أن العمل الواقع عنده مشروع ويكون لصاحبه أجره ، ومن ذهب إلى سدها ـ ويظهر ذلك من كثير من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم ـ فلا شك أنّ ذلك العمل ممنوع ؛ ومنعه يقتضي بظاهره أنه ملوم عليه ، وموجب للذم إلا أن يذهب إلى أن النهي فيه راجع إلى أمر مجاور ، فهو محل نظر واشتباه ربما يتوهم فيه انفكاك الأمرين ، بحيث يصح أن يكون العمل مأمورا به من جهة نفسه ، ومنهيا عنه من جهة مآله. ولنا فيه مسلكان :

أحدهما : التمسك بمجرد النهي في أصل المسألة ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) (١) وقوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢) وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يجمع بين المتفرق ، ويفرق المجتمع ، خشية الصدقة ، ونهى عن بيع السلف ، وعلله العلماء بالربا المتذرع إليه في ضمن السلف ، ونهى عن الخلوة بالأجنبيات ، وعن سفر المرأة مع غير ذي محرم ، وأما النساء

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١٠٤.

(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٠٨.

٣٢٨

بالاحتجاب عن أبصار الرجال ، والرجال بغض الأبصار ، إلى أشباه ذلك مما عللوا الأمر فيه والنهي بالتذرع لا بغيره.

والنهي أصله أن يقع على المنهي عنه وإن كان معللا ، وصرفه إلى أمر مجاور خلاف أصل الدليل ، فلا يعدل عن الأصل إلا بدليل ، فكل عبادة نهى عنها فليست بعبادة ، إذ لو كانت عبادة لم ينه عنها ، فالعامل بها عامل بغير مشروع ، فإذا اعتقد فيها التعبد مع هذا النهي كان مبتدعا بها.

لا يقال : إن نفس التعليل يشعر بالمجاورة ، وإن الذي نهي عنه غير الذي أمر به ، وانفكاكهما متصور ، لأنا نقول : قد تقرر أن المجاور إذا صار كالوصف اللازم انتهض النهي عن الجملة لا عن نفس الوصف بانفراده ، وهو مبين في القسم الثاني.

المسلك الثاني : ما دل في بعض مسائل الذرائع على أن الذرائع في الحكم بمنزلة المتذرع إليه ، ومنه ما ثبت في الصحيح من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه ، قالوا : يا رسول الله! وهل يسبّ الرجل والديه؟ قال : نعم يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه وأمه» ، فجعل سبّ الرجل لوالدي غيره بمنزلة سبّه لوالديه نفسه ، حتى ترجمه عنها بقوله : «أن يسبّ الرجل والديه» (١) ولم يقل : أن يسبّ الرجل والدي من يسبّ والديه ، أو نحو ذلك ، وهو غاية معنى ما نحن فيه.

ومثله حديث عائشة رضي الله عنها مع أم ولد زيد بن أرقم رضي الله عنه ، وقولها : أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لم يبت ، وإنما يكون هذا الوعيد فيمن فعل ما لا يحل له ، لا مما فعله كبيرة حتى ترغب آخرا بالآية : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) (٢).

وهي نازلة في غير العمل بالربا ، فعدت العمل بما يتذرع به إلى الربا بمنزلة العمل

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب : الأدب ، باب : لا يسب الرجل والديه. وأخرجه أحمد في المسند (٢ / ١٦٤ ، ٢١٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : البر والصلة ، باب : ما جاء في عقوق الوالدين.

وأخرجه أبو داود في كتاب : الأدب ، باب : في بر الوالدين.

(٢) سورة : البقرة ، الآية : ٢٧٥.

٣٢٩

بالربا ، مع أنا نقطع أن زيد بن أرقم وأم ولده لم يقصدوا قصد الربا ، كما لا يمكن ذا عقل أن يقصد والديه بالسب.

وإذا ثبت هذا المعنى في بعض الذرائع ثبت في الجميع ، إذ لا فرق فيما لم يدع مما لم ينص عليه ، إلا ألزم الخصم مثله في المنصوص عليه ، فلا عبادة أو مباحا يتصوّر فيه أن يكون ذريعة إلى غير جائز لا وهو غير عبادة ولا مباح.

لكن هذا القسم إنما يكون النهي بحسب ما يصير وسيلة إليه في مراتب النّهي ، إن كانت البدعة من قبيل الكبائر ، فالوسيلة كذلك ، أو من قبيل الصغائر فهي كذلك ، والكلام في هذا المسألة يتسع ، ولكن هذه الإشارة كافية فيها ، وبالله التوفيق.

٣٣٠

(الجزء الثّاني)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٦ ـ باب : في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة

اعلم أنا إذا بنينا على أن البدع منقسمة إلى الأحكام الخمسة فلا إشكال في اختلاف رتبتها ، لأن النهي من جهة انقسامه إلى نهي الكراهية ونهي التحريم يستلزم أن أحدهما أشد في النهي من الآخر ، فإذا انضم إليهما قسم الإباحة ظهر الاختلاف في الأقسام ، فإذا اجتمع إليها قسم الندب وقسم الوجوب كان الاختلاف فيها أوضح ـ وقد مرّ من أمثلتها أشياء كثيرة ـ لكنا لا نبسط القول في هذا التقسيم ولا بيان رتبه بالأشد والأضعف ، لأنه إما أن يكون حقيقيا فالكلام فيه عناء ، وإن كان غير حقيقي فقد تقدم أنه غير صحيح ، فلا فائدة في التفريع على ما لا يصح ، وإن عرض في ذلك نظر أو تفريع فإنما يذكر بحكم التبع بحول الله.

فإذا خرج عن هذا التقسيم ثلاثة أقسام : قسم الوجوب ، وقسم الندب ، وقسم الإباحة ، انحصر النظر فيما بقي وهو الذي ثبت من التقسيم ، غير أنه ورد النهي عنها على وجه واحد ، ونسبته إلى الضلالة واحدة ، في قوله : «إياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار» (١) وهذا عام في كل بدعة ، فيقع السؤال : هل لها حكم واحد أم لا؟ فنقول : ثبت في الأصول أن الأحكام الشرعية خمسة ، تخرج عنها الثلاثة ، فيبقى حكم الكراهية وحكم التحريم ، فاقتضى النظر انقسام البدع إلى القسمين ، فمنها بدعة محرمة ، ومنها بدعة مكروهة ، وذلك أنها داخلة تحت جنس المنهيات وهي لا تعدو الكراهة والتحريم ، فالبدع كذلك. هذا وجه.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : لزوم السنة (الحديث : ٤٦٠٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ١٦ (الحديث : ٢٦٧٦). وأخرجه أحمد في المسند (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة ، باب : اتباع سنة الخلفاء الراشدين (الحديث : ٤٢).

٣٣١

ووجه ثان : أن البدع إذا تؤمل معقولها وجدت رتبها متفاوتة ، فمنها ما هو كفر صراح ، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن ، كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) (١) الآية ، وقوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) (٢) وقوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (٣) وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال ، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح.

ومنها : ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا! كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة.

ومنها : ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر كبدعة التبتل والصيام قائما في الشمس ، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.

ومنها : ما هو مكروه كما يقول مالك في اتباع رمضان بست من شوال ، وقراءة القرآن بالإدارة ، والاجتماع للدعاء عشية عرفة ، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة ـ على ما قاله ابن عبد السلام الشافعي ـ وما أشبه ذلك.

فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة فلا يصح مع هذا أن يقال : إنها على حكم واحد ، هو الكراهة فقط ، أو التحريم فقط.

ووجه ثالث : إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر ، ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات ، فإن كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر ، وإن وقعت في التحسينات فهي أدنى رتبة بلا إشكال ، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين.

__________________

(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٦.

(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٩.

(٣) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٣.

٣٣٢

ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمّل ، ولا يمكن في المكمل أن يكون في رتبة المكمّل ؛ فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع المقصد ، ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد ، فقد ظهر تفاوت رتب المعاصي والمخالفات.

وأيضا : فإن من الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه ، فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين ، وليس تستصغر حرمة النفس في جنب حرمة الدين ، فيبيح الكفر الدم ، والمحافظة على الدين مبيح لتعريض النفس للقتل والإتلاف ، في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين.

ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس ، ألا ترى أن قتل النفس مبيح للقصاص؟ فالقتل بخلاف العقل والمال ، وكذلك سائر ما بقي ، وإذا نظرت في مرتبة النفس تباينت المراتب ، فليس قطع العضو كالذبح ، ولا الخدش كقطع العضو وهذا كله محل بيانه الأصول.

فصل

وإذا كان كذلك : فالبدع من جملة المعاصي ، وقد ثبت التفاوت في المعاصي فكذلك يتصور مثله في البدع. فمنها ما يقع في الضروريات (أي : أنه إخلال بها) ، ومنها ما يقع في رتبة الحاجيات ، ومنها ما يقع في رتبة التحسينيات ، وما يقع في رتبة الضروريات ، منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال.

فمثال وقوعه في الدين كما تقدم من اختراع الكفار وتغييرهم ملة إبراهيم عليه‌السلام ، من نحو قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (١) فروي عن المفسرين فيها أقوال كثيرة ، وفيها عن ابن المسيب أن البحيرة من الإبل هي التي يمنح درها للطواغيت ، والسائبة هي التي يسيبونها لطواغيتهم ، والوصيلة هي الناقة تبكر بالأنثى ، ثم تثنى بالأنثى يقولون : وصلت انثيين ليس بينهما ذكر ، فيجدعونها لطواغيتهم ، والحامي هو الفحل من الإبل كان يضرب الضراب المعدودة ؛ فإذا بلغ ذلك قالوا : حمي ظهره ، فيترك فيسمونه الحامي.

__________________

(١) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٣.

٣٣٣

وروى إسماعيل القاضي عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير عهد إبراهيم عليه‌السلام قال قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : عمرو بن لحيّ أبو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار ، وإني لأعرف أول من بحر البحائر ، قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : رجل من بني مدلج ، وكانت له ناقتان فجدع أذنيهما وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار هو وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما» (١).

وحاصل ما في هذه الآية تحريم ما أحل الله على نية التقرب به إليه ، مع كونه حلالا بحكم الشريعة المتقدمة. ولقد همّ بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحرموا على أنفسهم ما أحل الله ، وإنما كان قصدهم بذلك الانقطاع إلى الله عن الدنيا وأسبابها وشواغلها ، فرد ذلك عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٢).

وسيأتي شرح هذه الآية في الباب السابع إن شاء الله تعالى ، وهو دليل على أن تحريم ما أحل الله ـ وإن كان بقصد سلوك طريق الآخرة ـ منهيّ عنه ، وليس فيه اعتراض على الشرع ولا تغيير له ، ولا قصد فيه الابتداع ، فما ظنك به إذا قصد به التغيير والتبديل كما فعل الكفار ؛ أو قصد به الابتداع في الشريعة وتمهيد سبيل الضلالة؟

فصل

ومثال ما يقع في النفس ما ذكر من نحل الهند في تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب الشنيع ، والتمثيل الفظيع ، والقتل بالأصناف التي تفزع منها القلوب وتقشعر منها الجلود ، كل ذلك على جهة استعجال الموت لنيل الدرجات العلى ـ في زعمهم ـ والفوز بالنعيم الأكمل ، بعد الخروج عن هذه الدار العاجلة ، ومبني على أصول لهم فاسدة اعتقدوها وبنوا عليها أعمالهم.

__________________

(١) أخرج نحوه أحمد في المسند (١ / ٤٤٦).

(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.

٣٣٤

حكى المسعودي وغيره من ذلك أشياء فطالعها من هنالك ، وقد وقع القتل في العرب الجاهلية ولكن على غير هذه الجهة ، وهو قتل الأولاد لشيئين : أحدهما خوف الإملاق ، والآخر دفع العار الذي كان لاحقا لهم بولادة الإناث ، حتى أنزل الله في ذلك قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (١) ، وقوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٢) ، وقوله : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) (٣).

وهذا القتل محتمل أن يكون دينا وشرعة ابتدعوها ، ويحتمل أن يكون عادة تعودوها ، بحيث لم يتخذوها شرعة ، إلا أن الله تعالى ذمهم عليها فلا يحكم عليها بالبدعة بل بمجرد المعصية ، فنظرنا هل نجد لأحد المحتملين عاضدا يكون هو الأولى في حمل الآيات عليه؟ فوجدنا قوله سبحانه وتعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) (٤) فإن الآية صرحت أن لهذا التزين سببين : أحدهما الإرداء وهو الإهلاك ، والآخر لبس الدين ، وهو قوله : (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) ولا يكون ذلك إلا بتغيره وتبديله أو الزيادة فيه أو النقصان منه ، وهو الابتداع بلا إشكال ، وإنما كان دينهم أولا دين أبيهم إبراهيم فصار ذلك من جملة ما بدلوا فيه ، كالبحيرة والسائبة ونصب الأصنام وغيرها ، حتى عدّ من جملة دينهم الذي يدينون به.

ويعضده قوله تعالى بعد : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (٥) فنسبهم إلى الافتراء ـ كما ترى ـ والعصيان من حيث هو عصيان لا يكون افتراء ، وإنما يقع الافتراء في نفس التشريع في أن هذا القتل من جملة ما جاء من الدين ، ولذلك قال تعالى على إثر ذلك : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا) (٦) فجعل قتل الأولاد مع تحريم ما أحل الله من جملة الافتراء ، ثم ختم بقوله : (قَدْ ضَلُّوا) وهذه خاصية البدعة

__________________

(١) سورة : الإسراء ، الآية : ٣١.

(٢) سورة : التكوير ، الآيتان : ٨ ـ ٩.

(٣) سورة : النحل ، الآية : ٥٨.

(٤) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٧.

(٥) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٧.

(٦) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٠.

٣٣٥

ـ كما تقدم ـ فإذا ما فعلت الهند نحو مما فعلت الجاهلية ، وسيأتي مذهب المهدي المغربي في شرعية القتل.

على أن بعض المفسرين قال في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (١) أنه قتل الأولاد على جهة النذر والتقرب به إلى الله ، كما فعل عبد المطلب في ابنه عبد الله أبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا القتل قد يشكل ، إذ يقال لعل ذلك من جملة ما اقتدوا فيه بأبيهم إبراهيم عليه‌السلام ، لأن الله أمره بذبح ابنه ، فلا يكون ذلك اختراعا وافتراء ، لرجوعها إلى أصل صحيح وهو عمل أبيهم عليه‌السلام ، وإن صح هذا القول وتؤول فعل إبراهيم عليه‌السلام على أنه لم يكن شريعة لمن بعده من ذريته فوجه اختراعه دينا ظاهر ، لا سيما عند عروض شبهة الذبح ، وهو شأن أهل البدع ، إذ لا بد لهم من شبهة يتعلقون بها ـ كما تقدم التنبيه عليه ـ وكون ما تفعل أهل الهند من هذا القبيل ظاهر جدّا.

ويجري مجرى إتلاف النفس إتلاف بعضها ، كقطع عضو من الأعضاء ، أو تعطيل منفعة من منافعه بقصد التقرب إلى الله بذلك ، فهو من جملة البدع ، وعليه يدل الحديث حيث قال : رد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا. فالخصاء بقصد التبتل وترك الاشتغال بملابسة النساء واكتساب الأهل والولد مردود مذموم ، وصاحبه معتد غير محبوب عند الله ، حسبما نبه قوله تعالى : (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٢) وكذلك فقء العين لئلا ينظر إلى ما لا يحل له.

فصل

ومثال ما يقع في النسل ما ذكر من أنكحة الجاهلية التي كانت معهودة فيها ومعمولا بها ، ومتخذة فيها كالدين المنتسب والملة الجارية التي لا عهد بها في شريعة إبراهيم عليه‌السلام ولا غيره ، بل كانت من جملة ما اخترعوا وابتدعوا ، وهو على أنواع.

__________________

(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٣٧.

(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.

٣٣٦

فجاء عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء :

الأول منها : نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.

والثاني : نكاح الاستبضاع ، كالرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى حملها من ذلك الرجل الذي يستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.

والثالث : أن يجتمع الرهط من دون العشرة فيدلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع منهم رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، تقول : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، فتسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها فلا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.

والرابع : أن يجتمع الناس الكثيرون فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ، فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة (١) ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم ، وهذا الحديث في البخاري مذكور.

وكان لهم أيضا سنن أخر في النكاح خارجة عن المشروع كوراثة النساء كرها ، وكنكاح ما نكح الأب ، وأشباه ذلك ، جاهلية جارية مجرى المشروعات عندهم ، فمحا الإسلام ذلك كله والحمد لله.

ثم أتى بعض من نسب إلى الفرق ممن حرف التأويل في كتاب الله ، فأجاز نكاح أكثر من أربع نسوة ، إما اقتداء ـ في زعمه ـ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث أحل له أكثر من ذلك أن يجمع

__________________

(١) القافة : جمع قائف ومو متبع الأثر.

٣٣٧

بينهن ، ولم يلتفت إلى إجماع المسلمين أن ذلك خاص به عليه الصلاة والسلام ، وإما تحريفا لقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) فأجاز الجمع بين تسع نسوة في ذلك ، ولم يفهم المراد من الراوي ولا من قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فأتى ببدعة أجراها في هذه الأمة لا دليل عليها ولا مستند فيها.

ويحكى عن الشيعة أنها تزعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبهم جميع الأعمال ، وأنهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا ، وأن المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش ، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهن على المحتاجين رغبة في الأجر ، وينكحون ما شاءوا من الأخوات والبنات والأمهات ، لا حرج عليهم في ذلك ولا في تكثير النساء ، وهؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وإفريقيا.

ومما يحكى عنهم في ذلك أنه يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم ، ويهنأ به كل واحد منهم ، كما التزمت الإباحية خرق هذا الحجاب بإطلاق ، وزعمت أن الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام ، وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة ، فالنساء بإطلاق حلال لهم ، كما أن جميع ما في الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضا ، مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٢) فصاروا أضر على الدين من متبوعهم إبليس لعنهم الله ، كقوله (٣) :

وكنت امرأ من جند إبليس فانتهى

بي الفسق حتى صار إبليس من جندي!

فلو مات قبلي كنت أحسن بعده

طرائق فسق ليس يحسنها بعدي!

فصل

ومثال ما يقع في العقل ، أن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله ، ولذلك قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ

__________________

(١) سورة : النساء ، الآية : ٣.

(٢) سورة : التوبة ، الآية : ٣٠.

(٣) أي قول الشاعر منهم.

٣٣٨

رَسُولاً) (١) ، وقال تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٢) ، وقال : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (٣) وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث.

فخرجت عن هذا الأصل فرقة زعمت أن العقل له مجال في التشريع ، وأنه محسّن ومقبح ، فابتدعوا في دين الله ما ليس فيه.

ومن ذلك أن الخمر لما حرمت ، ونزل من القرآن في شأن من مات قبل التحريم وهو يشربها ، قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (٤) الآية ، تأولها قوم ـ فيما ذكر ـ على أن الخمر حلال ، وأنها داخلة تحت قوله : (فِيما طَعِمُوا).

فذكر إسماعيل بن إسحاق عن عليّ رضي الله عنه ، قال : «شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يزيد بن أبي سفيان ، فقالوا : هي لنا حلال. وتأولوا هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، قال : فكتب فيهم إلى عمر.

قال : فكتب عمر إليه : أن ابعث بهم إليّ قبل أن يفسدوا من قبلك ، فلما قدموا إلى عمر استشار فيهم الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين! نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينه ما لم يأذن به فاضرب أعناقهم ، وعليّ رضي الله عنه ساكت ، قال : فما تقول يا أبا الحسن؟ فقال : أرى أن تستتيبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر ، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم ، فإنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دين الله ما لم يأذن به» (٥).

فاستتابهم فتابوا ، فضربهم ثمانين ثمانين.

فهؤلاء استحلوا بالتأويل ما حرم الله بنص الكتاب ، وشهد فيهم عليّ رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة ، بأنهم شرعوا في دين الله ؛ وهذه هي البدعة بعينها ، فهذا وجه.

__________________

(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١٥.

(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.

(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.

(٤) سورة : المائدة ، الآية : ٩٣.

(٥) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الأشربة ، باب : الحد في الخمر (الحديث : ٢ / ٨٤٢).

٣٣٩

وأيضا ، فإن بعض الفلاسفة الإسلاميين تأول فيها غير هذا ، وأنه إنما يشربها للنفع لا للهو ، وعاهد الله على ذلك ، فكأنها عندهم من الأدوية أو غذاء صالح يصلح لحفظ الصحة ، ويحكى هذا العهد عن ابن سيناء.

ورأيت في بعض كلام الناس ممن عرف عنه أنه كان يستعين في سهره للعلم والتصنيف والنظر بالخمر ، فإذا رأى من نفسه كسلا أو فترة شرب منها قدر ما ينشطه وينفي عنه الكسل ، بل ذكروا فيها أن لها حرارة خاصة تفعل أفعالا كثيرة تطيب النفس ، وتصير الإنسان محبا للحكمة ، وتجعله حسن الحركة ، والذهن ، والمعرفة ؛ فإذا استعملها على الاعتدال عرف الأشياء ، وفهمها ، وتذكرها بعد النسيان.

فلهذا ـ والله أعلم ـ كان ابن سينا لا يترك استعمالها ـ على ما ذكر عنه ـ وهو كله ضلال مبين ، عياذا بالله من ذلك.

ولا يقال : إن هذا داخل تحت مسألة التداوي بها ، وفيها خلاف شهير ، لأنا نقول : إنما ثبت عن ابن سينا أنه كان يستعملها استعمال الأمور المنشطة من الكسل والحفظ للصحة ، والقوة على القيام بوظائف الأعمال ، أو ما يناسب ذلك ، لا في الأمراض المؤثرة في الأجسام ، وإنما الخلاف في استعمالها في الأمراض لا في غير ذلك ، فهو ومن وافقه على ذلك متقولون على شريعة الله مبتدعون فيها ، وقد تقدم رأي أهل الإباحة في الخمر وغيرها ، ولا توفيق إلا بالله.

فصل

ومثال ما يقع في المال ، أن الكفار قالوا : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فإنهم لما استحلوا العمل به احتجوا بقياس فاسد ، فقالوا : إذا فسخ العشرة التي اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين ، فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين ، فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم ، فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (١) ، أي : ليس البيع مثل الربا ، فهذه محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأي فاسد ، فكان من جملة

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٧٥.

٣٤٠