الإعتصام - ج ١ و ٢

أبي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي

الإعتصام - ج ١ و ٢

المؤلف:

أبي اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٧

خفت أن تزل فتهلك ، لا يرد عليهم إلا من كان ضابطا عارفا بما يقول لهم لا يقدرون أن يعرجوا عليه فهذا لا بأس به ، وأما غير ذلك فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه أو يظفروا منه بشيء فيطغوا ويزدادوا تماديا على ذلك.

وهذا الكلام يقضي لمثلي بالإحجام دون الإقدام ، وشياع هذا النكر وفشوّ العمل به وتظاهر أصحابه يقضي لمن له بهذا المقام منّة بالإقدام دون الإحجام ، لأن البدع قد عمت وجرت أفراسها من غير مغير ملء أعنتها.

وحكى ابن وضاح عن غير واحد : أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات : اعلم يا أخي أن ما حملني على الكتب إليك ما أنكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس ، وحسن حالك مما أظهرت من السنّة. وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم ، فقمعهم الله بك ، وشدّ بك ظهر أهل السنة ، وقواك عليهم بإظهار عيبهم ، والطعن عليهم ، وأذلّهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين. فأبشر يا أخي بثواب الله ، واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد. وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحيا شيئا من سنّتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» (١) وضم بين إصبعيه ، وقال : «أيّما داع دعا إلى هذه فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة» (٢) ، فمن يدرك يا أخي هذا بشيء من عمله؟! وذكر أيضا : إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليّا لله يذب عنها ، وينطق بعلامتها ، فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فأوصاه وقال : «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من كذا وكذا» (٣). وأعظم القول فيه ، فاغتنم ذلك وادع إلى

__________________

(١) تقدم تخريجه ص : ١٩ ، الحاشية : ١.

(٢) عزاه في الجامع الصغير إلى النسائي والترمذي وأحمد في مسنده وابن ماجه في سننه (الفتح الكبير : ١٠ / ٤٩٥).

(٣) أخرجه البخاري مطولا في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : مناقب علي بن أبي طالب (الحديث : ٧ / ٥٨). وأخرجه مسلم في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : في فضل علي بن أبي طالب (الحديث : ٢٤٠٦). وكل ما ذكر مروي عن علي بن أبي طالب ، أما رواية أحمد فهي عن معاذ في المسند (٥ / ٢٣٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : العلم ، باب : فضل نشر العلم وإسناده صحيح (الحديث : ٣٦٦).

٢١

السّنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث ، فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر. فاعمل على بصيرة ونية حسنة فيرد الله بك المبتدع والمفتون الزائغ الحائر ، فتكون خلفا من نبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأحي كتاب الله وسنّة نبيّه ، فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه.

انتهى ما قصدت إيراده من كلام أسد رحمه‌الله. وهو مما يقوي جانب الإقدام مع ما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه خطب الناس فكان من جملة كلامه في خطبته أن قال : والله إني لو لا أن أنعش سنّة قد أميتت ، أو أن أميت بدعة قد أحييت ، لكرهت أن أعيش فيكم فواقا.

وخرّج ابن وضاح في كتاب القطعان وحديث الأوزاعي أنه بلغه عن الحسن أنه قال : لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده يعرضون أعمال العباد على كتاب الله فإذا وافقوه حمدوا الله ، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالة من ضل وهدى من اهتدى ، فأولئك خلفاء الله.

وفيه عن سفيان قال : اسلكوا سبيل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهله. فوقع الترديد بين النظرين.

ثم إني أخذت في ذلك مع بعض الإخوان الذين أحللتهم من قلبي محل السويداء وقاموا لي في عامة أدواء نفسي مقام الدواء ، فرأوا أنه من العمل الذي لا شبهة في طلب الشرع نشره ، ولا إشكال في أنه بحسب الوقت من أوجب الواجبات ، فاستخرت الله تعالى في وضع كتاب يشتمل على بيان البدع وأحكامها وما يتعلق بها من المسائل أصولا وفروعا وسميته ب (الاعتصام). والله أسأل أن يجعله عملا خالصا ، ويجعل ظل الفائدة به ممدودا لا قالصا ، والأجر على العناء فيه كاملا لا ناقصا ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وينحصر الكلام فيه بحسب الغرض المقصود في جملة أبواب وفي كل باب منها فصول اقتضاها بسط المسائل المنحصرة فيه وما انجر معها من الفروع المتعلقة به.

٢٢

١ ـ باب : في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا

وأصل مادة «بدع» : للاختراع على غير مثال سابق ، ومنه قول الله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، أي : مخترعهما من غير مثال سابق متقدم ، وقوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) (٢) ، أي : ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل ، ويقال : ابتدع فلان بدعة يعني : ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. وهذا أمر بديع ، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن ، فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه.

ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة ، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع ، وهيئتها هي البدعة ، وقد يسمى العلم المعمول على ذلك الوجه بدعة : فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة ، وهو إطلاق أخص منه في اللغة حسبما يذكر بحول الله.

ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم ثلاثة : حكم يقتضيه معنى الأمر ، كان للإيجاب أو الندب. وحكم يقتضيه معنى النهي ، كان للكراهة أو التحريم.

وحكم يقتضيه معنى التخيير ، وهو الإباحة. فأفعال العباد وأقوالهم ، لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة : مطلوب فعله ، ومطلوب تركه ، ومأذون في فعله وتركه. والمطلوب تركه لم يطلب تركه إلا لكونه مخالفا للقسمين الأخيرين ، لكنه على ضربين :

أحدهما : أن يطلب تركه ، وينهى عنه لكون مخالفة خاصة مع مجرد النظر عن غير ذلك ، وهو إن كان محرما سمي فعلا معصية وإثما ، وسمي فاعله عاصيا وآثما وإلّا لم يسم

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ١١٧.

(٢) سورة : الأحقاف ، الآية : ٩.

٢٣

بذلك ، ودخل في حكم العفو حسبما هو مبين في غير هذا الموضع ، ولا يسمى بحسب الفعل جائزا ولا مباحا ، لأن الجمع بين الجواز والنهي ، جمع بين متنافيين.

والثاني : أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود ، وتعيين الكيفيات ، والتزام الهيئات المعينة أو الأزمنة المعينة مع الدوام ونحو ذلك.

وهذا هو الابتداع والبدعة ، ويسمى فاعله مبتدعا ، فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة ، وإنما يخصها بالعبادات ، وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول : «البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية» ، ولا بدّ من بيان ألفاظ هذا الحد. فالطريقة ، والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضا فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.

ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم ـ فمنها ما له أصل في الشريعة ، ومنها ما ليس له أصل فيها ـ خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع ، أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع ، إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع ، وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين ، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين ، وسائر العلوم الخادمة للشريعة. فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع ، إذ الأمر بإعراب القرآن منقول ، وعلوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنّة ، فحقيقتها إذا أنها فقه التعبد بالألفاظ الشرعية الدالة على معانيها كيف تؤخذ وتؤدى.

وأصول الفقه إنما معناها استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس.

وكذلك أصول الدين ، وهو علم الكلام ، إنما حاصله تقرير لأدلة القرآن والسنة أو ما ينشأ عنها في التوحيد وما يتعلق به ، كما كان الفقه تقريرا لأدلتها في الفروع العبادية.

٢٤

فإن قيل : فإن تصنيفها على ذلك الوجه مخترع.

فالجواب : أن له أصلا في الشرع ، ففي الحديث ما يدل عليه ، ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص ، فالشرع بجملته يدل على اعتباره ، وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة ، وسيأتي بسطها بحول الله.

فعلى القول بإثباتها أصلا شرعيّا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل تحت أدلته التي ليست بمأخوذة من جزئي واحد. فليست ببدعة البتة.

وعلى القول بنفيها لا بدّ أن تكون تلك العلوم مبتدعات ، وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة ، لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال ، كما يأتي بيانه إن شاء الله.

ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحا ، وهو باطل بالإجماع فليس إذا ببدعة.

ويلزم أن يكون له دليل شرعي ، وليس إلا هذا النوع من الاستدلال ، وهو المأخوذ من جملة الشريعة.

وإذا ثبت جزئيّ في المصالح المرسلة ، ثبت مطلق المصالح المرسلة.

فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة ، بدعة أصلا.

ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة ، وإما جهلا بمواقع السنّة والبدعة ، فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه.

وقوله في الحد (تضاهي الشرعية) يعني : أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة :

منها : وضع الحدود كالناذر للصيام قائما لا يقعد ، ضاحيا لا يستظل ، والاختصاص في الانقطاع للعبادة ، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة.

ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك.

٢٥

ومنها : التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.

وثم أوجه تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة ، فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة ، لأنها تصير من باب الأفعال العادية.

وأيضا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهي بها السنّة حتى يكون ملبسا بها على الغير ، أو تكون هي مما تلتبس عليه بالسنّة ، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع ، لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا ، ولا يجيبه غيره إليه.

ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في أهل الخير.

فأنت ترى العرب الجاهلية في تغيير ملة إبراهيم عليه‌السلام كيف تأولوا فيما أحدثوه احتجاجا منهم ، كقولهم في أصل الإشراك : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١) ، وكترك الحمس (٢) الوقوف بعرفة لقولهم : لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته. وطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين : لا نطوف بثياب عصينا الله فيها ، وما أشبه ذلك مما وجهوه ليصيروه بالتوجيه كالمشروع ، فما ظنك بمن عدّ أو عدّ نفسه من خواص أهل الملة؟ فهم أحرى بذلك ، وهم المخطئون وظنهم الإصابة ، وإذا تبين هذا ظهر أن مضاهاة الأمور المشروعة ضرورية الأخذ في أجزاء الحد.

وقوله : يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى ، هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها.

وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك ، لأن الله تعالى يقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) ، فكأن المبتدع رأى أن

__________________

(١) سورة : الزمر ، الآية : ٣.

(٢) الحمس : جمع أحمس ، وهو الرجل المتشدد في الدين.

(٣) سورة : الذاريات ، الآية : ٥٦.

٢٦

المقصود هذا المعنى ، ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف ؛ فرأى من نفسه أنه لا بدّ لما أطلق الأمر فيه من قوانين منضبطة ، وأحوال مرتبطة ، مع ما يداخل النفوس من حب الظهور أو عدم مظنته ، فدخلت في هذا الضبط شائبة البدعة.

وأيضا فإن النفوس قد تملّ وتسأم من الدوام على العبادات المرتبة ، فإذا جدّد لها أمر لا تعهده ، حصل بها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الأمر الأول ، ولذلك قالوا : (لكل جديد لذة) بحكم هذا المعنى ، كمن قال : كما تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ، فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما حدث لهم من الفتور.

وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه : فيوشك قائل أن يقول ما هم بمتبعي فيتبعوني وقد قرأتك القرآن فلا يتتبّعني حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة.

وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات ، فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية ، كالمغارم الملزمة على الأموال وغيرها على نسبة مخصوصة وقدر مخصوص مما يشبه فرض الزكوات ولم يكن إليها ضرورة.

وكذلك اتخاذ المناخل وغسل اليد بالأشنان وما أشبه ذلك من الأمور التي لم تكن قبل ، فإنها لا تسمى بدعا على إحدى الطريقتين.

وأما الحد على الطريقة الأخرى فقد تبين معناه إلا قوله : يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية.

ومعناه أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على أكمل وجوهها ، فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته. لأن البدعة إما أن تتعلق بالعادات أو العبادات ، فإن تعلقت بالعبادات فإنما أراد بها أن يأتي تعبده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتم المراتب في الآخرة في ظنه. وإن تعلقت ، بالعادات فكذلك ، لأنه إنما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها.

فمن يجعل المناخل في قسم البدع فظاهر أن التمتع عنده بلذة الدقيق المنخول أتم منه بغير المنخول.

٢٧

وكذلك البناءات المشيدة المحتفلة ، التمتع بها أبلغ منه بالحشوش (١) والخرب ، ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر ، وقد أباحت الشريعة التوسع في التصرفات ، فيعد المبتدع هذا من ذلك.

وقد ظهر معنى البدعة وما هي في الشرع والحمد لله.

فصل

وفي الحد أيضا معنى آخر مما ينظر فيه ، وهو أن البدعة من حيث قيل فيها : إنها طريقة في الدين مخترعة ـ إلى آخره ـ يدخل في عموم لفظها البدعة التّركيّة ، كما يدخل فيه البدعة غير التركية فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريما للمتروك أو غير تحريم ، فإن الفعل ـ مثلا ـ قد يكون حلالا بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصدا.

فبهذا الترك إما أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعا أو لا ، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه ، إذ معناه أنه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب بتركه ، كالذي يحرم على نفسه الطعام الفلاني من جهة أنه يضره في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك ، فلا مانع هنا من الترك : بل إن قلنا بطلب التداوي للمريض فإن الترك هنا مطلوب ، وإن قلنا بإباحة التداوي ، فالترك مباح.

فهذا راجع إلى العزم على الحمية من المضرات وأصله قوله عليه الصلاة والسلام : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» (٢) ـ إلى أن قال ـ : «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» الذي يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت.

وكذلك إذا ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس فذلك من أوصاف المتقين ، وكتارك

__________________

(١) الحشوش : جمع حشّ وهو النخل المجتمع أو البستان.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ، وفي كتاب : النكاح ، باب : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» ، وباب : «من لم يستطع الباءة فليصم» (الحديث : ٤ / ١٠٦). وأخرجه مسلم في كتاب : النكاح ، باب : استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مئونة واشتغال من حجز عن المؤن بالصوم (الحديث : ١٤٠٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : النكاح ، باب : التحريض على النكاح (الحديث : ٢٠٤٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : النكاح ، باب : ما جاء في فضل التزويج والحث عليه (الحديث : ١٠٨١). وأخرجه النسائي في كتاب : الصوم ، باب : فضل الصيام (الحديث : ٤ / ١٦٩).

٢٨

المتشابه ، حذرا من الوقوع في الحرام ، واستبراء للدين والعرض.

وإن كان الترك لغير ذلك ، فإما أن يكون تدينا أو لا ، فإن لم يكن تدينا فالتارك عابث بتحريمه الفعل أو بعزيمته على الترك ، ولا يسمى هذا الترك بدعة إذ لا يدخل تحت لفظ الحد إلا على الطريقة الثانية القائلة : إن البدعة تدخل في العادات ، وأما على الطريقة الأولى فلا يدخل ، لكن هذا التارك يصير عاصيا بتركه أو باعتقاده التحريم فيما أحل الله.

وأما إن كان الترك تدينا فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين ، إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع التحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١) ، فنهى أولا عن تحريم الحلال ، ثم جاءت الآية تشعر بأن ذلك اعتداء لا يحبه الله ، وسيأتي للآية تقرير إن شاء الله.

لأن بعض الصحابة همّ أن يحرم على نفسه النوم بالليل ، وآخر الأكل بالنهار ، وآخر إتيان النساء ، وبعضهم هم بالاختصاء ، مبالغة في ترك شأن النساء ، وفي أمثال ذلك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رغب عن سنتي فليس مني» (٢).

فإذا كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والعامل بغير السنّة تدينا ، هو المبتدع بعينه.

فإن قيل : فتارك المطلوبات الشرعية ندبا أو وجوبا ، هل يسمى مبتدعا أم لا؟

فالجواب : أن التارك للمطلوبات على ضربين :

أحدهما : أن يتركها لغير التدين إما كسلا أو تضييعا أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية ، فهذا الضرب راجع على المخالفة للأمر ، فإن كان في واجب فمعصية وإن كان في ندب فليس بمعصية ، إذا كان الترك جزئيا ، وإن كليا فمعصية حسبما تبين في الأصول.

__________________

(١) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب : النكاح ، باب : الترغيب في النكاح (الحديث : ١١ / ٤). وأخرجه مسلم في كتاب : النكاح ، باب : استحباب النكاح (الحديث : ١٤٠١). وأخرجه النسائي في كتاب : النكاح ، باب : النهي عن التبتل (الحديث : ٦ / ٦٠).

٢٩

والثاني : أن يتركها تدينا ، فهذا الضرب من قبيل البدع حيث تدين بضد ما شرع الله ، ومثاله أهل الإباحة القائلين بإسقاط التكاليف إذا بلغ السالك عندهم المبلغ الذي حدوه.

فإذا قوله في الحد : (طريقة مخترعة تضاهي الشرعية) يشمل البدعة التركية ، كما يشمل غيرها ، لأن الطريقة الشرعية أيضا تنقسم إلى ترك وغيره.

وسواء علينا قلنا : إن الترك فعل أم قلنا : إنه نفي الفعل. الطريقتين المذكورتين في أصول الفقه.

وكما يشمل الحدّ الترك يشمل أيضا ضد ذلك.

وهو ثلاثة أقسام :

قسم الاعتقاد ، وقسم القول ، وقسم الفعل ، فالجميع أربعة أقسام.

وبالجملة : فكل ما يتعلق به الخطاب الشرعي ، يتعلق به الابتداع.

٣٠

٢ ـ باب : في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها

لا خفاء أن البدع من حيث تصورها يعلم العاقل ذمها ، لأن اتباعها خروج عن الصراط المستقيم ورمي في عماية. وبيان ذلك من جهة النظر ، والنقل الشرعي العام.

أما النظر فمن وجوه :

أحدها : أنه قد علم بالتجارب والخبرة السارية في العالم من أول الدنيا إلى اليوم أن العقول غير مستقلة بمصالحها ، استجلابا لها ، أو مفاسدها ، استدفاعا لها. لأنها إما دنيوية أو أخروية.

فأما الدنيوية فلا يستقل باستدراكها على التفصيل البتة لا في ابتداء وضعها أولا ، ولا في استدراك ما عسى أن يعرض في طريقها ، إما في السوابق ، وإما في اللواحق ، لأن وضعها أولا لم يكن إلا بتعليم الله تعالى.

لأن آدم عليه‌السلام لما أنزل إلى الأرض علم كيف يستجلب مصالح دنياه إذ لم يكن ذلك من معلومه أولا ، إلا على قول من قال : إن ذلك داخل تحت مقتضى قول الله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١) ، وعند ذلك يكون تعليما غير عقلي ، ثم توارثته ذريته كذلك في الجملة ، لكن فرعت العقول من أصولها تفريعا تتوهم استقلالها به.

ودخل في الأصول الدواخل حسبما أظهرت ذلك أزمنة الفترات ، إذ لم تجر مصالح الفترات على استقامة ، لوجود الفتن والهرج (٢) ، وظهور أوجه الفساد.

فلو لا أن منّ الله على الخلق ببعثه الأنبياء لم تستقم لهم حياة ، ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم ، وهذا معلوم بالنظر في أخبار الأولين والآخرين.

__________________

(١) سورة : البقرة ، الآية : ٣١.

(٢) الهرج : شدة القتل وكثرته.

٣١

وأما المصالح الأخروية ، فأبعد عن مصالح المعقول من جهة وضع أسبابها ، وهي العبادات مثلا ، فإن العقل لا يشعر بها على الجملة ، فضلا عن العلم بها على التفصيل.

ومن جهة تصور الدار الأخرى وكونها آتية فلا بد وأنها دار جزاء على الأعمال فإن الذي يدرك العقل من ذلك مجرد الإمكان أن يشعر بها.

ولا يغترنّ ذو الحجى (١) بأحوال الفلاسفة المدعين لإدراك الأحوال الأخروية بمجرد العقل ، قبل النظر في الشرع ، فإن دعواهم بألسنتهم في المسألة بخلاف ما عليه الأمر في نفسه ، لأن الشرائع لم تزل واردة على بني آدم من جهة الرسل ، والأنبياء أيضا لم يزالوا موجودين في العالم وهم أكثر ، وكل ذلك من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن انتهت بهذه الشريعة المحمدية.

غير أن الشريعة كانت إذا أخذت في الدروس (٢) بعث الله نبيا من أنبيائه يبين للناس ما خلقوا لأجله وهو التعبد لله ، فلا بد أن يبقى من الشريعة المفروضة ـ ما بين زمان أخذها في الاندراس وبين إنزال الشريعة بعدها ـ بعض الأصول المعلومة.

فأتى الفلاسفة إلى تلك الأصول فتلقفوها أو تلقفوا منها ، فأرادوا أن يخرجوه على مقتضى عقولهم ؛ وجعلوا ذلك عقليا لا شرعيا ، وليس الأمر كما زعموا.

فالعقل غير مستقل البتة ، ولا ينبني على غير أصل ، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق. ولا يمكن في أحوال الآخرة قبلهم أصل مسلم إلا من طريق الوحي. ولهذا المعنى بسط سيأتي إن شاء الله.

فعلى الجملة ، العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي. فالابتداع مضاد لهذا الأصل ، لأنه ليس له مستند شرعي بالفرض ، فلا يبقى إلا ما ادّعوه من العقل ، فالمبتدع ليس على ثقة من بدعته أن ينال بسبب العمل بها ، ما رام تحصيله من جهتها ، فصارت كالعبث. هذا إن قلنا : إن الشرائع جاءت لمصالح العباد.

__________________

(١) الحجى : العقل.

(٢) درس الشيء درسا : ذهب أثره.

٣٢

وأما على القول الآخر فأحرى أن لا يكون صاحب البدعة على ثقة منها ، لأنها إذ ذاك مجرد تعبد وإلزام من جهة الآمر للمأمور ، والعقل بمعزل عن هذه الخطة حسبما تبين في علم الأصول ، وناهيك من نحلة ينتحلها صاحبها في أرفع مطالبه لا ثقة بها ، ويلقي من يده ما هو على ثقة منه.

والثاني : أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان ، لأن الله تعالى قال فيها : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١).

وفي حديث العرباض بن سارية : وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم موعظة ذرفت منها الأعين ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ قال : «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الراشدين من بعدي» (٢) الحديث.

وثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة.

فإن كان كذلك ، فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله : إن الشريعة لم تتم ، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها ، لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه ، لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.

قال ابن الماجشون : سمعت مالكا يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم خان الرسالة ، لأن الله يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ دينا ، فلا يكون اليوم دينا.

__________________

(١) سورة : المائدة ، الآية : ٣.

(٢) أخرجه مسلم في كتاب : الجمعة ، باب : تخفيف الصلاة والخطبة (الحديث : ٨٦٧). وأخرجه النسائي في كتاب : العيدين ، باب : كيف الخطبة (الحديث : ٣ / ١٨٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : لزوم السنة (رقم : ٤٦٠٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (الحديث : ٢٦٧٦ ، ٢٦٧٧). وأخرجه أحمد في المسند (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة ، باب : اتباع سنة الخلفاء الراشدين (الحديث : ٤٣).

٣٣

والثالث : أن المبتدع معاند للشرع ومشاقّ له ، لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة ، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد وأخبر أن الخير فيها ، وأن الشر في تعدّيها ـ إلى غير ذلك ، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم ، وأنه إنما أرسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رحمة للعالمين. فالمبتدع رادّ لهذا كله ، فإنه يزعم أن ثمّ طرقا أخر ، ليس ما حصره الشارع بمحصور ، ولا ما عيّنه بمتعيّن ، كأن الشارع يعلم ، ونحن أيضا نعلم ، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع ، أنه علم ما لم يعلمه الشارع.

وهذا إن كان مقصودا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع ، وإن كان غير مقصود ، فهو ضلال مبين.

وإلى هذا المعنى أشار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، إذ كتب له عديّ بن أرطاة يستشيره في بعض القدرية ، فكتب إليه :

(أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتّباع سنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون فيما قد جرت سنته وكفوا مئونته ، فعليك بلزوم السنّة ، فإن السنّة إنما سنّها من قد عرف ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق ، فارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم على علم وقفوا ، وببصر نافذ قد كفوا وهم كانوا على كشف الأمور أقوى ، وبفضل كانوا فيه أحرى. فلئن قلتم : أمر حدث بعدهم ، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سننهم ، ورغب بنفسه عنهم ، إنهم لهم السابقون ، فقد تكلموا منه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم مقصر ، وما فوقهم محسر ، لقد قصر عنهم آخرون فغلّوا وأنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم).

ثم ختم الكتاب بحكم مسألته.

فقوله : (فإن السنة إنما سنّها من قد عرف ما في خلافها) فهو مقصود الاستشهاد.

والرابع : أن المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع ، لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها ، وصار هو المنفرد بذلك ، لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون ، وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع ، ولم يبق الخلاف بين الناس ، ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم‌السلام.

٣٤

هذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرا ومضاهيا لله حيث شرع مع الشارع ، وفتح للاختلاف بابا ، ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفى بذلك.

والخامس : أنه اتباع للهوى لأن العقل إذا لم يكن متبعا للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة ، وأنت تعلم ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين. ألا ترى قول الله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (١).

فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده ، وهو الحق والهوى ، وعزل العقل مجردا إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك. وقال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ) (٢) ، فجعل الأمر محصورا بين أمرين ، اتباع الذكر ، واتباع الهوى ، وقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (٣). وهي مثل ما قبلها ، وتأملوا هذه الآية فإنها صريحة في أن من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه ، فلا أحد أضل منه.

وهذا شأن المبتدع ، فإنه اتبع هواه بغير هدى من الله ، وهدى الله هو القرآن.

وما بينته الشريعة وبينته الآية أن اتباع الهوى على ضربين :

أحدهما : أن يكون تابعا للأمر والنهي فليس بمذموم ولا صاحبه بضال ، كيف وقد قدم الهدى فاستنار به في طريق هواه ، وهو شأن المؤمن التقي.

والآخر : أن يكون هواه هو المقدم بالقصد الأول ، كان الأمر والنهي تابعين بالنسبة إليه أو غير تابعين وهو المذموم.

والمبتدع قدم هوى نفسه على هدى الله فكان أضل الناس وهو يظن أنه على هدى.

وقد انجر هنا معنى يتأكد التنبيه عليه ، وهو أن الآية المذكورة عينت للاتباع في الأحكام الشرعية طريقين :

__________________

(١) سورة : ص ، الآية : ٢٦.

(٢) سورة : الكهف ، الآية : ٢٨.

(٣) سورة : القصص ، الآية : ٥٠.

٣٥

أحدهما : الشريعة ، ولا مرية في أنها علم وحق وهدى ، والآخر الهوى ، وهو المذموم ، لأنه لم يذكر في القرآن إلا في سياق الذم ، ولم يجعل ثمّ طريقا ثالثا ، ومن تتبع الآيات ، ألفى ذلك كذلك.

ثم العلم الذي أحيل عليه والحق الذي حمد إنما هو القرآن وما نزل من عند الله ، كقوله تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) ، وقال بعد ذلك : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢) ، وقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٣). وهذا كله لاتباع أهوائهم في التشريع بغير هدى من الله ، وقال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٤).

وهو اتباع الهوى في التشريع ، إذ حقيقته افتراء على الله. وقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) (٥) ، أي : لا يهديه دون الله شيء ، وذلك بالشرع لا بغيره وهو الهدى.

وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى ، تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد ، فكأنه ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلّا من تحت نظر الهوى ، فهو إذا اتباع الهوى بعينه في تشريع الأحكام.

ودع النظر العقلي في المعقولات المحضة فلا كلام فيه هنا : وإن كان أهله قد زلوا أيضا بالابتداع فإنما زلوا من حيث ورود الخطاب ومن حيث التشريع ، ولذلك عذر الجميع قبل إرسال الرسل أعني : في خطئهم في التشريعات والعقليات ، حتى جاءت الرسل فلم يبق

__________________

(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٣.

(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٤.

(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٠.

(٤) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٣.

(٥) سورة : الجاثية ، الآية : ٢٣.

٣٦

لأحد حجة يستقيم إليها : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١) ، ولله الحجة البالغة. فهذه قاعدة ينبغي أن تكون من بال الناظر في هذا المقام ، وإن كانت أصولية فهذه نكتتها مستنبطة من كتاب الله. انتهى.

فصل

وأما النقل فمن وجوه :

أحدها : ما جاء في القرآن الكريم مما يدل على ذم من ابتدع في دين الله في الجملة.

فمن ذلك قول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٢) ، فهذه الآية من أعظم الشواهد. وقد جاء في الحديث تفسيرها : فصحّ من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) قال : «فإذا رأيتهم فاعرفيهم» (٣).

وصحّ عنها أنها قالت : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ـ إلى آخر الآية ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» (٤).

وهذا التفسير مبهم ، ولكنه جاء في رواية عن عائشة أيضا قالت : تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) الآية ، قال : «فإذا رأيتم الذين

__________________

(١) سورة : النساء ، الآية : ١٦٥.

(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب : التفسير ، باب : منه آيات محكمات (الحديث : ٤٢٧٣). وأخرجه مسلم في كتاب : العلم ، باب : النهي عن اتباع متشابه القرآن (الحديث : ٦٦٥). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن (الحديث : ٤٥٩٨). وأخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن ، باب : ومن سورة آل عمران (الحديث : ٢٩٩٣) و (الحديث : ٢٩٩٤). تحفة الأشراف (١٧٤٦٠).

(٤) تقدم تخريجه في الحديث الذي قبله.

٣٧

يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله فاحذروهم» (١) وهذا أبين لأنه جعل علامة الزيغ الجدال في القرآن ، وهذا الجدال مقيد باتّباع المتشابه.

فإذا الذم إنما لحق من جادل فيه بترك المحكم ـ وهو أم الكتاب ومعظمه ـ والتمسك بمتشابهه ، ولكنه بعد مفتقر إلى تفسير أظهر ، فجاء عن أبي غالب واسمه حرور قال : كنت بالشام فبعث المهلّب سبعين رأسا من الخوارج فنصبوا على درج دمشق ، فكنت على ظهر بيت لي فمر أبو أمامة فنزلت فاتبعته ، فلما وقف عليهم دمعت عيناه وقال : سبحان الله! ما يصنع السلطان ببني آدم! ـ قالها ثلاثا ـ كلاب جهنم كلاب جهنم شرّ قتلى تحت ظل السماء ـ ثلاث مرات ـ خير قتلى من قتلوه ، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه. ثم التفت إليّ فقال : أبا غالب إنك بأرض هم بها كثير فأعاذك الله منهم. قلت : رأيتك بكيت حين رأيتهم ، قال : بكيت رحمة حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام ، هل تقرأ سورة آل عمران؟ قلت : نعم ، فقرأ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) حتى بلغ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ بهم ثم قرأ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) إلى قوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢) ، قلت : هم هؤلاء يا أبا أمامة؟ قال : نعم ، قلت : من قبلك تقول أو شيء سمعت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إني إذا لجريء ، بل سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا مرة ولا مرتين ـ حتى عدّ سبعا ـ ثم قال : «إن بني إسرائيل تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة كلها في النّار إلا السواد الأعظم» (٣) قلت : يا أبا أمامة ألا ترى ما فعلوا؟ قال : (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) (٤) ، خرجه إسماعيل القاضي وغيره.

__________________

(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧ ، الحاشية : ٣.

(٢) سورة : آل عمران ، الآيات : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٣) أخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة آل عمران (الحديث : ٣٠٠٣). وأخرجه أحمد في المسند (٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٦). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (الحديث : ١٧٦) باب : ذكر الخوارج. وقد حسّنه الترمذي.

(٤) سورة : النور ، الآية : ٥٤.

٣٨

وفي رواية قال : قال : «ألا ترى ما فيه السواد الأعظم» وذلك في أول خلافة عبد الملك والقتل يومئذ ظاهر. قال : (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) وخرّجه الترمذي مختصرا وقال فيه : حديث حسن ، وخرّجه الطحاوي أيضا باختلاف في بعض الألفاظ وفيه : فقيل له : يا أبا أمامة تقول لهم هذا القول ثم تبكي! ـ يعني قوله : شر قتلى ـ إلى آخره ـ قال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ثم تلا : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) (١) حتى ختمها. ثم قال : هم هؤلاء ، ثم تلا هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٢) حتى ختمها ، ثم قال : هم هؤلاء.

وذكر الآجري عن طاوس قال : ذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن ، فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويضلون عند متشابهه ، وقرأ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (٣).

فقد ظهر بهذا التفسير أنهم أهل البدع ، لأن أبا أمامة رضي الله عنه جعل الخوارج داخلين في عموم الآية ، وأنها تتنزل عليهم. وهم من أهل البدع عند العلماء ، إما على أنهم خرجوا ببدعتهم عن أهل الإسلام ، وإما على أنهم من أهل الإسلام لم يخرجوا عنهم ، على اختلاف العلماء فيهم.

وجعل هذه الطائفة ممن في قلوبهم زيغ فزيغ بهم ، وهذا الوصف موجود في أهل البدع كلهم ، مع أن لفظ الآية عام وفي غيرهم ممن كان على صفاتهم.

ألا ترى أن صدر هذه السورة إنما نزل في نصارى نجران (٤) ومناظرتهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اعتقادهم في عيسى عليه‌السلام ، حيث تأولوا عليه أنه الإله أو أنه ابن الله أو أنه ثالث ثلاثة ، بأوجه متشابهة وتركوا ما هو الواضح في عبوديته حسبما نقله أهل السير! ثم تأوله

__________________

(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.

(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.

(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.

(٤) نجران : اسم يطلق لمواضع عدة منها : موضع في البحرين ، ونجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة ، وقيل : موضع في حوران في نواحي دمشق.

٣٩

العلماء من السلف الصالح على قضايا دخل أصحابها تحت حكم اللفظ كالخوارج فهي ظاهرة في العموم.

ثم تلا أبو أمامة الآية الأخرى ، وهي قوله سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) إلى قوله : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١) ، وفسرها بمعنى ما فسر به الآية الأخرى ، فهي الوعيد والتهديد لمن تلك صفته ، ونهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم.

ونقل عبيد عن حميد بن مهران قال : سألت الحسن كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) قال : نبذوها وربّ الكعبة وراء ظهورهم.

وعن أبي أمامة أيضا قال : هم الحرورية (٢).

وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : ما آية في كتاب الله أشدّ على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) إلى قوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) قال مالك : فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء. ورواه ابن القاسم وزاد : قال لي مالك : إنما هذه الآية لأهل القبلة. وما ذكره في الآية قد نقل عن غير واحد كالذي تقدم للحسن.

وعن قتادة في قوله تعالى : (كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) يعني : أهل البدع.

وعن ابن عباس في قوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ) قال : تبيض وجوه أهل السنة ، وتسودّ وجوه أهل البدعة.

ومن الآيات قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٣). فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي

__________________

(١) سورة : آل عمران ، الآيات : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٢) الحرورية : طائفة من الخوارج تنسب إلى منطقة حروراء قرب الكوفة لأنه كان بها أول اجتماعهم وتحكيمهم حين خالفوا عليّا وكان عندهم تشدد في الدين حتى مرقوا منه.

(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.

٤٠