التّفسير - ج ١

أبي النضر محمد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي [ العيّاشي ]

التّفسير - ج ١

المؤلف:

أبي النضر محمد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي [ العيّاشي ]


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٣
الجزء ١ الجزء ٢

١١ ـ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَاقْرَأِ الْمَثَانِيَ وَسُورَةً أُخْرَى ـ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَادْعُ اللهَ ، قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللهُ وَمَا الْمَثَانِي قَالَ : فَاتِحَةُ الْكِتَابِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).

١٢ ـ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ بَلَغَهُ أَنَّ أُنَاساً يَنْزِعُونَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فَقَالَ : هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَنْسَاهُمْ إِيَّاهَا الشَّيْطَانُ (٢).

١٣ ـ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع إِنَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أَقْرَبُ إِلَى اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ الْعَيْنِ إِلَى بَيَاضِهَا (٣).

١٤ ـ عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُلَاطَفَةٌ ـ فَإِنَّهُ أَبَرُّ لِقَلْبِهَا وَأَسَلُّ لِسَخِيمَتِهَا (٤) فَإِذَا أَفْضَى إِلَى حَاجَتِهِ قَالَ : بِسْمِ اللهِ ثَلَاثاً ـ فَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَقْرَأَ أَيَّ آيَةٍ حَضَرَتْهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلَ ، وَإِلَّا قَدْ كَفَتْهُ التَّسْمِيَةُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ : فَإِنْ قَرَأَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أُوجِرَ بِهِ (٥) فَقَالَ : وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ فِي كِتَابِ اللهِ فَقَالَ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٦).

١٥ ـ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ خُرَّزَادَ قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الصَّادِقِ أَسْأَلُ عَنْ مَعْنَى اللهِ ـ فَقَالَ اسْتَوْلَى عَلَى مَا دَقَّ وَجَلَ (٧).

١٦ ـ عَنْ خَالِدِ بْنِ مُخْتَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ع يَقُولُ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ

__________________

(١ ـ ٢) البحار ج ١٨ : ٣٣٦ و ١٩ : ٥٩. البرهان ج ١ : ٤٢.

(٣) الصّافي ج ١ : ٥٢ البرهان ج ١ : ٤٢. ونقله المجلسيّ «ره» عن الصّفّار ورواه الصّدوق «ره» في العيون بإسناده عن الرّضا (ع).

(٤) سلّ السّخيمة من قبله : انتزعها وأخرجها منه والسّخيمة الحقد.

(٥) وفي نسخة البرهان «أويجزيه».

(٦ ـ ٧) البحار ج ١٩ : ٥٩. البرهان ج ١ : ٤٢.

٢١

عَمَدُوا إِلَى أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ ، فَزَعَمُوا أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِذَا أَظْهَرُوهَا ، وَهِيَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١).

١٧ ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فَقَالَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ [يُثْنَى فِيهَا الْقَوْلُ ـ قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص إِنَّ اللهَ مَنَّ عَلَيَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ] مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ فِيهَا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الْآيَةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) «وَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حِينَ شَكَرُوا اللهَ حُسْنُ الثَّوَابِ ، وَ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ جَبْرَئِيلُ مَا قَالَهَا مُسْلِمٌ قَطُّ ـ إِلَّا صَدَّقَهُ اللهُ وَأَهْلُ سَمَاوَاتِهِ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ ـ وَ (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أَفْضَلُ مَا طَلَبَ بِهِ الْعِبَادُ حَوَائِجَهُمْ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) صِرَاطٍ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الْيَهُودُ «وَغَيْرِ الضَّالِّينَ» النَّصَارَى (٢).

١٨ ـ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع فِي تَفْسِيرِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فَقَالَ : الْبَاءُ بَهَاءُ اللهِ ـ وَالسِّينُ سَنَاءُ اللهِ وَالْمِيمُ مَجْدُ اللهِ (٣).

١٩ ـ وَرَوَوْا غَيْرَهُ عَنْهُ مُلْكُ اللهِ ، اللهُ إِلَهُ الْخَلْقِ الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ الْعَالِمِ ـ الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً (٤).

٢٠ ـ وَرَوَوْا غَيْرَهُ عَنْهُ وَاللهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ (٥).

٢١ ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٦).

٢٢ ـ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع يَقْرَأُ مَا لَا أُحْصِي مَلِكِ

__________________

(١ ـ ٢) البرهان ج ١ : ٤٢ و ٥١. البحار ج ١٩ : ٥٩ و ١٨ : ٣٣٦ وفيه بيان فراجع ونقل الطّبرسيّ «ره» الحديث الأخير في مجمع البيان ج ١ : ٣١ عن هذا الكتاب أيضا. وسيأتي في ذيل حديث ٢٨ بيان لقوله «غير الضّالّين».

(٣ ـ ٦) البرهان ج ١ : ٤٥.

(٦) البحار ج ١٩ : ٥٩ ورواه الطّبرسيّ «ره» في مجمع البيان ج ١ : ٣١ عن هذا الكتاب أيضا.

٢٢

يَوْمِ الدِّينِ (١).

٢٣ ـ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع لَوْ مَاتَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ـ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي ، كَانَ إِذَا قَرَأَ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يُكَرِّرُهَا وَيَكَادُ أَنْ يَمُوتَ (٢).

٢٤ ـ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَمَّالِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى عَامِلِ الْمَدِينَةِ أَنْ وَجِّهْ إِلَيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَلَا تُهَيِّجْهُ وَلَا تُرَوِّعْهُ ، وَاقْضِ لَهُ حَوَائِجَهُ ، وَقَدْ كَانَ وَرَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (٣) فَحَضَرَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ بِالشَّامِ فَأَعْيَاهُمْ جَمِيعاً ، فَقَالَ مَا لِهَذَا إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَحْمِلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِلَيْهِ ، فَأَتَاهُ صَاحِبُ الْمَدِينَةِ بِكِتَابِهِ ـ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَقْوَى عَلَى الْخُرُوجِ ـ وَهَذَا جَعْفَرٌ ابْنِي يَقُومُ مَقَامِي ، فَوَجِّهْهُ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى الْأُمَوِيِّ ازْدَرَاهُ (٤) لِصِغَرِهِ ـ وَكَرِهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدَرِيِّ مَخَافَةَ أَنْ يَغْلِبَهُ ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ بِالشَّامِ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ لِمُخَاصَمَةِ الْقَدَرِيِّ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ بِخُصُومَتِهَا ـ فَقَالَ الْأُمَوِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع : إِنَّهُ قَدْ أَعْيَانَا أَمْرُ هَذَا الْقَدَرِيِّ وَإِنَّمَا كَتَبْتُ إِلَيْكَ لِأَجْمَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ـ فَإِنَّهُ لَمْ يَدَعْ عِنْدَنَا أَحَداً إِلَّا خَصَمَهُ ، فَقَالَ : إِنَّ اللهَ يَكْفِينَاهُ قَالَ : فَلَمَّا اجْتَمَعُوا ـ قَالَ الْقَدَرِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ : اقْرَأْ سُورَةَ الْحَمْدِ قَالَ : فَقَرَأَهَا ـ وَقَالَ الْأُمَوِيُّ ـ وَأَنَا مَعَهُ ـ : مَا فِي سُورَةِ الْحَمْدِ عَلَيْنَا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ قَالَ : فَجَعَلَ الْقَدَرِيُّ يَقْرَأُ سُورَةَ الْحَمْدِ حَتَّى بَلَغَ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ ع : قِفْ مَنْ تَسْتَعِينُ وَمَا حَاجَتُكَ

__________________

(١) البحار ج ١٨ : ٣٣٦. الصّافي ج ١ : ٥٣ البرهان ج ١ : ٥١.

(٢) البحار ج ١٨ : ٣٣٦ وج ١٩ : ٥٩ البرهان ج ١ : ٥٢ وفي رواية الكلينيّ (قدّه) «حتّى يكاد أن يموت».

(٣) القدريّ في الأخبار يطلق على الجبري وعلى التفويضي والمراد في هذا الخبر هو الثّاني وقد أحال كلّ من الفريقين ما ورد في ذلك على الآخر وقد ورد في ذمّهم أحاديث كثيرة في كتب الفريقين مثل قوله لعن الله القدريّة على لسان سبعين نبيّا وقوله (ص) : القدريّة مجوس أمّتي وقوله (ص) إذا قامت القيامة نادى مناد أهل الجمع أين خصماء الله فتقوم القدريّة إلى غير ذلك.

(٤) ازدراه : احتقره واستخفّ به وأصله من زرى.

٢٣

إِلَى الْمَعُونَةِ إِنَّ الْأَمْرَ إِلَيْكَ (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ـ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١).

٢٥ ـ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ص (٢).

٢٦ ـ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلَبِيُ سَمِعْتُهُ مَا لَا أُحْصِي وَأَنَا أُصَلِّي خَلْفَهُ يَقْرَأُ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣).

٢٧ ـ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع عَنْ قَوْلِ اللهِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ : هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى (٤).

٢٨ ـ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ» وَهَكَذَا نَزَلَتْ (٥) قَالَ : الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَالنُّصَّابُ ، وَالضَّالِّينَ الشُّكَّاكُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَامَ (٦).

__________________

(٥) مسألة اختلاف النزول والقراءات في الآيات الكريمة القرآنية من العويصات التي عنونها المفسرون في كتبهم وذهب كل إلى قول ، ونقل أقوالهم وما هو الحق فيها ، خارج عن وضع هذه التعليقة ، ومن أراد الوقوف على شتى الأقوال ومعتقد الإمامية في ذلك فليراجع كتاب البيان في تفسير القرآن للمرجع المعظم العلامة الخوئي مد ظله العالي ، وغيره من الموسوعات والتفاسير ، ورأيت أخيرا في مجلة «الهادي» (العدد الأول من السنة الثانية) مقالة في كيفية نزول القرآن من الزميل الفاضل الدكتور السيد محمد باقر الحجتي وقد جمع فيها الأقوال والآراء ولا تخلو مطالعتها عن الفائدة ، وكيف كان فهذا الحديث ونظائره مما مر في صفحة ٢٢ قد ورد عن أئمة أهل البيت بقراءة «غير الضالين» بدل (ولا الضّالّين) وقد نقل هذه القراءة عن عمر بن الخطاب وغيره أيضا. قال الطبرسي (ره) : وقرأ «غير الضالين» عمر بن الخطاب ، وروي ذلك عن علي عليه‌السلام ، وقد مر نظير هذا الحديث في اختلاف النزول أحاديث أخرى في ص ١٣ ويأتي في مطاوي الكتاب أيضا ولا يخفى أن معنى النزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات بل المراد من النزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى كما صرح به معظم العلماء بل المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة والمولى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلا فهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين.

(١ ـ ٦) البرهان ج ١ : ٥٢. البحار ج ١٨ : ٣٣٦ وج ١٩ : ٥٩.

٢٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من سورة البقرة

ـ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص : أُعْطِيتُ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ ، وَأُعْطِيتُ الْمِئِينَ (١) مَكَانَ الْإِنْجِيلِ ، وَأُعْطِيتُ الْمَثَانِيَ مَكَانَ الزَّبُورِ ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ سَبْعَ وَسِتِّينَ سُورَةً (٢).

٢ ـ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَاءَتَا (٣) يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُظِلَّانِهِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلَ الْغَمَامَتَيْنِ أَوْ غَيَابَتَيْنِ (٤).

٣ ـ عَنْ عُمَرَ بْنِ جُمَيْعٍ رَفَعَهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ص مَنْ قَرَأَ أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ـ لَمْ يَرَ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ ، وَلَا يَقْرَبُهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يَنْسَ الْقُرْآنَ (٥).

١ ـ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع فِي قَوْلِهِ (الم ذلِكَ

__________________

(١) قال الفيض «ره» اختلف الأقوال في تفسير هذه الألفاظ أقربها إلى الصّواب وأحوطها لسور الكتاب أن الطّول كصرد هي السّبع الأوّل بعد الفاتحة على أن يعد الأنفال والبرائة واحدة لنزولهما جميعا في المغازي وتسميتهما بالقرينتين ، والمئين من بني إسرائيل إلى سبع سور سمّيت بها لأنّ كلّا منها على نحو مائة آية والمفصل من سورة محمّد (ص) إلى آخر القرآن سمّيت به لكثرة الفواصل بينها والمثاني بقيّة السّور وهي الّتي تقصّر عن المئين وتزيد على المفصل كأنّ الطّول جعلت مبادي تارة والّتي تلتها مثاني لها لأنّها ثنت الطّول أيّ تلتها والمئين جعلت مبادي أخرى والّتي تلتها مثاني لها.

(٢) البحار ج ١٩ : ٨ البرهان ج ١ : ٥٢. ورواه الفيض «ره» في هامش الصّافي ج ١ : ١٠.

(٣) هذا هو الظّاهر الموافق لنسختي البحار والبرهان ولرواية الصّدوق في ثواب الأعمال لكن في نسخة الأصل «جاء».

(٤ ـ ٥) البحار ج ١٩ : ٦٧ البرهان ج ١ : ٥٣ والغيابة : كلّ ما أظلّ الإنسان كالسحابة.

٢٥

الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) قَالَ : كِتَابُ عَلِيٍّ لَا رَيْبَ فِيهِ (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قَالَ : الْمُتَّقُونَ شِيعَتُنَا (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ـ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وَمِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يُنْبِئُونَ (١).

٢ ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يُحَدِّثُ قَالَ إِنْ حَيّاً وَأَبَا يَاسِرٍ ابْنَيْ أَخْطَبَ وَنَفَراً مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ ص فَقَالُوا لَهُ : أَلَيْسَ فِيمَا تَذْكُرُ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ (الم) قَالَ : بَلَى ، قَالُوا : أَتَاكَ بِهَا جَبْرَئِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ قَالَ : نَعَمْ قَالُوا : لَقَدْ بُعِثَتْ أَنْبِيَاءُ قَبْلَكَ ـ وَمَا نَعْلَمُ نَبِيّاً مِنْهُمْ أُخْبِرَ مَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَجَلُ أُمَّتِهِ غَيْرُكَ فَأَقْبَلَ حَيٌّ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ : الْأَلِفُ وَاحِدٌ ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ ، فَهِيَ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ ، فَعَجَبٌ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي دِينٍ مُدَّةُ مُلْكِهِ ـ وَأَجَلُ أُمَّتِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً [قَالَ] ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ : لَهُ يَا مُحَمَّدُ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ فَقَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَهَاتِهِ ، قَالَ : (المص) قَالَ : هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلْفُ وَاحِدٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ (٢).

__________________

(١) البحار ج ٢١ : ٢١. البرهان ج ١ : ٥٣. الصافي ج ١ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) كذا في نسختي الأصل والبرهان ونقله المجلسي (ره) عن تفسير علي بن إبراهيم وقال المحدث البحراني في البرهان بعده : «قلت : تمام الحديث ساقط وبعده حديث لا يناسبه في نسختين من العياشي» وكتب في هامش نسخة الأصل «اعلم أن النسخة التي كتبت منها الساقط من نسختي هذه كانت هكذا بعد قوله : واللام ثلاثون من الماء إلخ وكتب في حاشيتها واعلم أن في النسخة التي كانت نسختي كتبت منها بعد قوله واللام ثلاثون. ابن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن أهل مكة يذبحون البقرة في البيت ، وكان بعد ذلك سطور محيت وبالجملة فالظاهر أنه سقط من النسخ أوراق والحديث المذكور موجود في معاني الأخبار للصدوق. انتهى» أقول تمام الحديث على ما في البحار وكتاب معاني الأخبار هكذا : «والميم أربعون والراء مأتان ثم قال له : هل مع هذا غيره قال نعم ، قالوا قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت ثم قاموا عنه ثم قال أبو ياسر للحي أخيه : ما يدريك لعل محمدا قد جمع له هذا كله وأكثر منه. قال فذكر أبو جعفر (ع) أن هذه الآيات أنزلت فيهم (منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات) قال وهي تجري في وجه آخر على غير تأويل حي وأبا ياسر وأصحابهما انتهى».

٢٦

(١) مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ الْأُجَاجِ فَصَلْصَلَهَا فِي كَفِّهِ ، فَجَمَدَتْ ـ ثُمَّ قَالَ لَهَا : مِنْكِ أَخْلُقُ

__________________

(١) قد وقع هنا من النّسخ كما عرفت سقط والله أعلم به وقد سقط فيما سقط صدر هذا الحديث وتمامه مذكور في تفسير القمّيّ ره عند تفسير قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا اه) (ص ٣٢) ورواه الصّدوق في العلل في باب «٩٦» علّة الطّبائع والشّهوات والمحبات «ج ١ ص ٩٨ ـ ١٠٠. ط قم» ورواه المجلسيّ «ره» منهما في البحار ج ٣ «في باب» الطّينة والميثاق» ص ٦٦ وج ١٤ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦. ونحن نورده بلفظ التّفسير وهذا نصّه :

«حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن ثابت الحذّاء عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال : إنّ الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجنّ والنّسناس في الأرض سبعة آلاف سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط عن أطباق السّماوات ، وقال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس فلمّا رأوا ما يعملون من المعاصي والسفك والفساد في الأرض بغير الحقّ عظم ذلك عليهم وغضبوا الله وتأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم ، فقالوا : ربّنا أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشّأن وهذا خلقك الضّعيف الذّليل يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تأسّف عليهم ولا تغضب ، ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك ، قال فلمّا سمع ذلك من الملائكة «قال (إنّي جاعل في الأرض خليفة) يكون حجّة في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك (أتجعل فيها من يفسد فيها) كما أفسد بنو الجانّ ويسفكون الدّماء كما سفكت بنو الجانّ ، ويتحاسدون ويتباغضون ، فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدّماء «و (نسبّح بحمدك ونقدّس لك» فقال جلّ وعزّ (إنّي أعلم ما لا تعلمون) إنّي أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذرّيّته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمّة مهتدين أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم سبيلي ، وأجعلهم لي حجّة عليهم وعذرا ونذرا ، وأبيّن النّسناس عن أرضي وأطهرها منهم وأنقل مردة الجنّ العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم أسكنهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي.

قال فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت (لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنّك [أنت] العليم الحكيم) ـ

٢٧

الْجَبَّارِينَ وَالْفَرَاعِنَةَ ـ وَالْعُتَاةَ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَأَئِمَّةَ الْكُفْرِ وَالدُّعَاةَ إِلَى النَّارِ ، وَأَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُبَالِي ، وَلَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) ، وَأَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ الْبَدَاءَ فِيهِمْ ـ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ الْبَدَاءَ فِيهِمْ ، ثُمَّ خَلَطَ الْمَاءَيْنِ فِي كَفِّهِ جَمِيعاً فَصَلْصَلَهَا (١) ، ثُمَّ أَكْفَأَهُمَا قُدَّامَ عَرْشِهِ وَهُمْ ثُلَّةٌ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ الْأَرْبَعَةَ الشِّمَالَ وَالدَّبُورَ وَالصَّبَا وَالْجَنُوبَ أَنْ جَوِّلُوهَا عَلَى هَذِهِ الثُّلَّةِ الطِّينَ (٢) فَأَبْرُوهَا (٣) وَأَنْشِئُوهَا ثُمَّ جُزُّوهَا وَفَصِّلُوا وَأَجْرُوا فِيهَا الطَّبَائِعَ الْأَرْبَعَةَ : الرِّيحَ ، وَالْبَلْغَمَ ، وَالْمِرَّةَ وَالدَّمَ ، قَالَ : فَجَالَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَالدَّبُورُ وَالصَّبَا وَأَجْرَوْا فِيهَا الطَّبَائِعَ ـ فَالرِّيحُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ قِبَلِ الشِّمَالِ وَالْبَلْغَمُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْبَدَنِ

__________________

قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام قال : فلاذوا بالعرش فأشاروا بالأصابع ، فنظر الرّبّ جلّ جلاله إليهم ونزلت الرّحمة فوضع لهم البيت المعمور ، فقال : طوفوا به ودعوا العرش فإنّه لي رضا فطافوا به وهو البيت الّذي يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السّماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض فقال الله تبارك وتعالى (إنّي خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) قال : وكان ذلك تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال : فاغترف ربّنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ـ وكلتا يديه يمين ـ فصلصلها في كفّه حتّى جمدت فقال لها : منك أخلق النّبيّين والمرسلين وعبادي الصّالحين والأئمّة المهتدين والدّعاة إلى الجنّة واتّباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون ثمّ اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج اه».

(١) الصلصال : الطّين اليابس الّذي لم يطبخ اذا نقر به صوت كما يصوت الفخّار والفخّار ما طبخ من الطّين.

(٢) وفي نسختي البحار والتّفسير (سلالة من طين) السلالة الطّين» في الموضعين وهو الظّاهر.

(٣) قال المجلسيّ (ره) قوله فأبروها يمكن أن يكون مهموزا من برّأه الله أيّ خلقه وجاء غير المهموز أيضا بهذا المعنى فيكون مجازا أيْ اجعلوها مستعدّة للخلق كما في قوله أنشئوها ويحتمل أن يكون من البَرْيِ بمعنى النحت كناية عن التّفريق أو من التأبير من قولهم أبرّ النّخل أيْ أصلحه.

٢٨

مِنْ نَاحِيَةِ الصَّبَا ، قَالَ : وَالْمِرَّةُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الدَّبُورِ قَالَ وَالدَّمُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ قَالَ : فَاسْتَعْلَتِ [فَاسْتَقَلَّتِ] النَّسَمَةُ وَكَمَلَ الْبَدَنُ ، قَالَ فَلَزِمَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرِّيحِ حُبُّ الْحَيَاةِ ، وَطُولُ الْأَمَلِ وَالْحِرْصُ ، وَلَزِمَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَلْغَمِ حُبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَاللِّينُ وَالْحِلْمُ وَالرِّفْقُ ، وَلَزِمَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمِرَّةِ الْغَضَبُ وَالسَّفَهُ وَالشَّيْطَنَةُ وَالتَّجَبُّرُ وَالتَّمَرُّدُ وَالْعَجَلَةُ ، وَلَزِمَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الدَّمِ الشَّهْوَةُ لِلنِّسَاءِ ـ وَاللَّذَّاتِ وَرُكُوبُ الْمَحَارِمِ فِي الشَّهَوَاتِ

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ ع أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْنَا هَذَا الْكَلَامَ ـ مَكْتُوباً فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (١).

٤ ـ قَالَ : قَالَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع وَمَا عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) لَوْ لَا أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا رَأَوْا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (٢).

٥ ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ إِنِّي لَأَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أَبِي ع إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ جُعْشُمٌ (٣) مُتَعَمِّمٌ بِعِمَامَةٍ ـ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، قَالَ : فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبِي ، فَقَالَ أَشْيَاءُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهَا ـ مَا بَقِيَ أَحَدٌ يَعْلَمُهَا إِلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ ، قَالَ : فَلَمَّا قَضَى أَبِي الطَّوَافَ دَخَلَ الْحِجْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : هَاهُنَا يَا جَعْفَرُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ ـ فَقَالَ لَهُ أَبِي : كَأَنَّكَ غَرِيبٌ فَقَالَ : أَجَلْ فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الطَّوَافِ كَيْفَ كَانَ وَلِمَ كَانَ قَالَ : إِنَّ اللهَ لَمَّا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ـ قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ كَانَ ذَلِكَ مَنْ يَعْصِي مِنْهُمْ ، فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ سَبْعَ سِنِينَ فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ يَلُوذُونَ ـ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ ذُو الْمَعَارِجِ لَبَّيْكَ ، حَتَّى تَابَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَصَابَ آدَمُ الذَّنْبَ طَافَ

__________________

(١) قال المجلسيّ «ره» في المجلّد الثّالث ص ٦٦ بعد نقل قطعة من صدر الخبر عن تفسير عليّ بن إبراهيم ما لفظه «العيّاشيّ عن جابر عن أبي جعفر (ع) مثله». فلعلّ الخبر بتمامه كان موجودا في نسخة المجلسيّ «ره» والله أعلم.

(٢) البحار ج ٥ : ٣١. البرهان ج ١ : ٧٤.

(٣) الجعشم : الرّجل الغليظ مع شدّة.

٢٩

بِالْبَيْتِ حَتَّى قَبِلَ اللهُ مِنْهُ ، قَالَ : فَقَالَ : صَدَقْتَ فَتَعَجَّبَ أَبِي مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) قَالَ : نُونُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ ، قَالَ : فَأَمَرَ اللهُ الْقَلَمَ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَمَا يَكُونُ ـ فَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَوْضُوعٌ مَا شَاءَ مِنْهُ زَادَ فِيهِ وَمَا شَاءَ نَقَصَ مِنْهُ ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَا يَشَاءُ لَا يَكُونُ قَالَ : صَدَقْتَ ، فَتَعَجَّبَ أَبِي مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ ـ قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) مَا هَذَا الْحَقِّ الْمَعْلُومُ قَالَ : هُوَ الشَّيْءُ يُخْرِجُهُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ لَيْسَ مِنَ الزَّكَاةِ ـ فَيَكُونُ لِلنَّائِبَةِ وَالصِّلَةِ ، قَالَ : صَدَقْتَ قَالَ : فَتَعَجَّبَ أَبِي مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ ـ قَالَ : ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ أَبِي : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ ـ قَالَ : فَطَلَبْتُهُ فَلَمْ أَجِدُهُ (١).

٦ ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع يَقُولُ كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي الْحِجْرِ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ـ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ سَلَّمَ عَلَيْهِ ـ ثُمَّ قَالَ : إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ـ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا أَنْتَ وَرَجُلٌ آخَرُ ، قَالَ : مَا هِيَ قَالَ : أَخْبِرْنِي أَيُّ شَيْءٍ كَانَ سَبَبَ الطَّوَافِ بِهَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ : إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ ـ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ رَدَّتِ الْمَلَائِكَةُ ـ فَقَالَتْ : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ـ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ التَّوْبَةَ ـ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بِالضُّرَاحِ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ، فَمَكَثُوا بِهِ يَطُوفُونَ بِهِ سَبْعَ سِنِينَ ـ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ مِمَّا قَالُوا ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ ، فَكَانَ هَذَا أَصْلَ الطَّوَافِ ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ حِذَاءَ الضُّرَاحِ تَوْبَةً لِمَنْ أَذْنَبَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَطَهُوراً لَهُمْ ، فَقَالَ : صَدَقْتَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ـ ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ (٢) فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا الرَّجُلُ يَا أَبَهْ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ هَذَا الْخَضِرُ ع (٣).

٤٧ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي قَوْلِهِ : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ـ قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) رَدُّوا عَلَى اللهِ فَقَالُوا : (أَتَجْعَلُ

__________________

(١) البحار ج ٢١ : ٤٦. البرهان ج ١ : ٧٤.

(٢) وفي نسخة البرهان «ثمّ قال الرّجل : صدقت».

(٣) البحار ج ٢١ : ٤٦. البرهان ج ١ : ٧٤. الصّافي ج ١ : ٧٣.

٣٠

فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ بِخَلْقٍ مَضَى يَعْنِي الْجَانَّ بْنَ الْجِنِّ (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فَمَنُّوا عَلَى اللهِ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ ثُمَ (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) قَالُوا : (لا عِلْمَ لَنا) ، قَالَ : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) فَأَنْبَأَهُمْ ـ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) ، وَقَالُوا فِي سُجُودِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ : مَا كُنَّا نَظُنُّ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ـ نَحْنُ خُزَّانُ اللهِ وَجِيرَانُهُ ، وَأَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ـ قَالَ اللهُ يَعْلَمُ (ما تُبْدُونَ) مِنْ رَدِّكُمْ عَلَيَ (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ، ظَنّاً أَنْ لَا يَخْلُقَ اللهُ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ، فَلَمَّا عَرَفَتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي خَطِيئَةٍ ـ لَاذُوا بِالْعَرْشِ وَأَنَّهَا كَانَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْعَرْشِ ، لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ قَالُوا ـ مَا ظَنَنَّا أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ـ وَهُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ ، فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ وَقَالُوا بِأَيْدِيهِمْ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ يُدِيرُهَا فَهُمْ يَلُوذُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا أَصَابَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ ـ جَعَلَ اللهُ هَذَا الْبَيْتَ لِمَنْ أَصَابَ مِنْ وُلْدِهِ خَطِيئَةً أَتَاهُ ـ فَلَاذَ بِهِ مِنْ وُلْدِ آدَمَ كَمَا لَاذُوا أُولَئِكَ بِالْعَرْشِ ، فَلَمَّا هَبَطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ طَافَ بِالْبَيْتِ ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَجَارِ دَنَا مِنَ الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ـ فَقَالَ : يَا رَبِّ اغْفِرْ لِي فَنُودِيَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ وَلِوُلْدِي قَالَ : فَنُودِيَ يَا آدَمُ مَنْ جَاءَنِي مِنْ وُلْدِكَ ـ فَبَاءَ بِذَنْبِهِ (١) بِهَذَا الْمَكَانِ غَفَرْتُ لَهُ (٢).

٨ ـ عَنْ عِيسَى بْنِ حَمْزَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع : جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الدُّنْيَا عُمُرُهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ ـ فَقَالَ : لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ـ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لَهَا خَمْسِينَ أَلْفَ عَامٍ فَتَرَكَهَا قَاعاً ـ قَفْرَاءَ خَاوِيَةٌ (٣) عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ بَدْأُ الْخَلْقِ فِيهَا ، خَلْقاً لَيْسَ مِنَ الْجِنِّ وَلَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنَ الْإِنْسِ ، وَقَدَّرَ لَهُمْ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا فِيهَا فَدَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ تَدْمِيراً ـ ثُمَّ تَرَكَهَا قَاعاً قَفْرَاءَ خَاوِيَةٌ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، ثُمَّ خَلَقَ فِيهَا الْجِنَّ وَقَدَّرَ لَهُمْ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا

__________________

(١) أيْ أقرّ واعترف به.

(٢) البحار ج ٢١ : ٤٦. البرهان ج ١ : ٧٤.

(٣) القاع : المستوي من الأرض ، وخاوية : أيّ خالية من الأهل.

٣١

فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ ـ وَهُوَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كَمَا سَفَكَتْ بَنُو الْجَانِّ ، فَأَهْلَكَهُمْ اللهُ ـ ثُمَّ بَدَأَ اللهُ فَخَلَقَ آدَمَ وَقَدَّرَ لَهُ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، وَقَدْ مَضَى مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةُ آلَافِ عَامٍ وَمِائَتَانِ ـ وَأَنْتُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ (١).

٩ ـ قَالَ : قَالَ زُرَارَةُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ مِنْ أَحَادِيثِ الشِّيعَةِ فَقُلْتُ : إِنَّ عِنْدِي مِنْهَا شَيْئاً كَثِيراً ـ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوقِدَ لَهَا نَاراً ثُمَّ أُحْرِقَهَا ـ فَقَالَ وَارِهَا تَنْسَى مَا أَنْكَرْتَ مِنْهَا فَخَطَرَ عَلَى بَالِ الآدميون (٢) فَقَالَ لِي : مَا كَانَ عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ قَالُوا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (٣).

١٠ ـ قَالَ : وَكَانَ يَقُولُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُوَ كَسْرٌ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع إِنَّ آدَمَ كَانَ لَهُ فِي السَّمَاءِ خَلِيلٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ـ فَلَمَّا هَبَطَ آدَمُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ـ اسْتَوْحَشَ الْمَلَكُ وَشَكَا إِلَى اللهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ـ فَيَهْبِطَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَهَبَطَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ قَاعِداً فِي قَفْرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَآهُ آدَمُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَصَاحَ صَيْحَةً ـ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع : يَرْوُونَ أَنَّهُ أَسْمَعَ عَامَّةَ الْخَلْقِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : يَا آدَمُ مَا أَرَاكَ ـ إِلَّا قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَحَمَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لَا تُطِيقُ ، أَتَدْرِي مَا قَالَ اللهُ لَنَا فِيكَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ قَالَ : لَا ـ قَالَ : «قَالَ (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قُلْنَا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فَهُوَ خَلَقَكَ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَرْضِ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع : وَاللهِ عُزِّيَ بِهَا آدَمُ ثَلَاثاً (٤).

١١ ـ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) مَا ذَا عَلَّمَهُ قَالَ : الْأَرَضِينَ وَالْجِبَالَ وَالشِّعَابَ وَالْأَوْدِيَةَ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى بِسَاطٍ تَحْتَهُ فَقَالَ : وَهَذَا الْبِسَاطُ مِمَّا عَلَّمَهُ (٥).

١٢ ـ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) مَا هِيَ قَالَ : أَسْمَاءُ الْأَوْدِيَةِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالْجِبَالِ مِنْ

__________________

(١) البرهان ج ١ : ٧٥.

(٢) كذا في نسخة الأصل وفي نسخة البرهان هكذا «فقال وارها تنسى ما أنكرت منها فخطر على بالي الآدميون اه» وكتب في هامشها أيّ الأجل المنسوبة بآدم (ع).

(٣) البرهان ج ١ : ٧٥.

(٤) البحار ج ٥ : ٥٧ ـ ٥٨ و ٣٩. البرهان ج ١ : ٧٥.

(٥) الصّافي ج ١ : ٧٤. البحار ج ٥ : ٥٧ ـ ٥٨ و ٣٩. البرهان ج ١ : ٧٥.

٣٢

الْأَرْضِ : (١).

١٣ ـ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ الْعَطَّارِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع ، فَدَعَا بِالْخِوَانِ فَتَغَدَّيْنَا (٢) ثُمَّ جَاءُوا بِالطَّشْتِ وَالدَّسْتِ سِنَانَهْ (٣) فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ قَوْلُهُ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) الطَّشْتُ وَالدَّسْتُ سِنَانَهْ مِنْهُ فَقَالَ : وَالْفِجَاجُ (٤) وَالْأَوْدِيَةُ وَأَهْوَى بِيَدِهِ كَذَا وَكَذَا (٥).

١٤ ـ عَنْ حَرِيزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ لَمَّا أَنْ خَلَقَ اللهُ آدَمَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي أَنْفُسِهَا : مَا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ، فَنَحْنُ جِيرَانُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ خَلْقِهِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ اللهُ : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي) ... (أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما) ... (تَكْتُمُونَ) فِيمَا أَبْدَوْا مِنْ أَمْرِ بَنِي الْجَانِّ ، وَكَتَمُوا مَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَلَاذَتِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا بِالْعَرْشِ (٦).

١٥ ـ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع عَنْ إِبْلِيسَ أَكَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ كَانَ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَرَى أَنَّهُ مِنْهَا ، وَكَانَ اللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا ، وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ وَلَا كَرَامَةَ ، فَأَتَيْتُ الطَّيَّارَ (٧) فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ فَأَنْكَرَ ـ وَقَالَ : كَيْفَ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَاللهُ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّيَّارُ فَسَأَلَهُ وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فِي غَيْرِ مَكَانٍ فِي مُخَاطَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ ـ أَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمُنَافِقُونَ فَقَالَ : نَعَمْ يَدْخُلُونَ

__________________

(١) البرهان ج ١ : ٧٥.

(٢) تغدّى : أكل أوّل النّهار.

(٣) كذا في النّسخ واستظهر في هامش نسخة البحار أن الصّحيح «ثمّ جاءوا بالطّشت والدّست شويه» في الموضعين وعليه فالكلمة فارسيّة. وهو الإناء المعدّ لغسل اليد.

(٤) الفجاج جمع الفجّ : الطّريق الواضح بين الجبلين. وفي بعض النّسخ «العجاج» وهو بمعنى والغبار.

(٥ ـ ٦) البحار ج ٥ : ٣٩ ـ ٤٠. البرهان ج ١ : ٧٥.

(٧) المشهور بهذا اللّقب محمّد بن عبد الله وقد يطلق على ابنه حمزة بن الطّيّار.

٣٣

فِي هَذِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالضُّلَّالُ ـ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ (١).

١٦ ـ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ إِبْلِيسَ أَكَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ هَلْ كَانَ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ ـ قَالَ : لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ـ وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ وَ (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، وَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَرَى أَنَّهُ مِنْهَا ، وَكَانَ اللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا ، فَلَمَّا أُمِرَ بِالسُّجُودِ كَانَ مِنْهُ الَّذِي كَانَ (٢).

١٧ ـ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ع إِنَّ أَوَّلَ كُفْرٍ كُفِرَ بِاللهِ حَيْثُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ كُفْرُ إِبْلِيسَ حَيْثُ رَدَّ عَلَى اللهِ أَمْرَهُ ، وَأَوَّلَ الْحَسَدِ حَيْثُ حَسَدَ ابْنَ آدَمَ أَخَاهُ ، وَأَوَّلَ الْحِرْصِ حِرْصُ آدَمَ ، نُهِيَ عَنِ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا فَأَخْرَجَهُ حِرْصُهُ مِنَ الْجَنَّةِ (٣).

١٨ ـ عَنْ بَدْرِ بْنِ خَلِيلٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ص ، أَوَّلُ بُقْعَةٍ عُبِدَ اللهُ عَلَيْهَا ظَهْرُ الْكُوفَةِ لَمَّا أَمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ سَجَدُوا عَلَى ظَهْرِ الْكُوفَةِ (٤).

١٩ ـ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُوسَى الْوَاسِطِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى ع عَنِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ أَيُّهُمَا أَقْدَمُ فَقَالَ : مَا عَهْدِي بِكَ تُخَاصِمُ النَّاسَ ، قُلْتُ : أَمَرَنِي هِشَامُ بْنِ الْحَكَمِ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ذَلِكَ ـ فَقَالَ لِي : الْكُفْرُ أَقْدَمُ وَهُوَ الْجُحُودُ ـ قَالَ لِإِبْلِيسَ (أَبى

__________________

(١) البحار ج ٥ : ٤٠ وج ١٤ : ٦١٩. البرهان ج ١ : ٧٩ وقال المجلسيّ «ره» بعده : حاصله إن الله تعالى إنّما أدخله في لفظ الملائكة لأنّه كان مخلوطا بهم وكونه ظاهرا منهم وإنّما وجه الخطاب في الأمر بالسّجود إلى هؤلاء الحاضرين وكان من بينهم فشمله الأمر ، أو المراد أنّه خاطبهم بيا أيّها الملائكة مثلا وكان إبليس أيضا مأمورا لكونه ظاهرا منهم ومظهرا لصفاتهم كما أن خطّاب (يا أيّها الّذين آمنوا) يشمل المنافقين لكونهم ظاهرا من المؤمنين وأمّا ظنّ الملائكة فيحتمل أن يكون المراد أنّهم ظنّوا أنّه منهم في الطّاعة وعدم العصيان لأنّه يبعد أن لا يعلم الملائكة أنّه ليس منهم مع أنّهم رفعوه إلى السّماء وأهلكوا قومه فيكون من قبيل قولهم (ع) سلمان منّا أهل البيت على أنّه يحتمل أن يكون الملائكة ظنّوا أنّه كان ملكا جعله الله حاكما على الجانّ ويحتمل أن يكون هذا الظّنّ من بعض الملائكة الّذين لم يكونوا بين جماعة منهم قتلوا الجانّ ورفعوا إبليس.

(٢) البحار ج ١٤ : ٦١٩. البرهان ج ١ : ٧٩. الصّافي ج ١ : ٧١.

(٣ ـ ٤) البحار ج ٥ : ٤٠. وأخرج الأخير منهما الفيض (ره) في الصّافي (ج ١ : ٧٨) أيضا.

٣٤

وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١).

٢٠ ـ عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) يَعْنِي لَا تَأْكُلَا مِنْهَا (٢).

٢١ ـ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع عَنْ رَسُولِ اللهِ ص قَالَ إِنَّمَا كَانَ لَبِثَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى خَرَجَا مِنْهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ـ حَتَّى أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ ـ فَأَهْبَطَهُمَا اللهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ ، قَالَ :

فَحَاجَّ آدَمُ رَبَّهُ فَقَالَ يَا رَبِّ أَرَأَيْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي ـ كُنْتُ قَدَرْتُ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ ـ وَكُلِّ مَا صِرْتُ وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ ، أَوْ هَذَا شَيْءٌ فَعَلْتُهُ أَنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُقَدِّرَهُ (٣) عَلَيَّ ، غَلَبَتْ عَلَيَّ شِقْوَتِي ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَفِعْلِي لَا مِنْكَ وَلَا مِنْ فِعْلِكَ ـ قَالَ لَهُ : يَا آدَمُ أَنَا خَلَقْتُكَ ـ وَعَلَّمْتُكَ أَنِّي أُسْكِنُكَ وَزَوَّجْتَكَ الْجَنَّةَ ، وَبِنِعْمَتِي وَمَا جَعَلْتُ فِيكَ مِنْ قُوَّتِي ـ قَوِيتَ بِجَوَارِحِكَ عَلَى مَعْصِيَتِي ، وَلَمْ تَغِبْ عَنْ عَيْنِي ، وَلَمْ يَخْلُ عِلْمِي مِنْ فِعْلِكَ وَلَا مِمَّا أَنْتَ فَاعِلُهُ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيَّ يَا رَبِّ ـ قَالَ : فَحِينَ خَلَقْتَنِي وَصَوَّرْتَنِي وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ روحي [رُوحِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى يَا آدَمُ] أَسْجَدْتُ لَكَ مَلَائِكَتِي (٤) وَنَوَّهْتُ بِاسْمِكَ فِي سَمَاوَاتِي ، وَابْتَدَأْتُكَ بِكَرَامَتِي وَأَسْكَنْتُكَ جَنَّتِي ، وَلَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا بِرِضًى مِنِّي عَلَيْكَ ـ ابْتَلَيْتُكَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَمِلْتَ لِي عَمَلاً ـ تَسْتَوْجِبُ بِهِ عِنْدِي مَا فَعَلْتُ بِكَ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْخَيْرُ مِنْكَ وَالشَّرُّ مِنِّي ، قَالَ اللهُ : يَا آدَمُ أَنَا اللهُ الْكَرِيمُ خَلَقْتُ الْخَيْرَ قَبْلَ الشَّرِّ ، وَخَلَقْتُ رَحْمَتِي قَبْلَ غَضَبِي ، وَقَدَّمْتُ بِكَرَامَتِي قَبْلَ هَوَانِي ، وَقَدَّمْتُ بِاحْتِجَاجِي قَبْلَ عَذَابِي ، يَا آدَمُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنِ الشَّجَرَةِ ـ وَأُخْبِرْكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ وَأُحَذِّرْكُمَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأُعْلِمْكُمَا أَنَّكُمَا إِنْ أَكَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَةِ ـ لَكُنْتُمَا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِكُمَا عَاصِيَيْنِ لِي ، يَا آدَمُ لَا يُجَاوِرُنِي فِي جَنَّتِي ظَالِمٌ عَاصٍ بِي قَالَ : فَقَالَ : بَلَى يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْنَا ، ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَعَصَيْنَا ـ وَإِلَّا تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا نَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، قَالَ :

__________________

(١) البرهان ج ١ : ٧٩. ولم نظفر على مظانّه في البحار.

(٢) البحار ج ٥ : ٥١. البرهان ج ١ : ٨٤. الصّافي ج ١ : ٧٩.

(٣) وفي نسخة «لم تقدّره».

(٤) الظّاهر كما في نسخة البرهان «ونفخت في من روحك قال الله تعالى يا آدم أسجدت لك ملائكتي اه».

٣٥

فَلَمَّا أَقَرَّا لِرَبِّهِمَا بِذَنْبِهِمَا ، وَأَنَّ الْحُجَّةَ مِنَ اللهِ لَهُمَا ، تَدَارَكَتْهُمَا رَحْمَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَتَابَ عَلَيْهِمَا رَبُّهُمَا (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

قَالَ اللهُ : يَا آدَمُ اهْبِطْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ إِلَى الْأَرْضِ ، فَإِذَا أَصْلَحْتُمَا أَصْلَحْتُكُمَا ، وَإِنْ عَمِلْتُمَا لِي قَوَّيْتُكُمَا ، وَإِنْ تَعَرَّضْتُمَا لِرِضَايَ تَسَارَعْتُ إِلَى رِضَاكُمَا ، وَإِنْ خِفْتُمَا مِنِّي آمَنْتُكُمَا مِنْ سَخَطِي ، قَالَ فَبَكَيَا عِنْدَ ذَلِكَ ـ وَقَالا : رَبَّنَا فَأَعِنَّا عَلَى صَلَاحِ أَنْفُسِنَا وَعَلَى الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا ، قَالَ اللهُ لَهُمَا : إِذَا عَمِلْتُمَا سُوءاً ـ فَتُوبَا إِلَيَّ مِنْهُ أَتُبْ عَلَيْكُمَا وَأَنَا اللهُ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، قَالَ : فَأَهْبِطْنَا بِرَحْمَتِكَ إِلَى أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَأَوْحَى اللهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنْ أَهْبِطْهُمَا إِلَى الْبَلْدَةِ الْمُبَارَكَةِ مَكَّةَ ، فَهَبَطَ بِهِمَا جِبْرِيلُ فَأَلْقَى آدَمَ عَلَى الصَّفَا وَأَلْقَى حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : فَلَمَّا أُلْقِيَا قَامَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَرَفَعَا رُءُوسَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ ـ وَضَجَّا بِأَصْوَاتِهِمَا بِالْبُكَاءِ إِلَى اللهِ ـ وَخَضَعَا بِأَعْنَاقِهِمَا ، قَالَ : فَهَتَفَ اللهُ بِهِمَا مَا يُبْكِيكُمَا بَعْدَ رِضَايَ عَنْكُمَا قَالَ : فَقَالا : رَبَّنَا أَبْكَتْنَا خَطِيئَتُنَا ـ وَهِيَ أَخْرَجَتْنَا مِنْ جِوَارِ رَبِّنَا ، وَقَدْ خَفِيَ عَنَّا تَقْدِيسُ مَلَائِكَتِكَ لَكَ ، رَبَّنَا وَبَدَتْ لَنَا عَوْرَاتُنَا ـ وَاضْطَرَّنَا ذَنْبُنَا إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا وَمَطْعَمِهَا وَمَشْرَبِهَا ، وَدَخَلَتْنَا وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ لِتَفْرِيقِكَ بَيْنَنَا ، قَالَ :

فَرَحِمَهُمَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَأَوْحَى إِلَى جِبْرِيلَ أَنَا اللهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ـ وَأَنِّي قَدْ رَحِمْتُ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا شَكَيَا إِلَيَّ ـ فَاهْبِطْ عَلَيْهِمَا بِخَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ الْجَنَّةِ ، وَعَزِّهِمَا (١) عَنِّي بِفِرَاقِ الْجَنَّةِ ، وَاجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ ـ فَإِنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمَا لِبُكَائِهِمَا وَوَحْشَتِهِمَا وَوَحْدَتِهِمَا ، وَانْصِبْ لَهُمَا الْخَيْمَةَ عَلَى التُّرْعَةِ (٢) الَّتِي بَيْنَ جِبَالِ مَكَّةَ ، قَالَ وَالتُّرْعَةُ مَكَانُ الْبَيْتِ وَقَوَاعِدُهَا الَّتِي رَفَعَتْهَا الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ ـ فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَى آدَمَ بِالْخَيْمَةِ عَلَى مِقْدَارِ أَرْكَانِ الْبَيْتِ (٣) وَقَوَاعِدِهِ ، فَنَصَبَهَا.

قَالَ : وَأَنْزَلَ جَبْرَئِيلُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا وَأَنْزَلَ حَوَّاءَ مِنَ الْمَرْوَةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ ، قَالَ : وَكَانَ عَمُودُ الْخَيْمَةِ قَضِيبَ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ـ فَأَضَاءَ نُورُهُ وَضَوْؤُهُ جِبَالَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا ، قَالَ : وَكُلَّمَا امْتَدَّ ضَوْءُ الْعَمُودِ فَجَعَلَهُ اللهُ حَرَماً ـ فَهُوَ مَوَاضِعُ الْحَرَمِ الْيَوْمَ

__________________

(١) من التّعزية بمعنى التّسلية.

(٢) سيأتي بيانه في آخر الحديث.

(٣) وفي نسخة البرهان «على مكان أركان البيت».

٣٦

كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ضَوْءُ الْعَمُودِ ، فَجَعَلَهُ اللهُ حَرَماً لِحُرْمَةِ الْخَيْمَةِ وَالْعَمُودِ ، لِأَنَّهُنَّ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ : وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَاتِ فِي الْحَرَمِ مُضَاعَفَةً ـ وَالسَّيِّئَاتِ فِيهِ مُضَاعَفَةً : قَالَ : وَمُدَّتْ أَطْنَابُ الْخَيْمَةِ حَوْلَهُمَا ـ فَمُنْتَهَى أَوْتَادِهَا مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَ : وَكَانَتْ أَوْتَادُهَا مِنْ غُصُونِ الْجَنَّةِ وَأَطْنَابُهَا مِنْ ظَفَائِرِ الْأُرْجُوَانِ (١) قَالَ : فَأَوْحَى اللهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَهْبَطَ عَلَى الْخَيْمَةِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ ـ يَحْرُسُونَهُمَا مِنْ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَيُؤْنِسُونَ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَيَطُوفُونَ حَوْلَ الْخَيْمَةِ تَعْظِيماً لِلْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ ، قَالَ : فَهَبَطَتِ الْمَلَائِكَةُ فَكَانُوا بِحَضْرَةِ الْخَيْمَةِ ـ يَحْرُسُونَهَا مِنْ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْعُتَاةِ ، وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ـ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، قَالَ : وَأَرْكَانُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي الْأَرْضِ ـ حِيَالَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

قَالَ : ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَى جَبْرَئِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ ـ أَنِ اهْبِطْ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَنَحِّهِمَا عَنْ مَوَاضِعِ قَوَاعِدِ بَيْتِي لِأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَهْبِطَ فِي ظِلَالٍ مِنْ مَلَائِكَتِي إِلَى أَرْضِي (٢) فَأَرْفَعْ أَرْكَانَ بَيْتِي لِمَلَائِكَتِي وَلِخَلْقِي مِنْ وُلْدِ آدَمَ قَالَ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَأَخْرَجَهُمَا مِنَ الْخَيْمَةِ وَنَهَاهُمَا عَنْ تُرْعَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَنَحَّى الْخَيْمَةَ عَنْ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ ـ قَالَ وَوَضَعَ آدَمَ عَلَى الصَّفَا وَوَضَعَ حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَرَفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ يَا جَبْرَئِيلُ أَبِسَخَطٍ مِنَ اللهِ حَوَّلْتَنَا وَفَرَّقْتَ بَيْنَنَا ـ أَمْ بِرِضًى تَقْدِيراً مِنَ اللهِ عَلَيْنَا ـ فَقَالَ لَهُمَا : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَخَطاً مِنَ اللهِ عَلَيْكُمَا ـ وَلَكِنَّ اللهَ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) ، يَا آدَمُ إِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ الَّذِينَ أَنْزَلَهُمُ اللهُ إِلَى الْأَرْضِ لِيُؤْنِسُوكَ ـ وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ ـ سَأَلُوا اللهَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُمْ مَكَانَ الْخَيْمَةِ بَيْتاً عَلَى مَوْضِعِ التُّرْعَةِ الْمُبَارَكَةِ ـ حِيَالَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورَ فَيَطُوفُونَ حَوْلَهُ ـ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ أَنْ أُنَحِّيَكَ وَحَوَّاءَ وَأَرْفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ آدَمُ : رَضِينَا بِتَقْدِيرِ اللهِ وَنَافِذِ أَمْرِهِ فِينَا ، فَكَانَ آدَمُ عَلَى الصَّفَا وَحَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ : فَدَاخَلَ آدَمَ لِفِرَاقِ حَوَّاءَ وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ وَحُزْنٌ ـ قَالَ : فَهَبَطَ مِنْ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ شَوْقاً إِلَى حَوَّاءَ وَلِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَادِياً

__________________

(١) لعلّه تصحيف «ضفائر» بالضاد وسيأتي.

(٢) سيأتي معناه في آخر الحديث وأنّه نظير قوله تعالى «إلّا أن يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الغَمَام والملئكة».

٣٧

وَكَانَ آدَمُ يَرَى الْمَرْوَةَ مِنْ فَوْقِ الصَّفَا ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْوَادِي غَابَتْ عَنْهُ الْمَرْوَةُ فَسَعَى فِي الْوَادِي حَذَراً لِمَا لَمْ يَرَ الْمَرْوَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِهِ ـ فَلَمَّا أَنْ جَازَ الْوَادِيَ وَارْتَفَعَ عَنْهُ نَظَرَ إِلَى الْمَرْوَةِ فَمَشَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعِدَ عَلَيْهَا ـ فَسَلَّمَ عَلَى حَوَّاءَ ثُمَّ أَقْبَلَا بِوَجْهِهِمَا نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ ـ يَنْظُرَانِ هَلْ رُفِعَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ وَيَسْأَلَانِ اللهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى مَكَانِهِمَا حَتَّى هَبَطَ مِنَ الْمَرْوَةِ ، فَرَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ـ نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ فَدَعَى اللهَ ، ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَاقَ إِلَى حَوَّاءَ فَهَبَطَ مِنَ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَفَعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ـ ثُمَّ إِنَّهُ هَبَطَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا اللهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حَوَّاءَ قَالَ : فَكَانَ ذَهَابُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْوَاطٍ ، فَلَمَّا أَنْ دَعَيَا اللهَ وَبَكَيَا إِلَيْهِ ـ وَسَأَلَاهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا اسْتَجَابَ اللهُ لَهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا ـ مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَاقِفٌ ـ يَدْعُو اللهَ مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ نَحْوَ التُّرْعَةِ ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : انْزِلْ يَا آدَمُ مِنَ الصَّفَا فَالْحَقْ بِحَوَّاءَ ، فَنَزَلَ آدَمُ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّلَاثِ الْمَرَّاتِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ ، فَصَعِدَ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ حَوَّاءَ بِمَا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ فَفَرِحَا بِذَلِكَ فَرَحاً شَدِيداً وَحَمِدَا اللهَ وَشَكَرَاهُ ـ فَلِذَلِكَ جَرَتِ السُّنَّةُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما).

قَالَ ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُمَا فَأَنْزَلَهُمَا مِنَ الْمَرْوَةِ وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ ـ فَرَفَعَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِحَجَرٍ مِنَ الصَّفَا وَحَجَرٍ مِنَ الْمَرْوَةِ وَحَجَرٍ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ وَحَجَرٍ مِنْ جَبَلِ السَّلَامِ ، وَهُوَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ فَأَوْحَى اللهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنِ ابْنِهِ وَأَتِمَّهُ ، قَالَ فَاقْتَلَعَ جَبْرَئِيلُ الْأَحْجَارَ الْأَرْبَعَةَ ـ بِأَمْرِ اللهِ مِنْ مَوَاضِعِهِنَّ بِجَنَاحَيْهِ فَوَضَعَهَا حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ فِي أَرْكَانِ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِهِ ـ الَّتِي قَدَّرَهَا الْجَبَّارُ وَنَصَبَ أَعْلَامَهَا ـ ثُمَّ أَوْحَى اللهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنِ ابْنِهِ وَأَتْمِمْهُ بِحِجَارَةٍ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ ، وَاجْعَلْ لَهُ بَابَيْنِ بَابَ شَرْقِيٍّ وَبَابَ غَرْبِيٍّ ـ قَالَ : فَأَتَمَّهُ جَبْرَئِيلُ فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْهُ طَافَتِ الْمَلَائِكَةُ حَوْلَهُ ـ فَلَمَّا

٣٨

نَظَرَ آدَمُ وَحَوَّاءُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ـ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ انْطَلَقَا فَطَافَا بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ خَرَجَا يَطْلُبَانِ مَا يَأْكُلَانِ ـ وَذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي هُبِطَ بِهِمَا فِيهِ (١).

٢٢ ـ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ إِنَّ اللهَ اخْتَارَ مِنَ الْأَرْضِ جَمِيعاً مَكَّةَ وَاخْتَارَ مِنْ مَكَّةَ بَكَّةَ ، فَأَنْزَلَ فِي بَكَّةَ سُرَادِقاً مِنْ نُورٍ مَحْفُوفاً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، ثُمَّ أَنْزَلَ فِي وَسَطِ السُّرَادِقِ عُمُداً أَرْبَعَةً ، وَجَعَلَ بَيْنَ الْعُمُدِ الْأَرْبَعَةِ لُؤْلُؤَةً بَيْضَاءَ ـ وَكَانَ طُولُهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ فِي تَرَابِيعِ الْبَيْتِ ، وَجَعَلَ فِيهَا نُوراً مِنْ نُورِ السُّرَادِقِ بِمَنْزِلَةِ الْقَنَادِيلِ ـ وَكَانَتِ الْعُمُدُ أَصْلُهَا فِي الثَّرَى وَالرُّءُوسُ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَكَانَ الرُّبُعُ الْأَوَّلُ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ ، وَالرُّبُعُ الثَّانِي مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَبْيَضَ ، وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ مِنْ نُورٍ سَاطِعٍ ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَنْزِلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُرْتَفِعاً مِنَ الْأَرْضِ ، وَكَانَ نُورُ الْقَنَادِيلِ يَبْلُغُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَرَمِ وَكَانَ أَكْبَرُ الْقَنَادِيلِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ ، فَكَانَ الْقَنَادِيلُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ قِنْدِيلاً فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ بَابُ الرَّحْمَةِ إِلَى رُكْنِ الشَّامِيِّ فَهُوَ بَابُ الْإِنَابَةِ وَبَابُ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ بَابُ التَّوَسُّلِ ، وَبَابُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بَابُ التَّوْبَةِ ـ وَهُوَ بَابُ آلِ مُحَمَّدٍ ع وَشِيعَتِهِمْ إِلَى الْحَجَرِ فَهَذَا الْبَيْتُ حُجَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ عَلَى خَلْقِهِ ، فَلَمَّا هَبَطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ هَبَطَ عَلَى الصَّفَا ، وَلِذَلِكَ اشْتَقَّ اللهُ لَهُ اسْماً مِنِ اسْمِ آدَمَ لِقَوْلِ اللهِ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) وَنَزَلَتْ حَوَّاءُ عَلَى

__________________

(١) البحار ج ٥ : ٤٩ ـ ٥٠. البرهان ج ١ : ٨٤ ـ ٨٥. وقال المجلسيّ «ره» في بيانه : التّرعة بالتّاء المثنّاة من فوق والرّاء المهملة : الدّرجة والرّوضة في مكان مرتفع ولعلّ المراد هنا الدّرجة لكون قواعد البيت مرتفعة وفي بعض النّسخ بالنون والزّاي المعجمة أيّ المكان الخالي عن الأشجار والجبال تشبيها بنزعة الرّأس ، وظفائر الأرجوان في أكثر نسخ الحديث بالظاء ، ولعلّه تصحيف الضّاد قال الجزريّ : الضفر : النسج ، والضفائر الذّوائب المضفورة. والضفير : حبل مفتول من شعر انتهى. والأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة وكأنّه معرّب أرغوان. وهبوطه تعالى كناية عن توجّه أمره واهتمامه بصدور ذلك الأمر كما قال تعالى (هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) والظّلال : ما أظلك من شيء وهاهنا كناية عن كثرة الملائكة واجتماعهم أيّ أهبط أمري مع جمّ غفير من الملائكة واليوم المذكور في آخر الخبر لعلّ المراد به اليوم من أيّام الآخرة كما مرّ وقد سقط فيما عندنا من نسخ العيّاشيّ من أوّل الخبر شيء تركناه كما وجدنا.

٣٩

الْمَرْوَةِ فَاشْتَقَّ اللهُ لَهُ اسْماً مِنِ اسْمِ الْمَرْأَةِ ، وَكَانَ آدَمُ نَزَلَ بِمِرْآةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَمَّا لَمْ يَخْلُقْ [لَمْ يُعَلِّقْ] آدَمُ الْمِرْآةَ إِلَى جَنْبِ الْمَقَامِ (١) وَكَانَ يَرْكَنُ إِلَيْهِ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُهْبِطَ الْبَيْتَ إِلَى الْأَرْضِ ـ فَأَهْبَطَ فَصَارَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَكَانَ آدَمُ يَرْكَنُ إِلَيْهِ وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا مِنَ الْأَرْضِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ، وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ ، وَكَانَ عَرْضُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعاً ـ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعاً تَرَابِيعُةُ ـ وَكَانَ السُّرَادِقُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فِي مِائَتَيْ ذِرَاعٍ (٢).

٢٣ ـ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ كَانَ إِبْلِيسُ أَوَّلَ مَنْ تَغَنَّى وَأَوَّلَ مَنْ نَاحَ ـ وَأَوَّلَ مَنْ حَدَا قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ تَغَنَّى ، فَلَمَّا أُهْبِطَ حَدَا بِهِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَى الْأَرْضِ ـ نَاحَ يُذَكِّرُهُ (٣) مَا فِي الْجَنَّةِ (٤).

٢٤ ـ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ص إِنَّ اللهَ حِينَ أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ أَمَرَهُ أَنْ يَحْرِثَ بِيَدِهِ ـ فَيَأْكُلَ مِنْ كَدِّهِ بَعْدَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا ، فَلَبِثَ يَجْأَرُ (٥) وَيَبْكِي عَلَى الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ ، ثُمَّ إِنَّهُ سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَيْ رَبِّ أَلَمْ تَخْلُقْنِي فَقَالَ اللهُ : قَدْ فَعَلْتُ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَنْفُخْ

__________________

(١) كذا في النّسخ وفي نسخة «حبّ المقام» ولا تخلو العبارة من التّصحيف.

(٢) البحار ج ٢١ : ١٥. البرهان ج ١ : ٨٥ ـ ٨٦.

(٣) وفي نسخة البحار «ما ذكره».

(٤) البحار ج ٥ : ٥٨ وج ١٤ : ٦١٥ و ٦١٩. البرهان ج ١ : ٨٦ وزاد بعده في نسخة البحار «فقال آدم : ربّ هذا الّذي جعلت بيني وبينه العداوة لم أقو عليه وأنا في الجنّة وإن لم تعني عليه لو أقو عليه ، فقال الله : السّيّئة بالسّيّئة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ، قال : ربّ زدني ، قال : لا يولد لك ولد إلّا جعلت معه ملكا أو ملكين يحفظانه ، قال : ربّ زدني ، قال : التّوبة مفروضة في الجسد ما دام فيها الرّوح ، قال : ربّ زدني ، قال : أغفر الذّنوب ولا أبالي ، قال : حسبي ، قال : فقال إبليس : ربّ هذا الّذي كرمت عليّ وفضلته وإن لم تفضل عليّ لم أقو عليه قال : لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولدان ، قال : ربّ زدني قال : تجري منه مجرى الدّم في العروق ، قال : ربّ زدني ، قال : تتّخذ أنت وذرّيّتك في صدورهم مساكن ، قال : ربّ زدني ، قال : تعدهم وتمنيهم (وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورا) «انتهى».

(٥) جأر : رفع صوته بالدّعاء.

٤٠