الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٧
ISBN: 978-964-357-387-4
ISBN الدورة:
978-964-357-388-1

الصفحات: ٥٥٩

١
٢

٣
٤

٥

الفصل التّاسع

الإمامة والخلافة*

مقدّمات

١ ـ تعريف الإمامة.

٢ ـ هل الإمامة من الأصول أو الفروع؟.

٣ ـ ماهية الإمامة عند أهل السّنّة.

٤ ـ مؤهلات الإمام عند أهل السّنّة.

٥ ـ بما ذا تنعقد الإمامة عند أهل السّنّة؟.

٦ ـ ماهية الإمامة عند الشيعة الإمامية.

٧ ـ المصالح العامة وصيغة الحكومة بعد النبيّ.

٨ ـ هل الشورى أساس للحكم والخلافة؟.

٩ ـ هل البيعة أساس للحكم والخلافة؟.

١٠ ـ تصوّر النبيّ الأكرم للقيادة بعده.

١١ ـ تصوّر الصحابة للخلافة بعد النّبي.

١٢ ـ صيغة القيادة في الشرائع السابقة.

* البحث الأول : السّنّة النبوية وتنصيب علي للإمامة.

* البحث الثاني : السّنّة النبوية والأئمة الاثنا عشر.

* البحث الثالث : عصمة الإمام في القرآن.

* البحث الرابع : الإمام المنتظر في الكتاب والسّنّة.

ـ أسئلة مهمة حول المهدي عجّل الله فرجه.

٦

الفصل التاسع

الإمامة والخلافة

المقصود من الإمامة ، إمامة الأمّة جمعاء. خلافة عن الرسول الأكرم. صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبل الخوض في أصل المقصود ، نقدّم أمورا :

٧

الأمر الأول

في تعريف الإمامة

عرّفت الإمامة بوجوه :

١ ـ الإمامة رئاسة عامّة في أمور الدين والدنيا (١).

٢ ـ الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين ، بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة (٢).

٣ ـ الإمامة نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا (٣).

٤ ـ الإمامة خلافة عن الرسول في إقامة الدين وحفظ الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة (٤).

والتعريف الأول أليق على مذهب الإمامية ، والبقية ألصق بمذهب أهل السنّة في الإمام.

والأولى أن تعرّف الإمامة بأنّها رئاسة عامة إلهية. وعلى كل تقدير ، فالمهم هو تحليل ماهية هذه الخلافة ، وتحديدها ، وأنّه ما ذا يراد من الإمامة في مصطلح المتكلمين.

__________________

(١) المواقف ، ص ٣٤٥ ، وقال فيه : «ونقض بالنبوة». وسيوافيك أنّ النقض غير وارد.

(٢) المصدر السابق نفسه.

(٣) مقدمة ابن خلدون ، ص ١٩١.

(٤) دلائل الصدق ، ج ٢ ، ص ٤. والتعريف للفضل بن روزبهان الأشعري.

٨

الأمر الثاني

هل الإمامة من الأصول أو الفروع؟

اتّفقت كلمة أهل السنة ، أو أكثرهم ، على أنّ الإمامة من فروع الدين.

قال الغزالي : «اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضا ليس من المهمات ، وليس أيضا من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثم إنّها مثار للتعصبات ، والمعرض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف إذا أخطأ؟ ولكن إذ جرّ الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك منهج المعتاد ، فإنّ فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف (١) ، شديد النّفار» (٢).

وقال الآمدي : «واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات ، ولا من الأمور اللّابدّيّات ، بحيث لا يسع المكلّف الإعراض عنها والجهل بها ، بل لعمري إنّ المعرض عنها لأرجى من الواغل فيها ، فإنّها قلّما تنفك عن التعصّب ، والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة والسّلف ، بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكا سبيل التحقيق ، فكيف إذا كان خارجا عن سواء الطريق. لكن لمّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأصوليين ، لم نر من الصواب

__________________

(١) كذا في المصدر ، والظاهر أنّ «المخالف» صفة «الفطام» ، أو أنّ «المخالف» زائد.

(٢) الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٢٣٤.

٩

خرق العادة بترك ذكرها في هذا الكتاب» (١).

وقال الإيجي : «وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّا بمن قبلنا» (٢).

وقال التفتازاني : «لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أليق ، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ، من فروض الكفايات ، وهي أمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلّا بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد. ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية» (٣).

هذا ما لدى أهل السّنّة ، وأمّا الشّيعة ، فالاعتقاد بالإمامة عندهم أصل من أصول الدين ، وسيظهر وجهه في الأبحاث التالية.

وهاهنا سؤال يطرح نفسه ، وهو أنّه إذا كانت الإمامة من الفروع ، فأي معنى لسلّ السيف على هذا الحكم الفرعي ، حتى قال الشهرستاني : «وأعظم خلاف بين الأمة ، خلاف الإمامة ، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان» (٤).

فإذا كان الاعتقاد بإمامة شخص ، تولّى الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من الأحكام الفرعية ، فإنّ المخالفة فيه لا تستلزم تكفير المخالف أو تفسيقه ، إذا كان للمخالف حجة شرعية ، كمخالفة المجتهد للمجتهد.

مثلا : إنّ المسح على الخفّين ، أو جواز العمل بالقياس ، من مسائل الفروع الخلافية ، فهل ترى من نفسك تجويز تكفير المخالف ، أو تفسيقه؟ ، أو

__________________

(١) غاية المرام في علم الكلام ، ص ٣٦٣ ، لسيف الدين الآمدي ، (ت ٥٥١ ـ م ٦٣١).

(٢) المواقف ، ص ٣٩٥.

(٣) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٤) الملل والنحل ، للشهرستاني ، ج ١ ، ص ٢٤.

١٠

إنّ لكلّ حجّته ودليله ، وإنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا ، فما هذه الدمدمة والهمهمة حول الإمامة؟.

وإذا كانت الإمامة ، بعامّة أبحاثها من الفروع ، فما وجه إقحام ذلك في عداد المسائل الأصولية ، كما ارتكبه إمام الحنابلة ، وقال : «خير هذه الأمة بعد نبيّنا ، أبو بكر ، وخيرهم بعد أبي بكر ، عمر ، وخيرهم بعد عمر ، عثمان ؛ وخيرهم بعد عثمان ، عليّ ؛ رضوان الله عليهم ، خلفاء راشدون مهديّون» (١).

ومثله ، أبو جعفر الطحاوي الحنفي في العقيدة الطحاوية ، المسماة ب «بيان عقيدة السنّة والجماعة» ، حيث قال : «وتثبت الخلافة بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأبي بكر الصّدّيق ، تفضيلا ، وتقديما على جميع الأمّة ، ثم لعمر بن الخطاب ، ثم لعثمان بن عفّان ، ثم لعليّ بن أبي طالب» (٢).

وقد اقتفى أثرهما الشيخ أبو الحسن الأشعري ، عند بيان عقيدة أهل الحديث وأهل السّنة ، والشيخ عبد القاهر البغدادي في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنّة (٣).

وهذا الصراع بين القولين ، أراق الدماء الطاهرة ، وجرّ على الأمّة الويل والثبور ، وعظائم الأمور ، فما معنى إقحام الاعتقاد بالأحكام الفرعية في قائمة العقائد؟ وإن هذا إلّا زلة لا تستقال.

نعم ، أوّل من لبّس الأمر ، وجعل الاعتقاد بها من صميم الإيمان على

__________________

(١) كتاب السنة ص ٤٩ ، المطبوع ضمن رسائل بإشراف حامد محمد فقي. وهذا الكتاب ألّف لبيان مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السّنة ، ووصف من خالف شيئا من هذه المذاهب أو طغى فيها أو عاب قائلها ، بأنّه مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنّة وسبيل الحق.

(٢) شرح العقيدة الطحاوية ، للشيخ عبد الغني الميداني الحنفي الدمشقي ، ص ٤٧١ ، وأخذنا العبارة من المتن. وتوفي الطحاوي عام ٣٢١ هجرية.

(٣) لاحظ «الإبانة عن أصول الديانة» ، الباب ١٦ ، ص ١٩٠ و «الفرق بين الفرق» ص ٣٥٠.

ولاحظ «لمع الأدلة» للإمام الأشعري ، ص ١١٤ ، و «العقائد النّسفية» ص ١٧٧.

١١

مسلك أهل السنة ، هو عمرو بن العاص ، عند ما اجتمع مع أبي موسى الأشعري ، في دومة الجندل. وما جعل الاعتقاد بخلافة الخليفتين الأوّلين ، إلّا للازدراء بعلىّ (عليه‌السلام) وشيعته (١).

* * *

__________________

(١) لاحظ مروج الذهب للمسعودي ، ج ٢ ، ص ٣٩٧. ولاحظ «بحوث في الملل والنحل» ، لشيخنا الأستاذ ـ دام ظلّه ـ ج ١ ، ص ٢٦٥ ـ ٢٧٢.

١٢

الأمر الثالث

ماهية الإمامة عند أهل السنّة

إنّ اتّفاق مشايخ المتكلمين من أهل السنّة على كون الإمامة من الفروع التي يبحث عنها في الكتب الفقهية ، واتّفاق الشيعة الإمامية على أنّها من الأصول ، ينشئان من أصل آخر ، وهو أنّ حقيقة الإمامة تختلف عند السنّة ، عمّا هي عند الشيعة ، فالسّنة ينظرون إلى الإمام كرئيس دولة ، ينتخبه الشعب أو نوّاب الأمّة ، أو يتسلّط عليها بانقلاب عسكري ، وما شابه ذلك ، فإنّ مثل هذا لا يشترط فيه سوى بعض المواصفات المعروفة ، ومن المعلوم أنّ الاعتقاد برئاسة رئيس جمهورية ، أو رئيس وزراء ، ليس من الأصول ، بحيث يفسّق من لم يعتقد بإمامته ورئاسته وولايته. وهذه هي البلاد الإسلامية لمّا تزل يسيطر عليها رئيس بعد آخر ، رغبة أو رهبة ، ولم ير أحد الاعتقاد بإمامته من الأصول ، ولم يجعل فسقه موجبا لخلعه ، وإلّا لما استقرّ حجر على حجر.

وأمّا الشيعة الإمامية ، فينظرون إلى الإمامة بأنّها استمرار لوظائف الرسالة (لا لنفس الرسالة ، فإنّ الرسالة والنبوة مختومتان بالتحاق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى) ، ومن المعلوم أنّ ممارسة هذا المقام ، يتوقف على توفر صلاحيات عالية ، لا ينالها الفرد ، إلّا إذا وقع تحت عناية إلهية ربّانية خاصة ، فيخلف النبيّ في علمه بالأصول والفروع ، وفي عدالته وعصمته ، وقيادته الحكيمة ، وغير ذلك من الشئون.

وممّا يعرب عن أنّ الإمامة عند أهل السنّة أشبه بسياسة وقتية زمنيّة ، يشغلها

١٣

فرد من الأمّة بأحد الطرق ، ما اشترطوه من الشروط ، وذكروه من الأوصاف في حق الإمام ، وستوافيك فيما يأتي. ولأجل إيقاف الباحث على صحّة هذا التحليل نشير إلى بعض كلماتهم.

قال الباقلاني : «لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله» (١).

وقال الطحاوي : «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة» (٢). وقال : «والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين ، برّهم وفاجرهم ، إلى قيام الساعة ، ولا يبطلهما شيء ولا ينقضهما»(٣).

قال التفتازاني : «ولا ينعزل الإمام بالفسق ، أو بالخروج عن طاعة الله تعالى ، والجور (أي الظلم على عباد الله) ، لأنّه قد ظهر الفسق ، وانتشر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم ، ولا يرون الخروج عليهم». ونقل عن كتب الشافعية أنّ القاضي ينعزل بالفسق بخلاف الإمام ، والفرق أن في انعزاله ووجوب نصب غيره إثارة الفتنة ، لما له من الشوكة ، بخلاف القاضي(٤).

إلى غير ذلك من الكلمات التي ذكروها في وجوب إطاعة السلطان الجائر ، وحرمة الخروج عليه (٥). فإنّ هذه الكلمات تبين لنا موقع منصب الإمامة عند أهل

__________________

(١) التمهيد ، للقاضي أبي بكر الباقلاني ، ص ١٨١. توفي القاضي عام ٤٠٣.

(٢) متن شرح العقيدة الطحاوية ، ص ٣٧٩ ، ولاحظ ما ذكره في شرحه.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٨٧.

(٤) شرح العقائد النسفيّة ، المتن لأبي حفص عمر بن محمد النّسفي (م ٥٣٧) ، والشرح لسعد الدين التفتازاني (م ٧٩١) ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، ط إسطنبول.

(٥) لاحظ مقالات الإسلاميين ، للأشعري ، ص ٣٢٣ ، وأصول الدين ، لمحمد بن عبد الكريم اليزدوي (إمام الماتريدية) ، ص ١٩٠.

١٤

الحديث والأشاعرة ، وكلّها تعرب عن أنّهم ينظرون إلى الإمامة كسياسة وقتية زمنية ، وإلى الإمام كسائس عاديّ يقود أمّته في حياتهم الدنيوية. ولأجل ذلك لا يكون الفسق والجور ، وهتك الأستار ، قادحا في إمامتهم ، كما أنّ التسلط على الرقاب بالقهر والاستيلاء ، والنار والحرب ، أحد الطرق المسوغة للتربع على منصّة الإمامة.

فإذا كانت هذه هي حقيقة الإمامة ، وكان هذا هو الإمام ، فلا غرابة حينئذ في جعلها من الأحكام الفرعية.

* * *

١٥

الأمر الرابع

مؤهلات الإمام عند أهل السنّة

انطلاقا من البحث السابق في تبيين ماهية الإمامة ، عند أهل السنّة لم يشترطوا في الإمام سوى عدّة صلاحيات ، تشترط في عامة الرؤساء ، وإليك نصوصهم :

(١) قال الباقلاني (م ٤٠٣) : «يشترط :

ـ أن يكون قرشيّا من صميم.

ـ وأن يكون في العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين.

ـ وأن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب ، وتدبير الجيوش والسرايا ، وسدّ الثغور ، وحماية البيضة ، وحفظ الأمّة ، والانتقام من ظالمها ، والأخذ لمظلومها» (١).

(٢) وقال عبد القاهر البغدادي (م ٤٢٩) : «قال أصحابنا إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف :

ـ أحدها : العلم. وأقل ما يكفيه منه ، أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام ، وفي سائر الأحكام.

__________________

(١) التمهيد ، ص ١٨١.

١٦

ـ الثاني : العدالة والورع. وأقلّ ما يجب له من هذه الخصلة ، أن يكون ممن يجوز قبول شهادته تحمّلا وأداء.

ـ والثالث : الاهتداء إلى وجوه السياسة وحسن التدبير ، وأن يعرف مراتب الناس ، فيحفظهم عليها ، ولا يستعين على الأعمال الكبار ، بالعمّال الصغار ، ويكون عارفا بتدبير الحروب.

ـ الرابع : النّسب من قريش» (١).

(٣) وقال أبو الحسن البغدادي الماوردي (م ٤٥٠) : «الشروط المعتبرة في الإمامة سبعة :

أحدها : العدالة على شروطها الجامعة. الثاني : العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام. الثالث : سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان. الرابع : سلامة الأعضاء. الخامس : الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح. السادس : الشجاعة والنجدة. السابع : النّسب ، وهو أن يكون من قريش (٢).

(٤) وقال ابن حزم (م ٤٥٦) : «يشترط فيه أمور :

١ ـ أن يكون صلبه من قريش ، ٢ ـ أن يكون بالغا مميزا ، ٣ ـ أن يكون رجلا ، ٤ ـ أن يكون مسلما ، ٥ ـ أن يكون متقدّما لأمره ، ٦ ـ عالما بما يلزمه من فرائض الدين ، ٧ ـ متّقيا لله بالجملة ، غير معلن الفساد في الأرض. ٨ ـ أن لا يكون مولّى عليه» (٣).

(٥) وقال القاضي سراج الدين الأرموي (م ٦٨٩) : «صفات الأئمة تسع :

١ ـ أن يكون مجتهدا في أصول الدين وفروعه ، ٢ ـ أن يكون ذا رأي

__________________

(١) أصول الدين ، لأبي منصور البغدادي ، م ٤٢٩ ، ص ٢٧٧. ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٢) الأحكام السلطانية ، ص ٦.

(٣) الفصل ، ج ٤ ، ص ١٨٦.

١٧

وتدبير ، ٣ ـ أن يكون شجاعا ، ٤ ـ أن يكون عدلا ، ٥ ـ أن يكون عاقلا ، ٦ ـ أن يكون بالغا ، ٧ ـ أن يكون مذكّرا ، ٨ ـ أن يكون حرّا ، ٩ ـ أن يكون قرشيّا» (١).

(٦) وقال التفتازاني (م ٧٩١) : «قد ذكرنا في كتبنا الفقهية أنّه لا بدّ للأمّة من إمام يحيي الشريعة ، ويقيم السنّة ، وينتصف للمظلومين ، ويستوفي الحقوق ، ويضعها مواضعها ، ويشترط أن يكون مكلّفا ، مسلما ، عدلا ، حرّا ، ذكرا مجتهدا ، شجاعا ، ذا رأي وكفاية ، سميعا بصيرا ، ناطقا ، قريشيا ، فإن لم يوجد من قريش من يستجمع هذه الصفات المعتبرة ، ولي كنانيّ ، فإن لم يوجد فرجل من ولد اسماعيل ، فإن لم يوجد فرجل من العجم» (٢).

(٧) وقال الفضل بن روزبهان : «وشروط الإمام أن يكون مجتهدا في الأصول والفروع ليقوم بأمر الدين ، ذا رأي وبصارة بتدبير الحرب ، وترتيب الجيوش ، شجاعا ، قويّ القلب ليقوى على الذّبّ عن الحوزة» (٣).

ويلاحظ على هذه الشروط

أوّلا : إنّ اختلافهم في عدد الشرائط قلّة وكثرة ، ناشئ من افتقادهم النصّ الشرعي في مجال الإمامة واعتقادهم أنّ منصب الإمامة ، ـ مع عظمته ـ لم تنبس فيه النبي الأكرم ببنت شفة ، وإنّما الموجود عندهم نصوص كلية لا تتكفل لتعيين هذه الشروط ، ولا تتكفل لتبيين صيغة الحكومة الإسلامية بعد النبي ، والمصدر لهذه الشروط عندهم هو الاستحسان ، والاعتبارات العقلائية ، وملاحظة الأهداف التي يمارسها الإمام والخليفة بعد النبي الأكرم.

وهذا مما يقضي منه العجب ، وهو أنّ النبي كيف ترك بيان هذا الأمر

__________________

(١) مطالع الأنوار ، ص ٤٧٠.

(٢) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٣) دلائل الصدق ، ج ٢ ، ص ٤.

١٨

المهمّ ، شرطا وصفة ، مع أنّه بيّن أبسط الأشياء وأدناها ، من المكروهات والمستحبات.

وثانيا : إنّ اعتبار العدالة لا ينسجم مع ما ذهبوا إليه من أنّ الإمام لا ينخلع بفسقه وظلمه ، وغيره ممّا نقلناه عنهم.

كما أنّهم جعلوا القهر والاستيلاء ، أحد الأمور التي تنعقد بها الإمامة ـ كما سيأتي ـ وتجعل المستولي والقاهر ولي أمر ، يشمله قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١). ومن المعلوم أنّ القاهر والمستولي بالحرب والنّار ، لا يهمه إلّا السلطة وإعمال القدرة ، سواء اجتمعت فيه هذه الشروط أولا. أفهل يجب إطاعة مثل هذا؟ :

وجوب طاعته لا ينسجم مع اعتبار هذه الشروط ، وعدم وجوب طاعته لا ينسجم مع كون القهر والغلبة من الأمور التي تنعقد بها الإمامة.

وثالثا : إنّ التاريخ الإسلامي يشهد بأنّ الخلفاء بعد عليّ عليه‌السلام ، كانوا يفقدون أكثر هذه الصلاحيات ومع ذلك يمارسون الخلافة.

فهذه صحائف تاريخهم ، من لدن تسنّم معاوية عرش الخلافة ، إلى آخر خلفاء بني مروان ، خضبوا وجه الأرض بدماء الأبرياء ، وقتلوا الصحابة والتابعين ، ونهبوا الديار والأموال ، وقد بلغ جورهم وظلمهم الذروة ، حتى ثارت عليهم الأمّة ، وقتلت صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق منهم إلّا من فرّ إلى الأندلس. وبعدهم تسلّط العباسيون ، باسم حماية أهل البيت ، ولكن حدث ما حدث ، ولم تكن سيرتهم أحسن حالا من سيرة الأمويين ، حتى قال القائل :

يا ليت جور بني مروان دام لنا

وليت عدل بني العبّاس في النار

* * *

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

١٩

الأمر الخامس

بما ذا تنعقد الإمامة عند أهل السنّة؟

قد تعرّفت على عقيدة أهل السنّة في باب الإمامة ، وأنّها عندهم أشبه بسياسة وقتية زمنية ، يقودها الحاكم العادي مع كفاءات ومؤهلات ، تطابق شأنه.

وعلى ذلك يرجع تعيين الإمام إلى نفس الأمّة ، لا إلى الله سبحانه ولا إلى رسوله ، وهم قد اختلفوا فيما تنعقد به الإمامة على أقوال شتّى نأتي ببعضها :

١ ـ قال الأسفرائيني : (ت ٣٤٤ ـ م ٤٠٦) في كتاب الجنايات : «وتنعقد الإمامة بالقهر والاستيلاء ، ولو كان فاسقا أو جاهلا أو عجميا» (١).

٢ ـ قال الماوردي (م ٤٥٠ ه‍) : «اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم ، على مذاهب شتّى. فقالت طائفة : لا تنعقد إلّا بجمهور أهل العقد والحلّ من كل بلد ، ليكون الرضا به عامّا ، والتسليم لإمامته إجماعا ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها ، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى : أقلّ ما تنعقد به منهم الإمامة ، خمسة يجتمعون على عقدها ، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة ، استدلالا بأمرين : أحدهما : أنّ بيعة

__________________

(١) إحقاق الحق ، للسيد التّستري ، ج ٢ ، ص ٣١٧.

٢٠