الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٧
ISBN: 978-964-357-387-4
ISBN الدورة:
978-964-357-388-1

الصفحات: ٥٥٩

وأما الصورة الثانية من الإشكال : فقد عرفت أنها تركز على العدل الإلهي ، وأن كون بدن المؤمن جزء من بدن الكافر يستلزم تعذيب المجرم ، ولكنه مبنى على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن وهي نظرية خاطئة ، فإن اللذائذ والآلام ترجع إلى الروح ، والبدن وسيلة لتعذيبه وتنعيمه.

فصيرورة بدن المسلم جزء من بدن الكافر ، لا يلازم تعذيب المؤمن ، لأنّ المعذّب بتعذيب البدن ، هو روح الكافر ونفسه ، لا روح المؤمن. وهذا نظير أخذ كلية من إنسان حيّ ووصلها بإنسان يعاني من ضعفها وعلّتها ، فإذا نجحت عملية الوصل وصارت الكلية الموصولة ، جزء من بدن المريض ، ثم عذّب هذا المريض ، فالمعذب هو هو ، ولو نعّم ، فالمنعّم هو هو ، ولا صلة بينه وبين من وهب كليته وأهداها إليه.

وقد عرفت في كلام صدر المتألهين ما يفيدك في المقام.

* * *

٤٠١

أسئلة المعاد

(٦) مكان بعث النفوس وحشرها

أثبتت البحوث الجيولوجية والتنقيبات الأثرية أنّ الإنسان يعيش في هذا الكوكب منذ أكثر من مليوني سنة ، ويستدل على ذلك بالمستندات الحفرية التي تؤلف سجلات الخليقة. فعندئذ يطرح هذا السؤال : هل يكفي سطح الأرض لاستقرار جميع الخلائق التي لا يحصي عددها إلا خالقها ، في يوم واحد ، كما هو صريح قوله سبحانه : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) (١) ، مع أنّ مساحة الأرض لا تتجاوز (٧١٥ ، ٩٥٠ ، ٥٠٩) كيلومتر مربع؟

والجواب :

إنّ السؤال مبني على حفظ النظام يوم القيامة ، مع أنّ صريح الآيات على تبدّل النظام ، وحدوث نظام أوسع وأكبر ، وقد عرفت أنّ الدنيا ميكا الحرارية تثبت اتجاه المواد الكونية إلى الفناء بمرور الزمن ، فلا تقوم القيامة على صعيد هذا النظام. والآيات في هذا المجال كثيرة.

يقول سبحانه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٢).

__________________

(١) سورة المرسلات : الآية ٣٨.

(٢) سورة إبراهيم : الآية ٤٨.

٤٠٢

والذكر الحكيم يصرح بأنّ الشمس والقمر يجريان إلى أجل مسمى. يقول سبحانه : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) (١) ، بل جميع العوالم المحسوسة من الأرض والسموات ، كلّها تجري إلى أجل مسمى ، يقول سبحانه : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ، ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٢).

والآيات التي ننقلها في كيفيّة حدوث القيامة ، تكشف عن تدمير النظام بأسره ، وانقلابه إلى نظام آخر ، يقول سبحانه : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) (٣). ويقول سبحانه : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً* وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) (٤). وغير ذلك مما سيوافيك بيانه.

فالنّاس يحشرون على صعيد واحد ، في يوم واحد ، لكن في نظام آخر ، عظيم هائل يسع لجمع جميع العباد ، ومحاسبتهم فيه.

* * *

__________________

(١) سورة الرعد : الآية ٢.

(٢) سورة الروم : الآية ٨. ونظيره الأحقاف : ٣.

(٣) سورة الواقعة : الآيتان ٤ و ٥.

(٤) سورة الطور : الآيتان ٩ و ١٠.

٤٠٣

أسئلة المعاد

(٧) كيف يخلد الإنسان ، مع أنّ المادة تفنى؟

دلّت الآيات والروايات على خلود الإنسان في الآخرة ، إما في جنتها ونعيمها ، أو في جحيمها وعذابها ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر ، دلت القوانين العلمية على أنّ المادة ، حسب تفجر طاقاتها ، على مدى أزمنة طويلة ، تبلغ إلى حد تنفذ طاقتها فلا يمكن أن يكون للجنة والنار بقاء ، كما لا يكون للإنسان خلود كذلك ، لأنّ مكونات الكون تفقد حرارتها تدريجيا ، وتصير الأجسام على درجة بالغة الانخفاض (١) ، وبالتالي تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة.

الجواب

إنّ السؤال ناش من مقايسة الآخرة بالدنيا ، وهو خطأ فادح ، لأنّ التجارب العلمية لا تتجاوز نتائجها المادة الدنيوية. وإسراء حكم هذا العالم إلى العالم الآخر ، وإن كان ماديا وعنصريا مثلها ، قياس لا دليل عليه. كيف ، وقد تعلقت قدرتها سبحانه على إخلاد الجنة والنار ، وله إفاضة الطاقة ، إفاضة بعد إفاضة ، على العالم الأخروي بجحيمه وجنته ، ومؤمنه وكافره. ويعرب عن ذلك

__________________

(١) هي درجة الصفر المطلق البالغة (٢٦٩) درجة مئوية تحت الصفر ، وهي درجة سيلان غاز الهيليوم.

٤٠٤

قوله سبحانه : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (١)

ويعزز ذلك ما جاء في آخر الآية من الاتكاء على كونه عزيزا ، فإنّ معناه : مقتدرا على إمداد المادة. فلأجل ذلك لو كانت الحركة والعمل مفنيين لطاقات المادة الدنيوية ، فليسا كذلك في المادة الأخروية ، لدعمها بطاقات جديدة ، فلو نضج جلد يأتي مكانه جلد آخر ، وهكذا.

وهذا السؤال من أوضح موارد قياس الغيب على الحس أوّلا ، وعدم التعرف على قدرته سبحانه ثانيا ، يقول تعالى :

(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٢).

* * *

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٦.

(٢) سورة الحج : الآية ٧٤.

٤٠٥

أسئلة المعاد

(٨) ما هو الغرض من عقاب المجرم أو تنعيم المحسن؟

إنّ الحكيم لا يعاقب إلا لغاية وغاية العقوبة إما التشفي كما في قصاص المجرم ، وهو محال على الله ، أو إيجاد الاعتبار في غير المعاقب ، أو تأديب المجرم ، وكلاهما يتحققان في النشأة الدنيوية لا الأخروية ، فيكون تعذيب المجرم في الآخرة عبثا لا غاية فيه.

بل ربما يقال إنّ تنعيم المؤمن أيضا بلا وجه ، لأن اللذة الجسمانية لا حقيقة لها وإنما هي دفع الألم ، فلو ترك الميت على حاله ولم يعد ، لم يكن متألما. فالغرض حاصل بدون الإعادة ، فلا فائدة فيها (١).

الجواب

إنّ السائل قد فرض أنّ المعاد أمر ممكن في ذاته ولم يدل دليل على ضرورة وقوعه ، فسأل عن الغاية الموجبة له ، ولكنه لو وقف على ما ذكرنا من الأدلة التي تحتم المعاد ، وتجعل وجوده ضروريا ، لترك السؤال. فقد عرفت أنّ هناك وجوها ستة تعرّف المعاد أمرا ضروريا لا مناص عنه ، منها كون المعاد مجلّى للعدل الإلهي ، فإذا كان وجود المعاد ، أمرا ضروريا ، فالسؤال عن غاية وهدف

__________________

(١) لاحظ شرح المواقف ، ج ٨ ، ص ٢٩٦ ، والجزء الأول من كتابنا هذا ، وقد جاء السؤال فيه أبسط مما ذكر هنا.

٤٠٦

أمر ضروري الوقوع ، ساقط. وذلك لأن بين تلك الأدلة التي توجب ضرورة المعاد ، عللا غائية ، كتجلّي عدله سبحانه في المعاد ، أو كمال الإنسان ، ومعها لا معنى للسؤال عن غاية المعاد.

ومن العجب أنّ السائل يجعل اللذة الجسمانية شيئا لا حقيقة له ، وأنها ما هي إلا دفع الألم. ولا أظن أنّه نفسه يقدر على تطبيقه على جميع موارد اللذة ، فهل في اللذة الجسمانية الحاصلة من التأمل في روضة غنّاء ، دفعا للألم ، بحيث لو لاه لكان غارقا في الآلام والأوجاع ، أو أنها لذة واقعية مناسبة للنفس في مقامها المادي ، وقس على ذلك غيره.

وهناك جوابان آخران تقدّما في الجزء الأول عند البحث عن ثمرات التحسين والتقبيح العقليين ، فلا نعيدهما (١).

* * *

__________________

(١) لاحظ الإلهيات ، ج ١ ص ٢٩٣ ـ ٣٠٠.

٤٠٧

أسئلة المعاد

(٩) من هم المخلدون في النار؟

اختلفت كلمة المتكلمين في المخلّدين في النار ، فذهب جمهور المسلمين إلى أن الخلود يختص بالكافر ، دون المسلم وإن كان فاسقا. وذهبت الخوارج والمعتزلة إلى خلود مرتكب الكبائر في النار إذا مات بلا توبة.

قال الشيخ المفيد : «اتفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصّة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة» (١).

وقال في شرح عقائد الصدوق : «أما النار فهي دار من جهل الله سبحانه ، وقد يدخلها بعض من عرفه ، بمعصية الله ، غير أنه لا يخلد فيها بل يخرج منها إلى النعيم المقيم ، وليس يخلد فيها إلا الكافرون» .... إلى أن قال : «وكل آية تتضمن ذكر الخلود في النار فإنما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى ، بدلائل العقول والكتاب المسطور ، والخبر الظاهر المشهور (٢) ، والإجماع ، والرأي السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد» (٣).

__________________

(١) أوائل المقالات ، ص ١٤.

(٢) يريد من الخبر ، ما تضافر عن النبي من أنه قال : إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي. راجع البحار ، ج ٨ ، ص ٣٥١.

(٣) شرح عقائد الصدوق ، ص ٥٥.

٤٠٨

وقال العلامة الحلّي : «أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع ، وأما أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على أنه كذلك. وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع» (١).

واستدل القائلون بالانقطاع بآيات ، منها قوله سبحانه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٢) ، والإيمان أعظم أفعال الخير. فإذا استحق العقاب بالمعصية ، فإما أن يقدّم الثواب على العقاب ، فهو باطل بالإجماع ، لأن الإثابة لا تكون إلا بدخول الجنة ، والداخل فيها مخلّد لا يخرج منها أبدا ، فلا يبقى مجال لعقوبته ، أو بالعكس وهو المراد.

أضف إلى ذلك أنّه يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ، ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة ، مع حفظ إيمانه ، مخلدا في النار ، ويكون نظير من أشرك بالله تعالى مدة عمره ، وهذا عند العقل قبيح ومحال (٣).

واستدلت المعتزلة على خلود الفاسق في النار ، بالسمع وهو عدة آيات ، استظهرت من إطلاقها أن الخلود يعم الكافر والمنافق والفاسق. وإليك هذه الآيات واحدة بعد الأخرى.

الآية الأولى ـ قوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (٤). ولا شكّ أن الفاسق ممن عصى الله ورسوله بترك الفرائض وارتكاب المعاصي.

يلاحظ عليه : أولا ـ إن دلالة الآية على خلود الفاسق في النار لا يتجاوز حد الإطلاق ، والمطلق قابل للتقييد. وقد خرج عن هذه الآية باتفاق المسلمين

__________________

(١) كشف المراد ، ص ٢٦١ ، ط صيدا.

(٢) سورة الزلزلة : الآية ٧.

(٣) لاحظ كشف المراد ، ص ١٦١ ، ط صيدا.

(٤) سورة النساء : الآية ١٤. وأما قوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (الجن : الآية ٢٣) فهو راجع إلى الكفار ، كما هو واضح لمن لاحظ آيات السورة.

٤٠٩

الفاسق التائب ، فلو دلّ دليل هنا على أنّ المسلم الفاسق ربما تشمله عناية الله ورحمته ، ويخرج عن العذاب ، لكان المطلق مقيدا بقيد آخر وراء التائب ، فيبقى تحت الآية المشرك والمنافق.

وثانيا : إن الموضوع في الآية ليس مطلق العصيان ، بل العصيان المنضم إليه تعدّي حدود الله ومن المحتمل جدا أن يكون المراد من التعدّي هو رفض أحكامه سبحانه ، وطردها ، وعدم قبولها. كيف ، وقد وردت الآية بعد بيان أحكام الفرائض.

يقول سبحانه : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...) (١).

ويقول سبحانه : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ..) (٢).

ثم يقول سبحانه : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ....) (٣).

ويقول : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ...) (٤).

وقوله : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ، وإن لم يكن ظاهرا في رفض التشريع ، لكنه يحتمله. بل ليس الحمل عليه بعيدا بشهادة الآيات الأخر الدالة على شمول غفرانه لكل ذنب دون الشرك ، أو شمول رحمته للناس على ظلمهم وغير ذلك من الآيات الواردة في حق الإنسان غير التائب كما سيوافيك.

يقول الطبرسي : «إنّ قوله : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ، ظاهر في تعدّي جميع حدود الله ، وهذه صفة الكفار ، ولأنّ صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج عن عموم الآية وإن كان فاعلا للمعصية ، ومتعديا حدّا من حدود الله ، وإذا جاز إخراجه بدليل ، جاز لغيره أن يخرج من عمومها ، كمن يشفع له النبي أو يتفضّل

__________________

(١) سورة النساء : الآية ١١.

(٢) سورة النساء : الآية ١٢.

(٣) سورة النساء : الآية ١٣.

(٤) سورة النساء : الآية ١٤.

٤١٠

الله عليه بالعفو ، بدليل آخر ، وأيضا فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية ، لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة ، وكذلك يجب إخراج من يتفضّل الله بإسقاط عقابه ، منها ، لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضّل بالعفو» (١).

الآية الثانية : قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٢).

قال القاضي : وجه الاستدلال هو أنه تعالى بيّن أنّ من قتل مؤمنا عمدا جازاه ، وعاقبه وغضب عليه ، ولعنه (وأخلده في جهنم) (٣).

يلاحظ عليه : أولا ـ إن دلالة الآية دلالة إطلاقية ، فكما خرج منها القاتل المشرك إذا أسلم ، والمسلم القاتل إذا تاب ، فليكن كذلك من مات بلا توبة ولكن اقتضت الحكمة الإلهية ، أن يتفضّل عليه بالعفو ، فليس التخصيص أمرا مشكلا.

وثانيا : إنّ من المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن ، أو قتله لإيمانه ، وهذا غير بعيد لمن لاحظ سياق الآيات.

لاحظ قوله سبحانه : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ، كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (٤).

ثم ذكر سبحانه بعد هذه الآية حكم قتل المؤمن خطأ وتعمدا. وفي ضوء هذا يمكن أن يستظهر أنّ الآية ناظرة إلى القتل العمدي ، الذي يقوم به القاتل لعداء ديني لا غير ، فيكون ناظرا إلى غير المسلم.

الآية الثالثة : قوله سبحانه : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٢٠ ، طبعة صيدا.

(٢) سورة النساء : الآية ٩٣.

(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٥٩.

(٤) سورة النساء : الآية ٩١.

٤١١

فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

والاستدلال بهذه الآية إنما يصح مع غضّ النظر عن سياقها ، وأما معه فإنها واردة في حق اليهود.

أضف إليه أنّ قوله سبحانه : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) ، لا يهدف إلا إلى الكافر ، فإنّ المسلم المؤمن مهما كان عاصيا لا تحيط به خطيئته ، فإنّ في قلبه نقاط بيضاء يشع عليها إيمانه واعتقاده بالله سبحانه وأنبيائه وكتبه. على أن دلالة الآية بالإطلاق ، فلو ثبت ما يقوله جمهرة المسلمين ، يخرج الفاسق من الآية بالدليل.

الآية الرابعة : قوله سبحانه : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ* وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٢)

إن دلالة الآية إطلاقية ، قابلة للتقييد ، أوّلا. وسياق الآية في حق الكفار ، بشهادة قوله سبحانه قبل هذه الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ* ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (٣) ، ثم يقول : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ). ف (الْمُجْرِمِينَ) ، في مقابل (الَّذِينَ آمَنُوا) ، فلا يعم المسلم ، ثانيا.

هذه هي الآيات التي استدلت بها المعتزلة على تخليد الفاسق في النار ، وقد عرفت أن دلالتها بالإطلاق لا بالصراحة. وتقييد المطلق أمر سهل مثل تخصيص العام. مضافا إلى انصراف أكثرها أو جميعها إلى الكافر والمنافق.

وهناك آيات أظهر مما سبق (٤) تدل على شمول الرحمة الإلهية للفساق غير التائبين نكتفي باثنتين منها :

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٨١.

(٢) سورة الزخرف : الآيات ٧٤ ـ ٧٦.

(٣) سورة الزخرف : الآيتان ٦٩ و ٧٠.

(٤) كما تدل هذه الآيات على عدم الخلود في النار ، تدل على جواز العفو عن الفاسق من بدء الأمر ، وأنه يعفى عنه ولا يعذب من رأس ، فهذا الصنف من الآيات كما يحتج به في هذه مسألة ، يحتج به في المسألة السالفة أيضا فلاحظ.

٤١٢

١ ـ قوله سبحانه : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (١).

قال الشريف المرتضى : «في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة لأنه سبحانه دلّنا على أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين ، لأن قوله (عَلى ظُلْمِهِمْ) (جملة حالية) ، إشارة إلى الحال التي يكونون عليها ظالمين ، ويجري ذلك مجرى قول القائل : أنا أودّ فلانا على غدره ، وأصله على هجره» (٢).

وقد قرر القاضي دلالة الآية وأجاب عنها بأن الأخذ بظاهر الآية مما لا يجوز بالاتفاق ، لأنّه يقتضي الإغراء على الظلم ، وذلك ممّا لا يجوز على الله تعالى ، فلا بد من أن يؤوّل ، وتأويله هو أنه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب (٣).

يلاحظ عليه : إنّ ما ذكره من الإشكال ، جار في صورة التوبة أيضا ، فإن الوعد بالمغفرة مع التوبة يوجب تمادي العاصي في المعصية ، برجاء أنه يتوب. فلو كان القول بعدم خلود المؤمن موجبا للإغراء ، فليكن الوعد بالغفران مع التوبة كذلك.

والذي يدل على أن الحكم عام للتائب وغيره هو التعبير بلفظ «الناس» مكان «المؤمنين» فلو كان المراد هو التائب ، لكان المناسب أن يقول سبحانه : «وإنّ ربّك لذو مغفرة للمؤمنين على ظلمهم» ، مكان قوله : «للناس». وهذا يدل على أن الحكم عام يعم التائب وغيره.

إن هذه الآية تعد الناس بالمغفرة ، ولا تذكر حدودها وشرائطها فلا يصح عند العقل الاعتماد على هذا الوعد وارتكاب الكبائر ، فإنه وعد إجمالي غير مبين من حيث الشروط والقيود.

٢ ـ قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ

__________________

(١) سورة الرعد : الآية ٦.

(٢) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٢٧٨.

(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٨٤.

٤١٣

يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (١).

وجه الاستدلال بهذه الآية على أن رحمته تشمل غير التائب من الذنوب ، أنه سبحانه نفى غفران الشرك دون غيره من الذنوب. وبما أن الشرك يغفر مع التوبة ، فتكون الجملتان ناظرتين إلى غير التائب. فمعنى قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، أنّه لا يغفر إذا مات من أشرك بلا توبة. كما أن معنى قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، أنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين ، ولو كانت سائر الذنوب ، مثل الشرك ، غير مغفورة إلا بالتوبة ، لما حسن التفصيل بينهما ، مع وضوح الآية في التفصيل (٢).

وقد أوضح القاضي دلالة الآية على ما يتبناه الجمهور بوجه رائع ، ولكنه ـ تأثرا بعقيدته الخاصة في الفاسق ـ قال : «إنّ الآية مجملة مفتقرة إلى البيان ، لأنّه قال : «ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» ، ولم يبين من الذي يغفر له. فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر ، واحتمل أن يكون المراد أصحاب الكبائر ، فسقط احتجاجهم بالآية»(٣).

أقول : عزب عن القاضي أن الآية مطلقة ، تعم كلا القسمين ، فأيّ إجمال في الآية حتى نتوقف. والعجب أنه يتمسك بإطلاق الطائفة الأولى من الآيات ، ولكنه يتوقف في إطلاق هذا الصنف.

نعم ، دفعا للإغراء ، وقطعا لعذر الجاهل ، قيّد سبحانه غفرانه بقوله : (لِمَنْ يَشاءُ) ، حتى يصد العبد عن الارتماء في أحضان المعصية بحجة أنه سبحانه وعده بالمغفرة.

ثم إنّ القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي ، تبع القاضي في تحديد مداليل هذه الآيات وقال : «آيات الوعيد لا إجمال فيها ، وهذه الآيات ونحوها مجملة ، فيجب حملها على قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٤٨.

(٢) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥٧ بتلخيص.

(٣) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٧٨.

٤١٤

صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (١).» ثم ساق بعض الآيات الواردة في غفران العباد في مجال التوبة (٢).

ويظهر النظر في كلامه مما قدمناه في نقد كلام القاضي فلا نعيد.

هذا ، والبحث أشبه بالبحث التفسيري منه بالكلامي ، ومن أراد الاستقصاء في هذا المجال فعليه بجمع الآيات الواردة حول الذنوب والغفران حتى يتضح الحال فيها ، ويتخذ موضعا حاسما بإزاء اختلافاتها الأوليّة.

* * *

__________________

(١) سورة طه : الآية ٨٢.

(٢) الأساس لعقائد الأكياس ، ص ١٩٨.

٤١٥

أسئلة المعاد

(١٠) هل يجوز العفو عن المسيء؟

هل يجوز العفو عن العصاة في الآخرة أولا؟ وهل في الحكم بجواز العفو ، إغراء للعصاة على إدامة العصيان ، أولا؟ أوليس العفو عن العاصي ، خلفا للوعيد ، وهو قبيح؟

الجواب

إنّ التعذيب حق للمولى سبحانه وله إسقاط حقّه ، وهو إحسان منه سبحانه على العبد : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١) ، فلا مانع ، إذا اقتضت الحكمة ، من العفو عن العاصي في ظروف خاصة ، إما بالشفاعة ، أو بدونها.

وقد خالف معتزلة بغداد في ذلك ، فلم يجوزوا العفو عن العصاة عقلا ، واستدلوا على ذلك بوجهين :

الوجه الأوّل ـ إنّ العقاب لطف من الله تعالى ، واللطف يجب أن يكون مفعولا بالمكلف على أبلغ الوجوه ، ولن يكون كذلك إلا والعقاب واجب على الله تعالى. ومن المعلوم أنّ المكلف متى علم أنّه يفعل به ما يستحقه من العقوبة على كل وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر (٢).

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩١.

(٢) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٤٦.

٤١٦

يلاحظ عليه : إنّ اللطف عبارة عما يقرب الإنسان من الطاعة ، ويبعده عن المعصية ، وهذا لا يتصور إلا في دار التكليف لا دار الجزاء ، فالدار الأولى ، دار العمل والسعي ، والآخرة دار الحساب والاجتناء.

وأما ما ذكروه أخيرا من أنه لو علم أنّه يفعل ما يستحقه من العقوبة على كل وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر ، فهو لم تم ، لوجب سد باب التوبة ، لإمكان أن يقال إن المكلّف لو علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية.

أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثارا بنّاءة في حياة الإنسان ، ولليأس آثارا سلبية في الإدامة على الموبقات ، ولأجل ذلك جاء الذكر الحكيم ، بالترغيب والترهيب معا.

ثم إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته ، والأثر السلبي ـ لو سلّمناه ـ يترتب على الثاني دون الأول.

الوجه الثاني ـ أنّ الله أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب ، للزم الخلف في وعيده ، والكذب في خبره (١) ، وهما محالان (٢).

الجواب : إنّ الخلف في الوعد قبيح ، وليس كذلك في الوعيد ، والدليل على ذلك أنّ كل عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصة ، فلو كان العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحا ، لوجب أن يكون كذلك عند كل عاقل. ولعل الوجه في عدم كونه قبيحا هو أنّ الوعيد حق ، والعفو إسقاط ، ومثل ذلك يعد مستحسنا لا قبيحا ، إذا وقع العفو في موقعه ، ولأجل ذلك يقول الشيخ الصدوق : اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أنّ من وعده الله على عمل ثوابا ، فهو منجزه ، ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن عذّبه فبعدله وإن عفا عنه

__________________

(١) أخطأ المستدل في هذا ، فإن الوعد إنشاء وليس بإخبار حتى يلزم فيه الكذب.

(٢) شرح العقائد العضدية ، لجلال الدين الدواني (م ٩٠٨) ، ج ٢ ، ص ١٩٤.

٤١٧

فبفضله ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) ، (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) (٢). (٣)

هذا كله حول العفو عن الوعيد عقلا. وأما سمعا ، أي حسب الأدلة النقلية فسيوافيك الكلام فيه عند البحث عن عدم خلود غير الكافر في النار.

* * *

__________________

(١) سورة فصلت : الآية ٤٦.

(٢) سورة النساء : الآية ٤٨.

(٣) عقائد الصدوق ، ص ٨٦ من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.

٤١٨

أسئلة المعاد

(١١) هل الجنة والنار مخلوقتان؟

إنّ الله سبحانه وعد المتقين بالجنة وأوعد العاصين بالنار ، فهل هما مخلوقتان الآن ، أم لا؟.

الجواب : ذهبت المعتزلة ـ غير أبي على الجبّائي ـ والخوارج وطائفة من الزيدية ، إلى الثاني وذهبت الإمامية والأشاعرة إلى أنّهما مخلوقتان.

قال الشيخ المفيد : «إنّ الجنة والنّار في هذا الوقت مخلوقتان وبذلك جاءت الأخبار ، وعليه إجماع أهل الشرع والآثار» (١).

وقال التفتازاني : «جمهور المسلمين على أنّ الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا لأبي هاشم والقاضي عبد الجبار ، ومن يجري مجراهما من المعتزلة حيث زعموا أنّهما إنّما يخلقان يوم الجزاء» (٢).

والظاهر من السيد الرضي ، أنّهما غير مخلوقتين الآن ، قال : والصحيح أنّهما تخلقان بعد» (٣).

__________________

(١) أوائل المقالات ، ص ١٠٢.

(٢) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ولاحظ شرح التجريد للقوشجي ، ص ٥٠٧ ، والعبارتان متحدتان.

(٣) حقائق التأويل ، ص ٢٤٥.

٤١٩

أدلة القائلين بخلقهما

أستدل على كون الجنة والنار مخلوقتان ، بوجوه :

الوجه الأول : قصة آدم وحواء ، وإسكانهما الجنة ، وأكلهما من الشجرة ، وخصفهما عليهما من ورق الجنة ، ثم إخراجهما منها ، على ما نطق به الكتاب والسنة ، وانعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين. وحملهما على بستان من بساتين الدنيا ، ليس عليه دليل (١).

يلاحظ عليه : إنّ حمله على غير جنة الخلد التي هي قرار المآب وجنة الثواب ، ليس أمرا بعيدا ، والجنة في أصل اللغة يعبر بها عن الرياض ، والمنابت ، والأشجار ، والحدائق ، والكروم المعروشة ، والنخيل.

وعلى هذا قوله سبحانه : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) (٢). وقوله سبحانه : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (٣).

ويمكن أن يؤيّد ذلك بأنه لو كانت جنّة الخلد ، لما خرج منها ، قال سبحانه : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤).

وهذا ، وإن كان يمكن حمله على من دخلها بعد دار الدنيا ، وهو غير متحقق في آدم ، ولكنه احتمال في مقابل احتمال. وكما لا يمكن الاحتجاج على كونهما مخلوقين بما ورد في جنة آدم ، كذلك لا يمكن الاحتجاج عليه بما ورد من كون الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون (٥) ، أو بما ورد من أنّ آل فرعون يعرضون على

__________________

(١) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢١٨.

(٢) سورة الكهف : الآية ٣٩.

(٣) سورة سبأ : الآية ١٥.

(٤) سورة المؤمنين : الآيتان ١٠ و ١١.

(٥) سورة آل عمران : الآية ١٦٩.

٤٢٠