الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٧
ISBN: 978-964-357-387-4
ISBN الدورة:
978-964-357-388-1

الصفحات: ٥٥٩

وبذلك يعلم أنّ التقية مشروعة ، ولكن لها حدود ولها أحكام ، فكما أنّها تجب ، فربما تحرم ، والتفصيل موكول إلى محله (١).

٣ ـ وجوبهما عيني أو كفائي؟

الظاهر ، كما هو المعروف ، كون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفائيا ، لأنّ الغرض شرعا هو وقوع المعروف وارتفاع المنكر ، من غير اعتبار مباشر معين ، وهذا آية كون الوجوب كفائيا ، فإذا حصلا ، ارتفع الوجوب.

والاستدلال على وجوبهما عينا بالعمومات ، مثل قوله سبحانه : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢) ، غير كاف ، لأنّ الواجب الكفائي ، يشترك مع الواجب العيني في كون الشيء واجبا على العموم ، إلا أنه يسقط بفعل واحد من المكلفين ، بخلاف العيني. فتوجه الخطاب إلى العموم ، مشترك بين العيني والكفائي.

٤ ـ مراتبهما

إنّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب تبتدئ بالقلب فاللسان فاليد ، وتنتهي بإجراء الحدود والتعزيرات والجهاد.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «فأنكروا بقلوبكم ، والفظوا بألسنتكم ، وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم» (٣).

وبهذا يصبح الأمر بالمعروف على قسمين : قسم لا يحتاج إلى جهاز وقدرة ، وهذا ما يرجع إلى عامة الناس ، وهو كالإنكار بالقلب ، والتذكير أو النهي باللفظ. وقسم يحتاج إلى الجهاز والقوة ، ويتوقف على صدور الحكم من المحاكم

__________________

(١) لاحظ رسالة الأستاذ الفقهية في التقية ، فقد أثبت أنّ التقية ربما تحرم إذا كان الفساد في تركها أوسع وسيوافيك بحث التقية في الخاتمة.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١١٠.

(٣) الوسائل ، ج ١١ ، كتاب الجهاد ، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف ، الحديث ٢.

٣٨١

القضائية وهذا يرجع إجراؤه إلى السلطة التنفيذية القائمة في الدولة الإسلامية بأركانها الثلاثة(١).

هذا ، وقد كان على القاضي أن يؤاخذ الحنابلة والأشاعرة ، حيث إنهم لا يرون الخروج على أئمة الجور ، ويرون إطاعتهم واجبة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وقد تقدّم نقل نبذ من نصوصهم في ذلك.

* * *

__________________

(١) لاحظ جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٣.

٣٨٢

* أسئلة حول المعاد

١ ـ نشور الإنسان دفعي أو تدريجي؟.

٢ ـ ما هو المحشور من الأبدان المتعددة؟.

٣ ـ هل المعاد إعادة للمعدوم؟.

٤ ـ شبهة عدم كفاية المواد الأرضية.

٥ ـ شبهة الآكل والمأكول.

٦ ـ مكان بعث النفوس وحشرها.

٧ ـ كيف يخلد الإنسان مع أنّ المادة تفنى؟.

٨ ـ ما هو الغرض من عقاب المجرم وتنعيم المسيء؟.

٩ ـ من هم المخلّدون في النار؟.

١٠ ـ هل يجوز العفو عن المسيء؟.

١١ ـ هل الجنّة والنار مخلوقتان؟.

٣٨٣
٣٨٤

أسئلة المعاد

(١) نشور الإنسان دفعي أو تدريجي؟

إن تكامل الإنسان من خلية إلى أن يصير بدنا متكاملا ، رهن تفاعلات تدريجية ، معلومة لكلّ منّا ، فهل عود الإنسان إلى الحياة من جديد رهن هذا الناموس التدريجي أولا؟

الجواب

كل من أراد تفسير المعاد من هذا الطريق ، يريد إخضاع المسائل الغيبية ، للقوانين الطبيعية المحسوسة ، ولكن السمع يرد هذا الفرض ، ويعرّف المعاد بأنّه يحصل دفعة ، والآيات في هذا المجال متعددة ، منها قوله سبحانه :

(ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (١).

والآية ظاهرة في أنّ الدعوة تكوينية متعلقة بإعادة خلق الإنسان من جديد ، وأن تلك الدعوة التكوينية الملازمة لخلق الإنسان ، مقارنة لخروجه ، فالدعوة والخروج يتحققان في زمن واحد.

ويؤيد ذلك الآيات الكثيرة التي تصرح بأن القيامة ، تحدث بغتة وفجأة وهم لا يشعرون ، كقوله سبحانه :

__________________

(١) سورة الروم : الآية ٢٥.

٣٨٥

(حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) (١).

وهذه الآية وإن كانت واردة في الموجودين زمن حدوث القيامة ، ولكن لو كان تكوّن الأموات تحت التراب أمرا تدريجيا ، لعلم به الأحياء قبيل حصول القيامة ، لفحصهم الدائم في الأرض.

* * *

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ٣١ ، ولاحظ في ذلك الأعراف : الآية ١٨٧ ، الأنبياء : ٤٠ ، الحج : ٥٥ ، الشعراء : ٢٠٢ ، العنكبوت : ٥٣ ، الزمر : ٥٥ ، الزخرف : ٦٦ ، محمد : ١٨ ، والكلّ يدل على أنّ تكوّن الإنسان عند بعثه ، يحصل دفعة واحدة.

٣٨٦

أسئلة المعاد

(٢) ما هو المحشور من الأبدان المتعددة؟

أثبت العلم أنّ بدن الإنسان وخلاياه في مهب التغيّر والتبدل ، وأنّه يأخذ لنفسه في كل عشرة أعوام بدنا ، فلو عاش إنسان ثمانين سنة ، فإنّه سيكون له ثمانية أبدان ، ومن المعلوم أنّ الإطاعة والعصيان يقعان في جميع فترات عمر الإنسان ، والجزاء والثواب على مجموع الأعمال.

وعندئذ يتساءل ، هل المحشور جميع أطوار بدن الإنسان الواحد ، فهو غير معقول ، أو واحد من هذه الأبدان ، وهو يستلزم نقض قانون الجزاء والثواب ، وأن يكون بدن واحد حاملا لأوزار الأبدان الأخر.

والجواب :

إنّ هذا السؤال نابع من إنكار الروح والاعتقاد بأصالة المادة وأمّا على ما ذكرنا من أنّ البدن ليس إلّا أداة لتنعيم الإنسان وتعذيبه ، وأن الأمور الروحية من الفرح والحزن واللذة والألم ، كلها أمور مربوطة بالروح ، ويتوصل إليها الروح بالبدن والأجهزة الظاهرية ، فالنعمة الملذة ، إنما يصل إليها الإنسان من طريق الجهاز السمعي ، فإنه آلة ، والملتذ هو الروح ، والمناظر الخلابة إنما تصل إليها النفس عن طريق العين ، وهكذا سائر اللذات ، والآلام الروحية ، وعلى ذلك فالحافظ للعدالة هو أن ترد اللذة والألم على روح واحدة ، من غير فرق بين الأبدان.

٣٨٧

وهذا نظير تعذيب بعض المجرمين بإكسائهم ثوبا ليمسهم العذاب من طريقه ، فالمضروب ظاهرا هو اللباس ، ولكن المتألم هو الإنسان.

وبعبارة أخرى ، إن الروح هي الرابط الوثيق بين جميع الأبدان ، فهي تضفي عليها جميعها وصف الوحدة ، وتعرّفها جميعها بأنها فلان بن فلان ، من دون أن يضر اختلافها في الهيئة والشكل والحجم بوحدة الإنسان ، هذا.

وربما يتخيّل أنّ المعاد هو البدن الأخير ، الذي هو عصارة جميع الأبدان الماضية ، والجامع لعامة خصوصياتها.

ولكن ، غير خفيّ أنّ هذا الأصل المزعوم (وهو كون البدن الأخير ، عصارة الأبدان المتقدمة) ، مما لا أصل له ، لأنّ الأبدان في الفترات المتوسطة من العمر ، لها من القوة والنشاط ما تفقده الأبدان الواقعة في العقود الأخيرة من العمر.

أضف إلى ذلك أن الجواب مبني على إعطاء الأصالة للمادة ، وزعم أنّ الإنسان هو نفس الجلود واللحوم والعظام وأن البدن الأخير عصارة كلّ ما تقدّم.

نعم ، ربما يستظهر من قوله سبحانه : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (١) ، أنّ المعاد هو البدن الأخير ، ولكنّ الاستظهار في غير محله فإنّ الآية كناية عن خروج الناس من التراب للحساب والجزاء نظير قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٢). وأما كون الخارج هو البدن الأخير فليست الآية بصدد بيانه.

والشاهد على ذلك أنّ من الناس من يخطفه الطير ، أو تفترسه السباع ، أو يحيط به الموج فتأكله حيتان البحر ، أو تصيبه نار فتحرقه ، والآية تعم هذه الأصناف أيضا ، مع أنهم لم يقبروا في الأجداث.

* * *

__________________

(١) سورة يس : الآية ٥١.

(٢) سورة طه : الآية ٥٥.

٣٨٨

أسئلة المعاد

(٣) هل المعاد إعادة للمعدوم؟

إذا كان الموت إفناء للإنسان أو لبعضه ، فكيف يمكن إعادة ما بطل وانعدم؟ فإنه لا يكون إلا خلقا جديدا لا إعادة له خصوصا إذا لم يكن بين المبتدأ والمعاد رابطة وصلة.

والجواب :

إنّ هذا السؤال نابع ممّا يزعمه السذج من الناس من أنّ الموت إعدام لجثة الإنسان وبدنه نظير إحراق الحطب ، فإنّ قسما منه يتبدل إلى الدخان وينعدم ، ولا يبقى منه إلا شيء ضئيل نسميه بالرماد ، فلو كان الموت بهذا المعنى فيكون المعاد إعادة للإنسان المعدوم.

ولكن قانون بقاء المادة ، يبطل هذا الزعم ، فإنّه ينص على أنّ المادة لا تنعدم ، بل تتحول من صورة إلى صورة أخرى (١).

وعلى ضوء هذا ، فالتفاعلات الحاصلة في المادة الحيّة ، أو غير الحية ، لا تنقص من وزن المادة شيئا ، فالعالم من حيث الوزن ثابت ، وإنّما الاختلاف في الصور والأنواع ، وهذا القانون دعم دعوة الأنبياء بأنّ البشر خلقوا للبقاء لا

__________________

(١) وهو قانون لاوازييه ، (١٧٤٣ ـ ١٧٩٤).

٣٨٩

للفناء ، كما دفع توهم كون الموت إعدام لقسم من مادة البشر ، وأثبت أنّ هناك مادة واحدة ثابتة في مهب التفاعلات الفيزيائية والكيميائية والحيوية ، وإنما التغير في الصور الطارئة عليها.

نعم ، سبقه علماء الإسلام ، في تأسيس هذا الأصل لكن بصورة أوسع ، وهو أنّ الوجود لا يتطرق إليه العدم.

* * *

٣٩٠

أسئلة المعاد

(٤) شبهة عدم كفاية الموادّ الأرضية لإحياء الناس

قد كشفت التنقيبات الجيولوجية والأتربة على أن الإنسان يعيش في هذا الكوكب منذ قرابة مليوني سنة ، وعلى هذا فلو كان المعاد عاما لجميع الناس ، الذين عاشوا على هذه الكرة ، فكيف يكون ترابها كافيا لإحيائهم ، فإن المعاد حسب ما مرّ معاد عنصري ، يعود كل إنسان إلى بدنه العنصري ، فالمعادون كثر ، مع أن ما يعادون به ، وهو المواد العنصرية الأرضية قليل لا يكفيهم.

قال صدر المتألهين في بيان هذه الشبهة : «إن جرم الأرض مقدور محصور ممسوح بالفراسخ والأميال والأذرعة ، وعدد النفوس غير متناه فلا يفي مقدار الأرض ، ولا يسع لأن تحصل منه الأبدان غير المتناهية» (١).

والجواب عن هذا السؤال من جهات ثلاث ، عقلية وعلمية وسمعية :

الجهة الأولى : الجواب العقلي ، وهو أمور :

أولا : إن ما تنقله لنا هذه التنقيبات والحفريات التاريخية والطبيعية ليس على درجة يفيد القطع واليقين ، حتى نرفع باقوالهم اليد عن الوحي الإلهي أو نتردد في صحة المعاد.

__________________

(١) الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٠.

٣٩١

وثانيا : لم يدل دليل على أن بدن الإنسان كنفس البدن الدنيوي في الحجم والوزن وسائر الجهات المادية ، بل يكفي أن يصدق على المعاد أنه نفس المبتدأ وأما المطابقة في سائر الجهات فلم يدل عليها دليل.

وثالثا : لو فرض عدم كفاية المواد الترابية لإحياء جميع من قطنوا هذا الكوكب ، فلا مانع من تكميلها بتراب الكرات الأخرى ، وليس ذلك على خلاف العدل ، لما عرفت من أنّ الثواب والعقاب بملاك الروح والنفس ، فالنفس الإنسانية إذا أدخلت في أي بدن كان ، وحشرت مع أي جسم إنساني ، فهو هو ، وليس غيره ، وإنما يكون البدن أداة ووسيلة لتعذيبه ، وتنعيمه ، ولو لا دلالة القرآن على أنّ المعاد في الآخرة عنصري ، لكان العقل مكتفيا بإعادة الروح والنفس غير أنّ إصرار الذكر الحكيم ، على كون المعاد عنصريا ، يصده عن الاكتفاء بالمعاد الروحاني.

وعلى ضوء ذلك ، فلو كانت المواد الأرضية غير كافية لإحياء كل من سكن هذا الكوكب ، فلا مانع من تكميل بدن كل إنسان بمواد من كواكب أخرى.

هذه الأجوبة ، أجوبة عقلية ، وهناك أجوبة أخرى تعتمد على التجربة والدليل العلمي.

الجهة الثانية : الجواب العلمي ، وهو أمور :

إن ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لإحياء الناس باطل بالنظر إلى حجم المواد الأرضية وذلك لأن حجم الكرة الأرضية يبلغ ألفا وثلاثة وثمانين مليارا ، وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب (١) ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى إنّ صندوقا بحجم كيلومتر مكعب ، بمعنى أنّ كلا من طوله وعرضه وارتفاعه يبلغ كيلومترا واحدا ، إنّ مثل هذا الصندوق يسع داخله لأضعاف عدد سكان الأرض الحاليين (٢).

__________________

(١) ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٢٠ ، ٠٨٣ ، ١.

(٢) دلّت الإحصاءات الأخيرة أنّ عدد سكان الأرض حاليا يبلغ قرابة خمسة مليارات إنسان.

٣٩٢

وذلك أنّ كل كيلومتر في الطول يسع خمسة آلاف إنسان ، يقف كل منهم إلى جانب الآخر ، وكل كيلومتر في الارتفاع يسع سبعمائة وخمسين إنسانا متوسط طول الواحد منهم مترا ونصف المتر ، يقف كل منهم على رأس الآخر ، فإذا أردنا حساب من يمكن أن يحويه ذاك الصندوق ، فما علينا إلا أن نضرب الطول بالعرض بالارتفاع (١) ، فتكون النتيجة اتساع هذا الصندوق لثمانية عشر مليار ، وسبعمائة وخمسين مليون إنسان.

هذه سعة الكيلومتر المكعب الواحد ، فما ظنك بسعة ألف وثلاثة وثمانين مليار ، وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب؟ إنها بالتأكيد تكفي لأضعاف ـ لا تحصى ـ ممن قطن هذه الكرة الأرضية.

فمسألة قلة المواد الأرضية لإحياء الناس ، مسألة ذهنية طرحت من غير تدبر في حجم العالم.

٢ ـ إنّ بدن الإنسان لا يتشكل من التراب فحسب ، بل الماء والغازات من العناصر الرئيسية التي يتكون منها بدن الإنسان. ويحيط بالأرض طبقة من الغازات تسمى بالغلاف الجوي ، تبلغ في الارتفاع والسماكة ألف كيلومتر ، وتبلغ في الوزن خمسة ملايين مليار طن (٢) هذا في جانب الغازات.

وأما في جانب المياه المتواجدة على سطح الكرة الأرضية فيكفينا أن نعرف أنّ إلقاء حجر في إناء مملوء من الماء ، يوجب ارتفاع سطح الماء بما يساوي حجم هذا الحجر ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى ، أثبت العلم الحديث أننا لو جمعنا كل البشر الذي يقطنون الكرة الأرضية (٣) وألقيناهم في بحيرة قزوين ، فسوف لن يصل ارتفاع الماء في البحيرة إلى سنتيمتر واحد بل يكون أقلّ منه ، بمعنى أنّ ارتفاع المياه لن يكون محسوسا لنا.

__________________

(١) ٥٠٠٠* ٥٠٠٠* ٧٥٠ ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧٥٠ ، ١٨ إنسان.

(٢) ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠٠.

(٣) وهم عند إجراء هذا الحساب ، ملياري إنسان.

٣٩٣

هذا وليست هي إلا بحيرة (١) فما ظنّك ببحار الدنيا ومحيطاتها.

٣ ـ إن النيازك المشاهدة في الليالي هي نتيجة وصول أحجار وأتربة وأجسام ثقيلة من الفضاء الخارجي. إلى الغلاف الجوي ، فيوجب احتكاكها الشديد به احتراقها وتناثرها ، وهبوطها على الأرض ذرات خفيفة لا تزعج الحياة عليها وهذه الأحجار توجب ازدياد المواد الأرضية زيادة مطّردة بشكل يومي ، وقال العلماء إنّ عشرين مليون حجرا فضائيا يصطدم يوميا بالغلاف الجوي وهي تسير بسرعة خمسين كيلومترا في الثانية ، فتتلاشى وتتناثر وتهبط بلا إزعاج على القشرة الأرضية (٢).

وعلى هذا ، فالمواد الأرضية لم تزل في حال التوفر والازدياد ، والله يعلم إلى أي حد يصل حجمها إلى يوم البعث.

٤ ـ وصل العلم إلى أنّه لو كانت هناك قدرة على إزالة الفراغات المتخللة بين ذرّات المواد الأرضية لبلغت هذه الكرة العظيمة الهائلة في الحجم ، مقدار جوزة صغيرة. ولو فرض إفراغ فواصل ذرّات المنظومة الشمسية ، بشمسها وسيّاراتها الكبيرة والصغيرة ، لبلغ حجمها مقدار فاكهة كبيرة كالبطيخ هذا من جانب.

ومن جانب آخر ، لو ازدادت الفراغات بين الذرات ، لازداد حجم العالم ازديادا كبيرا ، فليس الحجم تابعا لكثرة الذرات وقلتها ففي وسع المولى سبحانه ـ وهو على كل شيء قدير ـ أن يبسط فراغ المواد الأرضية فيزداد حجمها ، وتكفي لإحياء الموتى مهما بلغوا.

وليس هذا الأمر بعيدا عن الحس ، فإنا نرى أنّ حجم الماء يتفاوت في حالاته الثلاث التجمد والسيلان والتبخر ، وعليه فلا مانع من امتداد المادة الأرضية يوم القيامة امتدادا هائلا بحيث يصبح ما كان لا يكفي لإحياء أكثر من إنسان واحد كافيا لإحياء الكثير من الناس ، هذا ما كشف عنه العلم.

__________________

(١) تبلغ مساحة بحيرة قزوين ٠٠٠ ، ٤٢٠ كلم مربع.

(٢) الله يتجلى في عصر العلم ، ص ٢٠.

٣٩٤

الجهة الثالثة : الجواب السمعي

قد أعرب الوحي عن كفاية مواد الأرض لإحياء الموتى بوجه خاص ، يفهمه المتدبّر في القرآن الكريم.

يقول سبحانه : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (١).

ويقول سبحانه : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ ، فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (٢).

ومن المحتمل جدا أن يكون مد الأرض في ظل الاندكاك ، بكسر الذرّات الموجودة فيها ، فيبلغ حجم حجر يقدر بمتر مكعب إلى ملايين الكيلومترات المكعبة.

فخرجنا بهذه النتيجة ، وهي أنّ تصور عدم كفاية المادة الأرضية لإحياء الناس ، باطل في العقل ، والعلم والوحي.

* * *

__________________

(١) سورة الانشقاق : الآية ٣.

(٢) سورة الحاقة : الآية ١٤.

٣٩٥

أسئلة المعاد

(٥) شبهة الآكل والمأكول

إنّ هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي وردت في الكتب الكلامية حول المعاد الجسماني ، وقد اعتنى بدفعها المتكلمون والفلاسفة عناية بالغة ، والإشكال يقرر بصورتين :

الصورة الأولى : إذا أكل إنسان إنسانا بحيث عاد بدن الثاني جزء من بدن الإنسان الأول ، فالأجزاء التي كانت للمأكول ثم صارت للآكل ، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما ، أو تعاد في أحدهما ، أو لا تعاد أصلا. والأول محال ، لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه ، في آن واحد ، في شخصين متباينين. والثاني خلاف المفروض ، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.

والثالث أسوأ حالا من الثاني ، إذ يلزم أن لا يكون أي من الإنسانين معادا بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.

الصورة الثانية : لو أكل إنسان كافر ، إنسانا مؤمنا ، وقلنا بأنّ المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة ، فيلزم تعذيب المؤمن ، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزء منه ، صار جزء من بدن الكافر ، والكافر يعذّب ، فيلزم تعذيب المؤمن (١).

__________________

(١) لاحظ شرح المواقف للسيد شريف ، ج ٨ ، ص ٢٤٥ ، شرح المقاصد ، للتفتازاني ، ج ٢ ـ

٣٩٦

وقبل الورود في الجواب نعلّق على هذا السؤال بأنه لا يختص بما ورد فيه من أكل إنسان إنسانا ، الذي لا يتفق حصوله إلّا في أعماق الأدغال ، والمجتمعات الوحشية ، بل السؤال يرجع إلى أمر يومي ملموس في المجتمعات المتحضرة ، وذلك أنّ النباتات والثمار والحبوب التي يتغذّى عليها الإنسان تنبت من تراب الأرض ، الذي هو مزيح رفات الأموات الذين قضوا عبر الدهور ، والذي هو عصارة الأبدان وخلاصتها.

ونحن نرى أنّ المقابر الواقعة في أكناف البلاد تتبدل إلى حدائق للتفرج والتنزه أو إلى مزارع للاستثمار ، فيتغذى منها الحيوان والإنسان ، فيؤول بدن الإنسان الميت ، جزء من الإنسان الحي ، فعندئذ يطرح السؤال المتقدم.

الجواب :

إن هذه أقوى شبهة تعترض القول بالمعاد الجسماني ، ونحن نذكر أولا ما هو الحق عندنا في الإجابة ، ثم نشير إلى ما ذكره المتكلمون في ذلك :

أما الصورة الأولى من الإشكال ، فبعض احتمالاتها ساقط جدا ، وهو عود المأكول جزء لكلا الإنسانين ، فيبقى الاحتمالان الآخران ، وبأي واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال ، وذلك بالبيان التالي :

إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولده إلى يوم وفاته واقع في مهب التغير وخضم التبدل ، فليس وجوده جامدا خاليا عن التبدل. فبدن الإنسان ليس إلا خلايا لا يحصيها إلا الله سبحانه ، وكل منها يحمل مسئوليته في دعم حياة البدن ، والخلايا

__________________

ـ ص ٢١٦. والإشكال الثاني وارد فيه دون الأول. وكشف المراد ، ص ٢٥٥ ، ط صيدا. والأسفار ، ج ٩ ، ص ١٩٩.

والفرق بين الصورتين هو أنّ الإشكال بالتقرير الأول يركز على نقص الإنسان المعاد من حيث البدن ، ولكنه في التقرير الثاني يركز على أنّ المعاد الجسماني في المقام يستلزم خلاف العدل الإلهي ، فالأساس في الإشكال في الصورتين واحد ، وهو كون بدن إنسان جزء من بدن إنسان آخر ، ولكن المترتب على الصورة الأولى هو عدم صدق كون المعاد هو المنشأ في الدنيا ، وعلى الصورة الثانية هو تعذيب البريء مكان المجرم.

٣٩٧

في حال تغير وتبدل مستمر ، تموت ويخلفها خلايا أخرى ، وبهذا يتهيّأ للبدن استمرار حياته ، من غير فرق بين الخلايا الدماغية وغيرها ، غاية الأمر أنّ الخلايا الدماغية ، ثابتة من حيث العدد دون غيرها.

وقد قال الأخصائيون بأن مجموع خلايا البدن تتبدل إلى خلايا أخرى كل عشر سنوات ، فبدن الإنسان بعد عشر سنين من عمره يغاير بدنه الموجود قبل عشر سنين وعلى هذا فالإنسان الذي يبلغ عمره ثمانين سنة قد عاش في ثمانية أبدان مختلفة ، وهو يحسبها بدنا واحدا.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : إن هناك فروضا :

١ ـ فلو فرض أنّ بدن إنسان صار جزء من بدن إنسان آخر ، فبما أنّ للمأكول أبدانا متعددة على مدى حياته ، فواحد منها مقرون بالمانع ، والأبدان الأخر خالية منه فيحشر مع الخالي.

٢ ـ ولو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع ، فإنه أيضا لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني ، لأنّ الناموس السائد في التغذية ، هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدى ثلاثة بالمائة من المأكول والباقي يدفعه.

فإذا لا مانع من أن تتعلق الروح بأحد هذه الأبدان التي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن والحجم ، ولم يدل على أنّ المحشور في النشأة الأخروية يتحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات وعامة الخصوصيات.

٣ ـ ولو فرض أنّ قانون التحول ساد على أبدان المأكول ، فلم يبق من كل بدن إلا النذر اليسير الذي لا يتشكل منه بدن إنسان كامل ، فلا مانع في هذا الفرض النادر من تكميل خلقته بالمواد الأرضية الأخرى حتى يكون إنسانا قابلا لتعلق الروح به ، وليس لنا دليل على أنّ المعاد في الآخرة يتحد مع الموجود في الدنيا في جميع الجهات حتى المادة التي يتكون منها البدن.

نعم ، إن كانت المادة الترابية التي تكوّن منها البدن الدنيوي موجودة ، فلا وجه للعدول عنها إلى تراب آخر ، وأما إذا كانت مقرونة بالمانع ، فلم يبق إلا جزء

٣٩٨

يسير لا يكفي لتكوّن البدن ، فلا غرو في أن يتسبّب في تكميل خلقته بالأخذ من المواد الترابية غير المقرونة بالمانع.

والذي يدل على ذلك أنه سبحانه في مقام التنديد بالمنكرين ، يعبر بلفظ المثل ، ويقول : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (١). الضمير في (مِثْلَهُمْ) يعود إلى المشركين المنكرين للمعاد ، وهذا يعرب عن كفاية المثل من غير حاجة إلى صدق العينية ، بالوحدة في المادة الترابية.

ويؤيد ذلك قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «فإذا قبضه الله إليه ، صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا» (٢).

فترى أنّ الإمام عليه‌السلام يذكر كلمة الصورة ، ولعلّ فيه تذكير بأنّه يكفي في المعاد الجسماني كون المعاد متحدا مع المبتدأ في الصورة من غير حاجة إلى أن يكون هناك وحدة في المادة الترابية بحيث إذ طرأ مانع من خلق الإنسان منه ، فشل المعاد الجسماني ولم يتحقق.

والتركيز على وحدة المادة ، يبتني على تحليل وجود الإنسان تحليلا ماديا وأنّه ليس وراء المادة شيء آخر ، وأما على القول بأنّ واقعية الإنسان بروحه ونفسه ، وأنّ جميع خصوصياته وملكاته موجودة في نفسه ، فالمعاد الجسماني لا يتوقف على كون البدن المحشور نفس البدن الدنيوي حتى في المادة الترابية ، بل لو تكوّن بدن الإنسان المعاد من أيّة مادة ترابية كانت ، وتعلقت به الروح ، وكان من حيث الصورة متحدا مع البدن الدنيوي ، يصدق على المعاد أنّه هو المنشأ في الدنيا.

قال صدر المتألهين : «إن تشخّص كلّ إنسان إنما يكون بنفسه لا ببدنه ، وإنّ البدن المعتبر فيه ، أمر مبهم ، لا تحصّل له إلا بنفسه ، وليس له من هذه

__________________

(١) سورة يس : الآية ٨١.

(٢) البحار ، ج ٦ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ٣٢ ، ص ٢٢٩.

٣٩٩

الحيثية تعيّن ، ولا يلزم من كون بدن زيد مثلا محشورا أن يكون الجسم الذي منه صار مأكولا لسبع أو إنسان آخر ، محشورا ، بل كلّ ما يتعلّق به نفسه هو بعينه بدنه الذي كان. فالاعتقاد بحشر الأبدان يوم القيامة هو أن تبعث أبدان من القبور إذا رأى أحد كلّ واحد منها يقول هذا فلان بعينه ، أو هذا بدن فلان ، ولا يلزم من ذلك أن يكون غير مبدّل الوجود والهوية. كما لا يلزم أن يكون مشوّه الخلق وأن يكون الأقطع والأعمى والهرم محشورا على ما كانوا عليه من نقصان الخلقة وتشويه البنية» (١).

ثم إن للمتكلمين جوابا آخر في الذب عن هذه الصورة من الإشكال حاصله أنّ المعاد ، إنما هو الأجزاء الأصلية ، وهي الباقية من أول العمر إلى آخره ، لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، وهذه الأجزاء الأصلية ، التي كانت للإنسان المأكول ، هي في الآكل فضلات ، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه ، فإذا كانت فضلات فيه ، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول (٢).

ويظهر من المحقق الطوسي ارتضاؤه حيث يقول : «ولا يجب إعادة فواضل المكلف». وأوضحه العلامة الحلي بقوله : «إن لكلّ مكلف أجزاء أصلية لا يمكن أن تصير جزء من غيره ، بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى بها» (٣).

وما ذكروه خال عن الدليل ، إذ لم يدلّ دليل على أنّ لكل مكلف أجزاء أصلية لا تكون جزء لبدن غيره.

نعم ، ورد في بعض الروايات ، ولكنها روايات آحاد ، لا توجب علما ، فلو ثبت صدورها ، فليقبل تعبدا (٤).

إلى هنا تم الجواب عن الصورة الأولى من الإشكال.

__________________

(١) الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٠.

(٢) شرح المواقف ، ج ٨ ، ص ٢٩٦.

(٣) كشف المراد ، ص ٢٥٦ ، ط صيدا.

(٤) لاحظ بحار الأنوار ، ج ٧ ، باب إثبات الحشر ، الحديث ٢١ ، ص ٤٣.

٤٠٠