الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٧
ISBN: 978-964-357-387-4
ISBN الدورة:
978-964-357-388-1

الصفحات: ٥٥٩

بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ، وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).

والإمامة التي يتبناها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم ، تتّحد واقعيتها مع هذه الإمامة.

* * *

الثاني ـ ما هو المراد من الظالمين

الظلم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه ، ومجاوزة الحدّ الذي عيّنه العرف أو الشرع ، فالمعصية ، كبيرها وصغيرها ، ظلم ، لأنّ مقترفهما يتجاوز عن الحدّ الذي رسمه الشارع.

والظلم له مراتب ، والمجموع يشترك في كونه تجاوزا عن الحدّ ، ووضعا للشيء في غير موضعه.

ولما خلع سبحانه ثوب الإمامة على خليله ، ونصبه إماما للناس ، ودعا إبراهيم أن يجعل من ذريته إماما ، أجيب بأنّ الإمامة وثيقة إلهية ، لا تنال الظالمين ، لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس ، المتصرف في الأموال والنفوس ، وقائد المجتمع إلى السعادة ، فيجب أن يكون على الصراط السويّ ، حتى يكون أمره ، ونهيه ، وتصرّفه ، وقيادته ، نابعة منه. والظالم المتجاوز عن الحدّ ، لا يصلح لهذا المنصب.

إنّ الظالم الناكث لعهد الله ، والناقض لقوانينه وحدوده ، على شفا جرف هار ، لا يؤتمن عليه ، ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة ، ولا مفاتيح القيادة ، لأنّه على مقربة من الخيانة والتعدّي ، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين ، فكيف يصحّ في منطق العقل أن يكون إماما مطاعا نافذا قوله ، مشروعا تصرّفه ، إلى غير ذلك من لوازم الإمامة؟.

إنّ بعض المناصب والمقامات ، تعيّن شروطها بالنظر إلى ماهيتها وواقعيتها ،

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٤٧.

١٢١

فمدير المستشفى مثلا ، له شروط تختلف عن شروط القائد. فالإمامة ، التي لا تنفك عن التصرف في النفوس والأموال ، وبها يناط حفظ القوانين ، يجب أن يكون القائم بها إنسانا مثاليا ، مالكا لنفسه ، ولغرائزه ، حتى لا يتجاوز في حكمه عن الحدّ ، وفي قضائه عن الحق.

الجمع المحلّى باللام العموم

الظاهر من صيغة الجمع المحلّى باللام ، أنّ الظلم بكل ألوانه وصوره ، مانع عن نيل هذا المنصب الإلهي ، فالاستغراق في جانب الأفراد ، يستلزم الاستغراق في جانب الظلم ، وتكون النتيجة ممنوعية كل فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء إلى منصب الإمامة ، سواء أكان ظالما في فترة من عمره ثم تاب وصار غير ظالم ، أو بقي على ظلمه. فالظالم عند ما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). فصلاحيته بعد ارتفاع الظلم تحتاج إلى دليل.

وعلى ذلك ، فكل من ارتكب ظلما ، وتجاوز حدّا في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنما ، أو لاذ إلى وثن ، وبالجملة : ارتكب ما هو حرام ، فضلا عمّا هو كفر ، ينادى من فوق العرش : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، أي أنتم الظلمة الكفرة المتجاوزون عن الحدّ ، لستم قابلين لتحمل منصب الإمامة ؛ من غير فرق بين أن يصلح حالهم بعد تلك الفترة ، أو يبقوا على ما كانوا عليه.

وهذا يستلزم أن يكون المؤهّل للإمامة ، طاهرا من الذنوب من لدن وضع عليه القلم ، إلى أن أدرج في كفنه وأدخل في لحده ، وهذا ما نسميه بالعصمة في مورد الإمامة.

سؤال وجوابه

السؤال

لسائل أن يسأل ويقول : إنّ الآية إنّما تشمل من كان مقيما على الظلم ، وأمّا التائب منه ، فلا يتعلق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلقا على صفة ،

١٢٢

وزالت الصفة ، زال الحكم. ألا ترى أنّ قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) ، إنّما هو ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ، لأنّه في هذه الحالة ، لا يسمى ظالما ، كما لا يسمى من تاب من الكفر ، كافرا.

والجواب :

إنّ هذا الاعتراض ذكره الجصاص (م ٣٧٠) في تفسيره على آيات الأحكام (٢). ولكنه عزب عنه أنّ قوله : الحكم يدور مدار وجود الموضع ، ليس ضابطا كليّا ، بل الأحكام على قسمين ، قسم كذلك ، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آنا ما ، ولحظة خاصة ، وإن انتفى بعد الاتصاف ، فقوله : «الخمر حرام» ، أو : «في سائمة الغنم زكاة» ، من. قبيل القسم الأول ، وأمّا قوله : «الزاني يحدّ» ، و «السارق يقطع» ، فالمراد منه أنّ الإنسان المتلبس بالزنا أو السرقة يكون محكوما بهما وإن زال العنوان ، وتاب السارق والزاني ، ومثله : «المستطيع يجب عليه الحج» ، فالحكم ثابت ، وإن زالت عنه الاستطاعة تقصير لا عن قصور.

وعلى ذلك فالمدعى أنّ الظالمين في الآية المباركة كالسارق والسارقة (٣) والزاني والزانية(٤) ، والمستطيع (٥) وأمهات نسائكم (٦) في الآيات الراجعة إليهم.

نعم المهم في المقام إثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل القسم الثاني ، وأنّ

__________________

(١) سورة هود : الآية ١١٣.

(٢) تفسير آيات الأحكام ، ج ١ ، ص ٧٢.

(٣) سورة المائدة : الآية ٣٨.

(٤) سورة النور : الآية ٢.

(٥) سورة آل عمران : الآية ٩٧.

(٦) سورة النساء : الآية ٢٣. فمن صدق عليها الأمومة للزوجة يحرم على الزوج تزوّجها ، وإن طلق ابنتها.

١٢٣

التلبس بالظلم ولو آنا ما ، وفترة يسيرة من عمره يسلب من الإنسان صلاحية الإمامة وإن تاب من ذنبه.

ويدلّ على ذلك أمران :

الأول : إنّ الهدف الاسمي من تنصيب كل إنسان على الإمامة ، تجسيد الشريعة الإلهية في المجتمع ، فإذا كان القائد رجلا مثاليا نقي الثوب ، مشرق الصحيفة ، لم ير منه عصيان ولا زلّة ، يتحقق الهدف من نصبه في ذلك المقام.

وأمّا إذا كان في فترة من عمره مقترفا للمعاصي ، ما جنا ، مجترحا للسيئات ، فيكون غرضا لسهام الناقدين ، ومن البعيد أن ينفذ قوله ، وتقبل قيادته بسهولة ، بل ينادى عليه إنّه كان بالأمس ، يقترف الذنوب ، وأصبح اليوم آمرا بالحق ومميتا للباطل.

ولأجل تحقق الهدف يحكم العقل بلزوم نقاوة الإمام عن كل رذيلة ومعصية في جميع فترات عمره ، وأنّ الإنابة لو كانت ناجعة في حياته الفردية فليست كذلك في حياته الاجتماعية ، فلن تخضع له الأعناق ، وتميل إليه القلوب.

الثاني : إنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة :

١ ـ من كان طيلة عمره ظالما.

٢ ـ من كان طاهرا ونقيا في جميع فترات عمره.

٣ ـ من كان ظالما في بداية عمره ، وتائبا في آخره.

٤ ـ من كان طاهرا في بداية عمره ، وظالما في آخره.

عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم عليه‌السلام ، الذي سأل الإمامة لبعض ذريته ، أيّ قسم منها أراد؟.

حاش إبراهيم أن يسأل الإمامة للقسم الأول ، والرابع من ذرّيته ، لوضوح أنّ الغارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره ، أو المتصف به أيام تصديه للإمامة ، لا يصلح لأن يؤتمن عليها.

١٢٤

فبقي القسمان الآخران ، الثاني والثالث ، وقد نصّ سبحانه على أنّه لا ينال عهده الظالم ، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلّا على القسم الثالث ، أعني من كان ظالما في بداية عمره ، وكان تائبا حين التصدي.

فإذا خرج هذا القسم ، بقي القسم الثاني ، وهو من كان نقي الصحيفة طيلة عمره ، لم ير منه لا قبل التصدي ولا بعده أيّ انحراف عن جادّة الحق ، ومجاوزة للصراط السوي.

* * *

٣ ـ آية التطهير وعصمة أهل البيت (ع)

هناك آية أخرى تدلّ على عصمة عدّة خاصة من أهل بيت النبي الأكرم.

يقول سبحانه : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ، وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١).

وأداء حقّ الآية في التفسير ، يتوقف على البحث عن النقاط التالية :

١ ـ ما هو المراد من الرّجس؟.

٢ ـ هل الإرادة في الآية ، إرادة تكوينية خاصة بأهل البيت ، أو تشريعية تعمّ كلّ إنسان بالغ واقع في إطار التكليف؟.

٣ ـ من المراد من أهل البيت؟.

٤ ـ مشكلة السياق في الآية لو كان المراد منهم غير نسائه ، صلوات الله عليه وآله.

٥ ـ أهل البيت في حديث النبي ، الذي يكون مفسّرا لإجمال الآية.

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣.

١٢٥

والبحث عن هذه الأمور يحوجنا إلى تأليف مفرد ، وهو خارج عن وضع كتابنا (١) ، إلّا أنّ المهم هنا هو التركيز على أنّ الإرادة في الآية تكوينية ، خاصة بأهل البيت ، وليست تشريعية ، وأمّا المقصود من أهل البيت ، فقد تقدّمت المأثورات فيهم عند البحث عن حديث الثقلين.

الإرادة تكوينية لا تشريعية

إنّ انقسام إرادته سبحانه إلى القسمين المذكورين ، من الانقسامات الواضحة ، ومجمل القول فيهما أنّه إذا تعلقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء وتكوينه في صحيفة الوجود ، فالإرادة تكوينية لا تتخلف عن المراد.

قال سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ، فَيَكُونُ) (٢).

وأما إذا تعلّقت بتشريع حكم وقانون ، لفرض عمل المكلّف به ، فالإرادة تشريعية ، ومتعلّقها هو التشريع ، وأمّا امتثال المكلف فهو من غايات التشريع ، ربما يقع ويترتب عليه ، وربما ينفك عنه.

والقرائن تدلّ على أنّ المراد هنا هو الأول من الإرادتين ، بمعنى أنّ إرادته سبحانه ، تعلّقت على إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم من كل شيء يتنفر منه ، على غرار تعلق إرادته بإيجاد الأشياء في صحيفة الوجود.

والذي يدلّ على ذلك أمور :

١ ـ إنّ الإرادة التشريعية لا تختص بطائفة دون طائفة ، بل هي تعمّ المكلّفين عامة ، يقول سبحانه ، بعد أمره بالوضوء والتيمم عند فقدان الماء : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).

__________________

(١) قد أفاض الشيخ الأستاذ الكلام في هذه المواضيع في موسوعته التفسيريّة ، مفاهيم القرآن ، ج ٥ ، ص ٢١٥ ـ ٣٢٢.

(٢) سورة يس : الآية ٨٢.

(٣) سورة المائدة : الآية ٦.

١٢٦

ولكنه سبحانه خصّص إرادته في الآية المبحوث عنها ، بجمع خاص ، تجمعهم كلمة أهل البيت ، وخصّهم بالخطاب وقال : عنكم أهل البيت ، أي لا غيركم ، فتخصيص الإرادة بجمع خاص على الوجه المذكور ، يمنع من تفسيرها بالتشريعية.

٢ ـ إنّ العناية البارزة في الآية المباركة ، أقوى شاهد على أنّ المقصود هو التكوينية ، لوضوح أنّ تعلّق الإرادة التشريعية لا يحتاج إلى العنايات التالية :

أ ـ ابتدأ سبحانه كلامه بلفظ الحصر ، وقال : (إِنَّما) ، ولا معنى للحصر إذا كانت تشريعية ، لعمومها لكلّ مكلّف.

ب ـ عيّن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص ، فقال : (أَهْلَ الْبَيْتِ) ، وهو منصوب على الاختصاص (١). أي أخصّكم أهل البيت.

ج ـ قد بيّن متعلق إرادته بالتأكيد ، وقال بعد قوله : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، (يُطَهِّرَكُمْ).

د ـ قد أكّده بالإتيان بمصدره بعد الفعل ، وقال : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، ليكون أوفى في التأكيد.

ه ـ إنّه سبحانه قد أتى بالمصدر نكرة ، ليدلّ على الإكبار والإعجاب ، أي تطهيرا عظيما معجبا.

و ـ إنّ الآية في مقام المدح والثناء ، فلو كانت الإرادة تشريعية ، لما ناسب الثناء والمدح.

وعلى الجملة : العناية البارزة في الآية ، تدلّ بوضوح على أنّ الإرادة في المقام تغاير الإرادة العامة المتعلقة بكلّ إنسان حاضر ، أو باد. وللمحققين من الشيعة الإمامية كلمات وافية حول الآية تلاحظ في مواضعها (٢).

__________________

(١) الاختصاص من أقسام المنادى ، يقول ابن مالك :

الاختصاص كنداء دون يا

كأيّها الفتى بإثر ارجونيا

(٢) تفسير التبيان ، للشيخ الطوسي ، (ت ٣٨٣ ـ م ٤٦٠) ، ج ٨ ، ص ٣٤٠. ومجمع البيان ، ـ

١٢٧

فالإرادة في الآية الشريفة ، نظير الإرادة الواردة في الآيات التالية :

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(١).

(وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٢).

(وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣).

وأمّا دلالتها على العصمة ، فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المراد من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية ، توضيح ذلك ، إنّ الرجس في اللغة هو القذر (٤) ، وقد يعبّر به عن الحرام ، والفعل القبيح ، والعذاب ، واللعن ، والكفر ، قال الزجاج : «الرّجس ـ في اللغة ـ كل ما استقذر من عمل ، فبالغ الله في ذمّ أشياء وسماها رجسا». وقال ابن الكلبي : «رجس من عمل الشيطان ، أي مأثم» (٥).

والمتفحص في كلمات أئمة أهل اللغة ، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة ، يصل إلى أنّها موضوعة للقذارة التي تتنفر منها النفوس ، سواء أكانت مادية كما في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (٦) ، أو معنوية كما في الكافر وعابد الوثن ، وصنمه ، قال سبحانه : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٧).

__________________

ـ للشيخ الطبرسي ، (ت ٤٧١ ـ م ٥٤٨) ، ج ٤ ، ص ٣٠٧. ورياض السالكين ، للسيد علي المدني (م ١١١٨) ، الروضة ٤٧ ، ص ٤٩٧.

(١) سورة القصص : الآية ٥.

(٢) سورة الأنفال : الآية ٧.

(٣) سورة المائدة : الآية ٤١.

(٤) مقاييس اللغة ، ج ٢ ، ص ٤٩٠ ، ولسان العرب ج ٦ ص ٩٤.

(٥) لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٩٤.

(٦) سورة الأنعام : الآية ١٤٥.

(٧) سورة الحج : الآية ٣٠.

١٢٨

وقال سبحانه : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١).

فلو وصف العمل القبيح بالرجس ، فلأنّه عمل قذر ، تتنفر منه الطباع السليمة.

وعلى ضوء هذا ، فالمراد من الرّجس في الآية ، كلّ عمل قبيح عرفا أو شرعا ، لا تقبله الطباع ، ولذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة ، (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فليس المراد من التطهير ، إلّا تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تعدّ المعاصي والمآثم من أظهر مصاديقه.

وقد ورد نظير الآية في حق السيدة مريم قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٢).

ومن المعلوم أنّ تعلّق الإرادة التكوينية على إذهاب كلّ رجس وقذارة ، وكلّ عمل منفّر عرفا أو شرعا ، يجعل من تعلّقت به الإرادة ، إنسانا مثاليا ، نزيها عن كل عيب وشين ، ووصمة عار (٣).

* * *

إلى هنا ظهر بوضوح أنّ العصمة شرط للإمام بالمعنى الذي يتبناه الإمامية في مجال الإمامة ، والآيتان الأوليان تدلّان على عصمة الإمام مطلقا ، والآية الثالثة تدلّ على عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية وفسّرت في غير واحد من الروايات ، وهم من كان إماما وخليفة للرسول كعلي والحسنين عليهما‌السلام ، ومن كانت طاهرة مطهّرة كالسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإن لم تكن إماما.

* * *

بقيت هنا أبحاث موجودة في كتب الإمامة للشيعة الإمامية ، طوينا البحث

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ١٢٥.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٤٢.

(٣) وحول الآية أبحاث لطيفة ، فمن أراد التبسّط فليرجع إلى المصدر الذي تقدّم الإيعاز إليه.

١٢٩

عنها ، لعدم الحاجة إلى البحث فيها بعد انتشار هذه الكتب وذيوعها وهي عبارة عن الأبحاث التالية :

١ ـ البحث عن الآيات الواردة في حق الإمام علي عليه‌السلام.

٢ ـ البحث عن الفضائل والمناقب الواردة في حقّه على لسان النبي الأكرم ، ونقلها أصحاب الصحاح والمسانيد.

٣ ـ نفسيات الإمام وفضائله الأخلاقية التي اعترف بها التاريخ.

٤ ـ كونه أعلم الصحابة وأوعاهم بالكتاب والسنّة ، وقد كان الخلفاء يحتكمون إليه في مواضع لا تحصى.

٥ ـ احتجاجاته على كونه أحقّ بهذا الأمر (خلافة الرسول) ممّن تسنموا منصة الخلافة.

ومن أراد التبسّط في هذه المواضع ، فعليه بالكتب المعدّة للإمامة (١).

* * *

__________________

(١) لاحظ الشافي للسيد المرتضى (م ٤٣٦) ، وتلخيصه لتلميذه الشيخ الطوسي (م ٤٦٠) ، ونهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي ، (م ٧٢٦) ، وإحقاق الحق للقاضي التستري ، (م ١٠١٩) ، ودلائل الصدق للمظفر النجفي. وغيرها من مؤلفات كبار ورسائل صغار.

١٣٠

البحث الرابع

الإمام المنتظر في الكتاب والسنّة

قد تعرفت على عدد الأئمة وأسمائهم ، غير أنّ إفاضة القول في خصوصياتهم ، وعلومهم وفضائلهم ، ونتائج جهودهم في مجال العلم والفقه والحديث ، ومن ربّوه وأنتجوه من الرواة الوعاة ، وما لا قوه من اضطهاد خلفاء عصرهم ، يحتاج إلى تأليف حافل.

ولأجل ذلك طوينا الصفح عن هذه المباحث ، إلّا انّ الاعتقاد بالإمام المنتظر ، مهدي هذه الأمّة ، لما كان أصلا رصينا في أبحاث الإمامة للشيعة ، وكان الاعتقاد به أمرا مشتركا بين طوائف المسلمين ، رجّحنا إلقاء الضوء على هذا الأصل على وجه الإجمال ، ولا طريق لإثبات وجوده ، وولادته ، وعمره ، وظهوره ، وآثاره بعد الظهور ، وأصحابه ، إلّا السمع ، فنقول :

كلّ من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة ، عن النبي وآله وأصحابه ، بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم والجور ، ونشر أعلام العلم ، والعدل وإعلاء كلمة الحق ، وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون ، فهو بإذن الله تعالى ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير الله ، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة ، ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء ، ووضعتها يد بني البشر ، ويقطع أواصر التعصبات القومية والعنصرية ، والوطنية ، ويميت أسباب العداوة والبغضاء التي صارت سببا لاختلاف الأمّة

١٣١

وافتراق الكلمة ، واشتعال نيران الفتن والمنازعات ، ويحقق الله سبحانه بظهوره ، وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله :

١ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١).

٢ ـ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٢).

٣ ـ (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٣).

ويأتي عصر ذهبي لا يبقى فيه على الأرض بيت إلّا دخلته كلمة الإسلام ، ولا تبقى قرية إلّا وينادي فيها بشهادة : «لا إله إلّا الله» ، بكرة وعشيا.

هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأول ، والأزمنة المتلاحقة ، ولأجل ذلك استغلّ بعض المتهوسين قضية الإمام المهدي ، فادّعوا المهدويّة ، ولم نعهد أحدا ردّه بإنكار أصل هذه البشائر ، وإنّما ناقشوه في الخصوصيات وعدم انطباق البشائر عليه (٤).

__________________

(١) سورة النور : الآية ٥٥.

(٢) سورة القصص : الآية ٥.

(٣) سورة الأنبياء : الآية ١٠٥.

(٤) وقد ألّف غير واحد من أعلام السّنة كتبا حول الإمام المهدي عليه‌السلام ، كالحافظ أبي نعيم الأصفهاني له كتاب: «صفة المهدي» ، والكنجي الشافعي له : «البيان في أخبار صاحب الزمان» ، وملّا علي المتقي له : «البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان» ، وعباد بن يعقوب الرواجني له : «أخبار المهدي» ، والسيوطي له: «العرف الوردي في أخبار المهدي» ، وابن حجر له : «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» ، والشيخ جمال الدين الدمشقي له : «عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر» ، وغيرهم قديما وحديثا.

ولم ير التضعيف لأخبار الإمام المهدي إلّا من ابن خلدون في مقدمته ، وقد فنّد مقاله الأستاذ أحمد ـ

١٣٢

وقد تضافر مضمون قول الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم ، حتى يخرج رجل من ولدي ، فيملؤها عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما» (١).

وقد عرفت أنّ بحث المهدي بحث نقلي لا يمتّ إلى العقل بصلة ، فعلى من يريد اعتناقه ، أو ـ والعياذ بالله ـ ردّه ورفضه ، الرجوع إلى الصحاح والمسانيد ، وكتب الحديث والتاريخ ، حتى يقف على عدد الروايات الواردة حول المهدي عليه‌السلام ، في مجالات مختلفة ، وها نحن نأتي في المقام بفهرس الروايات التي رواها السنّة والشيعة.

فنقول :

١ ـ الروايات التي تبشّر بظهوره

٦٥٧ رواية.

٢ ـ الروايات التي تصفه بأنّه من أهل بيت النبي الأكرم

٣٨٩ رواية.

٣ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام علي عليه‌السلام

٢١٤ رواية.

٤ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد فاطمة عليها‌السلام بنت النبي

١٩٢ رواية.

٥ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه التاسع من أولاد الحسين عليه‌السلام

١٤٨ رواية.

٦ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام زين العابدين عليه‌السلام

١٨٥ رواية.

٧ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام

١٤٦ رواية.

٨ ـ الروايات التي تبيّن آباء الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام

١٤٧ رواية.

٩ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه يملأ العالم قسطا وعدلا.

١٣٢ رواية.

__________________

محمد صديق برسالة أسماها : «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» ، وأخيرا نشر شخص يدعى أحمد المصري رسالة أسماها : «المهدي والمهدوية» ، قام ـ بزعمه ـ بردّ أحاديث المهدي ، وأنكر تلك الأحاديث الهائلة البالغة فوق حدّ التواتر ، جهلا منه بالسّنة والحديث.

(١) لاحظ مسند أحمد ، ج ١ ، ص ٩٩. وج ٣ ، ص ١٧ و ٧٠.

١٣٣

١٠ ـ الروايات التي تدل على أنّ للإمام المهدي غيبة طويلة.

٩١ رواية.

١١ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه يعمّر عمرا طويلا.

٣١٨ رواية.

١٢ ـ الروايات التي تدلّ على أنّ الإسلام يعمّ العالم كلّه بعد ظهوره

٤٧ رواية.

١٣ ـ الروايات التي تدلّ على أنّه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت

١٣٦ رواية.

١٤ ـ الروايات الواردة حول ولادته.

٢١٤ رواية.

ولو وجد هنا خلاف بين أكثر السنّة ، والشيعة ، فهو الاختلاف في ولادته ، فإنّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان ، والشيعة بفضل هذه الروايات ، تذهب إلى أنّه ولد في «سرّ من رأى» ، عام ٢٥٥ ، وغاب بأمر الله سبحانه سنة وفاة والده ، عام ٢٦٠ ، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس ، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه (١) ، وسوف يظهره الله سبحانه لتحقق عدله.

ولأجل أن يقف الباحث على نماذج من أحاديث المهدي في الصحاح والمسانيد ، نذكر بعضا منها وهو نذر يسير من الأحاديث الكثيرة التي رواها المحدّثون والحفاظ في كتبهم:

١ ـ روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لو لم يبق من الدّهر إلّا يوم واحد ، لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا ، كما ملئت جورا» (٢).

٢ ـ أخرج أبو داود ، عن عبد الله بن مسعود قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا تذهب ـ أولا تنقضي ـ الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (٣).

__________________

(١) وأمّا ما يلهج به بعض النواصب الأعداء ، من أنّ الشيعة تذهب إلى غيبته في السرداب في سامراء ، فهو من الأكاذيب التي ليس لها أصل أبدا ، لا في الكتب ، ولا في صدور العوام ، وإنّما افتعلوه ازدراء بالعقيدة.

(٢) مسند أحمد ، ج ١ ، ص ٩٩ ، وج ٣ ، ص ١٧ و ٧٠.

(٣) جامع الأصول ، ج ١١ ، ص ٤٨ ، الرقم ٧٨١٠.

١٣٤

٣ ـ أخرج أبو داود عن أمّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : المهديّ من عترتي من ولد فاطمة» (١).

٤ ـ أخرج الترمذي عن ابن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي». قال : وقال أبو هريرة : «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم ، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي» (٢).

٥ ـ روى ابن ماجة في سننه عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدّجال ، وحذّرناه ، فكان من قوله : إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم ، أعظم من فتنة الدجال ...» إلى أن قال : «وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم ليصلي بهم الصبح ، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم ، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ، ليقدم عيسى يصلي بالناس ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له : تقدّم فصلّ ، فإنّها لك أقيمت. فيصلي بهم إمامهم ..» (الحديث)(٣).

وسيجيء ذكر ما رواه البخاري ومسلم فيما يأتي.

قال بعض المحققين المعاصرين من أهل السنّة : «لا أرى لزاما علينا نحن المسلمين أن نربط ديننا بهما (صحيحي مسلم والبخاري) ، فلنفرض أنّهما لم يكونا ، فهل تشل حركتنا وتتوقف دورتنا؟. لا ، فالأمّة بخير والحمد لله ، والذين جاءوا بعد البخاري ومسلم استدركوا عليهما ، واستكملوا جهدهما ، ووزنوا عملهما ، وكشفوا بعض الخلاف في صحيحهما ، وما زال المحدّثون في تقدم علمي ، وبحث وتحقيق ، ودراسة وجمع ، ومقارنة وتمحيص ، حتى يغمر الضوء كل مجهول ، ويظهر كلّ خفي.

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٤٩ ، الرقم ٧٨١٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ٤٨ ، الرقم ٧٨١٠.

(٣) سنن ابن ماجه ، ج ٢ ، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ، ص ٥١٢ ـ ٥١٥ ، وكنز العمال ، ج ١٤ ، ص ٢٩٢ ـ ٢٩٦ ، الرقم ٣٨٧٤٢.

١٣٥

ولما ذا نردّ حديثنا لمجرد أن قيل في بعض رواته أنّه لين ، أو ضعيف ، أو منقطع ، أو مرسل ، أو ...؟.

نعم ، هذه علل ، تثير الشك والتساؤل ، وتدفع إلى زيادة البحث والتعمّق ، ولكن ـ كما أعتقد ـ إنّ بعض علل الحديث لا تلزم بالرد لهذا الحديث ، فكثيرا ما نجد في بعض الطرق ضعفا ، وفي بعضها قوّة ، فهو صحيح من طريق ، حسن أو ضعيف من أخرى ، ومعنى هذا أنّ الراوي الذي حكم عليه مثلا بأنّه ينسى ، تبيّن أنّه في هذه الواقعة لم ينس ، فجاءت روايته مؤيّدة بما جاء عن غيره.

وأحاديث المهدي ـ في نظري ـ من هذا النوع ، ولو بعضها. رغم أنّ بعض المسلمين ـ كابن خلدون ـ قد بالغ وضعّفها كلّها ، وردّها وحكم عليها حكما قاسيا ، واتّهم كل هؤلاء الرواة ومن رووا عنهم بما لا يليق أن يظنّ فيهم.

إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين ، أو راو أو راويين ، إنّها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريبا ، اجتمع على تناقلها مئات الرواة ، وأكثر من صاحب كتاب صحيح.

فلما ذا نردّ كلّ هذه الكمية؟ أكلّها فاسدة؟. لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين ـ والعياذ بالله ـ نتيجة تطرّق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم إنّي لا أجد خلافا حول ظهور المهدي ، أو حول حاجة العالم إليه ، وإنّما الخلاف حول من هو ، حسني ، أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان ، أو موجود الآن ، خفي وسيظهر؟ ظهر أو سيظهر؟. ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين ، فليس لهم اعتبار.

ثم إنّي لم أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث ، والذي أجده إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند ، واتّصاله أو عدم اتّصاله ، ودرجة رواته ، ومن خرّجوه ، ومن قالوا فيه.

١٣٦

وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي ، نظرة مجرّدة ، فإنّنا لا نجد حرجا من قبولها وتصديقها ، أو على الأقل عدم رفضها.

فإذا ما تأيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة ، والأحاديث المتعددة ، ورواتها مسلمون مؤتمنون ، والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة ، والترمذي من رجال التخريج والحكم ، بالإضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ما يصحّ أن يكون سندا لها في البخاري ومسلم ، كحديث جابر في مسلم الذي فيه : «فيقول أميرهم (أي لعيسى) تعال صل بنا» (١) وحديث أبي هريرة في البخاري ، وفيه : «كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم» (٢) ، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير ، وهذا الإمام هو المهدي.

يضاف إلى هذا أنّ كثيرا من السلف رضي الله عنهم ، لم يعارضوا هذا القول ، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين» (٣).

* * *

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ١ ، باب نزول عيسى ، ص ٩٥. وفيه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ، فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمّة.

ولاحظ كنز العمال ، ج ١٤ ، ص ٣٣٤ ، الرقم ٣٨٨٤٦.

(٢) صحيح البخاري ، ج ٤ ، باب نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام ، ص ١٦٨. وصحيح مسلم ، ج ١ ، باب نزول عيسى ، ص ٩٤ ، وكنز العمال ، ج ١٤ ، ص ٣٣٤ ، الرقم ٣٨٨٤٥.

(٣) بين يدي الساعة للدكتور عبد الباقي ، ص ١٢٣ ـ ١٢٥.

١٣٧
١٣٨

أسئلة حول المهدي المنتظر عليه‌السلام

١ ـ كيف يكون إماما وهو غائب؟

٢ ـ لما ذا غاب المهدي عليه‌السلام؟

٣ ـ الإمام المهدي وطول عمره.

٤ ـ علائم ظهوره ، ما هي؟.

١٣٩
١٤٠