الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٢

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٧
ISBN: 978-964-357-385-0
ISBN الدورة:
978-964-357-388-1

الصفحات: ٤٨٠

ما هو وسيلة لسعادته. والثاني : إنّ قدرة الله هي مرجع لجميع الكائنات وإن من آثارها ما يحول بين العبد وإنفاذ ما يريده وإنّ لا شيء سوى الله يمكن له أن يمد العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه ...

وقد كلّفه سبحانه أن يرفع همته إلى استمداد العون منه وحده بعد أن يكون قد أفرغ ما عنده من الجهد في تصحيح الكفر وإجادة العمل وهذا الذي قررناه قد اهتدى إليه سلف الأمة فقاموا من الأعمال بما عجبت له الأمم وعوّل عليه من متأخ

* * *

إلى هنا خرجنا بتوضيح حقيقة النظرية عن طريق البراهين العقلية والنقلية ولكن بقيت هاهنا أسئلة حول القول باختيار الإنسان نوردها واحدة بعد الأخرى فبعض هذه الأسئلة قرآني ، والبعض الآخر روائي ، والبعض الثالث فلسفي والإجابة عليها تحل غالب المشاكل المحفوفة بنظرية الاختيار.

* * *

__________________

(١) رسالة التّوحيد ، ص ٥٩ ـ ٦٢ بتلخيص.

٣٦١
٣٦٢

أسئلة وأجوبة حول اختيار الإنسان

* هل الحسنة والسيئة من الله أو من العبد؟

* ما معنى السعادة والشقاء الذاتيين؟

* انتهاء الأمور إلى الإرادة الأزلية.

* ما معنى كون الهداية والضّلالة بيده سبحانه؟

٣٦٣
٣٦٤

أسئلة وأجوبة حول اختيار الإنسان

السؤال الأول

هل الحسنة والسيئة من الله أو من العبد؟

ربما يتبادر إلى الذهن في بادئ النظر الاختلاف في قضاء القرآن في مبدأ الحسنة والسيئة حيث يرى في الآيتين التاليتين أقضية ثلاثة في مصادرهما ومباديهما :

١ ـ ما ينقل عن المنافقين حيث كانوا ينسبون الحسنة إلى الله والسيئة إلى النبي ، كما يحكي عنه قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) (١) ، تطيّرا بوجود النبي ، كما تطيروا بغيره في الأمم السالفة.

٢ ـ ما يذكره سبحانه في نفس الآية ردّا عليهم بأنّ الحسنة والسيئة كلّ من عند الله ، حيث قال : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٢).

٣ ـ ما ذكره تعالى في الآية التالية حيث نسب الحسنة إلى الله والسيئة إلى العبد فجعل منشأ الأولى هو الباري تعالى ، ومنشأ الثانية الإنسان يقول :

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٨.

(٢) سورة النساء : الآية ٧٨.

٣٦٥

(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (١).

فكيف التوفيق بين القضاء الثاني والثالث.

أما الجواب ، فنقول : إنّه سبحانه نقل عن الفراعنة نظرية أشدّ بطلانا مما نقله عن المنافقين ، حيث كانوا ينسبون الحسنات إلى أنفسهم والسيئات إلى موسى (عليه‌السلام). قال سبحانه : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢)

والقرآن يجيب عن هذا القضاء المنقول عن المنافقين والفراعنة ، فيرد على الأول بأنّه مبني على وجود مؤثرين مستقلين في عالم الوجود ، لكل واحد فعل خاص ينافي فعل الآخر ، حيث قال : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٣).

كما ردّ على نظرية الفراعنة بقوله : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤). فلا كلام في بطلان ما قضى به المنافقون والفراعنة ، وإنما نركز البحث على القضاءين المختلفين الواردين في القرآن الكريم فنقول :

إنّ المراد من الحسنة والسيئة في الآية ، بقرينة وقوعها في سياق آيات الجهاد هو الغلبة فيه أو الهزيمة ، فعمت الأولى المسلمين في غزوة بدر ، كما شملتهم الهزيمة في أحد ، فأراد المنافقون أو ضعفاء العقول الإزراء بالنبي ، وأنّ الغلبة في غزوة بدر كانت من الله سبحانه والهزيمة من النبي لسوء القيادة ، فكانوا يتبجحون بهذه الفكرة تعبيرا بالنبي وتضعيفا لعقول المسلمين ، فردّ الله سبحانه عليهم بأنّ الحسنة بقول مطلق كالفتوحات في

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٩.

(٢) سورة الأعراف : الآيتان : ١٣٠ و ١٣١.

(٣) سورة النساء : الآية ٧٨.

(٤) سورة الأعراف : الآية ١٣١.

٣٦٦

مورد الآية ، وكثرة الثمار وشمول الخصب كما في مورد الفراعنة ، والسيئة بقول مطلق كالهزيمة في مورد البحث ونقص الثمرات وعموم الجدب في مورد الفراعنة ، كلها من الله سبحانه ، إذ لا مؤثر في الوجود إلّا هو ، ولا خالق غيره ، فما يصيب الإنسان مما يستحسنه طبعه ، أو يسوؤه كله من الله تعالى ، فهو خالق الأكوان والحوادث ، وإنّ سلسلة الوجود تنتهي إليه سبحانه. وبذلك يعلم أنّ المراد من الحسنة والسيئة نظير هذه الأمور لا الأفعال الاختيارية التي يقوم بها الإنسان في حياته فالآيات الواردة في هذا المجال منصرفة عنه ، فمقتضى التوحيد الأفعالي نسبة الكلّ إلى الله سبحانه. هذا هو وجه القضاء الأول.

وأمّا الآية الثانية التي تفكك بين الحسنة والسيئة ، فتنسب الأولى إلى الله والسيئة إلى الإنسان فإنما هي ناظرة إلى مناشئهما ومباديهما ، فلا شك أنّ الإنسان لا يستحق بذاته شيئا من النعم التي أنعمها الله عليه ، وأنّ كل النعم والحسنات تصيبه تفضلا من الله سبحانه وكرامة منه ، ولأجل ذلك قال سبحانه : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) والخطاب وإن كان للنبي ، ولكنه من قبيل الخطابات القرآنية التي يخاطب بها النبي ويقصد منها كل الناس ؛ قال سبحانه : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). ومن هنا يركز القرآن على أنّ مبدأ الحسنة هو الله سبحانه.

وأمّا السيئة فهي وإن كانت من عند الله ولكن لو استقرأ الإنسان مناشئ الهزائم والانكسارات أو البلايا والنوازل يجد أن المجتمع الإنساني هو المنشأ لنزولها ، وأخذهم بها. قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢). وقد تقدم في البحث عند البداء ما يفيدك في المقام.

__________________

(١) سورة الزمر : الآية ٦٥.

(٢) سورة الأعراف : الآية ٩٦

٣٦٧

وبذلك يسهل عليك فهم ما جاء في الآية التالية من التفريق بين الهداية والضّلالة حيث يقول سبحانه : (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ* قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي ، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (١) فترى أنّه سبحانه يأمر عبده بأن ينسب الضلالة إلى نفسه والهداية إلى ربّه ، مع أنّه سبحانه ينسبهما في آيات أخرى إلى نفسه ويقول : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢). وما هذا إلّا لأن الهداية والضلالة بما أنهما من الأمور الواقعية في الكون تنتهي وجودا إلى الله سبحانه ، فينسبهما من حيث الوجود إلى نفسه سبحانه. وأمّا من حيث المناشئ والحوافز التي تنزلهما إلى العبد ، فبما أنّ الهداية نعمة من الله سبحانه لا يستحقها الإنسان بذاته ، بل تعمه كرامة منه تعالى ، فينسبها إلى الله تعالى من هذه الجهة ويقول : (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي).

وبما أنّ الضلالة نقمة يستحقها الإنسان لتقصيره في اتباع الرسل والاهتداء بالكتب ، صارت أولى بأن تنسب إلى العبد ، ويقول : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي).

وبهذا البيان يرتفع ما يتراءى من الاختلاف بين نظائر هذه الآيات.

وبكلمة واحدة ، إنّ الآيات من حيث المساق مختلفة ، فعند ما يلاحظ الظاهرة ـ سواء أكانت حسنة أو سيئة ، هداية أو ضلالة ـ بما أنّها من الأمور الواقعية الإمكانية ، لا تتحقق إلّا بالانتماء إلى الواجب تعالى والصدور منه ، ينسبها إلى الله تعالى. وعند ما يلاحظها من حيث المناشئ والدواعي التي تنزلها من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ، فليس للحسنة والهداية منشأ إلّا الله تعالى ، كما أنّه ليس للسيئة والضلالة منشأ ، سوى تقصير العبد في حياته كما عليه الآيات الكثيرة. ولأجل ذلك نرى أنّ الحديث القدسي المنقول عن

__________________

(١) سورة سبأ : الآيتان ٤٩ و ٥٠.

(٢) سورة إبراهيم : الآية ٤.

٣٦٨

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يفرق بين الحسنة والسيئة مع أنّ الكل يوجد بحوله وقوته سبحانه ، يقول : «يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبنعمتي أدّيت إليّ فرائضي ، وبقدرتي قويت على معصيتي ، خلقتك سميعا بصيرا ، أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني» (١).

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٥ ، كتاب العدل والمعاد ، الباب الأول الحديث ٣ ، ص ٤. ولاحظ ص ٥٦.

٣٦٩
٣٧٠

السؤال الثاني

ما معنى السعادة والشقاء الذاتيين؟

قد اشتهر في ألسن الباحثين عن الجبر والاختيار القول بأنّ الناس على صنفين سعيد وشقي ، وأنّ سعادة كلّ وشقاءه مكتوب في علمه الأزلي سبحانه أولا ، ومحكوم بأحدهما آن كونه جنينا في بطن أمّه ، وهذا يكشف عن أنّ الشقاء والسعادة ذاتيان ، فكيف يمكن الحكم بالاختيار معهما.

أما الأول : أي كون كل واحد مكتوبا بأحد الوصفين في علمه الأزلي ، فيستظهر من قوله سبحانه : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١).

قال الرازي في تفسير الآية : اعلم أنّه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنّه سعيد ، وعلى بعضهم بأنّه شقي ، ومن حكم الله عليه بحكم وعلم فيه ذلك الأمر ، امتنع كونه بخلافه ، وإلّا لزم أن يصير خبر الله تعالى

__________________

(١) سورة هود : الآيات ١٠٥ ـ ١٠٨.

٣٧١

كذبا ، وعلمه جهلا وذلك محال. فثبت أنّ السعيد لا ينقلب شقيا وأنّ الشقي لا ينقلب سعيدا». ثم استشهد لكلامه بما روي عن عمر أنّه قال : «لما نزل قوله تعالى (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) قلت : يا رسول الله فعلى ما ذا نعمل؟ على شيء قد فرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه ، فقال : على شيء قد فرغ منه يا عمر ، وجفّت به الأقلام ، وجرت به الأقدار ، ولكن كل ميسّر لما خلق له». قال : وقالت المعتزلة : نقل عن الحسن أنّه قال : فمنهم شقي بعمله وسعيد بعمله. قلنا الدليل القاطع لا يدفع بهذه الروايات وأيضا فلا نزاع أنّه إنما شقي بعمله وإنما سعد بعمله. ولكن لما كان ذلك العمل حاصلا بقضاء الله وقدره ، كان الدليل الذي ذكرناه باقيا» (١). فقد استفاد الرازي من الآية أنّ السعادة والشقاء من الأمور الذاتية للموصوف بهما حتى قال إنّ السعيد لا ينقلب شقيا.

وأمّا الثاني : فقد روى المحدثون عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّه قال : «الشّقيّ من شقي في بطن أمّه. والسعيد من سعد في بطن أمّه» (٢).

تحليل الشقاوة والسعادة في الآية والحديث

إنّ البحث في هذا المجال يتم في ضمن جهات :

الجهة الأولى ـ في تقسيم الناس إلى شقي وسعيد.

إنّ الناظر في الآيات الماضية لا يدرك سوى أنّ هناك جماعة متصفون بالسعادة وأخرى بالشقاوة ، وأمّا كونهما ذاتيين لموصوفيهما أو ثابتين بإرادة أزلية لا يتخلف مرادها عنها ، أو يثبتان لهما عن اكتساب وعمل مع كون الموضوعين خاليين عنهما بالنظر إلى ذاتيهما ، فلا نظر في الآيات إلى شيء

__________________

(١) تفسير «مفاتيح الغيب» للرازي ، ج ٥ ، ص ٩٣ ، الطبعة الأولى ١٣٠٨ ه‍.

(٢) التوحيد باب السعادة والشقاوة ، الحديث ٣ ، ص ٣٥٦.

٣٧٢

من ذلك ، لو لم نقل إنها إلى الثالثة أقرب. لأن الآيات واقعة في سياق الدعوة إلى الإيمان والندب إلى الطاعة وترك المعصية ، فيدل على تيسير سبيل الوصول إلى كل واحد منهما. قال سبحانه : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (١). وبذلك يظهر أنّ القول بدلالة الآيات على الذاتيين منهما ، قول بلا دليل.

وأمّا ما اعتمد عليه الرازي من قوله : «إنّه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنّه سعيد وعلى بعضهم بأنّه شقي» ، وأسماه دليلا قاطعا ، فهو بالمغالطة أشبه منه بالدليل. وذلك لأنّه أخذ زمان الحكم زمانا لنتيجته وأثره ، فالحكم منه سبحانه وإن كان في زمن نزول الآية لكن زمان الاتصاف هو يوم القيامة ، فكيف قال إنّه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنّه سعيد (فعلا) وعلى بعضهم بأنّه شقي (كذلك) ، وإنما حكمت الآية في زمن النزول بأنّ الناس يتصفون في المستقبل بأحدهما لا في زمان الحكم القائم بالحاكم. فاستفادة كون الأشخاص سعداء أو أشقياء بالفعل وفي زمن نزول الآية ناشئ عن الخلط بين زماني الحكم والاتصاف ، فالحكم فعلي والاتصاف استقبالي. فعندئذ لا تدل على ما يتبناه من كون السعادة أو الشقاء حليف الإنسان وأليفه في الدنيا ، وأنه بالفعل من زمن طفولته إلى كهولته وهرمه ، محكوم بأحد الحكمين.

وأما إرادته سبحانه أو علمه الأزلي ، فلا شك في عمومهما لكل حادثة وظاهرة ، ومن المعلوم أنّه لا يتطرق التغير إليهما وإلّا عاد جهلا. ولكنّ سبق تلك الإرادة والعلم لا يستلزم الجبر لو لم نقل إنّه يؤكد الاختيار ، لما علمت من أنهما لم يتعلقا بصدور الفعل مجردا عن مباديهما والخصوصيات المكتنفة بهما ، وإنما تعلقا على أن يصدر كل منهما من الإنسان بالخصوصيات الموجودة فيه ، ومنها الاختيار. فقد تعلقت إرادته وقضى بعلمه سبحانه على

__________________

(١) سورة عبس : الآية ٢٠.

٣٧٣

اتصاف صنف بالسعادة وصنف آخر بالشقاء من خلال اختيارهما أحد الأمرين.

قال العلّامة الطباطبائي : «لو تعلق علمه تعالى مثلا بأن خشبة كذا ستحترق بالنار ، لا يوجب ذلك العلم وجوب تحقق الاحتراق مطلقا ، سواء أكانت هناك نار أم لم تكن إذ لم يتحقق علم بهذه الصفة ، وإنما يوجب وجوب تحقق الاحتراق المقيّد بالنار لأنّه الذي تعلق به العلم الحق ، وكذا علمه تعالى بأنّ الإنسان سيعمل بإرادته واختياره عملا أو سيشقى في ظل عمل اختياري ، يوجب وجوب تحقق العمل من طريق اختيار الإنسان لا وجوب تحقق عمل كذا سواء أكان هناك اختيار أو لم يكن ، كان هناك إنسان أو لم يكن ، حتى تنقطع به رابطة التأثير بين الإنسان وعمله ، ونظيره علمه سبحانه بأن إنسانا كذا ، سيشقى بكفره اختيارا يستوجب تحقق الشقوة التي هي نتيجة الكفر الاختياري دون الشقوة مطلقة سواء أكان هناك كفر أو لا ، وسواء أكان هناك اختيارا أو لا» (١).

وأما الرواية التي استشهد بها الرازي فقد أوعزنا عند البحث عن القضاء والقدر إلى أنها أشبه بالإسرائيليات منها بالإسلاميات. والقرآن ينص على عدم الفراغ من العلم ، قال سبحانه : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢). وقال سبحانه : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣). على أنّه يمكن توجيه قوله (عليه‌السلام) : «اعملوا فكل ميسّر لما خلق له» ، بأن المراد من الموصول في قوله : «لما خلق له» ، هو معرفة الله سبحانه وعبادته ، لا الكفر به وإنكاره قال سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٤). فإذا كانت الغاية من الخلقة هي العبادة ، يكون كلام الرسول «اعملوا فكل ميسّر لما خلق له» ، ناظرا إلى هذه الغاية فقط ، لا

__________________

(١) الميزان ، ج ١١ ، ص ٢١.

(٢) سورة الرحمن : الآية ٢٩.

(٣) سورة الرعد : الآية ٣٩.

(٤) سورة الذاريات : الآية ٥٦.

٣٧٤

إلى السعادة والشقاء ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الروايات أنّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قرأ قوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (١). وقد ورد هذاالتفسير في كلام الإمام الطاهر موسى بن جعفر حيث يقول بعد ما سئل عن قول رسول الله : «اعملوا فكل ميسّر لما خلق له» : إنّ الله عزوجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، فيسّر كلّا لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى» (٢).

نعم حاول العلّامة الطباطبائي تصحيح الرواية بوجه خاص ، فمن أراد الاطّلاع عليه فليرجع إلى كلامه (٣).

الجهة الثانية ـ في معنى الرواية المروية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

إنّ السعادة والشقاء من المفاهيم الواضحة ولا يحتاجان إلى التفسير ولكنهما يتشعبان ويختلفان حسب اختلاف متعلقهما فسعادة كل شيء أن ينال ما لوجوده من الخير الذي يكمل بسببه ، فهي في الإنسان ـ وهو مركب من روح وبدن ـ أن ينال الخير حسب قواه الجسمانية والروحية فيتنعم به ويلتذ ، وشقاؤه أن يفقد ذلك ويحرم منه. وعلى ضوء ذلك فالإنسان من حيث الصحة والسقم ينقسم إلى سعيد وشقي ، ومن حيث الغنى والفقر في حوائج الحياة يتصف بأحدهما ، كما هو كذلك إذا قيس إلى الزوجة والرفيق وغير ذلك من ملابسات الإنسان ، فيوصف بأنّه سعيد من هذه الجهة أو شقي وعلى ذلك فليس معنى السعيد على الإطلاق الخالد في الجنّة ، والشقي الخالد في النار ، وإنما هما من أقسامهما ومصاديقهما. نعم ، المراد منهما في الآية المتقدمة هو ذاك بشهادة قوله سبحانه : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) و (أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ). ولكنه معلوم من سياق

__________________

(١) سورة الليل : الآيات ٥ ـ ٧.

(٢) التوحيد ، باب السعادة والشقاء ، الحديث الثالث.

(٣) الميزان ، ج ١١ ، ص ٣٧ ـ ٣٨.

٣٧٥

الآية ، لا أنّهما موضوعان للسعيد والشقي في الآخرة ليس غير.

وعلى ضوء ذلك فالخبر المروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليس إلّا قوله : «الشقي من شقي في بطن أمّه والسعيد من سعد في بطن أمّه» ، وهو كلام مطلق لا قرينة فيه على أنّ المراد منه هو القسم الوارد في الآيات الكريمة ، بل يمكن أن يقال إنّ المراد منه هو السعادة والشقاء من حيث الخلقة والمزاج بقرينة قوله : «في بطن أمّه». فمن المحتمل إذا صحّ سند الحديث وثبت صدوره من النبي أن يكون المراد إنّ الإنسان في بطن أمه على صنفين : شقي وسعيد.

فالجنين المتكون من نطفة وبويضة لأبوين سالمين روحا وجسما يتصف بالسعادة في بطن أمه وترافقه في حياته الدنيوية ، وهذا بخلاف الجنين المتكوّن من نطفة وبويضة لأبوين عليلين ومريضين جسما وروحا ، فهو من هذا الآن محكوم بالشقاء ، وإذا تولد رافقه إلى آخر عمره (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). فالرواية لا صلة لها بالسعادة والشقاء الأخرويين. وبالنتيجة لا ترتبط ببحث الجبر والاختيار ، وإنما حملوها عليهما لأجل كون السعادة والشقاء في الآية راجعين إلى الحياة الأخروية ، ولكنه ليس بدليل.

نعم روى الصدوق عن محمد بن أبي عمير (م ٢١٧) قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) عن معنى قول رسول الله : «الشقي من شقي في بطن أمّه والسعيد من سعد في بطن أمّه». فقال : «الشقي من علم الله وهو في بطن أمّه أنّه سيعمل أعمال الأشقياء. والسعيد من علم الله وهو في بطن أمّه أنّه سيعمل أعمال السعداء» (١).

__________________

(١) التوحيد باب السعادة والشقاوة ، الحديث ٣ ، ص ٣٥٦.

٣٧٦

الجهة الثالثة ـ في تحليل السعادة والشقاء من حيث الذاتية والاكتسابية

الذاتي قد يطلق ويراد منه ذاتي باب «الإيساغوجي» (١). وأخرى يراد منه ذاتي باب «البرهان». أما الأول فالمراد منه ما لا يكون خارجا عن ذات الشيء ويقابله العرضي ، فالجنس والفصل والنوع ذاتيات بهذا المعنى والعرض الخاص والعام عرضيان بالنسبة إليها ، وذلك واضح لا يحتاج إلى البيان ، فالحيوانية والناطقية والإنسانية تعدّ ذاتيات بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الإنسان ، والتعجب والمشي عرضيان بالنسبة إليه.

وأما الثاني ، أعني ذاتي باب البرهان ، فالمراد منه ما لا يكون جنسا ولا فصلا ولا نوعا ، ولكنه ينتزع من نفس ذات الشيء وفرض حصوله في ظرف من الظروف من دون حاجة إلى ضم ضميمة خارجية إليه ، بل يكفي وضع الموضوع في وضع المحمول. وهذا كالإمكان بالنسبة إلى ماهية الإنسان ، والزوجية بالنسبة إلى الأربعة. ففرض الإنسان في أي ظرف من الظروف ، ذهنا كان أو خارجا ، يصحح انتزاع الإمكان منه وحمله عليه ، كما أنّ فرض الأربعة بالنسبة إلى الزوجية كذلك. فالإمكان والزوجية ليسا جنسين ولا فصلين ولا نوعين بالنسبة إليهما ، ولكن يكفي فرض الموضوع في فرض المحمول من دون حاجة إلى انضمام شيء وحيثية إلى جانب الإنسان أو الأربعة. فيطلق على كل واحد تارة «ذاتي باب البرهان» وأخرى «المحمول بالصميمة».

ويقابله ما لا يكون كذلك ، أي يحتاج في توصيف الشيء به وحمله عليه إلى انضمام شيء إلى الموصوف حتى يصحّ في ضوئه حمله عليه ، وذلك كحمل الأبيض على الجسم فإن توصيفه به يتوقف على انضمام عرض كالبياض إليه وإلّا ففرض الجسم في ظرف من الظروف لا يصحح الحمل كما لا يصحح اتصاف الجسم به. ومثله حمل الوجود على الماهية واتصافها

__________________

(١) الإيساغوجي في مصطلح المنطقيين اليونانيين يعادل «الكليّات الخمس» في مصطلح منطق الإسلاميين.

٣٧٧

به ، فإن فرضها بما هي هي ، لا يكفي في اتصافها به بل يحتاج إلى ضم حيثية إلى الماهية تخرجها من حالة التساوي إلى أحد الجانبين. وهذه الحيثية هي الحيثية العلّية ، ولولاها لما صح حمل الموجود عليها ، فيطلق على البياض المنضم إلى الجسم «حيثية تقييدية» ، كما يطلق على العلّة المخرجة للماهية من كتم العدم إلى الوجود «حيثية علية».

ولذلك اشتهر في كلامهم أنّ الذاتي في باب البرهان ما لا يحتاج في الحمل والاتصاف إلى إحدى الحيثيتين ، وغيره يتوقف صحة الحمل والاتصاف فيه على ضم إحداهما (١).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه لا يصحّ توصيف السعادة ولا الشقاء بالذاتي بكلا المعنيين.

أمّا الأول ، فإن السعادة والشقاء ليسا من مقولة الجنس ولا الفصل ولا النوع بالنسبة إلى الفرد المحكوم بأحدهما ، وذلك واضح لا يحتاج إلى بيان.

وأمّا الثاني ، أعني «ذاتي باب البرهان» فقد عرفت أنّه عبارة عن الخارج عن ماهية الشيء (ليس جنسا ولا فصلا ولا نوعا) ولكن يحمل عليه بلا ضم ضميمة. ولكنهما ليسا كذلك إذ لا يكفي فرض فرد من الإنسان في اتصافه بأحدهما ، بل يحتاج إلى ضم ضميمة إلى جانبه ككونه ذا عقائد حقّة وأعمال صالحة ، أو ما يقابلها من العقائد الباطلة والأعمال الطالحة ، فيصحّ أن يطلق أنّه سعيد أو شقي ، وفي ضوء ذلك يجب أن يقال : إنّ السعادة والشقاء من الأمور العرضية التي يكتسبها الإنسان في مدّة حياته.

وإن أريد أنّ مباديهما ومناشئهما من الأمور الذاتية التي تنتقل إلى

__________________

(١) وإلى هذا التقسيم يشير الحكيم السبزواري في منظومته بقوله :

والخارج المحمول من صميمه

يغاير المحمول بالضّميمة

كذلك الذاتيّ بذا المكان

ليس هو الذاتي في البرهاني

٣٧٨

الإنسان بالوراثة والثقافة والبيئة ، فإن ما تتركه هذه الأمور من الآثار بما أنها خارجة عن اختيار الإنسان يطلق عليها الذاتي. فقد عرفت أنّ تأثير كل واحد من هذه العوامل الثلاث تأثير اقتضائي غير مفروض على الإنسان ، بل فوقه حرية الإنسان واختياره ، فله أن يزيل ما تركته وفرضته هذه العوامل بقوة وشدة. وقد اشبعنا الكلام في ذلك فيما مضى فلاحظ.

أضف إلى ذلك : إنّ كثيرا من الملكات الصالحة أو الطالحة لا تحصل في الإنسان إلّا بتكرار العمل ، فالشرير الذي يسهل عليه قتل الأبرياء ، لم يكن يوم ولد بهذه الدرجة من الجناية وإنما أوجد تكرار العمل تلك الدرجة الخاصة التي يكون قتل الإنسان وقتل البق عنده سواء. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ الملكات الصالحة أو الخبيثة التي يعبّر عنها بالسّعادة والشقاء ، الباعثة إلى الأعمال المناسبة لها ، إنما يكتسبها الإنسان عن طريق تكرار العمل ومع ذلك فكيف تعد تلك الملكات أمورا ذاتية.

تقسيم الإنسان إلى شقيّ وسعيد

إنّه سبحانه يقسم مجموع الإنسان إلى شقي وسعيد حيث يقول : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (١). ولكنها لا تدل على أنّ الشقاء والسعادة من الأمور الذاتية اللّازمة للإنسان لما عرفت من أنّ ظرف الحكم هو الدنيا ولكن ظرف الاتصاف في الآخرة. فاتصاف كل واحد بأحد الأوصاف لأجل الأعمال التي ارتكبها في حياته الدنيوية أو العقائد الباطلة التي اتصف بها فيها ، ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يرتب على كون الإنسان شقيا بأنّ له في الحياة الأخروية ، زفير وشهيق ، وعلى السعيد بأن له الجنة (٢).

وهذا يعرب عن أنّ الزفير والشهيق أو النعمة والجنة من آثار الشقاء والسعادة كما أنهما من آثار تكذيب الأنبياء أو قبول دعوتهم إلى غير ذلك من

__________________

(١) سورة هود : الآية ١٠٥.

(٢) سورة هود : الآيتان ١٠٦ و ١٠٧.

٣٧٩

الأعمال التي توجب الشقاء والسعادة ، ويدلّك على ذلك قوله سبحانه في الآية المتقدمة : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (١).

وبذلك يظهر ضعف ما اعتمد عليه المحقق الخراساني في معالجة مسألة العقاب حيث قال : «العقاب إنما يتبع الكفر والعصيان التابعين للاختيار (الإرادة) الناشئ عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية ، اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإنّ السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمّه» (٢).

كيف وقد دلّت التجارب العلمية على أنّ كثيرا من الملكات والصفات يكتسبها الإنسان على مدى حياته بممارسة الأعمال والأفعال ، وإلّا فالإنسان يخلق على الفطرة الصحيحة السالمة قال سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣) ، فالآية تفسّر الدين الذي يجب التوجه إليه بقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها). و «الفطرة» بمعنى الخلقة بقرينة قوله سبحانه: (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ). وتشير الجملة إلى أنّ الذي يجب التوجّه إليه (لقوله فأقم وجهك للدين حنيفا) هو مما جبل الإنسان عليه ، فإصغاؤه لدعوة الدين تلبية لنداء الفطرة ، ومن خلق على فطرة الدين كيف يكون شقيا بالذات؟

تحليل لآية أخرى

ربما يتمسك في إثبات الشقاء الذاتي بقوله سبحانه ، حاكيا عن

__________________

(١) سورة هود : الآية ١٠١.

(٢) كفاية الأصول ، ج ١ ، بحث اتحاد الطلب والإرادة ، ص ١٠٠.

(٣) سورة الروم : الآية ٣٠.

٣٨٠