أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٢

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣١

الثامن : أن الأمة متفقة على صحة الإطلاق بأن الزوج قادر على الطلاق وعند ذلك : فإما أن يكون قادرا عليه قبل الطلاق ، أو مع الطلاق. لا جائز أن يقال بالثانى ؛ فإنه لا زوج ، ولا زوجية مع الطلاق. وإن كان الأول : فهو المطلوب. وكذلك (١) الكلام فى وصف السيد بالقدرة على عتق عبده. ومن هذا الجنس صحة الإطلاق : بأن الواقف فى مكان ، قادر على الانتقال منه.

وعند ذلك : فإما أن يكون قادرا على الانتقال منه : قبل الانتقال ، أو مع الانتقال.

فإن كان الأول : فهو المطلوب.

وإن كان الثانى : فمع الانتقال لا يكون فى ذلك المكان ، فكيف يصح وصفه (٢) بالقدرة على الانتقال عنه؟

والجواب :

أما منع الملازمة : فمندفعة بما سبق.

وما ذكروه فى تفسير التعلق ؛ فمبنى على فاسد أصولهم فى تأثير القدرة الحادثة ، فى الحدوث ، والإيجاد ،

وهو فاسد ؛ لما سبق تقريره من أنه لا موجد إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الممكنات سواه (٣).

وإن سلمنا تأثير القدرة الحادثة فى الإيجاد ؛ فإنما يصح تفسير التعلق بما ذكروه : أن لو أمكن بقاء القدرة ؛ وهو ممتنع على ما تقدم. وبتقدير أن لا يكون ما فيه فوجود الفعل فى ثانى الحال من وجودها يكون فى حال (٤) عدمها ؛ فلا يكون الوجود أثرا لها ؛ لكونها معدومة وقت وجوده ؛ فإن العدم لا يؤثر فى الوجود كما تقدم تقريره فى مسألة إثبات رؤية البارى ـ تعالى (٥) ـ وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه علي الوجه الثانى أيضا.

__________________

(١) فى ب (وكذا).

(٢) فى ب (وصفها).

(٣) انظر ل ٥٨ / ب وما بعدها.

(٤) فى ب (الحال).

(٥) راجع ما سبق ل ١٢٣ / أالمسألة الثانية : فى رؤية الله ـ تعالى.

٣٠١

قولهم : فى الشبهة الأولى (١) : لو تعلقت القدرة بالحادث وقت حدوثه ، كان فيه تحصيل الحاصل : مبنى على أن القدرة مؤثرة فى الإيجاد ؛ وهو ممنوع على ما تقدم ، وإن كانت مؤثرة : فلا يلزم من تعلقها به فى وقت وجوده إيجاد الموجود ؛ فإنه لا معنى لكونها مؤثرة فى وجوده ، فى وقت وجوده ، غير أنه لو لا القدرة فى وقت الوجود : لما كان الفعل موجودا فى ذلك الوقت ؛ لا بمعنى أنها موجدة للفعل الموجود.

وعلى هذا : فقد بطل قولهم : الموجود إذا تحقق استغنى عن تعلق القدرة به.

ثم يلزمهم على قول ذلك استغناء المعلول عند تحققه عن العلة : كالعالم ، والعلم. واستغناء المشروط عند تحققه عن / الشرط : كالعلم مع الحياة ، واستغناء المسبب عند تحققه عن السبب : كحركة الخاتم (٢) ، مع حركة اليد ؛ وهو ممتنع.

فلئن قالوا : القدرة ليست علة للمقدور ، ولا شرطا له ؛ فلا يلزم مقارنتها للمقدور بخلاف العلة ، والشرط ؛ فإن من حكم العلة مقارنتها للمعلول ، وكذلك الشرط مع المشروط. وأما المسبب : فموجود بالقدرة لا بالسبب.

قلنا : القدرة وإن لم تكن علة للمقدور ، ولا شرطا له. غير أن المقدور مفتقر إلى القدرة كافتقار المعلول إلى العلة ، والمشروط إلى الشرط ؛ فإذا كان المقدور عند وجوده ، مستقلا بالوجود ، مستغنيا عما لا يتم وجوده إلا به ؛ فكذلك المعلول ، والمشروط ؛ ضرورة عدم الفرق من جهة كون كل واحد مفتقرا إليه فى الوجود.

وقولهم : إن المسبب مقدور بالقدرة ؛ فلا يخفى أن الخارج عن محل القدرة غير حاصل بمجرد القدرة دون تقدير سبب ، فالسبب يكون مفتقرا إليه فى الوجود : كالافتقار إلى القدرة. فإذا جاز استقلال الفعل المتوقف على القدرة بعد وجوده ، مستغنيا عن وجود القدرة معه ؛ فكذلك السبب.

قولهم فى الشبهة الثانية : القدرة ممتنعة التعلق بالباقى ؛ لكونه موجودا ؛ فكذلك فى أول الوجود.

__________________

(١) الشبهة الأولى هى الوجه الأول من الأشكال الثالث وقد ذكرها الآمدي على أنها الوجه الأول ثم أجاب عنها وسماها الشبهة الأولى وقد تابعته فى ذلك وفى بقية الأوجه حتى الثامن.

(٢) فى ب (المفتاح).

٣٠٢

فنقول عنه أوجه ثلاثة :

الأول : لا نسلم امتناع تعلق القدرة بالباقى ؛ لكونه موجودا ، وليس لهم فى إثبات ذلك غير الطرد ، والعكس ، والسبر ، والتقسيم ؛ وقد سبق إبطال كل واحد منهما (١).

الثانى : الفرق : وبيانه : أن الحادث هو الموجود بعدم العدم ، فلو لم تتعلق به القدرة ؛ لبقى على العدم ؛ وقد قيل بوجوده. بخلاف الباقى : فإنه كان موجودا فى حالة الحدوث ؛ فلو لم يقدر تعلق القدرة به فى حالة البقاء ؛ لبقى على الوجود ؛ وليس بمحال ؛ لكونه واقعا.

الثالث : النقض بصور ثلاث :

الصورة الأولى : النقض (٢) بإحكام الفعل ، وإتقانه ؛ فإن المؤثر فيه علم المحكم أو عالميته ، ولم يشترط (٣) مقارنة العلم ، أو العالمية للإحكام والإتقان حالة بقائه. وإن كان ذلك مشترطا (٤) عندهم حالة وجود (٥) الإحكام (٥) ، ولا يخفى وجه الجمع بين الصورتين.

الصورة الثانية : هو أن بقاء الفعل بتقدير كونه باقيا عندهم ، لا يؤثر فى اتصاف الفاعل بكونه فاعلا حالة البقاء ، وإن كان موجبا / لذلك حالة حدوث الفعل.

الصورة الثالثة : هو أن الإرادة مقارنة للحدوث ، دون حالة البقاء ، وما لزم من عدم مقارنتها للموجود حالة بقائه ، أن لا تكون مقترنة به حالة حدوثه ؛ فكذلك فى القدرة ، ولو راموا الفرق بين هذه الصور ، وبين القدرة ؛ لم يجدوا إليه سبيلا.

وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الشبهة الثالثة أيضا.

وأما الشبهة الرابعة : فمبنية على أن أفعال الله ـ تعالى ـ غير مقدورة بالقدرة وهو باطل : على ما سبق تحقيقه فى إثبات القدرة القديمة (٦).

__________________

(١) راجع ما تقدم ل ٣٩ / أوما بعدها.

(٢) فى ب (الأولى).

(٣) فى ب (ولم يشترطوا)

(٤) فى ب (مشروطا)

(٥) فى ب (الوجود والأحكام).

(٦) انظر ل ٥٨ / ب وما بعدها.

٣٠٣

وأما الشبهة الخامسة : فالقدرة القديمة ؛ وإن كانت متقدمة على جميع المقدورات ؛ فهى إنما تتعلق بالأفعال الممكنة ، والفعل فى الأزل غير ممكن ؛ فلا تكون متعلقة به أزلا ؛ بل تعلقها بالفعل الممكن ؛ فيما لا يزال ؛ وذلك لا يناقض ما ذكرناه ؛ فإنها وإن كانت متقدمة عليه فى الأزل ؛ فباقية ، ومقارنة له فيما لا يزال (١).

وأما الشبهة السادسة : فمبنية على أن التكليف بما لا يطاق ممتنع ، وليس كذلك على ما أسلفناه (٢).

وعلى هذا لا فرق بين التكليف بالإيمان ، وبإحداث (٣) الجواهر ، والأعراض ، وإن فرقنا بين التكليف بالإيمان ، والتكليف بإحداث الجواهر ، والأعراض (٤) حتى جوزنا الأول ، ومنعنا من الثانى (٤) ؛ فمن جهة أن إحداث الجواهر والأعراض ، غير مقدور الفعل والترك بخلاف الإيمان ؛ فإنه وإن لم يكن مقدورا قبل حدوثه ؛ فتركه بالتلبس بضده ؛ وهو الكفر ؛ مقدور حالة كونه كافرا.

وأما الشبهة السابعة : فمبينة على امتناع المؤاخذة على ما ليس بمقدور ، ومدار ذلك على التحسين ، والتقبيح الذاتى ؛ وقد سبق ما فيه (٥).

وأما الشبهة الثامنة : فمعلولها على الإطلاقات اللفظية ، ولا اعتبار بها فى القضايا العقلية ، والأصول الدينية.

كيف وأنا نقول : هو قادر على الطلاق وقت الطلاق ، كما تقدم ، وإطلاق اسم الزوج عليه حالة الطلاق. وإن كانت الزوجية زائلة : باعتبار ما كان عليه ؛ ولا مانع منه.

وعلى هذا فما ذكروه من باقى الصور يكون الجواب. كيف وأن ما ذكروه ينعكس عليهم فى إطلاق اسم المطلق على الزوج. فإن كان قبل الطلاق ؛ فهو ممتنع. وإن كان حالة / كونه مطلقا ؛ فليس بزوج.

وعند ذلك : فما هو جوابهم هاهنا ؛ هو الجواب فيما ألزموه.

__________________

(١) فى ب (يزال).

(٢) انظر ل ١٩٤ / ب وما بعدها.

(٣) فى ب (والتكليف بأحداث).

(٤) فى ب (حتى منعنا الثانى وجوزنا الأول).

(٥) انظر ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

٣٠٤

ثم لو قيل لهم : إذا جوزتم تعلق القدرة بالمقدور فى (١) الوقت المتقدم على وقت حدوثه ، فما المانع من تعلقها به قبل وقت حدوثه بأوقات مع أنكم لم تقولوا به ؛ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا.

فلئن قالوا : القدرة مع المقدور : كالعلم بالمنظور فيه مع النظر ، والنظر لا يقارن العلم بالمنظور فيه ، ولا العلم متأخر عنه بتقدير عدم الأضداد المانعة منه ؛ فكذلك القدرة مع المقدور.

فنقول : هذا جمع من غير دليل جامع ؛ فلا يكون مفيدا. وما المانع من أن تكون القدرة مع المقدور ، لا (٢) كالنظر مع العلم (٢) بالمنظور فيه ؛ بل من قبيل العلم ، والعالمية ، والإرادة ، والمريدية ، إلى غير ذلك مما قيل بمقارنته دون تقدمه.

وقد استدل الأصحاب فى المسألة بمسلكين ضعيفين :

المسلك الأول : هو أنه لو كانت القدرة الحادثة متقدمة على الفعل المقدور ، وهو واقع بها فى الحالة الثالثة ؛ لجاز تقدير عدمها فى الحالة الثانية ، بتقدير وجود عجز مضاد لها فى الحالة الثانية ، أو فوات شرطها ، ويلزم من ذلك ، وقوع الفعل فى الحالة الثانية ، مع تحقق العجز المضاد ، أو فوات شرط القدرة ؛ وهو محال.

ولقائل أن يقول :

العجز المفروض فى الحالة الثانية من وجود القدرة الحادثة ؛ لا يلزمه انتفاء الفعل فى تلك الحالة ؛ فلا يكون ضدا للقدرة السابقة ؛ بل إنما يلزم انتفاء الفعل فى الحالة الثانية من حالة وجوده ، كما أن القدرة لا تؤثر فى الفعل فى وقت وجودها ؛ بل فى ثانى الحال ؛ فالعجز المضاد للقدرة : إنما هو العجز المفروض وقوعه فى حالة فرض وقوع القدرة فيها ؛ فلا يكون موجودا معها.

فإن قيل : فالقدرة المتقدمة المتعلقة بالفعل فى (٣) ثانى الحال : إما أن تكون متعلقة بالفعل فى الزمن الثالث وما بعده ، أو لا تعلق لها (٤) به فيه.

__________________

(١) فى ب (من).

(٢) فى ب (كالنظر).

(٣) فى ب (لا فى).

(٤) فى ب (له).

٣٠٥

فإن كان الأول : فيلزم من فرض وجود العجز فى الحالة الثانية قطع تعلق القدرة بالمقدور فى الحالة الثالثة ؛ وفيه قلب جنس القدرة حيث قيل بانقطاع تعلقها بعد التعلق ، ولو جاز مثل ذلك بالنسبة إلى الحالة الثالثة ؛ لجاز مثله فى الحالة الثانية ، وأنتم غير قائلين به.

وإن كان الثانى : فيلزم منه أن ما اقتضته القدرة ؛ فالعجز غير مانع منه ، وما منعه العجز فغير ما اقتضته القدرة ، ويلزم / من ذلك ارتفاع التضاد بين العجز والقدرة ؛ وهو ممتنع.

فيقال : المختار من القسمين : إنما هو الثانى منهما ؛ ولكن غايته أن العجز المفروض فى الحالة الثانية ، غير مضاد للقدرة الموجودة فى الحالة الأولى ، ولا يلزم منه ارتفاع التضاد بين القدرة ، والعجز مطلقا ؛ فإن العجز المضاد للقدرة ما يقدر وجوده وقت وجود القدرة ، لا ما يقدر وجوده قبلها ولا بعدها ؛ وهما مما لا يمنعان.

المسلك الثانى :

هو أن القول بتقدم القدرة على المقدور مما يمنع من تفرقة العاقل بين كونه قادرا ، وبين كونه عاجزا ؛ واللازم ممتنع ؛ فالملزوم مثله.

وبيان الملازمة : هو أنه إذا تقدمت القدرة الحادثة على المقدور ؛ فالمقدور بها ممتنع فى حال وجودها. ولو قدر وجود العجز فى الوقت المتقدم على وقت وجود القدرة ؛ فالفعل يمتنع به فى وقت وجود القدرة ؛ وهى الحالة الثانية منه ؛ فإذن قد ساوى وجود القدرة للعجز فى حكمه ، وهو امتناع الفعل ، ويلزم من ذلك ، امتناع التفرقة بين الفعل مع القدرة ، والفعل مع العجز ؛ وهو محال.

ولهذا : فإن كل عاقل يجد من نفسه التفرقة بين حركته مختارا ، ومرتعشا ، وبين كونه ماشيا بالاختيار ، وبين كونه مسحوبا مجرورا على وجهه كرها.

ولقائل أن يقول :

هذا : إنما يلزم أن لو كانت القدرة فى وقت حدوثها : قدرة على الفعل فى ذلك الوقت ، وليس كذلك ؛ بل هى قدرة عليه فى الزمن الثانى على ما تقرر.

٣٠٦

وعند ذلك : فامتناع وقوع الفعل فى وقت القدرة الحادثة كان لانتفاء القدرة عليه فى الوقت المتقدم ، وسواء كان عدمها للعجز ، أو لفوات شرطها ، فلا يلزم منه امتناع التفرقة بين المقدور ، والمعجوز على ما ذكروه.

٣٠٧

«الفصل الرابع»

فى امتناع تعلق القدرة الحادثة بمقدورين

مذهب أكثر أصحابنا : امتناع تعلق القدرة الحادثة بمقدورين معا ، وعلى سبيل البدل ، وسواء كانا ضدين : مختلفين ، أو متماثلين. أو مختلفين : من غير تضاد ، وأنها لا تتعلق إلا بمقدور واحد.

وذهب أكثر المعتزلة : إلى أن القدرة الحادثة : تتعلق بجميع مقدورات العباد المتضاد منها ، وغير المتضاد.

واختلف قول أبى هاشم : فى القدرة القائمة بالقلب ، والقدرة القائمة ببعض الجوارح.

فقال مرة : القدرة القائمة بالقلب تتعلق بجملة أفعال القلوب : كالاعتقادات والإرادات / ونحوها ، ولا تتعلق بغيرها من الحركات ، والألوان ، والاعتمادات. وكذلك القدرة القائمة ببعض الجوارح تتعلق بجملة أفعال الجوارح من الأكوان ، والاعتمادات ، ولا تتعلق بشيء من أفعال القلوب.

وقال مرة أخرى : كل واحدة من القدرتين تتعلق بجميع المقدورات من أفعال القلوب ، والجوارح ، غير أنه امتنع اتحاد أفعال الجوارح بقدرة القلب لفقد الآلات ، والبنية المخصوصة ، وكذلك بالعكس.

وقال مرة : القدرة القائمة بالقلب تتعلق بأفعال الجوارح ، ولا عكس.

وذهب ابن الراوندى ، وكثير من أئمتنا (١) : إلى أن القدرة الحادثة تتعلق بالمتضادات على سبيل البدل ، لا معا.

وأجمعت المعتزلة : على جواز تعلق القدرة الحادثة بالمتماثلات من كل جنس على ممر الأوقات ، وتعاقب الساعات ، مع اتفاقهم على امتناع وقوع مثلين فى محل واحد ، بقدرة واحدة ، فى وقت واحد.

__________________

(١) فى ب (أصحابنا).

٣٠٨

والمعتمد لأهل الحق : فى امتناع تعلق القدرة الحادثة ، بالضدين معا : الاستدلال والإلزام.

أما الاستدلال :

فهو أن القائل بتعلقها بالضدين معا : إما أن يكون قائلا بوجوب مقارنة القدرة للمقدور ، أو بتقدمها عليها.

فإن كان الأول : فالقول بتعلقها بالضدين معا يوجب اقترانها بالضدين معا ، ويلزم من ذلك اجتماع الضدين ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : فما ذكرناه من دليل امتناع تقدم القدرة الحادثة علي مقدورها ، ووجوب مقارنتها له ، دليل عليه هاهنا ، ويلزم من ذلك اجتماع الضدين كما قررناه.

وأما الإلزام :

فهو أن السهو ، مضاد للعلم ، ويلزم من كون القدرة الحادثة متعلقة بالضدين معا ، أن تكون القدرة المتعلقة بالعلم ، متعلقة بالسهو ؛ وهو غير مقدورها.

فإن قيل : ما ذكرتموه فى طرف الاستدلال ، فرع مقارنة القدرة للمقدور ؛ وهو متعذر لما سبق.

سلمنا وجوب مقارنتها للمقدور : ولكن لا نسلم ، امتناع الجمع بين الضدين ؛ وذلك لأن الحكم على الجمع بين الضدين بكونه مستحيلا : إما أن يكون مع تصوره فى العقل ، أو لا مع تصوره.

فإن كان الأول : فما هو متصور فى العقل لا يكون مستحيلا لذاته ، وما لا يكون مستحيلا لذاته ؛ فواجب ، أو ممكن. وعلى كل تقدير ؛ فلا يكون ممتنعا.

وإن كان الثانى : فالحكم على ما لا تصور له فى العقل بنفى ، أو إثبات يكون ممتنعا.

كيف : وأن الحكم / باستحالة جمع الضدين علم تصديقى ، وذلك مع عدم تصور مفرداته ؛ محال ، وأحد مفرداته (١) ، الجمع بين الضدين ؛ فكان متصورا.

__________________

(١) فى ب (من ذاته).

٣٠٩

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع تعلق القدرة الحادثة بالضدين معا : لكنه معارض بما يدل على جوازه ، وبيانه من ستة (١) أوجه :

الأول : أنه لو كان القادر على شيء لا يكون قادرا على ضده ؛ لكان فى حكم الملجأ المضطر إلى ذلك المقدور ؛ حيث لا يقدر على الانفكاك عنه ، وذلك يجر إلى إبطال التفرقة بين القادر ، والمضطر ؛ وهو كما (٢) تقدم تحقيقه (٢).

الثانى : هو أن العجز المضاد للقدرة : وهو فلا يمتنع تعلقه بالشيء وضده ، ولهذا فإن العاجز عن القعود ، قد يكون بعينه عاجزا عن القيام ، وكذلك بالعكس ، وكذلك العاجز عن الحركة يمنة ، قد (٣) يكون (٣) عاجزا عن الحركة يسرة إلى نظائره ، ويلزم من ذلك : جواز تعلق القدرة بهما ، لتكون القدرة على مناقضة ضدها.

الثالث : هو أن القاعد : قادر على القعود وهو تارك للقيام ، اختيارا ، وترك الشيء اختيارا يلزمه أن يكون مقدورا ؛ فإن ما لا يكون مقدورا ؛ لا يمكن تركه اختيارا ؛ فالقيام مقدور عليه.

الرابع : هو أن القادر على القيام : فى حالة قيامه يجد من نفسه التمكن من القعود ، والاضطجاع وجدانا لا يمارى فيه عاقل ، ولا يمكن مكابرته ؛ فيكون مقدورا مع القيام أيضا. ولا بد وأن يكون قادرا عليهما ، بقدرة واحدة ، وإلا فلو كان قادرا على كل واحد منهما بقدرة غير القدرة على الآخر ؛ لأمكن فرض عدم إحدى القدرتين ، دون الأخرى.

وعند ذلك : يلزم أن من كان قادرا على القيام ، لا يكون قادرا على القعود وبالعكس ؛ وهو محال.

الخامس : أنه لو اتحد متعلق القدرة الحادثة وقدر أن الله ـ تعالى ـ خلق لمن هو فى مكان القدرة على الكون فى غير ذلك المكان ، ولم يخلق له غيرها ؛ فيلزم أن لا يكون مقتدرا بها على الكون فى مكانه ، وأن لا يكون مقدورها معها ، فيكون كالعاجز الّذي لا قدرة له ؛ وهو محال.

__________________

(١) فى ب (خمسة).

(٢) فى ب (محال كما سبق).

(٣) فى ب (فلا يكون).

٣١٠

السادس : هو أنه لو أقدر الله ـ تعالى ـ الكافر على الكفر حالة كفرة ، فلو لم تكن قدرته على الكفر قدرة على الإيمان ؛ لما كان لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة ؛ وهو خلاف المعقول والمنقول عن الأنبياء والرسل ، من تذكير (١) الكفار بنعم الله ـ تعالى ـ عليهم ، وإحسانه إليهم ، وطلب الشكر له منهم.

وبيان لزوم ذلك / هو أن القدرة على الكفر ، إذا لم تكن صالحة لغير الكفر ، فهى سبب للعذاب ؛ فتكون نقمة ؛ لا نعمة ، ووجوده ، ونيته ، واستعداده للذات ، واتصافه بصفات الكمالات شروط لهذا العذاب ، إذ لولاها لما كان معذبا (٢) ؛ فهى إذن (٢) نقم لا نعم ، وليست هذه الأمور نعما ؛ لما فيها من اللذات العاجلة ، وإلا لكان ارتكاب الفواحش نعما ، لما فيها من اللذات ، ولكان من قدم بين يدى إنسان طعاما لذيذا ، مسموما ، مهلكا ـ وهو عالم به ـ فأكله ذلك الإنسان ، أن يكون منعما عليه به ، وكل ذلك محال.

وهذا المحال : إنما لزم من كون القدرة على الكفر ؛ ليست قدرة على غيره ؛ فيكون محالا.

وأما الإلزام بالعلم (٣) ، والسهو : (٣) فإنما يلزم أن لو كان السهو ضدا ومعنى وهو غير مسلم بل هو سلب العلم فيما من شأنه أن يكون له (٤) العلم (٤) ؛ على ما ذهب إليه ابن (٥) عياش من المعتزلة.

سلمنا كون السهو معنى ، ولكن لا نسلم أنه مضاد للعلم لذاته ؛ بل هو مضاد لشرطه ، ونسبة السهو إلى العلم : كنسبة الموت إلى العلم فى كونه مضادا لشرطه ؛ وهو الحياة وليس من شرط القدرة إذا تعلقت بشيء أن (٦) تكون (٦) متعلقة بضد شرطه على ما ذهب إليه أبو هاشم.

__________________

(١) فى ب (انذار).

(٢) فى ب (معلوما فإذن).

(٣) فى ب (بالسهو فإنه).

(٤) فى ب (عالما).

(٥) ابن عياش : أبو إسحاق إبراهيم بن عياش ، من أئمة المعتزلة البصريين ، كان شيخا للقاضى عبد الجبار ، ومن رجال الطبقة العاشرة.

(٦) فى ب (لا تكون).

٣١١

سلمنا أن السهو ضد للعلم ؛ ولكن لا نسلم أنه ليس بمقدور.

وإن سلمنا أنه ليس بمقدور ؛ فلا نسلم أن القدرة المتعلقة بالشيء تكون متعلقة بجميع أضداده ؛ بل ببعض الأضداد ، وهذان القولان معزوان إلى البصرى الملقب ، بجعل (١).

سلمنا امتناع تعلق القدرة الحادثة بالشيء وضده معا ؛ ولكن ما المانع من تعلقها بأحد الضدين على البدل؟ كما هو مذهب الهمذانى (٢) وبعض أصحابكم (٣) ، ويدل على ذلك : هو أن القيام ضد القعود ، والإيمان ضد الكفر ، والقدرة على القعود : وإن قارنها القعود ؛ قدرة على القيام. والقدرة على الإيمان : قدرة على الكفر ، وإن قارنها الإيمان ، وكذلك بالعكس.

سلمنا امتناع تعلق القدرة الحادثة بالضدين معا ، وعلى البدل ؛ ولكن ما المانع من تعلقها بالمتماثلات ، كما هو مذهب المعتزلة؟

سلمنا امتناع تعلقها بالمتماثلات ؛ ولكن ما المانع من تعلقها بالمختلفات التى لا تضاد فيها؟ وما ذكرتموه من الدليل غير مطرد فيها.

والجواب :

قولهم : / ما ذكرتموه فرع وجوب مقارنة القدرة للمقدور ؛ فقد حققناه ، وأبطلنا كل ما ورد عليه.

قولهم : لا نسلم استحالة الجمع بين الضدين ، فهو (٤) منع لأمر بديهى ؛ فلا يقبل. وما ذكروه فتشكيك (٥) على البديهيات ؛ فلا يكون مسموعا. كيف وأن المحكوم باستحالته بين الضدين ، إنما هو الجمع المتصور بين المختلفات التى لا تضاد فيها.

وعند ذلك : فحاصل قولنا باستحالة الجمع بين الضدين (أن (٦) ما (٦)) يتصوره من الجمع فى المختلفات منفى عن الضدين بالضرورة ؛ فلم قلتم المحكوم عليه بالنفى غير متصور؟.

__________________

(١) انظر هامش ل ٥٣ / أ.

(٢) انظر هامش ل ٢٠٨ / ب.

(٣) فى ب (أصحابهم).

(٤) فى ب (هو).

(٥) فى ب (فهو تشكيك).

(٦) فى أ (اما أن).

٣١٢

قولهم فى الشبهة الأولى : أنه لو لم يكن قادرا على ضد المقدور ؛ لكان مضطرا إلى المقدور المتعين.

قلنا : عن جوابان.

الأول : إن عنيتم بكونه مضطرا أن فعله غير مقدور ؛ فممنوع. وإن عنيتم بكونه مضطرا أن مقدوره ، ومتعلق قدرته متعين ، وأنه لا مقدور له بهذه القدرة سواء ؛ فهذا هو عين ما رمناه ، ولا منازعة فى التسمية. وعلى هذا فقد بطل القول بعدم التفرقة. حيث أن ما نحن فيه مقدور بقدرة ، والفعل الاضطرارى : غير مقدور بقدرة ، وإن وقع التساوى بينهما من جهة عدم الانفكاك.

ولهذا : من أحاط به بناء من جميع جوانبه ، وهو حاجز له عن التقلب فى باقى جهاته ؛ فإنه قادر على الكون فى مكانه بالإجماع منا ومن المعتزلة ، وإن كان لا يجد إلى الانفكاك عن مقدوره سبيلا.

الثانى : وإن سلمنا أن القادر على الشيء ، لا بد وأن يكون قادرا على ضده ، ولكن لم قلتم باتحاد القدرة المتعلقة بهما؟ وما المانع من تعدد القدرة بتعدد المقدور؟

وأما الشبهة الثانية : فجوابها من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه وإن كان العاجز عن القيام عاجزا عن القعود ؛ فلا نسلم أنه بعجز واحد ، ليلزم مثله فى القدرة.

ولو قيل : ما المانع من تعدد العجز بتعدد المعجوز عنه؟

لم يجدوا إلى دفعه سبيلا.

ولهذا ، فإنه يتصور العجز عن أحدهما ، دون الآخر.

الثانى : وإن سلمنا أن العجز عن القيام والقعود واحد ، ولكن لا يخفى أن إلحاق القدرة بالعجز ، تمثيل من غير دليل جامع ؛ فلا يصح.

الثالث : الفرق : وهو أن العجز عن القيام والقعود ، معنى يترتب عليه المنع من القيام والقعود ، والمنع من القيام ، والمنع. من القعود مجتمعان (١) ؛ فى مقارنة العجز ؛

__________________

(١) فى ب (ويجتمعان).

٣١٣

فجاز أن يكون / العجز لذلك واحدا بخلاف وجود القيام والقعود : فإنهما لا يجتمعان ؛ فلا تكون القدرة عليهما واحدة ؛ لما سبق تقريره من وجوب مقارنة القدرة الحادثة لمقدورها.

وأما الشبهة الثالثة :

فطريق دفعها أن يقال : إن أردتم بكون القاعد تاركا للقيام اختيارا أنه متلبس بضده ؛ وهو القعود مقدورا ؛ فهذا (١) مسلم (٢) ؛ ولكن لا يلزم منه أن يكون القيام مقدورا.

وإن أردتم به أن ترك القيام : وهو عدمه مقدور ؛ فمبنى على أن العدم يكون مقدورا ؛ وهو ممنوع.

وبتقدير أن يكون عدم القيام مقدورا ((٢) لمقارنته القدرة عليه ؛ فلا يلزم أن يكون وجود القيام مقدورا (٢)) ؛ لعدم مقارنته للقدرة ؛ على ما سبق تحقيقه. وإن أرتم به معنى آخر ؛ فلا بد من تصويره (٣) ، والدلالة عليه (٣).

وأما الشبهة الرابعة :

فباطلة أيضا : فإن ما يجده القائم فى حالة قيامه من التمكن من القعود ليس عائدا إلى نفس القدرة عليه فى الحال ؛ إذ هو ممتنع كما سبق ، وإنما هو عائد إلى إمكان وجود القدرة عليه فى ثانى الحال وبه يقع الفرق بينه وبين الممتنع الوجود.

ثم وإن سلمنا أن القائم القادر على القيام ، قادر على (٤) القعود (٤) مع الاستحالة ، فما المانع من كون كل واحد منهما مقدورا بقدرة غير القدرة على الآخر؟.

قولهم : لو كان كذلك لأمكن فرض عدم إحدى القدرتين مع وجود الأخرى.

قلنا : إن ثبت التلازم بين القيام والقعود فى المقدورية ؛ فما المانع من التلازم فى القدرة؟

وعند ذلك : ففرض عدم أحد المتلازمين مع فرض وجود الآخر يكون ممتنعا.

__________________

(١) فى ب (فمسلم).

(٢) من أول (لمقارنته القدرة ...) ساقط من أ.

(٣) فى ب (وإقامة الدليل عليه).

(٤) ساقط من ب.

٣١٤

وأما الشبهة الخامسة :

فمبنية على فرض خلق القدرة قبل وجود المقدور ؛ وهو محل النزاع ؛ فلا يصح.

وأما الشبهة السادسة : فجوابها من وجهين :

الأول : أن من أصحابنا من قال : إنه لا نعمة لله ـ تعالى ـ على الكفار ، وإطلاق اسم النعم (١) عليهم ؛ فلا يمتنع أن يكون تجوزا ، إما (٢) باعتبار اعتقاد الكفار لذلك ، أو باعتبار مشابهة مسمى النعم فى حقهم ، للنعم الحقيقية.

الثانى : وإن سلمنا وجود النعم من الله ـ تعالى ـ على الكفار ؛ فلا يتقيد ذلك بالإقدار على الإيمان تعين القدرة على الكفر ؛ بل جاز أن يقول : ما أوجده لهم من اللّذات وأنواع الكمالات ؛ فهى نعم فى حقهم ؛ إذ هى غير ناشئة من الكفر ، ولا العذاب بسببها ، ولا هى شرط فى العذاب كما قيل.

وعلى هذا : فلا يبعد / القول بأن الملذات الحاصلة من الفواحش ، واللذة الحاصلة من أكل الطعام المسموم ، نعمة من الله ـ تعالى ـ ؛ إذ الفاحشة والأكل غير مولد لها. وإن قارنها نقمة غير أنه لما كان الاضطرار الملازم لهذه النعمة أعظم منها ، وكانت النعمة المقارنة له مستحقرة بالنسبة إلى الاضطرار الملازم لها ؛ فربما جرى العرف بإطلاق النقمة ، والاضراب عن (٣) مسمى النعمة ، ولا اعتبار بالإطلاق بعد فهم المعنى.

قولهم : السهو ليس ضدا للعلم ؛ بل هو عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما ، عنه جوابان :

الأول : أنه يلزم من ذلك أن يكون الشاك ساهيا ؛ لعدم علمه فيه مع كونه بحال يقوم به العلم.

الثانى : هو أن العلم باق على أصول (٤) المعتزلة ـ وابن عياش ؛ وإن خالف فى ذلك ؛ فمحجوج بما يجده كل عاقل من نفسه من دوام علمه ببعض الأشياء ، والباقى

__________________

(١) فى ب (النعمة).

(٢) فى ب (لها).

(٣) فى ب (على).

(٤) فى ب (أصل).

٣١٥

على أصولهم قاطبة لا ينافيه غير المعانى المضادة. فلو كان السهو عدما ؛ لما كان على أصولهم منافيا للعلم الباقى مع كونه منافيا له.

قولهم : السهو : وإن كان معنى : إلا أنه ليس ضدا للعلم ؛ بل لشرطه.

قلنا : لو أمكن ادعاء شرط للعلم ينافيه السهو من غير بيان له ؛ لأمكن ادعاء ذلك فى كل ما يدعى بكونه ضدا.

ولا يخفى ما يلزمه من الجهالات المقطوع بها ؛ فلا بد من بيان شرط للعلم ؛ ليكون السهو منافيا له ؛ فإنا لا نعقل للعلم شرطا ينافيه السهو.

قولهم : لا نسلم أن السهو ليس بمقدور.

قلنا : هذا خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه من أن سهوه ليس بمقدور ، كما يجد من نفسه عدم القدرة على الألوان ، والطعوم ، وغيرها.

قولهم : بأن القدرة متعلقة ببعض الأضداد دون البعض ؛ فهو تحكم بالفرق من غير معنى (١) فارق ، ولو طولبوا بالفرق ؛ لما وجدوا إليه سبيلا.

قولهم : ما المانع من تعلق القدرة الحادثة بالشيء وضده على طريق البدل؟.

قلنا : قد بينا أنه لا تحقق لتعلق القدرة بالمقدور إلا باقترانها به. فما اقترن بها : ؛ فهو المقدور ، وما (٢) لم يقترن وجوده بها ؛ فليس بمقدور.

وعلى هذا : فلا يخفى أن دعوة القدرة علي القيام ـ حالة القيام ـ قدرة على القعود ؛ دعوى محل النزاع ، وكذلك بالعكس.

فلئن قالوا : المعنى بكون أحد الضدين مقدورا بالقدرة الواحدة على طريق البدل ، فإنه أى الضدين وجد مقارنا للقدرة ، بدل / الآخر ؛ كان مقدورا بها.

فنقول : أما من زعم أن تعلق القدرة بالمقدور تعلق تأثير : كالمعتزلة ؛ فيلزمه من دعوى تعلق القدرة بالضدين على طريق البدل بهذا التفسير أمر ممتنع ؛ فيمتنع.

__________________

(١) فى ب (دليل).

(٢) فى ب (وإن).

٣١٦

وبيانه : أنه إذا كان المؤثر فى الضدين بتقدير وقوع كل واحد منهما ؛ إنما هو قدرة واحدة. فعند فرض وجود القدرة المؤثرة إذا فرض انتفاء جميع الموانع المانعة للضدين ؛ ففرض وقوع أحد الضدين عينا مع استوائهما فى وجود المؤثر فيهما ، وانتفاء الموانع ؛ يكون ممتنعا. وهذا المحال : إنما يلزم من فرض تعلق القدرة بالضدين بالتفسير المذكور ؛ فكان ممتنعا.

فلئن قالوا : تخصيص ما تخصص منهما مع الفرض المذكور مستند إلى الإرادة ؛ إذ الإرادة هى التى من شأنها أن تخصص أحد الجائزين دون الآخر ، فيلزمهم صور تحقق فيها أحد المقدورين دون الآخر من غير إرادة. وذلك كما فى صورة النائم ؛ فإنه وإن صدر عنه بعض المقدورات بالقدرة ؛ فمن (١) غير إرادة.

وأما من زعم أن تعلق القدرة بالمقدور من غير تأثير : كما هو مذهبنا ؛ فدفع هذا السؤال على أصله عسير جدا.

ولو قيل : ما المانع من إيجاد الله ـ تعالى ـ لكل واحد من المقدورين على جهة البدل مقترنا بقدرة واحدة؟ لم يجدوا إلى دفعه سبيلا. هذا ما عندى فيه ، ولعل غيرى قادر على دفعه.

قولهم : ما المانع من تعلق القدرة الواحدة الحادثة بالمتماثلات (٢)؟

قلنا : سنبين أن المتماثلات أضداد : وعند ذلك ؛ فالحكم فيها كما سبق فى الأضداد المختلفة.

ثم وإن سلمنا أنها غير متضادة ؛ غير أن الإجماع منا ومن المعتزلة ، واقع على امتناع وقوع المتماثلات معا ، فى شيء واحد ، بقدرة واحدة.

وإذا كان الجمع بينهما متعذرا ؛ فيمتنع تعلق القدرة الواحدة الحادثة بهما معا ؛ بل ما اقترن بها ؛ فهو المقدور. وما لم يقترن بها ؛ فليس بمقدور.

قولهم : ما المانع من تعلق القدرة الواحدة بالمختلفات : التى لا تضاد فيها؟

__________________

(١) فى ب (من).

(٢) فى ب (بالمتماثلين).

٣١٧

قلنا : أما على أصلكم ، وأصل كل من يرى التعلق بجهة التأثير : فلما ذكرناه فى تعلق القدرة بالضدين على طريق التعاقب.

وأما على أصلنا : فلعل عند غيرى حله.

٣١٨

«الفصل الخامس»

فى أن القدرة الحادثة غير موجبة لمقدورها

هذا هو مذهب الشيخ أبى الحسن (١) الأشعرى / رضى الله عنه.

وقد نقل عن بعض الأصحاب : القول بكون القدرة الحادثة موجبة للمقدور.

والحق ما ذكره الشيخ ، وذلك لأن الموجب : قد يطلق فى اللسان بمعنى الموجد.

وقد يطلق بمعنى المحتم الفارض.

وقد يطلق بمعنى علة الحكم : كالعلم والقدرة ، بالنسبة إلى العالم والقادر ، وقد يطلق بمعنى المثبت ، وبمعنى المسقط.

لا جائز أن يقال بكون القدرة الحادثة موجبة بالاعتبار الأول ؛ إذ القدرة غير موجدة ، ولا مؤثرة فى الحدوث على ما سيأتى تحقيقه.

ولا بالاعتبار الثانى : إذ التحتم ، والفرض إنما هو بالحكم. والقول بوجود ذلك ؛ غير متصور فى القدرة الحادثة.

ولا بالاعتبار الثالث : فإن ذلك فرع تحقق العلة والحكم ؛ وسيأتى إبطاله.

وإن سلم كون القدرة علة ، فليست علة لكون المقدور مقدورا ؛ إذ العلة على ما يأتى تحقيقه : لا بد وأن تكون قائمة بمحل حكمها ، والقدرة الحادثة عرض ، والمقدور بها هو الفعل الحادث ؛ وهو عرض ؛ وقيام العرض بالعرض محال (٢).

ولا بالاعتبار الرابع ؛ إذ القدرة الحادثة ليست مثبتة للمقدور ؛ على ما يأتى تحقيقه ، ولا مسقطة له ؛ فلا تكون موجبة بالنسبة إليه بأحد هذين الاعتبارين.

وأن أريد غير هذه الاعتبارات المشهورة فى اللسان ؛ فلا بد من تصويره. وبتقدير تصويره ؛ فلا يقدح فيما ذكرناه من نفى الإيجاب بالاعتبارات المذكورة ؛ وهو المطلوب ، ولا منازعة إذ ذاك فى غير التسمية.

__________________

(١) انظر اللمع ص ٦٩ وما بعدها.

(٢) انظر الجزء الثانى ل ٤٢ / ب الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض.

٣١٩

وإن أطلق مطلق لفظ الموجب على القدرة الحادثة لمقدورها بسبب وجوب اقترانها بالمقدور من أصحابنا ، فليس ذلك أولى من إطلاق لفظ الموجب على المقدور ، نظرا إلى وجوب اقترانه بالقدرة أيضا ؛ فإن وجوب المقارنة مشترك بينهما ، كيف وأن حاصل النزاع معه ليس فى غير التسمية.

٣٢٠