أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

الصفة التاسعة : «الاستواء على العرش» (١)

قال الله ـ تعالى ـ : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢).

وقد اختلف أهل الملة في ذلك.

فمنهم : من حمله على الاستقرار والمماسة للعرش : كالمشبهة ؛ وهو باطل ؛ لأنه لو كان مستقرا على العرش. والعرش جسم من الأجسام ؛ فإما أن يكون مساويا له ، أو أكبر (٣) ، أو أصغر (٣) ؛ والكل محال ؛ لما سيأتى في (٤) إبطال ما لا (٤) يجوز على الله تعالى.

وعلى هذا فما نقل عن بعض الأئمة المشهورين (٥) من قوله : «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب».

إن أراد بالاستواء المعلوم : الاستقرار والمماسة ؛ فهو محال.

وإن أراد به استواء لا كاستوائنا ، كما ذهب إليه السلف ، والشيخ أبى الحسن الأشعرى في أحد قوليه ؛ فغير معلوم ؛ لعدم دلالة القاطع عليه ، وعدم دلالة اللفظ عليه لغة ـ كما سبق ـ

وما عداه فالاحتمالات فيه متعارضة ، على ما يأتى.

ومنهم من توقف. والتوقف إن كان للتردد بين الاستواء بمعنى الاستقرار ، وغيره من الاحتمالات ؛ فخطأ ؛ ضرورة انتفاء الاستواء بمعنى الاستقرار قطعا ، وإن كان للتردد بين ما عدا ذلك من الاحتمالات ؛ لعدم القطع بواحد منها على سبيل التعيين ؛ فلا بأس به.

__________________

(١) انظر الإبانة عن أصول الديانة للأشعرى ص ٣١ وأصول الدين للبغدادى ص ١١٢ والشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٠.

ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤١.

ومن كتب المتأخرين : انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٧ وشرح المقاصد ٢ / ٨١.

(٢) سورة طه ٢٠ / ٥.

(٣) فى ب (أو أصغر أو أكبر).

(٤) فى ب (فيما).

(٥) هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحى الحميرى ، أبو عبد الله : إمام دار الهجرة ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه تنسب المالكية ، ولد بالمدينة سنة ٩٣ ه‍. وتوفى بها سنة ١٧٩ (انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥١ ، الأعلام للزّركلي ٦ / ١٢٨).

٤٦١

ومنهم : من صار إلى التأويل. والقائلون بالتأويل فقد اختلفوا :

فمنهم من حمل الاستواء في الآية على الاستيلاء ، والقهر. ومنه قول العرب : استوى الأمير على مملكته ، عند دخول العباد في طاعته. ومنه قول الشاعر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق (١)

أى استولى.

وقال الآخر :

ولمّا علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى لنسر وطائر (٢)

أى استولينا عليهم ؛ وهو من أحسن التأويلات وأقربها (٣).

فإن قيل : حمل الاستواء على الاستيلاء ، يشعر بسبق المغالبة وتقدم المقاومة ؛ وهو ممتنع على الله ـ تعالى ـ.

/ سلمنا عدم إشعاره بذلك ، غير أنه لا فائدة في تخصيص العرش بذلك ، مع تحقيقه بالنسبة إلى كل الحوادث.

قلنا : أما الأول ، فإنه (٤) وإن جاز أن يكون الاستيلاء مسبوقا بالمقاومة ، ولكن لا يلزم أن يكون مسبوقا بها ، ولا لفظ الاستيلاء مشعر به ، وإلا لكان لفظ الغالب مشعر به ؛ وليس كذلك. بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) (٥).

وأما الثانى : فمندفع أيضا ؛ فإنه جاز أن تكون فائدة تخصيص العرش بالذكر للتشريف ، كما سبق. وجاز أن يكون ذلك للتنبيه بالأعلى على الأدنى من حيث أن العرش في اعتقاد الخلائق أعظم المخلوقات ، وأجل الكائنات.

__________________

(١) القائل الأخطل :

وقد قاله في بشر بن مروان ـ انظر ديوان الأخطل الطبعة الثانية ص ٣٩٠ ط. دار المشرق ببيروت.

(٢) ورد هذا البيت في الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٠.

(٣) فى ب (وأقواها).

(٤) فى ب (فلأنه).

(٥) سورة يوسف ١٢ / ٢١.

٤٦٢

ومنهم : من حمل الاستواء في الآية على الاستعلاء والرفعة ، وينقدح فيه الإشكالان السابقان ، وجوابهما ما سبق.

ومنهم : من حمله على القصد والإرادة لخلق العرش ؛ فإن الاستواء قد يطلق بمعنى القصد (١). ومنه قوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (٢) : أى قصد إلى السماء.

وفيه نظر ؛ فإن الاستواء وإن أطلق بمعنى القصد عند صلته بإلى ؛ فلا يلزم مثله ، عند صلته بعلى ؛ ولهذا يحسن أن يقال : فلان قاصد إليك ، ولا يقال : قاصد عليك.

__________________

(١) فى ب (القصد عند صلته بإلى).

(٢) سورة فصلت ٤١ / ١١.

٤٦٣

الصفة العاشرة : «النزول» (١)

وقد ورد في الصحاح المنقولة عن الثقات عن النبي عليه‌السلام أنه قال : «إن الله ـ تعالى ـ ينزل إلى السماء الدّنيا في كلّ ليلة ، وفي رواية : فى كلّ ليلة جمعة ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» (٢) وظاهر لفظ النزول ، للانتقال ، والحركة من جهة العلوّ ، إلى جهة السفل.

فمن حمله على ذلك في حق الله ـ تعالى ـ من المشبهة ؛ فقد أوجب كون البارى ـ تعالى ـ متحيزا ؛ لانتقاله في الأحياز ، وتبدّلها عليه ؛ وهو محال ، كما يأتى.

ولما تعذر حمله على ما هو ظاهر فيه ، اختلف الأئمة.

فذهب بعض السلف : إلى حمل النزول في حق الله ـ تعالى ـ على نزول لا كنزولنا من غير حركة وانتقال. وهو وإن كان ممكنا في نفس الأمر ، غير أنه لا يدل عليه قاطع ، ولا لفظ النزول في الخبر يحتمله على ما سبق ؛ فتعين التأويل بما يحتمله لفظ النزول ؛ وهو حمل النزول على معنى اللطف والرحمة ، وترك ما يليق بعلو الرتبة وعظم الشأن ، والاستغناء الكامل / المطلق.

ولهذا يقال : نزل الملك مع فلان إلى أدنى الدرجات ؛ عند لطفه به ، وانبساطه في حضرة مملكته. وفائدة ذلك الانبساط الخلق على التقرب بالعبادات ، وإلا فلو نظر إلى ما يليق بمملكته ، وعلو (٣) شأنه ، وعظمته ؛ لما وقع التجاسر من العبيد على (٤) خدمته (٤) ، والوقوف بين يديه في طاعته ؛ فإن العباد (و) (٥) عباداتهم من صومهم ، وصلاتهم بالنسبة

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٧ وإلجام العوام عن علم الكلام ص ٦٥ ضمن مجموعة القصور العوالى وأساس التقديس للرازى ص ١٠١ ، ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٢.

(٢) هذا الحديث أورده الآمدي أيضا في غاية المرام ص ١٣٧ ، كما ذكره كثير من أئمة المذهب في كتبهم ، وأولوه تأويلات عدة ، وقد ذكره ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص ١٥ وقال : انه متفق عليه.

وقد ورد هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ في كثير من الصحاح فقد ورد في صحيح البخارى عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ (كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل) ٢ / ٦٣ ، وصحيح مسلم ١ / ٥٢١ ـ ٥٢٢ (كتاب المستغفرين ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه).

كما ورد هذا الحديث أيضا في سنن أبى داود وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد.

(٣) فى ب (وعظم).

(٤) فى ب (لخدمته).

(٥) ساقط من أ.

٤٦٤

إلى عظمة الله ـ تعالى ـ وجلاله ، دون تحريك أنملة لبعض العباد طاعة وخدمة لبعض ملوك العباد (١) ، ومن فعل ذلك ؛ فإنه يعد في العرب (٢) مستهينا مستهزئا بذلك الملك (٢) ، وخارجا عن دائرة التعظيم ، فما ظنك (بمن) (٣) هو دونه في الرتبة؟

وأما التخصيص بسماء الدنيا. فإنما كان لأنها أدنى الدرجات بالنسبة إلى جلال الله ـ تعالى ـ فلذلك (٤) خصصت بالنزول إليها مبالغة في التلطف. كما يقال للواحد منا : صعد إلى الثريا ، ونزل إلى الثرى ، من حيث أن ذلك أنهى الدرجات بالنسبة إليه ، ارتقاء ونزولا.

ولأجل ذلك خصص النزول بالليالى دون الأيام ؛ من حيث إنها مظنة الخلوات ، وأنواع العبادات ، لأرباب المعاملات.

ويحتمل أن يكون المراد بذلك نزول ملك من ملائكة (٥) الله (٥) بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه كقوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) : أى أهل القرية : ولقوله (٦) ـ تعالى (٦) ـ (الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) (٧) : أى أولياء الله. ويقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ، ويضاف ذلك القول إلى الله ـ تعالى ـ كما يقال : نادى الملك في مدينته وقال : كذا كذا. وإن كان المنادى ، والقائل غيره.

__________________

(١) فى ب (الأرض).

(٢) فى ب (مستهينا لذلك الملك مستهزئا به).

(٣) فى أ (بما).

(٤) فى ب (ولذلك).

(٥) فى ب (الملائكة).

(٦) فى ب (وقوله).

(٧) سورة المائدة ٥ / ٣٣.

٤٦٥

الصفة الحادية عشرة : «الصورة»

وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : «إنّ الله خلق آدم (١) على صورته» (٢)

فذهبت المشبهة : إلى أن هاء الضمير في الصورة عائدة إلى الله ـ تعالى ـ ، وأن الله ـ تعالى ـ مصور بصورة مثل (٣) صورة (٣) آدم ؛ وهو محال كما يأتى :

ومن عرف سبب ورود الخبر هان عليه التقصى عنه. وسببه ما روى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رأى شخصا يلطم صبيا على وجهه فقال : لا تلطمه إن الله خلق آدم على صورته. على (٤) صورة الصبى (٤) ولو قطع النظر عن سبب الورود ؛ فيمكن (٥) / تأويله بعود الضمير في الخبر إلى آدم ، وبيانه من وجهين :

الأول : أنه أمكن أن يقال : المراد به أنه خلق آدم علي صورته التى رؤى عليها ابتداء من غير أب ، وأم ، وتقلب في أطوار الخلقة.

الثانى : أنه خلق آدم في ابتداء خلقه على الصورة التى هبط بها من الجنة ، لا أنه غير عنها ، ويكون المراد من ذلك بيان تخصيص آدم بذلك تشريفا له ، وتكريما.

فإن قيل : وإن استمر لكم مثل هذا التأويل في قوله : إن الله خلق آدم على صورته. فما وجه التأويل في قوله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق آدم على صورة الرّحمن» ؛ فإنه من الأحاديث المشهورة بالصحة.

__________________

(١) من أول (المنادى والقائل غيره ... إلى خلق آدم) ساقط من ب.

(٢) هذا الحديث ذكره إمام الحرمين في الشامل ص ٥٦٠ وقال إنه غير صحيح ، ولم يدون في المشاهير من الصحاح ، ثم تأويله قريب المأخذ. كما ذكر الإمام الرازى خمسة أخبار عن الرسول فيها ذكر الصورة في أساس التقديس ص ٨٣ ـ ٩١ وأوّلها كلها.

أما عن صفة الصورة بالتفصيل :

فانظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٠ ، ٥٦١ وإلجام العوام للغزالى ص ٦٤. وأساس التقديس للرازى ص ٨٣ ـ ٩١.

فقد أوّلوا الأحاديث الواردة في هذا المبحث. وما ذكره الآمدي هنا لا يخرج عن قولهم. وقد ورد هذا الحديث في صحيح البخارى في كتاب الأنبياء ج ٤ ص ١١٦ ، وفي كتاب الاستئذان ج ٨ ص ٦٢ (ط) الشعب.

كما ورد في صحيح مسلم ٤ / ٢٠١٧ (كتاب البر ، باب النهى عن ضرب الوجه).

(٣) فى ب (كصورة).

(٤) ساقط من ب.

(٥) فى ب (لأمكن).

٤٦٦

قلنا : إذا ثبت استحالة اتصاف الرب (١) ـ تعالى ـ بصورة مشابهة لصورة آدم ؛ فالتأويل واجب ، والحمل على الاحتمال البعيد لازم. وإن كان في غاية البعد ، وهو أن يقال : يحتمل أنه أراد بقوله : «على صورة الرّحمن» : أى صفة (٢) الرحمن ؛ فإن الصورة قد تطلق ويراد بها الصفة.

ولهذا يقول القائل لغيره أراد استعلام أمر ؛ اذكر لى صورة الحال : أى صفة (٣) الحال (٣). وحيث خلق آدم مخصصا بعلوم لم توجد لغيره (٤) من المخلوقين على (٥) ما قال ـ تعالى ـ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) الآية وكان الرب ـ تعالى ـ أيضا منفردا بعلوم لا يشاركه فيها أحد من المخلوقين (٥) فصح القول : بأنه خلق آدم على صورة الرحمن : أى على صفة الرحمن. ويحتمل أن يقال : إن الله خلق آدم على صورة الرحمن : أى على صورة معظمة في علم الله ـ تعالى ـ وأضافها إلى الرحمن تشريفا (له) (٦) ، وتكريما على ما سبق.

وعلى هذا المعنى حمل بعض المفسرين قوله ـ تعالى ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٧).

__________________

(١) فى ب (البارى).

(٢) فى ب (على صفة).

(٣) فى ب (صفته).

(٤) فى ب (من غيره).

(٥) من أول (على ما قال تعالى ..) ساقط من ب. والآية من سورة البقرة ٢ / ٣١.

(٦) ساقط من أ.

(٧) سورة التين ٩٥ / ٤.

٤٦٧

الصفة الثانية عشرة : «الكف» (١)

وقد روى عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال إخبارا عن ليلة المعراج : «فوضع كفّه بين كتفى فوجدت بردها في كبدى» فلذلك ذهبت المشبهة إلى كون الرب ـ تعالى ـ متصفا بكف بمعنى الجارحة.

ومن السلف من قال : هو (٢) موصوف بكف لا كالكفوف (٢).

ومن الأئمة من سلك طريق التأويل.

أما القول الأول : فباطل ؛ لما سيأتى (٣).

وأما الثانى : فهو أيضا ممتنع لما سبق في المسائل المتقدمة.

والمتأول قال : إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته تعين حمله / على مجازه.

ووجه التجوز فيه ؛ أن الكف قد تطلق ويراد بها الاحتواء على التقدير والتدبير بالخير والشر ، ومنه يقال : فلان في كف فلان : أى في تدبيره.

وعلى هذا فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام ـ «فوضع كفّه بين كتفى» أراد به بيان ألطافه به وإشفاقه عليه في تدبيره له.

ومعنى قوله «فوجدت بردها بين كتفى» : أى روح ألطافه بى فإن البرد قد يعبر به في اللغة عن كل روح وراحة. ومنه قولهم : ابترد فلان إذا استراح.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٢ وأساس التقديس للرازى ص ١٣٤.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

انظر : شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف ص ٢٩٨ وشرح المقاصد ٢ / ٨١.

(٢) فى ب (هو تعالى متصف بالكف لا بالكفوف).

(٣) انظر ل ١٤٢ / أوما بعدها.

٤٦٨

الصفة الثالثة عشر : «الأصبعان» (١)

قال عليه الصلاة والسلام «إنّ قلوب الملوك بين إصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبها كيف شاء» (٢). ولا يمكن أن يكون متصفا بإصبعين بمعنى الجارحتين ، ولا بإصبعين لا كأصابعنا ؛ لما (٣) مر فى باقى الصفات الخبرية.

وأما وجه التأويل ؛ فكما سبق في اليدين.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٤ وأساس التقديس للرازى ص ١٣٥ ،

والمواقف للإيجي ص ٢٩٨ وإلجام العوام عن علم الكلام ص ٦٣.

(٢) رواه مسلم والإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر بلفظ «إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» ورمز له السيوطى بالصحة. (الجامع الصغير ج ١ حديث رقم ٢٣٤٤).

(٣) فى ب (لما سبق في الصفات).

٤٦٩

الصفة الرابعة عشرة : «القدم» (١)

قال عليه الصلاة والسلام في أثناء حديث مطول «فيضع الجبّار قدمه في النّار فتقول قط قط» (٢) : أى حسبى حسبى ـ ويتعذر حمله على القدم بمعنى الجارحة ، وعلى صفة زائدة بكونه قدما لا كأقدامنا ؛ لما تقدم في اليدين.

واذا تعذر حمل اللفظ على ظاهره ، تعين حمله على ما هو بعيد فيه ؛ وهو أنه يحتمل أنه أراد بالقدم أقدام الجبارين المرتفعين عن التكاليف ؛ فإن كل من طغى ، وبغى ، وخرج عن ربقة التكليف يقال له : جبار. وعبر عن المجموع بلفظ الواحد كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٣)

ويحتمل أنه أراد به قدم بعض الجبارين عينا ، ويكون الله ـ تعالى ـ قد ألهم النار طلب المزيد إلى حين وضع قدم ذلك الجبار المعين فيها.

ويحتمل أنه أراد به مالكا خازن النار.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٢ وأساس التقديس للرازى ص ١٤١ وغاية المرام للآمدى ص ١٣٧ ـ ١٤١ والمواقف للإيجي ص ٢٩٨.

(٢) هذا الحديث أورده ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص ١٣ وقال : إنه متفق عليه ـ كما أورده الآمدي بتمامه في غاية المرام ص ١٣٧ ونصه كما يلى :

«إذا كان يوم القيامة واستقر أهل الجنان في نعيمهم وأهل النيران في حميمهم ، قالت النار : هل من مزيد؟ فيضع الجبار قدمه فيها فتقول قط قط».

وما ورد هنا جزء من حديث ورد في صحيح البخارى ٦ / ١٧٣ (كتاب التفسير تفسير سورة ق) عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ كما ورد في مواضع أخرى في صحيح البخارى. وانظر أيضا صحيح مسلم ٤ / ٢١٨٦

(كتاب الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون ..).

(٣) سورة العصر ١٠٣ / ٢.

٤٧٠

الصفة الخامسة عشرة : «الضحك» (١)

وقد أثبت المشبهة صفة الضحك للبارى (٢) ـ تعالى ـ تمسكا بما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال. فى أثناء حديث «فضحك حتّى بدت نواجزه» (٣) ويمتنع حمله على التبسّم ، والقهقهة بالآلات ، والأدوات الجسمانية ؛ لما سيأتى (٤) إبطاله في إبطال التشبيه. وعلى ضحك لا كضحكنا ؛ لما تقدم ؛ فلا بد من التأويل.

وتأويله أن يقال : الضحك قد يطلق على ظهور تباشير النجح في كل أمر.

ومنه يقال : / الضحك الرياض إذا بدت أزهارها ، وعلى هذا فقوله فضحك ؛ أى بدت تباشير الخير ، والنجح منه.

وقوله : «حتى بدت نواجزه» : أى ظهر كنه ما كان متوقعا منه ؛ فإن بدو النواجز قد يطلق على هذا المعنى.

ومنه قول الشاعر :

قوم إذا الشّر أبدى ناجزيه لهم

طاروا إليه زرافات ووحدانا (٥)

أما أن يكون المراد به الأسنان ؛ فهو محال.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٥ وأساس التقديس للرازى ص ١٤٤ ـ ١٤٦.

(٢) فى ب (لله).

(٣) انظر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى ٣ / ٤٨٣ ، فقد ورد بالنص التالى : (فضحك النبي ، رسول الله «ص». حتى بدت نواجزه) ويحيل على مواضع متعددة في الكتب الستة للبخارى ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأبى داود ، وأحمد بن حنبل مما يؤكد أن المقصود به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وما ورد جزء من حديث عن عبد الله بن مسعود في البخارى ٦ / ١٥٧ ـ ١٥٨

(كتاب التفسير ، تفسير سورة الزمر) وانظر صحيح مسلم ٤ / ٢١٤٧

(كتاب صفات المنافقين ، باب صفة القيامة والجنة والنار) كما ورد هذا الحديث من مواضع أخرى من الصحاح وفي سنن أبى داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد.

(٤) انظر ل ١٤٣ / ب وما بعدها.

(٥) ورد هذا البيت في الشامل لإمام الحرمين ص ٥٦٥.

٤٧١

الصفة السادسة عشرة : «الكرم» (١)

الظواهر واردة ، والإجماع منعقد على اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالكرم.

وقد ذهب عبد الله بن سعيد : إلى أن كرمه صفة نفسانية زائدة على ما له من الصفات. وهو وإن كان ممكنا. إلا أنه لا دليل عليه قطعا ، ولا ظاهرا ؛ فيمتنع الجزم به.

وعلى هذا : فما معنى اتصافه بالكرم؟ ؛ فسيأتى في شرح أسماء الله الحسنى (٢). وليس تأويل هذه الظواهر وحملها على ما أشير إليه من (المحامل) (٣) بمستبعد كما حمل قوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٤) وقوله ـ تعالى ـ : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (٥) على معنى الحفظ ، والرعاية.

وكما حمل قوله ـ تعالى ـ على ما أخبر به نبيه ـ عليه‌السلام ـ عنه أنه قال :

«من أتانى ماشيا أتيت إليه مهرولا» (٦). على معنى التطويل ، والإنعام. إلى غير ذلك من الظواهر.

__________________

(١) عن الكرم انظر شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٨١.

(٢) انظر ل ٢٩٦ / ب.

(٣) فى أ (المحال).

(٤) سورة الحديد ٥٧ / ٤.

(٥) سورة المجادلة ٥٨ / ٧.

(٦) جزء من حديث قدسى عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ ورد في البخارى ٩ / ١٤٧ ـ ١٤٨ (كتاب التوحيد ، باب ما يذكر في الذات والنعوت)

كما ورد في صحيح مسلم ٤ / ٢١٠٢ (كتاب التوبة ، باب في الحض على التوبة والفرح بها).

كما ورد في مواطن عدة من الصحاح وفي سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد.

٤٧٢

المسألة التاسعة

في أن الصفة هل هى نفس الوصف ، أو غيره (١)؟

وقد اختلف في ذلك :

فذهبت المعتزلة : إلى أن الصفة هى نفس الوصف. والوصف خبر المخبر عمن أخبر عنه بأمر ما كقوله : إنه عالم ، أو قادر ، أو أبيض ، أو أسود ، ونحوه ، وأنه لا مدلول للصفة ، والوصف إلا هذا.

واحتجوا على ذلك : بأنه لو خلق الله ـ تعالى ـ العلم ، والقدرة ، أو غير ذلك لبعض المخلوقين ؛ لم يصح تسميته باعتبار ذلك واصفا. ولو كان العلم والقدرة صفة ؛ لصح تسمية خالقه واصفا. كما يصح تسمية خالق الحركة محركا. ولو أخبر عنه أنه عالم ، أو قادر ، أو غير ذلك ؛ صح تسميته واصفا. والصفة يجب أن يكون ما يكون بها الواصف واصفا ، وليس على هذا النحو غير القول ، والإخبار.

وإذا ثبت أن الوصف هو القول ، والإخبار ؛ فالعرب تقول : الوصف والصفة بمعنى واحد : كالوجه والجهة ، والوعد والعدة ، والوزن والزنة.

وإذا كان الوصف / هو القول ؛ فالصفة هى القول ؛ لكونها في معناه.

وأما معتقد أهل الحق من الأشاعرة ، وغيرهم : فهو أن الوصف هو القول الدال على الصفة ، والصفة هى المعنى القائم بشيء ما : كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، ونحو ذلك.

وبيانه من أربعة أوجه :

الأول : ما اشتهر في لسان العرب أن الصفة النفسية منقسمة إلى : خلقية لازمة ، وغير خلقية ، وفسروا الخلقية بالسواد والبياض ؛ ونحوه. والغير خلقية : ما كان مكتسبا من العلوم وغيرها ؛ وهو دليل صحة إطلاق الصفة على المعنى.

الثانى : هو أن العقلاء متفقون على صحة إطلاق القول بأن العلم صفة فلان ، والجهل صفة فلان. وأن العدل ، والأفضال ، والإحسان (صفات) (٢) لله تعالى.

__________________

(١) انظر المقصد الأسنى للغزالى ص ١٢ وغاية المرام للآمدى ص ١٤٤.

(٢) فى أ (صفة).

٤٧٣

الثالث : إجماع العقلاء على أن من اتصف بصفة. لا تزايله تلك الصفة بإخبار المخبرين ، وعدم إخبارهم. ولو كانت الصفة هى الإخبار ؛ لما كان كذلك.

الرابع : هو أنه لو لم تكن الصفة هى المعنى ؛ بل القول والإخبار ، لما كان الرب تعالى متصفا في الأزل بصفات الإلهية ، والجلال ؛ لعدم المخبرين ، والواصفين ؛ وهو خرق لإجماع المسلمين.

والقول بأنه لو كانت الصفة هى المعنى القائم بالشيء ، لسمى خالقه واصفا ؛ ليس كذلك ؛ إذ ليس اشتقاق اسم الواصف من الصفة ؛ بل من الوصف ؛ وهو الإخبار عن الصفة. ولو كان اشتقاق اسم الواصف من خلق الصفة ؛ لسمى الرب تعالى عالما ؛ بخلقه للعلم الحادث ، ومستطيعا ؛ بخلقه (١) للاستطاعة الحادثة ؛ وهو محال.

وعلى هذا : فلا نسلم أن اسم المحرك مشتق من الحركة ؛ بل من التحريك.

وقول العرب : الوصف ، والصفة بمنزلة واحدة إن صح ؛ فجوابه من وجهين :

الأول : أنه أمكن أن يقال : معناه تنزيل الصفة منزلة الوصف في المصدرية ، وإن كانت الصفة خارجة عن قياس المصادر ؛ ولهذا يقال : وصفته صفة ، ووصفته وصفا. ومثل ذلك (٢) سائغ (٢) فى اللسان. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (٣). وإن كان المصدر المنقاس فيه الإنبات ، ومن ذلك قولهم : كتب كتابا.

والمصدر المنقاس كتابة.

الثانى : أنه أمكن أن يقال معنى قولهم : الوصف ، والصفة بمنزلة واحدة : [أى] (٤) أن الوصف صفة للواصف المخبر لقيامه به.

وبالجملة فالبحث / فى هذه المسألة لغوى ، لا معنوى.

__________________

(١) فى ب (لخلقه).

(٢) فى ب (هذا شائع).

(٣) سورة نوح ٧١ / ١٧.

(٤) فى أ (من).

٤٧٤

المسألة العاشرة

في أن الصفة هل هى نفس الموصوف ، أو غيره؟

وأن الصفة هل توصف ، أم لا (١)؟

أما أن الصفة هل هى نفس الموصوف ، أو غيره؟

فالذى ذهب [إليه] (٢) الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، وعامة الأصحاب أن من الصفات ما هى عين الموصوف : كالوجود.

ومنها ما هى غيره : وهى كل صفة أمكن مفارقتها للموصوف : كصفات الأفعال : من كونه خالقا ، ورازقا ، ونحوه (٣). ومنها ما لا يقال : إنها عين الموصوف ، ولا غيره : وهى كل صفة امتنع القول بمفارقتها للموصوف بوجه ما : كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، وغير ذلك من الصفات النفسانية لله تعالى ـ بناء على أن معنى المتغايرين كل موجودين صحت مفارقة أحدهما للآخر بجهة ما.

وعلى هذا : فكما أن الصفة التى لا تفارق ليست هى عين الموصوف ، ولا غيره ؛ فكذلك الصفات النفسانية بعضها مع بعض لما لم يصح انفكاك بعضها عن بعض ؛ فلا يقال : إن بعضها عين الصفة الأخرى ، ولا غيرها.

أما أنها ليست هى هى ؛ فلأن المفهوم منها غير متحد قطعا.

وأما أنها ليست غيرها ؛ فلعدم الانفكاك ، وحاصل النزاع في هذا لا يرجع إلا إلى اصطلاح لفظى لاحظ له في المعنى.

وأما أن الصفة. هل توصف؟

فالذى عليه اتفاق العقلاء : أن الصفات لا يمتنع وصفها بصفات أنفسها ؛ لكونها موجودة ، وثابتة ، وغير ذلك.

وإنما الخلاف بينهم في وصف الصفات بصفات معللة بمعنى زائد عليها.

__________________

(١) انظر غاية المرام للآمدى ص ١٤٥.

(٢) ساقط من أ.

(٣) فى ب (ونحوها).

٤٧٥

فذهب عبد الله بن سعيد : إلى أن الصفات لا توصف بمثل هذه الصفات ، فلا توصف صفات الرب ـ تعالى ـ بكونها باقية ، ولا قديمة ـ وإلا كانت باقية ببقاء ، وقديمة بقدم.

ويلزم منه قيام المعنى بالمعنى ؛ وهذا مما لا سبيل إليه. مع استمرار صفات الله تعالى فيما لا يزال ، وكونها لا أول لها ؛ بل الحق إنما هو وصفها بكونها قديمة ، وباقية.

وأما كونها موصوفة بالبقاء ، والقدم. أو غير موصوفة به ؛ فقد سبق تحقيقه بما فيه مقنع ، وكفاية.

٤٧٦

المسألة الحادية عشرة

في تعلق الصفات بمتعلقاتها ، وأنه ثبوتى ، أو عدمى

والمناسب لأصول أصحابنا أن مفهوم تعلق العلم بالمعلوم لا يزيد على كونه معلوما به ، وأن تعلق القدرة / بالمقدور ، لا يزيد على حصول المقدور بالقدرة.

وعلى هذا (١) فى كل مضافين ، ومن نازع زعم أن تعلق القدرة بالمقدور أمر ثبوتى زائد على حصول المقدور بالقدرة. وأن تعلق العلم بالمعلوم أمر ثبوتى زائد على كون المعلوم معلوما بالعلم.

احتج الأصحاب بأنه لو كان تعلق القدرة بالمقدور أمرا ثبوتيا ، وله وجود في الأعيان لم يخل : إما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته.

لا جائز أن يكون واجبا : وإلا لما افتقر إلى غيره في وجوده والتعلق إذا كان صفة وجودية ؛ فهو مفتقر إلى الموصوف به ؛ فلا يكون واجبا لذاته ؛ فلم يبق إلا أن يكون ممكنا : وعند ذلك فلا بد له من مؤثر ، والكلام في تعلق ذلك المؤثر به كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، أو الدور.

وهذه المحالات إنما لزمت من كون التعلق ثبوتيا في الأعيان ؛ فالقول به ممتنع.

فإن قيل : لا نزاع بين العقلاء في المغايرة بين ذات القدرة ، والمقدور ، والعلم ، والمعلوم ، وأن القدرة متعلقة بالمقدور ، والعلم بالمعلوم. ولو لا ذلك لما تحقق وجود المقدور ، ولما كان المعلوم معلوما.

وهذا التعلق (٢) ليس هو نفس القدرة ، ولا نفس المقدور ، ولا نفس العلم ، ولا نفس المعلوم ؛ بدليل صحة العلم بكل واحد من هذين المتعلقين (٣) مع الجهل بما بينهما من التعلق ؛ والمعلوم غير ما ليس بمعلوم.

وإذا كان التعلق زائدا على المتعلقين فلا يخلو ؛ إما أن يكون ثبوتيا ، أو نفييا.

__________________

(١) فى ب (هذا الكلام).

(٢) فى ب (التعليق).

(٣) فى ب (التعليقين).

٤٧٧

لا جائز أن يكون نفييا ؛ فإن (١) نقيض التعلق لا تعلق. ولا تعلق نفى بدليل صحة اتصاف العدم المحض به ، فالتعلق ثبوتى.

وهو إما أن يكون كذلك في نفس الأمر ، أو لا يكون كذلك في نفس الأمر.

لا جائز أن لا يكون كذلك في نفس الأمر ؛ إذ هو خلاف ما الكلام فيه ؛ إذ الكلام إنما هو مفروض فيما إذا تعلقت القدرة بالمقدور ، والعلم بالمعلوم حقيقة في نفس الأمر ، لا في فرض الفارض ، وتقدير المقدر. وسواء كان ذلك معلوما لنا ، أو مجهولا.

وإذا كان كذلك فى نفس الأمر ؛ فلا معنى لكونه موجودا في الأعيان إلا هذا.

قلنا : أما التغاير بين ذات القدرة ، والمقدور ، والعلم ، والمعلوم كذا في كل مضافين ؛ فمسلم. غير أنا لا نسلم أن الإضافة ، والتعلق بين العلم ، والمعلوم ، والقدرة ، والمقدور / يزيد على حصول المقدور بالقدرة ، وكون المعلوم معلوما بالعلم. وعلى هذا النحو في كل مضافين. وإذا كان تعلق القدرة بالمقدور لا معنى له إلا حصول المقدور بالقدرة ، وتعلق العلم بالمعلوم لا معنى له ، غير كون المعلوم معلوما بالعلم ، وذلك لا يفضى إلى التسلسل على ما حققناه عند كون التعلق زائدا عليه.

وعلى هذا فلا مانع من تعلق الصفة بمتعلقها في حالة دون حالة من غير تسلسل ، ولا تغير في ذات الصفة ، وإن تغير التعلق والمتعلق.

__________________

(١) فى ب (لأن).

٤٧٨

«النوع الثالث»

فيما يجوز على الله تعالى

وفيه مسألتان :

٤٧٩
٤٨٠