أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

واتفقوا على أن الحادث في أول زمان حدوثه لا يوصف بكونه باقيا ـ ما عدا الكرامية (١) ، فإنهم وصفوه بكونه باقيا.

وأما كون الباقى باقيا ببقاء زائد عليه.

فقد أثبته الشيخ أبو الحسن الأشعرى رحمه‌الله ، ومعظم أئمتنا.

وقال القاضى أبو بكر : الباقى باق بنفسه ، لا ببقاء زائد عليه ؛ وهو مذهب المعتزلة.

واختلف قول الشيخ أبى الحسن الأشعرى : فى بقاء الله ـ تعالى ـ وصفاته.

فقال تارة : الله ـ تعالى ـ وصفاته باقية ببقاء واحد. وذلك البقاء باق ببقاء آخر.

وقال تارة : الله ـ تعالى ـ باق ببقاء قائم به ، وكل صفة من صفاته باقية ببقاء هو نفسها

وعند هذا فنقول :

أما الخلاف في كون المخلوق باقيا حقيقة ، أو مجازا ؛ فحاصل النزاع فيه يرجع إلى الإطلاق اللفظى ؛ فإن من قال بكونه باقيا حقيقة ؛ لم يرد به غير أنه مستمر الوجود زمنين فصاعدا.

ومن قال إنه مجاز : فمعناه أنه غير مستمر علي الدوام ، ولا حرج في الاصطلاحات بعد (٢) فهم المعنى.

وكذلك الخلاف في تسمية الحادث في أول زمان حدوثه باقيا ، فإن من نفى ذلك : لم يرد به إلا أنه غير موصوف في وقت حدوثه بكونه مستمر الوجود.

ومن أثبت (٣) : لم يرد به غير أنه مما يصح استمرار وجوده.

وإنما الإشكال : فى كون الباقى باقيا ببقاء زائد عليه.

__________________

(١) فى ب (الكرمية منهم).

(٢) فى ب (بغير).

(٣) فى ب (اثبته).

٤٤١

وقد اعتمد مثبتوا البقاء على مسالك (١).

المسلك (١) الأول :

وهو مما تمسك (٢) به الشيخ أبو الحسن الأشعرى ، رضى الله عنه ـ وهو أن قال : الجوهر في أول زمان حدوثه غير موصوف بكونه باقيا. وقد اتصف بذلك في الزمن الثانى ؛ فقد تجدد له وصف لم يكن ؛ وذلك يوجب أن يكون لزيادة معنى ، وهو البقاء. كالذى وصف بالمتحركية بعد أن لم يكن متحركا ؛ فإن ذلك يتضمن إثبات حركة قائمة به زائدة على كونه متحركا ؛ فلو جاز أن يكون باقيا بلا بقاء ؛ لجاز أن يكون متحركا بلا حركة ؛ وهو محال.

وهذا المسلك ضعيف ؛ إذ لقائل أن يقول :

القول بكون تجدد هذا اللقب : وهو البقاء معنى ثبوتيا فرع كون المفهوم من كونه باقيا أمرا ثبوتيا ؛ وليس كذلك ويدل عليه وجوه أربعة :

الأول : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى ، أن الموجود في الزمن الأول / لم يبطل في الزمن الثانى ؛ وهو سلب محض.

الثانى : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى. أن ما حصل في الزمن الأول هو بعينه حاصل في الزمن الثانى ، والحصول في الزمان ليس أمرا ثبوتيا ، وإلا كان ذلك الحصول الثابت حاصلا أيضا في ذلك الزمان ؛ والكلام أيضا في حصول ذلك الحصول ، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع.

وإن قيل : إن الحصول مع كونه ثبوتيا حاصل في الزمان الثانى بنفسه لا بحصول زائد عليه ؛ فليقل مثله في حصول الجوهر فيه.

الثالث : أنه ينتقض بوجود الجوهر في أول زمان حدوثه ؛ فإنه يوصف بكونه حادثا فيه ، ولا يوصف بذلك في الزمن الثانى. مع بقاء ذاته. فكونه حادثا ؛ زائد على ذاته ، وليس كونه حادثا ، أمرا ثبوتيا ، وإلا كان حادثا ؛ ولزم التسلسل. وإذا لم يكن كون الجوهر حادثا ، أمرا ثبوتيا ، مع كونه زائدا على ذاته ؛ فكذلك كونه باقيا.

__________________

(١) فى ب (مسلكين).

(٢) فى ب (يتمسك).

٤٤٢

الرابع : ما قاله (١) الأصحاب (١) : إن المفهوم من كونه باقيا ، أنه مستمر في الزمن الثانى. ومفهوم الاستمرار واحد في الوجود والعدم ، بدليل صحة قسمة المستمر : إلى المستمر بالوجود ، والمستمر بالعدم ، ومورد القسمة يجب أن يكون واحدا. وإذا كان مفهوم الاستمرار واحدا في الوجود ، والعدم ، فلو كان صفة ثبوتية ؛ لكان العدم المحض متصفا بها ؛ وهو محال.

ويمكن أن يقال :

لا نسلم اتحاد المفهوم من الاستمرار. ومورد القسمة : إنما هو اللفظ دون المعنى. ثم هو مقابل بما يدل علي أن مفهوم الاستمرار ثبوتيا ؛ وذلك لأن نقيض الاستمرار ، لا استمرار ، ولا استمرار عدم ، بدليل صحة اتصاف العدم به في أول زمان تحققه ؛ فيكون الاستمرار ثبوتيا.

سلمنا أن المفهوم من كونه باقيا أمرا ثبوتيا ؛ ولكن لا نسلم أنه معلل بالبقاء ، ودليله (٢) من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه لو افتقر (٣) فى كونه باقيا إلى قيام البقاء به ؛ فقيام البقاء بالباقى : إما أن يتوقف على كونه باقيا ، أو لا يتوقف. فإن توقف فقد لزم الدور الممتنع.

وإن لم يتوقف ؛ لزم صحة حصوله البقاء في الجوهر لا حالة كونه باقيا ؛ وهو محال.

الثانى : هو أنه لو كان الباقى معللا بالبقاء ؛ فالبقاء : إما أن يكون صفة ثبوتية ، أو لا يكون صفة ثبوتية.

فإن / كان الأول : فإما أن يكون باقيا ، أو لا يكون باقيا.

فإن كان باقيا ؛ لزم أن يكون باقيا ببقاء آخر ؛ وهو تسلسل. ثم ليس قيام أحد البقاءين بالآخر أولى من العكس.

وإن لم يكن باقيا ؛ فما لا يكون باقيا لا يكون صفة لله ـ تعالى ـ

وإن لم يكن ثبوتيا : استحال أن يكون علة للأمر الثبوتى

__________________

(١) فى ب (ما قاله بعض الأصحاب).

(٢) فى ب (وبيانه).

(٣) فى ب (افتقر الثانى).

٤٤٣

الثالث : هو أنه لو كان الباقى معللا بالبقاء ؛ لكان العلم القديم معللا بالبقاء لكونه باقيا.

والبقاء : إما أن يكون صفة ، أو لا يكون.

لا جائز أن لا يكون صفة له : وإلا لجاز أن يقال : إن العالم يعلم بعلم لا يقوم به ، والمتحرك يتحرك بحركة لا تقوم به ؛ وهو ممتنع ، وخلاف قاعدة الشيخ أبى الحسن.

وإن كان البقاء صفة للعلم (١) ؛ أفضى ذلك إلى قيام المعنى بالمعنى ؛ وهو أيضا محال.

فإن قيل : لا نسلم اتصاف العلم بكونه باقيا ، وإن كان مستمرا ، وهذا المنع لعبد الله بن سعيد.

وإن سلمنا ذلك ؛ ولكنه غير لازم ، وبيانه من ثلاثة أوجه :

الأول : هو أن يقال : العلم قائم بذات الله ـ تعالى ـ ، وذات الله تعالى ـ ليست مغايرة لعلمه ، فقد قام به بقاء العلم لا بغيره ؛ فهو كما لو قام به.

الثانى : هو أن ذات البارى ـ تعالى ـ باقية ببقاء زائد عليها ، وصفاته باقيه ببقاء هو أنفسها (٢) ، ولا يلزم على هذا أن يقال : فجوزوا أن يكون الجوهر باقيا ببقاء هو نفسه ، أو أن تكون ذات البارى (٣) ـ تعالى ـ باقية ببقاء هو نفسها.

أما الأول : فلأنه كان يلزم أن يكون الجوهر في الحالة الأولى باقيا ؛ لوجود نفسه فيها.

وأما الثانى : فلأنه يلزم أن تكون الذات معنى ، واستحال أن تكون قائمة بنفسها ، بخلاف الصفة.

الثالث : هو أن ما ذكرتموه إنما يلزم أن لو قيل بأن البقاء علة لكون الباقى باقيا. وليس كذلك ؛ بل هو شرط لكون الباقى باقيا. ولا يلزم قيام الشرط بالمشروط ، بدليل

__________________

(١) فى ب (له).

(٢) فى ب (نفسها).

(٣) فى ب (الرب).

٤٤٤

الحياة مع العلم ، ولا يلزم على هذا أن يقال بجواز كون الله ـ تعالى ـ باقيا ببقاء غير قائم به ، أو أن يقال ببقاء جوهر فرد غير قائم به.

أما الأول : فلأنه لو جاز أن يكون بقاء الله ـ تعالى ـ غير قائم به. فإما أن يقوم بنفسه ، أو بغيره.

لا جائز أن يقوم بنفسه ؛ إذ المعانى لا تقوم بأنفسها (١).

وإن قام بغيره : لزم أن يكون ذلك الغير قديما ، ولا قديم غير الله تعالى.

وأما الثانى : فلأن الإجماع / منعقد على أن الله ـ تعالى ـ قادر على خلق جوهر فرد لا موجود (٢) معه ، وقادر على تبقيته ما شاء (٣).

فبقاء ذلك الجوهر ، لا جائز أن يقوم بنفسه ؛ لما تقدم.

وإن قام بغيره : لزم منه امتناع خلق ذلك الجوهر الباقى على الله تعالى. إلا مع غيره ؛ وذلك محال.

قلنا : أما منع كون العلم باقيا مع استمراره ؛ فمكابرة للمعقول ، ونزاع في عبارة.

وأما الوجه الأول : فمندفع ؛ فإن شرط العلة أن تكون قائمة بما له الحكم على ما تقرر ، وذات البارى ـ تعالى ـ وإن لم يقل إنها غير الصفة ولا الصفة غيرها ؛ فليس بمعنى اتحاد حقيقتيهما ؛ إذ هو محال ؛ بل بمعنى امتناع الانفكاك بينهما ، فإذا كان بقاء الصفة قائما بالذات ؛ فلم يكن قائما بالصفة لا محالة.

وأما الثانى : فلأن معنى البقاء ، مخالف لمعنى العلم. فإذا جاز أن تكون الصفة الواحدة علما بقاء ؛ فلا مانع من أن يكون الشيء ذاتا بقاء. ويكون من جهة كونه ذاتا قائما بنفسه ، ومن جهة كونه بقاء غير قائم بنفسه ؛ بل ولجاز أن يكون السواد أسود بسواد هو نفسه ، والعالم عالما بعلم هو نفسه ؛ وذلك قلب لقاعدة العلل والمعلولات.

__________________

(١) فى ب (بنفسها).

(٢) فى ب (لا وجود).

(٣) فى ب (ما شاء الله).

٤٤٥

وأما الثالث : فمن وجهين :

الأول : أنه لو كان البقاء شرطا لكون الباقى باقيا فمن قضية الشرط أنه لا يمتنع وجوده دون المشروط : كالحياة مع العلم.

وعند ذلك : فلا يمتنع تقدير وجود البقاء بدون كون ما قام به باقيا ؛ وهو محال.

الثانى : أنه لو كان البقاء شرطا لكون الباقى باقيا ، وأن يكون البقاء (١) قائما بغير الباقى ؛ لجاز أن يقال ببقاء الأعراض ، ببقاء قائم بالجواهر لا بها ؛ وهو محال على أصل الشيخ أبى الحسن الأشعرى.

الوجه (الثانى) (٢) على أصل المسلك : أن ما ذكره الشيخ منتقض على أصله بالقديم ؛ فان القديم قد يطلق على المتقدم بالوجود ، إذا تطاول عليه الأمد ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣)

والجوهر لا يوصف في أول زمان حدوثه بكونه قديما بهذا الاعتبار. وقد يوصف به بعد ذلك ؛ فقد تجدد له حكم لم يكن ، كما تجدد في الباقى.

فإن جعله معللا بالقدم ؛ فهو خلاف مذهبه.

وإن لم يعلله بالقديم ؛ فقد انتقض دليله.

المسلك الثانى :

للشيخ أبى الحسن الأشعرى.

وحاصله : أنه لو بقى الباقى بنفسه من غير بقاء ؛ لما تصور / عدم الجوهر ، واللازم ممتنع ؛ فالملزوم مثله.

وبيان الملازمة : هو أن الجوهر إذا كان باقيا لا ببقاء ؛ فهو لا ينعدم بنفسه ، وإلا لما كان باقيا.

__________________

(١) فى ب (الباقى).

(٢) فى أ (الخامس).

(٣) سورة يس ٣٦ / ٣٩.

٤٤٦

والقدرة لا تتعلق بوجوده في حالة (١) بقائه حتى يقال بعدمه بسبب (٢) عدم (٢) تعلق القدرة بإيجاده حال (٣) كونه باقيا ؛ لما فيه من إيجاد الموجود ، وتحصيل الحاصل. ولا يتعلق بعدمه ؛ إذ القدرة المؤثرة ، لا بدّ لها من أثر ، والعدم لا يكون أثرا ؛ إذ هو نفى محض.

وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول :

ما المانع من إعدامه بالقدرة ، كما (٤) قاله (٤) القاضى؟

والقول بأن العدم نفى محض ؛ فلا يكون أثرا للقدرة ؛ فمندفع. فإنه إن قيل : بأن أثر القدرة لا بدّ وأن يكون أمرا ثبوتيا ؛ فممنوع.

وإن قيل : إن أثر القدرة ما لو لا القدرة لما كان ؛ فالعدم بهذا الاعتبار أثر ؛ فإنه لو لا القدرة لما كان.

ولا يلزم على هذا أن يقال : فيلزم أن يكون العدم السابق على العالم مقدورا ؛ وهو خلاف إجماع العقلاء ؛ لأن العدم السابق قديم ، والقديم لا تتعلق القدرة به ؛ لما فيه من تحصيل الحاصل ؛ وهو محال ، بخلاف العدم المتجدد الكائن بعد ما لم يكن.

سلمنا أنه يمتنع أن يكون عدم الجوهر مقدورا ؛ ولكن ما المانع من أن يكون طريق عدمه بأن لا يخلق الله ـ تعالى ـ الأعراض التى لا يتصور خلو الجوهر عنها ، أو بعضها ، ويكون انقطاعه بسبب انقطاعها ، ولا يلزم على هذا أن يقال بكون الأعراض مؤثرة في وجود الجوهر ؛ لضرورة عدمه بانقطاعها ، وإلا كانت الحياة مؤثرة في العلم ؛ لضرورة أنه يلزم من عدمها عدمه ؛ وهو محال.

فإن قيل : إذا جوزتم كون الباقى باقيا بلا بقاء ؛ فما المانع من الحكم على الأكوان بكونها باقية؟ ولو كانت باقية ؛ فما طريقكم في عدمها ، وعدم الكون لا يكون عند المعتزلة إلا بضده ، وذلك (٥) يجر إلى امتناع عدم الأكوان جملة ؛ وهو محال.

__________________

(١) فى ب (حال).

(٢) فى ب (لعدم).

(٣) فى ب (حالة).

(٤) فى ب (لما قال).

(٥) فى ب (وذلك محال لأنه).

٤٤٧

فنقول (١) : هذا إنما يلزم أن لو قيل : بامتناع كون الأعراض باقية ؛ بسبب امتناع قيام البقاء بها ، وليس كذلك ؛ بل استحالة بقائها بما (٢) سننبه عليه (٢) فى موضعه إن شاء الله تعالى.

وأما المعتزلة (٣) : فقد اعترضوا على هذا المسلك ، بأن الله ـ تعالى ـ يخلق فناء هو عرض لا في محل مضاد للجوهر ، فيفنى به الجوهر ؛ وهو باطل ـ على ما سنبينه في موضعه ـ واستدلوا على نفى البقاء بثلاث / مسالك :

المسلك الأول :

أنه لو كان البقاء معنى ، لم يخل : إما أن يكون له ضد ، أو لا ضد له.

فإن كان الأول : وجب قيام ضد البقاء بالجوهر ؛ فإن جملة المتضادات ، لا تقوم بغير الجواهر. ولو قام ضد البقاء بالجوهر حالة كونه باقيا ؛ لكان باقيا ، وغير باق ؛ وهو محال.

وإن لم يكن له ضد : فعدمه متعذر.

المسلك الثانى :

هو أنهم قالوا : لا معنى لكون الجوهر باقيا ، إلا أنه مستمر الوجود والبقاء عند القائلين به متجدد غير مستمر. فلو كان استمرار الوجود مفتقرا إلى البقاء المتجدد ؛ لكان استمرار الوجود متجددا ؛ وهو محال.

[المسلك] (٤) الثالث :

أنهم قالوا لو كان الجوهر باقيا ببقاء ؛ فبقاؤه زائد على وجوده. وعند هذا فلا يخلو : إما أن يقال بجواز خلق الجوهر في وقتين فصاعدا دون البقاء ، أو (٥) أنه يمتنع خلقه دون البقاء (٥).

__________________

(١) فى ب (قلنا).

(٢) فى ب (بما سنبينه).

(٣) عن رأى المعتزلة في هذه المسألة : انظر المغنى ٥ / ٢٣٦ وما بعدها

والمحيط بالتكليف ص ١٤٦ وما بعدها.

(٤) ساقط من أ

(٥) فى ب (وأنه يمتنع خلقه دون الباقى).

٤٤٨

لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كان البارى ـ تعالى ـ ملجأ إلى خلق البقاء ، عند خلق الجوهر ؛ وهو ممتنع.

فلم يبق إلا الثانى ؛ وهو المطلوب.

وهذه المسالك أيضا باطلة :

أما الأول : فلأنه وإن لم يكن للبقاء ضد كما يقوله الشيخ أبو الحسن [الأشعرى رضى الله عنه] (١) ؛ فإنما ينعدم ؛ لاستحالة بقائه في نفسه ، وما كان كذلك ؛ فلا يكون مفتقرا في فنائه إلى ضد.

وأما الثانى : فلأنه دعوى مجردة ؛ فإنه لا يمتنع أن يكون المقصود من الشرط مقارنته للمشروط ؛ وذلك حاصل به حالة استمرار الوجود بتعاقب الشرط ، وباستمرار الشرط.

وأما الثالث : فباطل بالحياة مع العلم ، وبكل شرط مع مشروطه.

__________________

(١) ساقط من أ.

٤٤٩

الصفة الثانية : «القدم» (١)

وقد اتفق الجمهور على أن الله ـ تعالى ـ قديم لنفسه لا بقدم زائد عليه.

وقال عبد الله بن سعيد من أصحابنا : إنه قديم بقدم ، وأثبت القدم معنى زائدا عليه.

واحتج على ذلك بما سبق الاحتجاج به على البقاء ـ وقد سبق إبطاله.

والّذي يخصه هاهنا أن يقال : لا يخلو : إما أن يريد بالقديم : أنه الّذي لا أول له ؛ فيكون أمرا سلبيا ، ومعنى عدميا ؛ فلا يستدعى أن يكون معللا بمعنى.

أو يريد به ما فسر كلامه به الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايينى ، وهو أن قال : المراد من قول ابن سعيد : إن الله ـ تعالى ـ قديم بقدم : أنه مختص في قيامه بنفسه بمعنى لأجله ثبت وجوده لا في مكان ، كما اختص المتحيز بمعنى لأجله كان مختصا / بالحيز ؛ فهو مع بعده عن دلالة لفظ القديم ؛ فالقدم يرجع حاصله إلى صفة نفى : وهى وجوده لا في مكان ، والصفات السلبية لا تعلل ، بخلاف الصفات الثبوتية.

وإن أراد به غير ذلك ؛ فلا بد من تصوره ، وإقامة الدليل عليه.

__________________

(١) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٨٨ ، ٨٩ والاقتصاد للغزالى ص ١٩ والمحصل للرازى ص ٥٧ والمواقف للإيجي ص ٢٩٧ ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٨١ وحاشية الدسوقى على أم البراهين ص ٧٥.

ومن كتب المعتزلة انظر المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار ص ١٤٥ وشرح الأصول الخمسة ص ١٨١.

٤٥٠

الصفة الثالثة : «الوجه» (١)

ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعرى في أحد قوليه ، والأستاذ (٢) أبو إسحاق الأسفرايينى ، والسلف إلى أن الرب تعالى ـ متصف بالوجه ، وأن الوجه صفة ثبوتية زائدة على ما له من الصفات. متمسكين في ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٣). لا أنه بمعنى الجارحة.

ومن المشبهة من أثبت الوجه بمعنى الجارحة.

ومذهب (٤) القاضى والأشعرى ـ فى قول آخر ـ وباقى (٥) الأئمة (٥) : أن وجه الله ـ تعالى ـ وجوده.

والحق في ذلك أن يقال :

لا سبيل إلى إثبات الوجه بمعنى الجارحة ؛ لما سنبينه في إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ

وكونه زائدا على ذاته ، وما له من الصفات لا بمعنى الجارحة ، وأنه وجه لا كوجوهنا كما أن ذاته لا كذواتنا ، كما هو مذهب الشيخ في أحد قوليه. ومذهب السلف ؛ وإن كان ممكنا إلا أن الجزم بذلك يستدعى دليلا قاطعا ؛ ضرورة كونه صفة للرب ـ تعالى ـ ولا وجود للقاطع هاهنا.

وإن جاز أن يكون الدليل ظاهرا ؛ فلفظ الوجه في الآية لا دلالة له على الوجه بهذا المعنى لغة لا حقيقة ، ولا مجازا ؛ فإنه لم يكن مفهوما لأهل اللغة حتى يقال : إنهم وضعوا لفظ الوجه بإزائه ، وما لا يكون مفهوما لهم ، لا يكون موضوعا لألفاظهم ؛ فلم يبق إلا أن يكون محمولا على مقتضاه لغة.

__________________

(١) انظر الإبانة للأشعرى ص ٣٥ وأصول الدين للبغدادى ص ١٠٩ وأساس التقديس للرازى ص ١١٤ ومن كتب الآمدي غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٠.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٨ وشرح المقاصد ٢ / ٨١.

(٢) فى ب (والشيخ).

(٣) سورة الرحمن ٥٥ / ٢٧.

(٤) فى ب (وذهب).

(٥) فى ب (إلى).

٤٥١

وقد (١) تعذر (١) حمله على الحقيقة ـ على ما تقدم ـ وهو الوجه بمعنى الجارحة ، إذ هو المتبادر من لفظ الوجه عند إطلاقه إلى الفهم. والأصل في ذلك إنما هو الحقيقة.

فلم يبق إلا جهة التجوز. وهو التعبرة بالوجه عن الذات ، ومجموع الصفات.

ثم وإن صح التجوز به عن صفة أخرى على (٢) ما قيل (٢). غير أن التجوز به عن الذات ، ومجموع الصفات أولى ، وذلك من جهة أنه خصصه بالبقاء. والبقاء لا يتخصص بصفة دون صفة ؛ بل البارى ـ تعالى ـ باق بذاته ، ومجموع صفاته.

__________________

(١) فى ب (وتعذر).

(٢) فى ب (كما قيل).

٤٥٢

الصفة الرابعة : «اليدان» (١)

/ وقد اختلف المتكلمون في مقتضى قوله ـ تعالى ـ لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٢) ؛ إذ هو صريح في إثبات اليدين لغة.

فذهبت المشبهة (٣) : إلى أنهما بمعنى الجارحتين.

وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعرى : إلى أنهما صفتان ثبوتيتان ، زائدتان على ذاته ، وباقى صفاته ، لا أنهما بمعنى الجارحتين ؛ وهو مذهب السلف. وإليه ميل القاضى في بعض كتبه.

وذهب أكثر أئمتنا : إلى تفسير اليدين بالقدرة ، وكثير من المعتزلة إلى التفسير بكونه قادرا.

وذهب بعض المعتزلة : إلى التفسير بمعنى النعمة.

وذهب قوم : إلى أن اليدين في الآية ، صفة زائدة.

والحق عندنا في ذلك أن يقال :

أما إثبات اليدين بمعنى (٤) الجارحتين (٤) : فباطل ؛ لما (٥) سيأتى في نفى التشبيه (٥).

__________________

(١) انظر الإبانة للأشعرى ص ٣٥ ـ ٣٩ وأصول الدين للبغدادى ص ١١٠

وإلجام العوام للغزالى ص ٦٣ وأساس التقديس للرازى ص ١٢٣ ، ١٣٢.

ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٣٩.

ومن كتب المتأخرين : شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٨ وشرح المقاصد ٢ / ٨١.

(٢) سورة ص ٣٨ / ٧٥.

(٣) المشبهة : هم من شبه ذات البارى ـ تعالى ـ بذات غيره من المخلوقين ، ومنهم من شبه صفاته بصفات غيره.

والمشبهة أصناف : فمنهم جماعة من الشيعة الغالية كالهشاميين ، ومنهم جماعة من حشوية المحدثين مثل : مضر ، وكهمس ، وأحمد الهجيمى ، وغيرهم. أما عن أصنافهم ، وآرائهم بالتفصيل ، والرد عليهم فانظر ما يأتى في النوع الرابع من ل ١٤٢ / أ ـ ل ١٦٦ / أوالملل والنحل ١ / ١٠٣ ـ ١٠٨ ونشأة الفكر الفلسفى ١ / ٣٨٥ ـ ٤٢٩.

ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما سيأتى في الجزء الثانى القاعدة السابعة ل ٢٥٦ / ب.

(٤) فى ب (بالمعنى الأول).

(٥) فى ب (بما سيأتى في إبطال التشبيه).

٤٥٣

وأما إثبات اليدين بالمعنى الّذي أراده الشيخ أبو الحسن الأشعرى : فيستدعى دليلا قاطعا ؛ لما سبق في الوجه ، ولا قاطع.

وإن سلمنا الاكتفاء في ذلك بالدليل الظاهر ، إلا أنه غير موجود فيما نحن فيه ؛ لما حققناه في صفة الوجه.

وإن سلمنا وجود الظاهر ، غير أنه يمتنع الحمل على ما قيل ؛ لأنه أضاف الخلق إلى اليدين ؛ فإن كانت اليدان مما يتأتى بهما الخلق ؛ فهى القدرة. وإلا فإضافة الخلق إليهما يكون كذبا.

وأما تفسير اليدين بالنعمة ؛ فباطل لوجهين :

الأول : أنه أضاف الخلق إليهما ، والخلق لا يتعلق بالنعمة.

الثانى : أنهما مذكوران بلفظ التثنية ، ونعم الله ـ تعالى ـ على آدم غير منحصرة في أمرين على ما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١).

فإن قيل : النعمة تنقسم : إلى ظاهرة ، وباطنة ، وإلى عاجلة ، وآجلة ؛ فيحتمل أنه أراد بيدى : أى بنعمتى العاجلة (٢) ، والآجلة (٢) ، أو الظاهرة ، والباطنة ، ويحتمل أنه أراد به سجود الملائكة له ، وتعليمه الأسماء كلها.

قلنا : إلا (٣) أن ما ذكروه قد كان (٣) مجتمعا في حق آدم ؛ فإن حمل على الكل خرج عن التثنية ، وإن حمل على خصوص اثنين منهما ؛ فلا يكون أولى من غيره ؛ فلا يكون التخصيص مفيدا.

ولا سبيل إلى القول بكون اليدين صفة زائدة ؛ لما فيه من تعطيل الدلالة.

وإذا بطلت جميع هذه الأقسام. فالأشبه أنهما بمعنى القدرة ؛ فإن إطلاق اليدين بمعنى القدرة ، سائغ عرفا ولغة / ؛ ولهذا يقال : فلان في يدى فلان. إذا كان متعلق قدرته ، وتحت حكمه ومشيئته ؛ وإن لم يكن في يديه اللتين بمعنى الجارحتين.

__________________

(١) سورة ابراهيم ١٤ / ٣٤.

(٢) فى ب (الآجلة والعاجلة).

(٣) فى ب (الا أن كل ما ذكروه كان).

٤٥٤

فإن قيل : يمتنع حمل اليدين على القدرة لوجهين :

الأول : أنه يلزم من ذلك إبطال فائدة التخصيص ، بذكر خلق آدم باليدين ، من حيث أن سائر المخلوقات ، إنما هى مخلوقة بالقدرة القديمة.

الثانى : هو أن اليدين [مذكورتان] (١) بصيغة التثنية ، وقدرة الرب تعالى واحدة.

قلنا : أما الأول : فمندفع ، فإنه جاز أن تكون فائدة التخصيص التشريف ، كما خصص المؤمنين بلفظ العباد ، وأضافهم بالعبودية (٢) إلى نفسه (٢) ، وخصص روح عيسى ، والكعبة بالإضافة إلى نفسه.

وأما الثانى : فلأنه قد يعبر باليدين عن القدرة كما ذكرناه ، وكذلك بلفظ اليد ، ولا امتناع في اللغة عن التعبرة بالتثنية ، أو الجمع عن الواحد.

__________________

(١) فى أ (مذكورة).

(٢) فى ب (إليه بالعبودية).

٤٥٥

الصفة الخامسة : العينان (١).

قال الله ـ تعالى ـ (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (٢) وقال ـ تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣).

وقد اختلف المتكلمون في معناهما :

فقالت المشبهة : هما عينان بمعنى الجارحتين.

وقال الشيخ أبو الحسن الأشعرى : ـ فى أحد قوليه ـ وجماعة من السلف :

هما صفتان نفسيتان كما قال في اليدين.

وفي قول آخر له : إنهما بمعنى البصر.

والحق في ذلك : أن (٤) إثبات العينين بمعنى الجارحتين ممتنع ؛ لما سيأتى في نفى التشبيه (٥).

وأما القول : بأنها صفة نفسانية زائدة على ما له من الصفات ؛ فيستدعى دليلا قاطعا ـ كما سبق ـ ولا قطع هاهنا.

وإن سلمنا الاكتفاء في ذلك بالدليل الظاهر ؛ فالآية غير متناولة له بطريق من طرق الدلالات اللفظية ؛ لما سبق.

وإن سلمنا أنها محتملة له لغة. غير أنها أيضا محتملة لغيره (٦). وبيان الاحتمال من أربعة أوجه :

__________________

(١) انظر الإنابة للأشعرى ص ٣٥ وأصول الدين للبغدادى ص ١٠٩ والشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٦ وأساس التقديس للرازى ص ١٢٠.

ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٠.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٨ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٨١.

(٢) سورة القمر ٥٤ / ١٤.

(٣) سورة طه ٢٠ / ٣٩.

(٤) فى ب (أن يقال إن).

(٥) انظر ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٦) فى ب (كما سبق غير أنها محتملة لغيره أيضا).

٤٥٦

الأول : أنه يحتمل أنه أراد بقوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) : أى بحفظنا وكلاءتنا ؛ ولهذا تقول العرب : فلان بعين فلان : أى في (١) حفظه (١) وكلاءته.

الثانى : أنه يحتمل أنه أراد به ببصرنا ، وهو بصير كما سبق في الإدراكات (٢). وصيغة الجمع للتعظيم كما في قوله ـ تعالى ـ (نَحْنُ قَسَمْنا) (٣). وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) (٤) إلى غير ذلك.

الثالث : أنه يحتمل أنه أراد به ما انفجر من عيون الأرض وأضافها / إليه إضافة تمليك.

الرابع : أنه يحتمل أنه أراد به عيون المتعينين من عباده للنجاة من الغرق ، واختصاصهم بالإضافة إليه للتشريف والإكرام ، كما سبق.

__________________

(١) فى ب (يحفظه).

(٢) انظر ل ٩٩ / أوما بعدها.

(٣) سورة الزخرف ٤٣ / ٣٢.

(٤) سورة المؤمنين ٢٣ / ١٨.

٤٥٧

الصفة السادسة : «الجنب» (١).

وقد أثبت المشبهة للبارى (٢) ـ تعالى ـ صفة الجنب بمعنى الجارحة تمسكا بقوله ـ تعالى ـ : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٣).

ومن السلف : من حمل لفظ الجنب في الآية على صفة زائدة على ما له من الصفات النفسانية لا بمعنى الجارحة. ولا يخفى أن حمله على الجارحة ممتنع كما سيأتى (٤). وحمله على المعنى الثانى أيضا ممتنع ؛ لما سبق (٥).

كيف وأن الاحتمالات (٦) فى الآية متعارضة ؛ فيحتمل أنه أراد بجنب الله أمره ؛ فإن الجنب قد يطلق بمعنى الأمر. ويكون حاصل قوله : (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) : أى في أمر الله. ومنه قول الشاعر :

أما تتّقين الله في جنب عاشق

له كبد حرّى عليك تقطّع (٧)

معناه : فى أمر عاشق. ويحتمل أنه أراد به الجناب. ومنه يقال : فلان لائذ بجنب فلان : أى بجنابه ، وحرمه.

__________________

(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٤٩ وأساس التقديس للرازى ص ١٣٩.

ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٠.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

انظر المواقف للإيجي ص ٢٩٨.

(٢) فى ب (لله).

(٣) سورة الزمر ٣٩ / ٥٦.

(٤) انظر ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٥) انظر ل ١١٢ / أوما بعدها.

(٦) فى ب (الاحتمال في الآية معارض).

(٧) القائل : كثير عزة انظر الشامل ص ٥٤٩.

٤٥٨

الصفة السابعة : «صفة النور» (١)

قالت المشبهة : الله نور. تمسكا بقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ويمتنع حمله على ما هو المتبادر منه إلى الفهم ، وهو النور الكائن من أشعة النيرات وإلا كان البارى ـ تعالى ـ عرضا ؛ وهو محال كما يأتى (٣) ـ

فإن قيل : المراد به أنه (٤) نور لا كأنوارنا (٤) ، فلا بد له من دليل قاطع ، ولا قاطع.

وإن سلمنا الاكتفاء بالظاهر ، غير أن اللفظ لا يحتمله لغة ، على ما سبق.

وإن سلمنا احتمال اللفظ في (٥) الآية له (٥). غير أنه يحتمل غيره ، وبيانه من وجهين:

الأول : أنه يحتمل أنه أراد به أنه منور السموات ، والأرض بخلق أنوارها.

ويحتمل أن يكون المراد به أنه هادى أهل السموات والأرض بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه. كقوله (٦) ـ تعالى (٦) ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٧) : أى أهل القرية.

__________________

(١) انظر الإبانة للأشعرى ص ٣٤ والشامل لإمام الحرمين ص ٥٤٤ وأساس التقديس للرازى ص ٩٦. ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٠.

(٢) سورة النور ٢٤ / ٣٥.

(٣) انظر ل ١٤٥ / ب وما بعدها.

(٤) فى ب (نور لا كالأنوار).

(٥) فى ب (له في الآية).

(٦) فى ب (كما في قوله ـ تعالى ـ).

(٧) سورة يوسف ١٢ / ٨٢.

٤٥٩

الصفة الثامنة : «السّاق» (١)

قال الله ـ تعالى ـ (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) (٢).

وقد اختلف في مفهومه :

فمنهم : من حمله على ظاهره ، وهو الساق بمعنى الجارحة كالمشبهة.

ومن السلف من قال : هو ساق لا كالسوق.

/ والقول الأول باطل ؛ لما يأتى.

والثانى : أيضا ممتنع ؛ لما سبق في باقى الصفات الخبرية.

ثم (إنه) (٣) كما أمكن حمله على ذلك ؛ فقد أمكن حمله على الكشف عما في يوم القيامة من الأهوال ؛ ولهذا يقال : قامت الحرب على ساق. عند التحامها ، واشتداد أهوالها.

__________________

(١) انظر أساس التقديس للرازى ص ١٤٠ وغاية المرام للآمدى ص ١٣٧ ، ١٤١.

(٢) سورة القلم ٦٨ / ٤٢.

(٣) ساقط من أ.

٤٦٠