أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

الخامس : أنه لا يتصور حصول العلم إلا ويعلم حصوله ؛ بخلاف الإدراك ؛ كما حققناه من مثال المدرك الساهى.

قولهم : لا نسلم أن المدرك مدرك بإدراك.

قلنا : لأن حد المدرك : من قام به الإدراك ؛ فلا يعقل مفهوم المدرك ، دون تعقل الإدراك ، كما لا يعقل مفهوم الأسود والأبيض ، دون فهم السواد ، والبياض ، ولو جاز تعلق مدرك بلا إدراك ؛ لجاز تعلق أبيض ، وأسود بلا سواد ، ولا بياض ؛ وهو من أمحل المحالات.

قولهم : لو كان مدركا بإدراك ؛ لجاز أن يدرك الأخفى دون الأظهر على ما قرروه.

قلنا : إحالة ذلك : إما أن ينظر فيها إلى العقل (أو إلى العادة) (١).

فإن كان الأول : فممنوع ، وإن كان الثانى : فمسلم.

ولكن كما أنه يستحيل بالنظر إلى العادة ؛ انتفاء الإدراك للأظهر مع إدراك الأخفى ؛ فيستحيل بالنظر إلى العادة أن لا يخلق لنا الإدراك للأظهر مع خلق الإدراك للأخفى.

ثم ما هو لازم علينا في الإدراك ، فهو لازم على الخصم في المدركية ، وما هو جواب له / ثم ؛ هو جواب لنا هاهنا.

قولهم : إن المدركية واجبة الحصول ، عند حصول هذه الشروط غير مسلم ، وبيان ذلك من وجهين.

الأول : هو أنا قد نرى الكبير صغيرا من البعد ، مع وجود ما ذكروه من الشرائط.

وعند ذلك : فالرؤية ، إما أن تكون متعلقة بكل أجزائه ، أو أنه (٢) لا تعلق لها بشيء منها ، أو أنها متعلقة بالبعض ، دون البعض.

فإن كان الأول : فكان يلزم إدراكه على ما هو عليه ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : فهو محال ، وإلا لما رئى أصلا.

__________________

(١) فى أ (أو العادة).

(٢) فى ب (أنها).

٤٢١

وإن كان الثالث : فكما أن الشرائط متحققة بالنسبة إلى ذلك الجزء [المرئى (١)] ؛ فهى متحققة بالنسبة إلى الباقى ، ومع ذلك فما لزم الإدراك مع وجود الشرائط ؛ وهو المطلوب.

الثانى : هو أنا إذا رأينا شيئا سحيقا ناعما مجتمع الأجزاء ؛ فلا بد وأن نكون رائين لكل واحد من تلك الأجزاء ، إلا أن ذلك المرئى هو مجموع تلك الأجزاء.

وعند ذلك : فإما أن تتوقف رؤية كل جزء من الأجزاء المفردة منه على (٢) رؤية الجزء الآخر ، أو لا تتوقف رؤية كل واحد على رؤية غيره ، أو أن البعض متوقف على رؤية البعض ، دون البعض.

لا سبيل إلى الأول لما فيه من الدور.

والثانى ، والثالث : يلزم (منهما (٣)) جواز رؤية الجوهر الفرد الّذي لا يتجزأ بالفعل عند (٤) وجود الشرائط حالة الاجتماع ، فلو وجب رؤية ذلك عند وجود الشرائط حالة الاجتماع ؛ لوجب حالة الانفراد ، وليس كذلك ؛ فلا وجوب.

فإن قيل على الحجة الأولى : لا نسلم وجود الشرائط في الأجزاء التى على (٥) أطراف المرئى البعيد ؛ إذ هى أبعد من الوسط ، بالنسبة إلي الناظر فلذلك (٦) رأى الوسط ، دون الأطراف.

وبيان ذلك : أنا إذا قدرنا خروج خط من الناظر متصل بالجزء الوسط المرئى ، حدث من قيامه على بعد المرئى ؛ زاويتان قائمتان ، فإذا افترضنا خطين ، خرجا من الناظر ، متصلين بأطراف بعد المرئى ؛ كانا وترين للزاويتين القائمتين (٧) ، ووتر الزاوية القائمة : أطول من كل واحد من ضلعيهما ؛ فالبعدان المتصلان بجوانب المرئى ؛ أبعد من البعد المتصل بالوسط.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) فى ب (إلى).

(٣) فى أ ، ب (منه).

(٤) فى ب (دون).

(٥) فى ب (هى).

(٦) فى ب (فكذلك).

(٧) فى ب (القائمتين به).

٤٢٢

سلمنا التساوى بين الأطراف ، والوسط ؛ ولكن شرط المدركية : عند القائلين بالانطباع : إنما هو بانطباع صورة المرئى ، في الرطوبة الجليدية / وأن يكون بين الناظر ، والمرئى مخروط متوهم ، زاويته من جهة الناظر ، وقاعدته من جهة المرئى ، ولا يخفى أنه كلما إزدادت أبعاد المخروط طولا بسبب بعد المرئى ؛ إزدادت زاويته ضيقا ، وكلما قصر ؛ إزدادت زاويته سعة ، ومحل الانطباع إنما هو الزاوية المفروضة ؛ فيجب اتساعها ، وضيقها ؛ وبسبب القرب والبعد ؛ يكون كبر المنطبع ، وصغره.

وعند القائلين بخروج شعاع من العين متصل بالمرئى يكون مدركا له : إنما اختلف المرئى بالصغر والكبر ، بالبعد ، والقرب ، بسبب ضعف الشعاع المتصل به ؛ بسبب تبدده ، أو بسبب مخالطته الأبخرة الكثيفة به.

وعند القائلين بأن الهواء المشف ما بين الرائى ، والمرئى يستحيل آلة دراكة بإحالة قوة الناظر له : إنما اختلف الصغر ، والكبر ، بالبعد ، والقرب ؛ بسبب ضعف تأثير القوة في الإحالة وقوتها.

وعلى الحجة الثانية : إنما يلزم الدور أن لو توقف صحة رؤية كل واحد من الأجزاء على صحة رؤية الآخر. توقف متأخر ، على متقدم ؛ وذلك بأن يقال : صحة رؤية كل واحد ، علة صحة رؤية الآخر ، وليس كذلك ، بل توقف معية ؛ أى أنه لا يصح رؤية كل واحد ، إلا مع رؤية الآخر ؛ وذلك غير موجب للدور كالمضافات.

والجواب :

أما دعوى زيادة البعد المتصل بالطرف ، على البعد المتصل بالوسط ؛ فمندفع. فإنا لو قدرنا أن ضلع الزاوية القائمة : وهو الآخذ من وسط المرئى إلى الطرف ذراعا ؛ فيعلم أن بعد الطرف الّذي هو وتر تلك الزاوية لا يزيد على بعد الوسط بذراع ، بل أقل ؛ لأن ضلعى الزاوية القائمة يزيدان على وترها لا محالة ، ومع ذلك : فإنا لو قدرنا تباعد الوسط ذراعا آخر بحيث يساوى وتر الزاوية ، ويزيد عليه ؛ لما غاب من الحس.

وأما الرد على مذهب أرباب الانطباع وغيرهم ، فسيأتى عن قرب (١).

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ١٠٨ / ب وما بعدها.

٤٢٣

وأما الإشكال على الحجة الثانية ، فضعيف جدا.

سلمنا وجوب حصول المدركية ؛ ولكن لا نسلم امتناع تعليلها بالإدراك.

قولهم : إما أن يكون الإدراك ملازما لهذه الشروط ، أو لا؟.

قلنا : غير لازم (١) ، وإن كان لازما (١) / ؛ فما المانع منه؟

قولهم : يلزم منه أن تكون تلك الشروط علة للإدراك نظرا إلى الدوران ؛ فهو (٢) باطل (٢) بما سبق في قاعدة الدليل (٣).

قولهم : لو كانت المدركية معللة بمعنى ؛ لجاز تحقق المدركية عند وجود ذلك المعنى ، وإن عدمت الشروط ، فأن (٤) لا توجد مع وجود هذه الشروط مع انتفاء ذلك المعنى ؛ وهو محال. إنما يصح أن لو تصور الانفكاك بين المعنى ، واجتماع تلك الشروط ؛ وهو غير مسلم.

قولهم : إنه يلزم من ملازمة المعنى لهذه الشروط ، أن يكون بينهما تعلق ؛ مسلم.

قولهم : التعلق إما بجهة العلية ، أو الاشتراط ، لا نسلم الحصر ؛ بل التعلق أمر أعم من القسمين ، ولهذا يتصور التلازم بين المضافين ، وإن لم يكن التعلق بينهما لا بجهة العلية ، ولا الاشتراط ، وكذلك التلازم بين المعلولات لعلة واحدة ؛ فإنه خارج عن تعلق العلة ، والشرط.

سلمنا الحصر ؛ ولكن لا نسلم الامتناع من ذلك.

قولهم : إن كان المعنى مشروطا بتلك الشروط ؛ فلا يمتنع وجود الشرط دون المشروط.

قلنا : لا نسلم أن ذلك غير ممتنع على الإطلاق في كل شرط ومشروط ، ولهذا وقع الاتفاق على أن يكون الباري ـ تعالى ـ حيا شرط لكونه عالما ، وقادرا ، ولا انفكاك لأحدهما عن الآخر.

__________________

(١) فى ب (ملازما وإن كان ملازما).

(٢) فى ب (فباطل).

(٣) انظر ل ٣٧ / ب وما بعدها.

(٤) فى ب (وأن).

٤٢٤

سلمنا تصور وجود هذه الشروط ، دون ذلك المعنى ؛ ولكن لا نسلم امتناع حصول هذه الشروط بدون (١) المعنى للإدراك (١) ، ولا امتناع حصول المعنى ، بدون الشروط ؛ كما سبق ، وبه يندفع ما ذكروه من القسم الثانى أيضا.

قولهم : فى القسم الثالث : أنه يمتنع أن يكون المعنى علة لتلك الشروط ؛ ممنوع.

قولهم : فى الوجه الأول منه : يلزم أن يكون كل واحد منها متحققا دونه ؛ لا يلزم (٢) أن تكون الهيئة الاجتماعية متحققة دونه (٣).

قولهم في الوجه الثانى منه : إذا كان الإدراك علة للمدركية ؛ فيلزم من وجوده ، وجود المدركية ، وإن لم تتوقف على تلك الشروط ؛ مسلم ؛ ولكن لا نسلم إحالة ذلك كما سبق.

قولهم فى الوجه الثالث منه : إن الإدراك متوقف على كل واحد من تلك الشروط ؛ فلا يكون علة لها ؛ لا نسلم التوقف على ما سبق.

قولهم في الوجه الرابع : إنه يلزم منه أن تكون العلة الواحدة علة لمعلولين ؛ وهو ممتنع / لا نسلم امتناع ذلك ؛ كما سيأتى في العلل والمعلولات (٤).

والوجه الخامس منه : إن نزلنا الكلام على أن الإدراك علية للشروط ؛ فجوابه صعب جدا.

قولهم : لو كان المدرك مدركا بإدراك ؛ لجاز على القادر خلق إدراك المعدوم في العين ؛ وهو ممتنع.

قلنا : إن كان إدراك المعدوم بالعين ممتنعا ؛ فقد امتنع القول بجواز خلقه في العين. وإن لم يكن ممتنعا ؛ فقد امتنع القول : بأن إدراك المعدوم بالعين ممتنع.

__________________

(١) فى ب (بدون الإدراك).

(٢) فى ب (ويلزم).

(٣) فى ب (دونه ممتنع).

(٤) انظر ما سيأتى في الجزء الثانى ـ الباب الثالث ـ الأصل الثانى ل ١١٧ / ب وما بعدها.

٤٢٥

قولهم : لو كان الإدراك (معنى (١)) ؛ لصح إدراكه بإدراك آخر ، ولما تصور الخلو منه (٢) ، أو (٢) من ضده ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ على ما قرروه.

فنقول : التسلسل وإن كان ممتنعا ، فلا يدل على امتناع الإدراك ؛ لجواز أن يكون ذلك لازما من القول بجواز إدراك الإدراك ، أو من القول بأن الإدراك له ضد ، أو من القول بأن الذات القابلة للضدين لا تخلو عنهما.

قولهم : سلمنا لزوم ذلك في الشاهد ؛ ولكن لا نسلم لزوم ذلك في الغائب.

قلنا : إذا ثبت أن حد المدرك (٣) من قام به الإدراك ؛ فالحد لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا.

قولهم : لا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا؟

قلنا : بل قديم.

قولهم : يفضى إلى قدم المسموعات ، والمبصرات ؛ ليس (٤) كذلك ، فإن تعلق الإدراك بالمدركات ، على نحو تعلق العلم بالمعلومات ، وما لزم من قدم العلم (٥) قدم المعلوم ؛ فكذلك في الإدراك.

قولهم : إن البنية المخصوصة شرط في الإدراك ؛ ليس كذلك ؛ فإن القائل به معترف (بأن (٦)) الإدراك قائم بجزء واحد من جملة المدرك ، ولا أثر لاتصال محله بما جاوره ؛ إذ الجواهر لا يؤثر بعضها فيما يرجع إلى ما يقوم بها من الأعراض كما يأتى (٧) ؛ بل الجوهر يكون على صفته عند المجاورة لغيره في حالة انفراده ، فإذا جاز قيام الإدراك بجزء واحد في حال انفراده واتصاله ؛ لزم أن لا تكون البنية المخصوصة شرطا ، ولا يلزم على هذا الاجتماع ؛ حيث أنه يقوم بالجوهر عند إضافته ، وضمه إلى غيره ، ولا يقوم به / عند انفراده ؛ لأنا نقول : الكون القائم بكل جزء في حالة الاجتماع ، هو بعينه قائم في

__________________

(١) فى أ (معين).

(٢) فى ب (عنه أى).

(٣) فى ب (الإدراك).

(٤) فى ب (وليس).

(٥) فى ب (العالم).

(٦) فى أ (ان).

(٧) انظر الجزء الثانى ـ الأصل الأول ـ النوع الأول ل ٤ / أ.

٤٢٦

حالة الافتراق مطلقا. والمختلف إنما هو الأسماء ، وهو أن ذلك الكون القائم بالجوهر عند ضميمة غيره إليه ، يسمى اجتماعا ، وعند انفراده ، لا يسمى بذلك.

ثم (١) وإن سلم أنه لا ينفى (١) حالة الانفراد ، لكنه غير لازم ، وذلك لأن الصفات العرضية : منها ما يقتضي لذاته الضم ، والاجتماع بين المحال : كالصفات الإضافية مثل : الاجتماع ، ونحوه.

ومنها ما لا يقتضي ذلك : كالسواد والبياض ، وغيره (٢) مما ليس بصفة (٢) إضافية ، ولا يلزم من كون الصفات الإضافية كذلك ، طرد ذلك فيما ليس بإضافى ، ولا يخفى أن الإدراك ليس من ذلك القبيل الموجب للجمع ، والضم بين الأجسام.

ومما يدل على أن الإدراك غير مفتقر إلى البنية المخصوصة ، ويخص البصريين القائلين بكون البارى ـ تعالى مدركا أن يقال : لو كانت البنية المخصوصة شرطا في الشاهد ؛ لوجب طردها غائبا ، على ما هو قاعدة الاشتراط عندهم ؛ فإنهم أوجبوا طرد الشرط دون العلة ؛ ويلزم من ذلك وجود البنية المخصوصة في حق الله ـ تعالى ـ لكونه مدركا.

فإن قيل : اشتراط البنية إنما هو في حق المدرك بإدراك ، والبارى ـ تعالى ـ ليس مدركا بإدراك ؛ فلا يشترط البنية في حقه.

[قلنا (٣)] : فقد ناقضوا قاعدتهم في العالمية ، حيث شرطوا كون العالم حيا في الشاهد ، وإن كان عالما بعلم ، وطردوا ذلك في الغائب ، وإن لم يكن عالما بعلم. ولو سئلوا عن الفرق ؛ لم يجدوا إلى ذلك سبيلا.

قولهم : إن ذلك يفضى إلى الالتباس بين الإدراكات ليس كذلك ؛ فإن الالتباس بين الإدراكات لا يكون (٤) بسبب اتحاد محلها ، وإلا لما تصور قيام عرضين بمحل واحد ، إلا وهما متشابهان. ولا يخفى جواز قيام الأعراض المختلفة بالمحل الواحد ، مع عدم التشابه : وذلك : كالسواد ، والحلاوة ، ونحوهما ، وإنما الالتباس ، والاشتباه بين

__________________

(١) فى ب (وإن سلمنا أنه لا يبقى).

(٢) فى ب (ونحوهما مما ليس صفة).

(٣) ساقط من أ.

(٤) فى ب (إنما يكون).

٤٢٧

الأعراض لأمور عائدة إلى أنفسها. ولا يخفى أنه لا تشابه بين أنواع الإدراكات في أنفسها ؛ (لاختلافها (١)) فى ذواتها على ما يجده كل عاقل من نفسه ؛ ولهذا لا يقوم أحدهما مقام (٢) الآخر ؛ فإن إدراك الشيء بالبصر لا يقوم مقام إدراكه بالسمع ، والشم / والذوق ، واللمس ، وكذلك بالعكس.

وعلى هذا : فتبين أن ما ذكروه من حدود الإدراكات لا حاصل له.

قولهم : الإدراك هو الانطباع ، أو أن الانطباع شرط في الإدراك ؛ فباطل من وجهين :

الأول : هو أن ما ذكروه مبنى على اشتراط البنية المخصوصة في الإدراك ؛ وقد سبق إبطاله.

الثانى : هو أن الصورة المنطبعة في العين : إما أن تكون منتقلة من صورة المرئى ، أو غير منتقلة.

فإن كان الأول : فالمنتقل : إما جوهر ، أو عرض.

لا جائز أن يكون جوهرا : وإلا فهو مع انطباعه في العين : إما أن يكون متصلا بالمرئى ، أو منفصلا عنه.

فإن كان متصلا به : فيبعد (٣) أن يكون منطبعا في العين ؛ بل المنطبع في العين طرفه ؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون منه (٤) مدركا (٤) غير المنطبع دون غيره. وأن يزاحم الهواء الراكد بين الرائى والمرئى ، ويحركه ، وأن يكون نافذا في الأشياء الصلبة الشفافة : كالبلور إذا كان متوسطا بين الرائى والمرئى ، وأن يكون قد خرج من الخردلة المرئية (٥) جرم مخروط ملأ (٦) ما بين (٦) الرائى ، والمرئى مع بعده ، وأن لا يرى المرئى على شكله : بل على الشكل المنطبع في العين على صغره ، وأن لا ترى السماء في أول جزء من أجزاء زمان فتح العين ؛ بل بعد أزمنة وهى ما يمكن فيها قطع المنتقل من المرئى إلى

__________________

(١) فى أ (واختلافها).

(٢) فى ب (عن).

(٣) فى ب (فيتعذر).

(٤) فى ب (مدركا منه).

(٥) فى ب (المرئية في).

(٦) فى ب (قد ملأ بين).

٤٢٨

الرائى في المسافة التى بينهما ، وأن تتصف العين بما انطبع فيها من صور الألوان حتى يقال لها سوداء ، وبيضاء ، وأن تحترق بانطباع صورة النار فيها ، وتبرد بانطباع صورة النار فيها ؛ والكل محال.

وإن كان منفصلا عنه : فكان يلزم أن يحس به المنفصل عنه إذا كان مدركا ، وأن لا يدرك ذلك المرئى الخارج ؛ لعدم انطباعه ؛ وهو محال.

وإن كان عرضا : فالعرض لا تحرك له بنفسه ، وإن تحرك بمحله أوجب المحالات السابقة ، هذا إن قيل بانتقال الصورة المنطبعة من المرئى ، وإن لم تكن منتقلة : فالقول بانطباعها في العين مع عدم انتقالها من المرئى ؛ محال.

قولهم : إنه لا مانع من خروج شعاع من العين متصل بالمرئى ؛ فباطل أيضا من سبعة أوجه :

الأول : أنه مبنى على البنية ؛ وقد أبطلناه.

الثانى : هو أن الشعاع الخارج من العين / إما جوهر ، أو عرض.

فإن كان جوهرا : فهو مع اتصاله بالمرئى : إما أن يكون متصلا بالعين ، أو منفصلا عنها.

فإن كان متصلا بالعين : فهو ممتنع لثلاثة أوجه :

الأول : أنه يلزم منه أن يكون قد خرج من العين مع صغرها جرم مخروط ملأ نصف كرة العالم متصلا بالثوابت ؛ وهو محال.

الثانى : أنه يلزم منه أن يحرك الهواء الراكد ، وأن ينفذ في الأجرام الصلبة الشفافة ، إذا كانت متوسطة بين الرائى (١) ، والمرئى (١) كما سبق ؛ والكل محال.

الثالث : أنه يلزم أن لا يختلف المرئى على القرب ، والبعد بسبب اتصال المدرك به.

وإن كان منفصلا عن العين : فكان يلزم أن لا يختلف المرئى في القرب ، والبعد ؛ لاتصال المدرك به ، وأن يحرك ما يلاقيه من الأجرام المزاحمة له ، وأن لا يدرك الرائى ، المرئى ؛ لانفصال الشعاع عنه إذا أغمض العين قبل زمان عود الشعاع ؛ والكل محال.

__________________

(١) فى ب (المرئى والرائى).

٤٢٩

وإن كان عرضا : فهو أيضا محال ؛ لما سبق في الانطباع.

الثالث : وهو خصيص بمذهب المعتزلة القائلين بالشعاع ، أن يقال : الشعاع عندكم جسم ، والأجسام غير داخلة تحت مقدور البشر بالاتفاق منا ، ومنكم (١).

وعند ذلك : فلا يخلو : إما أن يقولوا بأن الله ـ تعالى ـ يخلقه عند فتح العين أو أنه يتولد ، أو أنه كان مستكنا في العين ، ثم انبعث عند فتح الأجفان.

فإن كان الأول : فيلزم منه جواز فتح العين مع سلامتها ، وتحقيق الشروط التي اعتبروها ، وأن لا تحصل الرؤية ؛ لجواز أن لا يخلق الله ـ تعالى ـ ذلك الشعاع ؛ وذلك عندهم (٢) محال.

وإن كان الثانى : فهو محال ؛ كما يأتى بعد.

وإن كان الثالث : فإما أن يكون انبعاث الشعاع بطبعه ، أو بخلق الله ـ تعالى ـ ذلك له.

فإن كان بطبعه : وجب أن لا يتحرك كيف كان ؛ بل إلى جهة معينة.

وإن كان ذلك بخلق الله ـ تعالى ـ ؛ فيلزم جواز فتح العين مع سلامتها. وانتفاء الموانع بدون الرؤية ؛ لجواز أن لا يخلق الله ـ تعالى ـ ذلك الانبعاث ؛ وهو محال على أصولهم.

الرابع : هو أنه لو كان الجوهر الفرد من الناظر على الوجه المشروط من القرب ، والبعد ؛ فإنه لا يرى عندهم ، ولو كان إدراكه باتصال الشعاع به ؛ لرئي ضرورة اتصال الشعاع به عندهم.

ويمكن أن يجاب عنه : بأنه وإن وجد هذا / الشرط : وهو البعد المشروط ، واتصال الشعاع به ؛ لكنه أمكن أن يكون (ثم (٣)) شرط آخر ؛ وهو أن لا يكون في غاية الصغر ؛ وقد فات ذلك.

__________________

(١) فى ب (ومنهم).

(٢) فى ب (عندكم).

(٣) ساقط من أ.

٤٣٠

الخامس : أنه لو كان الإدراك باتصال الشعاع بالمرئى ؛ لما رؤيت الأعراض ؛ لعدم اتصال الشعاع بها عندهم.

فإن (١) قالوا : الشرط (١) اتصال الشعاع بالمرئى ، أو بمحله ، والعرض وإن لم يتصل به الشعاع ؛ فهو متصل بمحله ، فيلزمهم رؤية لون الجسم مهما رؤى الجسم ؛ لاتصال الشعاع بمحله ؛ وليس كذلك ؛ فإن عندهم قد يرى الجسم من البعد ، من لا يرى لونه إلى أن يقرب منه.

ثم يلزمهم رؤية الطعم ، والرائحة ؛ ضرورة اتصال الشعاع بمحله ، ولم يقولوا به ؛ لكن لهم أن يقولوا الطعم وإن اتصل الشعاع بمحله ؛ فليس مما يصح أن يرى عندنا ؛ وهو شرط في الرؤية.

السادس : أنه لو أوقدت نار في ليل مظلم ؛ فإن من هو واقف في ضوئها لا يرى من هو واقف في الظلمة عند مقطع الضوء ، ومن هو في الظلمة يراه مع استوائهما في انبعاث الأشعة.

فإن قالوا : شعاع النار (٢) لقوته يبهر (٢) الشعاع المنبعث من عينى من هو في ضوئها ، ويمنعه من النفوذ ، بخلاف الواقف في الظلمة.

قلنا : فإذا كان شعاع النار مانعا من نفوذ الشعاع المنبعث من العين ؛ فالظلمة أولى من أن تكون مانعة للشعاع المنبعث من عين الواقف فيها.

ولهذا إنه قد يرى الشيء في وقت طلوع (٣) شعاع الشمس (٣) فى مسافة لا يرى في مثلها في الظلمة ، وكذلك فإن الهبا يرى في شعاع الشمس النازل من الكوى ، ولا يرى في الظلمة.

ثم يلزم منه أن لا يرى أحد الواقفين في الضوء للآخر ، لكون الشعاع المنبعث في العين مبهرا بشعاع النير المفروض ؛ فكان (٤) امتناع رؤية النار لقوة شعاعها أولى.

__________________

(١) فى ب (وإن قالوا).

(٢) فى ب (لقوته متميز).

(٣) فى ب (شعاع طلوع الشمس).

(٤) فى ب (بل وكان).

٤٣١

السابع : أنه لو كان اتصال الشعاع المنبعث من العين بالمرئى شرطا في الرؤية في الشاهد ؛ لكان شرطا في كون الغائب مدركا ؛ لأن الشرط عندهم مما يجب اطراده ؛ كما سلف ، وليس كذلك ؛ / حيث قضوا بأن الرب ـ تعالى ـ مدرك.

وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الشبه.

كيف : وأن ما ذكروه من الشعاع النازل من الكوى ؛ ليس هو الشعاع المنبعث من العين الّذي هو شرط الإدراك ؛ بل غيره ؛ فلا يكون توقف إدراك الهبا عليه دليلا على ما قصدوه ، وكذلك الشعاع المنعكس من إحدى المرآتين المتقابلتين على الأخرى ، الّذي به إدراك الناظر لظهره ؛ ليس هو الشعاع المنبعث من العين : فلا يكون ذلك دليلا على اشتراط انبعاث شعاع العين.

ثم لو قيل لهم : ما المانع أن يكون ذلك كله بحكم جرى العادة؟ ، لم يجدوا إلى دفعه سبيلا.

قولهم : ما المانع أن يكون الإدراك باستحالة الهواء المتوسط بين الرائى ، والمرئى آلة دراكه؟

قلنا : لوجوه ثلاثة :

الأول : أنه لو كان كذلك ؛ لكانت استحالته عند اجتماع المبصرين أشد.

وعند ذلك : يجب أن يكون إدراك الواحد للشىء عند الاجتماع أشد من حالة الانفراد ؛ لقوة الاستحالة.

الثانى : أنه كان يلزم أن يضطرب المرئى عند تشوش الجو (١) ، واضطراب الرياح بسبب تجدد الآلة الدراكة ؛ وهو ممتنع.

الثالث : أنه يلزم منه أن لا يكون الناظر هو المدرك ؛ إذ المدرك خارج عنه.

وعلى هذا. فالإدراك : معنى يخلقه الله ـ تعالى ـ للمدرك مع قطع النظر عن البنية المخصوصة ، والانتقال ، والانطباع ، والآلات (٢) ، والأدوات (٢) ، والأشعة ، والأهوية

__________________

(١) فى ب (الهوى).

(٢) فى ب (والأدوات والآلات).

٤٣٢

المشفة ، وكل ما قيل وما وقع من ذلك ملازما للإدراك ؛ فليس إلا بحكم جرى العادة : كالرى عند شرب الماء ، والشبع عند أكل الخبز ، ونحوه ، وحيث لم يكن العقب (١) ، أو اليد ، أو غيرهما (١) من الأعضاء مبصرة ، ولا سامعة ، ولا شامة ، ولا ذائقة ، فليس لعدم صلاحيتها لذلك ؛ بل لأنه الله ـ تعالى ـ لم يخلق له آلة الإدراك ؛ وهذا أصل مطرد عند أهل الحق من أصحابنا في سائر الإدراكات.

وربما قيل في إبطال ما ذكروه من نقل الصوت بالهواء إلى صماخ الأذن : أنه لو كان كذلك ؛ لما أدركنا جهته ، كما لا ندرك جهة الملموس لما كان إدراكه بالوصول إلى الحاسة اللامسة ؛ وهو بعيد ؛ إذ المدرك بالسمع : إنما هو الصوت ، لا نفس حصوله (٢) من تلك (٢) / الجهة ؛ بل (٣) ذلك (٣) إنما يكون بغير السمع.

وأما النقض بباقى الإدراكات ؛ فقد سبق جوابه في مسألة إثبات الصفات بجهة العموم (٤).

كيف : وأنا لا نمنع اتصاف الرب تعالى بباقى الإدراكات على ما ذهب إليه القاضى أبو بكر من أصحابنا ؛ فإنه قال : الرب ـ تعالى ـ موصوف بالإدراكات الخمس ، ودليله ما هو دليل السمع ، والبصر.

قولهم : لا نسلم خروج الإدراك عن أجناس العلوم.

قلنا : قد اختلف أصحابنا في ذلك.

فمنهم من قال : إنه من أجناس العلوم.

ومنهم من قال : إنه خارج عن أجناس العلوم ، وهو اختيار القاضى رحمه‌الله.

وأما نحن فنقول :

قد بينا فيما تقدم الاختلاف بين العالم ، والمدرك ؛ فإذا كان العالم : من قام به العلم ، والمدرك : من قام به الإدراك ؛ فيجب أن يكون العلم ، والإدراك مختلفين ضرورة ؛ وهو المطلوب.

__________________

(١) فى ب (العقب والرجل واليد أو غيرها).

(٢) (صوته من تلك).

(٣) فى ب (بل إدراكه لذلك).

(٤) راجع ما سبق ل ٥٨ / ب.

٤٣٣

وأما الاختلاف : هل اختلاف نوع ، أو جنس؟ فمما لم يظهر لى بعد.

قولهم : إنه لا يتصور أن يدرك المدرك شيئا ، ولا يعلمه ؛ غير مسلم. وإن سلم ؛ فالتلازم لا يدل على الاتحاد.

قولهم : الإدراك والعلم قد اشتركا في أنهما لا يؤثران في متعلقهما.

قلنا : والاشتراك (١) في هذا الأمر ، أو فى غيره لا يدل على الاتحاد أيضا ؛ لجواز اشتراك المختلفات في لازم واحد. ويدل على ذلك أن الكلام لا يؤثر في متعلقه : كالعلم ؛ وهما مختلفان.

فإن قيل : قد بينتم اختلاف الإدراكات ، وأنها مخالفة لأنواع العلوم ، وما يجوز على الله ـ تعالى ـ منها ، وما لا يجوز ، فهل الإدراكات منحصرة في الإدراكات الخمسة أم لا؟

قلنا : ذهبت الفلاسفة : إلى أن الإدراكات عشرة على ما حققناه في قاعدة العلم (٢).

وأما أصحابنا ، فمتفقون على الإدراكات الحاصلة بالحواس الخمسة الظاهرة. واختلفوا في الإحساس بالألم ، واللذة ، والفرح ، والغم ، ونحوه ، هل هو من قبيل الإدراكات ، أو العلوم؟

فذهب كثير من الأصحاب : إلى أنه من قبيل العلوم.

والّذي ارتضاه القاضى : أنه إدراك سادس. محتجا على ذلك بأن العلم يتعلق بما مضى من الآلام ، والإحساس بالألم غير متعلق بما مضى ؛ وذلك لا / يدل على خروجه عن أنواع العلوم ؛ لجواز أن يكون متعلق البعض منها مما لا يتعلق به البعض الآخر ، كما قيل في الإدراكات المختلفة النوع.

والحق في ذلك : أن الإحساس بالألم ، واللذة ؛ مخالف لباقى الإدراكات ، ومخالف لباقى أنواع العلوم من حيث أن الإحساس بالألم واللذة ، ونحوه ، لا يتعلق بما يتعلق به غيره من العلوم : كالعلم بما مضى من الآلام ، وغيرها من الموجودات.

__________________

(١) فى ب (فالاشتراك).

(٢) انظر ل ١٢ / أ.

٤٣٤

وأما كونه من أنواع (١) الإدراكات ، أو العلوم ؛ فمما لم يظهر لى بعد.

فإن قيل : فهل يجوز أن يخلق الله ـ تعالى ـ إدراكا خارجا عما ذكرتموه من الإدراكات ، أم لا؟.

(٢) قلنا : قد (٢) اختلف أئمتنا أيضا في ذلك.

فمنهم : من منع.

ومنهم : من جوز ؛ وهو مذهب ضرار بن عمرو.

والحق : أنه لا دليل قاطع على النفى ، والإثبات فلا سبيل إلى الجزم بأحدهما.

فإن قيل : فهل الإدراكات الحادثة مقدورة للبشر ، (أم لا) (٣)؟

قلنا : اتفق القائلون بها على أنها غير مباشرة القدرة (٤) الحادثة ، غير أن مذهب أصحابنا أنها مخلوقة لله ـ تعالى ـ على ما سيأتى (٥).

ومذهب بعض البصريين من المعتزلة أن الرؤية منها حادثة بطريق التولد عند فتح العين ؛ وهو باطل على ما يأتى أيضا في إبطال التولد (٦) ؛ والله أعلم.

__________________

(١) فى ب (نوع).

(٢) فى ب (فقد).

(٣) ساقط من أ.

(٤) فى ب (بالقدرة).

(٥) انظر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.

(٦) انظر ل ٢٧٣ / أوما بعدها.

٤٣٥

المسألة السابعة

في أن الله ـ تعالى ـ حىّ بحياة (١)

مذهب أصحابنا (٢) : أن الله ـ تعالى ـ حىّ بحياة ، وأن الحياة صفة وجودية زائدة على ذات الرب (٣) ـ تعالى ـ وما له من الصفات الوجودية السابق ذكرها. واتفقت المعتزلة (٤) : على كونه حيا لا بحياة.

لكن منهم من قال : معنى كونه حيا : أنه لا يمتنع عليه أن يعلم ويقدر ، كأبي الحسين البصرى.

وذهبت الفلاسفة (٥) : إلى [أن (٦)] معنى كونه حيا ، أنه ليس بميت.

احتج أصحابنا بثلاثة مسالك.

المسلك الأول :

قالوا : قد (٧) ثبت أن البارى ـ تعالى ـ عالم ، قادر ، مريد. وشرط هذه الصفات في الشاهد كون المتصف بها حيا ؛ فيجب أن يكون البارى تعالى ـ حيا ؛ لأن الشرط لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا.

__________________

(١) فى ب (فى إثبات صفة الحياة لله ـ تعالى ـ).

(٢) من كتب الأشاعرة المتقدمين على الآمدي :

انظر اللمع للأشعرى ص ٢٥.

والتمهيد للباقلانى ص ٤٧ والانصاف له أيضا ص ٣٥ وأصول الدين للبغدادى ص ١٠٥ والإرشاد لإمام الحرمين ص ٦٣ ولمع الأدلة ص ٨٢ والشامل ص ٦٢١ له أيضا.

والاقتصاد للغزالى ص ٤٧.

والمحصل للرازى ص ١٢١ ومعالم أصول الدين له أيضا ص ٤٤.

ومن كتب الآمدي انظر غاية المرام ص ١٣٣.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

انظر شرح الطوالع ص ١٧٩ والمواقف للإيجي ص ٢٩٠ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٧٢ ، ٧٣.

(٣) فى ب (الله).

(٤) انظر الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ١٦١ ـ ١٦٧ والمغنى له ٥ / ٢٢٩ ـ ٢٣١ والمحيط بالتكليف له أيضا ص ١٢٧ ـ ١٣٥.

(٥) انظر كتاب الكندى في الفلسفة الأولى ص ٨٦ تحقيق د / الأهوانى ـ طبع الحلبى سنة ١٩٤٨ وعيون المسائل للفارابى ص ٥٠ والنجاة لابن سينا ص ٢٤٩.

(٦) ساقط من أ.

(٧) فى ب (لو).

٤٣٦

وإذا كان حيا ؛ فالحىّ عبارة عمن قامت (١) به الحياة ؛ والحد لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا ؛ فيجب أن يكون البارى ـ تعالى ـ حيا بحياة.

وهو ضعيف ؛ لما سبق من إبطال الحاق الغائب / بالشاهد (٢).

المسلك الثانى :

قالوا : الذوات منقسمة : إلى ما يصح عليها أن يعلم ويقدر ، وإلى ما لا يصح عليها ذلك. وهذه التفرقة تستدعى مميزا ؛ وذلك المميز الّذي به صح على بعض الذوات أن تكون عالمة قادرة ؛ هو المعنى بصفة الحياة ، والرب ـ تعالى ـ يصح عليه أن يكون عالما ، قادرا ؛ فكان حيا بحياة.

وهو باطل أيضا ؛ فإن الذوات مختلفة عندنا ، وعند أكثر العقلاء.

وعند ذلك : فلا يمتنع أن تكون صحة قبول القادرية ، والعالمية مستندة إلى نفس الذات ؛ لا إلى أمر خارج عنها.

المسلك الثالث :

قال بعض المتأخرين (٣) : أجمعنا على كون الرب ـ تعالى ـ حيا. فقولكم : الحى هو الّذي لا يمتنع عليه أن يعلم ويقدر ، إشارة إلى سلب الامتناع ، والامتناع سلب للسلب ؛ فيكون أمرا ثبوتيا.

وهذا الأمر الثبوتى ، ليس هو نفس الذات ؛ فإنا نعلم ذات واجب الوجود ، وقد نجهل كونه لا يمتنع عليه أن يعلم (٤) ويقدر. والمعلوم غير ما ليس بمعلوم ؛ فثبت أن كونه ـ تعالى ـ حيا ، صفة حقيقية قائمة بذاته. لا أنها سلب محض ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ فإن امتناع كونه عالما ، قادرا ، وإن كان سلبا ؛ وسلبه ثبوت ؛ فذلك الثبوت هو صحة كونه عالما قادرا.

__________________

(١) فى ب (قام).

(٢) انظر ل ٤٠ / أ.

(٣) لعل المقصود به الإمام الرازى. انظر معالم أصول الدين للرازى ص ٤٤ (المسألة السابعة) صانع العالم حي. فما هناك يرجح ما ذهبت إليه.

وانظر أيضا المحصل له أيضا. ص ١٢١.

(٤) فى ب (لا يعلم).

٤٣٧

وهو وإن كان أمرا زائدا على ذات واجب الوجود ؛ فليس فيه ما يدل على أن كونه حيا يزيد على كونه عالما ، وقادرا.

والمعتمد أنا (١) نقول :

قد ثبت أن الرب ـ تعالى ـ موصوف بالعلم ، والقدرة والإرادة.

وعند ذلك : فإما أن يكون قابلا للاتصاف بهذه الصفات ، أو لا يكون قابلا لها.

لا جائز أن يكون غير قابل لها : وإلا لما صح اتصافه بها وقد قيل : هو موصوف بها.

وإن كان قابلا لها : فالقبولية لهذه الصفات زائدة على نفس ذات البارى ـ تعالى ـ ونفس العلم ، والقدرة ، والإرادة. ولهذا فإنا نعقل ذات البارى ـ تعالى ـ ونفس العلم ، والقدرة [والإرادة (٢)] ، ونجهل قبول الذات لها ؛ والمعلوم غير ما ليس بمعلوم.

وإذا كان زائدا : فإما أن يكون وجوديا ، أو عدميا ، أو لا وجوديا ولا عدميا.

لا جائز أن يكون لا معدوما ، ولا موجودا ، على ما سنبينه في إبطال الأحوال (٣).

ولا جائز أن يكون عدميا : فإن (٤) نقيض القبول لا قبول. ولا قبول عدم ؛ لصحة اتصاف الممتنع به. ولو كان ثبوتيا ؛ لما كان صفة له ؛ فتعين أن يكون القبول وجوديا ؛ وذلك هو المعنى / بصفة الحياة.

__________________

(١) فى ب (أن).

(٢) ساقط من أ.

(٣) انظر الجزء الثانى ـ الباب الثالث ـ الأصل الأول : فى الأحوال ل ١١٤ / أوما بعدها.

(٤) فى ب (لأن).

٤٣٨

المسألة الثامنة

في أنه هل للبارى ـ تعالى ـ صفة زائدة

على ما أسلفناه من الصفات أم لا (١)؟

وقد اختلف في ذلك :

فذهب بعض أصحابنا : إلى أنه لا يجوز اتصافه بصفة زائدة على ما أثبتناه. محتجا على ذلك. بأن الدليل الّذي دل عليها ؛ لم يدل على غيرها ، وما لم (٢) يدل عليه الدليل ؛ فلا سبيل إلى تجويزه.

وهو باطل من (٣) جهة أنه (٣) لا يلزم من انتفاء الدليل ؛ انتفاء المدلول في نفسه ، وإن (٤) انتفى العلم بوجوده (٥).

ومنهم من قال : لو جاز أن يكون له صفة أخرى ، لم يخل : إما أن تكون صفة كمال ، أو نقصان.

فإن كانت صفة كمال ؛ فعدمها في الحال نقص.

وإن كانت صفة نقص ؛ فثبوتها له ممتنع.

وهو أيضا ضعيف ؛ إذ أمكن أن يقال : إنها ليست صفة كمال ، ولا نقص ، ولا دليل يدل على نفى ذلك ، ولا هو بديهى.

وإن سلمنا الحصر ؛ ولكن ما المانع أن تكون صفة كمال؟

__________________

(١) انظر الإبانة للأشعرى ص ٣٥ والمحصل للرازى ص ١٢٦.

ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٥.

ومن كتب المتأخرين :

شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٦ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٧٩.

(٢) فى ب (ومالا).

(٣) فى ب (فإنه).

(٤) فى ب (وإذا).

(٥) لاحظ تطبيقه للقاعدة التى ارتضاها ووضحها في ل ٣٨ / ب من أنه لا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول.

٤٣٩

قولهم : لأن [عدمها] (١) فى الحال نقص. إنما يصح أن لو قيل [بعدمها] (٢) ؛ وليس يلزم من (كونها (٣) جائزة (٣)) أن (تكون (٤) معدومة (٤)) ، حتى يقال : إن (عدمها) (٥) فى الحال نقص ؛ بل غايته أن لا نحكم (بثبوتها) (٦) لعدم قيام الدليل (عليها) (٧) ، وورود الشرع به.

والحق في ذلك : ما ذهب إليه بعض الأصحاب (٨) : وهو أن ذلك جائز عقلا وإن لم نقض بثبوته ؛ لعدم الدليل عليه (٩) ، وورود الشرع به ؛ وذلك مما لا يوجب لواجب الوجود في ذاته نقصا. إلا أن يكون ما هو جائز عليه غير ثابت له.

ومن أئمتنا (١٠) من زاد على هذا ، وأثبت له صفات زائدة على ذلك وجزم بها كالبقاء ، والقدم ، والوجه ، والعينين ، واليدين.

ومن الحشوية من زاد على ذلك ، وأثبت له نورا ، وجنبا ، وساقا ، وقدما ، واستواء علي العرش ، ونزولا إلى سماء الدنيا ، وصورة علي صورة آدم ، وكفا ، وإصبعين ، وضحكا ، وكرما ، إلى غير ذلك.

وتمسكوا في ذلك بظواهر من الكتاب ، والسنة. وأدلة لا يتمسك بها في هذا الباب. ولا بدّ من الإشارة إلى تحقيق ما في كل صفة من هذه الصفات.

الصفة الأولى : البقاء (١١)

وقد اتفق المتكلمون : على جواز اطلاق الباقى علي الخالق ، والمخلوق المستمر الوجود حقيقة خلافا لأبى هاشم ، فإنه قال : الباقى على الحقيقة / إنما هو الله ـ تعالى ـ وتسمية المخلوق باقيا ؛ مجاز.

__________________

(١) فى أ (عدمه) (٢) فى أ (بعدمه).

(٣) فى أ (كونه جائزا). (٤) فى أ (يكون معدوما).

(٥) فى أ (عدمه). (٦) فى أ (بثبوته).

(٧) فى أ (عليه). (٨) منهم الغزالى (الاقتصاد ٦٧) ، والرازى (المحصل ١٢٦).

(٩) فى ب (ولا). (١٠) منهم الأشعرى (الإبانة ٨ ، ٣٥).

ومن قبله ابن كلاب (مقالات ١ / ٢٢٩ ، ٢٣٠).

(١١) انظر الإنصاف للباقلانى ص ٣٧ ، والتمهيد له أيضا ص ١٤

وأصول الدين للبغدادى ص ٩٠ ، ١٠٨ والإرشاد لإمام الحرمين ص ٧٨ ، ١٣٨ ـ ١٤٠ ولمع الأدلة له أيضا ص ٨٥ والاقتصاد في الاعتقاد للغزالى ص ١٩ ، والمقصد الأسنى له أيضا ص ٩٦ والمحصل للرازى ص ١٢٦. ومن كتب الآمدي : غاية المرام في علم الكلام ص ١٣٦ والمآخذ ل ٢٤ / ب

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٨٣ ، والمواقف للإيجي ص ٢٩٦. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٧٩ وحاشية الدسوقى على أم البراهين ص ٧٩. طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبى.

ومن كتب المعتزلة : انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ٥ / ٢٣٦ ، ٢٣٧ والمحيط بالتكليف له أيضا ص ١٤٦.

٤٤٠