أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

فالتّام : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، مع دلالته على كمال الماهية المشتركة من غير خروج عن دلالة المطابقة والتضمن ، كقولنا فى حد الإنسان مثلا (١) : إنه حيوان ناطق ؛ فإنه مشتمل على جميع الذاتيات العامة والخاصة.

والنّاقص : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، من غير دلالة على كمال ما له من الذاتيات العامة : كقولنا فى حد الإنسان : إنه جوهر ناطق ، أو (٢) أن يقتصر (٢) على قولنا : ناطق (٣) ؛ فإن الناطق ، لا دلالة له على الذاتيات العامة (٤) بغير الالتزام ؛ إذ (٥) الناطق : شيء ذو نطق ، اتفق أن كان حيوانا ؛ ولا اعتبار بهذه الدلالة فى الحدود الحقيقية ، والجوهر لا يطابق ما بقى تحته من الذاتيات العامة : كالجسم والحيوان ، ولا يتضمنها ؛ إذ ليست جزء معناه. ولا يلتزمها ؛ إذ الأعم لا يلزم منه الأخص.

وأما الرّسمى : فهو ما يميز المطلوب عن غيره ، تمييزا عرضيا.

وهو أيضا : إما تام ، أو ناقص.

فإن كان تاما : فهو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، وله دلالة على كمال الماهية المشتركة. دلالة لا تخرج عن المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان : إنه حيوان ضاحك.

والنّاقص : ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، من غير دلالة على كمال الماهية المشتركة بإحدى الدلالتين ، وهى المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان : إنه ضاحك ، أو جوهر ضاحك ؛ فإنّ الضّاحك شيء ذو ضحك ، اتفق أن كان حيوانا ؛ فلا يطابق الذاتى المشترك ، ولا يتضمّنه.

والجوهر أيضا : لا دلالة له على ما تحته من الذّاتيات بإحدى الطرق ، كما سبق.

وأما الحدّ اللّفظى : فهو ما يطلب به شرح دلالة الاسم على مسماه لغة.

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) ب (ويقتصر).

(٣) ساقط من (ب).

(٤) فى ب (العامة أيضا).

(٥) فى ب (وإنما).

١٨١

وذلك إنما يكون في حق العالم بحقيقة المسمى ، الجاهل بدلالة الاسم عليه ، كما إذا سأل من يعرف حقيقة الخمر ، عن شرح لفظ العقار ، عند جهله بدلالته.

فجوابه : إما بلفظ مرادف يكون (١) أشهر عند السائل : كالخمر ، أو بحده ، أو رسمه ، وهو أن يقال : هو المائع المعتصر من العنب المشتد. معناه دلالة لفظ العقار على هذا. وهذه الأقسام متفاوتة / الرتب ، فأعلاها : الحدّ الحقيقى ، ثم (٢) الرّسمى (٢) ، ثم اللّفظى.

وقد أورد على هذه الحدود تشكيكات أبطلناها فى كتاب دقائق الحقائق (٣).

وأما التعريف بالمثال : كتعريف النّفس فى البدن : بالربان فى السفينة ، ونحوه ، فغير مستقلّ بالتعريف ؛ فإنه كما أنّ الرّبان فى السفينة مشابه للنفس فى البدن ، فمشابه لرب البيت فى البيت ، والملك فى مدينته ؛ فلا يتم التمييز به ، وإن كان مقربا إلى الفهم ، فلا يكون التعريف به داخلا فى الحدود ؛ كما ظن.

__________________

(١) فى ب (ويكون).

(٢) فى ب (ثم الحد الرسمى).

(٣) انظر كتاب دقائق الحقائق ل ٣٧ / أ ـ ٤٨ / ب (المقالة الثانية) (خ).

١٨٢

الفصل الثالث

فى شرط الحدّ ، وما يجتمع جملة أقسام

الحدود فيه ، وما لا يجتمع.

وشرط الحدّ على اختلاف أقسامه :

أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود.

مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود.

فإنه إذا لم يكن جامعا ؛ كان المحدود أعمّ من الحدّ ، ولو (١) لم يكن مانعا ؛ كان الحدّ أعمّ من المحدود.

وعلى كلا التّقديرين ؛ لا يكون الحدّ مميّزا للمحدود (٢) ، ولا معرّفا له.

ويلزم من هذا الشّرط أيضا : أن يكون الحدّ مطّردا ، مع المحدود : أى يلزم من وجوده ، وجود المحدود.

ومنعكسا : أى يلزم من انتفائه ، انتفاء المحدود.

لأنه لو لم يكن مطّردا ، لما كان الحدّ مانعا.

ولم لم يكن منعكسا ؛ لما كان الحدّ جامعا.

ثم الشيء المحدود : إما أن يكون مركّبا ، أو بسيطا ، لا تركيب فيه.

فإن كان مركّبا : فيمكن تحديده بالحدّ الحقيقى ، لتركبه ، وبالرّسمى ؛ لأنه لا يخلو شيء من خاصية تخصّه دون غيره ، وباللّفظى : إن كان للفظ مرادف ، أو بحده ، أو رسمه كما سبق.

وإن كان بسيطا لا تركيب فيه : فليس له الحدّ الحقيقى ، وله الرّسمى الناقص ، دون التّام ، واللّفظى.

__________________

(١) فى ب (وإذا).

(٢) فى ب (المحدود).

١٨٣

الفصل الرابع

فى التنبيه على ما يجب التحرّز عنه فى الحدود

ويجب أن تصان الحدود عن :

الألفاظ المهملة : التى لا مدلول لها.

والغريبة : التى لا يعرفها المخاطب.

والمشتركة : كتعريف الكون بأنه يصير إلى الجوهر ؛ لدخول الحركة المكانية إلى الجوهر فيه.

والمجازية (١) الغير منقولة (١) : كتعريف الشمس : بأنها عين النهار ، لأن ذلك مما يخلّ بالتفاهم ، والوقوف على غرض الحاد ، إلا أن ذلك مما لا يفسد الحدّ مع التفسير ، وإن كان استعماله مكروها ، لبعده عن المقصود.

وأن لا يعرف الشيء بنفسه : كتعريف الإنسان ، بأنه إنسان ؛ إذ المعرف يجب أن يكون سابقا بالمعرفة على المعرف ؛ وفيه تقدم الشيء على نفسه فى المعرفة ؛ وهو محال.

ولا بما هو أخفى منه فى المعرفة : وسواء / كانت معرفة الأخفى متوقفة على معرفة المحدود ، كتعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهارا ؛ إذ النهار لا يعرف إلا بزمان طلوع الشمس ؛ وهو دور.

أو غير متوقفة عليه : كتعريف النار : بمشابهتها بالنّفس ، والأولى أن يكون بالعكس.

ولا بما هو مساو فى المعرفة والخفاء : كتعريف أحد المتضايفين بالآخر : كتعريف الأب : بالابن ؛ إذ لا أولوية.

وأن لا يترك الجنس فى الحدّ التام ، والرّسم التام ، وأن لا يبدل بالعرض العام : كحد (٢) الإنسان بأنه متحرك ناطق.

ولا الفصل بالخاصة فى الحقيقى ،

__________________

(١) فى ب (والمجازية الى الغير منقولة).

(٢) فى ب (كتعريف).

١٨٤

ولا أن يذكر الجنس مكان الفصل ، والفصل مكان الجنس : كقولهم العشق إفراط المحبة. والأولى أن يقال : المحبة المفرطة ، إذ المحبة جنس ، والإفراط فصل.

ولا الجنس بالنوع كقولهم : الشر ظلم الناس ، وظلم الناس نوع من الشر (١).

ولا المادة الكائنة بدل الجنس : كقولهم : السرير خشب يجلس عليه.

ولا المادة الفاسدة : كقولهم : الرماد خشب محترق.

وعليك (٢) بالنّظر فى كتبنا (٢) الخصيصة بهذا الفن ، تجد الكلام فى هذه الفصول مستقصى فيها (٣).

__________________

(١) فى ب (المشقة).

(٢) فى ب (وعليك بكتبنا).

(٣) انظر كتاب دقائق الحقائق ل ٤٤ / أ ـ ٤٨ / ب.

١٨٥
١٨٦

الباب الثانى

فى الدّليل

ويشتمل على سبعة فصول :

الأول : فى حدّ الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى.

الثانى : فى أنّ الدّليل العقلى متركب من مقدمتين ، فلا يزيد عليهما.

الثالث : فى أقسام صور مقدمات الدليل.

الرابع : فى انقسام مقدمات الدليل إلى : قطعى ، وغير قطعى.

الخامس : فى أقسام صور الدليل.

السادس : فى شرط الدّليل العقلى.

السابع : فيما ظنّ أنه من الأدلّة المفيدة لليقين ؛ وليس منها.

١٨٧
١٨٨

الفصل الأول

فى حدّ الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى (١)

والدّليل فى وضع اللغة : قد يطلق باعتبارين :

الأول : الدّال ، والدّال قد يطلق بمعنى الذاكر للدليل ، وقد يطلق بمعنى الناصب للدليل.

الثانى : ما فيه دلالة وإرشاد ؛ وهذا هو المسمى دليلا فى عرف المتكلمين.

وهو عبارة عما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه ، إلى مطلوب تصديقى.

وإنما قلنا : يمكن أن يتوصّل به ، ولم نقل هو الّذي يتوصل به ؛ لأنّ الدّليل يكون دليلا فى نفسه ؛ وإمكان التوصل به ملازم له دون التوصل بالفعل.

وإنما قلنا : بصحيح النظر ؛ حتى يخرج منه النظر الّذي ليس بصحيح : إما لقصور الناظر ، أو لتقاصره ؛ فإن النظر الّذي / ليس بصحيح لا يمكن أن يتوصل به إلى المطلوب. ولا يخرج الدليل بذلك عن أن يكون دليلا.

وإنما قلنا : إلى مطلوب تصديقى. حتى يخرج عنه الحد الموصل إلى التصور.

وهو ينقسم : إلى ما يدل لذاته ، وإلى ما لا يدل لذاته ؛ بل بالوضع والاصطلاح ، سواء كان من وضع الشارع ، أو غيره.

فالأول : هو الدّليل العقلى.

والثانى : هو الدّليل السّمعى.

__________________

(١) أنظر الإحكام للآمدى ١ / ٨ ، ومنتهى السئول ، له أيضا ، ١ / ٤ ، وشرح الطوالع ٢٥ ، ٢٦ ، وشرح المواقف ١ / ١٥٣ ، وشرح المقاصد ١ / ٣٩.

١٨٩

الفصل الثانى

فى أن الدليل العقلى مركب من مقدمتين ، ولا يزيد عليهما.

واعلم أن المطلوب التصديقى : لا بدّ فيه من نسبة بين أمرين. إيجابا ، أو سلبا ؛ فالمنسوب ، والمنسوب إليه ، هما جزءا المطلوب.

وعند ذلك : فالدليل العقلى الموصل إليه ، لا بدّ وأن يكون سابقا فى المعرفة عليه. فإنه لو كان العلم به ، مع العلم بالمطلوب ؛ لم يكن تعريف أحدهما بالآخر ، أولى من العكس.

ولو كان متأخرا فى المعرفة ؛ كان فيه تعرف المعلوم بالمجهول ؛ وهو (١) محال (١). ولا يكفى أى معلوم سابق اتفق ، وإلا كان كل معلوم سابق ، يوصل إلى كل مجهول ؛ وهو محال ،

بل لا بدّ ، وأن يكون مناسبا للمطلوب.

ولا يكفى أن يكون معلوما واحدا ؛ فإن المعلوم الواحد المناسب : إما أن يكون مناسبا لكل المطلوب ، وإما لنقضه ، وإما لجزء المطلوب.

فإن كان مناسبا لكل المطلوب : كما لو كان مطلوبنا أنّ النهار موجود ، فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمناسب للمطلوب طلوع الشمس.

ولا (٢) يكفى ذلك فى المطلوب ، دون استثناء عين ملزومه ؛ وهو أن يقول : لكن الشمس طالعة ؛ فيلزم أن يكون النهار موجودا ؛ وهما مقدمتان ، لا يتم المطلوب دونهما ؛ ولا يفتقر إلى غيرهما.

وإن كان مناسبا لنقيض المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن الشمس ليست طالعة. فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمذكور إنما هو نقيض المطلوب : وهو طلوع الشمس. والمناسب له وجود النهار. ولا يكفى ذلك فى المطلوب دون استثناء نقيض لازم نقيض المطلوب : وهو أن النهار ، ليس بموجود ؛ فيلزم منه انتفاء ملزومه ؛ وهو طلوع الشمس ؛ وهو عين المطلوب ، من غير حاجة إلى مقدمة أخرى.

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) فى ب (ولا يكون).

١٩٠

وإن كان مناسبا لجزء المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن العالم حادث فقلنا : العالم مؤلف ؛ فالمؤلف مناسب للعالم ؛ وهو موضوع المطلوب ؛ فلا بد وأن يكون المؤلف مناسبا / لمحمول المطلوب وهو الحادث.

وهو أن يقول : وكل مؤلف حادث ، حتى يلزم العالم حادث ، ولا يتم المطلوب دون هذين العلمين التصديقيين من غير حاجة إلى ثالث.

فقد بان أنه لا بدّ من علمين تصديقيين سابقين ؛ هما مقدمتا المطلوب. ولا يكفى ذلك ؛ بل لا بدّ من ترتيب خاص ، وهيئة معينة بين العلمين التصديقيين كما يأتى ، وإلا كان كل ترتيب يلزم عنه المطلوب ؛ وهو محال.

فالمعانى السابقة ، المناسبة للمطلوب ؛ كالمادة للدليل ، والتأليف الخاص كالصورة ؛ وهو مركب منهما ، ولا يصح إلا بصحتهما. وفساده قد يكون بفسادهما ، أو بفساد أحدهما.

١٩١

الفصل الثالث

فى أقسام مقدّمات الدليل (١)

ولما بان أن الدليل العقلى ، لا يتم إلا من (٢) مقدمتين (٢) تصديقيتين. فالمقدمة لا تخلو : إما أن لا يوجد فى أحد جزئيها عند التحليل نسبة خبرية ، أو يوجد.

فإن كان الأول :

فتسمى (٣) حملية : [وهى ما يحكم (٤) فيها] بشيء على غيره ، أنه هو ، أو ليس هو.

والمحكوم عليه : يسمى موضوعا.

والمحكوم به : يسمى محمولا.

والموضوع فيهما : إما أن يكون شخصيا ، أو كليا.

فإن كان شخصيا : فتسمى مخصوصة وشخصية : وهى إما موجبة ، وإما سالبة : فالموجبة : قولنا : زيد إنسان ،

والسالبة : قولنا : زيد ليس هو حجرا.

وإن كان الموضوع كليا : فإما أن يدخل عليه سور يبين كمية نسبة المحمول إليه ، [أو لا (٥)].

فإن كان الأول : فإما أن يكون السور كليا ، أو جزئيا.

فإن كان كليا : فتسمى محصورة كلية

وهى : إما موجبة ، أو سالبة.

فالموجبة : كقولنا : كل إنسان حيوان.

والسالبة : كقولنا : لا شيء من الإنسان حجرا.

__________________

(١) انظر شرح الطوالع ص ١٩ ـ ٢١.

(٢) فى ب (بمقدمتين).

(٣) فى ب (تسمى).

(٤) فى أ (وهو ما يحكم).

(٥) فى أ (أو ليس).

١٩٢

وإن كان السور جزئيا : فتسمى محصورة جزئية :

وهى : إما موجبة ، أو سالبة.

فالموجبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان.

والسالبة : كقولنا : ليس كل حيوان إنسانا.

وإن لم يدخل على الموضوع سور : فتسمى مهملة : كقولنا : الإنسان حيوان.

ولما احتمل أن يصدق كلية ، وجزئية. وصدق الجزئية لازم من صدق الكلية ، ولا عكس ؛ كان حكمها حكم جزئية محصورة ؛ لتيقنها.

هذا إن قلنا : إن الألف واللام ليست للعموم فى لغة العرب ، وإلا فلا مهمل فى لغتهم ؛ بل هى محصورة كلية.

وإن كان الثانى :

وهو أن يوجد لأجزاء المقدمة عند التحليل نسبة خبرية : فتسمى شرطية. وهى إما أن تكون النسبة بين جزئيها فى حالة الإيجاب باللزوم / والاتصال ، وإما بالعناد والانفصال.

فالأولى تسمى : متصلة.

والثانية تسمى. منفصلة.

أما المتّصلة : فمنها كلية موجبة. كقولنا : كلّما كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. ومنها كلية سالبة. كقولنا : ليس البتة إذا كانت الشمس طالعة فالليل (١) موجود.

ومنها جزئية موجبة. كقولنا : قد يكون إذا كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود.

ومنها جزئية سالبة. كقولنا : ليس كلما كانت الشمس طالعة ؛ فالليل موجود.

وأما المنفصلة :

فمنها : ما هى حقيقية ، ومنها ما هى غير حقيقية.

__________________

(١) فى ب (فالنهار) وهو خطأ.

١٩٣

أما الحقيقية : فهى [ما لفظها (١)] إما ، وإما فيها مانعة الجمع بين الجزءين ، والخلو منهما.

وهى إما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا.

وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون العدد زوجا ، وإما منقسما بمتساويين.

وإما جزئية موجبة : كقولنا : قد يكون إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا.

وإما جزئية سالبة : كقولنا : ليس دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما منقسما بمتساويين.

وأما غير الحقيقيّة : فإما مانعة الجمع دون الخلو ، أو مانعة الخلو دون الجمع.

فإن كانت مانعة الجمع دون الخلو :

فإما كلية موجبة. كقولنا : دائما إما أن يكون المتحرك جمادا ، وإما نباتا.

وإما كلية سالبة. كقولنا : دائما ليس إما أن يكون المتحرك إنسانا ، وإما ناطقا.

ولا يخفى مثال الجزءين [منهما (٢)].

وأما إن كانت مانعة الخلو دون الجمع :

فإما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون الجسم لا أسود ، وإما لا أبيض.

وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون الجسم أبيض ، وإما أسود.

ولا يخفى مثال الجزءين منهما.

فهذه هى جملة أصناف المقدمات (٣).

__________________

(١) فى أ (ما لفظه).

(٢) ساقط من (أ).

(٣) انظر دقائق الحقائق ل ٤٨ / ب ـ ٩٣ / ب المقالة الثالثة (خ).

١٩٤

الفصل الرابع

فى انقسام مقدمات الدليل إلى قطعية ، وغير قطعية (١)

والمقدمات منها قطعية ، وغير قطعية :

أما القطعية : فأنواع سبعة :

النوع (٢) الأول : الأوليات :

وهى التى يصدق العقل بها عند تصور مفرداتها ، من غير توقف على نظر واستدلال ، ولا يجد الإنسان من نفسه بعد تصور المفردات الخلو عنها : كالعلم بأن النفى والإثبات لا يجتمعان ، وأن الواحد أقل من الاثنين ، ونحوه.

الثانى : المقدمات النظريّة القياس :

وهى كل قضية أوجب التصديق / بها ، التصديق الضرورى بمقدماتها (٣) : كالعلم بأن الأربعة زوج ؛ لعلمنا بأن الأربعة منقسمة بمتساويين ؛ وكل منقسم بمتساويين زوج.

الثالث : المشاهدات :

وهى كل قضية صدق العقل بها ، بواسطة الحس : كعلمنا بحرارة النار ، وبرودة الثلج ، ونحوه.

الرابع : المجرّبات :

وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحس مع التكرار ، ونوع من النظر : كالعلم بأن السقمونيا يسهل الصفراء.

الخامس : الحدسيّات :

وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحدس : كالعلم بحكمة صانع العالم ، عند رؤية العالم على غاية الحكمة ، والإتقان.

__________________

(١) انظر شرح الطوالع ص ٢٦ ـ ٢٨ ثم قارن بشرح المواقف ١ / ١٤٧ ـ ١٥٣ حيث ينقل صاحب المواقف ما أورده الآمدي هنا.

(٢) ساقط من (ب).

(٣) فى ب (بمقدماته).

١٩٥

السادس : المتواترات :

وهى كل قضية صدق (١) العقل بها بواسطة إخبار جماعة. يؤمن من مثلهم التواطؤ على الكذب : كالعلم بوجود مكة ، وبغداد ، ونحوه.

السابع : الوهميات فى المحسوسات :

كالعلم (٢) بأن كل جسم يجب أن يكون مشارا إليه ، وإلى جهته. فهذه هى المقدمات اليقينية ، التى يجب انتهاء الدليل إليها ، قطعا للتسلسل.

والدليل المنتهى إليها يكون ـ إن كانت صورته صحيحة كما يأتى (٣) ـ قطعيا. إلا أن ما حصل لبعض الناس من تجربة ، أو تواتر ، أو حدس ، وإن كان حجة عليه مع نفسه ، فلا يكون حجة على غيره إلا أن يشاركه فيما حصل له.

وأما المقدمات التى ليست قطعيّة : فمنها ظنية ، ومنها غير ظنية :

أما الظنية :

وهى ما يصدق العقل بها مع تجويز نقيضها ، تجويزا بعيدا ؛ فأنواع أربعة :

الأول : المسلّمات :

وهى كل قضية يصدق العقل بها على أنها مبرهنة فى علم آخر.

الثانى : المشهورات :

وهى القضايا التى أوجب التصديق بها ، اتفاق الجم الغفير ، والعدد الكثير عليها : كالحكم بأن العدل حسن لذاته ، والجور قبيح لذاته.

الثالث : المقبولات :

وهى القضايا التى يصدق العقل بها ؛ لحسن الظن بمن أخذت عنه : كاعتقاد ما يأخذه التلميذ عن أستاذه ، ونحوه.

__________________

(١) فى ب (يصدق).

(٢) فى ب (كالحكم).

(٣) انظر ل ٣٥ / أوما بعدها.

١٩٦

الرابع : ما أوجب التصديق بها قرائن الأحوال الظاهرة :

كالتصديق بنزول المطر ، عند طلوع السحاب ، ونحوه.

فهذه هى مقدمات الدليل الظنى.

وأما الغير ظنية (١) :

فإما أن تؤثر فى النفس تأثيرا ، من ترغيب ونفرة من غير تصديق بها ، أو لا تؤثر شيئا أصلا. /

والأولى (٢) : تسمى المخيلات (٢) : وهى ما تقال لأجل الترغيب فيما يقصد الترغيب فيه ، أو التنفير عما يقصد التنفير عنه : كتشبيه العسل بالمرة الصفراء ، ونحوه.

فهذه هى مقدمات الدليل التخييلى.

وإن لم تكن مؤثرة تأثيرا ما ، أو كانت مؤثرة ، لكنها كاذبة فى نفسى الأمر ؛ فالدليل المركب منها يكون فاسدا.

__________________

(١) فى ب (الظنى).

(٢) فى ب (فالأولى المخيلات).

١٩٧

الفصل الخامس

فى أصناف صور الدّليل ، وتنوع تأليفه (١).

فإذا (٢) بان أن الدليل لا بدّ وأن يكون مناسبا للمطلوب : فإما أن يكون مناسبا لجزء المطلوب ، أو (٣) لجملة المطلوب (٣).

فإن كان الأول : فيسمى اقترانيا.

وإن كان الثانى : فيسمى استثنائيا.

أما الاقتراني (٤) : فلا بد فيه من مقدمتين ، كل مقدمة تشتمل على مفردين ، أحدهما : يسمى موضوعا ؛ وهو المحكوم عليه ، بأنه الآخر ، أو ليس ، والآخر : يسمى محمولا : وهو المحكوم به على الآخر أنه هو ، أو ليس هو ، إلا أن أحد المفردات لا بدّ وأن تكون متكررة فى المقدمتين ويسمى حدا أوسط. والجزءان المختلفان فى المقدمتين ؛ هما جزءا المطلوب.

إلا أن ما كان منهما محمولا فى المطلوب ؛ يسمى حدا أكبر.

وما كان منهما موضوعا فى المطلوب يسمى حدا أصغر.

والمقدمة التى فيها الأصغر ؛ تسمى صغرى.

والتى فيها الأكبر ؛ تسمى كبرى.

وهو أربعة أنواع :

لأنه : إما أن يكون الحد الأوسط محمولا فى الصغرى ، موضوعا فى الكبرى ، وإما محمولا فيهما ، وإما موضوعا فيهما ، وإما موضوعا فى الصغرى ، ومحمولا فى الكبرى.

أما النوع الأول :

فشرط لزوم المطلوب عنه ، إيجاب صغراه ، وأن تكون فى حكم الموجبة ، وهى أن تكون ممكنة سالبة ، وإلا فلا يلزم من الحكم على أحد المتباينين بأمر ، الحكم به على

__________________

(١) انظر شرح الطوالع من ٢١ ـ ٢٥.

(٢) فى ب (وإذ)

(٣) ساقط من (ب)

(٤) انظر دقائق الحقائق من ل ٩٣ / ب وما بعدها. (خ)

١٩٨

الآخر ، لا إيجابا ، ولا سلبا ، وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالحد الأوسط مختلف (١).

وهو أربعة أضرب : الضّرب الأول : من كليتين موجبتين : كقولنا : كل إنسان حيوان ، وكل حيوان جسم ؛ فاللازم (٢) كل إنسان جسم.

الضّرب الثانى : من كليتين ، والكبرى سالبة :

كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحيوان حجر ؛ فاللازم (٣) لا شيء من الإنسان حجرا.

الضّرب الثالث : من موجبتين ، والصغرى جزئية :

[كقولنا (٤) : بعض الحيوان إنسان (٤)] ، وكل إنسان ناطق ؛ فاللازم بعض الحيوان ناطق.

الضّرب الرابع : من جزئية / صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة.

كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الإنسان حجرا ؛ فاللازم : بعض الحيوان ليس حجرا.

واللزوم فى هذه الضروب بين ؛ لأن الحكم على العام يكون حكما على الخاص.

وأما النوع الثانى (٥) :

وهو ما الحدّ الأوسط فيه محمول فى المقدمتين.

فشرط لزوم المطلوب عنه :

اختلاف مقدمتيه فى الإيجاب والسلب ، وإلا فلا يلزم من إيجاب شيء لشيئين ، أو سلبه عنهما ، إيجاب أحد الشيئين للآخر (٦) ، ولا سلبه عنه (٦).

__________________

(١) فى ب (يكون مختلفا)

(٢) فى ب (واللازم)

(٣) فى ب (واللازم)

(٤) فى أ (كقوله : بعض الإنسان حيوان)

(٥) انظر دقائق الحقائق ل ١٠٧ / ب وما بعدها. (خ)

(٦) فى ب (عن الآخر ولا سلبه عنهما)

١٩٩

وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالجزء الخارج عن المحمول فى الكبرى من الموضوع أمكن أن يكون مسلوبا عن الحد الأصغر ، وأمكن أن يكون ثابتا له ؛ فلا انتاج ، لا سلبا ، ولا إيجابا ؛ فلا ينتج غير السالب.

وهو أيضا أربعة أضرب :

الضّرب الأول : من كليتين ، والكبرى سالبة.

كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحجر حيوان ؛ فاللازم : لا شيء من الإنسان حجرا.

الضّرب الثانى : من كليتين ، والصغرى سالبة :

كقولنا : لا شيء من الإنسان فرسا ، وكل صاهل فرس ؛ فاللازم : لا شيء من الإنسان صاهل.

الضّرب الثالث : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الحجر إنسان ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا.

الضّرب الرابع : من جزئية صغرى سالبة ، وكلية كبرى موجبة :

كقولنا : بعض الحيوان ليس إنسانا ، وكل ناطق إنسان ، فبعض الحيوان ليس ناطقا. واللزوم فى هذه الضروب غير بين إلا ببيان ؛ وهو أن يقول :

إن لم يصدق المطلوب فى كل واحد من هذه الضروب ، صدق نقيضه ، ثم يجعل نقيض المطلوب صغرى للكبرى فى الكل ؛ فإنه ينتج نقيض (١) المقدمة الصغرى الصادقة من أحد ضروب النوع الأول البين ؛ وهو محال.

وليس المحال لازما عن نفس الصورة ؛ لأنها حقه.

ولا عن نفس المقدمة الكبرى ؛ لأنها صادقة.

فلم يبق لزومه (٢) إلا عن نقيض المطلوب ؛ فيكون كاذبا ، ويلزم من كذبه صدق المطلوب.

__________________

(١) فى ب (بعض)

(٢) فى ب (اللزوم)

٢٠٠