أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

فالجواب عن الإشكال الأول : بانعقاد الإجماع على الوجوب ؛ وهو دليل الإمكان. وما ذكروه في إبطال النظر ؛ فقد سبق جوابه في (١) موضعه.

وعن الثانى : منع توقف الوجوب ، على معرفة الآمر والأمر ؛ بل الوجوب يتحقق ، والشرع يستقر ، بإمكان المعرفة [بالعقل (٢)] الهادى ، والأدلة المنصوبة على ذلك.

وعن الثالث : بوقوع الإجماع ، على وجوب الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، واتفاق الأمة على أنهم مكلفون ، متعبدون باتباع أوامر الله ـ تعالى ـ ونواهيه ؛ ولو كان غير متصور ؛ لما وقع.

وعدم اتفاقهم على أكل طعام واحد ، في يوم واحد ؛ إنما امتنع عادة ؛ لعدم الصارف لهم إليه بخلاف الأحكام الشرعية / ؛ فإن الصّارف لهم إليها اتّباع الحقّ ، والنّصوص المضبوطة الواردة عن النّبي عليه الصلاة والسلام في ذلك.

وعن الرابع : ببيان كونه حجة ؛ وذلك بما ورد عن النبي عليه‌السلام من الألفاظ المختلفة ، المتفقة المعنى ، في الدلالة على شرف هذه الأمة ، وعصمتهم عن الخطأ ؛ بحيث أوجب مجموعها العلم الضرورى بذلك ؛ لنزولها منزلة التواتر ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ كالأخبار الموجبة علمنا بسخاء حاتم ، وشجاعة عنترة ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ وذلك ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : «لا تجتمع أمّتى على الخطأ» ، «لا تجتمع أمّتى على الضّلالة» و «لم يكن الله بالذى يجمع أمتى على الضلالة». و «سألت الله ألّا يجمع أمتى على الضّلالة فأعطانيه» (٣) ، و «من سرّه بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة» وقوله : «يد الله على الجماعة (٤)».

__________________

(١) انظر ل ١٩ / أوما بعدها.

(٢) في أ (والعقل).

(٣) ما ورد هاهنا جزء من حديث عن أبى نضرة الغفارى رضى الله عنه ونصه : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت ربى أربعا ، فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة. سألته أن لا يجمع أمتى على ضلالة ؛ فأعطانيها. وسألته أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. [مسند الإمام أحمد ١٠ / ٢٧٢٩٣].

(٤) ما أورده الآمدي جزء من حديث ورد عن عرفجة بن جريج الأشجعى في سنن النسائى ٢ / ١٦٦ (كتاب التحريم ـ باب قتل من فارق الجماعة) ونصه فيه «عن عرفجة بن جريج الأشجعى قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر يخطب الناس فقال : إنه سيكون بعدى هنات وهنات : فمن رأيتموه فارق الجماعة ، أو يريد يفرق أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كائنا من كان فاقتلوه ؛ فإن يد الله على الجماعة ، فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض».

١٦١

و «من خرج عن الجماعة ، وفارق الجماعة قيد شبر ؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» ، و «من فارق الجماعة ومات ، فميتته جاهلية (١)» إلى غير ذلك من الأخبار. وهذه أخبار مرويّة في الكتب الصحاح ، منقولة على لسان الثقات لم يوجد لها نكير (٢).

فإن قيل : يحتمل أنه أراد بذلك العصمة عن الكفر ، أو عن بعض أنواع الخطأ ، وبتقدير أن يريد به العصمة عن الكل ؛ فظاهر لفظ الأمة لكل من آمن به إلى يوم القيامة. ونحن نقول بأن إجماع هؤلاء يكون حجة.

قلنا : أما الأول : فهو تأويل ، وتخصيص بغير دليل ، مع أن في الأخبار ما يدرأ هذه التأويلات ، حيث أنه أوردها في معرض تخصيص هذه الأمة بالتعظيم ، والتمييز ، وفي الحمل على بعض أنواع الخطأ ، ما يبطل فائدة هذا التخصيص ، لمشاركة بعض آحاد الناس لهم في ذلك.

وأما الثانى : فنعلم أنه ما أراد به كل الأمة على ما ذكروه ، ـ ولهذا ندب إلى موافقة الجماعة ، وذمّ على المخالفة ، وتواعد عليه. ولو كان المراد بالجماعة كل الأمة ؛ لما تحقق ذلك إلى يوم القيامة ؛ بل إنما أراد من يتصور منه الموافقة والمخالفة : وهم أهل الحل والعقد دون الصبيان ، والمجانين ، ومن ليس له أهلية الموافقة ، ولا المخالفة.

قولهم : إن الخطأ متصور على كل واحد منهم حالة الانفراد.

قلنا : الحكم الثابت للأفراد ، لا يلزم أن يكون ثابتا للجملة. /

__________________

(١) ورد في ب (من فارق الجماعة قامت قيامته جاهلية).

(٢) وقد أورد السيوطى بعضها في الجامع الصغير بلفظ (إن الله تعالى قد أجار أمتى أن تجتمع على ضلالة) عن أنس ورمز له بالضعف ، ولم يذكر من خرجه. انظر الجامع الصغير ج ١ حديث رقم ١٧٦٠. وبلفظ (إن الله تعالى لا يجمع أمتى على ضلالة ويد الله على الجماعة من شذ شذ في النار) أخرجه الترمذي عن ابن عمر ، ورمز له السيوطى بالحسن. الجامع الصغير ج ١ رقم ١٨١٨. تحقيق محمد محى الدين ـ المكتبة التجارية.

وقد أورد الآمدي هذه الأحاديث في كتابه الإحكام ص ١٦٢ ، ١٦٣ مقدما لها بقوله : «وأما السنة وهى أقرب الطرق في إثبات كون الإجماع حجة قاطعة ، فمن ذلك ما روى أجلاء الصحابة ، كعمر ، وابن مسعود ، وأبى سعيد الخدرى ، وأنس بن مالك ، وابن عمر ، وأبى هريرة ، وحذيفة بن اليمان ، وغيرهم. بروايات مختلفة الألفاظ متفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ ، والضلالة.

١٦٢

قولهم : متى يجب على المجتهد اتباع الإجماع ، إذا كان مصيبا ، أو مخطئا؟

قلنا : إذا ثبت الإصابة فيما أجمع عليه الأمة ؛ فقد أجمعوا على أنه يجب اتباع الإجماع مطلقا ، ويلزم أن يكون اتباع الإجماع صوابا ؛ فإذا كان صوابا ، كان خلافه خطأ. ويدل على وجوب اتباع الإجماع مطلقا ، ذم النبي (١) عليه‌السلام (١) لمخالف الجماعة على ما سبق ، والاستقصاء فى هذا الباب لائق بأصول الأحكام.

قولهم : يحتمل أن واحدا من أهل الحل ، والعقد ، كان منقطعا فى بعض البلاد النائية.

قلنا : الغالب من حال من هو من أهل الحل والعقد ؛ أن يكون مشهورا معروفا ، ولا سيما فى العصر الأول ، لقلة المجتهدين فيه. وعند ذلك ؛ فالغالب معرفة مذهبه ، ومراجعته فى ذلك. كيف وأنه يحتمل غيبة المجتهد ، كما ذكروه ، ويحتمل عدم الغيبة والأصل عدم الغيبة ؛ فمن ادعاه يحتاج إلى الدليل (٢).

وما ذكروه فى الوجه الأول من التفصيل ـ وإن كان حقا ـ إلا أن القائل به مسبوق بالإجماع ، فكان حجة عليه.

وما ذكروه فى الوجه الثانى من التفصيل ؛ فغير مسلم ؛ وذلك لأن المعرفة الواجبة تنقسم إلى : ما حصولها عن معرفة الدليل من جهة الجملة ، لا من جهة التفصيل بأن لم يكن مقدورا على تحريره وتقريره ، والانفصال عن الشبهة الواردة عليه. وإلى ما حصولها عن الدليل المعلوم بجهة التفصيل المقدور على تحريره ، وتقريره ، ودفع الشبهة الواردة عليه ، وعلى المناظرة ؛ فلا جرم اختلف الأصحاب فيه.

فمنهم من قال : المعرفة بالاعتبار الأول : واجبة على الأعيان ، والمعرفة بالاعتبار الثانى : واجبة وجوب كفاية : إذا أضرب عنها الجميع أثموا ، وإن قام بها البعض ، سقطت عن الباقين.

ومنهم من قال : إن المعرفة بالاعتبار الثانى : واجبة على الأعيان ، لكن إن كان الاعتقاد موافقا للمعتقد. من غير دليل ، ولا شبهة ؛ فصاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب.

__________________

(١) فى ب (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

(٢) فى ب (دليل).

١٦٣

ومنهم من اكتفى فى المعرفة بمجرد الاعتقاد ، الموافق للمعتقد ؛ وإن لم يكن عن دليل ، وسماه علما.

وصار أبو هاشم ـ من المعتزلة ـ : إلى أن من لا يعرف الله ـ تعالى ـ بالدليل ؛ فهو كافر ؛ لأنّ ضد المعرفة النكرة (١). والنكرة كفر ؛ وأصحابنا مجمعون على خلافه.

وعلى هذا / إن قلنا : إن الواجب هو الاعتقاد الموافق للمعتقد ـ وإن لم يكن عن دليل ـ فلا يلزم من وجوب المعرفة بهذا التفسير ، وجوب النظر.

وإن قلنا : الواجب (٢) هو المعرفة المستندة إلى الدليل المفصل ؛ لزم عليه تقرير العوام على تركه ؛ فلم يبق إلا المعرفة بالدليل ، من جهة الجملة ، لا من جهة التفصيل ؛ وذلك مما لا يسلم انتفاؤه فى حق العوام حتى يقال بعدم وجوبه فى حقهم مع التقرير لهم عليه ؛ بل التقرير إنما هو على عدم المعرفة بالدليل المفصل ؛ وهو غير واجب على الأعيان عندنا ، وإليه ميل أبى المعالى ، وبه دفع الإشكال.

وأما إنكار إفضاء النظر إلى العلم ؛ فقد سبق جوابه (٣).

قولهم (٤) : لا نسلم توقف المعرفة على النظر.

قلنا : نحن إنما نقول بوجوب النظر فى حق من لم يحصل له العلم بالله تعالى بغير النظر ، وإلا فمن حصلت له المعرفة بالله تعالى بغير النظر ؛ فالنظر فى حقه غير واجب.

قولهم : لا نسلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ؛ فقد أجاب عنه بعضهم ؛ بأنه لو لم يجب ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فإيجاب ذلك الواجب يكون تكليفا بما لا يطاق (٥).

__________________

(١) ساقط من ب

(٢) فى ب (إن الواجب).

(٣) انظر ل ٢١ / ب وما بعدها.

(٤) نقل ابن تيمية ما ذكره الآمدي من أول قوله : «قولهم : لا نسلم توقف المعرفة إلى قوله فالنظر فى حقه غير واجب» وعلق عليه مؤيدا له ومستشهدا به (درء تعارض العقل والنقل ٧ / ٣٥٦).

(٥) زائد فى ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

١٦٤

وهو غير سديد ، فإنه إنما يكون تكليفا بما لا يطاق ؛ أن لو كان ما توقف الواجب (١) على فعله غير ممكن ، وعدم إيجابه لا يخرجه عن الإمكان ؛ فالأقرب (٢) فى ذلك أن يقال:

إذا ثبت وجوب المعرفة ؛ فالمعرفة من جهة حقيقتها وماهيتها ، لا توصف بالوجوب الثابت بخطاب التكليف ؛ فإن خطاب التكليف بالوجوب ، والتحريم : إنما يتعلق بأفعال المكلفين ، والمعرفة ليست من صفات الأفعال ؛ ولهذا لا يقال لمن عرف شيئا من جهة كونه عارفا أنه فعل شيئا. فإذا قيل بوجوب المعرفة ؛ فمعناه وجوب تحصيلها ، والتحصيل إنما يكون بسلوك ما به تحصل المعرفة.

فإذا قلنا : يجب التحصيل بما ليس واجبا ؛ كان متناقضا لفظا ، ومعنى ، وهو ممتنع.

وأما ما يتوقف عليه الواجب مما ليس فعلا للمكلف ، ولا مقدورا له ؛ فلا يمكن إيجابه إلا على رأى من لا يمنع التكليف بما لا يطاق ، بخلاف ما كان مقدورا للمكلف : كالنظر ، ونحوه.

قولهم : لم ينقل عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا عن أحد من الصحابة الخوض فى النظر ، فى مثل هذه المسائل.

قلنا : لأنهم كانوا مشاهدين الوحى ، والتنزيل ، وعقائدهم صافية ، وأدلّتهم من الكتاب والسنة ظاهرة ، ولم يكن فى زمانهم / من يحوج إلى النظر ، والمناظرة.

أما أن يكونوا جاهلين بأدلة هذه المسائل ، ومعرفة الله ـ تعالى ـ وصفاته ، مع صفاء أذهانهم ، وشدّة قرائحهم ، وصلابتهم فى (٣) التنقير عن قواعد الدين ، وتحقيق مراسمه ـ والكتاب والسنة مشحونان بأدلتها ـ مع معرفة الآحاد منا لذلك ؛ فهو بعيد ، لا يعتقده من له أدنى تحصيل ، كما لم ينقل عنهم أنهم وضعوا كتبا فى التفسير ، والحديث ، والجرح والتعديل ، والناسخ والمنسوخ ، والأحكام الفقهية ، على الترتيب الخاص ، والمراسم

__________________

(١) فى ب (الإيجاب).

(٢) فى ب (والأقرب).

(٣) فى ب (مع).

١٦٥

المعهودة فى زمننا هذا ، مع أنهم أعلم الناس بأصولها ، وفروعها ، وإليهم مرجعها ، وهم ينبوعها.

قولهم : إن النبي عليه‌السلام ، والصحابة أنكروا (١) النظر.

لا نسلم ذلك ؛ فإنا بينا أن النّظر واجب بالطريقين السابقين ، وما يكون واجبا ؛ لا يكون منكرا ، ثم كيف يكون النّظر منكرا ؛ وقد أثنى الله ـ تعالى (١) ـ على الناظرين ، والمتفكرين بقوله ـ تعالى ـ (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (٢) والمنكر لا يثنى على فعله ؛ بل الإنكار إنما كان على المجادلة والمناظرة ، ولا كل مناظرة ومجادلة ، بل المناظرة بالأهواء ، والمجادلة لقصد التّشكيك فى الحق ، والإغواء ؛ وذلك بتقرير الشبه الفاسدة ، والآراء الباطلة ، ودفع الحجج الحقة ، والمكابرة فيها ، والتدليس ، والتلبيس ؛ بإظهار الباطل فى صورة الحق ، كما قال ـ تعالى ـ (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) (٣) وقال ـ تعالى ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٤)

وأما المناظرة والمجادلة بالحق ، ولقصد إظهار الحق ؛ فمأمور بها ، ومأذون فيها بقوله ـ تعالى ـ (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٥) وقوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٦).

وقد ناظر النبي (٧) عليه الصلاة والسلام (٧) لعبد الله بن الزبعرى : حيث اعترض على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند نزول قوله ـ تعالى ـ (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٨) فقال عبد الله بن الزبعرى : فقد عبدت الملائكة ، والمسيح (٩). أفتراهم يعذبون؟

__________________

(١) من أول (أنكروا النظر ...) ناقص من (ب).

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٩١.

(٣) سورة غافر ٤٠ / ٥.

(٤) سورة الحج ٢٢ / ٨.

(٥) سورة النحل ١٦ / ١٢٥.

(٦) سورة العنكبوت ٢٩ / ٤٦.

(٧) فى ب (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

(٨) سورة الأنبياء ٢١ / ٩٨.

(٩) ساقط من (ب).

١٦٦

فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أجهلك بلغة قومك ، إذا علمت أنّ ما لما لا يعقل» وكان أهل مكة : يحاجون / النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ويوردون عليه الشّبه ، والتّشكيكات ، ويطالبونه بالحجج على التوحيد والنبوة على ما قال ـ تعالى ـ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (٢) وكان النبي عليه الصلاة والسلام : يحاجهم ، ويناظرهم : بإيراد الآيات ، والدلائل الواضحات. وقد كان الصحابة رضى الله عنهم يناظرون فى ذلك : كما روى عن على كرم الله وجهه أنه قال لمن قال : «إنّي أملك حركاتى ، وسكناتى ، وطلاق زوجتى وعتق أمتى» : أتملكها دون الله ، أو تملكها مع الله؟

فإن قلت : أملك دون الله ، فقد أثبت مع الله مالكا.

وإن قلت أملكها مع الله ؛ فقد أثبت مع الله ـ تعالى ـ شريكا.

إلى غير ذلك من الوقائع الجارية بين الصحابة ، ولو كان ذلك منكرا ؛ لما وقع منهم.

وقوله : «عليكم بدين العجائز». ذكر أئمة الحديث ، أنه لم يثبت ، ولم يصح ، وإن كان صحيحا ؛ فيجب حمله على الورع والتفويض إلى الله تعالى ، فيما قضاه ، وأمضاه ؛ جمعا بين الأدلة.

قولهم : إن الأمر بالنظر ، يكون أمرا بعدم المعرفة ؛ ليس كذلك ؛ فإن عدم المعرفة ، وإن كان شرطا فى الأمر بالنظر ؛ فليس كل ما يكون شرطا فى الواجب ؛ يكون واجبا ، إلا أن يكون مقدورا ، وعدم العلم بالله (٣) غير مقدور (٣) ؛ فلا يكون واجبا.

قولهم : العلم بوجوب النظر ضرورى ، أو نظرى.

قلنا : نظرى.

قولهم : إن ذلك يفضى إلى (٤) الدور ؛ ممنوع (٤) على ما سبق من أن الوجوب الشرعى ، غير متوقف على النظر ؛ بل على إمكان النظر.

قولهم : لا نسلم انحصار مدارك الوجوب فى الشرع.

__________________

(١) فى ب (عليه‌السلام).

(٢) سورة الزخرف ٤٣ / ٥٨.

(٣) فى ب (تعالى ليس بمقدور).

(٤) فى ب (الدور قلنا ممتنع).

١٦٧

قلنا : دليله أن القائل بالوجوب قائلان : قائل بالحصر ، وقائل بعدم الحصر. وقد أجمع الكل على أن مدرك الوجوب ، لا يخرج عن العقل والشرع ؛ فإذا بطل أن يكون العقل مدركا ، تعين الشرع.

وبيان امتناع كون العقل موجبا : أنه لو كان موجبا ؛ لم يخل : إما أن يوجب لفائدة ، أو لا لفائدة ، وإن (١) كان لا لفائدة (١) ؛ فهو عبث ؛ والعقل لا يوجب عبثا.

وإن كان لفائدة : فإما أن ترجع إليه ، أو إلى المعبود. لا جائز أن ترجع إلى المعبود ؛ فإنه يتعالى ، ويتقدس عن الأغراض.

وإن رجعت إليه : فإما فى الدنيا ، أو فى الأخرى.

لا جائز أن ترجع إليه فى الدنيا ؛ إذ لا حظ له فى ذلك ، غير التعب ، والنّصب ، والكلفة بما يوجبه العقل ؛ وهو غير مطلوب للعقلاء.

/ ولا جائز أن يكون الغرض منه ، معرفة الشيء على ما هو عليه ؛ وإلا لوجب النظر فى معرفة موجودات الأعيان ، على ما هو عليه ، مما (٢) يؤبه به ، وما يؤبه به (٢) ؛ وهو ممتنع. ولا لكونه (٣) حسنا فى نفسه ؛ إذ هو مبنى على التحسين والتقبيح ؛ وسيأتى إبطاله (٤).

ولا جائز أن يرجع إليه في الأخرى ؛ فإن العقل مما لا يستقل بمعرفتها دون إخبار الشرع عنها.

فإن قيل : احتمال (٥) العقاب (٥) بترك المعرفة ، والشكر ، والأمن منه بالمعرفة ، والشكر قائم ، والعاقل لا يخلو عن خطور هذه الاحتمالات له ، والعقل يدعو إلى سلوك طريق الأمن فيوجبه.

فنقول : لا نسلم امتناع خلو العاقل عن خطور هذه الاحتمالات له ، ودليله الشاهد فى الأكثر ، وإن امتنع ذلك ؛ لكنه معارض باحتمال نقيضه ؛ وهو احتمال العقاب على

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) فى ب (مما يؤبه وما لا يؤبه).

(٣) فى ب (ولا يكون).

(٤) انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.

(٥) فى ب (فإن احتمال العقاب).

١٦٨

النظر ، والشكر بإتعابه لنفسه ، وتصرفه فى ملك الله تعالى بغير إذنه من غير منفعة ترجع إليه ، ولا إلى الله ـ تعالى ـ والأمن فى ترك النظر والشكر.

وعند ذلك ؛ فليس القول بالوجوب ، أولى من القول بعدمه.

وإذا بطل جميع الأقسام الممكنة ، التى لا خلو لإيجاب العقل عنها ؛ فقد بطل القول بالإيجاب العقلى ، وتعين الإيجاب الشرعى ، كيف وأنه لا معنى للإيجاب ، إلا ترجيح أحد طرفى الفعل على الآخر ؛ والعقل يعرف الترجيح ، لا أنه مرجح ؛ فلا يكون موجبا.

قولهم : إن (١) ذلك يفضى إلى إفحام الرسل ، عنه جوابان.

الأول : منع توقف استقرار الشرع على النظر ؛ كما تقدم (٢).

الثانى : أنه أيضا لازم على من قال : مدرك الوجوب هو العقل ؛ وذلك لأن العقل غير موجب لذاته دون نظر وتأمل ، وإلا لما انفك عاقل ما عن معرفة الوجوب ؛ بل لا بدّ من النظر والتأمل. وعند ذلك فللمدعو أيضا أن يقول : لا أنظر فى معجزتك ، حتى أعرف وجوب النظر بالعقل ، ولا أعرف ذلك ما لم أنظر ؛ فيكون أيضا دورا ، والجواب عن الإشكال يكون متحدا.

وإن رجعوا فى ذلك إلى امتناع خلو العاقل عن الخاطر ، كما ذكروه قبل ؛ فالجواب ما تقدم.

وعلى الجملة ؛ فمسألة وجوب النظر : ظنّية ، لا قطعية.

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) انظر ل ٢٦ / ب.

١٦٩

الفصل الثامن

فى أول واجب على المكلف (١)

وقد اختلف فى ذلك :

فقال بعض أصحابنا : أول واجب على المكلف معرفة الله ـ تعالى ـ إذ هى أصل المعارف الدينية ، والواجبات / الشرعية.

وقال غيره : النظر فى معرفة الله ـ تعالى ـ واجب بالاتفاق ؛ وبه تحصل المعرفة ؛ وهو متقدم عليها ؛ فهو أول واجب على المكلف.

وقال غيره (٢) : بل أول واجب ، أول جزء من النظر ؛ إذ النظر متقدم على المعرفة ، وأول جزء من النظر ، متقدم على النظر ؛ وهو اختيار القاضى.

وقال غيره : بل أول واجب : إنما هو القصد إلى النظر ؛ إذ النظر يستدعى القصد إليه ، والقصد إليه ، متقدم عليه ؛ وهو اختيار الأستاذ أبى بكر (٣).

وقال (٤) أبو هاشم (٤) : وجوب النظر ، والقصد إليه ، يستدعى سابقة الشك فى الله ـ تعالى ـ ، وإلا كان النظر فى تحصيل الحاصل ؛ وهو محال. والشّكّ سابق على إرادة النظر ؛ فكان هو الواجب الأول. وزعم أن الشك فى الله ـ تعالى ـ حسن.

وقد قيل فى إبطاله (٥) : إن كل واجب مأمور به ، فلو كان الشّك فى الله واجبا ؛ لكان مأمورا به ، والأمر بالشّك فى الله ـ تعالى ـ يستدعى معرفة أمر الله ـ تعالى ـ ، ومعرفة أمر الله ـ تعالى ـ مع الشك فيه ؛ تناقض.

وهو غير سديد ؛ فإنه : إما أن يكون مدرك الوجوب (٦) الشرع ، أو العقل (٦).

فإن كان مدرك الوجوب العقل ؛ كما هو مذهبه ؛ فقد اندفع التناقض.

__________________

(١) قارن بالشامل لإمام الحرمين ص ١٢٠ ـ ١٢٣ والمغنى للقاضى عبد الجبار ١٢ / ٤٨٧ وشرح الأصول الخمسة له أيضا ص ٣٩ ، ٦٤ ، والمحيط بالتكليف له أيضا ص ٢٦ ـ ٣٤ ثم انظر المحصل للرازى ص ٢٨ ، وشرح طوالع الأنوار للبيضاوى ص ٣٣ ـ ٣٥ وشرح المواقف للجرجانى ١ / ١٢٣ ـ ١٢٦ وشرح المقاصد ١ / ٣٦ للتفتازانى.

(٢) انظر الإنصاف ص ١٣ للباقلانى والشامل للجوينى ص ١٢١.

(٣) وقد قال به إمام الحرمين أيضا انظر الإرشاد ص ٣ والشامل ص ١٢١.

(٤) ساقط من (ب) ـ قارن ما ورد هنا عن أبى هاشم بما ورد بالأصول الخمسة ص ٧١ ـ ٧٥.

(٥) القائل إمام الحرمين انظر الشامل ص ١٢١ ، ١٢٢.

(٦) فى ب (العقل أو الشرع).

١٧٠

وإن كان مدرك الوجوب الشرع : كما هو مذهبنا ؛ فالإشكال كما هو (١) وارد عليه فى إيجاب الشّك ، هو وارد علينا فى إيجاب النظر ، أو المعرفة ؛ فإن الأمر (٢) بالنظر والمعرفة (٢) يستدعى عدم المعرفة بالله تعالى ، ومعرفة أمر الله ـ تعالى ـ مع عدم معرفته ممتنع ؛ فما هو جواب لنا ؛ يكون جوابا له.

بل (٣) الحق أن يقال : ابتداء حصول الشك (٣) فى الله ـ ليس مقدورا للمكلف ؛ بل هو واقع من غير اختياره ، والوجوب إنّما يتعلق بالمقدور ، لا بغيره ، بخلاف دوام الشّك على ما سبق (٤).

والمختار أنه : إن كان المقصود : بيان أول واجب مما هو مقصود فى نفسه ؛ فهو المعرفة.

وإن كان المقصود : بيان أول واجب ، وإن لم يكن مقصودا لنفسه ؛ فهو إرادة النظر ، أو دوام الشك فى الله تعالى.

وعلى هذا : فلو قلنا : إن أول واجب هو النظر ، أو ما هو متقدم ، فإن مضى عليه زمان يتسع للنظر ، والتوصل إلى المعرفة فى مثله من غير عذر ؛ فهو كافر.

وإن شرع فيما كلف به (٥) من غير تأخير ؛ لكن اخترمته المنية قبل انقضاء الزمان الّذي يتسع للنظر المؤدى إلى المعرفة ؛ فحكمه حكم من مات صبيا ؛ كما يأتى.

وإن أخّر الشروع فيما كلف به (٥) عن أول زمان التكليف من غير عذر ، ثم / اخترمته المنية ، قبل أن ينقضى زمان يتسع للنظر ؛ بل لبعضه ؛ فالأظهر الحكم بكفره ، إذا مات غير عالم ، مع ظهور التقصير منه ، وتبين عدم اتساع الزمان للنظر (٦) من ابتداء (٦) التكليف إلى حالة الاخترام ، مما (٧) لا يمنع (٧) من تكفيره بعد دخول وقت التكليف وتقصيره ، كما

__________________

(١) فى ب (وما أورد).

(٢) فى ب (بالمعرفة والنظر).

(٣) فى ب (بل الحق فى ذلك أن يقال ابتداء الشك).

(٤) فى ب (ما سلف).

(٥) من أول (من غير تأخير ...) ساقط من (ب).

(٦) فى ب (من مبدأ).

(٧) فى ب (مما يمنع).

١٧١

لو أصبحت المرأة مفطرة ؛ فإنها تأثم وإن طرت الحيضة عليها ، وتبينا أنّ زمان طهرها لم يكن متسعا لصوم اليوم ؛ حيث قصرت فى البعض.

وبالجملة ؛ فاحتمال عدم التكفير منقدح.

١٧٢

القاعدة الثالثة

فى الطرق الموصلة إلى المطلوبات النظرية

وتشتمل على مقدمة ، وبابين

١٧٣
١٧٤

أما المقدمة (١) :

فهو أن كل شيء : إما أن ينظر إليه من جهة ذاته ونفسه ، أو من جهة نسبته إلى غيره ؛ نفيا ، أو إثباتا.

فإن كان الأول : فالعلم به يسمى تصوريا : كعلمنا بمعنى الجوهر ، والعرض ، ونحوه.

وإن كان الثانى : سمى العلم به تصديقيا : كعلمنا بأن العالم حادث ، وأن الصانع موجود ، وأنه ليس محدثا.

والعلم بكل واحد من هذين القسمين (٢) : إما أن يكون ضروريا مطلقا ، أو نظريا مطلقا ، أو البعض ضرورى ، والبعض نظرى.

الأول ، والثانى : باطلان ؛ لما تقدم فى قاعدة العلم (٣).

فلم يبق إلا الثالث : وهو أن يكون البعض من كل واحد منهما ضروريا ، والبعض نظريا ، وكل واحد من النظريين منهما ، لا بد له من طريق يتوصل بصحيح النظر فيه إليه ، وإلا لما كان العلم به نظريا ؛ وهو خلاف الفرض.

لكن ما كان من هذه الطرق موصلا إلى التصور يسمى حدا ، وما كان موصلا إلى التصديق يسمى دليلا ، ولا يوصل أحدهما إلى ما يوصل إليه الآخر البتة ؛ فلا جرم دعت الحاجة إلى تحقيق كل واحد منهما ، ولنرسم فى ذلك بابين :

__________________

(١) قارن بشرح المواقف ١ / ١٣١ ـ ١٣٢ للجرجانى ، وشرح المقاصد ١ / ٣٧ للتفتازانى.

(٢) ساقط من (ب).

(٣) انظر ل ٤ / ب.

١٧٥
١٧٦

الباب الأول

فى الحد

ويشتمل على أربعة فصول :

الأول : فى أن الحد يرجع إلى قول الحاد ، أو إلى صفة المحدود.

الثانى : فى حد الحد ، وأقسامه.

الثالث : فى [شرائط (١)] الحد ، وما يجتمع جملة أقسام الحدود فيه ، وما لا يجتمع.

الرابع : فى التنبيه على ما يجب التحرز عنه فى الحدود.

__________________

(١) فى أ : شرط.

١٧٧
١٧٨

الفصل الأول

فى أن الحدّ يرجع إلى قول الحادّ ، أو إلى صفة المحدود.

وقد (١) اختلف أئمتنا فى ذلك :

فذهب أكثرهم : إلى أن الحد راجع إلى نفس المحدود ، وصفته فى نفسه ، فالحدّ والحقيقة عندهم بمعنى واحد ؛ ولهذا قالوا : / الحد هو حقيقة الشيء ، ومعناه.

وذهب القاضى : إلى أنّ الحد راجع إلى قول الحاد المنبئ عن حقيقة المحدود وصفته. معتمدا فى ذلك على أنه (٢) : لو كان الحدّ هو الحقيقة ؛ لصدق إطلاق الحد ، على كل ما يصدق عليه إطلاق الحقيقة.

وهو غير مطرد فى حق الله ـ تعالى ـ ؛ حيث يقال له حقيقة ، ولا يقال له حد (٣). والحق فى ذلك : أن الحدّ فى اللغة ، عبارة عن المنع ، ومنه يقال للبوّاب حدّاد ؛ لمنعه بعض الناس عن الدخول ، وللحديد حديد ؛ لامتناع تفككه بسهولة. وللعقوبات حدود ؛ لافضائها إلى المنع من الإقدام على الجنايات.

وعند ذلك فلا يخفى صحة إطلاق الحد لغة : على حقيقة الشيء ، من حيث إنها حاصرة له مانعة من دخول غيره فيه ، والقول المعبر عن الحقيقة أيضا ، مطابق لها ؛ فيكون مشاركا لها فى المنع من دخول ما خرج عن الحقيقة فيها ؛ فلا يمتنع أيضا إطلاق اسم الحد عليه لغة ، ولا معنى لتصويب أحد القولين ، وإبطال الآخر من جهة اللغة ، وامتناع إطلاق اسم الحد على الله ـ تعالى ـ وجواز إطلاق الحقيقة عليه ، مما لا يدل على امتناع كون الحقيقة حدّا بالمعنى اللغوى ، وإن امتنع إطلاق ذلك شرعا ؛ لعدم ورود الشرع به ، أو لوروده بالمنع منه ؛ لكن مع هذا كله ، ليس المقصود البحث (٤) عن معنى الحد لغة ؛ بل البحث عن الحد الّذي هو طريق تعريف الحقيقة ، بالكشف (٥) عنها ؛ وذلك لا يكون بنفس الحقيقة ؛ بل بما هو خارج عنها وهو دليل عليها ؛ وذلك هو القول ؛ فليكن البيان مختصا به.

__________________

(١) فى ب (فقد).

(٢) فى ب (إن).

(٣) زائد فى ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

(٤) ساقط من (ب).

(٥) فى ب (والكشف).

١٧٩

الفصل الثانى

فى حدّ الحدّ المعرّف للمحدود (١)

وقد اختلف فى ذلك :

فقال (٢) قوم : هو الجامع المانع.

وهو باطل. بما لو سئل عن حد (٣) الإنسان ؛ فقيل هو إنسان ؛ فإنه جامع مانع ، ومع ذلك لا يكون حدا صحيحا ؛ لما فيه من تعريف الشيء بنفسه ؛ وهو محال ؛ إذ المعرف للشىء يجب أن يكون أعرف من ذلك الشيء ، وأسبق منه فى المعرفة ؛ وتعريف الشيء بنفسه يوجب كون الشيء أسبق فى المعرفة ، من معرفة نفسه ؛ وهو ممتنع (٤).

والحق فى ذلك أن يقال : هو ما يعرّف المطلوب ، ويميزه عما سواه (٥) ، هذا هو حدّ الحدّ مطلقا ، ويدخل فيه حدّ حدّ الحدّ ؛ فلا يفضى إلى التسلسل ؛ كما ظن.

وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

لأنه إما أن يطلب به شرح الحقيقة ، أو شرح اسمها.

فإن طلب به شرح الحقيقة وتميزها. فلا يخلو : إما أن يكون / مميزا لها تمييزا ذاتيا ، أو عرضيا.

فإن كان الأول : فيسمى حدا حقيقيا.

وإن كان الثانى : فيسمى حدا رسميا.

وإن كان شارحا للاسم : فيسمى حدا لفظيا.

أما الحد الحقيقى : فهو ما يميز المطلوب عن غيره ، بأمر ذاتى. وهو منقسم إلى : تام ، وناقص.

__________________

(١) انظر شرح الطوالع ص ١٧ ، ١٨ ثم قارن بشرح المواقف ص ١٣٢ ـ ١٣٦.

(٢) ساقط من (ب).

(٣) ساقط من (ب).

(٤) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

(٥) فى ب (عداه).

١٨٠