أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢

الفصل الرابع

في جواز تعلق علم بمعلوم ، أو معلومات على الجملة (١)

وقد اختلف في ذلك :

فذهبت المعتزلة ، والقاضى أبو بكر : إلى تجويزه.

وذهب كثير من أصحابنا ، وابن الجبائى ـ فى بعض أقواله ـ إلى المنع من ذلك.

وصورة المسألة : العلم بأن رجلا في الدار ؛ مع قطع النظر عن تمييزه ، وأن معلومات الله ـ تعالى ـ لا تتناهى ؛ مع قطع النّظر عن تفاصيلها. (٢) وقبل الخوض في التصحيح والإبطال ؛ لا بدّ من تلخيص محل النزاع.

فنقول : لا خفاء بأن المفهوم من العلم بأنّ معلومات الله ـ تعالى ـ غير متناهية ، وأن في الدّار رجلا ؛ غير المفهوم من العلم بتفاصيل المعلومات ، وتمييز الرجل عن غيره.

فعلى هذا : العلم بالجملة : إما أن يراد به : العلم بعدم النهاية في معلومات الرّب ـ تعالى ـ ويكون الرّجل في الدّار ، غير (٣) مشروط بملازمة الجهل (٣) بتفاصيل المعلومات ، وتمييز الرّجل [عن غيره (٤)] ؛ او العلم بذلك مشروط بملازمة الجهل بالتفاصيل والتمييز.

فإن كان الأول : فالعلم بالجملة غير مناف للعلم بالتفصيل والتمييز ؛ وهو غير ممتنع ، لا في حق القديم ، ولا في حق الحادث ، على ما لا يخفى. وسواء انفرد في حق الحادث العلم بالجملة عن العلم بالتفصيل ، أو لم ينفرد.

وإن كان الثانى : فالعلم بالجملة غير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ ؛ لما فيه من لزوم الجهل في حقّه ومتصوّر في حقّ المخلوق ؛ فإنّه لا يبعد علمنا بأنّ معلومات الله ـ تعالى ـ غير متناهية ، مع جهلنا بتفاصيلها.

__________________

(١) انظر المحصل للرازى ص ٧٠ ، ٧١ والمواقف للإيجي ص ١٤٤.

(٢) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

(٣) فى ب (مشروطة بملازمة الجملة).

(٤) ساقط من (أ).

١٠١

فإن قيل : إذا جوّزتم تعلّق العلم الحادث بالمعلوم بهذا الاعتبار : فإما أن تجوزوا على الله ـ تعالى ـ العلم بما علمه العبد ـ على ما علمه (١) ـ أولا : فإن جوّزتم ذلك ، لزم الجهل في حقّ الله ـ تعالى ـ بالتّفاصيل (٢) ؛ وهو محال ، وإن لم تجوّزوا ذلك : فقد (٣) أوجبتم على الله ـ تعالى ـ الجهل بما علمه العبد ؛ وهو أيضا محال.

وأيضا : فإنّ العلم بالجملة بهذا الاعتبار لا يجامع العلم بالتّفصيل. وعند ذلك : فإما أن يكونا متضادّين ، أو غير متضادّين :

لا جائز أن يقال بالأول : إذ هو خلاف مذهبكم في العلوم المختلفة.

ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لما تعذّر الاجتماع ؛ وهو خلاف الفرض.

وأيضا : فإن العلم بالمعلوم على الجملة / بهذا الاعتبار ؛ إذا كان لا ينفكّ عن الجهل بالتفصيل : فإمّا أن يكون العلم بالجملة هو الجهل بالتّفصيل ، أو غيره.

فإن كان الأول : فيلزم أن يكون العلم جهلا ؛ وهو محال.

وإن كان الثّاني : فلا ـ يمتنع أن يكون الأمر بالشيء ، غير النهى عن أضداده.

وإن كان لا ينفك الأمر بالشيء عن النهى عن أضداده ؛ ولم يقولوا به.

وهذه المحالات ، إنّما لزمت من القول بتعلق العلم الحادث بالمعلوم على الجملة بالاعتبار المذكور ؛ فيكون محالا.

والجواب عن الإشكال الأول : أنه لا يمتنع سلب العلم عن الله ـ تعالى ـ بما علمه العبد ؛ إذا كان إثبات ذلك العلم يجرّ إلى الجهل في حقّ الله ـ تعالى ـ ؛ بل سلبه واجب ، نفيا للجهل عنه. والعلم بالجملة بهذا الاعتبار يلازمه الجهل ؛ فكان ممتنعا في حقّ الله ـ تعالى ـ.

__________________

(١) فى ب (ما).

(٢) فى ب (فى التفاصيل).

(٣) فى ب (فإن).

١٠٢

وعن الثانى : أن العلم على الجملة غير مضاد للعلم بالتّفصيل ؛ بل يلازمه الجهل بالتّفصيل ، والجهل بالتّفصيل مضادّ للعلم بالتّفصيل ؛ فكان امتناع الجمع بين العلم بالجملة ، والعلم بالتفصيل لا لتضادهما ؛ بل لملازمة ضدّ العلم بالتفصيل ؛ للعلم بالجملة.

وعن الثالث : أنّه إنما (١) يلزم أن يكون العلم بالجملة (٢) جهلا بالتّفصيل ، وأن لو تلازما لزوما متعاكسا كما في الأمر بالشّيء ، والنّهى عن اضداده ؛ وليس كذلك ؛ فإنّ العلم على الجملة ، وإن لازمه الجهل بالتّفصيل ؛ فالجهل بالتفصيل ، لا يلازمه العلم (٣) بالجملة (٣) ، فافترق البابان.

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) فى ب (على الجملة).

(٣) فى ب (على الجملة).

١٠٣

الفصل الخامس

في اختلاف العلوم وتماثلها (١)

وكل علمين تعلقا بمعلومين فهما مختلفان. وسواء تماثل (٢) المعلومان كبياضين ، أو اختلفا ؛ كسواد ، وبياض (٢).

واحتج بعض الأصحاب (٣) عليه بأن (٣) العلم بأحد المعلومين ، لا يقوم (٤) مقام الآخر ، ولا يسدّ مسدّه (٤) ؛ وإلا كان العلم بأحد البياضين علما بالآخر ، والعلم بالبياض علما بالسّواد ؛ وهو محال.

ويلزم عليه البياضان ، والسوادان ، فإنهما متماثلان. وما لزم من تماثلهما أن يكون أحدهما هو الآخر ، فكذا لا يلزم من تماثل العلمين ، أن يكون العلم بأحد المعلومين ، هو العلم بالمعلوم الآخر. (٥)

والأقرب في ذلك أن يقال :

لو لم يختلفا ؛ لتماثلا ؛ ولو تماثلا ؛ لما اجتمعا. إذ المثلان على ما يأتى متضادان. ولهذا فإنه يمتنع اجتماع بياضين [أو (٦)] سوادين في محل واحد ، وكل علمين تعلقا بمعلوم واحد فإن (٧) اتحد المعلوم ووقته ومحل العلمين واحد ؛ فالعلمان متماثلان (٧) ؛ لقيام كل واحد منهما مقام الآخر ، فإن كل واحد منهما ـ وهو علم ـ يعين ما هو معلوم الآخر.

وأمّا إن اتحد محلّ العلمين واختلف وقت المعلوم بالعلمين : بأن كان أحد العلمين متعلّقا به في وقت ، والآخر في وقت آخر.

__________________

(١) انظر المحصل للرازى ص ٧١ والمواقف للإيجي ص ١٤٦ وشرح المقاصد للتفتازانى ١ / ١٧٣.

(٢) فى ب (المعلومين كالبياضين أو اختلفا كالسواد والبياض).

(٣) فى ب (لذلك فان).

(٤) فى ب (على الآخر ولا سد مسده).

(٥) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

(٦) فى أ (و).

(٧) فى ب (فهما على رأى الأصحاب متماثلان وسواء اتحد وقت المعلوم أو اختلف ، أو اتحد محل العلمين أو اختلف. ولهم فيما إذا اختلف محل العلمين خلاف. قال شيخنا أبو الحسن الآمدي والحق إن اتحد المعلوم ووقته فالعلمان متماثلان).

١٠٤

فقد قيل : اختلاف الوقت لا يؤثّر في اختلاف العلمين ، كما لا يؤثّر اختلاف الوقت وتقدمه وتأخره في اختلاف الجوهرين ؛ وليس كذلك ؛ فإن المعلوم فيما نحن فيه ليس من حيث هو جوهر ، أو عرض من الأعراض فقط ؛ بل مقيدا بوقت معين ؛ فإنّ المفهوم من كون الجوهر معلوما في وقت كذا ؛ غير المفهوم من كونه معلوما في وقت غير ذلك الوقت.

وإذ اختلف المعلومان : فقد بان أنه يلزم منه إختلاف العلمين. اللهم إلا أن ينظر إليه من حيث هو جوهر ما ، أو عرض ما ، ويقطع / النظر عما وقع فيه (١) الاختلاف من الوقت ؛ فالمعلوم (٢) يكون واحدا ، والعلمان المتعلقان به متماثلان.

وأما إذا اختلف محل العلم ، واتّحد وقت المعلوم : كالعلم القائم بزيد ، والعلم القائم بعمرو.

قال الأصحاب :

فإن قلنا : إنّ كلّ واحد من العلمين ، اقتضى لذاته أن يكون مختصّا بذلك المحل دون غيره ، فهما مختلفان ، وإلا فهما متماثلان.

وهو (٣) غير سديد ، فإنّهما لو تماثلا ؛ لتضادا على أصول أصحابنا ، ولو تضادا ؛ لما اجتمعا ، ولا مانع من اجتماعهما (٣).

وعلى هذا فما كان من العلوم متماثلا ؛ فهى متضادة.

وما كان منهما مختلفا ؛ فقد اختلف أصحابنا في تضادها.

والّذي عليه المحصّلون (٤) : أنها غير متضادة ؛ فإنه ما من علمين مختلفين إلا ويتصور الجمع بينهما نظرا إلى الاستقراء. وما يمتنع فيه الجمع بين المختلفات فليس (٥) لذواتها ؛ بل بالنظر إلى جرى العادة (٥).

وبالجملة : فالقول بنفى التّضاد بين العلوم المختلفة حتى لا يوجد منها ضدان ، أو إثباته غير يقينى ، إذ لا يساعد عليه دليل قطعى ، غير النظر إلى السبر ، والاستقراء الناقص (٦) ؛ وليس بقطعى (٧).

__________________

(١) فى ب (به).

(٢) فى ب (فالمعنى).

(٣) فى ب (وسيأتى تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى).

(٤) فى ب (المحققون).

(٥) فى ب (لذواتهما بل بجرى العادة).

(٦) انظر ل ٣٨ / أ ، ٣٩ / أ ، ب.

(٧) فى ب (بدليل قطعى).

١٠٥

الفصل السادس

في العلم بالشيء من وجه والجهل به من وجه (١)

وقد اختلف في ذلك :

فقال بعض أصحابنا : بجوازه ؛ فإنّه من علم وجود الجوهر ، وجهل تحيّزه ؛ فقد علم الشيء من وجه وجهله من وجه.

وقال القاضى أبو بكر : المعلوم من حيث هو معلوم يمتنع أن يكون مجهولا من وجه. ومن علم وجود الجوهر ؛ فمعلومه من حيث هو ذات ما ليس مجهولا من وجه ، والمجهول من التحيّز فأمر (٢) زائد على معلومه ؛ والمعلوم (٢) غير المجهول. أما أن يكون الشيء الواحد معلوما من وجه ومجهولا من وجه فلا (٣).

ومن أراد أن يكون الشّيء مجهولا من وجه ، ومعلوما من وجه ما ذكرناه ، فهو متجوّز ، ولا منازعة معه في غير الإطلاق والعبارة. والحقّ ما ذكره القاضى.

ثم اتفق المتكلمون على امتناع العلم بوجود شيء ، والجهل بوجود ذلك الشيء وأن يكون الشّيء مجهولا من جهة ما كان معلوما. وهذا إنّما يتم تحقيقه أن لو اتحدت جهة العلم والجهل من القوة والفعل ؛ بأن يكون معلوما مجهولا بالفعل ، أو بالقوة.

وأما إن اختلفت الجهتان : فلا يمتنع أن يكون الشّيء معلوما بالقوة ، مجهولا بالفعل مع اتحاده : وذلك كما إذا علمنا علما كلّيا عاما : أنّ كل اثنين فهو زوج ، واتفق أن كان ما في يد زيد اثنان فقد علمنا كونه زوجا بالقوة ؛ لدخوله تحت عموم القضية الكلية.

وإذا جهلنا اثنيته : فقد جهلنا كونه زوجا بالفعل ؛ فالعلم به بالقوة ؛ للعلم بالقضية الكلية. والجهل به بالفعل ؛ للجهل بالقضية الجزئية.

__________________

(١) انظر المحصل للرازى ص ٧٠ ـ ٧١ والمواقف للإيجي ص ١٤٥.

(٢) فى ب (بأمر زائد على معلومه فالمعلوم).

(٣) فى ب (فلذا قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

١٠٦

الفصل السابع

في امتناع وجود علم لا معلوم له (١)

وقد اتفق العقلاء على امتناع وجود علم لا معلوم / له

وخالفهم أبو هاشم (٢) : فى العلم المتعلّق بالمستحيلات ؛ طردا لتحديد الشيء بأنه المعلوم ، فقال : العلم بامتناع اجتماع الضّدين ، (٣) وانتفاء شريك الإله (٣) ـ تعالى ـ ، وامتناع كون الجزء مساويا للكل ، ونحو ذلك ؛ علم لا معلوم له. مع موافقته على تعلق العلم بالمستحيلات ، وكوننا عالمين بها. فقد وافق في المعنى ، وخالف في اللفظ ؛ فإنّه لا معنى لكونها معلومة غير تعلّق العلم بها. وإلا فكيف يتصوّر وجود علم لا معلوم له؟ مع أن العلم والمعلوم من قبيل المتضايفين اللذين لا تعقّل لكل واحد منهما إلا مع تعقّل الآخر.

ولو ساغ ذلك ؛ لساغ القول بوجود معلوم بلا علم ولا عالم ، ووجود علم ولا عالم ، وذكر ولا مذكور ، وقدرة ولا مقدور ، إلى غير ذلك ؛ ولم يقل به قائل. وكل ما يتخيل في منع الانفكاك في هذه الصور ؛ فهو لازم فيما نحن فيه.

وقد قيل في إبطاله أيضا : أنّ العلم باستحالة اجتماع الضدين ؛ علم بالضدين ؛ وهما معلومان. والعلم باستحالة وجود شريك البارى ـ تعالى ـ علم بوجود البارى ؛ وهو معلوم. وكذا العلم بكل استحالة لا بدّ وأن يكون العلم فيها متعلقا بمعلوم ؛ فإطلاق القول بأنّ علما لا معلوم له محال ؛ لكنه (٤) مبنى على القول بأن كلّ أمرين لا يتصور (٥) العلم بأحدهما (٦) ، مع الجهل بالآخر ؛ فالعلم بهما واحد ؛ وقد عرف (٧) ما فيه.

ثم لو قال أبو هاشم : المراد بهذا الإطلاق : أنّه ليس كل ما تعلق به العلم يكون معلوما ، كالاستحالة لا غيرها ؛ لاندفعت هذه المؤاخذة اللفظية.

__________________

(١) انظر المحصل للرازى ص ٧١ ـ ٧٢. والمواقف للإيجي ص ١٤٧ ، ١٤٨.

(٢) عبد السّلام بن محمد بن عبد الوهّاب الجبائى (أبو هاشم) من شيوخ المعتزلة وإليه تنسب الطائفة (البهشمية) ، له آراء انفرد بها ، وله مصنفات في الاعتزال ، وكان أبوه شيخا للجبائية التى نسبت إليه. ولد ببغداد سنة ٢٤٧ ه‍ وتوفى بها سنة ٣٢١ ه‍. (وفيات الأعيان ٢ : ٥٣ ، الأعلام ٤ : ١٣٠).

(٣) فى ب (والشريك لله).

(٤) فى ب (ولكنه).

(٥) فى ب (يتصور).

(٦) فى ب (بآخر).

(٧) فى ب (عرفت). انظر ل ١٠ / ب.

١٠٧

الفصل الثامن

في محل العلم الحادث وأنه لا بقاء له (١)

أما محل العلم :

فاعلم أن العلم ينقسم : إلى ما يتعلق بالكليات : وهى المعانى المشتركة بين الجزئيات المجرّدة عن المخصصات (٢) الموجبة للتشخيص : كالعلم بحقيقة الجسم من حيث هو جسم ، وهو ما يصلح لاشتراك الأجسام المشخّصة فيه. وإلى العلم بالجزئيات التى لا يصلح معناها لاشتراك كثيرين فيها : كالعلم بهذا الجسم وهذا الجسم ، ونحوه. فما كان من القسم الأول :

فقد قالت الفلاسفة إنّ محله النفس (٣). وسيأتى تحقيق معنى النفس فيما بعد. وما كان من القسم الثانى :

فمحله قوى جسمانية قائمة بأجزاء خاصة بالبدن ، وتلك القوى منقسمة إلى ظاهرة ، وإلى (٤) باطنة :

فأما القوى الظاهرة : فهى الحواس الخمس الظاهرة وهى : السمع ، والبصر ، والشمّ ، والذّوق ، واللّمس (٥).

فالسمع : عبارة عن [قوّة (٦)] مرتبة في عصبة سطح الدّماغ (٧) بصماخ (٧) الباطن من الأذن (٧). من شأنها إدراك ما يتأدّى / إليها من الأصوات الحادثة بواسطة تموّج الهواء.

والبصر : فعبارة عن قوة مرتّبة في العصبة المجوفة من العين من شأنها إدراك ما ينطبع في الرّطوبة الجليديّة من أشباح الأجسام ذوات الألوان المضيئة ، والمستنيرة بواسطة الأجسام المشفة.

__________________

(١) انظر التمهيد للباقلانى ص ٣٦ ـ ٣٨ وأصول الدين للبغدادى ص ٩ ، ١٠ والمواقف للإيجي ص ١٤٨ وشرح المقاصد للتفتازانى ١ / ١٧٣.

(٢) فى ب (المشخصات).

(٣) انظر الإشارات والتنبيهات لابن سينا القسم الثانى ـ النمط الثالث ص ٣٠٥ وما بعدها.

(٤) (إلى) ناقصة من ب

(٥) انظر المواقف ص ١٤٣.

(٦) فى أ (قوى).

(٧) فى ب (من الآذان).

١٠٨

والشمّ : فعبارة عن قوة مرتبة في زائدتي مقدّم الدّماغ ، من شأنها إدراك ما يتأدى إليها من (١) الرائحة بواسطة الهواء المستنشق.

والذوق : فعبارة عن قوة منبثة في العصبة المنبسطة على السطح الظاهر من اللسان ، من شأنها أن (٢) تدرك ما يرد عليه من الطعوم ، بتوسط ما فيه من الرطوبة الغذائية.

واللّمس : فعبارة عن قوة منبثة في كل البدن من شأنها (٢) إدراك ما ينفعل عنه (٣) البدن من الكيفيات الملموسة.

وأما القوى الباطنة (٤) : فهى خمس أيضا : وهى المعبر عنها بالحس المشترك والمصورة ، والمتخيلة ، والوهمية ، والحافظة.

أما الحسّ المشترك : فعبارة عن قوة مرتبة في مقدم التجويف الأول من الدماغ ، من شأنها إدراك ما يتأدى إليها من الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة.

وأما المصوّرة : فعبارة عن قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأول من الدماغ ، من شأنها حفظ ما يتأدى إلى الحس المشترك من الصور.

وأما المتخيّلة : فعبارة عن قوة مرتبة في مقدم التجويف الأوسط من الدماغ ، من شأنها (٥) الحكم على ما في المصورة بالاتفاق والافتراق.

وأما الوهميّة : فعبارة عن قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأوسط من الدماغ ، من شأنها (٥) إدراك المعانى الغير (٦) محسوسة من المعنى المحسوس (٦) : كالمعنى الّذي تدركه الشاة من الذئب موجبا لنفرتها منه.

وأما الحافظة : فعبارة عن قوة مرتبة في التجويف الأخير من الدّماغ من شأنها حفظ ما أدركته الوهمية ،

وزعم بعض متفلسفة المتأخّرين أن المدرك للكليات والجزئيات : إنّما هو النفس والقوى الظاهرة والباطنة غير مدركة ؛ بل آلة في إدراك النّفس لهذه المدركات.

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) من أول (أن تدرك ما يرد عليه من الطعوم ....) ساقط من ب.

(٣) فى ب (منه).

(٤) انظر الإشارات لابن سينا ج ٢ ص ٣٤٦ ـ ٣٥٨.

(٥) من أول (الحكم على ما في المصورة ...) ساقط من ب.

(٦) فى ب (المحسوسة من المعانى المحسوس).

١٠٩

وأما أصحابنا : فالبنية المخصوصة عندهم غير متوسطة كما يأتى ؛ بل كل جزء من أجزاء بدن الإنسان إذا قام به إدراك أو علم ؛ فهو مدرك عالم به ، وهل ذلك مما يقوم بالقلب أو غيره؟ فمما لا يجب عقلا ، ولا يمتنع. لو لا دلّ الشّرع عليه بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (١). وقوله : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ / آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (٢). وقوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٣).

وأما الكلام على وجود النّفس وكونها مدركة للكليات دون الجزئيات : فسيأتى فيما بعد.

وأما أنّ العلم غير باق :

فمما اختلف فيه أيضا :

والّذي عليه إجماع المعتزلة : بقاء العلوم الضّرورية والمكتسبة التى لا يتعلق بها التكليف. وأما العلوم المكتسبة المكلف بها : فقد قال الجبّائى (٤) : إنها غير باقية. وإلا كان المكلف بها حال بقائها غير مطيع ، ولا عاص ، ولا مثاب ، ولا معاقب ؛ مع تحقق التكليف ؛ وهو خلاف أصلهم في لزوم (٥) الثواب والعقاب عل ما كلف به بتقدير الفعل أو الترك ، حتى إنه طرد ذلك في كل عرض مقدور يتعلق به التكليف.

وخالفه أبو هاشم في ذلك. وأوجب بقاء العلوم مطلقا.

وأما أصحابنا : فإنهم قضوا باستحالة بقائها لكونها أعراضا. وسيأتى تحقيق ذلك في استحالة بقاء الأعراض إن شاء الله تعالى (٦).

__________________

(١) سورة ق ٥٠ / ٣٧.

(٢) سورة الحج ٢٢ / ٤٦.

(٣) سورة محمد ٤٧ / ٢٤.

(٤) محمد بن عبد الوهّاب بن سلام بن خالد الجبّائى ، البصرى ، المعتزلى (أبو على) متكلم ، مفسر ولد بجبّى بخوزستان سنة ٢٣٥ ه‍ وإليه تنسب الطائفة الجبائية. كان أستاذا للأشعرى قبل تحوله عن مذهب المعتزلة. توفى بالبصرة سنة ٣٠٣ ه‍. (وفيات الأعيان ٣ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية ١١ / ١٢٥ ، الاعلام ٧ / ١٣٦).

(٥) فى ب (ان).

(٦) انظر الجزء الثانى من الأبكار ل ٤٤ / ب.

١١٠

الفصل التاسع

في أضداد العلم الحادث وأحكامها (١)

وأضداد العلم الحادث : الجهل ، والشّك ، والظّن ، والغفلة ، والذهول ، والنّوم ، والنّظر ، والموت.

أما الجهل : فقد يطلق على بسيط ومركب : (٢)

أما البسيط : فهو عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما (٣) ، لا عدم العلم مطلقا ، وإلا لوصفت الجمادات بكونها جاهلة ؛ إذ هى غير عالمة. وعلى هذا : فالجهل بهذا الاعتبار إثبات عدم ، لا أنه صفة إثبات.

والفرق بين الأمرين ظاهر.

وعلى هذا ، فلا يخفى أنّ التقابل وامتناع (٤) الجمع بين العلم والجهل بهذا الاعتبار ؛ لذاتيهما ، لا لأمر خارج عنهما. وبه يظهر إحالة قول من أخرج الجهل بهذا الاعتبار عن أضداد العلوم. إلا أن يشترط في الضد أن يكون ذاتا.

وأما الجهل المركّب : فقد قيل فيه : إنّه عبارة عن اعتقاد المجهول على خلاف ما هو عليه. لا على خلاف كونه مجهولا. وإلا لخرج عن كونه مجهولا ؛ بل على خلاف ما اعتقد به ؛ وهو غير سديد ؛ لما فيه من تعريف الجهل بالمجهول ، وهو أخفى من الجهل ؛ لكونه مشتقا منه.

فالأولى فيه أن يقال : الجهل : هو اعتقاد المعتقد على خلاف ما المعتقد عليه في نفسه. ولا يخفى أنّ لفظ المعتقد يعمّ الموجود والمعدوم الّذي ليس بشيء ؛ فكان أولى من لفظ الشيء.

وهذا مما لا خلاف في كونه ضدا للعلم.

__________________

(١) انظر شرح المقاصد للتفتازانى ١ / ١٦٩ ، ١٧٠.

(٢) انظر المواقف للإيجي ١٤٢ ، ١٤٣.

(٣) فى ب (له العدم).

(٤) فى ب (بامتناع).

١١١

وأما أحكام الجهل :

فمنها : أنه غير مقدور التحصيل للعبد بنظر واستدلال ، وسواء كان بسيطا ، أو / مركّبا ؛ فإنّ النظر إن كان صحيحا ، فهو يتضمّن العلم لا الجهل. وإن لم يكن صحيحا فلا (١) يتضمن الجهل كما يأتى ؛ بل المقدور بالنظر والاستدلال [رفعه (٢)] بأن يحاول الناظر (٣) نظرا صحيحا يفضى به إلى العلم الّذي هو ضده ؛ فيرتفع.

فإذن جهل العبد حاصل له بخلق الله ـ تعالى ـ له ذلك من غير نظر واستدلال. وزعم بعض الناس : أنّه لا قدرة لله ـ تعالى ـ على خلق الجهل ؛ لأنه عالم بجميع مقدوراته ، فلو كان قادرا على فعل الجهل لغيره ؛ لكان عالما [به (٤)] ، وخرج الجهل عن كونه جهلا ، أو كان عالما بما هو جاهل به ؛ وهو ممتنع.

وهو غير سديد ؛ فإن من فعل الجهل لغيره لا يلزم أن يعود إليه حكمه حتى يكون جاهلا به. فإنّما يعود حكمه إلى من هو قائم به ؛ بل الفاعل له يكون عالما به على ما هو عليه من كونه جهلا. ومن علم الجهل على ما هو عليه ؛ لا يكون جاهلا. ثم لو عاد إلى الله ـ تعالى ـ حكم الجهل بسبب خلقه الجهل في العبد حتى يوصف بكونه جاهلا ؛ لعاد إليه حكم الغفلة ، والسّهو ، والعجز ؛ بسبب خلقه لذلك في العبد باتفاق المسلمين. ووصف بكونه غافلا ، وساهيا ، وعاجزا ؛ وهو ممتنع.

وأما حكم الجهل في جواز تعلّق الواحد منه بمجهولين ، وجواز الجهل بشيء واحد من وجه دون وجه ، واختلاف الجهالات ، وتماثلها وامتناع وجود جهل لا مجهول له ، وامتناع بقائه وتعيّن محله ؛ فعلى ما سبق في العلم (٥) الحادث. والاختلاف في كلّ مقام كالاختلاف في العلم ، والاحتجاج كالاحتجاج في المزيّف والمختار. ومن أحكامه أنّ الجهل هل هو مثل العلم أم لا؟

أما الجهل البسيط : فلا خلاف في كونه ليس مثلا للعلم ؛ فإنّ عدم الشيء لا يكون مثلا لذلك الشيء.

__________________

(١) فى ب (فإنه).

(٢) فى أ (يرفعه).

(٣) فى ب (النظر).

(٤) ساقط من أ.

(٥) انظر ل ٨ / أوما بعدها.

١١٢

وأما الجهل المركّب : فذهب كثير من المعتزلة ـ إلى كونه مثلا للعلم ؛ فإن من اعتقد كون زيد في الدّار مثلا ، ولم يكن زيد فيها ، وبقى على ذلك الاعتقاد حتى وجد زيد في الدّار ؛ فإن اعتقاده الأول الموصوف (١) بكونه جهلا (١). من جنس اعتقاده الثانى مع كونه علما. وما به الافتراق من كون زيد في الدّار في إحدى الحالتين ، وعدمه في الأخرى ؛ فأمر خارج غير موجب للاختلاف بين الاعتقادين ، وقد أجمعوا على أنّ اعتقاد المقلّد للشىء على وفق ما هو عليه مثل للعلم (٢).

وذهب أصحابنا : إلى امتناع المماثلة بين العلم والجهل بهذا الاعتبار ، محتجّين على ذلك بأن الجهل لو كان مماثلا للعلم ؛ (٣) لجاز على كل واحد منهما ما جاز على الآخر (٣). ومن صفات العلم جواز حصوله بالنظر الصّحيح ، وذلك غير متصوّر في الجهل بالاتفاق / ؛ فلا يكون مثلا للعلم ؛ فإن (٤) من حكم المثلين : أنّ ما جاز على أحدهما يكون جائزا على الآخر. وعلى هذا فقد بطل أن يكون اعتقاد كون زيد في الدّار ـ وهو فيها ـ [مماثلا (٥)] لاعتقاد كونه فيها قبل ذلك.

وأما الشّك :

فقد اختلف في كونه معنى ، وفي كونه مفردا.

فقال أبو هاشم : فى قول : إنه عبارة عن عدم العلم.

وهو باطل بانتفاء العلم عن الجمادات ؛ فإنه ليس بشك. وإن أضيف إليه عدم العلم فيما من شأنه أن يكون (٦) له (٦) العلم ؛ فيبطل بالظّان إثبات أمر ، أو نفيه ، فإنه غير عالم بالنفى ولا بالإثبات ؛ وليس شاكا. وينتقض أيضا بالنائم والغافل ؛ فإنه غير عالم مع كونه قابلا للعلم ؛ وليس شاكا.

وقال في قول آخر : إن الشكّ عبارة عن اعتقادين متعاقبين لا يتصور الجمع بينهما؛

__________________

(١) فى ب (بالجهل).

(٢) فى ب (العلم).

(٣) فى ب (فالمثلان ما اشتركا في أخص صفات النفس ، ويلزم من ذلك الاشتراك في أعم الصفات).

(٤) فى ب (لأن).

(٥) فى أ (مثلا).

(٦) فى ب (يقوم به).

١١٣

وهو باطل. بما إذا اعتقد أمرا ؛ فإنه حالة اعتقاده جازم بمعتقده ، غير شاك فيه. وإذا زال ذلك الاعتقاد باعتقاد نقيضه. فحالة اعتقاده الثانى ، هو أيضا غير شاك ؛ لكونه جازما بمعتقده ؛ فكل واحد من الاعتقادين هو جازم به وليس بشاك ، وليس بين الاعتقادين حالة فاصلة يمكن أن يكون شاكا فيها. وإن (١) كان (١) بينهما حالة يمكن أن يكون الشك فيها ؛ فليس الشكّ هو ما ذكر من الاعتقادين ؛ بل أمر أخر غيرهما.

وقال أصحابنا : الشك معنى مفرد.

وعبر عنه القاضى أبو بكر (٢) بقوله : إنه (٢) عبارة عن استواء معتقدين في نفس المستريب ، مع قطعه أنهما لا يجتمعان.

وهذه العبارة غير سديدة ؛ فإنه وصف كل واحد من الأمرين المتقابلين بكونه معتقدا. ومن ضرورة كونه معتقدا ، تعلق الاعتقاد الجازم به (٣) ؛ وذلك مع الاسترابة محال.

وأيضا : فإن استواء المعتقدين في نفس المستريب : إما في نفس الاعتقاد ، أو في الشك ، أو غيره.

فإن كان في نفس الاعتقاد : فإما أن يكونا معا ، أو على التعاقب.

الأول : محال ؛ إذ هما لا يجتمعان.

والثانى : ففيه عود إلى قول أبى هاشم ؛ وقد عرف ما فيه.

وإن كان في الشكّ : ففيه تعريف الشّكّ بالشّكّ ؛ وهو ممتنع.

وإن كان في غير الشّكّ : فاستواء المعتقدين في غير الشّكّ لا يلزم أن يكون شكا ؛ كاستواء المعتقدين في الإمكان ، أو غيره من الصّفات.

وقال أبو المعالى (٤) : الشّك هو الاسترابة في معتقدين نفيا وإثباتا ، وهو من النمط الأول : حيث إنه جمع بين الاعتقاد والاسترابة ، بالنسبة إلى شيء واحد ؛ وهو محال.

ثم إنّ الاسترابة في المعتقدين : إما أن تكون هى نفس / الشكّ ، أو غيره.

فإن كان الأول : ففيه تعريف الشّكّ بالشّكّ.

__________________

(١) فى ب (وإذا كانت).

(٢) فى ب (بأنه).

(٣) ساقط من ب.

(٤) انظر الإرشاد ص ٥.

١١٤

وإن كان الثانى : فلا بد من تمييز الشّكّ عن الاسترابة ؛ ولا سبيل إليه.

فالأقرب في ذلك أن يقال : الشّكّ هو القضاء بإمكان أمرين متقابلين ، لا ترجح لوقوع أحدهما على الآخر في النفس.

وهو مضاد للعلم ؛ لاستحالة كون الشخص عالما بشيء ، وشاكا فيه من جهة واحدة.

وأما أحكام الشّكّ :

فمنها (١) أنه لا بدّ وأن يتعلق بأمرين ؛ إذ هو تجويز أمرين لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، ولو قدّر أمران يمتنع وقوع الشك (١) في أحدهما دون الآخر ، أو يتصوّر وقوع الشّكّ في أحدهما دون الآخر ، فالخلاف في جواز تعلق الشّكّ الواحد فيه (٢) بالأمرين (٢) ، كالخلاف في العلم ، والاحتجاج كالاحتجاج.

ومنها : (٣) أنه قد يقع (٣) ضروريا ، غير مكتسب للعبد وقد (٤) يقع مكتسبا ، والخلاف في كونه مخلوقا له (٥) ، كالخلاف في الجهل.

ومنها : أنه لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية.

وأما الشّك في الله ـ تعالى ـ فقد قال الأستاذ أبو بكر ، وأبو هاشم (٦) لا يمتنع (٧) أن يكون مأمورا به ، بناء على أن النظر في معرفة الله ـ تعالى ـ واجب. وذلك لا يتم في العادة دون سابقة الشك ، وما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب.

ومنهم من خالف في ذلك ؛ لجواز وقوع النظر عقلا من غير سابقة شك ، وبتقدير امتناع خلو النظر عن سابقة الشك ، فليس كل ما يتوقف عليه المأمور يكون مأمورا ، لجواز أن لا يكون مقدورا (٨) : كالحياة.

وبتقدير أن يكون مقدورا ، فلا يكون مأمورا ؛ لجواز أن لا يكون (٨) حسنا. والشك في الله ـ تعالى ـ ليس بمقدور ولا حسن عنده ؛ فلا يكون مأمورا.

والواجب أن يقال : إن أريد بالشّك ابتداء حصوله ؛ فهو غير مأمور ؛ لكونه غير مقدور.

__________________

(١) من أول (فمنها أنه لا بدّ وأن يتعلق بأمرين ...) ساقط من ب.

(٢) في ب (في الأمرين).

(٣) في ب (قد يكون).

(٤) في ب (وقد).

(٥) في ب (للرب تعالى).

(٦) انظر الشامل ص ١٢١.

(٧) في ب (أنه لا يمتنع).

(٨) من أول (مقدورا كالحياة ...) ساقط من ب.

١١٥

وإن أريد به دوام الشّك : فلا يمتنع أن يكون مأمورا ؛ إذ هو مقدور الإزالة بالنظر ، والإبقاء بترك النظر ، ووقوع النظر ، وإن أمكن عقلا من غير سابقة دوام الشك ، فالعادة على خلافه (١). والحسن والقبح فليس من الصفات الذاتية على ما سيأتى (٢) ؛ فلا يكون ذلك مانعا من الأمر.

والقول بملازمة كون الشك في الله ـ تعالى ـ مأمورا به ، للأمر بمعرفته بناء على أن ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب ؛ فهو حق على (٣) ما سيأتى (٣).

وأما الظّن :

فعبارة عن ترجيح أحد ممكنين متقابلين في النفس على الآخر. وهو أيضا : ضد العلم ؛ لاستحالة اجتماع العلم والظن ، من جهة واحدة بالنسبة إلى شيء واحد.

وهو لا محالة متعلق بأمرين مع اتحاده ، كما في الشّك وإن كان أحدهما (٤) راجحا / وهو (٥) منقسم إلى : مقدور ، وغير مقدور للعبد كما في العلم ، والحكم في جواز تعلقه مع اتحاده بأمرين يمكن تقدير الظّنّ بأحدهما ، مع عدم الظّن بالآخر ، أو يمتنع ، والخلاف في ذلك ، فكما (٦) سبق في العلم (٧) :

فإن منه ما لا يمتنع أن يكون مأمورا به : كالظّنون في المجتهدات.

ومنه ما لا يكون مأمورا به : كالظّن بنقيض الحق.

وقد قال أصحابنا : إنّ الظّنون أجناس مختلفة.

فمنها : ما هو (٨) أجلى بحيث يكون قريبا من القطع.

__________________

(١) في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي : والحق ما ذهب إليه الأستاذ أبو بكر فإنه وإن أمكن عقلا وقوع النظر من غير سابقة الشك ، فالعادة على خلافه والشك مقدور ، ولهذا يمكن زواله بالنظر الصحيح المفضى إلى العلم وابقاؤه بتقدير ترك النظر.

وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون مأمورا به. هذا إن عنى به دوام الشك ، وأما ابتداؤه فغير مقدور ، فلا يكون مأمورا به على ما يأتى).

(٢) انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.

(٣) في ب (على ما يأتى بعد إن شاء الله ـ تعالى ـ) انظر ل ٣٠ / أ.

(٤) في ب (الآخر).

(٥) في ب (أو هو).

(٦) في ب (كما).

(٧) انظر ل ٥ / أ.

(٨) في ب (ما يكون).

١١٦

ومنها : ما هو أخفى بحيث يكون قريبا من الشّك.

ومنها : ما هو متوسط بين الرتبتين.

ويمكن أن يقال : إنها من جنس واحد نظرا إلى اشتراكها فيما ذكرناه في حد الظن وما به الاختلاف ، فراجع إلى أمور عرضية لا توجب الاختلاف في الحقيقة. ولا يمكن أن يقال باتحاد الحقيقة. وعود الاختلاف إلى كثرة أعداد الظّن في الجلى ، واتحاده في الخفى ـ وإلا كان الظان بمظنون واحد ، ظانا له بظنون متعددة معا ؛ وذلك محال ؛ لأنّ الظّنون إن كانت متماثلة : فالمتماثلة أضداد على ما يأتى. والأضداد لا تجتمع ، وقد قيل بالاجتماع.

وإن لم تكن متماثلة : فهى مختلفة. والمختلفات : إما أضداد ، أو لا.

فإن كانت أضدادا : فلا تجتمع (١) أيضا ، وقد اجتمعت.

وإن لم تكن أضدادا : فقد قيل إنها مختلفة ، ولا اختلاف مع اتحاد الحقيقة.

وأما الغفلة ، والذّهول ، والنّسيان :

وإن اختلفت عباراتها ، فيقرب أن يكون المعنى متحدا ، ومعناها ضد العلم ؛ لاستحالة الجمع.

وحكم هذه الأضداد في جواز تعلقها بمتعلقين ، أو بمتعلق واحد ؛ كالحكم في العلم ، والخلاف كالخلاف.

لكن اتفق المحققون على امتناع كون الغفلة مقدورة للبشر ، فإنّ شرط وقوع المقدور بالقدرة : أن يكون مرادا مقصودا. والقصد إلى الشيء ينافي الذهول ، والغفلة عنه.

وإذا ثبت أنّ الغفلة غير مقدور عليها للعبد ، وهى ضدّ للعلم المكتسب المقدور ـ ، فقد بطل قول المعتزلة : بأن القدرة على أحد الضّدين ، تكون قدرة على الضد الآخر. اللهم إلا أن يفسروا الضد بمعنى ثبوتى ، ويمنعوا كون الغفلة والذّهول معنى كما ذهب

__________________

(١) في ب (فإن كان أضداد لا تجتمع).

١١٧

إليه بعض البصريّين من المعتزلة (١) فيلزمهم أن لا ينتفى العلم بطريان الغفلة ، لأنها ليست ضدا للعلم ، والعلم وجميع الأعراض فلا تنتفى عندهم إلا بطريان الضّد عليها.

وأما النّوم :

فهو أيضا ضد للعلم ؛ لاستحالة الجمع بينهما.

__________________

(١) ينقسم المعتزلة الى فرعين رئيسيين : (أ) فرع البصرة (ب) فرع بغداد ، وهم جميعا يتفقون في الأصول ، وإن اختلفوا في تفاصيل المذهب.

(أ) ومن أشهر رجال فرع البصرة :

١ ـ واصل بن عطاء ، رأس المعتزلة ومؤسس المذهب ت ١٣١ ه‍.

٢ ـ عمرو بن عبيد ، شريك واصل في تأسيس فرقة الاعتزال ت ١٤٣ ه‍.

٣ ـ أبو الهذيل العلّاف ت ٢٣٥ ه‍.

٤ ـ إبراهيم بن سيار النّظام ت ٢٣١ ه‍.

٥ ـ معمر بن عبّاد السلمى ت ٢٢٠ ه‍.

٦ ـ هشام الفوطى ت ٢٢٨ ه‍.

٧ ـ عبّاد بن سليمان ت ٢٥٠ ه‍.

٨ ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت ٢٥٦ ه‍.

٩ ـ أبو يعقوب الشّحام ت ٢٣٠ ه‍.

١٠ ـ أبو على الجبّائى ت ٣٠٣ ه‍.

١١ ـ أبو هاشم الجبّائى ت ٣٢٣ ه‍.

١٢ ـ أبو عبد الله البصرى ٣٦٩ ه‍.

١٣ ـ عبد الله بن عيّاش.

١٤ ـ القاضى عبد الجبّار الهمزانى ت ٤١٥ ه‍.

١٥ ـ أبو الحسين البصرى ت ٤٣٦ ه‍.

ب ـ ومن أشهر رجال فرع بغداد

١ ـ بشر بن المعتمر ـ مؤسس فرع بغداد ت ٢١٠ ه‍.

٢ ـ ثمامة بن الأشرس ت ٢١٣ ه‍.

٣ ـ أحمد بن أبى دؤاد ، وزير المأمون.

٤ ـ أبو موسى المردار الملقب براهب المعتزلة ت ٢٢٦ ه‍.

٥ ـ جعفر بن حرب ت ٢٢٦ ه‍.

٦ ـ جعفر بن مبشر ت ٢٣٤ ه‍.

٧ ـ محمد بن عبد الله الإسكافي ت ٢٤٠ ه‍.

٨ ـ أبو الحسين الخيّاط ت ٢٩٠ ه‍.

٩ ـ أبو القاسم البلخى الكعبى ت ٣١٩ ه‍.

١١٨

وأما النّظر :

فهو مضاد للعلم بالمنظور فيه ؛ لأنّ النظر لتحصيل / العلم بالمنظور فيه (١) ، وذلك يستدعى عدم العلم بالمنظور فيه ؛ فإن طلب تحصيل الحاصل محال. ومن حصل له العلم بالمنظور فيه بعد تمام نظره ، وأخذ في ضرب أخر من النظر مع علمه بالمنظور فيه ، فليس مطلوبه (٢) العلم بالمنظور فيه ؛ إذ هو حاصل (٣) ، وتحصيل الحاصل محال ؛ بل مطلوبه كون المنظور فيه دليلا ، وذلك لا يجامع النّظر فيه.

وإن كان ذلك لتحصيل ما حصل بالنّظر الأول ؛ فلا يتصوّر ذلك إلا مع الذّهول عنه.

وأما الموت (٤) :

فقد اختلف فيه قول أبى هاشم :

فقال تارة : إنه عبارة عن انتقاض البنية المشروطة في الحياة.

وعلى هذا : فلا يكون الموت عنده (٥) ضد للحياة (٥) ، وإن زالت به الحياة.

وقال تارة : إنه معنى مضاد للحياة.

وتردّد بينهما في قول آخر.

وعلى كل تقدير ، فلا يكون الموت ضدا (٦) للعلم (٦) ؛ بل مزيلا لشرطه على القول الأول ، ومضادا لشرطه على القول الثانى.

وقال أصحابنا : الموت معنى (٧) مضاد للعلم (٧).

أما أنه معنى : فيدل عليه ما يدل على باقى الأعراض ، كما سنبينه بعد (٨).

وأما أنه ضدّ للعلم : فلاستحالة الجمع بينهما ، ولا معنى لكونه ضدا إلا هذا ، وسواء كان استحالة الجمع بواسطة انتفاء الحياة ، أو لم يكن. ولا معنى للنزاع في العبارة.

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) في ب (يطلب).

(٣) في ب (تحصيل).

(٤) انظر المواقف ص ١٤٠.

(٥) في ب (ضد الحياة عنده).

(٦) في ب (ضد العلم).

(٧) في ب (مضاف للعلم).

(٨) انظر ل ٣٩ / ب من الجزء الثانى وما بعدها.

١١٩

وهو غير مقدور للعبد ؛ لأنّ المقدور بالقدرة يستدعى وجود القدرة مع وجوده ، والموت والقدرة مما لا يجتمعان. خلافا للجبّائى : فإنه قال : هو مقدور للعبد. وخالف أصله : في أنّ القدرة على أحد المتضادين ، تكون قدرة على الضّد الآخر ، حيث أنه جعل الموت مقدورا ، والحياة المضادة له غير مقدورة. (١)

وإذا عرفت أضداد العلم ، فاعلم أن الجهل البسيط منها لا يضاد الجهل المركب ، ولا الشّك ، ولا الظّن ، ولا النّظر ، ولا النّوم والغفلة ؛ فإنه لا يمتنع الجمع بينه وبينها ؛ ولكن يضاد الموت (٢) ، فإنّ الجهل البسيط على ما علم : عدم العلم فيما من شأنه أن يقوم به العلم ، وذلك غير متصوّر في حالة الموت (٣).

وأما الجهل المركّب : فلا يضاد الجهل البسيط ، ويضاد باقى أضداد العلم ، فهو أعمّ مضادة من الجهل البسيط.

أما مضادته للنوم ، والغفلة ، والموت ؛ فظاهر.

وأما مضادته للشّك : فمن جهة أنه اعتقاد جازم لأحد المتقابلين.

والشّك : تردد بين أمرين من غير جزم ، ولا ترجيح.

وأما مضادته للنّظر : فمن جهة أنّ الناظر طالب ، والمعتقد مصمم جازم ، ولا طلب مع التصميم والاعتقاد الجازم بالمنظور فيه.

ويمكن أن يقال : إنّ الاعتقاد الجازم إذا كان جهلا ، فحرام ، لا يمتنع التشكّك معه / بتقدير التّشكيك ، بخلاف العلم ، فلا يبعد معه النّظر لطلب العلم الّذي لا يلحقه التّشكك.

وأما الشّك : فلا يضاد الجهل البسيط ، ولا النظر ؛ ولكن يضاد الجهل المركّب على ما عرف وباقى أضداد العلم.

أما مضادته للنّوم ، والغفلة ، والموت ؛ فظاهر.

__________________

(١) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).

(٢) في ب (الغفلة والنوم والموت).

(٣) في ب (النوم والغفلة والموت).

١٢٠