الهدى إلى دين المصطفى - ج ٢

الشيخ محمد جواد البلاغي

الهدى إلى دين المصطفى - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٦٢
الجزء ١ الجزء ٢

الأعمار : بعد الطوفان وقبل ولادة

بعد ولادة الابن

الابن الواقع في السلسلة

الواقع في السلسلة

الأسماء

عبرية

سامرية

سبعينية

عبرية

سامرية

سبعينية

سام

٢

٢

٢

ارفكشاد

٣٥

٣٥

٣٥

٤٠٣

٣٠٣

٤٠٠

قينان

١٣٠

٣٣٠

شالح

٣٠

١٣٠

١٣٠

٤٠٣

٣٠٣

٣٣٠

عابر

٣٤

١٣٤

١٣٤

٤٣٠

٢٧٠

٢٧٠

فالج

٣٠

١٣٠

١٣٠

٢٠٩

١٠٩

٢٠٩

رعو

٣٢

١٣٢

١٣٠

٢٠٧

١٠٧

٢٠٧

سروج

٣٠

١٣٠

١٣٠

٢٠٠

١٠٠

٢٠٠

ناحور

٢٩

٧٩

٧٩

١١٩

٦٩

١٢٩

٢٢٢

٧٧٢

٩٠٢

ما قبل

١٦٥٦

١٣٠٧

٢٢٦٢

الطوفان

١٨٧٨

٢٠٧٩

٣١٦٤

فانظر الى هذه الأعداد والحواصل المختلفة بحسب النسخ من خلقة آدم إلى ولادة ناحور لتارح أبي ابراهيم.

واعلم انه لا يكاد يعرف من العهدين تاريخ ولادة ابراهيم من تارح إلا ان يعرف المقدار لمكث ابراهيم في حاران بعد موت أبيه ، كما يقوله استفانوس «ا ع ٧ ، ٤».

وقد عرفت من هذه الجداول أيضا ان التوراة السبعينية قد خالفت العبرانية والسامرية ، حيث زادت عليها في عدد الآباء «قينان» بين ارفكشاد وشالح.

١٠١

القسم الثالث في اختلاف كتب العهدين في التاريخ

ولنذكر من ذلك مقامين :

الأول : قد جاء في الأناجيل في طرد النسب ما لفظه «شالح ابن قينان ابن ارفكشاد» «لو ٣ ، ٣٥ و ٣٦» فوافق التوراة السبعينية في زيادة قينان بين ارفكشاد وشالح» ، وخالف بذلك العبرانية والسامرية.

والمتكلف حاول التخلص من هذه الورطة فارتبك في التخليط ، وقال «يه ٣ ج ص ٢١٢» ، ذهب البعض الى ان موسى لم يذكره «أي قينان» لكي تكون الأجيال من آدم الى نوح عشرة ، ومن نوح الى ابراهيم عشرة لتكون أعلق بالأذهان.

قلت : ان الوحي وموسى عليه‌السلام لم يكونا ليشوّها وجه التاريخ المسلسل ويهملا حقيقة قينان وتاريخه ويجعلا ذلك عثرة في سبيل التصديق بالوحي ، كل ذلك ليصفّا الآباء صفا شطرنجيا ، إذن قل كيف أقدم سبعون من علماء اليهود المنتخبين من الملة فزادوا قينان وخالفوا إرادة الوحي وموسى وكيف احتفل بترجمتهم عامة اليهود والمسيح والتلاميذ والأجيال القديمة من النصارى ، ولما ذا اقدم هؤلاء على تغيير وضع التوراة ونقض غرض الوحي وموسى ، ولما ذا رضي لهم قومهم واحتفلوا بترجمتهم ، أفلا تفهم من هذا ان اليهود لا يتوقفون عن العبث بكتب الوحي إذا حسن في أهوائهم بل يكون هذا العبث رائجا مقبولا في الملة.

ثم قال المتكلف : وذهب البعض إلى ان ارفكشاد كان أبا لشالح طبيعيا ، ولقينان شرعيا.

قلت : أظن هذا التوجيه ممن تقدمت الدنيا بكشفه عن هذا الغيب ، وليت شعري إذا كان قينان ابنا شرعيا ، فلما ذا أقحمته الترجمة السبعينية في سلسلة النسب والمواليد وجعلته مولودا من ارفكشاد ووالدا لشالح فتلاعبت بالتوراة وشوّهت التاريخ وشوشت التقويم بذكرها مقدار عمر قينان عند ما ولد شالح ، وكيف رضيت لهم الملة ذلك وقبلت منهم ذلك ، مع انه تلاعب بكتاب

١٠٢

الوحي بأمر غلطي.

دع عنك الملة اليهودية ، ولكن لما ذا أقحمه إلهام لوقا في سلسلة الآباء عبثا محضا ومعثرة في التاريخ ، والتصديق بصحة التوراة العبرانية ، وتثبيتا لغلط السبعينية وتحريفها.

ثم قال المتكلف : وذهب البعض الى ان قينان وشالح اسمان يدلان على شخص واحد.

قلت : إذا فلما ذا قبلت الملة اليهودية من السبعينية جعلهما والدا حتى انها ذكرت عمر قينان عند ما ولد شالح.

ولما ذا لم يشر إلهام لوقا الى هذا الغلط ، ولا أقل من أن يجري مجرى التوراة العبرانية ، بل جرى على غلط السبعينية ، وترك متّبعيه يخبطون في عشواء ، إذ قال في طرد النسب وابن شالح ابن قينان ابن ارفكشاد.

ثم قال المتكلف : وذهب كثيرون الى ان قينان لم يكن مذكورا في انجيل لوقا ، غير ان النسّاخ أخذوه من الترجمة السبعينية محاكاة لها.

قلت : عجبا كيف سمح المتكلف أن ينطق بشهادة الكثيرين على ان كتب وحيهم كانت ملعبة للنساخ وأوهام الآراء ، فلما ذا اتفقت النسخ والنساخ على هذه في الإنجيل المتواتر بزعم المتكلف.

ثم مع نقل هؤلاء الكثيرين كيف يتجه للمتكلف أن يقول «يه ٢ ج ص ٢٥٤» ، قال المفسرون : ان قينان هو لقب لأرفكشاد ..

أفلست ترى ان هذا الاضطراب في الشطط إنما هو من الأوهام التي منّاها الغرور بأن تصلح الفاسد بالأفسد ...

وبعد هذا كله فما معنى قول المتكلف «يه ٢ ج ص ٢٥٤» على انه قرئ في بعض النسخ من التوراة قينان قبل ارفكشاد ، أتراه يعني بذلك قينان ابن انوش وهو الثالث من ولد آدم في السلسلة ، كيف وهو مذكور في جميع نسخ التوراة في الأجيال التي قبل الطوفان.

١٠٣

أم انه يعني بذلك أمرا لم يفهمه هو ولا غيره ، أم يريد بذلك ان الغلط في العهدين غير عزيز ، فلا عيب إذا وقع فيه انجيل لوقا ، ولعله لذلك عقّبه بقوله «وعلى كل حال فالأمر سهل».

أفلا تقول له : انا يكفينا مثل هذا الاستسهال في عدم الاعتناء بالعهدين بل لا عذر لنا عند الله في الاعتماد على كتب يستسهل فيها مثل ذلك.

المقام الثاني : من اختلاف العهدين في التاريخ : فقد عرفت من تقويم التوراة العبرانية ان المدة من دخول ابراهيم الى ارض كنعان الى حين دخول بني اسرائيل الى مصر تكون مائتين وخمس عشرة سنة ، وقد عرفت نصها على أن إقامة بني إسرائيل في مصر كانت أربعمائة وثلاثين سنة.

وتدل أيضا على ان نزول الشريعة والناموس كان ابتداؤه في مصر في سنة الخروج منها «خر ١٢».

ثم جاء جميع ما في سفر الخروج في السنة الاولى لخروجهم من مصر قبل أن يشتغلوا بعمل المسكن الذي تم ، واقيم في اوّل السنة الثانية «خر ٤٠ ، ١٧».

ثم جاءت الشريعة المذكورة في سفر اللاويين ، وعشر أبواب من سفر العدد في السنة الثانية قبل أن يمضي منها شهر وعشرون يوما «انظر لا ٢٧ ، ٣٤ ، وعد ١٠ ، ١١».

وقد انتظم في هذا أكثر شريعة التوراة ونواميسها حسبما هو موجود في التوراة الرائجة ، فيكون من دخول ابراهيم أرض كنعان الى هذه الغاية ستمائة وسبع وأربعين سنة.

ثم جاء باقي الشريعة متدرجا الى السنة الأربعين لخروجهم من مصر فكلم بها موسى بني اسرائيل في سفر التثنية «تث ١ ، ٣» ، وكان غالب سفر التثنية تكرارا لبيان الشريعة المتقدمة ، ولذا سمّته الترجمة السبعينية بذلك ، وان أحكام الكهنوت وشرائعه وتأبيده كلها قد جاءت في سفر الخروج وسفر اللاويين قبل أن تمضي لخروجهم من مصر سنة ونصف ، وهاك جداول الحساب بمقتضى

١٠٤

تقويم التوراة :

سنة ٢٥ من دخول ابراهيم كنعان الى ولادة اسحاق «تك ١٢ ، ٤ و ٢١ ، ٥».

٦٠ ومن ولادة اسحاق الى ولادة يعقوب «تك ٢٥ ، ٢٦».

١٣٠ ومن ولادة يعقوب الى دخوله مع بنيه الى مصر «تك ٤٧ ، ٩».

٤٣٠ وإقامة بني اسرائيل في ارض مصر «خر ١٢ ، ٤٠».

١ شريعة سفر الخروج ونواميسه.

١ / ٦٤٧ شريعة سفر اللاويين ، وعشر أبواب من سفر العدد ونواميسها.

٣٨ / ٦٨٥ باقي الناموس الى ختامه عند تثنية بيانه.

وبمقتضى التوراة ان ابراهيم توفاه الله بعد ما خرج من حاران بمائة سنة «انظر تك ١٢ ، ٤ ، و ٢٥ ، ٧».

وعلى هذا فالزمان الفاصل بين مواعيد الله لإبراهيم حينما تجلى له وبين ابتداء الناموس الذي نزل على موسى لا يمكن ان يكون أقل من خمسمائة وخمس وأربعين سنة ..

إذا عرفت هذا فقد جاء عن بولس في ثالث غلاطية ١٦ ، وأما المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله ، لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد ، وفي نسلك الذي هو المسيح ١٧ ، وإنما أقول هذا : ان الناموس الذي صار بعد أربعمائة وثلاثين سنة لا ينسخ عهدا قد سبق فتمكن من الله ، وأقل اختلاف يفرض بين هذا الكلام وبين التقويم المتقدم عن التوراة العبرانية هو مائة وخمس عشرة سنة.

قال المتكلف «يه ٤ ج ص ٧ و ٨» ما ملخصه ان الموعد المشار إليه في كلام بولس هو الوعد الذي وعد الله به ابراهيم «تك ١٢ ، ٣» عند ما أمره بالتغرب عن وطنه وعشيرته ، ومن هذا الموعد الى نزول الشريعة ٤٣٠ سنة لأن

١٠٥

عمر ابراهيم حينئذ كان ٧٥ سنة ، ومنه الى دخول بني اسرائيل مصر ٢١٥ وأقاموا في مصر ٢١٥ يكون المجموع الى نزول الشريعة ٤٣٠ سنة ، انتهى ملخصا.

قلت : قد أوضحنا لك قريبا في القسم الأول من أقسام الاختلاف الثلاثة كيف قد تقلب المتكلف في التناقض في هذا المقام وقلق في أغلاطه ، فراجعها الى الغلط الرابع عشر واكفنا مئونة التكرار ، ولكنا نوضح لك هاهنا انه لو فرضنا ان إقامة بني اسرائيل في مصر كانت ٢١٥ سنة أو ٢١٠ سنين كما تقلب به المتكلف لما أمكن أيضا انطباق الكلام الذي ذكرناه عن غلاطية على موعد من مواعيد الله لابراهيم المذكورة في التوراة لا من حيث المعنى ولا من حيث التقويم أصلا ورأسا.

فلنذكر لك ما جاء في التوراة من مواعيد الله وعهوده لابراهيم.

فالموعد الأول : وهو الذي عناه المتكلف وعيّنه في كلامه جاء في «تك ١٢ ، ٢ و ٣» وليس فيه ذكر للنسل الذي ذكر في كلام غلاطية أصلا ، وتاريخ هذا الموعد اما عند خروج ابراهيم من حاران حينما كان عمر ابراهيم ٧٥ سنة كما زعم المتكلف هاهنا.

وإما عند خروجه مما بين النهرين أي «أور الكلدانيين» على قول استفانوس «ا ع ٧ ، ٣ ـ ٤» ، وعلى زعم المتكلف أيضا في أول جدوله كما تقدم ، وبمقتضى تقويم المتكلف في جدوليه يوافق السبعين من عمر ابراهيم.

الموعد الثاني : بعد اعتزال لوط عن ابراهيم وبعد رجوعهم من مصر وعند ما أقام ابراهيم في حبرون وهو «تك ١٣ ، ١٥ و ١٦» ، وذلك بعد دخول ابراهيم الى أرض كنعان بسنين ، والنصارى يقولون في تواريخهم : انها كانت خمس سنين أو أربع.

وصريح هذا الوعد ان المراد من النسل هم الكثيرون الذين يعسر عدهم كتراب الأرض.

الموعد الثالث : بعد ذلك وبعد حرب ابراهيم مع الملوك «تك ١٥ ، ٥ ـ

١٠٦

١٩» ، وصريحه أيضا ان المراد من النسل الكثيرون الذين يعسر عدهم والذين يستعبدون ويذلون في مصر.

العهد الرابع : لما كان ابراهيم ابن تسع وتسعين سنة «تك ١٧ ، ٧ و ٨» وهو صريح أيضا في ان المراد من النسل هم الكثيرون في أجيالهم.

العهد الخامس : فإنه بهذا التاريخ وهذا المعنى «تك ١٧ ، ٩ ـ ١٣».

العهد السادس : حينما عزم ابراهيم على ذبح اسحاق قربانا «تك ٢٢ ، ١٦ ـ ١٩» وهو أيضا صريح في ان المراد من النسل هم الكثيرون ، الذين هم كنجوم السماء وكالرّمل.

وليس في هذه المواعيد لفظ «في نسلك» الذي يتشبث به كلام غلاطية إلا في الموعد الأخير ، ولكن ما شئت فابذل جهدك وسعيك في تطبيق كلام غلاطية المنسوب إلى بولس على أحد المواعيد التي ذكرناها من حيث اللفظ أو المعنى أو التاريخ.

أما الوعد الأول فليس فيه ذكر للنسل أصلا ، وأما المواعيد الأربعة التي بعده فليس فيها لفظ «في نسلك» ، بل ذكر النسل بعبارة اخرى صريحة في ان المراد من النسل هم الكثيرون في أجيالهم.

وأما الوعد السادس فانه وإن كان فيه لفظ «في نسلك» لكنه صريح في ان المراد من النسل هم الكثيرون كنجوم السماء وكالرمل ، ولا يمكن تطبيق تقويمه على كلام غلاطية ، فاذن ليس في التوراة كلام ينطبق عليه الكلام الذي سمعته عن غلاطية لا من حيث المعنى ولا من حيث التقويم حتى بالتقويم الذي اضطرب في دعاويه المتكلف ، مضافا الى انه جاء أيضا في الرسائل المنسوبة إلى بولس ما هو صريح في ان المراد من النسل في مواعيد ابراهيم هم الكثيرون ، وان زعم ان المراد منهم أولاد الموعد لا أولاد الجسد ، «فانظر رو ٩ ، ٧ و ٨» ، وأظن ان كاتب رسالة رومية لم يطلع على رسالة غلاطية أو بالعكس.

والحاصل ان كلام غلاطية زيادة على غلطه في المعنى فهو مناقض لتقويم التوراة كما ذكرناه أولا.

١٠٧

المقام الثالث : من اختلاف العهدين جاء في انجيل متى قوله : «٢٧ ، ٩ و ١٠» حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل : وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني اسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب.

هذا مع ان هذا المنقول لا يوجد في كتاب ارميا ، نعم يوجد له مشابه في بعض المفردات في كتاب زكريا وهو قوله «١١ ، ١٢ و ١٣» فوزنوا اجرتي ثلاثين من فضة فقال لي الرب : ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنت عليهم فأخذت الثلاثين الفضة وأرسلتها الى الفخاري في بيت الرب ، وأنت ترى انه لا مماثلة من حيث المعنى ولا التركيب بين ما ذكرنا عن متى وما ذكرناه عن زكريا ، وإنما توجد المماثلة بين بعض المفردات مثل : ثلاثين ، وفضة وثمن ، والذي ، والرب.

فان أغمضنا عن مسخ التركيب والمعنى فقد غلط كاتب الإنجيل في نسبته الى ارميا وهو في كتاب زكريا ، أو غلط كتاب العهد القديم إذ جعلوه في كتاب زكريا وهو من كتاب ارميا ، وإن أغمضنا عن الغلط في النسبة ، فقد غلط كاتب الإنجيل في مسخ التركيب ، وتبديل الاسم ، أو غلط العهد القديم في نقل الكلام على وجهه.

نقل إظهار الحق في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني عن كتاب «وارد كاتلك» عن كتاب «مستر جويل» ان متى غلط فكتب «ارميا» موضع زكريا.

وعن «هورن» في تفسيره اعترافه بأن في هذا النقل اشكالا جدا من اجل عدم وجوده في ارميا وعدم مطابقته لما في زكريا. ونقل عن بعض المحققين بناءهم على احد امرين. اما تبديل الكتاب لزكريا بارميا غلطا. واما ان لفظ ارميا ألحقه الكتاب غلطا ، ثم قوى هورن هذا الأخير ونقل إظهار الحق عن بعض مفسريهم انه وجهه بالوجه الأول.

وعن ابن ساباط ان بعض قسيسيهم اعترف بأن متى كتب هذا اعتمادا

١٠٨

على حفظه بدون مراجعة للكتب فوقع في الغلط ، وقال بعضهم ، لعل زكريا يكون مسمى بأرميا أيضا.

والمتكلف «يه ٣ ج ص ٢٧١» من شدة عناده للحق ، أو من كثرة علمه نسب إظهار الحق الى الهذيان حيث نقل الحيص والبيص من علماء النصارى في هذا المقام.

وليت شعري لما ذا حمل على إظهار الحق قصاص علماء النصارى ومفسريهم إذا انطقوا في اضطرابهم ببعض الصواب الباهظ لضلال الأهواء ، فهل يقول المتكلف ان عدل الله وقداسته ومقته للخطيئة والخطأ والخبط والغلط اقتضى ان يكون إظهار الحق فاديا لمتى والمفسرين.

دع هذا فإن المتكلف «يه ٣ ج ص ٢٧٢» زاد في الخبط والاضطراب في هذا المقام ، فزعم «أولا» ان من اصطلاحات علماء اليهود القديمة انهم كانوا يقسمون الكتب المقدسة إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : شريعة موسى ، وكانوا يسمونها الشريعة.

القسم الثاني : المزامير.

القسم الثالث : قسم الأنبياء ويسمى ارميا ، من اطلاق الجزء على الكل ، وسبب تسمية قسم الأنبياء بأرميا هو انهم ذكروا نبواته أول الأنبياء على هذا الترتيب وهو ارميا وحزقيال وأشعيا ، ثم نبوات الاثني عشر نبيا صغيرا.

قلت : يحكى ان بعض الكذّابين أوصى ولده وقال له : إذا كذبت فاستشهد بالأموات ، كيف وان الموجود من العهد القديم العبراني هو انهم ذكروا بعد أسفار التوراة حصتين سموا الاولى «نبيايم ـ اشونيم» ـ أي الأنبياء الأولين ـ وهي ستة كتب أولها كتاب يوشع وآخرها الملوك الثاني ، وسموا الحصة الثانية «نبيايم احرونيم» ـ أي الأنبياء الآخرين ـ وهي خمسة عشر كتابا أولها كتاب اشعيا وآخرها كتاب ملاخي.

ثم ذكروا بعد ذلك حصة سموها «كتوبيم» وهي ثلاثة عشر كتابا أولها المزامير «تهليم» وآخرها أخبار الأيام الثاني.

١٠٩

فليس في العهد القديم العبراني حصة أولها كتاب ارميا ، ولا حصة تسمى ارميا ، واليهود لا يعرفون ذلك عن سلفهم ، وانجيل متى لم يقل بالأنبياء بل قال «بأرميا النبي القائل» وهذا كالصراحة بإرادته كتابا واحدا ولو خادعنا نفوسنا وسلمنا دعوى المتكلف في اصطلاحات اليهود القديمة ، وأعرضنا عن دلالة اللفظ لقلنا ان انجيل متى لم يجر على هذا الاصطلاح المكذوب ، بدليل انه قال «مت ٢٧ ، ٣٥» «لكي يتم ما قيل بالنبي» وهو يعني بذلك كتاب المزامير ، فإن قسم المزامير لا يسمى عند اليهود بالنبي ولا الأنبياء لا في الاصطلاح المكذوب ، ولا في الاصطلاح المعروف بل يسمى «تهليم».

فإن قلت : ان استشهاد انجيل متى بما ذكرته عن المزامير غير ثابت بل ذهب بعض المفسرين الى ان الفقرة المشار إليها يجب حذفها لأنها ليست في المتن وإنما هي مأخوذة من انجيل يوحنا «١٩ ، ٢٤» ولذا جعلوها في انجيل متى بين خطين هلاليين.

قلت ـ أولا : ان المتكلف يعترف «يه ٣ ج ص ٢٧٤» بأن هذه الفقرة في انجيل متى ثابتة في النسخ المعتبرة والقراءات الصحيحة.

وثانيا : انك لم تأت في هذا بشيء إلا انك جلبت على الإنجيل مصيبة اخرى وهي أن تكون مثل هذه الفقرة الطويلة زائدة فيه من عبث التصرف.

وزعم المتكلف ثانيا : ان كلمة «ارميا» تكتب باللغة اليونانية «ايريو» وكلمة زكريا «زيريو» بتغيير الألف إلى زاي فقط فنشأ هذا الاختلاف.

قلت : إذن فيحق أن يصنع التنوير والاحتفال لإتقان الإنجيل في لغته وكتابته ، وللمتكلف في رؤياه النبوية.

وزعم ثالثا : بأن البعض ذهب الى ان ارميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات وان زكريا نقل عنه.

قلت : دع عنك ان سوق الكلام في كتاب زكريا يأبى ذلك ويبطل هذه الدعوى ، ولكن كان على هذا البعض إذ تنبأ من هواه بهذا الغيب ان يتم

١١٠

الإصلاح لنقل انجيله فيتنبأ ويقول : ان العبارة الأصلية لأرميا موافقة لعبارة متى ، وان الخطأ وقع في نقل زكريا.

المقام الرابع : وأيضا جاء في العهد القديم ان «بلعام» هو ابن «بعور» بالعين قبل الواو «عد ٢٢ ، ٥ وتث ٢٣ ، ٤ ويش ١٣ ، ٢٢ ومي ٦ ، ٥».

وجاء في العهد الجديد «بلعام» ابن «بصور» بالصاد قبل الواو ، «٢ بط ٢ ، ١٥».

ولا تصغ الى اعتذار المتكلف في مثل هذا بتقارب الحروف فان الفرق في الخط العبراني بين العين والصاد من أوضح ما يكون في الفرق بين الحروف إلا أن يقول : ان كاتب العهد الجديد لا يحسن ان يميز ما بين الحروف ، فقل له : إذن فقد وقع كتبة العهد القديم بمثل ذلك ، حيث اعتذرت عن اشتباههم مرارا بتقارب الحروف ، فلما ذا قسم الطالع للعهدين بالكتبة الذين لا يميزون بين الحروف.

ولا تلتفت الى نبواته الأهوائية إذا ادعى باطلا ان «بعور» لما تزوج أو لما نبتت لحيته ، أو لما شاب ، أو لما ارتفع بعد الضعة ، أو لما اتضع بعد الرفعة صار اسمه «بصور» بالصاد ، كما يلتجأ الى مثل هذا الخبط عند ما يضيق به الخناق كما ادعاه «يه ٢ ج ص ١٢٨» ، لما سمى العهد القديم أمّ سليمان النبي مرة «بت شبع بنت اليعام» «٢ صم ١١ ، ٣» ، ومرة «بت شوع بنت عميئيل» «١ أي ٣ ، ٥» ، وادعاه أيضا في كتابه في كثير من اختلاف العهد القديم.

المقام الخامس : في اختلاف ذات الأناجيل فيما بينها في التاريخ ، ولنكتف من ذلك بما ذكرناه في الجزء الأول صحيفة ٢٣٧ ـ ٢٦٤ فراجعه ، فإنه يشتمل أيضا على القسم الاول وهو اختلاف ذات الكتاب الواحد في تاريخه.

المقام السادس : في اختلاف كتب العهد القديم فيما بينها في التاريخ جاء في سفر الملوك الثاني ٨ ، ٢٦ ابن اثنتين وعشرين سنة اخزيا هو عند ملكه وسنة واحدة ملك بأورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري ملك اسرائيل ، وجاء في سفر الأيام الثاني ٢٢ ، ٢ ابن اثنتين وأربعين سنة اخزيا هو عند ملكه وسنة

١١١

واحدة ملك بأورشليم واسم أمه عثليا بنت عمري.

فزاد تاريخ سفر الأيام على تاريخ سفر الملوك عشرين سنة ، مع ان ما في سفر الايام لا يكاد أن يصح لنص العهد القديم على ان أباه يهورام مات وهو ابن أربعين سنة ، وان اخزيا صار ملكا سنة موت أبيه «فانظر ٢ مل ٨ ، ١٧ و ٢٥ ، و ٢ مل ، ٢١ ، ٢٠» وعلى هذا يلزم أن يكون اخزيا أكبر من أبيه بسنتين.

قال المتكلف «يه ١ ج ص ٢٨٢» المراد بقوله «يعني الايام الثاني ٢٢ ، ٢» اثنتين وأربعين سنة ـ أي من دولته ـ وانه صار للدولة التي هو منها ٤٢ سنة وكان عمره نحو اثنتين وعشرين سنة.

قلنا : سامحنا المتكلف في دعواه التي لا يرتضيها لنفسه كل مؤرخ يعرف من لحن الكلام والتاريخ موطئ قدمه ، ودعه يرضى مثل ذلك لأنبيائه وكتب وحيه ، وإن خالفه اسلوب كل التاريخ المذكور في العهد القديم ، ولكن قبل أي وقت من الدولة يأخذه مبدأ للاثنتين وأربعين سنة ، فإن كان ابتداء دولة أبيه يهورام فإنه يكون ابن ثمان سنين ، وإن كان ابتداء دولة جده يهوشافاط فانه يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وإن كان ابتداء دولة جد أبيه آسا فإنه يكون ابن أربع وسبعين سنة ، أم يقول : ان الوحي اشتهى سنة من السنين فجعلها مبدأ للتاريخ ، وعلى كل حال فلا غلط ، ولا خبط ولا اختلاف.

ثم قال «ص ١٨٣» ثانيا قرأ عوضا عن ٤٢ سنة ٢٢ وعليه فلا لزوم إلى التأويل ، وسبب اختلاف القراءة هو ان العبرانيين كانوا يستعملون الأحرف للدلالة على الأعداد ، وبما انه يوجد تشابه بين الحرف الدال على العدد ٢ والحرف الدال على العدد ٤ نشأ هذا الاختلاف في القراءة وهو أمر نادر جدا في كتاب الله وهو يكاد أن يكون كالمعدوم.

قلت : أولا ان اليهود وإن كانوا ربما يشيرون الى العدد بالحروف ولكنه لا أثر لذلك في متن العهد القديم العبراني ، بل ان جميع أعداده مذكورة باللفظ الصريح حتى في هذا المقام ، إلا ان يقول المتكلف ان المتن العبراني كالحرباء يبرز كل زمان بلون.

١١٢

وثانيا : ان إشارتهم الى العدد إنما هي بحروف «ابجد» الكبير الذي تكون فيه مراتب العدد محفوظة في ذات الحرف لا بموقعه في الصف ، كما هو في الإشارة بالأرقام.

فالمتكلف غلط في قوله «تشابه الحرف الدال على العدد ٢ والحرف الدال على العدد ٤» بل الاشتباه في مثل المقام يكون بين الحرف الدال على عشرين وهو الكاف ، والحرف الدال على اربعين وهو الميم.

وثالثا : ان الباء والدال والكاف والميم في الخط العبراني متباعدة في الشكل كتباعدها في الخط العربي أو أكثر فلا يشتبه بها إلا من لا يميز من الخط إلا السواد على البياض ، فقرّت عين المتكلف بكتبه وكتبتها وقرّائها وحملتها.

ورابعا : ان قوله : وهذا نادر جدا في كتاب الله إنما هو قول من لا خبرة له في كتابه أو قول من لا يبالي بدعاويه الوقتية وإن قدم وأخر ما ينفضها ، كيف لا وقد تشبث باشتباه الحروف وتقاربها في الاعتذار عن كثير من أغلاط العهدين «فانظر الجزء الأول صحيفة ٢٤٢» كما اعتذر بذلك «يه ١ ج ص ١٨٠» عن اختلاف العهد القديم في نحو تاريع وتحريع ، وبنعة وينعة ، ويهوعده ويعره ، على انا قد ذكرنا لك في التمهيد ان الحواشي قد ذكرت من أغلاط الحروف في المتن العبري ما يزيد على الألف مع انها قد اهملت من ذلك الكثير ، ولكن المتكلف لا يبالي ان يقول مع ذلك ، وعلى كل حال فلا اشتباه بالحروف في كتاب الله.

«وأيضا» جاء في الملوك الثاني ٢٤ ، ٨ ابن ثماني عشرة سنة يهوياكين عند ملكه وثلاثة أشهر ملك بأورشليم.

وجاء في الأيام الثاني «٣٦ ، ٩» ابن ثماني سنين يهوياكين عند ملكه وثلاثة أشهر وعشرة أيام ملك بأورشليم ، فاختلف التاريخان في عمره عند ملكه بعشر سنين.

وقال المتكلف «يه ١ ج ص ١٨٣» لما كان عمره ثماني سنين أشركه معه والده في الحكم ليمرنه ويدربه على السياسة والإدارة ، ومع ذلك فلم يملك

١١٣

رسميا إلا لما كان عمره ثماني عشرة سنة.

قلت : دع عنك ان هذه الدعوى تقول بلا أثر يشهد لها وإنما أوردها على اللسان والقلم ذلك الروح المذكور «١ مل ٢٢ ، ٢٢ ، و ٢ أي ١٨ ، ٢١» ولكن ما يصنع المتكلف والمرسلون الامريكان بقول الأيام الثاني ٣٦ ، ٥ ابن خمس وعشرين يهوياقيم عند ملكه وإحدى عشر سنة ملك بأورشليم ، وملك يهوياكين ابنه عوضه ٩ ابن ثماني سنين يهوياكين عند ملكه وثلاثة أشهر وعشرة أيام ملك بأورشليم.

وطابق أنت هذه العبارات مع ٢ مل ٢٣ ، ٣٦ ، و ٦٢٤ و ٨ فانه لو كان المراد كما يزعمه المتكلف هاهنا لكان نبيه ووحيه قد غلطا في قولهما ان يهوياكين ملك عوض أبيه ، بل كان عليهما ان يقولا «معه» وغلطا في قولهما ان يهوياكين ملك ثلاثة أشهر وعشرة أيام ، بل كان عليهما ان يقولا عشر سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام ، فلا يصح لسفر الايام إلا أن يريد في جميع كلامه ملك يهوياكين الرسمي بعد أبيه.

المقام السابع : في اختلاف كتب العهدين فيما بينها في التاريخ ، جاء في صموئيل الثاني ٢٣ ، ٨ هذه أسماء الأبطال الذين لداود ، يوشيب بشبث التحكموني رئيس الثلاثة هو هزّ قناته على ثمان مائة قتيل دفعة واحدة ٩ وبعده العازرا ابن ددي ابن اخوخي ١١ ، وبعده شمة ابن اجي هاراري ، فاجتمع الفلسطينيون جيشا وكانت هناك قطعة مملوءة عدسا.

وجاء في الأيام الاول في هذا الموضوع ١١ ، ١١ وهذا عدد الابطال الذي لداود ياشا بعام ابن حكموني رئيس الثوالث هو هزّ رمحه على ثلاث مائة قتيل دفعة واحدة ١٢ ، وبعده العازرا ابن دودو الاخوخي ١٣ والفلسطينيون اجتمعوا هناك للحرب ، وكانت قطعة الحقل مملوءة شعيرا فاختلف الكتابان في نقل القصة الواحدة في امور.

١ ـ يوشيب بشبث ، وباشبعام.

٢ ـ التحكموني ابن حكموني.

١١٤

٣ ـ ثمان مائة قتيل دفعة واحدة ، ثلاث مائة قتيل دفعة واحدة.

٤ ـ ددي ابن اخوخي ، دودو الاخوخي.

٥ ـ مملوءة عدسا ، مملوءة شعيرا.

وحاصل ما عند المتكلف في هذه الورطة ثلاث دعاوى تزيد في الطنبور نغمة.

١ ـ ان العلم قد يكون مركبا من اسم فاعل وجار ومجرور فان بشبث الرابض في مكانه.

٢ ـ ان احد النبيين ذكر ٣٠٠ عدد المقتولين ، والثاني ذكر ٨٠٠ عدد المقتولين مع الجرحى والهاربين.

٣ ـ ان يكون العددان في حادثتين مختلفتين «انظر يه ١ ج ص ١٨٤ و ٣ ج ص ٢٢٩».

فنقول :

أولا : هب ان بشبث علم مركب ، ولكن ما وجه التوفيق بذلك بينه وبين يوشيب وبين باشبعام ، وما وجه التوفيق بين وصفه بالتحكموني وبين جعله ابن حكموني.

وثانيا : ان كلا الكتابين قالا ٣٠٠ و ٨٠٠ قتيل دفعة واحدة ولفظ ذلك في الأصل العبراني في كلا الكتابين «حالال» وهو القتيل «انظر تث ٢١ ، ١ و ٣ و ٦ ، وا صم ٣١ ، ١ و ٨ ، و ١ أي ١٠ ، ٨» فهل يقول المتكلف ان أحد النبيين جهل الحقيقة فعد الجرحى والهاربين من قسم القتلى ، ولعله يقول ذلك لكي يحامي عن كتبه المملوءة غلطا والتي لا تعرف الأنبياء ولا يعرف الأنبياء صورتها المستحدثة.

وثالثا : ان كل من يفهم ما يقول وما يسمع وما يقرأ ليعلم ان المراد من صموئيل الثاني «٢٣ ، ٨ ـ ٣٩» هو المراد من الأيام الأول «١١ ، ١٠ ـ ٤٧» كما يعلم ان العازار ابن ددي ابن اخوخى هو الذي قيل فيه العازار ابن دودو

١١٥

الاخوخي ، وان العدس هو الذي قيل فيه شعير.

وكما يعلم أيضا من صموئيل الثاني ٢٣ ، ٢٥ «بان شمة الحروري» هو المذكور في الأيام الاول ١١ ، ٢٧ «شموت الهروري» و «حالص الفلطي» ٢٦٢ هو «حالص الفلوني» ٢٧ و «خالب ابن بعنة» ٢٩ هو خالد ابن بعنة ٣٠ و «هدى من أودية جاعش» ٣٠ هو «حوري» ٣٢ و «اخيام ابن شاراد الاراري» ٣٣ هو «اخيام ابن ساكار الهرادي» ٣٥ ، ولو قابلت «٢ صم ٢٣ ، ٢٤ ـ ٣٩ مع ١ أي ١١ ، ٢٦ ـ ٤٧» لوجدت الاختلاف الفاحش في الأسماء ، مع ان المقامين متصديان لذكر أمر واحد ، ولا يخفى عليك ان هذا كله من الغلط الذي أشرنا إليه آنفا.

المقام الثامن : في اختلاف الكتاب الواحد من العهد القديم ، جاء في الملوك الثاني «١ ، ١٧» ان اخزيا ابن اخاب ملك اسرائيل مات وملك عوضه أخوه يهورام ابن اخاب في السنة الثانية ليهورام ابن يهوشافاط ملك يهودا ، وجاء فيه أيضا «٨ ، ١٦» وفي السنة الخامسة ليهورام ابن اخاب ملك اسرائيل ويهوشافاط ملك يهوذا ملك يهورام ابن يهوشافاط ملك يهودا وإذا كان يهورام ابن يهوشافاط قد ملك في السنة الخامسة لملك يهورام ابن اخاب فكيف يكون يهورام ابن اخاب ملك في السنة الثانية لملك يهورام ابن يهوشافاط ، ودع باقي المناقضات في الملوك الثاني ، وبينه وبين الأيام الثاني في تاريخ هذين الملكين ويهوشافاط ، ودع المترجمين يسقطون ويحرفون ما شاءوا حيث لا يقبل منهم ولا يجديهم.

وقد أدى بنا التطويل في هذا المقام إلى السأم ، وفي هذا الأنموذج كفاية ، وليس الغرض من هذا المقام هو الاستقصاء فإنه يحتاج الى كتاب برأسه ، بل وليس الغرض بيان أغلاط المتكلف في كل ما أجاب به إظهار الحق ، ولعلما نستطرد في المباحث الآتية كثيرا من ذلك إن شاء الله.

* * *

فلنشرع بعون الله فيما هو المقصود في الفصل الرابع الذي قدمنا لأجله

١١٦

هذا التمهيد ، قال الله جل اسمه في سورة حم فصلت ٨ (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ ٩ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ١٠ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ١١ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

واعترض المتعرب «ذ» ٤٤ على هذه الآيات باعتراضين «الأول» زعمه انه يتحصّل من الآيات الكريمة المذكورة ان خلق الأرض والسموات كان في ثمانية أيام «وذلك لمكان يومين وأربعة أيام ويومين ثم زعم انه منقوض في سبعة مواضع من القرآن بما معناه انه «جل شأنه» خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام لا ثمانية.

قلت : لا يخفى ان الجبال جزء من الارض التي خلقت في يومين وهي مخلوقة بخلق الارض ولكن جرى التنصيص على ذكرها للامتنان بجعلها على الارض لما فيها من الفوائد ودفع المضار ، كما أشرنا إليه في هذا الجزء صحيفة ٣٩ ـ ٤١ ، ولم يقل جل اسمه : «وخلق فيها رواسي» بل قال : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) وذلك لئلا يتوهم ان خلق الجبال كان منفصلا عن خلق الارض في اليومين ، بل لينبه على ان الجبال من المخلوق في اليومين ، وجرى التنصيص عليها للامتنان بحكمتها الظاهرة فيكون ذكر جعل الجبال بمنزلة الإعادة لذكر الخلق المتقدم في الآية الاولى ، لأن جعل الجبال كان من جملتها ، وهذا مما لا ينبغي أن يخفى ، فيكون قوله تعالى في الآية الثانية : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) بمنزلة قوله تعالى خلقها مع جبالها الرّاسية النافعة ، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، فيكون اليومان داخلين في الأربعة فتتم فائدة التفصيل والبيان والتمجّد بالقدرة والامتنان بقوله تعالى: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وبيانه جل شأنه بقوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ).

الاعتراض الثاني : هو ان الآيات المذكورة تدل على ان خلق السموات

١١٧

كان بعد خلق الارض ، فزعم انه منقوض بقوله تعالى في سورة النازعات ٢٧ (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ٢٨ رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ٢٩ وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ٣٠ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ٣١ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ٣٢ وَالْجِبالَ أَرْساها ٣٣ مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).

قلت : منشأ توهّم المتعرب في زعمه هذا أمران «أحدهما» توهمه ان قول الله جل شأنه : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) معطوف ومرتب على قوله تبارك اسمه : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) وليس كما توهم ، بل انه معطوف على قوله تعالى : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ).

«وثانيهما : توهمه ان قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ، بمعنى أنشأ خلقها ، وليس كما توهم ، بل ان معنى قوله تعالى : (دَحاها) مهّدها وأعدّها للسكنى وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها وأخرج منها مائها ومرعاها متاعا للناس ولأنعامهم.

ولو اعتمدنا على الهيئة الجديدة لفهمنا من قوله تعالى : (دَحاها) انه سخرها للحركة الاينية في الدوران على الشمس بعد أن خلق الشمس في جملة السموات وأودع فيها القوة الجاذبة فيكون قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) حالا من الضمير البارز في (دَحاها) ، كما انه يكون على المعنى الأول بدلا من قوله تعالى : (دَحاها).

فيكون حاصل الآيات السابقة هو ان الله جلت قدرته خلق الأرض وأنشأها في يومين ثم استوى الى السماء فسواهنّ سبع سماوات في يومين ، وخلق الأرض وجعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة تامة في العدد وإن كانت مفصولة بوقوع خلق السموات بين خلق الأرض وبين البركة فيها وتقدير أقواتها.

ومما يرشد من نفس الآيات الى أن يومي خلق الارض مفصولان عن يومي البركة فيها وتقدير أقواتها هو قوله تعالى : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي أربعة تامة العدد فيما يتعلق بالأرض وإن كانت مفصولة بخلق السموات كقوله تعالى في

١١٨

سورة البقرة ١٩٢ : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) أي كاملة في العدد وإن كانت مفصولة بمدة الرجوع الى الوطن.

«فإن قلت» : فلما ذا لم يجر البيان على نسق التكوين والتقدير ، «قلت» ليجري البيان والامتنان في النظام الأرضي في تكوينها وتقدير أقواتها مطّردا في نسق واحد ، وينتظم فيه التقدير بأربعة أيام ، فإنه لا يخفى ان اذهان عامة البشر أقرب الى الالتفات الى تأثير النعم الأرضية في قوام حياتهم وقرار تعيشهم ، وأما النعم السماوية فلا يلتفت الى حقيقة مداخلتها في ذلك بما لها من التسبيب إلا الخواص.

«فإن قلت» : قد قدمت ان خلق الجبال كان في جملة خلق الأرض في اليومين قبل خلق السموات.

إذن فما ذا تقول في قوله تعالى في السادسة من الآيات الأخيرة «والجبال أرساها» ، أفليس ذلك يدل على ان خلق الجبال كان بعد خلق السماء ، «قلت» ان إرساء الجبال ليس بمعنى خلقها بل بمعنى تثبيتها وإعطائها قوة الثبات في محالها حينما تحتاج الى ذلك بواسطة الصوادم أو حركة الارض عند دحو الأرض وتقدير اقواتها إذ كان من ذلك ان اودع بقدرته في جوفها المواد البخارية والنارية السيّارة لتوليد معادنها ونباتها وتصعيد مياهها ، فمنح الله الجبال قوة إرسائها فلا يزعزعها ويلاشيها ما قدّر الله خروجه منها من المواد البخارية والنارية السيارة في جوف الأرض لكي تدوم بذلك حكمة خلقها كما أشرنا إليه في هذا الجزء. صحيفة ٤٠ ـ ٤١ وجعلها راسية عند ما دحا الأرض بالحركة الوضعية أو الاينية فدبّت فيها الحرارة السيارة وتوجهت الى الخروج من الجبال ، أو لهذا ولانها لا تنهال بواسطة الحركة وتتزعزع من مكانها وذلك اما بقوة كافية في ذلك كله ، أو بأن جعل في طبيعتها الميل الى مركز الارض كما تقوله الفلسفة القديمة أو بحبسها بإحاطة الهواء الثقيل المطلق كما يقال في الفلسفة الجديدة «إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا» ، ولعل ما الى نحو هذه الحركة يشير قوله تعالى في سورة النمل ٩٠ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ).

١١٩

واعترض المتكلف على الآيات السابقة من سورة فصلت أيضا فقال «يه ٢ ج ص ١٠٨» ومن طالع الاصحاح الاول من سفر التكوين وجد أغلاطا جمّة في عبارة القرآن.

ففي اليوم الأول خلق الله النور وفي اليوم الثاني خلق الله الجلد وفي اليوم الثالث خلق الله الأرض وجعلها تنبت العشب وفي اليوم الرابع خلق الشمس وفي اليوم الخامس خلق الله الطيور والزحافات وفي اليوم السادس خلق الله البهائم والوحوش وغيرها وفي اليوم السابع خلق الله الإنسان ، كما هو مذكور بالتفصيل في الاصحاح الاول من سفر التكوين.

قلت : «أولا» ان أردت أن تعرف حال التورية التي يعترض بها فانظر الى ما ذكرنا في الصدر والتمهيد مع ما أشرنا إليه في الجزء الأول لكي تعرف ما هي عليه من تعدد مواليدها ومسمّياتها ، ونشوءها ، وأحوالها ، واسقامها وإنكار المفسرين المدققين لمضامينها وصراحتها ، وشهادة جملة من المفسرين بزيادتها ونقصانها ، واعراض قارئيها ومترجميها عن صورتها المشوهة بالغلط والنقصان. ودع عنك ما ذكرنا في متفرقات الكتاب مما تتيقن منه بأن هذه الصورة الموجودة لا تعرف كليم الله موسى عليه‌السلام ولا يعرفها.

«وثانيا» ان أردت ان تعرف مقدار معرفة المعترض فانظر الى جهله بتوراته فانها تقول : ان اليوم الثالث قال الله فيه : لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة ، وكان كذلك ودعى الله اليابسة أرضا ، ومجتمع المياه بحارا «تك ١ ، ٩ و ١٠» ، وهذا لا يدل إلا على ان الارض كانت مخلوقة موجودة ولكنها مغمورة بالمياه ، فأمر الله المياه ان تنحسر عنها لكي تظهر بعد الانغمار.

وزيادة على ذلك ان توراته قد ذكرت قبل ذلك ان الارض كانت خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرفرف على وجه المياه ، وقال الله ليكن نور ، ودعا الله النور نهارا والظلمة ليلا ، وهو اليوم الأول «انظر تك ١ ، ٢ ـ ٦» ، وهذا يدل على ان الأرض مخلوقة قبل خلق النور في اليوم الأول.

وان قوله وفي اليوم السابع خلق الله الإنسان إنما هو أيضا جهل بصراحة

١٢٠