الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال ومثله في سادس عشر لوقا (١٣). وعلى هذا كيف إذا يقدر على خدمة الله ومعاناة المشاق في إرشاد خلقه وإصلاحهم من لا رادع له عن خدمة الهوى والشهوات التي هي في الحقيقة خدمة الشيطان. وفي سادس عشر لوقا (١٠) الأمين في القليل أمين أيضا في الكثير ، والظالم في القليل ظالم أيضا في الكثير.

وقد تكرر نقل هذا المضمون عن المسيح بلطيف البيان والتقريب في الخامس والعشرين من متى «١٤ ـ ٣٠». وتاسع عشر لوقا «١٢ ـ ٢٧» وفي ثامن يوحنا في شأن ابليس (٤٤) لأنه كذاب وأبو الكذاب. وفي ثامن عشر متى «١ ـ ٥» وثاني مرقس «٢٣ ـ ٢٦» وسادس لوقا «١ ـ ٤» ان المسيح لما اعترض عليه اليهود بأكل تلاميذه في يوم السبت من الزرع وأنه لا يجوز فعل مثله في السبت ، احتج عليهم بأكل داود من خبز التقدمة الذي لا يحل إلا للكهنة فلو لم يكن النبي معصوما ، وان داود بريء مما رمى به في شأن امرأة اوريا لما صح من المسيح الاحتجاج بفعله ولكان يحاذر أن يجيبه اليهود بأن داود أذنب وفعل الخطيئة في أكله من خبز التقدمة كما اخطأ في شأن امرأة اوريا وفعل ذلك القبيح الشنيع.

٨١

الفصل الرابع

في ذكر الاعتراضات على هذا المقام وأجوبتها في

تحقيق الحق وكشف الالتباس

فان قيل : ان كتب المليين المنسوبة إلى الوحي والالهام لصريحة في صدور المعصية والذنوب والقبائح من الأنبياء المرسلين.

قلنا : وهل بعد دلالة العقل وما ذكرناه عن الكتب المنسوبة إلى الالهام والوحي تجد مجالا للريب ، فانا إن لم نتمسك بهدى العقل فبما ذا نعرف ان الكتاب كتاب وحي جاء به النبي المرسل من عند الله ، ولما ذا نتغافل عما ذكرنا عن الكتب من وضوح الدلالة على عصمة النبي مما يؤكد ببيانه الجلي حكم العقل البديهي.

فإن قيل : فما ذا نصنع بما أشرنا إليه مما يدل صريحا على صدور المعصية والذنب من الأنبياء المرسلين.

«قلنا» : أما ما أمكن حمله على المعصية المجازية التي هي عبارة عن ارتكاب خلاف الاولى ومخالفة الأمر الاستحبابي والارشادي ، أو النهي التنزيهي أو الارشادي فيجب حمله على ذلك لأجل قرينة العقل والنقل وحكمهما بالعصمة كما يحمل ما جاء في الكتب المذكورة من نسبة الوجه والعين والاذن والانف واليد والرجل والقدم وباطن القدمين والضحك والركوب والطيران لله جل شأنه على معان مجازية مناسبة لأجل حكم العقل بتنزهه تعالى شأنه عن الجسم ، وأما ما لا يمكن حمله على ما ذكرنا فإن العقل الذي هو دليلنا على معرفة الله والنبي والوحي

٨٢

يدلنا على أن ذلك أجنبي عن الوحي والالهام وإنما هو من فلتات الأقلام.

فإن قيل : ان أهل الكتاب يدعون أنه لا ريب في إلهامية كتبهم المصرحة بصدور الذنوب والمعاصي. العظيمة من الأنبياء فهم لأجل ذلك يتأولون ما دل على لزوم عصمة النبي من كتب الالهام ويمنعون ما اعتمدتم عليه في العصمة من دلالة العقل.

قلنا : أولا قد طرق سمعك وسيتواتر عليك إن شاء الله من بيان هذا المختصر ما يمنحك اليقين بأن الكثير من كتبهم أجنبي عن الوحي والالهام فلا يوثق بشيء منها في كونه إلهاميا ، فضلا عن مصادمته للعقل والنقل في هذا المقام.

«وثانيا» ان ما اعتمدنا عليه من دلالة العقل قد بلغ من البداهة إلى حد تلجئهم فيه الفطرة إلى الاعتماد عليه فينطلق به لسانهم أحيانا من قيود العصبية ، فان المتكلف وهو أقل من عرفناه انصافا وأشد عصبية قد قال : (يه ٣ ج ص ٧٢) ان الأنبياء هم اناس أرسلهم المولى سبحانه وتعالى إلى شعبه لارشادهم إلى الحق اليقين وهدايتهم إلى الصراط المستقيم فكانوا حصنا منيعا من الحاد الملوك والامراء وواقيا لشر الفجار ، وكانوا قدوة حسنة للصغير والكبير والخطير والحقير.

وهذا اعتراف منه بمقتضى الجاء الفطرة بالغاية المطلوبة من إرسال الأنبياء.

وقال أيضا ص ٧٣ : ويلزم أن يكون النبي تقيا خائفا لله سليم الفطرة والفكرة ليستأمنه المولى على أقواله وليوحي إليه إرادته ومشيئته ويأمره بأن يبلغها للورى فيسمع طائعا.

وهذا اعتراف منه بلزوم عصمة الأنبياء خصوصا عن مثل ما نسبته إليهم كتب العهدين من فواضح القبائح كما سيمجه سمعك إن شاء الله في الفصول الآتية في الباب الثاني من هذه المقدمة.

وأيضا قد تكرر من المتكلف في أجزاء كتابه تبعا لأمثاله سيئ الطعن

٨٣

بقدس رسول الله خاتم المرسلين صلوات الله عليه بنسبة المعصية والذنب له لأجل أن يتشبثوا بوهم ذلك لنفي رسالته صلوات الله عليه ، وعدم صلاحيته لها ، مع أن ما نسبوه له لو تساهل معهم الامتناع في فرضه لم يبلغ مبلغ ما نسبته كتبهم لموسى وهارون وداود وسليمان وارميا والمسيح قدست أسرارهم.

دع اعتراف المتكلف وأمثاله فإني قد أوضحت الحجة على العصمة بفضل الله لأهل هذه الأدوار السعيدة الذين حرروا أذهانهم من عبودية العصبية والتقليد ، وجعلوا قول الحق ضالتهم التي يطلبونها هداهم الله إلى الحق وأخذ بأيديهم في مزال الأقدام.

وقد قال الله تعالى شأنه في سورة العنكبوت ٦٩ (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

وثالثا : ان أهل الكتاب قد اتفقوا على الاعتراف والتسليم بلزوم عصمة الأنبياء في التبليغ ، وحجتهم في ذلك ليست إلا نحو ما ذكرنا من دليل العقل في رعاية الغاية المطلوبة من الرسالة وما ذا تراهم يصنعون في ما ورد في كتبهم التي ينسبونها إلى الوحي والالهام من نسبة بعض الأنبياء إلى الكذب في تبليغ الوحي على وجه الصراحة التي لا يحوم حولها مقبول التأويل ، أتراهم يعدلون عن دليل العقل ويقولون بكذب النبي في التبليغ تعبدا بما في كتبهم أم يعترفون بأن ما ينادى بصراحته بكذب الأنبياء في التبليغ ليس من الوحي والالهام بل هو مدسوس فيه ، ولئن غفلوا عن ذلك أو تغافلوا أو حاولوا الاغفال فان رقيب الحق لا بد أن يحصيه عليهم.

فقد ذكر في الثالث عشر من الملوك الاول «١١ ـ ٣٠» ان الشيخ النبي الساكن في بيت ايل الموصوف «٢٠ ـ ٢٢» بأنه كان إليه كلام الرب للتبليغ قد كذب على شمعيا رجل الله بدعوى الوحي وتكليم ملاك الرب له حتى حمله بكذبه على الله وعليه ، وخداعه بدعوى الوحي على مخالفة أمر الله وأوقعه في هلكة النكال.

ومن الظرائف ان مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ م حاول أن

٨٤

يجعل هذا النبي الساكن في بيت ايل من الكاذبين في أصل دعوى النبوة وانه لا حظ له في الوحي والنبوة الحقيقية لأجل أن يتخلص من الاعتراض عليهم بكذب النبي الحقيقي في التبليغ فحرف الفقرة العشرين من ثالث عشر الملوك الاول المذكورة وترجمها هكذا.

وبينما هما جالسان على المائدة يأكلان حتى وردت نبوة من عند الله إلى نبي الله الذي رده النبي الكاذب.

مع ان مقتضى الأصل العبراني والكثير من التراجم العربية وغيرها هو أن كلام الله الوارد في توبيخ رجل الله الذي جاء من يهوذا قد صار الى الشيخ النبي الساكن في بيت ايل الذي كذب على رجل الله. ونص الأصل العبراني هكذا :

ويهيهم. يشبيم. ال هشلحن. ويهيي. دبر. يهوه. ال. هنبئ.

وكانا جالسين إلى المائدة وكان كلام الله الى النبي اشير. اشيبو ويقرأ. ال ايش. هألوهيم. اشير باء ميهوده. لامر الذي رده ودعا رجل إلا هنا الذي جاء من يهوذا قائلا كه. امر. يهوه يعن كي مريت في يهوه.

هكذا قال الله أداة تعليل أداة تعليل أيضا عصيت فم أي قول وما في معناه الله.

إلى آخر التوبيخ لرجل الله وهو ينادي بأن هذا الوحي والنبوة قد كان الى النبي الساكن في بيت ايل فزاد هذا المترجم على الأصل العبراني لفظ يأكلان ، ولفظ النبي الكاذب وبدل المعنى إلى ما شاء.

هذا وان اليشع الرسول الذي ذكرت له المعجزات الباهرات في ثاني الملوك الثاني وما بعده إلى التاسع والثالث عشر قد ذكر عنه في الثامن من الملوك الثاني «٧ ـ ١١» ان بنهدد ملك آرام إذ كان مريضا أرسل حزائيل ومعه حمل أربعين جملا من كل خيرات دمشق هدية إلى اليشع النبي ليسأله حزائيل عن لسان بنهدد فيخبره اليشع بواسطة الوحي هل يشفى من مرضه (١٠) فقال له اليشع : وقل له شفاء تشفى وقد أراني الرب انه موتا يموت.

وقال اشعيا في شأن بعض الأنبياء : انهم ضلوا بالخمر وابتلعتهم وتاهوا

٨٥

من المسكر حتى ضلوا بالرؤيا وقلقوا في القضاء «اش ٢٨ : ٧».

ومن الواضح ان ضلال النبي في الرؤيا التي هي نبوته مستلزم للكذب في التبليغ بل نقول : ان ضلال النبي في النبوة اولى بعدم الجواز من الكذب في التبليغ ، وان قلقه في القضاء الذي هو عبارة عن تبليغ حكم الله للمتخاصمين إنما هو الكذب والخطأ في التبليغ.

وان حزقيال الرسول قد ذكر عنه في السادس والعشرين من حزقيال «٧ ـ ١٣» انه ذكر عن قول السيد الرب انه يجلب على صور نبوخذراصر ملك بابل فيهدم أبراجها ويقتل شعبها بالسيف ، وينهبون ثروتها ويغنمون تجارتها ويهدون أسوارها ويهدمون بيوتها البهيجة ويضعون حجارتها وخشبها وترابها في وسط المياه.

وقد ذكر هذا في التاسع والعشرين «١٧ ـ ٢١» عن كلام الرب ما يدل على انه لم يقع مقتضى الوعد السابق وأن نبوخذراصر ملك بابل استخدم جيشه خدمة شديدة على صور ، ولم تكن له ولا لجيشه اجرة من صور لاجل خدمته التي خدم بها عليها ، لذلك هكذا قال السيد الرب ها أنا أبذل له أرض مصر فيأخذ ثروتها وينهب غنيمتها فتكون اجرة لجيشه بل أعطيته أرض مصر لأجل شغله الذي خدم.

«فإن قلت» : ان المتكلف قد ذكر يه ٢ ج ص «١٤٤ ـ ١٤٧» عن التواريخ ما يقتضي صدق النبوة الاولى والثانية.

قلت : قد رأينا اعتماده في ذلك على نقل الكتابيين مثل يوسيفوس وبريدو. وجيروم. ان نبوخذراصر استولى على صور كما في النبوة الاولى ولكن لو سامحناه في صحة هذا النقل وما تكلفه في هذا المقام لكان فيما ذكره شهادة صريحة كافية في كذب هذه النبوة المتضمنة لكون نبوخذراصر وجيشه ينهبون ثروة صور ويغنمون تجارتها «حز ٢٦ : ١٢» فانه اعترف لاصلاح النبوة الثانية «حز ٢٩ : ١٨» بأن نبوخذراصر لم يجن من صور فوائد تذكر وان ثروتها نزفت من طول الحصار.

٨٦

ونقل عن جيروم ما حاصله ان أهل صور لما رأوا طول الحصار نقلوا كل ما كان ثمينا من ذهب وفضة وثياب وكل ما عند أشرافهم من الأمتعة الثمينة الى المراكب وذهبوا به الى الجزائر ، فلما فتحها نبوخذراصر لم يجد فيها شيئا يقوم مقام أتعابه ، انتهى انظر الى «يه ٢ ج ص ١٤٥ س ١٦ ـ ص ١٤٦ س ٢».

فأين صار مع ذلك دعوى النبوة وتبليغ الرسول بأن نبوخذراصر وجيشه ينهبون ثروة صور ويغنمون تجارتها ، وأين تكون التجارة المغتنمة مع حصار ثلاثة عشر سنة ، ونزوف الثروة ونقل الذهب والفضة والامتعة الثمينة إلى الجزائر.

وحاصل ما عند المتكلف في هذا المقام هو أن الرسول لم يكذب في تبليغه بكل ما قال في شأن صور ، وإنما ظهر الكذب في أمرين لم يقعا وهما نهب ثروتها وغنيمة تجارتها والكذب بهذين الأمرين سهل وإن كانا هما العمدة في هذا المقام ، فإن باقي النبوات هاهنا قد تمت بفضل الله على ما يقول يوسيفوس وأمثاله.

وان المسيح قد ذكر عنه في ثاني عشر متى (٣٨) حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين : يا معلم نريد أن نرى منك آية (٣٩) فأجاب وقال لهم : جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي (٤٠) لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة أيام وثلاث ليال انتهى.

وان الاناجيل الاربعة لتكذب هذا الكلام في أمرين :

«الأول» ما عن قول المسيح جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي فانه يكذبه ما ذكره متى بعد ذلك من وقوع الآيات والمعجزات من المسيح «مت ١٤ : ٤ ـ ٣٦ و ١٥ : ٢٨ ـ ٣٢ و ١٧ : ١ ـ ٦ و ١٤ ـ ١٩ و ٢٠ : ٢٩ ـ ٣٤ و ٢١ : ١٩ و ٢٧ : ٤٥ و ٥١ ـ ٥٥» ونقل لوقا هذا الكلام عن المسيح أيضا «لو ١١ : ٢٩» وانه ليكذبه بما ذكره بعد ذلك من وقوع الآيات والمعجزات «لمو ١٣ : ١١ ـ ١٤ و ١٤ : ٢ ـ ٥ و ١٧ : ١١ ـ ١٥ و ١٨ : ٣٥ ـ ٤٣ و ٢٢ : ٥٠ و ٥١».

وأيضا في ثامن مرقسن ١١ فخرج إليه الفريسيون وابتدءوا يحاورونه طالبين

٨٧

منه آية من السماء لكي يجربوه ١٢ فتنهد بروحه وقال : لما ذا يطلب هذا الجيل آية الحق؟ أقول لكم لن يعطي هذا الجيل آية ، وانه ليكذبه بما ذكره بعد ذلك من الآيات والمعجزات «مر ٨ : ١٣ ـ ٢٠ و ٢٢ ـ ٢٦ و ٩ : ٢ ـ ٥ و ١٤ ـ ٢٨ و ١٠ : ٤٦ ـ ٥٢ و ١١ : ١٣ و ١٤».

ويكذبه أيضا ما ذكره يوحنا من احيائه لعازر من الموت «يو ١١» ، وقد كان ذلك في أواخر أمر المسيح قريب الفصح الذي هجم به اليهود عليه «انظر يو ١٢ و ١٣».

ويكذبه أيضا ما ذكر في أعمال الرسل أيضا من ظهور المعجزات والآيات من الرسل

لليهود «انظر أقلا إلى أوائل الثاني والثالث من الأعمال وخصوص الثالثة والأربعين من الثاني».

وعلى كل حال لا ينفك القائلون بكون الأناجيل والأعمال كتب وحي وإلهام عن لزوم كذب الرسول على الوحي لأنه كان الكلام المنسوب للمسيح صادقا لزم كذب الرسل متى. ومرقس. ولوقا. ويوحنا. على الوحي فيما ذكروا وقوعه بعد ذلك من الآيات وان صدقوا في ذلك فالعكس.

الأمر الثاني : قوله هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال فانه يكذبه ما في آخريات الأناجيل الأربعة من أن المسيح انزل عن الصليب مساء يوم الجمعة عند استعداد اليهود للسبت ووضع في القبر والسبت يلوح وقام من القبر حيا في صبح الأحد فلم يكن بقاؤه على هذا في قلب الأرض إلا ليلتين ويوما تاما وجزءين قليلين من يومين «انظر مت ٢٧ : ٥٧ ـ ٦٣ و ٢٨ : ١ ومر ١٥ : ٤٢ و ١٦ : ١ و ٢ ولو ٢٣ : ٥٣ و ٥٤ و ٢٤ : ١ ويو ١٩ : ٣١ و ٤٢ و ٢٠ : ١» فاختر أي الأمرين يكون كذبا في التبليغ أو نقول : ان الكذب من متى الرسول بقوله ثلاث ليال أو يقال انه زيادة وتحريف في انجيله وليست من وحيه.

قلنا : كيف وانجيله متواتر النقل بزعم النصارى ولم يوضع على هاتين الكلمتين حتى الآن علامة اختلاف النسخ ، ومن الظرائف ان المتكلف قد أطال

٨٨

الكلام وجهد في التكلف «يه ٢ ج ص ٢١٥ ـ ٢١٨» فلم يقدر أن يتكلف إلا بدعوى توجيه اسم الثلاثة أيام على اليوم التام هو يوم السبت ، والجزءين القليلين من اليومين المحيطين به وهما آخر يوم الجمعة وأول يوم الأحد ولكنه لم يستطع ولن يستطيع هو ولا غيره ان يتشبث بحيلة لتدبير أمر الثلاث ليال وان صرف الكلام عنها إلى الثلاثة أيام مع أن الجزء الأخير من يوم الجمعة والجزء الأول من يوم الأحد لا يصلح كل منهما لقلته المقاربة للعدم أن يعبر عنه باليوم حتى يقال ثلاثة أيام «انظر لو ٢٤ : ١ ويو ٢٠ : ١».

وعن بولس الرسول العظيم عند النصارى في خامس عشر كورنتوش الاولى بعد ذكر قيامة الأموات وبيان كيفيتها والبرهان على امكان وقوعها ما لفظه (٥١) ذو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكن كلنا نتغير ، وعن النسخة اليونانية كلنا لا نرقد (٥٢) في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فانه سيبوق ويقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير.

وعنه في رابع تسالونيكي الاولى (١٥) فانا نقول لكم هذا بكلمة الرب اننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين (١٦) لأن الرب نفسه يهتف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون أولا (١٧) ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء ، وهكذا نكون كل حين مع الرب.

وليت شعري اين هذا الوعد السري لأهل كورنتوش ، وأين ما قيل بكلمة الرب لأهل تسالونيكي أو ليس قد رقدوا جميعا هم وبولس رقدة طحنهم فيها البلاء وتداولت عليها القرون.

وقد أطال المتكلف «يه ٢ ج ص ٢٢٦ ـ ٢٣٠» في محاولة التخلص من هذه الورطة وكثر بالشواهد التي لا دخل لها بخياله ، وخلاصة ما يتشبث به هو أن قول بولس. نحن. ونرقد. ونرقد. وكلنا. ونتغير. واننا. ونحوها مما هو للمتكلم لا يراد منه إلا الاحياء الموجودين عند القيامة ولو بعد آلاف من السنين لا يكون فيهم بولس المتكلم والحاضرون من أهل كورنتوش وتسالونيكي فنقول له : أيجوز أن يكون كلام الوحي وبيان الرسل وكشفهم للناس عن أسرار

٨٩

لملكوت والمعارف النظرية جاريا على غير مجرى كلام العقلاء في محاوراتهم وعلى وجه يعد فيه غلطا في بيان المراد ، فمن هم الذين عناهم بقوله لا نرقد كلنا أو كلنا لا نرقد ولكن كلنا نتغير.

وكذا قوله : ونحن نتغير ، أترى يصح في الكلام أن يكون المتكلم خارجا عن الحكم في هذه الأخبار ، ويصح للمتكلم أن يقول : نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب وهو والحاضرون ليس منهم.

وأما الاستشهاد المتكلف «يه ٢ ج ص ٢٢٧ س ١٠» بقوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، وقولهم نحن العرب نكرم الضيف فإنما هو خلط وتشبث واه.

أفلا ترى انه لا يصح في الكلام لمن لا يصف نفسه بالنبوة ان يقول نحن معاشر الأنبياء ، وكذا لا يصح للعجمي أن يقول : نحن معاشر العرب ، ولنفرض المثال على نهج الممثل له فنفرض الحكم بعدم التوريث من الآثار الخاصة بالمتصف بالنبوة عند موته وفي أوان ثبوت الحكم ، ولا يثبت لمن كان في أوان الحكم منسلخا عن وصف النبوة ، كما ان عدم سبق الراقدين والاختطاف في السحب من الآثار الخاصة بمن كان حيا حين القيامة ولا يثبت لمن كان في أوان القيامة منسلخا عن ذلك.

وعلى هذا فهل يصح أن يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث إلا من يريد إدخال نفسه في موضوع الحكم وهم الأنبياء المتصفين بالنبوة في أوان الموت وتعلق الحكم دون من يفرض انسلاخه عن وصف النبوة في أوان تعلق الحكم وقبله بمدة.

وأما قولهم نحن معاشر العرب نكرم الضيف ، فمن المعلوم انها قضية نوعية غالبية لشهادة الوجدان بأن منهم من لا يكرم الضيف فلا تقاس عليها كلمات بولس التي هي قضايا كلية لاستيعاب الأفراد.

ومع ذلك لا يصح ، بل يقبح ويستهجن من العربي البخيل الذي لا يكرم الضيف.

٩٠

قوله نحن معاشر العرب نكرم الضيف ولقد ألجأنا الى هذا التعمق بيان الخلط في الأمثلة وإعطاء بعض القارئين حقهم من اكتشاف الحقائق بالتحقيق ، وحيث اتضح لك الخلف في هذه المواعيد المنقولة عن حزقيال والمسيح وبولس كان ذلك من الكذب في التبليغ عن الله بحكم التوراة ، ففي الثامن عشر من التثنية (٢٠).

وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به ، أو الذي يتكلم باسم آلهة اخرى فيموت ذلك النبي «أي يقتل» (٢١).

وان قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب (٢٢) فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل يطغيان تكلم به النبي انتهى.

ولو خلع الناس العذار بالتأويل بمثل ما تكلفه المتكلف في مثل هذه المقامات لما عرف كذب خبر من الأخبار ولبطلت علامة التوراة على كذب مدعي النبوة على الله في التبليغ وكانت لغوا فانه يمكن للسان المتغلب على الجنان والوجدان أن يتلاعب في كل كلام بمثل هذه التأويلات.

وإذا وعيت ما ذكرنا فما ذا ترى أهل الكتاب يقولون أفتراهم يرجعون عما سلموه من دليل العقل على عصمة النبي في التبليغ ويقولون : ان النبي الساكن في بيت ايل. واليشع. وحزقيال. والمسيح. وبولس ومتى ومرقس. ولوقا. ويوحنا ، رسل حق ، ولا يضر في ذلك وقوع الكذب منهم في التبليغ ، أم يقولون : ان هذا الذي نسب في العهدين إلى هؤلاء مما يلزم منه الكذب في التبليغ عن الله مكذوب عليهم مدسوس في الكتب الإلهامية.

٩١

الباب الثاني

من المقدمة الثامنة

في تحقيق الحال في نسبة المعاصي والذنوب إلى الأنبياء في الكتب المنسوبة الى الالهام وما ينبغي أن يقال في ذلك ، وفي هذا الباب أيضا فصول :

٩٢

الفصل الاول

في ذكر آدم وما يقال في شأنه

أما نبوته ففي القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة آل عمران (٣١) (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ).

وأما ما جاء في شأنه فقد قال الله تعالى له كما في سورة البقرة (٣٣) (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٤) فأزلهما الشيطان عنها.

وفي سورة طه ١١٩ (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى).

فنقول : ان النهي قد يكون مولويا تحريميا يستحق مخالفة الذم والعقاب على مخالفة مولاه التي هي المعصية القبيحة ، وقد يكون مولويا على وجه الكراهة والتنزيه مرخصا في مخالفته التي تسمى أيضا معصية اما مجازا واما لأن اسم المعصية أعم منها ومن مخالفة النهي التحريمي القبيحة.

وقد يكون إرشاديا كنواهي الطبيب للمريض التي لا يترتب على مخالفتها إلا الوقوع في المشقة التي ارشد إلى التجنب عنها بالنهي ، ولا يترتب على هذا النهي من حيث مخالفة المولى ذم. ولا عقاب. ولا لوم. ولا قبح وإنما اللوم على إلقاء النفس في المشقة التي ارشد بالنهي الى اجتنابها ، وتسمى هذه المخالفة أيضا معصية اما مجازا واما لأن اسم المعصية أعم منها ومن القسمين الأولين من المخالفة.

٩٣

وحينئذ فدلالة العقل والنقل على عصمة النبي تكون قرينة على أن المراد من معصية آدم هي مخالفة النهي التنزيهي الكراهي أو النهي الإرشادي ومما يرشد إلى كون النهي لآدم إرشاديا قوله تعالى في سورة طه ١١٥ : (يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) ١١٦ (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) ١١٧ (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى).

فان التحذير والتخويف لآدم من عداوة إبليس بإخراجه من راحة الجنة ونعيمها الى التعب والجوع والظمأ ومقاساة شقاء العيش ليرشد ويقرب الى الذهن ان هذه هي العاقبة المحذورة من عداوة ابليس لآدم لإيقاعه في قبح مخالفة نهي الله التحريمي ووبال ذنب المعصية وغضب الله.

ولو كانت هذه الأمور الأخيرة هي العاقبة المحذورة لكان ذكرها أنسب بالتحذير وأدخل في الزجر عن المنهي عنه ، وأتم في الحجة والبيان.

وقد يشهد له قوله تعالى في سورة البقرة ٣٤ : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) حيث لم يقل جل شأنه : فأزلهما الشيطان فأوقعهما في قبح المخالفة والذنب واستحقاق عقاب الله وغضبه.

ولو كان ذلك لازما لكان أولى بالذكر.

ومن هذا النحو من التحذير المذكور في القرآن ينكشف ان وصف آدم بالظلم والغواية في أكله من الشجرة إنما هو لاغتراره بقول ابليس وظلمه لنفسه بسبب إخراجها من نعيم الجنة الى شقاء التعيش وعنائه ، لا بسبب ايقاعها في عقاب التحريم وغضب المخالفة لله ، فليس من الظلم القبيح الذي يمنع من نيل عهد الله كما تقدم في دلالة القرآن على العصمة.

وأما قوله تعالى حكاية عن آدم وحوا في سورة الاعراف ٢٢ : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، فقد بينا وجه ظلمه لنفسه ، وانه ليس من نحو ظلم النفس بإيقاعها في قبح الذنب ونكال العقاب.

وأما طلب المغفرة وحصول الخسران بعدمها فلا ينافي ما قدمنا ولا يلزم منه

٩٤

الوقوع في الحرام ، لأن العبد العارف خصوصا إذا كان من الأنبياء ليود أن تكون كل أفعاله وتروكه موافقة لأمر الله ونهيه سواء كانا على جهة الحتم أو الرجحان أو الإرشاد ، فإن اتفق وقوعه في متابعة الميل الإنساني بغير المعصية القبيحة وجد في نفسه انه قد خسر الفوز في المرتبة المرغوبة له وحاد عن جادة الصديقين وزل عن مقام المقربين فيفزع الى الله مولاه في طلب المغفرة والرحمة والتوبة ليعود ببركتها الى مقامه الرفيع.

كما نفزع نحن معاشر عبيد العصا الى التوبة عند ارتكاب الذنب العظيم لأجل التخلص من العقاب ونكال الغضب ، وعلى مثل ما ذكرنا جاء قوله في سورة البقرة (فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

وأما قوله تعالى في سورة الاعراف ١٨٩ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ١٩٠ (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فان نسبة الشرك فيه لآدم مبنية على ما يذكره بعض المفسرين من قصة تسمية آدم وحوا لولدها بعبد الحارث «أي ابليس» إجابة لاقتراحه ذلك عليهما.

وان سوق الآيات ليأبى ذلك فانها لو كانت واردة على هذه القصة لكان الذي ينبغي أن يقال فيها فلما أتاهما صالحا جعلا له شريكا فيه فتعالى الله عما يشركان ، لأنه لم يكن الشريك بحسب القصة إلا واحدا وهو الحارث «ابليس» ، ولم يكن المشرك بحسبها إلا اثنين وهما آدم وحوا ، وبحسبها أيضا لا يعرف الوجه الصحيح في العدول عن قوله تعالى ، فيه الى قوله تعالى ، (فِيما آتاهُما).

مع انه قد جاء عن الرضا وهو الإمام الثامن من أهل البيت الذين هم أحد الثقلين اللذين لا يفترقان ، ولا يضل من تمسك بهما في تفسير الآية ما معناه ان المراد بالصالح هو نوع الذرية التامة الخلقة على أحسن التقويم لا خصوص ولد واحد فلما أتاهما صالحا من الذرية المشتملة على صنفين ذكرانا واناثا جعل ذلك الصنفان من الذكران والاناث لله شركاء من الأصنام وسائر المخلوقات التي

٩٥

جعلوها بضلالهم آلهة مع الله فيما آتاهما من النعم والأموال والاولاد وغيرهما فقال جل شأنه بحسب كثرة المعنى المراد من الصالح والضمير المثنى اللذين هما عبارة عن صنفي الذكور والاناث (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وليس في هذه الوجه من التفسير ما هو خلاف الظاهر البدوي إلا رجوع الضمير المثنى في «(جَعَلا) و (آتاهُما)» التي بعدها على اسم الجنس الذي هو «صالحا» باعتبار اشتماله على صنفين ، وإلا كون السياق يوهم ابتداء كون المرجع لضميري «(جَعَلا) و (آتاهُما)» هو النفس الواحدة مع زوجها.

وهذه المخالفة للظاهر البدوي هينة بالنسبة لتلك المحاذير التي نجدها على الوجه الأول من تنزيل الآيتين على ما يدعى من القصة كما ذكرناه فتكون تلك المحاذير قرينة واضحة على أن الظاهر هو ما ذكرنا معناه عن الإمام الرضا عليه‌السلام ويشهد لذلك أيضا تعقيبه بقوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) حيث أوضح أن الشركاء في الآية هم جماعة من المخلوقين لا خصوص ابليس كما يدعى في الآية ، بل يوضحه الالتفات بالتوبيخ الى المقصود بالضمير في «جعلا وآتاهما» بقوله تعالى ١٩٣ : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) ، ويكشف عن قوله في سورة الانعام ٩٨ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، الى قوله تعالى ١٠٠ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) ، الى قوله تعالى ١٠٢ ، (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، فإن التدبر في هذا كله يرشد بأوضح ارشاد الى أن الموصوف بالشرك والعنف عليه انما هم المخلوقون من النفس الواحدة وان اختلف التعبير عنهم بالخطاب والغيبة والتثنية باعتبار صنفيهم ، والجمع باعتبار كثرة المعنى ، كل ذلك بحسب ما يقتضيه صوغ البلاغة للكلام.

ولو تنزلنا عن هذا كله فلا أقل من أن يكون احتمالا مساويا للوجه الأول فلا تبقى في الآية السابقة دلالة على نسبة الشرك لآدم.

هذا كله مع أن الرواية التي تشبث بها في تفسير الآية لقصة نسبة الشرك لآدم إنما هي رواية قتادة عن الحسن عن سمرة وان سندها لمطعون فيه من وجوه أيسرها ان الحسن وقتادة لم يحتفلا بهذه الرواية ولم يفسرا الآية على مقتضاها كما

٩٦

حكاه عنهما في مجمع البيان.

وعن الحسن في تنزيه الأنبياء للمرتضى (١) ، وبهذا كله تعرف خبط المتكلف وتحامله على القرآن ومبلغه حيث ادعى جازما.

يه ١ ج ص (١١) ان رسول الله «ص» نسب الى آدم في القرآن خطيئة اخرى وهي الشرك متشبثا بهذه الرواية لتفسير الآية.

__________________

(١) طبع للمرة الثانية في النجف الاشرف ـ بالمطبعة الحيدرية.

٩٧

الفصل الثاني

في ذكر نوح وما قيل في شأنه

أما نبوته ورسالته في القرآن فقد تكرر ذكرها ، ويكفي منه قوله تعالى في سورة هود ٢٧ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ).

وفي سادس التكوين (٩) كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله وسار نوح مع الله ـ (١٣) وقال الله لنوح ، وفي اولى السابع ، وقال الرب لنوح وفي الثامن (١٥) وكلم الله نوحا (٢٠) ، وبني نوح مذبحا للرب في حادي عشر رسالة العبرانيين (٧) بالإيمان نوح لما اوحى إليه عن امور لم تر بعد ، وفي ثامن رسالة بطرس الثانية (٥) بل إنما حفظ الله نوحا ثامنا كارزا للبر.

وأما ما يقال في شأنه فقد دعا على قومه بالضلال ، كما حكاه الله تعالى في سورة نوح عن قوله (٢٤) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) فيقال ان هذا خلاف الوظيفة النبوية ، فإن الرسول المبعوث لهدى الخلق وصلاحهم لا يجوز له الدعاء عليهم مهما كانوا بالفساد والانحراف عن الله وسبيل الحق.

قلنا : ليس الضلال المدعو به ذكر بل المراد منه اضاعة طريق الرشد والتدبير في امورهم وعوائدهم ليشتغلوا بحيرتهم في شئونهم عن أذى الخلق واضلالهم عن الحق ، فهو دعاء عليهم بالعقوبة الدنيوية لأجل صلاح غيرهم فإن الضلال هو مطلق الاضاعة والتيه عن الطريق المطلوب ، وتختلف أنحاء أفراده التي تزاد منه باعتبار الأمر المضيع والطريق الذي ضل عنه.

٩٨

ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة ٢٨٢ : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ولم تقم قرينة على أن المراد هاهنا بالضلال المدعو به هو الضلال عن الله وسبيل الحق ، بل إن قرينة العقل قاطعة بأن المراد منه غير هذا ، بل لو صدر هذا الكلام والدعاء من سائر الأتقياء المحبين للخير وصلاح العباد وقلة الفساد واهتداء الخلق فضلا عن الرسل لكان صدوره منهم قرينة على إرادة غير المعنى المدعى.

وأما دعاؤه على كفار قومه بالهلاك ، كما حكاه الله جل شأنه في سورة نوح ٢٧ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) ٢٨ (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

فقد أبدى وجهه وحكمته لما علمه من عند الله في شأنهم بالعلم النبوي من سوء عاقبتهم ، فكان من الحكمة والوظيفة النبوية أن يدعو عليهم كما اقتضت الحكمة الإلهية إهلاكهم بالطوفان.

وأما ما حكاه الله في أمره في سورة هود بقوله تعالى ٤٧ (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) ٤٨ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فإنه غير قادح بمقامه النبوي ووظيفة رسالته أصلا ، فإن غاية ما هناك سؤاله عن وجه الحكمة في غرق ولده مع سبق وعد الله له بنجاة أهله معترفا في السؤال لله بأنه أحكم الحاكمين وان وعده الحق ، فأبان الله له وجه الحكمة بأن الموعود بنجاتهم هم المؤمنون من أهله الذين يحسن أن يضافوا إليه لاهتدائهم بهداه ، وان ولده الغريق ليس من أهله الموعود بنجاتهم ، أو انه لا يليق أن يعد من أهل بيته لأنه عمل غير صالح ليس على هدى أبيه ، ثم وعظه الله على سؤاله عن الحكمة لأن الأولى بعلو مقامه هو التسليم والتفويض لحكمة الله إجمالا لا سيما مع عرفانه بأن الله أحكم الحاكمين ، فأناب الى الله من فعله خلاف الأولى ، وخاف الانحطاط به عن مراتب الصديقين ومقامات المقربين ، وقال كما حكاه الله عنه ٤٩ : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ

٩٩

الْخاسِرِينَ) للفوز بالمراتب العالية.

وإذا تدبرت ما ذكرنا ظهر لك خلل أقوال المتكلف «يه ١ ج ص ١٤ و ١٥».

وأما ما في تاسع التكوين (٢١) وشرب نوح من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه.

فنقول فيه : قد روى مستفيضا عن أهل البيت عن النبي صلوات الله عليهم ان الخمر ما حلت في دين قط ، ويدل العقل بأوضح دلالة على أن شربها والسكر بها الذي هو رأس الخلاعة والتهتك والشرور والمفاسد والخروج عن حدود الإنسانية مناف لوظيفة النبي الداعي الى الهدى والكمال والصلاح وحفظ الشرف خصوصا وقد حفظ الله نوحا كارزا للبر «٢ بط ٨ : ٥».

وحينئذ فلا بد من القول بأن قصة شرب نوح للخمر ، وسكره ليست من الوحي والإلهام لما بيناه من لزوم عصمة النبي.

ومن الظرائف اضطراب كلام المتكلف في هذا المقام «يه ١ ج ص ١٣ ـ ١٨» ولو انه التزم بما ادعاه.

«يه ٤ ج ص ١٦٨» من ان الله لم ينزل على القدماء قبل موسى شريعة بل اصطلح القدماء على عادات للجريان عليها في هذه الدنيا.

فقال : هاهنا بمقتضاه انه لم تكن في زمن نوح شريعة بتحريم الخمر فلم يفعل نوح بشربها خطيئة لاستراح هذا المتكلف فمن اضطرابه قوله :

«يه ١ ج ص ١٣» لا ننكر ان شرب الخمر حرام وقوله فأنت ترى أنها كانت جائزة والتوراة والإنجيل ناطقان بأنها حرام قطعا وشربها نوح دلالة على ضعف الطبيعة البشرية.

فنقول له : أنت يا ذا الذي تقصر الحقائق على ما في العهدين ، وإذ لا تجد فيهما ما تذكره نبوة القرآن تصول عليه صولة المتحمس من أين لك من العهدين ان الخمر كانت محرمة على عهد نوح خصوصا وقد ادعيت غفلة منك أو

١٠٠