الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

٥ ـ التزوج بالعمة

فحرمته التوراة «لا ١٨ : ١٢ و ٢٠ : ١٩» مع انها ذكرت ان أبا موسى وهو عمران بن قهات بن لاوي «خر ٦ : ١٦ ـ ١٩» قد اخذ عمته يوكابد بنت لاوي التي ولدت له في مصر امرأة له «انظر خر ٢ : ١ ـ ١١ و ٦ : ٢٠ وعد ٢٦ : ٢٩» ينكشف لك الخطأ في مكابرة المتكلف وخبطه «يه ٤ ج ص ٨ ـ ١٠» في احتمال كون يوكابد ليست عمة عمران.

وبيان النسخ في هذه الموارد الثلاثة هو انه لا بد أن تكون لابراهيم ويعقوب وعمران شريعة إلهية أباحت لهم هذا التزويج المذكور وقد نسختها التوراة ، هذا هو مراد إظهار الحق ولم يقل ان التوراة نفسها حكمت بجواز تزويج هؤلاء النبيين وسبطهما ثم نسخته كما توهمه المتكلف.

ثم اجاب «يه ٤ ج ص ١٦٧» بأنه لم ينزل الله على آدم ولا على ابراهيم شريعة بجواز تزوج الاخت الغير الشقيقة ثم حرمتها موسى وإنما هذا الزواج كان من العادات التي اصطلح عليها القدماء قبل شريعة موسى ، وقال ص ١٦٨ لم ينزل الله على القدماء شريعة ثم نسخها موسى ، بل اصطلح القدماء على عادات للجريان عليها في هذه الدنيا. وقال ص ١٦٩ ان زواج عمران كان قبل نزول الشريعة.

أقول : من اين للمتكلف ان القدماء لم تكن لهم شريعة مطلقا او في خصوص الزواج ، مع انه لا يشهد لدعواه هذه كتاب ينسب إلى الإلهام أم جاءه الوحي بذلك؟ أم يقول ان رحمة الله ولطفه لم يسعا الذين قبل موسى ، كما وسعا بني اسرائيل المتمردين.

ثم ان قال انه لم تكن قبل موسى للقدماء شريعة مطلقا.

«قلنا» : ان التوراة لتكذبك في ذلك فانها تقول ان الله جعل لنوح شريعة صنعة الفلك ومن يحمله فيه من الأناسين والحيوانات ، وشريعة الحيوانات الطاهرة والنجسة والضرورة يكون من الشريعة بناء المذبح واصعاد المحرقات «انظر تك ٦ و ٧ و ٨».

٢٨١

وجعل لابراهيم شريعة الختان «تك ١٧ : ٩ ـ ١٥».

وتقول التوراة أيضا ان ملكي صادوق ملك شاليم كان كاهنا لله العلي ولأجل ذلك أعطاه ابراهيم عشر الغنيمة «انظر تك ١٤ : ١٨ ـ ٢١» فقل ما معنى الكهانة ان لم تكن شريعة ، وما وجه العشر الذي أخذه من ابراهيم أتقول انه كان عشرا ملوكيا كلا بل ان سابع العبرانيين يفصح عن كونه عشرا شرعيا كاشفا عن عظمة ملكي صادوق الذي أعطاه ابراهيم إياه ، أفترى المتكلف ينكر هذا كله ويقول ان الله ترك القدماء هملا كالبهائم بلا شريعة ولا نعمة ، أم يقول انه لم تكن للقدماء شريعة في خصوص الزواج؟ فنقول له أترك الله عباده وعاداتهم في الزواج وان تسافدوا تسافد البهائم؟ دع عنك المشركين ولكن التوراة تقول: منذ ولد انوش بن شيث ابتدأ يدعى باسم الرب وذلك بعد خلق آدم بمائتين وثمانين سنة «انظر تك ٤ : ٢٦ و ٥ : ٣ ـ ٧».

فالمؤمنون من ذلك الزمان الى زمان ابراهيم وآل ابراهيم فرضنا ان الله لم يجعل لهم شريعة في الزواج وتركهم وعاداتهم ، ولكن هل كان الله راضيا لهم بتلك العادات التي اصطلحوا عليها لأجل مناسبتها لمصلحة وقتهم أو كان ساخطا لها ، فإن كان ساخطا لها فلما ذا لم ينههم عنها ويشرع لهم ما يناسب مصلحة وقتهم.

وقد اوحى الله الى ابراهيم وخاطبه في امور كثيرة وكذا يعقوب ولو ان الله يخاطبهم بقدر ما تذكره التوراة عن خطاب الله لموسى في تفصيل ثياب هارون والكهنة «خر ٢٨ : ٢ ـ ٤٢» او صيدلة البرص «لا ١٣ و ١٤» لكفى في جعل الشريعة لهم ، أم لم تكن فرصة للرحمة واللطف بخليله وآل خليله كفرصة طور سيناء او مصارعة يعقوب «تك ٣٢ : ٢٤ ـ ٢٩» إلا بقدر الختان المؤلم الذي تخلص منه النصارى. هذا وان كان الله راضيا بتلك العادات على ما ذكرنا فهي شريعة إلهية لهم.

وأيضا فإن الله سمى سارة بأنها امرأة ابراهيم مرارا عديدة أفلا يكفي هذا في امضاء زواجها فيكون شريعة «انظر أقلا تك ١٧ : ١٥ و ١٩» دع هذا كله ولكن نبه المتكلف بأنه جاء في السادس والعشرين من التكوين عن قول الله ٥

٢٨٢

من اجل ان ابراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لي اوامري وفرائضي وشرائعي ، وسله هل يقول بعد هذا لم ينزل الله على القدماء شريعة أم يقول ان المراد بهذا كله شريعة الختان الواحدة.

يعقوب وليئة

ثم سله ما وجه العذر والتخلص عن جمع يعقوب للأختين بقوله «يه ٤ ج ص ١٥٨» ان مسألة يعقوب هي انه خطب راحيل فمكر به أبوها وأعطاه ليئة غير انه استمر على خدمته فأعطاه راحيل.

أتراه يقول ان ليئة لم يكن نكاحها صحيحا بل كان فاسدا بحسب عادة الوقت لأن يعقوب كان مخدوعا بها ودخل عليها بزعم انها راحيل ولم يعرف انها ليئة حتى اصبح فلا يكون تزوجه براحيل معها من الجمع بين الاختين. نعم ان قال ذلك لم نعترض عليه بأنه يلزم ان يكون اقترانه الفاسد بليئة زنى فيكون يعقوب وحاشاه زانيا مدة حياة ليئة ويكون اولاده منها روابين وشمعون ولاوي ، ويهوذا ، ويساكر ، وزبولون اولاد زنى والعياذ بالله لا يدخلون في جماعة الله الى الجيل العاشر «تث ٢٣ : ٢».

ولا نقول إذا كيف دخل في جماعة الله جيلهم الرابع والخامس وان منهما موسى كليم الله ، وهارون قدوس الله ، واللاويون حملة تابوت الله ، وخدام مسكنه وزعماء كهنوته وحفظة شريعته.

فأنا بحسب ما ألفناه من أدب المتكلف لا نأمن أن يقول لم ينزل على القدماء شريعة بتحريم الزنى ، او يقول نعم وقع يعقوب في خطيئة الزنى هذه المدة المديدة دلالة على ضعف الطبيعة البشرية ثم تاب من خطيئته وزيادة على ذلك ان المولى القدوس العادل سلط عليه ابنه روابين فزنى بزوجته بلهة أم اولاده دان ، ونفتالي ، «تك ٣٥ : ٢٢» انظر يه ١ ج ص ١٣ و ١٨ و ٦٦ ويقول أيضا ان أولاد الزنى الذين لا يدخلون في جماعة الرب هم العمونيون والموآبيّون «انظر يه ٣ ج ص ٢٦٣».

٢٨٣

رسول الله وإظهار الحق والمتكلف

والمتكلف من وغر صدره أو قل من حرية ضميره لما رأى إلزام اظهار الحق لهم بالنسخ في تزوج عمران بعمته وتحريم ذلك في شريعة موسى لم يلتفت الى مراد اظهار الحق وهو انه ان كانت هذه الحكاية صحيحة فلا يمكن عادة لعمران الموحد لله ابن قهات بن لاوي بن يعقوب نبي الله ابن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله ان يتزوج على غير شريعة تلقاها من آبائه الأنبياء في إباحة هذا التزويج وصحته.

فيلزم من ذلك وقوع النسخ في شريعة موسى ، بل توهم المتكلف ان اظهار الحق يحاول التنديد بطهارة ولادة موسى كليم الله فصار يقابله بخرافات القصص ثم زاد في الافتراء بالتعرض لقدس رسول الله في تزويجه بمطلقة غلامه زيد بن حارثة الذي لشدة رأفة رسول الله به صار الناس يدعونه زيد ابن محمد ، فقال غير مبال بالانتقاد عليه «يه ٤ ج ص ١٦٩».

وما ذا نقول : فيمن ادعى ان الله أجاز له ان يتخذ امرأة ابنه وجعل ذلك قانونا ويا حبذا لو نسخ هذا القانون فإن ذلك كان أحق بالنسخ ، لانه قانون وخيم ومبدأ ذميم لأنه يسوغ الاقتران بزوجة الابن ولكنه لم ينسخه فهو وصمة باقية مدى الدهور.

فنقول له الحق لا أنت ، يقول ان الله جل شأنه شاء ان يمحق باطل الجاهلية ويلاشي خرافاتهم ويقلع مفاسدها ، وحيث كانوا يرتبون آثار الابن الحقيقي على الدعي جهلا منهم وزورا يلزم منه مفاسد لا تحصى منها معاملة الدعي لأرحام من يدعي به ونسائه معاملة المحارم الحقيقية في الخلطة والتكشف مع انه ليس هناك علقة واقعية ولا رحم ماسة تصده عن النظر إليهن بالفحشاء والاقدام على المكروه مع كثرة الفرص وعدم الاحتشام في الخلطة فهو كحرامي البيت المذكور في المثل ، وان الغالب على الأدعياء كونهم من أمكنة نائية فلا تعرف نجابتهم من سوء منبتهم ولؤم عنصرهم.

فأوحى الله إلى رسوله الصادع بأمره الذي لم يستعف من رسالته ولم يضجر

٢٨٤

من أحكامه ان يبطل هذه العادة الذميمة بتبليغه قول الله في سورة الأحزاب ٤ (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ٥ (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ).

وأمره أيضا تثبيتا لإبطال هذه العادة الوخيمة بأن يكون أول عامل بشريعة الحق ومقاوم لخرافات الجاهلية ليكون اسوة للمؤمنين ويرتفع ببركته حرج الأباطيل ، وقد قدمنا الكلام في هذا الشأن في الفصل الخامس عشر في عصمة رسول الله.

ومن عدم موفقية المتكلف في كتابه ان لهج بهذا الافتراء وتسميته لزيد ابنا لرسول الله حتى ان الغافل ليحب ان يعرف ان هذا هو الابن البكر لرسول الله او من سائر أولاده ، وهل كانت أمه مبغوضة او ميتة ، فإن الغافل لا يخطر في خياله ان أحدا يصر على الافتراء بهذا المقدار من الإصرار ولا سيما في كتاب يطبع وينشر في العالم لنصرة الديانة في مقابلة امة عظيمة راسخة القدم في العلوم الدينية ولكن.

لا تنتهي الأنفس عن غيها

ما لم يكن منها لها زاجر

وبما ذا يأتي وينفر المغفلين من قومه إلا بهذا التمويه فإن قدس رسول الله ليس لقائل فيه مغمز.

«سؤال» هل تقدر ان تكشف ما هو المنشأ في إصرار المتكلف على إلصاق الدعي بمن يدعى به حتى صار يضجر من هذه الشريعة التي محقت باطل الادعياء وردت الامور إلى حقائقها.

٦ ـ نسخ التوراة لحكمها في محرقة السهو

جاء في رابع اللاويين عن الشريعة الموضوعة في جبل سيناء «١٣ ـ ٢٢» انه إذا سها كل جماعة اسرائيل واخفى امر عن المجمع وعملوا واحدة من مناهي الرب يقرب المجمع ثورا ذبيحة خطيئة محرقة ، مع تفصيل في كيفية

٢٨٥

تقديمه وحرقه من دون ذكر في الشريعة لتقدمه او سكيب او ذبيحة اخرى.

وجاء في الخامس عشر من العدد عن الشريعة الموضوعة في برية فاران «٢٤ ـ ٢٦» في حكم هذا الموضوع المتقدم بأن يقدموا مع الثور المذكور تقدمة وسكيبا وتيسا ، وهو نسخ للحكم بكفاية الثور في الشريعة الاولى.

قال المتكلف «يه ٤ ج ص ١٩٢» ان الذبائح متنوعة فالعبارة في سفر اللاويين عن ذبيحة الاثم ، وفي سفر العدد عن ذبيحة الاثم مع النذور كما يتضح لمن طالع العبارتين.

أقول : يتضح من مطالعة العبارتين وكلام المتكلف هذا أحد امرين اما انه لم يطالع العبارتين وإنما تحكم فيهما على نقل إظهار الحق المجمل ، واما انه لا يبالي بما يقول وما يظهر عليه اعتمادا على ان المسلمين وغالب النصارى لا ينظرون في التوراة نظر مستقص في احكامها ، ولا اقول انه لم يفهم معنى التوراة لأنه لا يخفى حتى على الغبي انه لا دخل للنذور ولا ربط فيما بعد الثانية والعشرين من خامس عشر العدد اصلا وليس فيها ما يوهم ذلك ، وهاك نص العبارة ٢٤ فان عمل خفية عن أعين الجماعة سهوا يعمل كل الجماعة ثورا واحدا ابن بقر محرقة لرائحة سرور للرب مع تقدمته وسكيبة كالعادة وتيسا واحدا من المعز ذبيحة خطيئة ٢٥ فيكفر الكاهن عن كل جماعة بني اسرائيل فيصفح عنهم لأنه كان سهوا.

٧ ـ أيضا امرأة الاخ

وقد حرمت التوراة امرأة الاخ من دون استثناء في الشريعة الموضوعة في جبل سيناء «لا ١٨ : ١٦ و ٢٠ : ٢١» ثم بعد اربعين سنة تقريبا نسخت هذا التحريم العام في الشريعة الموضوعة على عبر الاردن واوجبت على اخي الزوج الميت الذي لم يخلف ولدا ان يتزوج بامرأة اخيه الميت ليقيم له نسلا فإن أبى تقدمه المرأة إلى الشيوخ وتخلع نعله وتبصق في وجهه امام الشيوخ ويدعى اسمه بيت مخلوع النعل «تث ٢٥ : ٥ ـ ١١».

ولئن حاول المتكلف ان يجعل الحكم الثاني من قبيل التخصيص للحكم

٢٨٦

الاول لا من النسخ ، فانا سنوضح بعون الله ان ما كان بيانه بعد العمل بالعام فهو من الناسخ لا من المخصص ، وقد بقي الحكم الأول على عمومه اربعين سنة تقريبا وكلها وقت العمل ، فإن بني اسرائيل كانوا مئات الألوف وقد كثر فيهم الموت ، وبالضرورة يتفق عندهم في كل سنة كثير من موارد الحكم العام بأنواعها.

٨ ـ التوراة وداود وعمر اللاويين

جاء في شريعة التوراة مرة ان اللاوي الذي يوظف لخدمة المسكن وخيمة الاجتماع يكون من ابن ثلاثين سنة إلى خمسين كما في رابع العدد من النسخة العبرانية وتراجمها ، وجاء مرة اخرى انه يكون من ابن خمس وعشرين سنة «عد ٨ : ٢٤ و ٢٥» وحيث انا لم نتحقق من التوراة العبرانية ان أي الحكمين كان متقدما ولم يظهر لنا ان رفع الأول منهما كان بعد العمل به او قبله فلم نجزم هاهنا بأن احدهما ناسخ للآخر ، خصوصا وقد خالفتها الترجمة السبعينية فانها ذكرت الخمس وعشرين سنة في المقامين فلا اختلاف ، وعلى كل حال فلا بد من استمرار العمل على الخمس وعشرين سنة أو الثلاثين إلى أن نسخة داود النبي وجعل الموظف من اللاويين لخدمة المسكن ، وخيمة الاجتماع يكون من ابن عشرين سنة فما فوق ، ففي الثالث والعشرين من الأيام الاول ٢٤ هؤلاء بنو لاوي حسب بيوت آبائهم رءوس الآباء حسب احصائهم في عدد الأسماء حسب رءوسهم عاملوا العمل لخدمة بيت الرب من ابن عشرين سنة فما فوق ٢٥ لأن داود قال قد أراح الرب إله اسرائيل شعبه فسكن في اورشليم الى الأبد ٢٦ وليس للاويين بعد ان يحملوا المسكن وكل آنية لخدمته ٢٧ لأنه حسب كلام داود الأخير عد بنو لاي من ابن عشرين سنة فما فوق.

ولست ادري ما ذا يقول المتكلف هاهنا؟ أيقول ان الله جل شأنه وضع الحكم الأول محدودا في سابق علمه بمصلحته الموقتة ، ثم لما تجددت حال اخرى ومصلحة اخرى أعلن الله لنبيه داود ما يناسبها من الحكم كما ذكر في كلام داود ثم ليقل مع ذلك وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ كما لهج به ، أم يقول ان هذا تصرف من داود بالشريعة بغير حق وقد أخطأ فيه كما أخطأ في شأن اوريا

٢٨٧

وامرأته وكان هذا الخطأ منه بعد قوله في الكلمات الإلهامية التي هي كلام الله السميع العليم حفظت طرق الرب ولم اعص إلهي لأن جميع احكامه امامي وفرائضه لا أحيد عنها وأكون كاملا معه واتحفظ من إثمي (٢ صم ٢٢ : ٢٢ و ٢٣ ومر ١٨ : ٢١ ـ ٢٣».

وأخطأ أيضا بنو اسرائيل ، وعزرا ، وحجي وزكريا ، الأنبياء إذ جروا على فعل داود وتركوا شريعة موسى فوظفوا للخدمة في المسكن من اللاويين من كان ابن عشرين سنة فما فوق «عز ٣ : ٨».

٩ ـ ١١ التوراة وحزقيال والمحرقة اليومية

جاء في التوراة ان محرقة كل يوم خروفان حوليان احدهما للصباح ، وثانيهما لما بين العشاءين. وتقدمة كل واحد من الخروفين عشر الأيفة من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت وسكيبة ربع الهين «عد ٢٨ : ٣ ـ ٩».

وجاء في حزقيال ان محرقة كل يوم حمل حولي يعمل صباحا صباحا وتقدمته سدس الايفة دقيق وثلث الهين لرش الدقيق «حز ٤٦ : ١٣ ـ ١٦». فنسخ شريعة محرقة الليل (٢) ومقدار الدقيق (٣) ومقدار الزيت في تقدمة الصباح.

١٢ ـ ١٦ وأيضا محرقة السبت

فقد جاء في التوراة انها خروفان حوليان وتقدمتها عشران من دقيق ملتوت بزيت مع سكيبة «عد ٢٨ : ٩».

وجاء في حزقيال ان محرقة السبت ستة حملان وكبش وتقدمتها ايفة. للكبش. وهين زيت للأيفة وللحملان عطية يد الرئيس «حز ٤٦ : ٤ و ٥ : ١» فنسخ حكم الخروفين (٢) ومقدار التقدمة للكبش (٣) وما يناسب الدقيق من الزيت (٤) ورفع حكم السكيب (٥) زاد عطية الرئيس في تقدمة الحملان.

١٧ ـ ٢١ وأيضا محرقة رأس الشهر

فقد جاء في التوراة انها ثوران وكبش واحد وسبعة خراف حولية وتقدمتها

٢٨٨

لكل ثور ثلاثة اعشار من دقيق ملتوت بزيت وللكبش عشران ولكل خروف عشر وسكائبهن نصف الهين من الخمر للثور وثلث الهين للكبش وربع الهين للخروف ، ويضاف الى ذلك تيس من المعز ذبيحة خطيئة «عد ٢٨ : ١١ ـ ١٦».

وفي حزقيال ثور واحد وستة حملان وكبش. والتقدمة ايفة للثور وايفة للكبش وللايفة هين من زيت وللحملان ما تناله يد الرئيس «حز ٤٦ : ٦ و ٧» فنسخ حكم الثورين والخراف (٢) وتقدمة الثور والكبش (٣) وما يناسب الدقيق من الزيت (٤) وحكم السكيب (٥) وزاد عطية الرئيس في تقدمة الحملان.

٢٢ ـ ٢٥ وأيضا محرقة الفصح

وذكرت التوراة لمحرقات سبعة ايام الفصح وتقدماتها لكل يوم نحو ما ذكرت لمحرقات اوّل الشهر «عد ٢٨ : ١٦ ـ ٢٥».

وفي حزقيال ان لكل يوم سبعة ثيران وسبعة كباش وتيسا ذبيحة خطيئة ، وتقدماتها ايفة للثور وايفة للكبش وهين من زيت للايفة «حز ٤٥ : ٢٣ و ٢٤» ، فنسخ حكم الذبائح (٢) وتقدمتها (٣) وما يناسبها من الزيت (٤) وحكم السكيب.

٢٦ ـ ٢٩ وأيضا محرقات عيد المظال

فذكرت التوراة فيه محرقات السبعة ايام مختلفات العدد أكثرها في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع ثلاثة عشر ثورا وكبشان وأربعة عشر خروفا حوليا مع تيس ذبيحة خطيئة ، وتقدمتها لكل ثور ثلاثة اعشار من دقيق ملتوت بزيت وعشران لكل كبش وعشر لكل خروف ، وينقص العدد في الأيام فيكون في اليوم السابع سبعة ثيران وكبشين وأربعة عشر خروفا ، وتقدماتها وسكائبها على نحو ما تقدم «عد ٢٩ : ١٢ ـ ٣٩».

وفي حزقيال ان الرئيس يعمل في سبعة ايام عيد المظال محرقة نحو ما يعمله في عيد الفصح «حز ٤٥ : ٢٥» فنسخ حكم الذبائح (٢) وتقدماتها (٣) وما يناسبها من الزيت (٤) وحكم السكيب.

٢٨٩

وأيضا ما هو للرئيس وما عليه وعليك تعداد ما فيه من النسخ

لم يجيء في التوراة شريعة التقدمة للرئيس على اسرائيل ولم تجعل عليه بإزاء ذلك المحرقات وتقدماتها وسكيبها في الأعياد والشهور والسبوت والمواسم بل ذكرت التوراة ان هارون يأخذ من جماعة بني اسرائيل تيسين لذبيحة خطيئة وكبشا لمحرقة «لا ١٦ : ٥» وان القرابين وذبائح السلامة وذبائح الكفارة وذبائح الخطيئة والإثم ، وسائر التقدمات يقدمها بنو اسرائيل بأنفسهم «انظر سفر اللاويين من اوله الى السادس منه». وكان حق الكهنة على اسرائيل الساعد والكرش من الذبائح والباكورات «تث ١٨ : ٣ و ٤» وقرابينهم وتقدماتهم ، وذبائح خطاياهم ، وذبائح آثامهم ، والابكار ، والباكورات وحق بني لاوي على اسرائيل هي العشور «عد ١٨ : ٨ ـ ٢٢». وقد جاء في حزقيال ضد هذه الشرائع فجعل على بني اسرائيل تقدمة للرئيس سدس الايفة من حومر الحنطة والشعير اي سدس العشر من الحومر وبث من الزيت اي عشر الكر ، وشاة واحدة من مائتين. وجعل على الرئيس بإزاء ذلك المحرقات وتقدماتها وسكيبها في الأعياد ، والشهور والسبوت كل مواسم بيت اسرائيل ، وهو يعمل ذبيحة الخطيئة والتقدمة والمحرقة وذبائح السلامة للكفارة عن بيت اسرائيل «حز ٤٥ : ١٧».

وعلى هذا فإن كان ما ذكرناه عن حزقيال صادرا عن وحي إلهي كما نسبه إلى قول السيد الرب فلا محيص فيه عن القول بالنسخ في هذه الشرائع المختلفة المتباينة ، او يقال بأنه من التشويش وتلاعب الأيام الطارئ على العهد القديم كما بنى عليه إظهار الحق كلامه.

ولكن المتكلف لا يرضى بشيء من ذلك ويقول النسخ مناف لحكمة الله وعلمه «يه ٤ ج ص ١٥٥» وكتاب الله منزه عن الناسخ والمنسوخ «يه ٤ ج ص ١٨٤» ، ويقول «يه ١ ج ص ٩١ و ١٧٧» ما حاصله انه لما كان حزقيال مع بني اسرائيل في سبي بابل ذكر لهم الهيكل والفرائض المقدسة ليؤكد لهم ان المولى سيعيدهم إلى وطنهم وتشويقا لهم الى تلك الأوقات السعيدة.

وثانيا : ان عبارته نبوية استعارية يشير بها إلى امجاد المسيح فاطلق الهيكل

٢٩٠

على كنيسة المسيح. وعلى كل حال فلا يوجد أدنى تناقض بين أقواله وسفر العدد لاختلاف الموضوع فإن حزقيال لم يأت بما ينافي شريعة موسى.

أقول : قد ذكرنا لك موارد المناقضة والمنافات بين ما يذكر عن شريعة حزقيال وشريعة موسى ، فطابق أنت لأجل الاستيضاح ما بين الخامس والأربعين والسادس والأربعين من حزقيال وما بين شريعة التوراة وخصوص الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من العدد وقل ما ترضاه لك حرية ضميرك ومجد فهمك وشرف صدقك ومعرفتك وانظر الى انه هل يرضى لك ذلك ان تقول لا نسخ هاهنا ولا تناقض ولا منافاة بل ان عبارة حزقيال نبوية استعارية تشير إلى أمجاد ملكوت المسيح فأطلق الهيكل على كنيسة المسيح أم تقول بابتداء فهمك وأول فطرتك اين هذه المقامات وأين الهيكل واين الكنيسة بل لا بد للكلام من معنى ، وللاشارة قانون يميزها عن الهذيان ، وان للكلمات نقادا وللحقائق رصادا وليس كل الناس ابناء الحياد عن الصواب ولا سيما هذه الأجيال المتنورة.

٣٠ و ٣١ ... التوراة والمسيح والطلاق والتزوج بالمطلقة.

شرعت التوراة طلاق الرجل لامرأته إذا لم تجد نعمة في عينه لأنه وجد فيها عيب شيء وشرعت أيضا تزوج رجل آخر بهذه المطلقة «تث ٢٤ : ١ ـ ٤» ، ونسخ الإنجيل هذا الحكم بقوله عن المسيح من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزنى ومن يتزوج مطلقة فأنه يزني «مت ٥ : ٣٢ و ١٩ : ١٩ ومر ١٠ : ١١ و ٢٢ ولو ١٦ : ١٨».

وقد حاول المتكلف في تبديل الإنجيل لشريعة التوراة في الطلاق والتزوج بالمطلقة ان يجعله من قسم التخصيص المصطلح لا من قسم النسخ «انظر يه ٤ ج ص ١٧٠ و ١٧١» فأطال وحرف وخلط فراجعه. وهذا اما من عدم الوصول الى الفارق المعنوي المميز بين التخصيص والنسخ ، واما من الفرار إلى التمويه والمغالطات.

فاعلم ان التخصيص في الاصطلاح هو ان يأتي المتكلم في خطابه بلفظ عام ولكنه لا يريد منه العموم لجميع افراده بل يريد بعضها ، وحينئذ يلزمه في

٢٩١

قانون التفهيم وصحة الخطاب ان يأتي على وفق مراده من العام بالمخصص المتصل او المنفصل ليكون بيانا للمراد قبل ان يحضر وقت العمل من المخاطب فينكشف بالمخصص ويتبين مقدار ما أراده من العام في اوّل الأمر وحين الخطاب.

مثاله : ان يقول المتكلم اكرم الكتاب وهو يريد من عموم الكتاب من لم تكن عادته التمويهات ومزخرفات الاباطيل ، فعليه في قانون البيان ان يقول متصلا او منفصلا قبل حضور وقت الاكرام المأمور به لا تكرم كتاب التمويهات والأباطيل. فالتخصيص المصطلح هو البيان لإرادة البعض من افراد العام في اوّل الخطاب.

وأما إذا تأخر ورود الخاص عن وقت العمل بالعام واستمر العام على عمومه مئات من السنين وصح العمل بجميع افراده اعتمادا على عموم لفظه في هذه المدة كما في شريعة التوراة في الطلاق فليس ذلك من التخصيص المصطلح بل إنما هو نسخ ورفع للحكم عن بعض أفراد العام بعد إرادة المتكلم لعمومه فإنه لو لم يرد عمومه على طبق اللفظ لوجب عليه في الحكمة ان يبين مقدار مراده من أفراد العام قبل حضور وقت العمل ، ولا يؤخره عن ذلك ، فإنه يكون بهذا التأخير مغريا بالجهل مقصرا في بيان المراد عند الحاجة إلى البيان ولا شك في قبح ذلك في حكمة الكلام وصواب المحاورات.

فيكشف ورود الخاص قبل وقت العمل عن إرادة بعض افراد العام حين الخطاب وهو معنى التخصيص المصطلح.

ويكشف تأخر الخاص عن وقت العمل عن ان العموم مراد من حين الخطاب إلى حين مجيء الخاص فيكون الخاص رافعا لحكم العام المراد على عمومه وهذا من حقيقة النسخ الذي كشفنا عن معناه في اوّل المقدمة ، فإن صح صح النسخ بجميع اقسامه ولو كان النسخ باطلا لكان هذا باطلا أيضا لأن الجهة فيهما واحدة وهي رفع الحكم الثابت والشريعة السابقة.

ولا يخفى ان حكم التوراة في الطلاق عام لكل عيب في المرأة حتى عيب

٢٩٢

سوء الخلق والخلقة ولم يبين تخصيصه في التوراة ولا من موسى بعيب الزنى بل عمل بنو اسرائيل بالعموم وصاروا يطلقون من لم تجد نعمة في اعينهم لكل عيب إلى زمان المسيح ، كما يشهد بذلك الإنجيل الرائج في نقله لكلام المعترضين على المسيح في أمر الطلاق واقرار المسيح لاعتراضهم ، وجوابه بأن موسى جوز لهم ذلك من اجل قساوة قلوبهم «مت ١٩ : ١ ـ ٩ ومر ١٠ : ٢ ـ ٦» وهذا هو النسخ ، فإن فر المتكلف من تسميته نسخا ، واقترح الخلط في الاصطلاح بتسميته تخصيصا جاريناه ، وقلنا : ان محل كلامنا هذا النحو من التخصيص.

ومن الظرائف المؤنسة ان المتكلف قد نسى موضوع الكلام في هذا المقام وهو الطلاق فعقبه كالمستنتج بقوله :

وقد أقام المسيح دليلا مقنعا باهرا على ان المولى سبحانه وتعالى خلق لآدم حواء ولو كان تعدد الزوجات جائزا لخلق له امرأتين ولكن المولى سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم يضع كل شيء في محله ويعرف ما يكون سببا في عمار البيوت وما يعجل بخرابها غير ان الإنسان زاغ عن شريعة الله لفساده وانحرافه وقسوته وتكبره واعجابه بنفسه.

فنقول أولا : ما ربط هذا الكلام بمسألة الطلاق ونسخه ، وأي تعلق له بما قبله من الكلام.

وثانيا : ما ربطه بالاحتجاج المنسوب إلى المسيح فإنه مع ما ذكرنا فيه من الوهن مسوق لعدم التفريق بين الرجل وامرأته «انظر مت ١٩ : ٤ ـ ٧».

وثالثا : ان هذا النحو من الاحتجاج يبطل عليهم مشروعية رهبانيتهم وترك الزواج فيقال لهم لو كانت الرهبانية وترك الزواج جائزا لما خلق الله لآدم زوجة ، ولكن الله هو العليم يعلم ما يكون سببا في تناسل البشر وحفظ النوع غير ان الإنسان يبتدع ما لم ينزل الله به من سلطان.

ورابعا : ان هذا الاحتجاج من المتكلف إنما تكون له صورة غير قبيحة إذا قلنا بوجوب تعدد الزوجات عقلا وفي كل شريعة ، وأما إذا قلنا بالجواز فلا يصلح هذا الاحتجاج حتى للمغالطة ، اذ نقول : ان الله اختار لآدم احد

٢٩٣

الأمرين الجائزين ، بل لا بد ان يكون على احد الأمرين الجائزين على كل حال.

وخامسا : قد قلنا في هذا الاحتجاج المقنع الباهر : يقتضي انه لا يجوز لبس الثياب لأن الله خلق آدم وحواء عريانين وبقيا على ذلك مدة من الزمان ، فلو كان لبس الثياب جائزا لخلق لهما ثيابا من اوّل الأمر ، ولكنه لم يكن من البدء هكذا ،

«فإن قلت» : ان الله قد صنع لهما بعد ذلك اقمصة من جلد.

«قلت» : وقد شرع الله لموسى شريعة الطلاق ، وبقيت هذه الشريعة باعتراف المتكلف نحو ألف وخمسمائة سنة والكل من الله وفي الكل لم يكن من البدء هكذا.

وأما قوله ولكن المولى هو العليم الحكيم يضع كل شيء في محله إلى آخره فأمر المتكلف دائر فيه بين أمرين إما انه لا يبالي بما يقول ولا دراية له لا من العهد القديم ولا من أهل العلم بأن تعدد الزوجات كان جائزا قبل المسيح في الشريعة ، وعلى جوازه نصت التوراة. سامحناه فيما فعله ابراهيم ويعقوب لزعمه الفاسد انه لم تكن قبل موسى شريعة.

ولا نقول له ان جدعون النبي بدلالة تكرر كلام الله معه كما في السادس والسابع من القضاة قد كانت له نساء كثيرات «قض ٨ : ٣٠».

وكذا داود النبي وسليمان ، لأنا قد ألفنا من أدب المتكلف ان يقول ان هؤلاء فعلوا خلاف الشريعة وأخطئوا وتابوا فعاقبهم المولى. ولكنا نقول له ان التوراة صريحة في جواز تعدد الزوجات «انظر تث ٢١ : ١٥ ـ ١٨» فكيف وضع الله هذه الشريعة؟ أتراه يريد ان يخرب بيوت شعبه وأبنائه بل ابنه البكر «خر ٤ : ٢٢ و ٢٣ وار ٣١ : ٩».

وإما ان يكون المتكلف يعرف ذلك من التوراة والعهد القديم ولكنه كما يظهر من اواخر كلامه هاهنا قد نخسه ما ينقل من عقيدة «ماني كيز» واصحابه حيث يقولون ان الذي اعطى موسى التوراة وكلم الأنبياء الإسرائيلية ليس باله بل شيطان من الشياطين او الإله الثاني خالق الشر نقله إظهار الحق في الجزء

٢٩٤

الثاني عن تاريخ «بل» وتفسير «لاردنر» ، او انه أخذ ذلك مما عن قول «بولس» فإنه يصير ابطال الوصية السابقة من اجل ضعفها وعدم نفعها «عب ٧ : ١٨» ، فإنه لو كان الأول بلا عيب لما وجد موضع لثان «عب ٨ : ٧».

او من القول المنسوب للمسيح الحق ، الحق اقول لكم اني أنا باب الخراف جميع الذين جاءوا قبلي هم سراق ولصوص «يو ١٠ : ٧ و ٨» ، او مما نقله «وارد كاتلك» عن كتاب «للوطر» من قوله نحن لا نسلم موسى ولا توراته لأنه عدو عيسى.

وقوله انه استاذ الجلادين انظر إلى الوجه الحادي عشر من الفصل الرابع من الباب الاول من إظهار الحق ، أو قول «سايل» والرسالة المنسوبة «لعبد المسيح الكندي» ان الله تساهل مع اليهود فأعطاهم أحكاما غير صالحة وفرائض لا يحيون بها.

ثم من ذا الذي عناه بقوله غير ان الإنسان زاغ عن شريعة الله إلى آخر كلامه ، أتراه يعني موسى النبي في شريعة تعدد الزوجات ، أم جدعون وداود ، وسليمان الأنبياء ، أم جميع الناس من يعقوب ومن قبله ومن بعده من بني اسرائيل أو انبيائهم الى زمان تحريمه في النصرانية.

وأما ادعاءه خراب البيوت بتعدد الزوجات فباطل بالوجدان لما نرى عليه المسلمين منذ أربعة عشر قرنا.

بل إذا اعطيت الحكمة حقها من التدبر دلت بأوضح دلالة على ان الله الرءوف العليم الحكيم لم يكن ليخلق النساء أكثر من الرجال بأضعاف كما يشهد به الاحصاء. ثم يشرع في أمرهن شريعة توجب حرمان اكثرهن عن قضاء الوطر من الشهوة المقلقة التي اودعها الله فيهن ويسبب بشريعته تعطيلهن عن فائدة التناسل التي جعل فيهن قابليتها مع انها أشرف الفوائد وأحبها إلى الانسان فيبقين بمقتضى الشريعة في نكد عيش العزوبة والترمل حتى يترتب على ذلك ما يترتب من العواقب الذميمة انظر الى حوادث البشر ولو لا محذور سوء القالة لأشرنا الى جملة منها ، ولم يكن الله ليعطل الرجال عن بركة التناسل إذا عقمت نساؤهم او يئسن من المحيض او مرضن مرضا مزمنا.

٢٩٥

٣٢ و .. الحلف

لم تمنع التوراة من الحلف والقسم بل أمرت بعدم نقضه «عد ٣٠ : ٢» وقد منع الإنجيل منه بالكلية «مت ٥ : ٣٣ ـ ٣٨».

٣٣ و ٣٤ و ... القصاص والسياسة

وقد شرعتها التوراة ونهت عن الاشفاق فيها «خر ٢١ : ٢٣ ـ ٢٥ ولا ٢٤ : ١٩ و ٢٠ وتث ١٩ : ٢١».

٣٥ و ٣٦ و ... الدفاع والمطالبة بالأموال

وشرعت التوراة دفاع السارق ولو بقتله والمطالبة بالأموال وغراماتها والمحاكمة فيها انظر إلى الثاني والعشرين من الخروج.

ونهى الإنجيل الرائج عن القصاص والسياسة والدفاع والمطالبة بالأموال ، وجعل ذلك من مقاومة الشر بالشر «مت ٥ : ٣٨ ـ ٤٢ ولو ٦ : ٢٩».

٣٧ و ... الصوم

وقد كثر في العهد القديم ذكره والتقرب والتضرع به إلى الله «قض ٢٠ ٢٦ ومر ٣٥: ١٣ واش ٥٨ : ٣ ـ ٧ وزك ٧ : ٥ و ٦» وغير ذلك ، وكذا في العهد الجديد «مت ٤ : ٢» وكان تلاميذ يوحنا المعمدان يكثرون منه. وقد أبطله نقل الإنجيل عن المسيح وألغاه عن تلاميذه ما دام موجودا فيهم وضرب الأمثال لعدم مناسبته «انظر مت ٩ : ١٤ ـ ١٨ ومر ٢ : ١٨ ـ ٢٣ ولو ٥ : ٣٣ ـ ٣٩».

٣٨ و ... الإنجيل والإنجيل بشارة الرسل

في الإنجيل ان المسيح اوصى تلاميذه في اوّل الأمر حين ارسلهم للتبشير بقوله إلى طريق امم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى الى خراف اسرائيل الضالة «مت ١٠ : ٥ و ٦».

ويؤيد هذا الحكم وظهوره في الدوام ما عن قول المسيح لم ارسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة. ثم نسخ هذا الحكم ورفعه بما عن قوله للتلاميذ

٢٩٦

أيضا فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به «مت ٢٨ : ١٩ و ٢٠».

وقوله أيضا : اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليفة كلها «مر ١٦ : ١٥».

«تنبيه» جاء في الإنجيل ان المسيح امضى شريعة موسى على متبعيه وثبتها وأمر باتباعها بقوله للجموع وتلاميذه ، على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه «مت ٢٣ : ١ ـ ٣».

ومقتضى انجيل «متى» ان هذا الكلام كان في «اورشليم» قبل الفصح الذي جرت فيه حادثة الصليب بيومين «انظر مت ٢٣ ـ ٢٦ : ٢» فيكون في اواخر ايام المسيح على الأرض وبناء عليه تكون شريعة التوراة شريعة المسيح باعتبار هذا الإمضاء والتثبيت والأمر بالاتباع لها ، فكل نسخ جاء بعد هذا من الرسل لشريعة التوراة يرجع في الحقيقة الى نسخ شريعة موسى والمسيح.

٣٩ و ... التوراة والرسل والختان

وهو شريعة الله لابراهيم وذريته ومتبعيه وعلامة عهده معهم «تك ١٧ : ٩ ـ ١٥».

وشريعة موسى «لا ١٢ : ٣» وقد جعله شرطا في جواز الأكل من الفصح «خر ١٢ : ٤٣ ـ ٤٩» وقد استمرت هذه الشريعة إلى ان ختن بها المسيح «لو ٢ : ٢١» وبقيت مستمرة ما دام في الأرض وبعد ذلك مدة في زمان الرسل ، ثم نسخه الرسل ورفعوا وجوبه عن المؤمنين من الامم في ضمن ما رفعوه في المشورة بينهم «انظر خامس عشر الاعمال» ، ثم نسخه «بولس» ورفعه رفعا كليا «انظر روميه ٣ : ١ و ٣٠ و ٤ : ١٠ ـ ١٣ و ١ كو ٧ : ١٨ ـ ٢٠ وغل ٦ : ١٥».

وقد أطال المتكلف في كلامه في هذا المقام ولم يأت فيه إلا بتناقض أطرافه وسوء الحياد عن الجواب «انظر يه ٤ ج ص ١٧٥ و ١٧٦».

قلنا : ايها الكاتب ان الختان الذي كان واجبا في شريعة ابراهيم وشريعة

٢٩٧

موسى إلى شطر من ايام الرسل اما ان تقول فيه ان وجوبه مختص بذرية ابراهيم وان شريعة التوراة لا تعم غير بني اسرائيل ، ونسامحك عما في هذه الدعوى من مخالفة العهدين ، واما ان تقول بأن شريعته عامة لكل الناس وانه علامة عهد الايمان بين الله وبين المؤمنين.

وعلى كل تقدير فقل هل هو إلى الآن واجب على نحو وجوبه الأول. وان الرسل لم يتعرضوا لرفع وجوبه بوجه من الوجوه وغاية ما بينوا انه لا يخلص بدون الايمان ، او تقول انه الآن ومن زمان مشورة الرسل في شأنه غير واجب بوجوب شريعته السابقة بل رفع ثقله لأنه كان رمزا إلى المعمودية والمعمودية تشير إلى الغسل بدم المسيح ، وقد انقضى زمان الرمز وجاء زمان الخلاص المرموز إليه. أجب بأحد الأمرين ثم اعرف اين تقول فلا ناسخ ولا منسوخ.

عبد المسيح الكندي

ومن الظرائف المؤنسة انه قد ظهرت في القرون المتأخرة رسالة نصرانية تنسب لعبد المسيح الكندي وانه كان في زمان بني العباس ومن جملة ما فيها قوله ان الله جل اسمه لما كان مزمعا أن يدخل بني اسرائيل الذين هم ولد ابراهيم الى ارض مصر ولم يزل عالما ان الشره سوف يحملهم على ارتكاب الفواحش التي حرمها عليهم ونجس اهلها جعل هذا سببا لمن اراد ارتكاب الفاحشة من امرأة مصرية نظرت الى هذه العلامة التي في جسده وهي الختان فامتنعت ولم تواته فوسمهم الله بهذه السمة لهذه العلة.

أقول : وغرضه من هذا الكلام هو ان يعتذر عن تركهم للختان بمجرد المشورة في رفعه مصانعة للأمم مع انه عهد الله الذي يحفظ في الأجيال. وعلامة العهد بينه وبين المؤمنين ، والذي لا يختتن يقطع من شعبه لأنه نكث عهد الله «تك ١٧ : ٩ ـ ١٥».

وشريعة موسى وشرط في عمل الفصح والأكل منه كما اشرنا إليه ، ولكن هذا الرجل لو لم يعتذر لكان خيرا لأدبه مع أنبياء العهدين ولاعتذاره مثل مشهور في الشعر فإنه حاول ان يتخلص من اللوم بكذبة ينسب فيها انبياء العهدين الى

٢٩٨

غاية الجهل بالحقائق ، وأسرار الأحكام من «يوشع» النبي الى رسل العهد الجديد ويكون هو اعرف منهم بوجوه الأحكام وحقائق الشريعة ، واذ عرف المجيب هذه العلة فليقل لما ذا جاء في كتب إلهامهم ان الله امر يوشع ان يختن بني اسرائيل من ابن اربعين سنة فما دون فحملهم هذا الأذى الشديد وعرضهم لفتك العدو بهم قبل ما يبرءون من جراحة الختان وقال بختانهم اليوم دحرجت عنكم عار مصر وهي «غرلة الشرك» هذا كله وقد مضى لهم من خروجهم من مصر أربعون سنة «انظر يش ٥ ، ٢ ـ ١٠» ولما ذا لم يتنبه باقي أنبياء بني اسرائيل الى هذه العلة في الختان ليرفعوه؟ ولما ذا لم يخبرهم الروح القدس بذلك؟ ولما ذا لم يرفعه المسيح لهذه العلة ويحتج بها لرفعه كما احتج للنهي عن الطلاق مع ان صورة الاحتجاج بها اوجه من صورة حجة الطلاق الواهية كما عرفت.

وأيضا لما ذا أمر التلاميذ والجموع بحفظ ما يقوله الكتبة والعمل به لأنهم جلسوا على كرسي موسى مع انه يعلم انهم يشددون في وجوب الختان. ولما ذا لم يرفعه الرسل لأجل هذه العلة بل ابقوا شريعته بعد المسيح مدة تزيد على خمسة عشر سنة ، ولما ذا لما ارادوا دفعه عن الامم مصانعة بالتخفيف عنهم لم يحتجوا لرفعه بهذه العلة بل تشبثوا لرفعه بمجرد استحسانهم للتخفيف عن الامم ورفع الثقل عنهم «انظر خامس الأعمال بتمامه».

وأيضا صرح العهد الجديد عن قول «بولس» ان ابراهيم أخذ علامة الختان ختما لبر الايمان الذي كان في العزلة «رو ٤ : ١١» ولم يعلله بولس بما ذكره هذا الرجل تمويها من دون تدبر.

وأيضا لما ذا لم يحتج بولس بهذه العلة مع انه لهج في كتبه برفعه وتقلب في وجوه الاحتجاج لذلك.

هذا واني احاشي الحواريين من التعرض لرفع الختان وإنما هو ممن حاول ان يستجلب الامم إلى رئاسته ولو بهدم الشريعة ، وانما نسبته لهم جدلا لمن ينسبه لهم ، ويتضح مما ذكرنا ان هذا الرجل يدعي معرفته بشيء جهله الأنبياء والمسيح ورسل العهد الجديد ، وإذا اتضح ما ذكرنا فإني ارجو رجاء ناصح من عموم النصارى وخصوص المقلدين لأكابرهم ان لا يقبلوا قول أكابرهم حتى

٢٩٩

يفصحوا عنه ولا أقل من مطابقته مع العهدين التي هي كتب إلهام عندهم ، فإني على يقين بأن العهدين على ما فيهما مباينان لأكثر أقوال الأكابر مبطلان حججهم ودعاويهم ، ولا يخفى على عاقل ان الله جل شأنه لا يقبل من العباد عذرهم عن ضلالهم بقولهم : اطعنا ساداتنا وكبراءنا واعتمدنا على أقوالهم في الدين والإيمان ، كيف وقد اتضح بفضل الله مصادمة أقوال الأكابر لكتب العهدين التي هي دستور ديانتهم كما عرفته وتعرفه إن شاء الله من متفرقات هذا الكتاب.

فإن تقدم الناس في الطبيعيات والرياضيات والصنائع ليبشرهم بالتقدم في معرفة حقائق الدين واصول معارفه إذا نظروا وبحثوا في جميع مقدماتها ولم يعتمدوا على قول فلان وفلان ، والمجمع الفلاني ، والمصلح الفلاني ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

فليعتبر ذو الرشد بأقوال المتكلف في كتابه وانه كيف كان يراها قبل ان يطلع على هذا الكتاب الذي خدمنا به الحق وطالبيه ، أفلم يكن يراها ببادئ نظرة واضحة الصواب قوية الحجة سديدة الشواهد ، واني أسأله بفضيلة الصدق كيف يراها بعد ما اطلع على كتابنا مع اني لم استقص ذكر ما فيها؟ أفلم يحصل له الشك في صوابها أقلا.

اللهم انعم على عبادك بهداك وخذ بأيديهم بتوفيقك إلى الصراط المستقيم انك ارحم الراحمين.

٤٠ و ... الحيوانات النجسة والمحرم أكلها.

لا يخفى ان التوراة قد حرمت لحوم كثير من الحيوانات وصرحت بنجاستها ونجاسة حيواناتها «انظر الى الحادي عشر من اللاويين والرابع عشر من التثنية وقد سبق شيء من ذلك في شريعة نوح بمقتضى نقل التوراة اجمالا «تك ٨ : ٢٠».

وقد ابيحت هذه المحرمات وحكم بطهارتها في العهد الجديد بما عن بطرس «اع ١٠ : ١١ ـ ١٧» واتفاق الرسل «ا ع ١٥ : ٢٨ و ٢٩» وعن «بولس»

٣٠٠