الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

الهدى إلى دين المصطفى - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

الفصل التاسع

في رسالة أيوب وما ذكر في شأنه

أما نبوته ورسالته في القرآن الكريم فيكفي فيها أن عده الله في عداد من أوحى إليهم من الرسل المبشرين والمنذرين لتقوم بهم الحجة «انظر الى سورة النساء ١٦١ ـ ١٦٣.

وجاء في شأنه قوله تعالى في سورة ص ٤٤ : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

وأما نبوته في العهدين فقد تكرر ذكر تكليم الله له ووحيه إليه «انظر أي ٣٨ : ١ و ٤٠ : ١ و ٦ و ٤٢ : ٧».

وما يدل على انه كان عظيما عند الله يخلص نفسه ببره «مز ١٤ : ١٤ و ٢٠» وانه ليس مثله في الارض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر «أي ١ : ٨ و ٢ : ٣».

وفي الخامس من رسالة يعقوب (١١) قد سمعتم صبر أيوب.

ومع ذلك قد جاء عنه في العهد القديم من الاعتراض على أمر الله ، والضجر من ابتلائه ، وسوء الأدب في الاعتراض على الله والتألم من الوعظ والإرشاد ما لا ينبغي أن يصدر من أجهل جهال الأشرار.

فقيل عنه انه جعل القضاء ظلما بكلام بلا معرفة «أي ٣٨ : ٢» وصار

١٤١

يطلب المحاكمة مع الله «أي ١٩ : ٧ و ٢٣ : ٣ ـ ٩» ويعرض بنسبة الظلم إليه تعالى الله عن ذلك «أي ١٠ : ٣ و ١٩ : ٧» وان الله نزع حقه «أي ٢٧ : ٢» ولفق فوق اثمه «أي ١٤ : ١٧».

وانظر الكلام المنسوب له في السفر المسمى باسمه تجد العجب العجيب «انظر أقلا أي ٩ : ٢١ ـ ٢٤ و ٢٨ ـ ٣٥ و ١٠ : ١ ـ ٨» ، فهل يجتمع صدق هذا النقل عنه مع صدق المنقول في رسالة يعقوب. قد سمعتم صبر أيوب ، وهل يجتمع هذا مع النبوة والرسالة التي من مهمات مقاصدها قطع مادة هذا الفساد.

١٤٢

الفصل العاشر

في نبوة داود وما ذكر في شأنه

أما نبوته في القرآن الكريم فيكفي فيها قوله تعالى في سورة بني اسرائيل (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). وعده في جملة الرسل الموحي إليهم كما في سورة النساء ١٦١ ـ ١٦٣ ، (وانظر الى سورة الانعام ٨٤ ـ ٩٠.

وأما في العهدين ففي الثالث والعشرين من صموئيل الثاني ١ وحي داود ابن يسيء ووحي الرجل القائم في العلاء روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني ٣ قال إله اسرائيل إلي تكلم صخرة اسرائيل.

وفي ثاني عشر مرقس ٣٦ لأن داود يدعوه بالروح القدس ربا ، ونحوه في الثاني والعشرين من متى.

وفي ثاني الأعمال ٣٠ صرح ما عن بطرس بأن داود كان نبيا ، وفي أول رسالة العبرانيين المنسوبة إلى بولس استشهد بفقرات عديدة من المزامير وجعلها قول الله.

وأما ما ذكر في شأنه ففي القرآن الكريم في سورة ص ٢٠ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ٢١ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ـ ٢٢ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ٢٣ قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ

١٤٣

نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ـ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ).

قال المتكلف يه ١ ج ص ٤٧ كل من اوتي ذرة من الفهم جزم بأن هذه الأقوال مأخوذة من التوراة.

يعني أنها مأخوذة من الحادي عشر من صموئيل الثاني حيث ذكر فيه ان داود وحاشاه زنى بامرأة اوريا الحثي الذي هو من جنده المؤمنين على علم بأنها امرأة اوريا وذات بعل فحملت منه وحاول أن يموه حملها منه ويلصقه بأوريا زوجها ثم سعى في قتل اوريا ، وقد تشبث المتكلف لدعوى مطابقة الآيات في المراد لما ذكرنا عن صموئيل الثاني بأقوال بعض المفسرين حيث ذكروا في تفسيرها نحو ما ذكر في صموئيل من الزنا وإلقاء اوريا للقتل وقد قدمناه في المقدمة السابعة ان مثل هذه الأقوال لا تحتفل بها الجامعة الإسلامية ولا يصح الجدل بها ، وان التشبث بها إنما هو من ضيق الخناق خصوصا مع مصادمتها لحكم العقل بعصمة النبي ومعارضتها بما حكاه المتكلف «يه ١ ج ص ٤٩» عن تفسير النسفي وغيره من أن داود وقعت عينه على المرأة فأحبها فسأل اوريا النزول له عنها فاستحيا أن يرده ففعل فتزوجها.

وما نقله أيضا «يه ١ ج ص ٥٠» مما روى عن علي عليه‌السلام انه قال من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهي حد الفرية على الأنبياء فسمىعليه‌السلام رواة ذلك قصاصا وهم المعتمدون على الخرافات التاريخية ، وصرح بأنه فرية على النبي.

وروى الراوندي في قصص الأنبياء عن الامام السادس من أهل البيت جعفر بن محمدعليهما‌السلام روايتين بهذا المضمون وتبرئة ساحة داود عن هذا الافتراء.

فمن الوهم البين قول المتكلف قبل ذكر الرواية عن علي عليه‌السلام ان عليا لم يكن زجره إنكارا لحقيقة القصة بل لصرف الناس عن المثالب.

وليت شعري ألم يفهم المتكلف معنى قوله عليه‌السلام حد الفرية على الأنبياء ولم ينظر إلى معنى الفرية في كتب اللغة ، هذا وقد رويت أيضا في تفسير

١٤٤

الآيات روايات متعددة مختلفة المضمون وكلها معارضة لما ذكره أولا عن المفسرين ومبرئة بجامع مضمونها لداود عن الزنا وما بعده ، فانظر إلى كتاب تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى «قدس‌سره» (١).

فأقول : ان من كان له من الفهم ما يهديه إلى الصواب ليجزم بأن مدلول الآيات مباين للقصة المذكورة في حادي عشر صموئيل الثاني ، فإن دعوى أحد الخصمين إن كانت على سبيل المثل لفعل داود كانت هي وجواب داود في القضاء بمقتضى القرآن يدلان على أن الصورة محض الطلب والسؤال للنعجة من دون أخذ لها أو تصرف بها قهرا أو اختلاسا وبمقتضى قانون المثل في مطابقته للمثل أن لا يكون داود تصرف بامرأة اوريا ، وحيث ان الروايات المفسرة للآيات زيادة على تعارضها فيما بينها لم يبلغ بعضها الحد الذي يصح الاعتماد عليه أو الجدل به حسب القانون الذي ذكرناه في المقدمة السابعة فصواب القول في الآيات هو أنها لا دلالة فيها على أن الخصمين من أي نوع كانا ، ولا على أن محاكمتهما كانت صورية لأجل التوبيخ لداود ، ولا على أنه تسرع في القضاء ، ولا على أن فتنته وامتحانه بأي نحو كانا ، فمقتضى ظاهر اللفظ ان المخاصمة غير صورية ، ومقتضى ان داود آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب كما في سورة ص ١٩ ، وانه عن أحكام الله لم يمل لأن الله هو علمه ولم ينس شريعة الله ولم يضل عن وصاياه «مز ١١٩ : ١١٢ و ١٠٩ و ١١٠» هو انه لم يتسرع في الحكم ولم يجر على غير قانونه الشرعي.

وأما فتنته فيجوز في معناها أن يكون داود قد امتحنه الله بدخول الخصوم من غير الموضع المعتاد للدخول ومخاصمتهم في أمر غير مهم كثيرا حتى فزع وفكر في ذلك ، وانه ما عسى أن يكون هذا الأمر فشغل بفزعه وفكره زمانا عن وظيفته وطريقته في محراب العبادة من النوافل والتسابيح المندوبة فخر راكعا مسارعة إلى وظيفته ، وأناب إلى الله عما يعده في تقواه واجتهاده في العبادة زلة من زلات المتقين فطلب من الله المغفرة والعود إلى مقامه الرفيع ومنزلة الصديقين فقال الله جل شأنه في اثر الآيات ٢٤ : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى

__________________

(١) طبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.

١٤٥

وَحُسْنَ مَآبٍ) ، وكيف يكون له عند الله زلفى وحسن مآب إذا كان قد اتبع هواه مدة من الزمان كما يزعمون إلى الزنا بذات البعل وتسبيبه قتل زوجها ، وقد قال الله له ٢٥ : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).

وان هاتين الآيتين الأخيرتين يتحصل منهما برهان استثنائي على أن داود لم يتبع الهوى فلم يفعل خطيئة ، وتقريره هو أن كل من يتبع الهوى له عذاب شديد بحكم الآية الأخيرة ، لكن داود ليس له عذاب شديد بل له عند الله زلفى وحسن مآب بحكم الآية التي قبلها ، فينتج بالبداهة ان داود لم يتبع الهوى فكيف تفسر الآيات السابقة؟ أو يتوهم في معناها ما يناقض هذه النتيجة ، وإذا تدبرت هذا كله عرفت صواب الشيخ السنوسي وجرأة المتكلف عليه «يه ١ ج ص ٥٣ س ١٦» ، وسيعلمون غدا من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى.

وفي المزمور المائة والتاسع عشر ١٠١ من كل طريق شر منعت رجلي لكي أحفظ كلامك ١٠٢ عن أحكامك لم أمل ، لأنك أنت الذي علمتني ١١٠ أما وصاياك فلم أضل عنها.

وليت شعري كيف يجتمع هذا المنسوب إلى الإلهام والوحي مع ما سنذكره من العهدين مما يشدد القدح في قدس داود ، وكيف لا يتناقضان؟ وكيف يكون التناقض؟.

ففي الحادي عشر من صموئيل الثاني ٢ وكان في وقت المساء ان داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة جدا ٣ فأرسل داود وسأل عنها فقال واحد : أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة اوريا الحثى ٥ فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها ثم رجعت الى بيتها ٥ وحبلت فأرسلت وأخبرت داود وقالت : اني حبلى ، فأرسل داود على اوريا وجاء به من الحرب وأمره أن يذهب إلى بيته «وغرضه ان يقارب اوريا امرأته فيتموّه أمر الحمل» فلم يمض اوريا إلى بيته مواساة لاصحابه المتجردين للحرب في سبيل الله مع

١٤٦

تابوت الله ، ولما مضى اوريا إلى الحرب كتب داود إلى رئيس جيشه أن يجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة ويرجعوا من ورائه ليقتل ففعلوا وقتل اوريا واخبر داود بموته فأرسل إلى امرأته المذكورة فضمها إلى بيته فولدت له ولدا من حمل ذلك الزنا «٢ صم ١١ : ٦ ـ ٢٧» فأرسل الله ناثان النبي إلى داود وقال له قد كان في مدينة رجلان واحد فقير له نعجة واحدة عزيزة عليه ، وآخر غني له غنم وبقر كثيرة جدا فأخذ الغني نعجة الفقير وهيأها لضيفه فقال داود يقتل هذا الرجل ويرد على الفقير النعجة أربعة أضعاف «وفي النسخة السبعينية سبعة أضعاف» فأخبره ناثان بأن هذا مثل له ووبخه عن قول الله على أفعاله وان الله سيكافيه ويسلط عليه من أهل بيته من يزني بنسائه قدام جميع اسرائيل وأخبره بأن الولد المولود له من هذا الزنا سيموت ، ولما مرض الولد صام داود لأجله وطلب من الله شفائه وبات مضطجعا على الأرض ولم يأكل خبزا «٢ صم ١٢ ـ ١٨».

وقد نسب إلى داود هاهنا خطيئة اخرى وهو حكمه على آخذ النعجة بخلاف شريعة التوراة إذ قد جمع عليه بين القتل وغرامة أربعة أضعاف النعجة أو سبعة لأنه ان كان قد سرقها غرم أربعة أضعافها ولكن لا يهدر دمه مطلقا إلا إذا وجد ينقب فضرب ومات فإنه ليس له دم ، ولكن ان أشرقت عليه الشمس فله دم «خر ٢٢ : ١ و ٢» ، واما إن كان قد غصبها فليس عليه إلا أن يعوض عنها ويزيد عليها خمس العوض ويكفر بكبش صحيح ذبيحة اثم «لا ٦ : ١ ـ ٨».

وأيضا قد نسب له مع أبشالوم ابنه ما ينجر إلى الخطيئة والتساهل في تأديبات الشريعة وحدودها مع الأشرار المفسدين في الأرض لمحض الهوى وحب الولد «انظر ٢ صم ١٥ ـ ١٨ : ٣٣».

١٤٧

الفصل الحادي عشر

في نبوة سليمان وما ذكر في شأنه

أما نبوته في القرآن الكريم فقد ذكره الله جل اسمه في عداد الأنبياء من ذرية ابراهيم في سورة الانعام ٨٤ وقال تعالى بعد تعدادهم ٨٩ (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ).

وذكره أيضا في سورة النساء في عداد الرسل الموحي إليهم المصرح برسالتهم ١٦١ ـ ١٦٣.

وأما في العهدين ففي الثالث من الملوك الاول ٥ والاول من الأيام الثاني ٧ تراءى الله لسليمان وقال له : اسأل ما ذا أعطيك؟

وفي العهدين أيضا فقال الله لسليمان : «١ مل ٣ : ١١ و ١٢ ى ١ : ١١» ، وفي السابع من الأيام الثاني ١٢ ما حاصله ان الله تراءى ثانيا لسليمان وقال له : قد سمعت صلاتك.

وفي سادس الملوك الاول ١١ وكان كلام الرب إلى سليمان.

وفي الثامن والعشرين من الأيام الاول عن قول داود عن قول الله له ٦ وقال : ان سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري لأني اخترته لي ابنا وأنا أكون له أبا. ونحوه في الثاني والعشرين من الايام الاول ٩ و ١٠ ، وسابع صموئيل الثاني.

١٤٨

وأما ما ذكر في شأنه ففي القرآن الكريم في سورة ص ٢٩ (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ٣٠ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ٣١ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ٣٢ رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ).

قال المتكلف «يه ١ ج ص ٤٣» ، قد ورد في القرآن ما يفيد انه اشتغل بالامور الدنيوية التي ألهته عن عبادة الله ـ والآيات دالة على أن الخيل ألهته عن الصلاة.

أقول : لا ينبغي أن ينكر ان اقتناء سليمان للخيل واختياره لأحوالها كان من الخير الراجح ، لأن اقتناءها كان بمقتضى الحال لتثبيت مملكة الإيمان والاستعداد لدفاع طغيان الوثنيين وعدوانهم ، وربما يدل عليه قوله أحببت حب الخير فلا وجه للقطع بأنه كان من اللهو الدنيوي كما توهمه المتكلف بل هو على ما ذكرناه نحو من أنحاء العبادة ومقدمات المحافظة على الموحدين والجهاد في سبيل الله ، ومن أين في دلالة الآيات ما يفيد انه اشتغل بالنظر الى الخيل عن عبادة واجبة حتى فات وقتها ليكون قد أذنب وفعل قبيحا. فلما ذا لم يحتمل المتكلف ان ذكر الرب في الآية كان من التسابيح المندوبة التي يجوز تركها وان كان عمدا فضلا عن الاشتغال عنها بخير آخر ، ولكنها لما كانت من وظائف سليمان المعتادة في ذلك الوقت أسف على فوات وظيفتها بسبب ما يمكن تحويله إلى وقت آخر.

ويمكن ان يكون معنى باقي الآيات ان لم يكن هو الظاهر منها ان سليمان رد الخيل إلى محالها ليدرك وقت الوظيفة من الذكر المعتاد له ، ولما توارت بالحجاب وفات وقت الوظيفة قال : ردوا الخيل علي ليعود إلى الخير الاول فطفق يمسح بسوقها وأعناقها لأحد أمرين : اما لأنه أحب أن يتواضع لله ويعمل عمل المتولين لخدمة الخيل وسواسها ، واما لأن يتآلفها ليتمكن منها وتجري على إرادته عند الركوب ، وكيف كان فإن قول الله جل اسمه عند صدر القصة في شأن سليمان «نعم العبد إنه أواب» ، مانع عن حملها على وجه يقتضي وقوع سليمان في المعصية.

١٤٩

وقال الله تعالى في سورة ص أيضا ٣٣ (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ٣٤ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ..).

فقال المتكلف «يه ١ ج ص ٤٥» ان هذه العبارات دالة بصراحة اللفظ على وقوعه أي سليمان في الخطيئة.

أقول : ان من معاني الفتنة هو الامتحان والابتلاء وقد اقتضت الحكمة ابتلاء سليمان فألقى على كرسيه جسدا فشغله ذلك عن تسابيحه المندوبة ووظائفه المعتادة ولم يفعل بذلك ذنبا ولو تركها عمدا وابتداء ولكن اجتهاد الأنبياء في العبادة يأبى ذلك بل يعدونه من الخسران وأسباب عدم الترقي بالطاعة إلى المراتب السامية ، فساء سليمان ذلك وأناب إلى ربه واستغفره لتقصيره عن وظيفته الذي يعده الصديقون من الزلل ونقصان الربح فغفر الله له ، ولعل ما ناله بالإنابة إلى الله أفضل مما فاته.

ومما ينبغي الاعتبار به ان المتكلف تقول على القرآن وهذه الآيات.

فقال «يه ١ ج ص ٤٣» غير متحرج حتى من انتقاد الناس ، انه ورد في القرآن ان سليمان سمح بعبادة الأصنام في بيته.

وتشبث لكل ما ادعاه هاهنا كعادته بأخبار بعض القصاص «انظر الى يه ١ ج ص ٤٤ و ٤٥» وانه ليعلم ان جمهور المسلمين والجامعة الإسلامية لا يحتفلون بها ، وانه لحق أن يقال له ما ذا تصنع؟ أو ما سمعت المثل ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر.

فإن في الحادي عشر من الملوك الاول ٤ وكان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه أملن قلبه وراء آلهة اخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه ٥ فذهب سليمان وراء عشتاروت آلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين ٦ وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماما كداود أبيه ٧ حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيّين على الجبل الذي تجاه اورشليم ولمولك رجس بني عمون وانظر الى «٢ مل ٢٣ مل: ١٣».

١٥٠

وليت شعري هل عبادة الأوثان إلا أن يذهب ورائها ويعمل لها مثل ما يعمله عبدتها لها كبناء المرتفعات ونحوه ، وان المتكلف قد هون هذا الأمر «يه ١ ج ص ٤٣» فقال ذكر في التوراة : ان النساء الغريبات أملن قلب سليمان حتى بنى لآلهتهن المرتفعات.

ومن الاتفاق الظريف ان في العهدين كلمة تنقل عن قول الله قد لازمتها العاقبة الغير المحمودة «وهي كلمة الابن».

ففي رابع الخروج ٢٢ يقول الرب اسرائيل ابني البكر ٢٣ اطلق ابني ليعبدني فكان عاقبة ذلك ان هؤلاء الذين قيل فيهم هذا قد تقلبوا في شركهم ما شاءوا كما سمعت في المقدمة الخامسة.

وفي الثامن والعشرين من الأيام الاولى في شأن سليمان اخترته لي ابنا وأنا أكون له أبا.

ويقول الحادي عشر من الملوك الاول ٥ ـ ٨ ان هذا المختار مال قلبه إلى الأوثان وذهب ورائها وعمل لها ما يعمله عبادها.

وفي ثالث متى في شأن المسيح ١٧ هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت فكانت العاقبة ممن ينتمي إليه أن يقول ان الله ذو اقانيم ثلاثة فهو واحد وثلاثة.

هذا وقد نسب الحادي عشر من الملوك الاول إلى سليمان غير هذا من المعاصي الكثيرة ومخالفات الشريعة ، منها تزوجه بسبعمائة امرأة واتخاذه ثلاثمائة من السراري «١ مل ١١ : ٣».

وقد حرمت التوراة على ملك بني اسرائيل كثرة النساء «تث ١٧ : ١٧» ومنها تزوجه بالوثنيات وقد حرمته التوراة أيضا «خر ٣٤ : ١٦ وتث ٧ : ٣ و ٤».

ولا بد حينئذ من أن تكون مقاربة المرأة التي حرم التزويج بها من قسم الزنا المحرم في التوراة «خر ٢٠ : ١٤ وتث ٥ : ١٨».

وعلى هذا فقد نسب إلى سليمان كثرة الزنا في كثير من عمره الشريف

١٥١

وذلك من حيث تجاوزه المقدار الموظف له في الشريعة من النساء ومن حين تزوجه بالمشركات.

فلينظر العاقل انه هل يجوز في حكمة الله ولطفه أن يكون مثل من تنسب له هذه الامور نبيا بعث لإرشاد الخلق واختاره الله ابنا له وأوحى إليه مثل كتاب الأمثال والجامعة المعدودين من كتب الوحي.

١٥٢

الفصل الثاني عشر

في نبوة اليسع وما ذكر في شأنه

أما نبوته في القرآن الكريم فقد ذكره في عداد الأنبياء الذين صرح بنبوتهم في سورة الانعام ٨٦ ـ ٨٩ ، وفي مقام آخر ظاهر في انه لتعداد الأنبياء في سورة ص ٤٨.

وأما في العهدين فقد صرح بنبوته في أول التاسع من الملوك الثاني ، وأما ما ذكر في شأنه ففي الثامن من الملوك الثاني ٧ ـ ٩ ان بنهدد ملك آرام كان مريضا فارسل حزائيل مع هدية إلى اليشع ليسأله عن كلام الله انه هل يشفى من مرضه ١٠ فقال له اليشع : اذهب وقل له شفاء تشفى وقد أراني الرب انه يموت موتا.

وقد نسب الى اليشع في ذل صريح الكذب على الوحي وكلام الله.

وفي السادس من الملوك الثاني ١٩ ما حاصله ان اليشع كذب على الجيش الذي أرسله في طلبه ملك آرام ثلاث كذبات لم تلجأ إليها الضرورة كما ألجأت اسحاق إلى قوله عن امرأته انها اخته.

١٥٣

الفصل الثالث عشر

في نبوة ارميا وما ذكر في شأنه

أما نبوته ففي صريح السادس والثلاثين من الأيام الثاني ١٢ وثامن متى ١٧ وفي هذا المقدار كفاية لأهل الكتاب.

وأما ما ذكر في شأنه ففي العهدين في رابع كتابه المسمى ارميا عن قوله ١٠ فقلت آه يا سيد الرب حقا انك خداعا خادعت هذا الشعب واورشليم قائلا يكون سلام وقد بلغ السيف النفس.

أقول : وليت شعري ما ذا يقول المتكلف في هذا المقام؟ أيقول ان الله جل شأنه متصف بهذا تعالى عن ذلك علوا كبيرا؟ أم يقولون ان هذا النبي الموحى إليه بكثير من الغيب والمرسل لموعظة بني اسرائيل وارشادهم لا معرفة بالله ولم يسمع عن التوراة أقلا قولها ان الله ليس إنسانا فيكذب «عد ٢٣ : ١٩».

وفي خامس عشر صموئيل الاول ٢٩ ونصيح إسرائيل لا يكذب أم يقولون ان هذا النبي شاء أن يسب الله ويصفه بالكذب والخداع لينكشف للناس علم الله وغناه وحكمته في إرساله ، ولا أقل من أن يكون هذا الكلام المعدود من الإلهام كذبا في تبليغ الناس وإرشادهم إلى المعارف الحقة إذ نسب هذه الصفة إلى الله تعالى ، أم يقولون ان هذا الكلام وما يجري مجراه مكذوب على الأنبياء مدسوس في كتب الوحي من تصرف الضلال أو من عبث الجهل ، فليعتبر ذو الرشد.

١٥٤

الفصل الرابع عشر

في نبوة حزقيال وما ذكر في شأنه

أما نبوته فضرورية عند أهل الكتاب والكتاب المنسوب إليه المشتمل في أواخره على تبليغ الشريعة معدود من الكتب الإلهامية الصادرة عن الوحي وكلام الله عند عامة أهل الكتاب ما عدا بقية السامريين.

وأما ما ذكر في شأنه فقد قدمنا عنه انه اخبر في السادس والعشرين من حزقيال عن قول السيد الرب في شأن تخريب نوبخذ راصر لصور ونهبه لثروتها وغنيمة لتجارتها بتفصيل طويل الذيل ، ثم ذكر عنه في التاسع والعشرين عن كلام الرب ان نبوخذراصر لم تكن له ولا لجيشه اجرة من صور وان الله عوضه عنها بمصر فراجع وافرض صحة ما تكلفه المتكلف ومع ذلك تجد ما لا بد من أن يكون كذبا في التبليغ عن الله.

١٥٥

الفصل الخامس عشر

في رسالة المسيح وما قيل في شأنه

أما رسالته في القرآن الكريم فيكفي قول الله جل شأنه في سورة النساء ١٦٩ : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ، وقوله جل شأنه في سورة المائدة ٧٩ : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

وأما رسالته في العهد الجديد فلا تحتاج الى ذكر.

وأما ما ادعى في العهد الجديد من إشارة العهد القديم إليه وإلى نبوته فسيأتي إن شاء الله إيضاح ان بعضها لا وجود له في العهد القديم ، وبعضها لا يمكن انطباقه عليه ، وبعضها نص في سليمان بن داود وبعضها رموز تنطبق على غيره كما تنطبق عليه ، بل لعل انطباقها على غيره أولى.

وأما ما ذكر في شأنه فأمور :

«الأول» ان في سابع لوقا ٣٤ وحادي عشر متى ١٩ ما يتضمن اعتراف المسيح وحاشاه بأنه شريب خمر ـ أي كثير الشرب لها ـ ، وفي السادس والعشرين

١٥٦

من متى ٢٧ ـ ٣٠ ، ورابع عشر مرقس ٢٣ ـ ٢٦ والثاني والعشرين من لوقا ١٧ و ١٨ ما يتضمن انه حاشاه شرب الخمر وقال قول المودع لها المتأسف على فراقها ، وفي ثاني يوحنا ١ ـ ١٢ انه وحاشاه حضر هو وتلاميذه في قانا الجليل مجلس العرس الذي تشرب فيه الخمر ولما فرغت الخمر صنع لهم بطلب أمه ستة أجران من الخمر الجيد فسقوا منه.

وليت شعري ما يصنع المتكلف وغيره بهذا إذا كانت الخمر حراما قطعا ، كما اعترف به المتكلف «يه ١ ج ص ١٣» ، وكذا سقيها كما في ثاني حبقوق ١٥ ، وكما سنوضحه إن شاء الله في موانع النبوة وبيان حرمتها خصوصا على الأنبياء.

«الثاني» قد قدمنا في الفصل الرابع من الباب الثاني من هذه المقدمة انه قد ذكر عن قول المسيح في شأن معاصريه جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي «مت ١٢ : ٣٩ ولو ١١ : ٢٩» الحق أقول لكم لن يعطي هذا الجيل آية «مر ٨ : ١٢».

وذكرنا ان كل واحد من هؤلاء الثلاثة يذكر في انجيله ما يكذب هذا القول المنسوب إلى المسيح بنقله صدور الآيات بعد ذلك ويكذبه أيضا يوحنا بواقعة احياء العازر ويلزم من ذلك ، أما نسبة الكذب إلى المسيح وحاشاه أو كذب أصحاب الأناجيل فيما نقلوه من صدور الآيات بعد ذلك أو كذبهم في نسبة هذا الكلام إلى المسيح أو كذب غيرهم في نسبة ذلك إليهم.

وأيضا ذكر عن قول المسيح لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال «مت ١٢ : ٤٠».

مع ان مقتضى الأناجيل الأربعة انه لم يبق في قلب الأرض إلا ليلتين وهما ليلة السبت وليلة الأحد ويوما كاملا وهو يوم السبت وشيئا يسيرا من يوم الجمعة وشيئا يسيرا لا يذكر من يوم الأحد ، فاختر لمن تنسب الكذب في هذا الأمر.

وأيضا في سابع يوحنا ان المسيح إذ كان في الجليل قريبا من عيد المظال

١٥٧

قال له اخوته أن يذهب الى اليهودية ليرى تلاميذه أعماله ، فقال لهم ٨ اصعدوا انتم الى هذا العيد أنا لست أصعد بعد الى هذا العيد لأن وقتي لم يكمل بعد ٩ قال لهم هذا ومكث في الجليل ١٠ ، ولما كان اخوته قد صعدوا صعد هو أيضا إلى العيد.

وأيضا في حادي عشر متى عن قول المسيح في شأن يوحنا المعمدان ١٤ وان أردتم أن تقبلوا فهذا هو ايليا المزمع أن يأتي مع أن في أول انجيل يوحنا في شأن يوحنا المعمدان ٢١ فسألوا إذا ما ذا ايليا أنت؟ فقال : لست أنا وينتج من هذين النقلين نسبة الكذب الى أحد النبيين ، اما الى المسيح بقوله ان يوحنا هو ايليا المزمع أن يأتي ، واما الى يوحنا بقوله : انه ليس ايليا مع انه نقل عن قول المسيح في شأن يوحنا ، انه نبي وأعظم من نبي «مت ١١ : ٩».

«الثالث» في ثامن يوحنا عن قول المسيح اذ قال له الفريسيون : أنت تشهد لنفسك وشهادتك ليست حقا حيث قال ١٧.

وأيضا في ناموسكم مكتوب شهادة رجلين حق ١٨ أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الأب الذي أرسلني وقد نسبوا الى قدسه بهذا الكلام تمام الجهل بحكم التوراة ومعرفة المكتوب وحكم القضاء شرعا وعرفا ، فإن المدعي لا يكون أحد الشهود البتة حتى عند الأوباش.

«الرابع» في ثالث عشر يوحنا بعد أن ذكر أخبار المسيح بأن واحدا من تلاميذه سيسلمه ٢٣ ، وكان متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه ٢٤ فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه ٢٥ فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال : يا سيد من هو انتهى ، واعلم ان قوله كان متكأ معناه انه كان جالسا وشواهده من العهد الجديد كثيرة انظر أقلا الى «يو ٢ : ١ ـ ١٠ ومت ١٤ : ١٩ و ١٥ : ٣٥ ومر ٦ : ٣٩ ولو ٩ : ١٤ و ١٥ ويو ٦ : ١٠ و ١١».

ولا تظن ان هذا التلميذ كان ابن أربع سنين أو ثلاث حتى لا يقبح اتكاؤه وجلوسه في حضن المسيح ، بل يدلك الحادي والعشرون من يوحنا ٢٠ ـ

١٥٨

٢٥ على أنه هو يوحنا بن زبدى الذي ينسب إليه هذا الإنجيل ، وانه قبل اتكائه وجلوسه في حضن المسيح بنحو ثلاث سنين كان يصطاد السمك مع أبيه وأخيه ويعمل في السفينة ويصلح الشباك «مت ٤ : ٢١ و ٢٢ ومر ١ : ١٩ و ٢٠» فلا بد وان يكون حين ما يدعى من جلوسه في حضن المسيح واتكائه على صدره شابا في ريعان الشباب وغضارته ، فانظر يا ذا الرشد والفهم الحر واعتبر في أحوال البشر ونزاهة الأولياء وعفافهم وقل هل يجوز على قدس المسيح أن يجلس في حضنه شاب غض في محفل من التلاميذ ويعطيه وجها حتى إذا أراد أن يكلمه اتكأ على صدره كتغنج الفتاة المعجبة بجمالها المعتمدة على شغف زوجها بها.

أفهذا وضع رسول مرشد إلى الهدى والعفاف أم وضع ... غفرانك الله مما ذكرت فاني أردت إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل وتنزيه مسيحك المقدس ورسولك المكرم ليحيي من حي عن بينة.

«الخامس» في عاشر يوحنا في شأن المسيح ٣٣ إجابة اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها ٣٤ أجابهم يسوع أليس مكتوبا في ناموسكم انا قلت انكم آلهة ٣٥ ان قال : آلهة لاولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب ٣٦ ، فالذي قدسه الأب وأرسله الى العالم أتقولون له : انك تجدف؟ لأني قلت : اني ابن الله انتهى.

فأقول في هذا الكلام وفرض نسبته الى المسيح وحاشاه ان كان هذا الاحتجاج بما في الناموس جدلا من المسيح لليهود وإسكاتا بما في ناموسهم لزم أن يكون في ناموسهم ما ليس من الإلهام بل هو كذب عليه فجادلهم به المسيح الزاما لهم وانتقادا عليهم ، وهذا من شواهد التحريف الذي ادعيناه وإن كان برهانا من المسيح لزم أن يكون معتقدا مصدقا بتعدد الآلهة وكثرتهم وحينئذ أين يكون ما في التوراة ولا تذكروا اسم آلهة اخرى ولا يسمع من فمك «خر ٢٣ : ١٣» لا يكن لك آلهة اخرى امامي «تث ٥ : ٧» لتعلم ان الرب هو الإله ليس آخر سواه ، فاعلم اليوم وردد في قلبك ان الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه «تث ٤ : ٣٥ و ٣٩» أنا هو الرب

١٥٩

وليس إله معي «تث ٣٢ : ٣٩».

وفي السابع عشر من الأيام الاول ٢٠ يا رب ليس مثلك ولا إله غيرك.

وفي المزمور الثامن عشر ٣١ لأنه من هو إله غير الرب.

وفي الرابع والأربعين من اشعيا ٦ هكذا يقول الرب ملك بني اسرائيل وفاديه رب الجنود أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري ٨ هل يوجد إله غيري؟ الى غير ذلك من العهدين.

وكيف أمكن أن ينقض هذا كله ويقال بتعدد الآلهة ولا يمكن أن ينقض قول المزامير ، أنا قلت : انكم آلهة ولا يصرف عن ظاهره المدعي لأجل دلالة العقل والنقل على توحيد الإله ، هذا كله مع أن المزمور الثاني والثمانين المتضمن لهذه الفقرة ظاهر بسوقه فضلا عن قرينة العقل في أن هذه الفقرة مسوقة للإنكار لا للاخبار ففيه ٢ حتى متى تقضون جورا وترفعون وجوه الاشرار سلا ٥ ، ٣ أقضوا للذليل ولليتيم انصفوا المسكين والبائس نجوا المسكين والفقير من يد الاشرار انقذوا ٥ لا يعلمون ولا يفهمون في الظلمة يتمشون تتزعزع كل اسس الارض ٦ أنا قلت : انكم آلهة وبنوا العلى كلكم ٧ لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون ٨ ، قم يا الله دن الارض لأنك أنت تمتلك الامم انتهى.

فتأمل في أول هذا الكلام وآخره وسوقه وحصل بفهمك الحر معناه ثم تنبه الى أن العهدين مع ما تضمنا من توحيد الإله كما سمعت بعضه وستسمع إن شاء الله في محاله باقيه ، ومع نهي التوراة عن ذكر اسم آلهة اخرى ، وأن لا يسمع ذلك من الفم ، قد ذكر فيها ان موسى إله لهارون «خر ٤ ، ١٦» وإله لفرعون «خر ٧ ، ١».

وفي العهد الجديد ما سمعت من أن الذين صارت لهم كلمة الله آلهة ، أو يرضي ذو الفكر السليم أن يكون هذا كله من الوحي الإلهي ، أو كما يقول المتكلف «يه ١ ج ص ٣٨» وغيرها تنزيل العليم الحكيم.

١٦٠