تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٧

جلّ وعزّ ، ولا يبعد ان يكون مراده الذّهاب الى ربّه البشرىّ في الدّين والايمان أو الذّهاب الى مقام الحضور عند ربّه الملكوتىّ الّذى يعبّر عنه بالفكر والسّكينة والحضور (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) بعضا من الصّالحين يكون أنيسا لي في وحدتى ، ومعينا لي عبادتي ودعوتي ، وكان منظوره (ع) طلب الولد (فَبَشَّرْناهُ) يعنى اجبناه الى مسئوله بعد يأسه ويأس زوجته من الولد (بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) يعنى لمّا أعطيناه وبلغ السّعى معه في اعماله يعنى بلغ المراهقة أو مبلغ الرّجال رأى في المنام انّ الله يأمره بذبحه و (قالَ) لولده (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ) لمّا صارت رؤياه مكرّرة قال أرى (أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) قرئ بفتح التّاء والرّاء وبضمّ التّاء وكسر الرّاء (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ) الإتيان بالتّصغير ولحوق التّاء بالأب لإظهار الشّفقة (ما تُؤْمَرُ) لم يقل ما رأيت أو ما ترى إظهارا لما اعتقده من انّ الرّؤيا لم تكن الّا من الله ولم تكن الّا امرا له بما رأى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما) استسلاما لأمر الله أو أسلم اسمعيل (ع) نفسه وإبراهيم (ع) ابنه وقرأ علىّ (ع) والصّادق (ع) فلمّا سلّما من التّسليم (وَتَلَّهُ) صرعة (لِلْجَبِينِ) اى على الجبين (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) بالعزم والإتيان بالمأمور وجواب لمّا محذوف اى وقع ما وقع من الاستبشار ورفع الدّرجات له وصدور المكالمات عنه وحدوث الحزن له بمنعه من تلك الرّياضة العظمى والفيض العظيم وجواب الله تعالى عن ذلك كما ورد في الاخبار (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) يعنى انّ هذا الامتحان بالأمر بذبح الولد هو الامتحان العظيم ، أو هذه المصيبة الّتى هي ذبح الولد ، أو هذا الصّبر والتّوفيق لامتثال مثل هذا الأمر العظيم لهو النّعمة العظيمة من الله (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) اى عظيم الجثّة أو عظيم القدر ، قد اختلف الاخبار في انّ الذّبيح كان اسمعيل (ع) أو إسحاق (ع) والمشهور من الاخبار انّه كان اسمعيل (ع) وانّه كان جدّ نبيّنا محمّد (ص) وانّ السّلطنة كانت في أولاد اسمعيل (ع) والنّبوّة في أولاد إسحاق ، وانّ البشارة لإبراهيم (ع) كانت اوّلا بإسماعيل (ع) من هاجر ، وثانيا بإسحاق (ع) من سارة ، وانّ هاجر كانت جارية لسارة فوهبتها لإبراهيم (ع) ، وانّ هاجر لمّا حملت بإسماعيل وولدته اغتبطت سارة عليها لانّها لم يكن لها ولد حينئذ فكانت توذي إبراهيم (ع) فاشتكى الى الله فقال الله تعالى : انّ المرأة مثل عظم الضّلع لو ذهبت تقيمها كسرتها ولو ابقيتها استمتعت بها ، نحّ هاجر واسمعيل من عندها ، فذهب بها وبولدها بأمر الله ودلالة جبرئيل (ع) الى مكّة ولم يكن بها ماء ولا عمارة ولا أحد ، وانّ بين بشارة إبراهيم (ع) بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق كانت خمس سنين ، وروى عن الصّادق (ع) انّه سئل : كم كان بين بشارة إبراهيم (ع) بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق؟ ـ قال : كان بين البشارتين خمس سنين ، قال الله سبحانه (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) يعنى اسمعيل وهي اوّل بشارة بشّر الله بها إبراهيم (ع) في الولد ، ولمّا ولد لإبراهيم (ع) إسحاق (ع) من سارة وبلغ إسحاق ثلاث سنين اقبل اسمعيل (ع) الى إسحاق (ع) وهو في حجر إبراهيم (ع) فنحّاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت : يا إبراهيم (ع) ينحّى ابن هاجر إبني من حجرك ويجلس هو مكانه لا والله لا تجاورنى هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحّهما عنّى ، وكان إبراهيم (ع) مكرما لسارة يعزّها ويعرف حقّها وذلك لانّها كانت من ولد الأنبياء (ع) وبنت خالته فشقّ ذلك على إبراهيم (ع) واغتمّ لفراق اسمعيل (ع) ، فلمّا كان في اللّيل أتى إبراهيم (ع) آت من ربّه فأراه الرّؤيا في ذبح ابنه اسمعيل (ع) بموسم مكّة فأصبح إبراهيم (ع) حزينا للرّؤيا الّتى رآها فلمّا حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم (ع) هاجر واسمعيل (ع) في ذي الحجّة من ارض الشّام فانطلق بهما الى مكّة ليذبحه في الموسم ، فبدأ بقواعد البيت الحرام فلمّا رفع قواعده خرج الى منى حاجّا وقضى نسكه بمعنى ثمّ رجع الى مكّة فطاف البيت أسبوعا ثمّ انطلقا فلمّا صارا في السّعى قال : إبراهيم (ع) لإسماعيل (ع) : يا بنىّ انّى

٣٠١

أرى في المنام انّى أذبحك في الموسم عامي هذا فما ذا ترى؟ ـ قال : يا أبت افعل ما تؤمر ، فلمّا فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم (ع) الى منى وذلك يوم النّحر فلمّا انتهى الى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر وأخذ الشّفرة ليذبحه نودي ان يا إبراهيم (الآية) وقد ذكر كيفيّة ذبحه وإتيان الفداء له في المفصّلات ، وهكذا ذكر الاخبار المختلفة في ذلك الباب في المفصّلات من أراد فليرجع إليها (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) قد سبق بيانه قبيل هذا (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لمّا سبق هذه الكلمة في هذه القصّة وكان السّامع كأنّه تلقّاها بالقبول ولم يبق له حالة شكّ وسؤال أتاها هاهنا بدون التّأكيد (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) وفي هذا وفي قوله تعالى ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا (الى قوله) فمنهم ظالم لنفسه (الآية) اشعار بانّ أعقاب الأنبياء (ع) قد يكونون على الظّلم وانّ ظلمهم ليس شينا لآبائهم وقد ذكر بيان لظلم النّفس هناك (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) بانجائهما وإنجاء قومهما من شدّة الاستعباد ونصرهما وإعطاء الكتاب والنّبوّة وبقاء لسان الصّدق في الآخرين وغير ذلك وعلى هذا فقوله تعالى (وَنَجَّيْناهُما) الى آخر المعطوفات عطف فيه معنى التّفسير لقوله منّنا (وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الّذى هؤلاء الاستعباد وقتل الأولاد والتّفريق بين الرّجال والنّساء وتجسّس حياء النّساء للعيب أو الولد وخوف قتل فرعون لهم بعد خروجهم من مصر واخذه لهم واستعباده ثانيا وخوف الغرق بعد دخول البحر (وَنَصَرْناهُمْ) بانجائهم من عدوّهم وإغراق عدوّهم (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) البالغ في ظهور الصّدق وكون صاحبه صادقا والمراد به النّبوّة والرّسالة وأحكامهما والتّوراة صورتهما (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهو الصّراط الانسانىّ الّذى فطريّه فطريّ الولاية وتكليفيّة تكليفىّ الولاية وبالجملة هو اشارة الى الولاية كما انّ الكتاب اشارة الى النّبوّة والرّسالة (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قيل : هو إدريس النّبىّ (ع) ، وقيل : كان نبيّا من أنبياء (ع) بنى إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عمّ اليسع ، بعث بعد حزقيل ، ولمّا فتح يوشع الشّام بوّأها بنى إسرائيل وقسّمها بينهم فاحلّ سبطا منهم ببعلبك وهم سبط الياس (ع) ، وقيل : انّ الياس (ع) صاحب البراري ، والخضر صاحب الجزائر ويجتمعان في كلّ يوم عرفة بعرفات ، وقيل : انّه ذو الكفل (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) مناصحا لهم بصورة الشّفقة (أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً) اسم صنم كان لهم وكان من الذّهب ، وقيل : البعل اسم الرّبّ بلغة اليمن والمقصود أتدعون ربّا غير الله (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) قد سبق بيان لكونه تعالى أحسن الخالقين (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للحساب أو في النّار (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) قد روى من طريق الخاصّة اخبار كثيرة بانّ القراءة آل يس بفتح الالف ومدّه وكسر اللّام وانّ المراد بهم آل محمّد (ص) وانّ يس من أسمائه وقد ذكر محاجّتهم على علماء العامّة بهذه القراءة بحيث لم يكونوا ينكرونها وكانوا معترفين بصحّة القراءة بذلك ، ويكون يس اسما من أسماء محمّد (ص) وقد روى من طريقهم القراءة بذلك وانّه في بعض مصاحفهم مكتوب بفصل الآل من يس وكأنّ المنظور كان من الإتيان بآل محمّد (ص) بهذا اللّفظ في ذيل الياس (ع) ان لا يسقطوه ، لو قال سلام على آل محمّد (ص) ، ولمّا كان محمّد (ص) وأهل بيته (ع) شرف كلّ ذي شرف وفخر كلّ ذي فخر ومقام كلّ ذي مقام كان السّلام على آل

٣٠٢

محمّد (ص) سلاما على كلّ ذي سلام وشرفا لكلّ ذي شرف ولسان صدق لكلّ صادق ، فصحّ ان يقال تركنا على الياس في الآخرين لسان صدق هو سلام على آل محمّد (ص) وقرئ الياسين بوصل اللّام في الكتابة فقيل انّه اسم لإلياس مثل سينا وسينين ، وقيل : انّه جمع له لكنّه بعيد لانّ الاعلام إذا جمعت أتى بها معرفة باللّام (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قد سبق قصّته في سورة هود وحجر وغيرهما (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ) يا أهل مكّة (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) يعنى على آثارهم فانّ منازلهم كانت سدوم في طريق الشّام (مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قد أشرنا في سورة يونس (ع) انّ قصّته وقصّة قومه ودعاءه الى قومه وفراره عنهم بعد دفع العذاب عن قومه ودخوله الفلك وابتلاءه ببطن الحوت مذكورة في المفصّلات ، من أراد فليرجع إليها ، عن الباقر (ع) انّه قال : لمّا ركب مع القوم فوقفت السّفينة في اللّجة واستهموا فوقع السّهم على يونس ثلاث مرّات ، قال فمضى يونس (ع) الى صدر السّفينة فاذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه ، وعن الصّادق (ع) ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم الى الله عزوجل الّا خرج سهم المحقّ وقال : اىّ قضيّة اعدل من القرعة إذا فوّضوا الأمر الى الله أليس الله عزوجل يقوم فساهم فكان من المدحضين يعنى المغلوبين في القرعة ، دحض برجله ، فحص ، وعن الأمر بحث ودحض رجله زلقت ، الشّمس زالت ، والحجّة بطلت (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) من الام بمعنى عدل ، أو من الام بمعنى أتى ما يلام عليه أو صار ذا لائمة (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) تعريض بالامّة يعنى إذا ابتليتم ببليّة فأكثروا من تسبيحه وتهليله وذكره حتّى ينجيكم منها (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) اى المكان الخالي عمّا يغطّيه من شجر أو نبت أو بناء أو جبل (وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) وهو كلّ شجرة تبقى من الشّتاء الى الصّيف ليس لها ساق كذا قيل : وقيل : المراد الدّبّاء (١) (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) بل يزيدون ، عن الصّادق (ع) يزيدون ثلاثين ألفا (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) سمّى لآجالهم (فَاسْتَفْتِهِمْ) بعد ما ذكرت لهم هذه القصص الّتى فيها عبر لكلّ من يعتبر (أَلِرَبِّكَ) الّذى فعل ما فعل بالأمم السّالفة ومكذّبيهم ومصدّقيهم وأنبيائهم (ع) (الْبَناتُ) اللّاتى هنّ اخسّ الأولاد (وَلَهُمُ الْبَنُونَ) الّذين هم أشرف الأولاد حتّى يعلموا انّهم مخطئون في تلك النّسبة فيتنبّهوا فيعلموا انّهم مخطئون في نسبة الولد اليه (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ) الّذين هم أشرف الخلائق وبريئون من نقائص الذّكورة والانوثة (إِناثاً) مبتليات بأنواع النّقائص (وَهُمْ شاهِدُونَ) حتّى يتنبّهوا انّ قولهم هذا ليس الّا عن محض خرص وتخمين ، ويتفكّروا انّ العاقل لا ينبغي ان يتفوّه في مثل هذا المطلب العظيم بالظّنّ والتّخمين (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) قولا عظيما لا ينبغي ان يقال ، يقولون : (وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) من غير احتمال صدق في قولهم (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) قبح ما تقولون وتنسبون الى الله فانّ نسبة الولد الى الله تخرجه عن الوجوب الى الإمكان ، وعن الغنى الى الحاجة ، وعن التّنزّه الى التّدنّس ، وعن التّجرّد الى كونه مادّيّا ، وغير ذلك من النّقائص ، وبعد نسبة الولد اليه لا تتذكّرون قبح ما تقولون من انّ أولاده بنات لا بنون (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ) حجّة

__________________

(١) الدباء بالضم والمدّ القرع ؛ الواحدة دباء ويقال له بالفارسية : كدو.

٣٠٣

(مُبِينٌ) واضح أو موضح أنكر قولهم لربّنا البنات ، والملائكة بنات الله ، ثمّ أنكر نسبة الانوثة الى الملائكة الّذين هم منزّهون عن دنس الذّكورة والانوثة ثمّ أنكر شهودهم حين خلق الملائكة والحال انّ الانوثة والذّكورة لا تعلمان الّا بالشّهود ، ثمّ أنكر نسبة الولد اليه وصرّح انّها من جملة إفكهم وصرّح بانّهم كاذبون تأكيدا ، ثمّ عيّرهم على نسبة البنات اليه والبنين الى أنفسهم مع انّه إذا نسب البنات إليهم ظلّت وجوههم مسوّدة ، ثمّ عيّرهم على عدم تذكّر قبح ذلك مع انّه يتذكّر قبح أمثال ذلك كلّ ذي شعور ، ثمّ عيّرهم على القول بلا حجّة خصوصا أمثال هذا القول ، ثمّ طالبهم بالحجّة إلزاما لهم على الإقرار بعدم الحجّة ، كلّ ذلك لتأكيد قبح هذا القول ولتأكيد تعيير قائله (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذا القول ونسبة الولد الى الله ، فانّ الصّادق لا بدّ له من حجّة على دعواه أو ان كنتم صادقين في ادّعاء الحجّة والكتاب (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) قيل : انّهم تارة يقولون الملائكة بنات الله ، وتارة يقولون : الجنّ بنات الله ، أو بعضهم يقولون : الجنّ بنات الله ، وبعضهم يقولون : الملائكة بنات الله ، وقيل : انّ مرادهم بالجنّ ، الملائكة سمّوهم جنّا لاستتارهم ، وقيل : قالوا انّ الله صاهر (١) الجنّ فخرجت الملائكة ، وقيل : قالوا ، الله والشّيطان اخوان والله خالق الخير ، والنّور والشّيطان خالق الشّرّ والظّلمة ، وقيل : المراد بالنّسبة النّسبة في العبادة فانّ بعضهم يعبدون إبليس ويقولون انّه احقّ بالعبادة من الله أو مثله في العبادة (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في الحساب أو في النّار ، وضمير انّهم للجنّة أو للمشركين أو للمجموع (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) في حقّه من الولد والنّسبة والمصاهرة (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء من فاعل يصفون أو من مرفوع لمحضرون أو استثناء منقطع (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) من الملائكة والجنّة والشّياطين وغير ذلك من المعبودات (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) اى على ما تعبدون أو على الله أو على هذا الوصف (بِفاتِنِينَ) بمفسدين النّاس ومضلّيهم والجملة جزاء شرط محذوف اى إذا كان الله منزّها عمّا تقولون بأفواهكم من غير تحقيق والمنزّه عن المادّة ونقائصها لا يمكن للمادّىّ التّصرّف فيه فانّكم ومعبوداتكم لا تقدرون افتتان النّاس على خلاف امره التّكوينىّ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) داخل فيها محرق بها يعنى من كان بالفعل داخل نار الجحيم وان لم يكن شاعرا بالدّخول لكون مداركه خدرة غير متأثّرة بحرقتها (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) هذا قول الملائكة ردّا على عابديهم والجملة حاليّة بتقدير القول أو معطوفة والمعنى انّهم يقولون ما منّا الّا له مقام معلوم ، وقيل : هذا قول جبرئيل (ع) للنّبىّ (ص) وعن الصّادق (ع) قال : أنزلت في الائمّة والأوصياء من آل محمّد (ص) والمعنى ما منّا أحد الّا له مقام في العبوديّة لا نتجاوزه فكيف نكون معبودين مراقبين لعابدينا وحافظين لهم وناصرين لهم؟ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) في العبادة والخدمة لا انّه يصفّ العباد لنا (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) لله لا انّه يجوز ان يسبّحنا أحد ، وعن الصّادق (ع) كنّا أنوارا صفوفا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السّماء بتسبيحنا ، الى ان هبطنا الى الأرض فسبّحنا فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا وانّا لنحن الصّافون وانّا لنحن المسبّحون (وَإِنْ كانُوا) انّهم كانوا (لَيَقُولُونَ) اى المشركون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) اى كتابا من كتبهم ، أو شريعة من شرائعهم ، أو نبيّا من أنبيائهم (ص) (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ) اى بالذّكر الّذى هو محمّد (ص) أو القرآن أو شريعة محمّد (ص) أو ولاية علىّ (ع) (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) بالوعد والنّصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أو المعنى لقد سبقت كلمتنا الّتى هي فعليّة الانسانيّة

__________________

(١) اى تزوّج منهم بنتا فولدت له الملائكة.

٣٠٤

الّتى هي دليل كلّ خير وطريق كلّ مطلوب وفعليّة كلّ كمال ، أو سبقت كلمتنا الّتى هي الولاية كلمة الشّيطان فصارت كلمة الشّيطان مغلوبة ، وإذا صارت كلمة الشّيطان مغلوبة صارت جملة جنوده الدّاخلة والخارجة مغلوبة ، وصارت جملة جنود الحقّ الدّاخلة والخارجة غالبة والآية تسلية للرّسول والمؤمنين وتهديد للكافرين (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) بدل من كلمتنا أو جواب لسؤال مقدّر في مقام بيان الكلمة أو في مقام التّعليل (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) واعرض عن مجادلتهم ومقاتلتهم (حَتَّى حِينٍ) حتّى تبلغ الى موعد نصرك وقتلهم (وَأَبْصِرْهُمْ) فانّك فتحت بصيرتك ويمكنك أبصارهم على حالهم الفظيعة الّتى تؤدّيهم الى الجحيم والى العذاب الأليم ، أو ابصرهم على حالهم الّتى يكونون عليها في القيامة وعند الحساب ، أو في الجحيم وعند العذاب فانّك لا حاجة لك الى إتيان القيامة بعد فانّ القيامة صارت حالك (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ذلك في القيامة لعدم خروجهم بعد عن مضيق طبعهم وسجن نفوسهم وحجب اهويتهم (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) تهديد لهم ، روى انّه لمّا نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا؟ فقال تعالى تهديدا لهم : أفبعذابنا يستعجلون (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) اى وقت المنذرين فانّه كثيرا ما يستعار الصّباح لمطلق الوقت (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) تأكيد للاوّل وتعقيب لكلّ من الوعد والوعيد بذلك إتماما لطرفى الوعد والوعيد (سُبْحانَ رَبِّكَ) عن كلّ ما يصفه الواصفون وخصوصا عمّا يصفه المشركون (رَبِّ الْعِزَّةِ) لانّه ليس كمال ولا وصف الّا انّه تعالى خالقه وربّه (عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ) اى سلامة أو الله أو تحيّة السّلام (عَلَى الْمُرْسَلِينَ) كأنّه تعالى قال : فالنّقمة على المشركين وسلام على المرسلين فانّ قوله سبحان ربّك ربّ العزّة في مقام ان يقال نقمة عظيمة من غير دافع على المشركين وسلام على الموحّدين (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعليم للعباد أو إنشاء للحمد تعظيما لنفسه ، أو اخبار بانّ كلّ كمال وكلّ صفة كمال خاصّ بالله فكيف يكون له شريك في ملكه.

سورة ص

مكّيّة وهي ثمان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ص) قرئ بالسّكون وهو الأصل في فواتح السّور ، وقرئ بكسر الدّال امّا لالتقاء السّاكنين والتّحريك بالكسر ، أو لجعله امرا من المصاداة وهي المعارضة ، وقرئ بفتح الدّال لالتقاء السّاكنين ، أو لجعله علما للسّورة ومنع صرفه وفي اخبار كثيرة انّ ص عين تنبع من تحت العرش ، أو من يمين العرش ، أو من ركن من أركان العرش وهي ماء الحيوة ، وفي خبر انّ ص من أسماء الله ، أو من أسماء النّبىّ (ص) وقد سبق في اوّل البقرة تفصيل تامّ يغنينا هاهنا عن التّعرّض لبيانه (وَالْقُرْآنِ) اقسم بالقرآن (ذِي الذِّكْرِ) والجواب محذوف اى انّ القرآن حقّ ، أو انّك حقّ ، أو انّ الكافرين به أو بك كفروا به لا لحجّة

٣٠٥

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ) مناعة عن قبول الحقّ وتأنّف منه و (شِقاقٍ) وفي طرف مع الله ورسوله ولذلك لم يقبلوا رسالة رسوله ولا كتابه (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أمّة هالكة تهديد لهم على كفرهم (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) هو من قولهم وما تنادوا به أو من الله أو من الملائكة ، حكى بتقدير القول اى فنادوا وقال الله أو الملائكة لات حين مناص وزيادة التّاء على لا للتّأكيد (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) والحال انّه لا ينبغي ان يكون المنذر الّا منهم (وَقالَ الْكافِرُونَ) اى قالوا ، ووضع الظّاهر موضع المضمر لإظهار ذمّهم وبيان مبني قولهم (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) قد مضى بيان السّحر في سورة البقرة عند قصّة هاروت وماروت (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) استغربوا ما سمعوه من خلاف ما اعتادوه (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) بالغ في العجب (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) يعنى انطلق ألسنتهم ولذا أتى بان التّفسيريّة بعده أو انطلقوا بأرجلهم والمعنى انطلقوا عنه مسارّين (أَنِ امْشُوا) من عند هذا الرّجل أو امشوا على دينكم (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا) الّذى هو من جملة البلايا والمصائب (لَشَيْءٌ يُرادُ) بنا أو انّ هذا الّذى يدّعيه من الرّياسة على العباد والتّرفّع في البلاد شيء يريده كلّ أحد (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) اى الملّة الّتى هي غير هذه والملّة الّتى أدركناها (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) وقد ورد الاخبار بانّ الآية نزلت بمكّة بعد ان أظهر رسول الله (ص) دينه وسمعت به قريش وذلك انّه اجتمعت قريش الى ابى طالب (ع) وقالوا : يا أبا طالب انّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبّاننا وفرّق جماعتنا فان كان الّذى يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتّى يكون اغنى رجل في قريش ونملّكه علينا ، فأخبر ابو طالب (ع) رسول الله (ص) فقال : لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري ما أردته ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في الجنّة ، فقال لهم أبو طالب ذلك ، فقالوا : نعم وعشر كلمات ، فقال لهم رسول الله (ص) : تشهدون ان لا اله الّا الله وانّى رسول الله فقالوا : ندع ثلاث مائة وستّين إلها ونعبد إلها واحدا؟! فأنزل الله سبحانه بل عجبوا (الآية) (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) مع انّه كان يتيما لا مال له ولا علم ولا شأن (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) لا انّهم أيقنوا بالذّكر وأنكروا ان تكون أنت هو أو تكون أنت صاحبه (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) حتّى أيقنوا بعذابي وأيقنوا بذكرى يعنى انّهم أبطرتهم كثرة النّعم والفراغ من البلايا فاشتغلوا بلذائذ النّفوس وأنكروا ما وراءها (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) حتّى يختاروا لرحمته الّتى هي النّبوّة ونزول الذّكر من شاؤا من رجل من القريتين عظيم (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتّى يتصرّفوا فيها بما شاؤا ويجعلوا فيها من شاؤا رئيسا ومن شاؤا مرءوسا (فَلْيَرْتَقُوا) امر للتّعجيز (فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا في أسباب الصّعود الى العرش فينزلوا الذّكر على من شاؤا ، وقيل : المراد بالأسباب السّماوات لانّها أسباب المواليد السّفليّة (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) الجملة جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : فما حالهم ومآل أمرهم؟ ـ فقال : انّهم سيهزمون لانكارهم الذّكر وصاحبه لكنّه قال : جنود كثيرة أو عظيمة في مقام هذا الإنكار الّذى هو ابعد المقام عن مقام العقول صاروا مهزومين من الفرق المتفرّقة المختلفة من العرب والعجم والتّرك والدّيلم ليكون تنبيها ودليلا وتهديدا على المقصود (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) بيان للاحزاب المكذّبين المنكرين وبيان لانهزامهم بالتّلويح (ذُو الْأَوْتادِ) سمّى به كما في الخبر لانّه كان إذا أراد ان يعذّب أحدا بسطه في الأرض على وجهه وأوتد يديه ورجليه بأربعة أوتاد في الأرض وربّما

٣٠٦

بسطه على خشب منبسط فأوتدها كذلك وتركه حتّى يموت ، وقيل : معناه ذو الملك الثّابت بالأوتاد ، وقيل : معناه ذو الأركان القويّة فانّه كان صاحب جنود كثيرة وأمراء عظيمة ووزراء قويّة (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) اى قوم شعيب (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) المهزومون فانظروا حالهم ومآل تكذيبهم وإنكارهم (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) اى رسلهم أو جميع الرّسل لانّ تكذيب واحد تكذيب للجميع (فَحَقَّ عِقابِ وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) تصريح بما عرّض به من عقوبة المنكرين من قريش والمراد بهؤلاء المنكرون من قريش (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هي الصّيحة عند الموت أو عند القيامة يعنى المراد به النّفخة الاولى أو الثّانيّة (ما لَها مِنْ فَواقٍ) توقّف أو رجوع أو راحة أو افاقة من الغشي ورجوع الى الدّنيا أو فتور (وَقالُوا) اى يقولون بعد الصّيحة وادّاه بالماضي لتحقّق وقوعه ، أو لانّه قد وقع بالنّسبة الى محمّد (ص) ، أو المعنى انّهم بلسان حالهم سألوا نزول العذاب الموعود بهم ، أو بلسان قالهم كما قالوا : ان كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو كما قالوا متى يكون هذا الوعد (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) قسطنا من العذاب الموعود (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) استعجلوا ذلك استهزاء أو استعجلوا لشدّة عذابهم قبل القيامة في البرازخ بظنّ انّ عذابهم قبل يوم الحساب ينجيهم من عذابهم في البرزخ أو من عذاب يوم الحساب (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) ولا تحزن بقولهم فانّهم لا يفوتوننا ولا ينالونك بمكروه من غير اذننا وراجع ربّك على كلّ حال (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) جمع اليد بمعنى القوّة والنّعمة كما في الخبر (إِنَّهُ أَوَّابٌ) مع كونه كثير القوّة والنّعمة فراجع أنت ربّك (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ) بيان لقوّته ونعمته (مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) يعنى وقت اشراق الشّمس أو هو كناية عن الغداة (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) اليه من كلّ جانب أو حالكون الطّير محشورة من أوكارها (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) قد سبق الآية بتركيبها وتفسيرها في سورة الأنبياء وفي سورة السّباء (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) يعنى قوّيناه بحيث لا يمكن لأحد الإخلال في ملكه (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) المراد بالحكمة آثار الولاية فانّ الحكمة ليست الّا دقّة العلم وإتقان العمل والدّقّة فيه وهي من آثار الولاية فانّ الإنسان ما لم يقبل الولاية بشروطها المقرّرة عندهم لم يفتح بصيرته وما لم يفتح بصيرته لم يصر نظره دقيقا ، وما لم يصر نظره دقيقا لا يمكنه الإتقان في العمل وقد مضى مكرّرا بيان الحكمة مفصّلا والمراد بفصل الخطاب آثار الرّسالة فانّه باىّ معنى كان كان من جهة الاشتغال بالكثرات والاشتغال بالكثرات من جهة العباد ليس الّا لأجل الرّسالة إليهم أو لأجل قبول الرّسالة من الرّسول (ع) وقد فسّر فصل الخطاب في خبر مروىّ عن علىّ (ع) بقوله : البيّنة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه ، وفي خبر مروىّ عن الرّضا (ع) انّه معرفة اللّغات ، وفسّر فصل الخطاب بتمييز الحقّ عن الباطل ، وبالكلام المفصول المبيّن الّذى لا يشتبه على سامعه ، وبالخطاب القصد الّذى ليس فيه إيجاز مخلّ ولا أطناب مملّ ، وبمطلق العلم بالقضاء (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) تنبيه له (ص) ولامّته على انّ الامتحانات الالهيّة كثيرة تكون بصورة إتيان المتخاصمين وبصورة الاذلال والإعزاز وبصورة عناد المعاندين ومحبّة المحبّين فلا تغفلوا عن امتحانه ولا تغترّوا بانعامه وإعزازه ، وأتى بالاستفهام للتّعجيب من حاله (ع) ومبادرته بنسبة الظّلم الى الخصم من غير تثبّت واستظهار ليكون آكد في ذلك التّنبيه (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) التّسوّر الدّخول من قبل السّور ، والمحراب مجلس الاشراف الّذى يحارب دونه وهو مقامهم الخاصّ لعبادتهم أو نزاهتهم وخلوتهم (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) لانّهم دخلوا في غير وقت دخول الأغيار ودخلوا من دون اذن ومن غير المحلّ المعتاد للدّخول (قالُوا)

٣٠٧

بعد ما رأوا انّه فزع منهم (لا تَخَفْ خَصْمانِ) كأنّهم كانوا جماعة وقال بعضهم : هذان خصمان ، أو : نحن خصمان (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) لا تجر في الحكومة (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) المرضىّ لله وللعقل (إِنَّ هذا أَخِي) بيان لصورة المخاصمة (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) هي الأنثى من الضّأن (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها) ملّكنيها من الكفل بمعنى النّصيب اى اجعلها نصيبي ، أو من الكفالة اى اجعلني كفيلها (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) غلبني في المخاصمة (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ما زائدة أو وصفيّة لتأكيد التّقليل (وَظَنَّ داوُدُ) بعد ما تبادر في الحكم بالظّلم (أَنَّما فَتَنَّاهُ) امتحنّاه بذلك (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) من تبادره في الحكم (وَخَرَّ راكِعاً) خاضعا (وَأَنابَ) رجع الى الله بالاعتذار (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) التّبادر (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) قربة (وَحُسْنَ مَآبٍ يا داوُدُ) على طريق الحكاية اى قلنا يا داود (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) لنا أو للأنبياء والملوك الماضين (فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) قد سبق في سورة لقمان بيان ما لخلافة داود (ع) في ذيل بيان حال لقمان (ع) وحكمته وعن الرّضا (ع) في بيان عصمة الأنبياء ، وامّا داود (ع) فما يقول من قبلكم فيه؟ ـ فقيل : يقولون : انّ داود (ع) كان يصلّى في محرابه إذ تسوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون فقطع داود صلوته وقام ليأخذ الطّير فخرج الطّير الى الدّار فخرج في اثره فطار الطّير الى السّطح فصعد في طلبه فسقط الطّير في دار أوريا بن حيّان ، فاطّلع داود في اثر الطّير ، فاذا بامرأة أوريا تغتسل فلمّا نظر إليها هويها وكان قد اخرج أوريا في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدّم أوريا امام التّابوت فقدّم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (ع) فكتب اليه ثانية ان قدّمه امام التّابوت فقدّم فقتل أوريا فتزوّج داود بامرأته ، قال : فضرب الرّضا (ع) يده على جبهته وقال : انّا لله وانّا اليه راجعون.! لقد نسبتم نبيّا من أنبياء الله الى التّهاون بصلوته حتّى خرج في اثر الطّير ثمّ بالفاحشة ثمّ بالقتل ، فقيل : يا ابن رسول الله (ص) فما كانت خطيئته؟ فقال : ويحك! انّ داود (ع) انّما ظنّ انّه ما خلق الله عزوجل خلقا هو اعلم منه ، فبعث الله عزوجل اليه الملكين فتسوّرا المحراب فقالا له : خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا الى سواء الصّراط انّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال : أكفلنيها وعزّنى في الخطاب فعجّل داود (ع) على المدّعى عليه فقال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ولم يسأل المدّعى البيّنة على ذلك ولم يقبل على المدّعى عليه فيقول له : ما تقول؟ ـ فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم اليه ، الا تسمع الله يقول : يا داود انّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ (الى آخر الآية) فقيل : يا بن رسول الله (ص) فما قصّته مع أوريا؟ ـ قال الرّضا (ع) : انّ المرأة في ايّام داود (ع) كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبدا فاوّل من أباح الله تعالى ان يتزوّج بامرأة قتل بعلها ، داود (ع) ، فتزوّج بامرأة أوريا قتل وانقضت عدّتها فذلك الّذى شقّ على أوريا والاخبار في انكار ما روته العامّة كثيرة عن ائمّتنا (ع) حتّى انّه روى عن أمير المؤمنين (ع) انّه : من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستّين جلّدة ، يعنى جلدته حدّين للمفترى ، وفي خبر عنه حدّا للنّبوّة وحدّا للإسلام وروى عنهم تصديق ما روته العامّة أيضا وقد ذكر في بيان الحكم بين النّاس بالحقّ ان يكون المدّعى والمدّعى عليه عند الحاكم متساويين في النّظر والتّكلّم والمجلس والبشر ، وقد ذكر انّ الحكم بالحقّ ان يكونا متساويين في ميل القلب بمعنى انّه يكون ميل قلبه من حيث حكومته ومن حيث احقاق الحقّ إليهما متساويا لا انّه يحبّ ان يكون الحقّ لأحدهما ، ولا يختلف الحال عنده ايّهما

٣٠٨

كان محقّا ، ولا يبعد ان يكون قوله تعالى (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) تلويحا اليه فانّ النّهى عن اتّباع الهوى يشير الى النّهى عن الهوى وميل النّفس الى أحدهما من باب المقدّمة (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو الحكم بالحقّ (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) واتّبعوا هوى النّفس (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) هذه من تتمّة خطاب داود (ع) فتكون الجملة حاليّة أو استيناف خطاب لمحمّد (ص) كما يشعر به أخبارنا فتكون معطوفة بلحاظ المعنى كأنّه قال : ما فتنّا داود عبثا انّما فتنّاه لنخلّصه من النّقص الّذى كان فيه وما خلقنا السّماء ، أو تكون حاليّة يعنى لخلق السّماء والأرض غايات عديدة هي مشهودة ومعلومة لكم وهي توليد المواليد ، ولتوليد المواليد أيضا غايات عديدة هي أيضا مشهودة ومعلومة لكم ، وترجع جملتها الى انتفاع الإنسان في معاشه وليس حيوة الإنسان حياته الدّانية غاية الغايات ونهاية النّهايات لفنائها وعدم بقائها ، ولا يكون الفاني الدّاثر غاية للدّائم الباقي فبقي ان يكون حياته الباقية الدّائمة غاية الغايات ونهاية النّهايات حتّى لا يكون خلق الكلّ باطلا ، وعلى هذا لا يكون المؤمن والمفسد ولا المتّقى والفاجر متساويين (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو بالرّسالة أو بالخلافة أو بالآخرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) المراد بالمتّقين والفجّار هما المؤمنون والمفسدون كرّرهما بتغيير الوصفين تأكيدا وتصريحا بانّ التّقوى لا تكون الّا للمؤمن ، والفجور ليس الّا للمفسد ، سئل الصّادق (ع) عن هذه الآية فقال : الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أمير المؤمنين (ع) وأصحابه كالمفسدين في الأرض قال : حبتر وزريق وأصحابهما ، أم نجعل المتّقين كالفجّار حبتر وزلام وأصحابهما (كِتابٌ) خبر مبتدء محذوف أو مبتدء خبره مبارك أو ليّدبّروا والمعنى انّ القرآن كتاب ، أو علىّ (ع) كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) ذو بركة وخير على المتمسّك به والتّفسير بعلىّ (ع) أوفق بقوله ووهبنا لداود سليمان (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) قد مضى مكرّرا انّ الإنسان ما لم يتّصل بالولاية كان بلا لبّ وإذا اتّصل بالولاية بشروطه المقرّرة عندهم صار ذا لبّ فهو بدون الولاية يكون كالجوز الخالي عن اللّبّ ويكون لائقا للنّار وبالولاية تصير كالجوز الّذى يكون له لبّ ، عن الصّادق (ع) ليدّبروا آياته أمير المؤمنين والائمّة (ع) فهم أولوا الألباب (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) سليمان (ع) (إِنَّهُ أَوَّابٌ) مثل داود (ع) (إِذْ عُرِضَ) ظرف لاوّاب أو لما يلزم قوله نعم العبد من المدح لكنّهما يوجبان تقييد ما المقصود منه الإطلاق أو ظرف لا ذكر مقدّر ، فانّ المقصود من قوله وهبنا تذكيره (ص) بحال سليمان (ع) وتنبيهه على هبة علىّ (ع) له (عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) الصّافن الفرس الّذى يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصّفات المحمودة للخيل ، والجياد جمع الجواد بمعنى سريع السّير جيّده (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أحببت بمعنى تقاعدت فانّ احبّ استعمل بمعنى برك أو من المحبّة والمعنى أحببت نوع حبّ الخير متقاعدا عن ذكر ربّى أو حبّ الخير مفعول به حينئذ وإذا كان أحببت بمعنى تقاعدت يكون حبّ الخير مفعولا له والمراد بالخير الخيل لانّ العرب تسمّى الخيل بالخير ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الخير معقود بنواصي الخيل الى يوم القيامة ، أو المراد به المال الكثير كما فسّر الخير به في قوله تعالى : ان ترك خيرا (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) اى توارت الشّمس بقرينة الحال وقرينة ذكر العشىّ المستلزم لسير الشّمس ، وقيل : حتّى توارت الخيل عن نظره بالحجاب الّذى لها من مربضها

٣٠٩

أو انّه امر باجرائها فكان مشتغلا بالتّفكّر فيها والنّظر إليها حتّى توارت عن نظره (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) قد ورد الاخبار من طريق الخاصّة انّ سليمان (ع) اشتغل ذات يوم بالعشىّ بعرض الخيل لانّه كان يريد الجهاد ففات وقت صلوة عصره وتوارت الشّمس وغربت ، وفي بعض الاخبار فات اوّل وقت صلوة وقيل فات صلوة نفلته فقال : للملائكة بأمر الله ردّوا الشّمس علىّ حتّى أصلّي صلوتى في وقتها فردّوها عليه ، فمسح ساقيه وعنقه وامر أصحابه الّذين فاتتهم الصّلوة معه بمثل ذلك وكان ذلك وضوءهم ثمّ قام فصلّى فلمّا فرغ غابت الشّمس وطلعت النّجوم ، وقيل : انّه قال لأصحابه : ردّوا الخيل علىّ فردّوها عليه فضرب سوقها وأعناقها بالسّيف لانّها كانت سبب فوت صلوته ، وقيل في تصحيحه : انّها كانت اعزّ ماله فذبحها ليتصدّق بلحومها على المساكين فانّه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقيل : جعل يمسح اعراف خيله وعراقيبها بيده حبّا لها ، وقيل : مسح أعناقها وسوقها وجعلها مسبّلة في سبيل الله ، وقيل : انّه لمّا قتل الخيل ضلّ خاتمه بسبب قتلها سرقه شيطان أربعين يوما وجلس مكانه وفرّ سليمان ثمّ وجد خاتمه في بطن الحوت ، وقد ذكر قصّته في سورة البقرة عند قوله تعالى (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) قال ابن عبّاس : سألت عليّا عن هذه الآية فقال : ما بلغك فيها يا ابن عبّاس؟ ـ قلت : سمعت كعبا يقول : اشتغل سليمان (ع) بعرض الافراس حتّى فاتته الصّلوة فقال : ردّوها يعنى الافراس كانت اربعة عشر فامر بضرب سوقها وأعناقها بالسّيف فقتلها فسلبه الله ملكه اربعة عشر يوما لانّه ظلم الخيل بقتلها ، فقال علىّ (ع) : كذب كعب لكن اشتغل سليمان (ع) بعرض الافراس ذات يوم لانّه أراد جهاد العدوّ حتّى توارت الشّمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكّلين بالشّمس : ردّوها علىّ فردّت فصلّى العصر في وقتها ، وانّ أنبياء الله تعالى لا يظلمون ولا يأمرون بالظّلم لانّهم معصومون مطهّرون (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) امتحنّاه (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) روى عن النّبىّ (ص) انّ سليمان (ع) قال : يوما في مجلسه لاطوفنّ اللّيلة على سبعين امرأة تلد كلّ امرأة منهنّ غلاما يضرب بالسّيف في سبيل الله ، ولم يقل ، ان شاء الله ، فطاف عليهنّ فلم تحمل منهنّ الا امرأة واحدة جاءت بشقّ ولد ثمّ قال : فو الّذى نفس محمّد بيده لو قال : ان شاء الله ، فطاف عليهنّ فلم تحمل منهنّ الا امرأة واحدة جاءت بشقّ ولد ثمّ قال : فو الّذى نفس محمّد بيده لو قال : ان شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا والجسد الّذى كان على كرسيّه كان هذا ، وعن الصّادق (ع) انّ الجنّ والشّياطين لمّا ولد لسليمان بن داود (ع) قال بعضهم لبعض : ان عاش له ولد لنلقينّ منه ما لقينا من أبيه من البلاء ، فاشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السّحاب فلم يشعر الّا وقد وضع على كرسيّه ميّتا لتنبيهه على انّ الحذر لا ينفع من القدر وانّما عوتب على خوفه من الشّياطين ، وقيل : انّ المراد بالجسد هو الشّيطان الّذى جلس مكانه على كرسيّه سمّى بالجسد لخلوّه من روح الإنسان ، وذكر في سبب ابتلائه (ع) بسلب ملكه انّ امرأة كانت تعبد في بيته صورة أربعين يوما ولم يشعر به ، ونقل انّ سليمان (ع) لمّا تزوّج باليمانية ولد منها ولد وكان يحبّه فنزل ملك ـ الموت على سليمان وكان كثيرا ما ينزّل عليه فنظر الى ابنه نظرا ففزع سليمان من ذلك فقال لامّه : انّ ملك الموت نظره اظنّه قد امر بقبض روحه فقال للجنّ والشّياطين : هل لكم حيلة ان تفرّوه من الموت؟ فقال واحد منهم : انا أضعه تحت عين الشّمس في المشرق فقال سليمان (ع) : انّ ملك الموت يبلغ ذلك ، فقال آخر : انا أضعه في السّحاب والهواء فرفعه ووضعه في السّحاب وجاء ملك الموت فقبض روحه في السّحاب فوقع جسده ميّتا على كرسىّ سليمان ، فعلم انّه قد اخطأ فحكى الله ذلك في قوله والقينا على كرسيّه جسدا ثمّ أناب وأمثال هذه وأمثال روايات سلب ملك سليمان (ع) وجلوس الشّيطان على كرسيّه وكون ملكه منوطا بخاتم ليس الّا من الرّموز الّتى رمزها الأقدمون ثمّ أخذها العامّة بصورها الظّاهرة ومفاهيمها العامّيّة ونسبوا الى الأنبياء عليهم‌السلام ما لا يليق ان ينسب الى مؤمن فكيف بكامل أو نبىّ (ع) (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) بعد ما استشعر بانّا فتنّاه (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) يعنى لانّك تكون كثير الهبة وكانت عادتك ذلك وكانت الوهّابيّة منحصرة فيك سألتك هذا السّؤال فانّه ان كان عظيما

٣١٠

بالنّسبة إلينا فهو حقير بالنّسبة الى وهّابيّتك.

اعلم ، انّه يرى من ظاهر الآية انّ سليمان (ع) بخل بعطاء الملك لغيره وقد أشير في الاخبار الى ذلك مثل قول رسول الله (ص) : رحم الله أخي سليمان بن داود (ع) ما كان أبخله ، وقد ذكر في الاخبار في دفع توهّم البخل انّ مراده (ع) لا ينبغي ان يقال من بعدي انّه مأخوذ بالغلبة والجور فأعطاه الله تعالى ملكا لا يمكن ان يقال : انّه مأخوذ بالغلبة مثل ملك الجبابرة حيث سخّر له الرّيح وجملة دوابّ الأرض وطيرها ، وذكر في الاخبار في بيان قول النّبىّ (ص) انّ مراده (ع) ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه ، أو المراد ما كان أبخله ان كان أراد ما كان يذهب اليه الجهّال ، وعن الأكابر انّ مراده هب لي ملكا لائقا بمقامى لا ينبغي لأحد يكون مقامه بعد مقامي وليس هذا بخلا بل سؤالا لما يليق بمقامه أو بما يليق بمن يكون مقامه فوق مقامه «ف» اجبناه وأعطيناه ذلك و (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) ليّنة (حَيْثُ أَصابَ) اى أراد اصابته (وَالشَّياطِينَ) وسخّرنا له الشّياطين (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) بدل تفصيلىّ من الشّياطين (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) قائلين (هذا) الّذى أعطيناك من الملك الّذى لم يكن لأحد من البشر أو هذا الإعطاء (عَطاؤُنا) عطيّتنا أو اعطائنا (فَامْنُنْ) ما شئت لمن شئت (أَوْ أَمْسِكْ) ما شئت ممّن شئت (بِغَيْرِ حِسابٍ) وتقدير منك لما مننت وأمسك لوفور ما أعطيناك وعدم نقصانه بإعطائك بغير حساب وتقدير أو بغير مطالبتنا منك حساب ما أعطيت أو أمسكت لتفويض الأمر إليك ، عن الصّادق (ع) في قوله تعالى : هذا عطاؤنا (الآية) قال : اعطى سليمان (ع) ملكا عظيما ثمّ جرت هذه الآية في رسول الله (ص) فكان ان يعطى من شاء ما شاء ويمنع من شاء ما شاء وأعطاه أفضل ما اعطى سليمان (ع) لقوله : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقيل : للرّضا (ع) حقّا علينا ان نسألكم؟ قال : نعم ، قيل : حقّا عليكم ان تجيبونا؟ ـ قال : ذاك إلينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل ، ثمّ قرأ هذه الآية (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) رفع لتوهّم انّ درجات الآخرة والقرب من الله لعلّها تنافي هذا الملك العظيم في الدّنيا لانّ الدّنيا والآخرة ضرّتان لا تجتمعان (وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) بدل من عبدنا بدل الاشتمال كما انّ ايّوب بدل منه بدل الكلّ والمعنى اذكر ايّوب (ع) وابتلاؤه وشدّة بلائه ليكون تسلية لك عن ابتلائك فانّ الأنبياء (ع) قلّما يكونون بلا بلاء واذكر وقت التجائه إلينا لشدّة بلائه ليكون أسوة لامّتك في ذلك حتّى يتذكّروا ذلك ويلتجؤا حين الاضطرار إلينا ، واذكر إجابتنا له بأحسن الاجابة حتّى تكونوا على رجاء تامّ بإجابتنا (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) النّصب بضمّ النّون وسكون الصّاد وضمّها وبفتح النّون وسكون الصّاد وفتحها التّعب ، وقرئ بها جميعا ، ونسب العذاب الى الشّيطان تكرّما وحياء من نسبة السّوء الى الله ، وقيل : كان الشّيطان يوسوس اليه ويقول : طال مرضك ولا يرحمك ربّك ، وقيل : كان يقول : كنت في نعمة وولد وأهل كذا ، ووقعت الآن في بليّة كذا لعلّه يجزع ، وقيل : اشتدّ مرضه حتّى اجتنبه النّاس فوسوس الى النّاس ان يستقذروه ويخرجوه ولا يتركوا امرأته ان تدخل عليهم وكان ايّوب (ع) يتأذّى بذلك فشكا ذلك ولم يشك البليّة (ارْكُضْ) يعنى اجبناه وقلنا : اركض (بِرِجْلِكَ) الأرض فضرب برجله الأرض فنبعت عين فقلنا له (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) اى ما يغتسل فيه وما يشرب منه ، والمقصود الأمر بالاغتسال والشّرب منه فاغتسل وشرب وبرء كأحسن ما يكون (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) الّذين هلكوا في اوّل ابتلائه (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) اى الّذين هلكوا من قبل ابتلائه وقد سبق في سورة الأنبياء بيان لنسبة ايّوب (ع) ونسبة امرأته وقد بيّن هناك مدّة ابتلائه وكيفيّة ابتلائه وبيان إيتاء اهله وكيفيّة إيتاء مثلهم معهم (رَحْمَةً مِنَّا) من غير استحقاق

٣١١

منه (وَذِكْرى) وتذكيرا (لِأُولِي الْأَلْبابِ) حتّى لا يكونوا على يأس منّا ويكونوا راجين رحمتنا حين سلب النّعمة منهم ، وقد سبق مكرّرا انّ اللّبّ لا يحصل للإنسان الّا بتلقيح الولاية فانّ الإنسان ما لم يحصل له الولاية بالشّروط المقرّرة عندهم يكون كاللّوز والجوز الخالي من اللّبّ اللّائق للنّار ، وحصول الولاية للإنسان مثل التّأبير للنّخلة يجعله ذا ثمر وذا لبّ فليس المراد بأولى الألباب الّا شيعة علىّ (ع) الّذين حصل لهم ولايته بشروطها (وَخُذْ بِيَدِكَ) عطف على اركض (ضِغْثاً) حزمة من خشب (فَاضْرِبْ بِهِ) زوجتك (وَلا تَحْنَثْ) قسمك وذلك انّه كما قيل : حلف بعد ما أخبر انّ زوجته أخذت في الزّنا وقطعت ذؤابتها ورأى ذؤابتها مقطوعة ان يضربها مائة وندم على ذلك بعد ما أخبرته انّها باعتها وأخذت له طعاما (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) تعليل لا ذكر أو لقلنا اركض برجلك أو لوهبنا له اهله أو لوهبنا مثلهم معهم أو لقلنا خذ بيدك ضغثا أو للمجموع أو بيان لحاله في جواب سؤال عن حاله (نِعْمَ الْعَبْدُ) ايّوب (ع) (إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير الرّجوع شديد الرّجوع تامّ الرّجوع الى الله ، عن الصّادق (ع) انّه سئل عن بليّة ايّوب (ع) الّتى ابتلى بها في الدّنيا ، لأىّ علّة كانت؟ قال : لنعمة أنعم الله عزوجل عليه بها في الدّنيا وادّى شكرها وكان في ذلك الزّمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلمّا صعد ورأى شكر نعمة ايّوب حسده إبليس فقال : يا ربّ انّ ايّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النّعمة الّا بما أعطيته من الدّنيا ولو حرمته دنياه ما ادّى إليك شكر نعمة أبدا ، فسلّطنى على دنياه حتّى تعلم انّه لا يؤدّى إليك شكر نعمة أبدا ، فقيل له : قد سلّطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا الّا أعطبه (١) ، فازداد ايّوب لله شكرا وحمدا ، قال : فسلّطنى على زرعه ، قال : قد فعلت ، فجمع شياطينه فنفخ فيه فاحترق ، فازداد ايّوب لله شكرا وحمدا ، فقال : يا ربّ فسلّطنى على غنمه ، فسلّطه على غنمه ، فأهلكها ، فازداد ايّوب شكرا وحمدا ، فقال : يا ربّ سلّطنى على بدنه ، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه الى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتّى وقع في بدنه الدّود ، فكانت تخرج من بدنه فيردّها فيقول لها : ارجعي الى موضعك الّذى خلقك الله منه ونتن حتّى أخرجه أهل القرية من القرية والقوة في المزبلة خارج القرية ، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم تتصدّق من النّاس وتأتيه بما تجده ، فلمّا طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لايّوب كانوا رهبانا في الجبال وقال : لهم مرّوا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليّته ، فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم الى بعض ثمّ مشوا اليه وكان فيهم شابّ حدث السّن فقعدوا اليه فقالوا : يا ايّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يملكنا إذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الّذى لم يبتل به أحد الّا من امر كنت تستره ، فقال ايّوب (ع) : وعزّة ربّى انّه ليعلم انّى ما أكلت طعاما الّا ويتيم أو ضعيف يأكل معى ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله الّا أخذت بأشدّهما على بدني ، فقال الشّابّ : سوئة لكم عيّرتم نبىّ الله حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها؟! فقال ايّوب (ع) : يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتى ، فبعث الله عزوجل اليه غمامة فقال : يا ايّوب أدل بحجّتك فقد أقعدتك مقعد الحكم ، وها انا ذا قريب ولم أزل ، فقال : يا ربّ انّك لتعلم انّه لم يعرض لي امر ان قطّ كلاهما لك طاعة الّا أخذت بأشدّهما على نفسي ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ ألم اسبّحك؟ قال فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا ايّوب من صيّرك تعبد الله والنّاس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والنّاس عنه غافلون؟ أتمنّ على الله بما لله فيه المنّة عليك؟ ـ قال : فأخذ التّراب فوضعه في فيه ثمّ قال : لك العتبى يا ربّ ، أنت فعلت ذلك بى ، فانزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء وردّ عليه اهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدّثه ويونسه فأقبلت امرأته معها

__________________

(١) عطب عطبا واعتطب هلك وأعطبه أهلكه.

٣١٢

الكسرة فلمّا انتهت الى الموضع إذا الموضع متغيّر وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت : يا ايّوب ما دهى بك؟ فناداها ايّوب فأقبلت فلمّا رأته وقد ردّ الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عزوجل شكرا ، فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك انّها سئلت ان يعطوها ما تحمله الى ايّوب من الطّعام وكانت حسنة الذّوائب فقالوا لها : تبيعيننا ذؤابتك هذه حتّى نعطيك ، فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لايّوب فلمّا رآها مقطوعة الشّعر غضب وحلف عليها ان يضربها مائة ، فأخبرته انّه كان سببه كيت وكيت ، فاغتمّ ايّوب من ذلك فأوحى الله عزوجل اليه : خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث فأخذ عذقا مشتملا على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه ، قال : فردّ الله عليه اهله الّذين ماتوا قبل البلاء ، وردّ عليه اهله الّذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلّهم ، أحياهم الله له فعاشوا معه وسئل ايّوب بعد ما عافاه الله : اىّ شيء كان اشدّ عليك ممّا عليك ، فقال : شماتة الأعداء قال : فأمطر الله عليه في داره جراد الذّهب وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الرّيح منه بشيء عدا خلفه فردّه فقال له جبرئيل : اما تشبع يا ايّوب؟ ـ قال : ومن يشبع من رزق ربّه عزوجل. وعنه (ع) عن أبيه (ع) قال : انّ ايّوب ابتلى بغير ذنب سبع سنين وانّ الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ، وقال : انّ ايّوب مع جميع ما ابتلى به لم تنتن له رائحة ، ولا قبّحت له صورة ، ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ، ولا تدوّد شيء من جسده وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وانّما اجتنبه النّاس لفقره وضعفه في ظاهر امره لجهلهم بما له عند ربّه تعالى من التّأييد والفرج وقد قال النّبىّ (ص) : أعظم النّاس بلاء الأنبياء ثمّ الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل ، فانّما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الّذى يهون معه على جميع النّاس لئلّا يدّعوا له معه الرّبوبيّة إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره ان يوصله اليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلّوا بذلك على انّ الثّواب من الله على ضربين استحقاق واختصاص ، ولئلّا يحقّروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا انّه يسقم من يشاء ويشفى من يشاء ، متى شاء ، كيف شاء ، باىّ شيء شاء ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء ، وشقاوة لمن يشاء ، وسعادة لمن يشاء ، وهو عزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله ، لا يفعل بعباده الّا الأصلح لهم ولا قوّة الّا بالله (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يعنى انّهم كانوا صاحبي النّعم في الدّنيا وصاحبي البصيرة في امر الآخرة حتّى لا تنسى أنت ولا أمّتك حين النّعمة امر الآخرة وتجعلوا دنياكم مقدّمة لآخرتكم كما فعل هؤلاء (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) بسبب النّعمة (بِخالِصَةٍ) بخصلة خالصة لنا (ذِكْرَى الدَّارِ) بدل من خالصة يعنى بخالصة هي تذكّرهم دائما لدار الآخرة أو مفعول له تحصيلىّ أو حصوليّ اى أخلصناهم بعبادة خالصة لنا لذكرى الدّار الآخرة ، وأطلق الدّار اشعارا بانّ الآخرة هي الدّار ومحلّ القرار لا الدّنيا فانّها معبر للأشرار والأخيار (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ) بن إبراهيم (وَالْيَسَعَ) قد مضى في سورة الانعام (وَذَا الْكِفْلِ) قد مضى في سورة الأنبياء (وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ هذا) المذكور من الأنبياء وأحوالهم (ذِكْرٌ) وعبرة لمن أراد الآخرة (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) سواء كانوا نبيّا أولم يكونوا (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ مُتَّكِئِينَ فِيها) كناية عن الاستراحة فيها (يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) اى يدعون احبابهم الى فاكهة كثيرة أو يدعون غلمانهم وجواريهم بسبب الإتيان بفاكهة كثيرة أو يدعون نفس الفاكهة والشّراب فانّ امتعة الجنّة كلّها ذوات علم وشعور وتأتى بأنفسها الى طالبها ، وزيادة الباء لتأكيد لصوق الدّعوة الى الفاكهة (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) عن غير أزواجهنّ (أَتْرابٌ) لدات (١) لا عجوز فيهنّ ولا صبيّة لا يمكن الاستمتاع بها نقول نحن أو ملائكتنا لهم : (هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ إِنَّ هذا لَرِزْقُنا

__________________

(١) لدات ، جمع لدة وهو الترب (بالفارسية ، همسال)

٣١٣

ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) انقطاع (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) فسّر الطّاغين ببني أميّة وأولياءهم ، وقدّ تكرّر انّ الأصل في كلّ شرّ وذي شرّ أعداء علي وبنو أميّة ومن وافقهم ولذلك صحّ تفسير كلّ شرّ وذي شرّ ذكر في القرآن بهم (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) هذا مبتدء وليذوقوه خبره ، والفاء زائدة ، أو منصوب على شريطة التّفسير والفاء زائدة أو منصوب بمضمر مثل المذكور والفاء غير زائدة ، أو مبتدء بتوهّم امّا أو تقديره والفاء غير زائدة ، أو مبتدء خبره حميم وفليذوقوه معترضة ، أو خبر مبتدء محذوف ، أو مبتدء خبر محذوف اى العذاب ، أو هذا أو هذا هو العذاب ، أو المعنى خذ ذا المذكور من كون شرّ المآب للطّاغين (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) غسق الجرح غسقانا سال منه ماء اصفر والمراد به ما سال من أبدان أهل النّار من الصّديد (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) عطف على حميم أو مبتدء خبر محذوف اى لهم عذاب آخر من مثل هذا العذاب أو مذوق آخر من مثل هذا المذوق ، أو مبتدء خبره (أَزْواجٌ) اى عذاب آخر لهم من مثله أزواج أو خبر مبتدء أزواج والمعنى صنف آخر مثل هذا الصّنف أزواج لهذا الصّنف أو أنواع مختلفة بحسب الباطن وقرئ أخر على الجمع (هذا فَوْجٌ) جملة حاليّة أو مستأنفة على تقدير القول (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) الاقتحام الدّخول في الشّدّة بنحو الشّدّة يعنى يقال للرّؤساء أو لبني أميّة : هذا السّواد اى المتبوعون أو بنو العبّاس فوج مقتحم معكم (لا مَرْحَباً بِهِمْ) جملة حاليّة أو وصفيّة أو مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر أو للدّعاء عليهم من كلام الله أو من قول الرّؤساء للمتبوعين بتقدير القول (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) تعليل وقيل : يقول بنو أميّة : لأمر حبّا بهم (قالُوا) اى الاتباع للمتبوعين أو بنو العبّاس لبني أميّة (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) لاقدامكم اوّلا على ما أدخلنا في النّار وكونكم في ذلك قدوة لنا (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) اى هذا العذاب أو الدّخول في النّار أو هذا الدّعاء (لَنا) باقدامكم اوّلا وبجعلنا اتباعكم (فَبِئْسَ الْقَرارُ) جهنّم (قالُوا) قيل : ثمّ يقول بنو أميّة (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) لتأسيسهم ظلم آل محمّد (ص) واتّباعنا لهم في ذلك (وَقالُوا) اى الاتباع أو بنو العبّاس أو قال المتبوعون وبنو أميّة أو المجموع (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) قيل : ثمّ يقول أعداء آل محمّد (ص) ذلك والمراد شيعة أمير المؤمنين (ع) (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) قرئ بكسر الهمزة صفة اخرى لرجالا ، وقرئ بهمزة الاستفهام على الإنكار التّوبيخىّ (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) أم معادلة لقوله ما لنا لا نرى كأنّهم قالوا ليسوا هاهنا فلا نريهم أم كانوا هاهنا ولكن مالت أبصارنا عنهم فلا نريهم (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) واقع (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) بدل من ذلك ، عن الصّادق (ع) لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوّكم في النّار بقوله وقالوا ما لنا لا نرى (الآية) قال والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم صرتم عند أهل هذا العالم من أشرار النّاس وأنتم والله في الجنّة تحبرون وفي النّار تطلبون ، وروى اما والله لا يدخل النّار منكم اثنان ، لا والله ولا واحد ، والله انّكم الّذين قال الله تعالى وقالوا ما لنا وفي رواية : إذا استقرّ أهل النّار في النّار يتفقّدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول بعضهم لبعض ما لنا (الآية) وذلك قول الله تعالى انّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدّنيا (قُلْ) للمشركين أو للمنافقين من أمّتك (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) لست أجبركم على التّوحيد أو على ولاية علىّ (ع) (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) فلا حكم الّا له لقهّاريّته فلا معبود سواه فلست احكم بالخلافة من قبل نفسي ولا حكم لمن اشركتموه به (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) فلا ربوبيّة لشركائكم في شيء منها

٣١٤

ولا حكم لأحد في خلقه بنصب الخليفة من قبل نفسه (الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ قُلْ هُوَ) اى التّوحيد أو ما انبأتكم به من ولاية علىّ (ع) وإمامته كما فسّر في الخبر بأمير المؤمنين (ع) وإمامته (نَبَأٌ عَظِيمٌ) لانّ الولاية هي النّبأ الّذى لا نبأ الّا وهو نبأ منه ولا امر ولا نهى ولا رسالة ولا نبوّة ولا بشارة ولا إنذار ولا وعد ولا وعيد الّا به وله (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) والاعراض عنه اعراض عن اللّطيفة الانسانيّة وهي اللّطيفة الإلهيّة وهي ربّ كلّ مربوب في مقامه النّازل وهي اسم الرّبّ وهي العبوديّة الّتى كنهها الرّبوبيّة وهي الحبل من الله الّذى ضرب عليهم الذّلّة الّا به وبحبل من النّاس (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ) مقول قوله (ص) يعنى قل لهم ما كان لي علم ان سألوك عن الملأ الأعلى أو نبّههم على انّ الملأ الا على الّذين لا التفات لهم الى الأرض وأهلها يختصمون في هذا النّبأ لسبب العلم باختصامهم عن نفسك وقل : ما كان لي من علم قليل (بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) في هذا النّبأ العظيم لعظم اختصامهم وعظم المختصم فيه كأنّه لا يمكن للبشر العلم باختصامهم مع انّى قد اطّلعت على مقامهم وكلامهم (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) قرئ بفتح همزة انّما بتقدير اللّام أو بجعل الجملة في موضع مرفوع يوحى ، وروى ابن عبّاس عن النّبىّ (ص) انّه قال : قال لي ربّى : أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ـ فقلت : لا ، قال : اختصموا في الكفّارات والدّرجات فامّا الكفّارات فإسباغ الوضوء في السّبرات ، ونقل الاقدام الى الجماعات ، وانتظار الصّلوة بعد الصّلوة ، وامّا الدّرجات فإفشاء السّلام ، وإطعام الطّعام ، والصّلوة باللّيل والنّاس نيام ، وعلى هذا يكون هذا الكلام على الحكاية بتقدير محذوف كأنّه قيل : قال لي ربّى : أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ـ قلت : لا علم لي (الى الآخر) وذكر في خبر المعراج مضمون هذا الخبر ويجوز ان يكون المراد بالنّبإ العظيم خبر خلق آدم ويكون قوله ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون بمعنى إذ يختصمون في خلق آدم (ع) ويكون قوله (إِذْ قالَ رَبُّكَ) متعلّقا بيختصمون أو بدلا من إذ يختصمون وإذ يختصمون ظرف لكان أو بدل من الملأ الأعلى يعنى ما كان لي من علم بالملإ الأعلى بوقت قوله تعالى (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) قد مضى في اوّل البقرة بيان تامّ لهذه الآيات وقد أشير الى بيانها في سورة الأعراف أيضا (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) قد مضى بيان هذه الآيات في سورة الحجر (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) قرئ بنصب الحقّ في كليهما ، وعلى هذا يكون الحقّ في كليهما ، وعلى هذا يكون الحقّ الاوّل مفعول فعل محذوف اى فأحق الحقّ أو فالحقّ تقول ، أو يكون مفعولا لأقول ويكون الحقّ الثّانى معطوفا للتّأكيد أو يكون مفعولا لخذ محذوفا بقرينة المقام ، أو يكون منصوبا بحذف حرف القسم ، وقرئ برفع الاوّل ونصب الثّانى ، وعليه يكون الحقّ الاوّل مبتدء محذوف الخبر اى الحقّ مقول لي أو مقول لك أو يميني أو منّى ، أو يكون خبره جملة القسم المحذوف وجوابها فانّ الحقّ في معنى الجملة ، أو يكون الحقّ الاوّل خبرا محذوف المبتدأ اى انا الحقّ أو قولي الحقّ أو قولك الحقّ ، وقرئا مرفوعين على ان يكون الحقّ الاوّل على الوجوه السّابقة ، ويكون الحقّ الثّانى مبتدء وأقول خبره

٣١٥

محذوف الضّمير أو يكون تأكيدا للاوّل وأقول مستأنفا أو يكون الحقّ الاوّل مبتدء وأقول خبره والحقّ الثّانى تأكيدا له ، وقرئا مجرورين على إضمار حرف القسم وقرئ بجرّ الاوّل ونصب الثّانى ووجهه ظاهر (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) استيناف خطاب لرفع وصمة الحرص عنه وللوعد والوعيد يعنى قل لكفّار مكّة : انّ ادّعائى هذا ان كان كذبا فلا يخلو ان أكون طالبا للدّنيا ، وان كنت طالبا للدّنيا كان يظهر منّى بالتّلويح طلب مال منكم أو طلب اعتبار وما ظهر منّى الى الآن شيء من ذلك ، أو قل لهم: لا اسألكم عليه اجرا حتّى تتّهمونى بالطّمع في أموالكم وتعرضوا عنّى (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ولو كنت كاذبا لكنت متكلّفا لا محالة ، أو اخبار بانّه لا يتكلّف في شيء من أموره لا في لباسه ولا في غذائه ولا في ضيافته ولا لأضيافه وأصحابه ، والمراد بالضّمير المجرور التّبليغ أو النّصح والتّذكير أو القرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) تذكّر أو شرف وصيت (لِلْعالَمِينَ) أو المراد انّه ليس علىّ (ع) أو تبليغ ولايته الّا ذكرا للعالمين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) اى نبأ تبليغى أو نبأ القرآن أو نبأ علىّ (ع) وولايته (بَعْدَ حِينٍ) بعد الموت أو يوم القيامة أو يوم بدر أو بعد تمام سلطنتى واستكمالها.

٣١٦

فهرست السّور والمطالب

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

سورة مريم

١

سورة القصص

١٨٣

بيان لتعدّد الافلاك والشموس والاقمار

١٠

في اسلام ابي طالب (ع)

١٩٣

سورة طه

١٦

سورة العنكبوت

٢٠١

سورة الانبياء

٤٢

الجزء الهادي والعشرون

٢٠٨

الجزء السابع عشر

٤٢

سورة الروم

٢١٣

اعلم (قول في تعبير المسيح بابن الله)

٤٨

مراتب التّحقيق في العلم

٢١٧

سورة الحج

٦٥

سورة لقمان

٢٢٦

اعلم (قول في صحّة التّقليد وعدم جوازه)

٦٨

شرح في احوال لقمان

٢٢٨

سورة المؤمنون

٨٨

سورة السجدة

٢٣٥

الجزء الثّأمن عشر

٨٨

سورة الاحزاب

٢٣٩

اعلم (قول في الفرق بين الارث الصّوري والمعنوي)

٩٠

بيان في الابوةّ الرّوحانية والقالبيّة

٢٤١

بيان في الدفع بالاحسن الى المسمى

١٠٢

الجزء الثاني والعشرون

٢٤٥

بيان لترقّى الارواح في البرزخ

١٠٣

اعلم (اشارة الى مراتب السّلوك)

٢٤٧

شرح في نفخ الصّور

١٠٣

فضيلة الصلوة على النّبّي (ص) واسرارها

٢٥٤

سورة النّور

١٠٦

اعلم (تأويل في معنى القرى بمشايخ الائمة (ع)

٢٦٤

آة النور

١١٨

اعلم (تأويل الآة في منافقي امّة)

٢٦٥

تطبيق اجزاء المثل بالممثّل له على الاحتمالات الاربعة عشرفيه على مدد آل محمد (ص)

١٢١

بيان للاتّصال بالمكوتين العيا والسّفلى

٢٩٦

وجوه اعراب آة النور

١٢٢

سورة فاطر

٢٧٣

سورة الفرقان

١٣٤

تحقيق البداء

٢٧٦

حكاية اصحاب الرّس

١٤١

اعلم (اشارة الى مراتب الانسانيّة)

٢٨٠

سورة الشعراء

١٥١

تفسير سابق بالخيرات بالامام

٢٨١

اعلم (قول في قضاء الّشهوة وتصرف الشيطان فيه على خلاف الطبّيعة)

١٦٠

سورة يس

٢٨٤

سورة النّمل

١٦٦

الجزء الثّالث والعشرون

٢٨٧

الجزء العشرون

١٧٦

اعلم (قول في فناء البدن الطّبيعي وبقاء الرّوح)

٢٩٢

معنى المضطرّ (واجابة الدّعاء)

١٧٧

سورة الصّافات

٢٩٣

معنى الغيب

١٧٨

سورة ص

٣٠٤

في بليّة ايّوب (ع) واحواله

٣١١

٣١٧