تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة - ج ٣

المؤلف:

سلطان محمّد الجنابذي [ سلطان علي شاه ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٧

فلذلك التفت من الغيبة الى التّكلّم (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) جمع الجدّة بالضّمّ الطّريقة مثل الجادّة وهو عطف على محلّ معمولى انّ ، أو عطف على جملة الم تر فانّه في معنى أنت ترى البتّة ، أو حال والمقصود انّ إنزال الماء من السّماء وإخراج الثّمرات المختلفة من الماء الواحد واختلاف جدد الجبال المتّحدة في الحجريّة كلّها تدلّ على قدرته وعلمه وإرادته (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) اى ألوان البيض بالكدرة والشّفافة ، وكذلك الحمر باختلاف ألوانها (وَغَرابِيبُ سُودٌ) جمع الغربيب تأكيد الأسود وكان حقّه ان يقول سود غرابيب لكنّه عكس للتّأكيد ولقصد بيان الغرابيب (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) الضّمير راجع الى البعض المستفاد من لفظة من (كَذلِكَ) متعلّق بمختلف اى مختلف ألوان المذكورات مثل اختلاف جدد الجبال واختلاف الثّمار (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لم لا يخشى النّاس من الله مع هذه الدّلائل وتلك الإنذارات؟ ـ فقال : لا ينفع الدّلالات والإنذارات لمن لم يقذف الله في قلبه نور العلم ، ولمّا كان أغلب النّاس خالين من نور العلم لا ينفع هذه فيهم.

اعلم ، انّ الإنسان له مراتب ولكلّ مرتبة منه خوف ورجاء ونحو من العلم غير ما للمرتبة الاخرى ، فاولى مراتبه مرتبة نفسه الامّارة ، وفي تلك المرتبة لا تسمّى إدراكاته الّا ظنونا ولا يكون إدراكاته الّا محصورة على لوازم الحيوة الدّنيا فانّ ذلك مبلغها من العلم ولا يكون خوفه ورجاؤه الّا فيما يتعلّق بالحيوة الدّنيا ، وثانية مراتبه مرتبة نفسه اللّوامة وفي تلك المرتبة يختلط إدراكاته من الظّنون والعلوم والذّوق والوجدان لانّه قد يظهر حينئذ بشأن النّفس الامّارة فيحكم عليه بأحكامها ، وقد يظهر بشأن النّفس المطمئنّة فيحكم عليه بأحكامها ، وثالثة مراتبه مرتبة النّفس المطمئنّة وفي تلك المرتبة يكون إدراكاته علوما وذوقا ووجدانا ، وخوفه يكون من الله ومن سخطاته وفراقه ويسمّى ذلك الخوف خشية لانّ الخشية حالة حاصلة من امتزاج استشعار القهر واللّطف والخوف والمحبّة ، وما لم يصل الإنسان الى ذلك المقام لم يحصل له محبّة ما لله فلم يحصل له خشية ما منه وكان خوفه خوفا صرفا من قهره فقط إذا كان له خوف ، ورابعة ـ مراتبه مرتبة قلبه وفي تلك المرتبة يكون إدراكاته شهودا وذوقا ووجدانا ويكون خوفه هيبة فانّ المشاهد لا يرى الله الّا محيطا بنفسه وليس شأن المحاط الّا الهيبة من المحيط وبعد ذلك يكون السّطوة والسّحق والمحق (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لخشية العلماء فانّ العزّة يستلزم الخوف الّذى هو أحد جزئي الخشية ، والغفران يستلزم المحبّة الّتى هي جزء آخر منها ، عن الصّادق (ع) يعنى بالعلماء من صدّق قوله فعله ومن لم يصدّق قوله فعله فليس بعالم ، وعن السّجّاد (ع) : ما العلم بالله والعمل الّا الفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وانّ أرباب العلم واتباعهم الّذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا اليه وقد قال الله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : فما لمن يخشى الله؟ ـ فقال : انّ الّذين يخشون الله لكنّه ابدله بما ذكر في الآية للاشعار بانّ الّذين يخشون الله يتلون كتاب الله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) قد مضى في اوّل البقرة بيان هذه الكلمات والاختلاف بالمضىّ والاستقبال في تلك الأفعال لا يخفى وجهه على الفطن (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) لن تفسدوا المعنى انّهم بأنفسهم يرجون ذلك أو يرجى لهم تجارة لن تبور فينبغي ان يرجوا بأنفسهم ذلك (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) تعليل للرّجاء أو للتّجارة ، أو لقوله لن تبور أو لقوله يتلون والمعطوفات عليه (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ) فلا يحاسبهم على مساويهم فيصير ترك المحاسبة زيادة من فضله (شَكُورٌ) فيزيدهم لا محالة

٢٨١

بمقتضى شكره (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) عطف على انّ الّذين يتلون كتاب الله أو على مدخول انّ ووجه المناسبة بينهما انّ السّامع كأنّه تردّد في انّ كتاب الله الّذى مدح الله تاليه هو مطلق احكام النّبوّات من احكام نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع) ومطلق الكتب السّماويّة من صحف إبراهيم والتّوراة والإنجيل والقرآن فعطف وقال : انّ الّذى أوحينا إليك من كتاب النّبوّة ومن صورة القرآن (هُوَ الْحَقُ) لا حقّ سواه فلا يتوهّم متوهّم انّ المذكورات أيضا حقّ ينبغي تلاوتها فانّها صارت منسوخة (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ولمّا توهّم من حصر الحقّ فيما اوحى اليه بطلان المذكورات أضاف اليه قوله مصدّقا لما بين يديه من الشّرائع والكتب حتّى يحقّق بذلك حقّيّتها أيضا (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) فيعلم بواطن أمورهم (بَصِيرٌ) فيعلم ظواهر أمورهم فلو لم يكن فيك ما يقتضي ايحاء مثل هذه النّبوّة الّتى هي خاتم النّبوّات والرّسالات ومثل هذا الكتاب الّذى هو خاتم الكتب ومهيمن عليها لما اوحى إليك (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) عطف على انّ الّذين يتلون كتاب الله باعتبار عقد الوضع أو على الّذى أوحينا إليك من الكتاب باعتبار عقد الوضع أيضا ، والمراد بالكتاب هو احكام الرّسالة والنّبوّة والقرآن صورتها ، وايراثها عبارة عن قبولهم تلك الأحكام بالبيعة العامّة الصّحيحة الاسلاميّة ، أو قبولهم تلك بالبيعة الخاصّة الايمانيّة (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) بقبولنا لهم اى بقبول خليفتنا لهم بالبيعة (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بوقوفه في مربض بهيميّته وسبعيّته وشيطنته من غير خروجه الى انسانيّته (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو الّذى خرج الى انسانيّته ولم يبلغ الانتهاء في ذلك ولم يرجع لتكميل غيره (وَمِنْهُمْ سابِقٌ) لكلّ من سواه (بِالْخَيْراتِ) جميعا (بِإِذْنِ اللهِ) أو بجنس الخيرات وهو الّذى بلغ منتهى ما ينبغي ان يبلغ بحسب شأنه واستعداده ثمّ رجع لتكميل غيره فانّه سبق غيره بجملة الخيرات أو ببعضها.

وهذه الآية بهذا التّفسير تشمل كلّ من باع البيعة العامّة الاسلاميّة الصّحيحة لا البيعة الفاسدة كالّذين باعوا مع خلفاء الجور سواء باع البيعة الخاصّة الايمانيّة أم لا ، وسواء ترقّى عن مقامه الّذى كان فيه قبل البيعة أو لم يترقّ ، أو لا تشمل الّا الّذى باع البيعة الايمانيّة فانّ المسلم وان كان له نسبة البنوّة الى من باع معه البيعة الاسلاميّة ، ونسبة الأخوّة الى من باع تلك البيعة لكنّها لغاية خفائها كأنّها لم تكن ولذلك كانت تلك النّسبة لم يبلغ سلطانها الى الآخرة ولا يحصل منها الّا حفظ الدّم والمال والعرض وجريان المناكح والمواريث ، والأجر لا يكون الّا على الايمان ، فالوارث من النّبىّ أو خليفته ليس الّا من باع معه البيعة الايمانيّة وبتلك البيعة يتحقّق نسبة الابوّة والبنوّة بينهما ، ونسبة الأخوّة بينه وبين سائر المؤمنين ويكون سلطانها باقيا الى الآخرة ، هذا بحسب ظاهر الآية فانّ الدّاخلين في الإسلام والدّاخلين في الايمان بقدر قوّة نسبتهم وضعفها الى الرّسول (ص) وارثون منه كتاب الرّسالة ووارثون منه كتاب القرآن لكن ورد أخبار كثيرة جدّا في تخصيص الوارثين والمصطفين بأولاد فاطمة (ع) ، وانّ الآية نزلت في الفاطميّين وانّهم مغفور لهم على ظلمهم ، وانّه لا يدخل فيهم من أشار بسيفه ودعا النّاس الى ضلال ، وفي بعض الاخبار انّها لآل محمّد (ص) خاصّة ولعلّ التّخصيص بالفاطميّين أو بآل محمّد (ص) للاشارة الى شمول الآية للبائعين البيعة الخاصّة الايمانيّة دون البائعين البيعة العامّة فانّه ورد عنهم (ع) انّ شيعتنا الفاطميّون والعلويّون والهاشميّون ، ولو خصّصت الآية بأولاد فاطمة (ع) أولادها الجسمانيّين كما في بعض الاخبار من التّلويح اليه لما كان بعيدا فانّهم الوارثون حقيقة والمصطفون واقعا ، وغيرهم من شيعتهم وارثون بايراثهم ومصطفون باصطفائهم وتبعيّتهم ، وورد انّ الظّالم لنفسه الّذى لا يقرّ بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والسّابق بالخيرات الامام ، وفي بعض الاخبار فسّر الظّالم بمن لا يعرف حقّ

٢٨٢

الامام ، وعن الصّادق (ع) : الظّالم يحوم حول نفسه ، والمقتصد يحوم حول قلبه ، والسّابق يحوم حول ربّه ، وبهذه المضامين اخبار كثيرة ، ويستفاد من جملتها انّ ذرّيّة فاطمة (ع) الجسمانيّين ان لم يعرفوا امامهم ولم يبايعوا معه كانوا مغفورا لهم ، والبائعين مع الامام البيعة الخاصّة ان لم يخرجوا من حدود أنفسهم ووقفوا في مهاوي أنفسهم مغفور لهم بمحض حصول النّسبة الايمانيّة من غير الوصول الى دار الايمان ، لكن : أقول لكم إخواني : لا تغترّوا بأمثال ذلك حتّى لا تجتهدوا في الخروج من مهاوي أنفسكم وتقفوا على ملذّات البهيميّة ولا تعرفوا من الفقر الّا الحلق والدّلق لانّكم لو أبقيتم النّسبة الى الموت كان ذلك لكم بل لكم المغفرة بل التّرقّى الى الدّرجات العالية ولو جئتم بسيّئات الجنّ والانس ، لكن إبقاء تلك النّسبة مع عدم المبالاة بحفظها وعدم الاجتهاد في الخروج عن مقام البهيميّة في غاية الاشكال ولو قطعت تلك النّسبة العياذ بالله لكان عذاب المنقطع النّسبة عذابا لا يعذّب الله أحدا بذلك العذاب ، فكونوا على حذر من قطعها ، حفظنى الله وايّاكم ووفّقني وايّاكم (ذلِكَ) الاصطفاء والايراث أو السّبق بالخيرات (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) قرئ برفع جنّات عدن مبتدء وخبر ، أو قرئ بنصبها منصوبا على شريطة التّفسير ، أو بدلا من الكتاب بدل الاشتمال ، وعلى الوجهين تكون الجملة جوابا لسؤال مقدّر ، وقرئ يدخلونها مبنيّا للمفعول (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) قرئ بالجرّ والنّصب (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) لائق بالجنّة لا من جنس حرير الدّنيا (وَقالُوا) بعد ما رأوا مقامهم وطهارتهم عن كلّ ما لا يليق بالإنسان (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) على ما يليق انسانيّتنا (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) لانّه اذهب وستر علينا ما يحزننا (شَكُورٌ) أعطانا على قليل أعمالنا بواسطة نسبتنا الى أوليائنا ما كنّا لا نتصوّر إعطاءه (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) اى دار الاقامة (مِنْ فَضْلِهِ) لا باستحقاقنا وهي اخيرة مراتب الجنّات فانّ غيرها دار العبور (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) لغب لغبا كالنصر ولغوبا بضمّ اللّام وفتحها كمنع وسمع وكرم أعيا اشدّ الإعياء ، وعن النّبىّ (ص) في حديث يذكر فيه ما اعدّ الله لمحبّى علىّ (ع) يوم القيامة انّهم إذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنّونهم بكرامة ربّهم حتّى إذا استقرّوا قرارهم قيل لهم : هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ ـ قالوا : نعم ، ربّنا رضينا فارض عنّا ، قال : برضاي عنكم وبحبّكم أهل بيت نبيّي حللتم داري وصافحتم الملائكة فهنيئا هنيئا عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص فعندها قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (الآية) وعن أبى جعفر (ع) انّ رسول الله (ص) سئل عن قول الله عزوجل : يوم نحشر المتّقين الى الرّحمن وفدا ، قال : فقال : يا علىّ انّ الوفد لا يكونون الّا ركبانا (وساق الحديث الى ان قال) فاذا دخل الى منازله في الجنّة وضع على رأسه تاج الملك والكرامة والبس حلل الذّهب والفضّة والدّرّ منظومة في الإكليل تحت التّاج (قال) والبس سبعين حلّة بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالّذهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت الأحمر فذلك قوله عزوجل : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) وهذان الحديثان يدلّان على شمول الاصطفاء وايراث الكتاب لذريّة فاطمة (ع) سواء كانوا جسمانيّين أو روحانيّين (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو بمحمّد (ص) أو بآله (ع) أو بالايمان أو بالكتاب أو بنعمة الولاية أو بمطلق النّعم فانّه مقابل قوله ثمّ أورثنا الكتاب لانّه بمنزلة ان يقال : انّ الذين آمنوا لهم كذا ، والّذين كفروا (لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) فيستريحوا من عذابها (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) من الكفر بالولاية أو بسائر ما ذكر ، روى عن علىّ (ع) انّه

٢٨٣

قال : قال رسول الله (ص) : يا علىّ ما بين يحبّك وبين ان يرى ما يقرّبه عيناه الّا ان يعاين الموت ، ثمّ تلا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يعنى أعداء علىّ (ع) ، وهذا الحديث يدلّ على انّ المراد بالّذين كفروا من كفر بالولاية وهو يدلّ على شمول الآية لمطلق المؤمنين بالولاية (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) بتقدير القول مثل قوله ربّنا أخرجنا (ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) فسّر العمر الّذى يتذكّر فيه بثماني عشرة سنة ، وفي خبر انّ العبد لفي فسحة من امره ما بينه وبين أربعين سنة وبعد ذلك يوحى الله الى ملائكته انّى قد عمّرت عبدي عمرا فغلّظا وشدّدا واحفظا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره ، وفي خبر : العمر الّذى أعذر الله فيه الى ابن آدم ستّون سنة ، وفي آخر عن النّبىّ (ص) : من عمّره الله ستّين سنة فقد أعذر اليه (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) جملة حاليّة (فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) يدفع العذاب عنهم (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لا يظهر عداوة علىّ (ع) والكفر به على ظاهر الأكثر فهل يعلم الله ذلك؟ ـ فقال : انّ الله عالم غيب السّماوات فكيف لا يعلم ما في قلوب عباده (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تأكيد للازم الجملة السّابقة ولذلك لم يأت بأداة الوصل (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) لنفسه فانّه جعلكم على مثاله أو خلائف للماضين وهذه منقطعة عن سابقها وتمهيد لما بعدها ، أو هو جواب لسؤال مقدّر ناش من سابقها كأنّه قيل : هو يعلم ما في الصّدور؟ ـ فقال : هو الّذى جعلكم خلائف فكيف لا يعلم ما في صدوركم (فَمَنْ كَفَرَ) بالله أو بالنّبوّة أو بالولاية أو بنعمة الخلافة أو بمطلق النّعم (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) لا على غيره لانّ الله عادل وعالم بكفر الكافر وايمان المؤمن (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) فانّ مقت الرّبّ مورث لا محالة لخسار العبد (قُلْ) لهؤلاء المشركين بالله أو بالولاية أو المشركين اهويتهم بأمر ربّهم (أَرَأَيْتُمْ) قد مضى تحقيق هذه الكلمة وانّها تستعمل بمعنى أخبرونى (شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي) بدل من أرأيتم (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) فضلا عن السّماء (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) فيه اذن منّا في اشراكهم (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) من الكتاب أو من الله في الإشراك حتّى يكونوا معذورين في اتّباع الشّركاء يعنى انّ هذا امر عظيم لا ينبغي ان يأخذه العاقل من دون دليل يدلّ عليه من كون الشّريك خالقا لشيء من مواليد الأرض أو شريكا في شيء من أجزاء السّماء ، أو أسبابها المؤثّرة في الأرض ، أو كونه ذا حجّة من الله يدلّ على شراكته أو كون المشرك ذا حجة من الله تعالى وليس لهؤلاء شيء من ذلك (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ) اى المشركون أو الشّركاء في الولاية (بَعْضُهُمْ) كلّ بعض منهم أو رؤسائهم (بَعْضاً) اى كلّ بعض أو مرءوسيهم (إِلَّا غُرُوراً) وعدا لا حقيقة له بان يقول شركاء الولاية اتباعهم : نحن شفعاؤكم قالا أو حالا فانّ ادّعاء الامامة والخلافة ادّعاء للشّفاعة أو بان يقول رؤساء الضّلالة : نحن نتحمّل خطاياكم ، أو يقولوا : نحن نحفظكم من محمّد (ص) أو من البلايا ، أو ننصركم فيما دهاكم ، أو بان يقول الاتباع : نحن معكم ونغزو عدوّكم وغير ذلك من الوعد الكذب (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) اى يمسك سماوات الطّبع وأرضه من الزّوال عن أمكنتهما ، أو المراد يمسك سماوات الأرواح وأراضي الأشباح من الزّوال عن مقامهما ، أو سماوات العالم الصّغير وأرضه من الزّوال والجملة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: فما للشّركاء دخل في السّماوات والأرض في العالم الكبير ولا في العالم الصّغير؟ ـ فقال بنحو الحصر : انّ الله لا غيره يمسك السّماوات والأرض ان تزولا (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما

٢٨٤

مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد الله أو من بعد الزّوال (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) فلذلك لا يعجل في عذاب الشّركاء وعابديهم (غَفُوراً) يغفر لمن تاب منهم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) يمينا غليظا (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) من اليهود والنّصارى وهذا ديدن النّساء وكلّ من كان على شيمتهنّ بان يقولوا : لو كان كذا لكان كذا ، فيمشون ويعيشون على قول : لو كان كذا ، قيل : انّ قريشا لمّا بلغهم انّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم (ع) قالوا : لعن الله اليهود والنّصارى لو أتانا رسول لنكوننّ أهدى من احدى الأمم (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) يعنى محمّدا (ص) (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) عن النّذير فضلا ان يكونوا مهتدين أو أهدى (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) مفعول له (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) عطف على استكبارا أو هما مصدران وفعلاهما محذوفان (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) لانّ الماكر حين يمكر ليس الّا سخريّة للشّيطان ومحاطا به ومحكوما له ، والدّخول تحت حكومة الشّيطان عذاب عاجل لانسانيّة الإنسان قبل وصول مكره الى الممكور ، وبعد وصول مكر الماكر الى الممكور يكون ارتفاعا للممكور امّا في الدّنيا والآخرة ، أو في الآخرة ، وتنزّلا للماكر فيهما أو في الآخرة فقط (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) اى ينتظرون (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) في الرّسل والمكذّبين الماكرين بتعذيبهم واحاطة وبال مكرهم بهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) عن المستحقّ الى غير المستحقّ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) حتّى يشاهدوا آثار الرّسل وآثار مصدّقيهم ومكذّبيهم (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فيعتبروا بهم ويتأسّوا بالمصدّقين ويجتنبوا عن مثل افعال المكذّبين وأقوالهم وقد مضى مكرّرا تفسير الأرض والسّير فيها بأرض القرآن والاخبار والسّير الماضية وبأرض العالم الصّغير (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فهؤلاء اولى لضعفهم بان يجتنبوا عن مثل أفعالهم (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) عن إنفاذ امره وإمضاء سنّته (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بجملة الأشياء فيعلم تكذيب المكذّب واستكباره ومكره وتصديق المصدّق وتسليمه (قَدِيراً) على ما يريد (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ) كأنّه توهّم متوهّم انّ الله ان كان عالما بهم وقديرا على مؤاخذتهم فلم لا يؤاخذهم؟! فعطف قوله ولو يؤاخذ الله (النَّاسَ بِما كَسَبُوا) رفعا لذلك التّوهّم (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) اى ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) بشؤم اعمال بنى آدم ومؤاخذة دوابّ الأرض بمؤاخذتهم (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازى كلّا بأعماله ولا يفوت أحد منه.

سورة يس

مكّيّة كلّها ، وقيل : الّا آية منها وهي قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (الآية) نزلت بالمدينة وهي ثلاث وثمانون آية ، وقد ورد في فضلها اخبار كثيرة وانّها قلب القرآن ، وعن ابى عبد الله (ع) انّه قال : من قرأ سورة يس في عمره مرّة كتب الله له بكلّ

٢٨٥

خلق في الدّنيا وبكلّ خلق في الاخرة وفي السّماء بكلّ واحد ألفي الف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ولم يصبه فقر ولا غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه ، وخفّف الله عنه سكرات الموت وأهواله وولّى قبض روحه ، وكان ممن يضمن الله له السّعة في معيشته والفرح عند لقائه والرضا بالثواب في آخرته ، وقال الله تعالى لملائكته أجمعين من في السماوات ومن في الأرض : قد رضيت عن فلان فاستغفروا له.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يس) قد مضى في اوّل البقرة وفي غيرها ما يكفى لبيانها ، وقد ورد في الاخبار انّ يس ونون من أسماء محمّد (ص) ، وقيل هاهنا : انّ يس معناه يا إنسان بلغة طىّ ، وقرئ يس ونون بإظهار النّون في الوصل على الأصل ، وقرئ بإدغام النّون في الواو على خلاف الأصل ، وقرئ بكسر النّون بناء كجير ، وبفتحها بناء كأين ، أو بإضمار حرف القسم ومنع الصّرف وبالضّمّ بناء كحيث ، أو اعرابا على تقدير هذه يس (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) اقسم تأكيدا واقسم بالقرآن تفخيما له ليكون دليلا على رسالته لانّ رسالته بالقرآن ، وكون القرآن حكيما لاشتماله على دقائق العلوم بل دقائق العمل (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة وهي الطّريق المستقيم الى كلّ خير والطّريق الموصل الى الله وهذه الكلمة تثبيت له (ص) على ما هو عليه ولامّته وردع لمنكريه (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) قرئ بالرّفع خبرا لمحذوف اشارة الى القرآن وكون التّنزيل بمعنى المنزل ، أو اشارة الى التّنزيل المشهود له ، وقرئ بالنّصب مصدرا لفعله المحذوف أو مفعولا لا عنى أو امدح محذوفا ، وقرئ بالجرّ على البدل من القرآن ، وأضاف التّنزيل الى العزيز الرّحيم رفعا لخوفه عن غيره وتقوية لخوفه ورجائه منه (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) عن الله وعقابه وثوابه وامره ونهيه ، وفي خبر منسوب الى الصّادق (ع) اشعار بانّ المعنى لتنذر بولاية أمير المؤمنين (ع) فهم غافلون عنها وذلك انّ الولاية غاية الرّسالة وأصل جملة الأحكام والوعدات والوعيدات (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) بدخول النّار أو بالعذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ) وفي الخبر المذكور انّه قال : ممّن لا يقرّون بولاية علىّ أمير المؤمنين (ع) والائمّة من بعده (ع) (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بولاية علىّ (ع) بالبيعة على يده أو أيدي خلفائه (ع) ، وفي ذلك الخبر انّه قال بولاية أمير المؤمنين (ع) والأوصياء من بعده فلمّا لم يقرّوا كانت عقوبتهم ما ذكر الله (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) هي صور أعمالهم أو جزاء أعمالهم بناء على تجسّم الأعمال وجزاء العامل بصورة اخرى اخرويّة مناسبة لصورة الأعمال المجسّمة ، والإتيان بالماضي امّا لتحقّق وقوعه أو للاشارة الى انّ الأغلال تكون في أعناقهم في الدّنيا لكن مداركهم خدرة لا يدركونها وذلك انّ الأغلال الاخرويّة مأخوذة من الأخلاق الدّنيويّة وهي في الدّنيا محيطة بهم وفي الآخرة تظهر بصورة الأغلال (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) لسعتها واحاطتها بجميع أبدانهم (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) اقمح الغلّ الأسير ، ترك رأسه مرفوعا لضيقه (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يعنى من جهة دنياهم أو من جهة آخرتهم (سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ

٢٨٦

سَدًّا) حتّى لا يبصروا من جهة دنياهم شيئا يعتبروا به ولا من جهة آخرتهم (فَأَغْشَيْناهُمْ) من جميع جوانبهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) قدّامهم وخلفهم ولا ايمانهم وشمائلهم لاغشائهم بالسّدّين ، ولا يبصرون ما تحت اقدامهم لمنع الغلّ ذلك ، ولا ما فوق رؤسهم لذلك ، وذكر في نزول الآية أشياء من أراد فليرجع الى المفصّلات (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وفي الخبر المنسوب الى الصّادق (ع) انّه قال : فهم لا يؤمنون بالله وبولاية علىّ (ع) ومن بعده وقد سبق بيان هذه الكلمات في اوّل البقرة (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) قد مضى مكرّرا انّ الذّكر هو الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة وانّ محمّدا (ص) وعليّا (ع) لكونهما متّحدين مع الولاية يكونان ذكرا ، وانّ القرآن أيضا صورة الولاية ، وانّ الذّكر اللّسانىّ والخيالىّ صورة ذلك الذّكر فالمقصود بالذّكر هاهنا هو الولاية التّكوينيّة الّتى هي عبارة عن الفطرة الانسانيّة ومن اتّبع الفطرة الانسانيّة علم بحسب فطرته بالله ، ومن علم بالله خشيه ، ولا ينفع الإنذار الّا لمن توجّه الى فطرته وقذف الله في قلبه نور العلم وخشي ربّه (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة لجميع مساويه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لا نقصان ولا نفاد فيه ولا منّة فيه على المأجور (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) تعليل وتسلية ووعد ووعيد (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من الأعمال الّتى لا تبقى بصورها عليهم (وَآثارَهُمْ) من العلوم والأخلاق وآثار الأعمال الّتى عملوها فبقي آثارها على نفوسهم (وَكُلَّ شَيْءٍ) غير المذكورات (أَحْصَيْناهُ) اى كتبناه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) هو اللّوح المحفوظ ، أو القلم الأعلى ، أو الامام الّذى هو بنفسه علم الله بكلّ شيء فانّ الله بكلّ شيء عليم في بيوت اذن الله ان ترفع وتلك البيوت هي ائمّة النّاس (وَاضْرِبْ لَهُمْ) اى اذكر لهم (مَثَلاً) اى حالا شبيهة بحالهم حتّى يتنبّهوا بقبح أحوالهم وأفعالهم (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) اى مثل أصحاب القرية وهو بدل من مثلا بجعل اضرب متعدّيا لواحد أو مفعول اوّل لأضرب ومثلا مفعول ثان له والقرية انطاكية أرسل إليها عيسى (ع) أو أرسل الله إليها كما في بعض الاخبار (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا) إذ الاولى بدل من أصحاب القرية بدل الاشتمال ، وإذ الثّانية بدل من الاولى (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا) اى قوّيناهما (بِثالِثٍ) هو شمعون أو نبىّ من الله تعالى وكان اسم الرّسولين يحيى ويونس (ع) (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) نقل عن الباقر (ع) انّ الله أرسل الى مدينة انطاكية رجلين فجاءاهم بما لا يعرفون فغلّظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام (الى آخر الحديث المذكور في التّفاسير) وفي رواية بعث عيسى (ع) هذين الرّسولين فأتيا انطاكية ولم يصلا الى ملكها وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّر فأخذهما الملك وحيسهما في بيت الأصنام فبعث عيسى (ع) شمعون الصّفا رأس الحواريّين فدخل شمعون البلدة منكّرا ونصر الرّسولين وادخل الملك وأهل البلدة في الدّين كما في التّفاسير (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) اثبتوا لهما البشريّة وحصروهما فيها باعتقاد انّها تنافي الرّسالة من الله المجرّد من الموادّ ونقائصها (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) لانّ الرّحمن لا ينزل الى البشر (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) بمنزلة النّتيجة (قالُوا) بعد ما اصرّوا على الإنكار بتأكيدات عديدة (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) لغاية إنكارهم لم يقتصروا على المدّعى وتأكيداته (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عمّا تقولون وهو الّذى تطيّرنا به (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ) علاوة عن الرّجم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) قد مضى هذه الكلمة

٢٨٧

مكرّرة (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) تطيّرتم أو توعّدتم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) في جميع الأمور فلا غرو في ان تعذّبونا بعد ان تذكّرتم بانّا لا نقول الّا الحقّ (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) هو حبيب النّجّار مؤمن آل يس قيل : انّه آمن بمحمّد (ص) وبينهما ستّمائة سنة ، وكان في غار يعبد الله فلمّا بلغه خبر الرّسل أظهر دينه ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الصّدّيقون ثلاثة : حبيب النّجّار مؤمن آل يس ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلىّ بن أبى طالب (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) فلذلك كانوا احقّاء بالاتّباع لعدم نظرهم الى دنياكم فليس لهم همّ الّا آخرتكم (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) لظهور اهتدائهم من أقوالهم وأفعالهم (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) والفاطر اولى بالعبادة من كلّ معبود (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ومن كان رجوع الخلق اليه آخر الأمر اولى بان يعبد (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) والمعبود لا بدّ وان يدفع عن العابد وان لم يدفع فلا اقلّ ان يشفع عند من يريد به ضرّا (وَلا يُنْقِذُونِ) منه (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أظهر (ع) دينه حيث لا يرى في التّقيّة خير العباد ولا نصر الرّسل (ع) فقال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الخطاب للرّسل (ع) أو لأهل القرية مع التّلميح الى بطلان دينهم وحقّيّة دينه (فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) يعنى قالت الملائكة أو الله له بعد قتله بشارة له قبل الدّخول أو إكراما وإعزازا (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) في حديث نصح قومه حيّا وميّتا.

[الجزء الثّالث والعشرون]

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) كما أنزلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ما نافية أو موصولة معطوفة على جند اى وما أنزلنا على قومه ما أنزلنا على السّابقين من الأحجار والأمطار والرّياح (إِنْ كانَتْ) أخذتنا (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبرئيل (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) يا قوم حسرة على العباد أو جعل الحسرة مناداة على عادة العرف (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) تعريض بأمّة محمّد (ص) وتنبيه لهم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) قد مضى نظير الآية في آخر سورة هود عند قوله : وان كلّا لمّا ليوفّينّهم ربّك أعمالهم (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) وهو دليل على علمنا وقدرتنا واهتمامنا بهم وعدم إهمال شيء بلا غاية وانّ احياءنا لهم ليس الّا لغاية متقنة (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) عطف على ثمره والضّمير راجع الى المذكور والمراد من ما عملت أيديهم أنواع العصيرات وما يجفّفونه من الثّمار أو ما يصنعونه من مطلق الحبوب والاثمار ، أو لفظة ما نافية والجملة حاليّة (أَفَلا يَشْكُرُونَ) وينبغي ان

٢٨٨

يشكروا ويلاحظوا المنعم في تلك النّعم ، ويعظّموه بطلب امره ونهيه وامتثالهما (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) اى أصناف المواليد (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من أنواع النّبات والأشجار (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) من أصناف المعادن والحيوان الّتى لم يروها ولم يسمعوا بها (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) نزيله مستعار من سلخ الشّاة (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) عن الباقر (ع) يعنى قبض محمّد (ص) وظهرت الظّلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) مبتدء وخبر ويدلّ على كونها آية ذكر الجملة في ذيل تعداد الآيات أو الشّمس عطف على اللّيل (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) اى لمستقرّ لجريها من منطقتها بحيث لا يتجاوزها الى غيرها والّا فلا سكون لها حتّى يكون لها مستقرّ (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الّذى لا يمنع من إمضاء امره وإرادته مانع (الْعَلِيمِ) الّذى يعلم مصالح كلّ شيء وغاياتها المترتّبة عليه فيوجده مشتملا على تلك المصالح والغايات لعدم المانع له من إيجاده كذلك (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) الثّمانية والعشرين المشهورة المعروفة عند العرب ولذلك لم يذكر من أوضاع الفلك الّا تلك المنازل فانّ العرب كانوا يأخذون احكام النّجوم من تلك المنازل وكون القمر فيها ونظره الى سائر الكواكب فيها (حَتَّى عادَ) بعد انتهاء سيره الى المنزل الاوّل (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) العرجون العثكول من النّخل أو العنب عليه التّمر أو العنب مقصوده تشبيهه في دقّته واعوجاجه بالعرجون اليابس الدّقيق المعوجّ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) لتباين افلاكهما واختلاف مجاريهما وسرعة سير القمر وبطوء سير الشّمس ، أو المعنى لا الشّمس ينبغي لها ان تفوق القمر فلا تدعه ان يظهر نوره كما انّ شموس الأرواح لا ينبغي لها ان تفوق أقمار النّفوس والمثال فيفنيها (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) فائقها بحيث لم يكن يدع النّهار يظهر ، أو آية اللّيل الّتى هي القمر لا ينبغي لها ان تدرك اية النّهار وهي الشّمس ، أو المعنى ليس وجود اللّيل سابقا على وجود النّهار ، روى عن الأشعث بن حاتم ، قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرّضا (ع) والفضل بن سهل والمأمون بمرو فوضعت المائدة فقال المأمون : انّ رجلا من بنى إسرائيل سأل بالمدينة فقال : النّهار خلق قبل أم اللّيل ، فما عندكم؟ قال : فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شيء فقال الفضل للرّضا (ع) : أخبرنا بها أصلحك الله ، قال : نعم ، من القرآن أم من الحساب؟ ـ قال الفضل : من جهة الحساب ، فقال : قد علمت يا فضل انّ طالع الدّنيا السّرطان والكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان والمشترى في سرطان والشّمس في الحمل والقمر في الثّور فذلك يدلّ على كينونة الشّمس في الحمل في العاشر من الطّالع في وسط السّماء فالنّهار خلق قبل اللّيل ، وفي قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) اى قد سبقه النّهار (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يعنى كلّ من الشّمس والقمر وسائر أصناف النّجوم في فلك يسبحون ، حمل الجمع على كلّ امّا باعتبار تقدير المضاف اليه أصناف النّجوم ، أو لجعل كلّ من النّجوم جماعات ، فانّ كلّا له نفس ذات جنود ، وجمع العقلاء لكون كلّ ما في السّماء عقلاء ، وعن الصّادق (ع) خلق النّهار قبل اللّيل ، والشّمس قبل القمر ، والأرض قبل السّماء ، وفي خبر : وخلق النّور قبل الظّلمة (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) بأصناف الحيوان أو بأصناف الأجناس ، والذّرّيّة من الذّرّ بمعنى النّشر ، أو من الذّرّ بمعنى الخلق ، أو بمعنى التّكثير تطلق على ولد الرّجل وعلى نسل الثّقلين وعلى النّساء ، يستوي فيها المفرد والجمع وقد تجمع والمراد بها ذرّيّة الموجودين باعتبار حمل آبائهم ولم يقل : حملنا أنفسهم ، لانّ حمل الذّرّيّة يستلزم حملهم فهو يفيد حملهم مع الامتنان عليهم بحمل ذرّيّاتهم ونسائهم ، والمراد بالفلك سفينة نوح (ع) ، أو المراد بالذّرّيّة الآباء لانّها من الذّرء بمعنى الخلق ، والمراد

٢٨٩

بالفلك سفينة نوح كما قيل ، أو المراد بالذّريّة الأولاد والنّساء ، والمراد بالفلك السّفن الجارية ، والامتنان بحمل الذّرّيّة والنّساء لانّهم ضعفاء لا يقدرون على السّير في البحر بنحو آخر ولا على السّير في البرّ بالمشي ، والقرينة على ذلك قوله (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) من الدّوابّ لتيسير المشي في البرّ لهؤلاء الضّعفاء (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) والتّأدية بالشّرط المستقبل دليل المعنى الأخير (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) بمنع الغرق ودفعه عنهم (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) بعد الغرق (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) الاستثناء منقطع بمعنى لكن لم نغرقهم رحمة منّا أو لكن نرحمهم رحمة منّا ، أو الاستثناء متّصل من قوله لا صريخ لهم ولا هم ينقذون ، أو متّصل من نغرقهم بمعنى الّا حال كوننا نرحمهم رحمة منّا (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) من حوادث الدّنيا وعذابها ، أو من عقبات الآخرة وعقوباتها (وَما خَلْفَكُمْ) يعلم بالمقايسة ، وعن الصّادق (ع) معناه اتّقوا ما بين أيديكم من الذّنوب وما خلفكم من العقوبة (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) اعرضوا ولم يقبلوا حذف الجواب بقرينة قوله (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لانّهم تمرّنوا على الاعراض (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) على المحتاجين (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو بمحمّد (ص) أو بعلىّ (ع) وولايته (لِلَّذِينَ آمَنُوا) مخاطبين لهم (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) تخصيص المؤمنين بالخطاب امّا للتّهكّم بهم كأنّهم تعرّضوا بانّكم مقرّون بالله وانّه رازق كلّ مرزوق فلو كان الأمر كما تذكرون كنتم أنتم اولى بإطعامه ، أو مقصودهم إبداء العذر في عدم الإنفاق بانّ الله اولى منّا بالإعطاء فلمّا لم يشأ الله إطعامهم كنّا اولى بعدم الإطعام (إِنْ أَنْتُمْ) في هذا القول أو في الإقرار بالله أو بمحمّد (ص) أو بعلىّ (ع) (إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) اى وعد العذاب الّذى تعدوننا أنتم وصاحبكم أو وعد القيامة واحياؤنا للجزاء وعذابنا عندها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في انّ لنا مبدء وانّه يبعثنا بعد موتنا ، وانّ محمّدا (ص) رسول منه وانّ ما يقوله صدق (ما يَنْظُرُونَ) اى ما ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هي النّفخة الاولى يعنى انّ انتظارهم ليس الّا النّفخة الاولى الّتى هي نفخة الاماتة وبعد النّفخة الاولى يكون الموعود (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) يختصمون ، قرئ يخصّمون بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصّاد ، وبكسر الياء كذلك ، وبفتح الخاء والياء وتشديد الصّاد وبإسكان الخاء وتشديد الصّاد ، وقيل : انّه غلط والكلّ مغيّر اختصم ، وقرئ من الثّلاثىّ المجرّد يعنى تأخذهم حالكونهم مخاصمين في معاملاتهم ، في حديث : تقوم السّاعة والرّجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتّى تقوم ، والرّجل يرفع أكلته الى فيه فما تصل الى فيه حتّى تقوم ، والرّجل يليط حوضه ليسقى ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم ، وقيل : هم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا؟ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) عن القمىّ ذلك في آخر الزّمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلّهم في مكانهم لا يرجع أحد الى منزله ولا يوصى بوصيّة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) اعنى النّفخة الثّانيّة وقد سبق في سورة المؤمنون بيان وتفصيل للصّور والنّفخ ، ولمكث الخلائق بين النّفختين ، وكيفيّة النّفخ واحيائهم (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) اى من القبور التّرابيّة أو من القبور البرزخيّة ، عن الباقر (ع) : انّ القوم كانوا في القبور فلمّا قاموا حسبوا انّهم كانوا نياما (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يسرعون (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) نسب الى علىّ (ع) انّه قرأ من بعثنا بمن الجارّة والمصدر (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) قالوها تحسّرا وفي حديث الباقر (ع) : السّابق : قالت الملائكة : هذا

٢٩٠

ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون (إِنْ كانَتْ) اى النّفخة أو البعثة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هي النّفخة الاخيرة (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) بيان لتسهيل امر البعث واستغنائه عن الأسباب (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) يعنى انّ أصحاب الجنّة فارغون من الحساب وفي شغل عظيم فخيم متلذّذون به بخلاف أصحاب الشّمال فانّهم في الحساب وفي العذاب معذّبون ، عن الصّادق (ع) : شغلوا بافتضاض العذارى (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ) اى السّرر المزيّنة جمع الأريكة وهي سرير في حجلة وكلّ ما يتّكأ عليه من سرير ومنصّة وفراش أو سرير منجّد مزيّن في قبّة أو بيت (مُتَّكِؤُنَ) عن الباقر (ع) انّه قال : قال رسول الله (ص) : إذا جلس المؤمن على سريره اهتزّ سريره فرحا (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) عظيمة لذيذة لا يمكن وصفها (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) ما يشتهون أو ما يتمنّون من قولهم ادع على ما شئت ، أو ما يدّعونه في الدّنيا من الجنّة ونعيمها بسبب ايمانهم ، أو ما يدّعونه في الدّنيا من لقاء الله (سَلامٌ) بدل من ما يدّعون أو خبر مبتدء محذوف اى هو سلام أو مبتدء خبر محذوف اى لهم سلام (قَوْلاً) حال موطّئة (مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) صفة قولا وهو فوق كلّ نعم الجنان (وَامْتازُوا) اى يقال امتازوا (الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) يعنى بعد ما جمعهم الله يؤمر أهل الجنّة بالدّخول في الجنّة ويقال لأهل النّار : امتازوا عن أهل الجنّة ، عن القمىّ : إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على اقدامهم حتّى يلجمهم العرق فتنادوا : يا ربّ حاسبنا ولو الى النّار قال : فيبعث الله عزوجل رياحا فتضرب بينهم وينادى مناد : وامتازوا اليوم ايّها المجرمون فيميّز بينهم فصار المجرمون في النّار ، ومن كان في قلبه الايمان صار الى الجنّة (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) حال أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول ، أو ابتداء كلام من الله للحاضرين (يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) عبادة طاعة كعبادة أكثر النّاس له فيما يأمره وينهاه ، أو عبادة عبوديّة كعبادة الابليسيّة (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي) عبادة طاعة في طاعة خلفائي وعبادة عبوديّة بالاستكانة لي (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) قرئ جبلّا بكسر الجيم والباء وتشديد اللّام ، وقرئ جبلا بضمّ الجيم وسكون الباء وتخفيف اللّام ، وقرئ بضمّ الجيم والباء وتشديد اللّام ، وقرئ جبلا بضمّهما وتخفيف اللّام ، ومعنى الجميع الخلق والخلق الكثير (كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) عن الباقر (ع) وليست تشهد الجوارح على مؤمن انّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب ، فامّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عزوجل (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) يعنى مسخنا أعينهم في الدّنيا حتّى لا يبصروا في الدّنيا أو مسخنا أعينهم في الآخرة (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) للسّلوك عليه (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) الطّريق وما فيه فضلا عن غيره (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) بتبديل صورهم الانسانيّة الى الصّور الاخر (عَلى مَكانَتِهِمْ) على منزلتهم أو ثابتين في أمكنتهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) ولا رجوعا (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) اى في خلقته بان نجعل أعضاءه وقواه في الانتقاص ، أو ننكّسه بين الخلق بان نجعله منحنيا أو منتقصا من أعضائه وقواه والجملة حاليّة لتأييد القدرة على الطّمس والمسخ (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أفلا يتنبّهون فيصيرون عقلاء ، أو أفلا يتفكّرون فيعقلون انّ الانتقاص في الخلقة ينتهى الى الفناء (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ)

٢٩١

حتّى يكون القرآن الّذى يجرى على لسانه شعرا موزونا مقفّى ، أو كلاما شعريّا لا حقيقة له وكان يتزيّن بتمويهات وتخييلات لا حقيقة لها ، فانّ الشّعر يطلق على الكلام الموزون ، وعلى الكلام الشّعرىّ الّذى يكون باطلا وظاهرا بصورة الحقّ بتمويهات وتزيينات ، ونسبوا كليهما اليه ، ولمّا كان الشّعراء في أغلب الأمر بقوّة فصاحتهم وطلاقة لسانهم يأتون بكلام منظوم أو منثور يجذب قلوب السّامعين ورأوا منه مثل ذلك قالوا : انّه شاعر وكلامه شعر ، ولمّا أرادوا ان يقولوا انّ كلماته محض تخييلات من غير حقيقة له قالوا : انّه شاعر كما قالوا : انّه مجنون يعنى انّه آت بكلام مموّه لا حقيقة له كما انّ المجنون يأتى بكلام لا حقيقة له لكن فرق بين الشّاعر الآتي بالكلام المموّه ، والمجنون الآتي بالكلام الظّاهر ـ البطلان الغير المموّه ، ولا يستفاد من هذا ذمّ الشّعر على الإطلاق بل ذمّ ما أرادوا من نسبة الشّعر اليه (ص) ، فانّه (ص) مدح الشّعر وأصغى الى الشّعراء ومدح الحسّان بن ثابت ، وروى انّه كان يتمثّل بقول الشّعراء لكن كان يغيّر الشّعر ولم يأت به موزونا ولكنّ الرّواية من طريق العامّة وقد نسب الى ائمّتنا (ع) اشعار كثيرة ونسب إليهم (ع) انّهم كثيرا ما كانوا يتمثّلون بالاشعار وكانوا يصلون الى من كان يقول فيهم شعرا (وَما يَنْبَغِي لَهُ) يعنى انّا لم نعلّمه كلاما شعريّا ولم يكن شأنه ان نعلّمه ذلك ولم يكن بنفسه ان يأتى بذلك (إِنْ هُوَ) اى القرآن الجاري على لسانه (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ) كلام جامع لطرفى الدّنيا والآخرة ولأحكام القالب والقلب والرّوح (مُبِينٌ) ظاهر صدقه وجامعيّته ، أو مظهر لصدقه وجامعيّته بمضامينه (لِيُنْذِرَ) القرآن أو محمّد (ص) (مَنْ كانَ حَيًّا) بالفطرة كما عن علىّ (ع) انّه فسّره بمن كان عاقلا يعنى من كان حيّا بالحيوة الانسانيّة بان كان حبل الله فيه ظاهرا غير منقطع ولا محتجب تحت حجب الاهوية ، أو من كان حيّا بالحيوة التّكليفيّة الحاصلة بالبيعة الخاصّة الولويّة المورثة للحبل من النّاس ، وإنذار الحىّ ليس الّا من جهة كفره السّاتر لذينك الحبلين (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) بدخول النّار (عَلَى الْكافِرِينَ) لم يقل ويعذّب أو يورث العذاب للاشعار بانّ العذاب ليس من قبل الله ولا من قبل خلفائه انّما هو من قبلهم وناش من سوء أعمالهم ، والخلفاء لمّا كانوا موازين للعباد وأعمالهم كانوا مظهرين بسوء أعمالهم ولواحقها (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) يعنى ملائكتنا العمّالة فانّهم أيدي الله (أَنْعاماً) خصّ الانعام بالذّكر من جملة ما ينتفع الإنسان في معاشه أو معاده به لما فيها من المنافع المعاشيّة من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب فهي نافعة له في جميع جهات معاشه دون غيرها وينتفع بها في جهات معاده (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) بخلاف سائر ما ينتفع به من أنواع النّبات والأشجار والمعادن فانّ أكثرها غير مملوكة لهم (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) بحيث تنقاد لصبيانهم (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) من ألبانها ولحومها (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) أخر من منافع ظهرها واشعارها وأوبارها وأصوافها وجلودها (وَمَشارِبُ) من ألبانها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) اى الا ينظرون الى ذلك؟! ولا يتفكّرون انّ خلق أمثال ذلك مشتملة على ما يناسب الجهة الّتى ينبغي ان ينتفع الإنسان بها ليس الّا من عليم حكيم بصير قدير مدبّر ذي عناية بالإنسان فلا يشكرون تلك النّعم؟! (وَاتَّخَذُوا) عطف على فلا يشكرون يعنى أفلا يشكرون؟! بل يكفرون بان اتّخذوا ، أو عطف على مجموع أفلا يشكرون يعنى انّهم لا يشكرون البتّة وينبغي ان يشكروا واتّخذوا بدلا من الشّكر (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) كفرانا به وبنعمه ، ويجوز ان يكون عطفا على لم يروا أو على أولم يروا (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) بالآلهة مع انّ الله ناصرهم في جليلهم وحقيرهم ومعطيهم في قليلهم وكثيرهم (لا يَسْتَطِيعُونَ) جواب سؤال مقدّر أو صفة لآلهة (نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يعنى انّهم جند للآلهة وينصرون الآلهة لا انّ الآلهة ينصرونهم ومحضرون

٢٩٢

عند الآلهة كأنّ الشّياطين أو نفوسهم تحضرهم عند الآلهة والآلهة لعابديهم جند فانّها اتباع اهويتهم وآثارها محضرون في النّار ، أو العابدون جند للآلهة محضرون معهم في النّار (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) في الله أو فيك أو في خلافة خليفتك والأخير هو المراد لانّه غاية الرّسالة (إِنَّا نَعْلَمُ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل (ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فلا تبال بما قالوا فانّا قادرون وسامعون لأقوالهم وعالمون بما ينوون ويستحقّون (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) قدرة جماد من أضعف الأشياء (فَإِذا هُوَ) رجل قادر قوىّ ناطق (خَصِيمٌ) يعنى ذو عقل وعلم ونطق وقدرة وقوّة على الدّفع (مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) هو قوله من يحيى العظام بعد أخذها وتفتيتها (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من نطفة بلا سبق اثر منه والحال انّ إحياءه بعد بقاء روحه وسائر آثاره من المادّة والبدن المثالىّ والنّفس الحيوانيّة والنّفس الانسانيّة والرّوح والعقل أسهل (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) من دون اثر منها (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) فيعلم ما بقي منها ممّا ذكرنا ويعلم كيفيّة وصلها وفصلها ووضعها في مواضعها.

اعلم ، انّ الإنسان له بدن طبيعىّ هو مركب لبدنه المثالىّ وله بدن مثالىّ هو مركب لنفسه الحيوانيّة وهي مركب لنفسه الانسانيّة وهي مركب لروحه وعقله ، والباقي منه هو عقله وروحه ونفسه الانسانيّة ونفسه الحيوانيّة وبدنه المثالىّ والفاني منه هو بدنه الطّبيعىّ وهو مادّة معتبرة في الإنسان بنحو الإبهام ، وانّما التّشخّص والتّحصّل له ليس الّا بتلك المراتب الباقية ، ألا ترى انّ بدنه الطّبيعىّ من اوّل استقرار نطفته الى آخر عمره في الفناء والانحلال والبتّة لا يبقى منه شيء الى آخر عمره ومع ذلك هو هو من غير تبدّل لشخصيّته وتحصّله ، وذلك لما كرّرنا ذكره انّ شيئيّة الشّيء هي فعليّته الاخيرة وما ـ سوى فعليّته الاخيرة مأخوذة بنحو الإجمال في شخصيّته ، وفي الاخبار اشعار بما ذكر فانّه ورد عنهم (ع) : انّ اجزاءه الاصليّة تبقى مستديرة عند صدره يعنى انّ اجزاءه الغير الاصليّة غير معتبرة فيه بنحو التّفصيل ، وعن الصّادق (ع) : انّ الرّوح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق ، وما تقذف به السّباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته كلّ ذلك في التّراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وانّ تراب الرّوحانيّين بمنزلة الذّهب في التّراب ، فاذا كان حين البعث أمطرت الأرض مطر النّشور فتربوا الأرض ثمّ تمخض مخض السّقاء فيصير تراب البشر كمصير الذّهب من التّراب إذا غسل بالماء ، والزّبد من اللّبن فيجمع تراب كلّ قالب الى قالبه فينتقل بإذن الله القادر الى حيث الرّوح فتعود الصّور بإذن المصوّر كهيئتها وتلج الرّوح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ، وعنه (ع) في نزول الآية قال : جاء ابىّ بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه ثمّ قال : يا محمّد (ص) إذا كنّا عظاما ورفاتا أئنّا لمبعوثون خلقا؟ فنزلت (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) هو الشّجر المرخ يؤخذ منه عود ان فيسحق بأحدهما الآخر فيوقد النّار ، ويسمّى العود الأعلى زندا والاخرى السّفلى زندة (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ابتداء فكيف بهم اعادة (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ) شأنه الخلق كثيرا ابتداء واعادة (الْعَلِيمُ) بكلّ ما يلزم خلق الخلق في الابتداء أو الاعادة ، عن الصّادق (ع) : وامّا الجدال بالّتى هي أحسن فهو ما امر الله به نبيّه (ص) ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له فقال حاكيا : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه (الآية) فأراد من نبيّه (ص) ان يجادل المبطل الّذى قال : كيف يجوز ان يبعث هذه العظام وهي رميم؟!

٢٩٣

قال : قل يحييها الّذى انشأها اوّل مرّة أفيعجز من ابتداؤه لا من شيء ان يعيده بعد ان يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثمّ قال : الّذى جعل لكم من الشّجر الأخضر نارا اى إذا كمن النّار الحارّة في الشّجر الأخضر الرّطب ثمّ يستخرجها فعرّفكم انّه على اعادة من بلى اقدر ثمّ قال : أو ليس الّذى خلق السّماوات والأرض بقادر (الآية) اى إذا كان خلق السّماوات والأرض أعظم وابعد في أوهامكم وقدركم ان تقدروا عليه من اعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من اعادة البالي (إِنَّما أَمْرُهُ) اى شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قد مضى في أوائل البقرة عند قوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما يغني عن بيان هذه الآية (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) قد مضى في سورة هود عند قوله تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) ما يغني عن بيان هذه الكلمة ، وهكذا مضى بيان اجمالىّ لها في سورة المؤمنون عند نظير الآية (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قد مضى مكرّرا هذه الكلمة.

سورة الصّافات

مكّيّة كلّها ، مائة واحدى وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) اقسم تعالى بأصناف الملائكة فانّ الملائكة أصناف ، صنف يقال لهم المقرّبون والمهيّمون والقيام لا ينظرون وهم العقول الطّوليّة بلسان الفلاسفة ، وصنف يقال لهم الأرواح وأرباب الأنواع وأرباب الطّلسمات وإليهم الاشارة في الاخبار بقولهم (ع) : انّ في العرش لديكا إذا صاح صاحت الدّيكان في الأرض ، وانّ في العرش لثورا وهم العقول العرضيّة بلسان الفلاسفة وهم صفوف عند الله ، ولكونهم صفوفا سمّوهم العقول العرضيّة اقسم الله تعالى بهم ، وقيل : المراد مطلق الملائكة والأنبياء ومن صفّ لله وعبده ، وقيل : المراد بهم الملائكة تصفّ أنفسها صفوفا في السّماء كصفوف المؤمنين في الصّلوة ، أو تصفّ أجنحتها في الهواء إذا أرادت النّزول الى الأرض ، وقيل : المراد المؤمنون يقومون مصطفّين في الصّلوة وفي الجهاد ، وصنف يقال لهم النّفوس الكلّيّة والنّفوس الجزئيّة وهنّ المدبّرات امرا وهم الملائكة ذووا الاجنحة ، وهم الملائكة الّذين يدبّرون الطّبائع والمواليد ويزجرون الطّبائع بقسرها على خلاف طبيعتها ، بفصلها عن أحيازها ، ووصلها بغير أجناسها ، وحبسها مع غير جنسها ، كما في المواليد ، وحركتها على خلاف طبائعها كما في الفلكيّات ، ويزجرون المكلّفين من الجنّة والنّاس كما ورد انّ لكلّ إنسان ملكا يزجره ، وقيل : هم الملائكة الموكّلة بالسّحاب تزجرها وتسوقها ، وقيل : المراد زواجر القرآن وآياته النّاهية ، وقيل : المراد المؤمنون يصيحون عند قراءة القرآن لانّ الزّجرة الصّيحة ، وصنف من الملائكة ينزلون على الأنبياء والأوصياء (ع) بأحكام العباد وهم الملائكة الموكّلون على العلوم والوحي ، وهم التّالون ذكرا عظيما

٢٩٤

على الأنبياء (ع) ، أو المراد الملائكة النّازلة على المؤمنين بالبشارة بعد ظهور السّكينة عليهم ، والسّكينة عليهم ، والسّكينة هي الذّكر العظيم فيكون التّالى من التّلو ، وقيل : المراد الملائكة الّذين يتلون كتاب الله الّذى كتبه لملائكته وفيه ذكر الحوادث فيزيدون يقينا بوجود المخبر على وفق الخبر ، وقيل : المراد المؤمنون يقرؤن القرآن في الصّلوة (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) وحدة خارجة من الوحدات المعروفة بل وحدة لا يبقى كثرة الّا وتكون فانية فيها ، ولا يكون فيها شوب كثرة بوجه من الوجوه بخلاف الوحدة الجنسيّة فانّها في عين الوحدة تكون فيها كثرة الأنواع والأصناف والأشخاص والتّركيب ولا اقلّ من الوجود والمهيّة والوجوب والإمكان وهكذا حال الوحدة النّوعيّة والصّنفيّة والشّخصيّة ، وبخلاف الوحدة العدديّة الّتى لها ثان ومقابل ، وبخلاف الوحدة الاجتماعيّة الطّبيعيّة أو الصّناعيّة أو الاعتباريّة الّتى ليس فيها الّا الكثرة ، وبخلاف الوحدة الاتّصاليّة الطّبيعيّة أو الصّناعيّة أو الاعتباريّة (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من أصناف الملائكة والكواكب وأصناف المواليد (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) جمع مشرق الكواكب فانّ كلّ كوكب له مشرق خاصّ به ، بمعنى انّ قطعة من الفلك تكون في مدّة دوره مشرقا له ويكون له في كلّ يوم بل في كلّ آن أيضا مشرق خاصّ به ، أو جمع المشرق بمعنى ذي الضّياء فانّ الكواكب كلّها مشرقة امّا بذواتها كالشّمس ، أو بكسبها الضّوء من مشرق آخر كالقمر ، وبحسب التّأويل كلّ مرتبة عالية بالنّسبة الى دانيتها مشرق للشّمس الحقيقيّة ، وكلّ مرتبة عالية متلألئة ومشرق بالنّسبة الى دانيتها والمراتب غير متناهية فالمشارق بهذا المعنى غير متناهية (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل ، أو في مقام بيان الحال والمراد بالسّماء الدّنيا السّماء الطّبيعيّة لا السّماء الدّنيا الى الأرض بالنّسبة الى سائر السّماوات فلا ينافي كون أكثر الكواكب في السّماء الثّامنة ، أو المراد بالسّماء الدّنيا عالم المثال وسماواته ، أو المراد الصّدر المنشرح بالإسلام ، والمراد بالكواكب الكواكب المضيئة الطّبيعيّة أو كواكب القوى والمدارك الجزئيّة والكلّيّة في مراتب نفس العالم الكبير أو نفس العالم الصّغير ، والمدارك المستنيرة بنور الإسلام والايمان مانعة للشّياطين من العروج الى تلك السّماوات والتّصرّف فيها كما قال تعالى (وَحِفْظاً) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : زيّنّاها للزّينة وللحفظ ، أو عطف على مقدّر كأنّه قال : زيّنّاها زينة وحفظا ، أو مصدر لمحذوف معطوف على زيّنّا (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة أقدم وعتا ، أو بلغ الغاية الّتى يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصّنف ، ومرده قطعه ومزّق عرضه ، وعلى الشّيء مرن وقد مضى بيان الشّيطان في اوّل الكتاب في تفسير الاستعاذة وسبق في سورة الحجر كيفيّة ردع الشّياطين بالشّهب (لا يَسَّمَّعُونَ) لا يستمعون يعنى لا يقدرون على الاستماع (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) لا انّهم لا يريدون الاستماع بقرينة ما يأتى وذلك انّهم ظلمانيّون بفطرتهم والملأ الأعلى نورانيّون بفطرتهم ولا يقدر الظّلمة على قرب النّور والّا بطل ذاتها (وَ) إذا أرادوا استراق السّمع (يُقْذَفُونَ) اى يرمون بالشّهب الّتى هذه الشّهب المحسوسة أنموذج منها وصورتها والّا فالشّهب الّتى يرمون بها شهب مناسبة لعالمى المثال يعنى عالم الجنّ وعالم الملائكة (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) اى من جوانب السّماء أو من جوانبهم إذا قصدوا صعود ـ السّماء المحسوسة فانّها لكونها مظهرا لسماء عالم الملائكة لا يقدرون على الصّعود إليها الّا بنحو استراق السّمع فانّهم يصعدون الى قربها لاستراق السّمع ، وهكذا إذا قصدوا صعود سماء عالم المثال الكلّىّ وعالم المثال الجزئىّ الانسانىّ ، ولمّا كان عالم الإنسان نسخة مختصرة من العالم فلينظر المراقب المجاهد ولير صعود الشّياطين الى مقام صدره ولير شهب تذكّراته وطردهم بها عنه حتّى يعلم كيفيّة صعودهم الى سماء العالم الكبير وطردهم عنها بشهبها (دُحُوراً) الدّحر والدّحور بضمّ الدّال الطّرد والابعاد والدّفع وهو مفعول له أو حال بجعله بمعنى مدحورين أو بحمله على الذّات مبالغة ، أو بتقدير ذوي

٢٩٥

دحور أو بجعله مفعولا مطلقا لفعله المحذوف وجعل المحذوف حالا ، أو مستأنف بتقدير فعله (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) وصب مرض ودام وثبت يعنى لهم عذاب واصب مطلقا أو بعد استراق السّمع وطردهم عن السّماء بالشّهب (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) اى اختلس المسموع أو السّماع (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) يثقبهم بنفسه أو يثقب الجوّ بضوئه (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الملائكة والجنّ والسّماوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشّهب (إِنَّا خَلَقْناهُمْ) من أضعف شيء يعنى (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) اى لازق فهم أضعف من أكثر المخلوق بحسب المادّة وأصغر بحسب الصّورة وأهون بحسب القوّة وهم يشركون بنا ويعصون ، وغيرهم مع قوّتهم وعظمهم يوحّدوننا ويطيعوننا (بَلْ عَجِبْتَ) قرئ بالخطاب وبالتّكلّم ، والاضراب عن الأمر باستفتائهم بمعنى انّه لا ينبغي الاستفتاء لعدم الحاجة اليه بل ينبغي التّعجّب منهم ومن حالهم ، وادّاه بالماضي المتحقّق للاشعار بشدّة اقتضاء المقام ذلك كأنّه قد وقع (وَيَسْخَرُونَ) والحال انّهم يسخرون منك أو من الله أو من توحيد الله أو ممّن يوحّد الله (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) هذه الجملة مع الجملة السّابقة والجمل الآتية حالات من عجبت وهي المتعجّب منها (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) معجزة أو آية من الآيات العظمى الّذين هم الأنبياء والأولياء (ع) أو آية من آيات الكتاب التّدوينىّ أو إذا رأوا آية في عالمهم الصّغير (يَسْتَسْخِرُونَ) يبالغون ويشتدّون في السّخريّة بها أو بصاحب الآية (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أَإِذا مِتْنا) قالوا ذلك تعجّبا من هذا القول (وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون (فَإِنَّما هِيَ) اى البعثة أو البعث والتّأنيث باعتبار المسند (زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) اى صيحة واحدة هي النّفخة الثّانيّة (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) يبصرون أو ينتظرون الحساب أو ينتظرون ما يفعل بهم (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) يوم المجازاة (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من قول بعضهم لبعض أو من قول الله عزوجل أو الملائكة (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) حال أو مستأنف بتقدير القول ، واصل الظّلم الظّلم لآل محمّد (ص) وكلّما نشأ من هذا الظّلم فهو ظلم ، واوّل الظّلم لآل محمّد (ص) هو ستر الولاية التّكوينيّة الّتى هي حبل من الله وينشأ منه الظّلم التّكليفىّ وترك الولاية التّكليفيّة ، وفسّر الظّلم هاهنا بظلم آل محمّد (ص) (وَأَزْواجَهُمْ) المناسبات لهم (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) استعمال الهداية للتّهكّم بهم (وَقِفُوهُمْ) في الموقف (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن ما فعلوا أو عن النّبأ العظيم الّذى هو ولاية أمير المؤمنين (ع) كما فسّر به ، نسب الى النّبىّ (ص) والى الباقر (ع) في تفسيره انّه لا يجاوز قدما عبد حتّى يسأل عن اربع : عن شبابه في ما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من اين جمعه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت (ع) (ما لَكُمْ) جواب سؤال بتقدير القول (لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) منقادون لحكم الله أو للعذاب أو مسلّمون بعضهم بعضا (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) اى التّابعون (عَلى بَعْضٍ) اى المتبوعين : أو اقبل كلّ بعض على كلّ بعض (يَتَساءَلُونَ) يسألون ويجابون (قالُوا) اى الاتباع (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) الجملة بدل عن قوله بتساءلون أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو حال والمراد بالإتيان الإتيان بصورة اعمال ـ الدّين وبصور أوامر الله ونواهيه فانّ النّظر الى رؤساء الضّلالة الّذين ادّعوا الدّين والايمان والامامة ورياسة الدّين من غير اذن واجازة فانّهم منعوا عباد الله الّذين فطرتهم فطرة الايمان والإسلام عن طلب الدّين وطلب من يأخذ دينهم عنه

٢٩٦

فانّهم لو تركوهم لجالوا حتّى يجدونا كما في خبر (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لانّكم كنتم على صورة الإسلام من غير الإتيان بشروطه وعهوده ولم تكونوا على الايمان الحقيقىّ ولا على الإسلام الحقيقىّ بل كنتم منتحلين بصورة الإسلام والايمان الفطرىّ الّذى هو حبل من الله لم يكن يكفى بدون الإسلام التّكليفىّ والايمان التّكليفىّ الّذى هو حبل من النّاس (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) سلطنة على باطنكم وايمانكم وحجّة واضحة لظاهركم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) عن الامام والايمان وكنّا ندعوكم الى الضّلال فجعلتم صورة دعوتنا الّتى كانت بصورة اعمال الدّين خديعة لنفوسكم ووسيلة لمآربكم النّفسانيّة (فَحَقَّ عَلَيْنا) اى علينا وعليكم (قَوْلُ رَبِّنا) بالعذاب (إِنَّا لَذائِقُونَ) اى العذاب والجملة بمنزلة النّتيجة لسابقها (فَأَغْوَيْناكُمْ) الفاء للسّببيّة (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) في موضع التّعليل (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا في الغواية مشتركين (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) بمطلق المجرمين أو بهذا الصّنف من المجرمين يعنى المشركين (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن سماعه وقبوله (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) من غير تحقيق لقوله ودينه ومن غير تعمّق في وصف آلهتهم ودينهم (بَلْ) ليس بشاعر يأتى بالباطل بتمويه الحقّ ولا بالخيالات الفاسدة بصورة المعقولات الحقّة وليس بمجنون مخبّط كما سوّلت لكم أنفسكم ولكن (جاءَ بِالْحَقِ) يعنى كلّما يأتى به من الأقوال والأفعال والأحكام من الله كان حقّا (وَ) دليل حقّيته انّه (صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) الّذين اعتقدتموهم (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ وَما تُجْزَوْنَ) في ذلك الذّوق (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بنفسه على تجسّم الأعمال أو بجزائه (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع ان كان الخطاب خاصّا بالمشركين أو متّصل ان كان لجملة العباد (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) يعلمه الخدم لهم من الملائكة والغلمان والحور (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) بحسب الرّزق والمسكن والمقام والمعاشر (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) فيها خمر (مِنْ مَعِينٍ) من شراب معين أو نهر معين اى جار سائل ، شبّه حالهم في الجنّة بحال أهل الدّنيا وشربهم الخمر (بَيْضاءَ) بخلاف خمر الدّنيا فانّها حمراء كدرة (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مصدر أو وصف تأنيث لذّ بمعنى اللّذيذ (لا فِيها غَوْلٌ) بخلاف خمر الدّنيا فانّ فيها غول الصّداع والخمار (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) نزف كعني ذهب عقله أو سكر ، وقيل المعنى لا هم عنها يطردون (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) يقصرن اطرافهنّ على أزواجهنّ لا يتجاوزنها الى غيرهم كبعض أزواج الدّنيا (عِينٌ) جمع عيناء مؤنّث أعين ، عين كفرح عظم سواد عينه في سعة وفسّر بشدّة سواد العين في شدّة بياضها (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) عن الاغبرة (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ادّاه بالماضي اشارة الى تحقّق وقوعه أو لانّه كان واقعا بالنّسبة الى محمّد (ص) (يَتَساءَلُونَ) يتحادث كلّ لكلّ أو يسأل بعضهم ويجيب بعضهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) بدل من اقبل بعضهم أو من يتساءلون أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) اى قال القائل لجلسائه : هل أنتم مشرفون سأل اشرافهم على أهل النّار ليطّلعوا على حال قرينة أو قال الله : هل

٢٩٧

أنتم مشرفون على أهل النّار يعنى أشرفوا أو قال قائل قول انّى كان لي قرين لندمائه بطريق السّؤال هل أنتم مطّلعون على حاله حتّى تخبرونى بحاله (فَاطَّلَعَ) القائل (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) اى وسطها (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) انّه كدت لتردينى (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) اى ولاية ولىّ أمري فانّها النّعمة حقيقة أو انعام ربّى بالولاية (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) في العذاب معك (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) يستهزئ بالقرين بردّ قوله عليه وانكار ما كان يقوله في الحيوة الدّنيا (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) من الحيوة الدّنيا يعنى رأيت موتات بعد موتتك الاولى الّتى كانت تقول ليس موتة الا موتتنا الاولى وقد مضى في اوّل البقرة عند قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) فأحياكم تفصيل للموتات والاحيائات (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا) المقام الّذى للمؤمن القائل أو هذا النّعيم أو هذا الحجاج (١) والالتذاذ بالغلبة (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهذا الكلام من المؤمن القائل أو من الله (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً) اشارة الى المشار اليه الاوّل والإتيان باسم الاشارة البعيدة لتفخيمه (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) الزّقّوم كتنوّر شجرة بجهنّم ونبات بالبادية له زهر يا سمينىّ الشّكل وطعام أهل النّار وشجرة باريحاء ولها ثمر كالتّمر حلو عفص ولنواه دهن عظيم المنافع في علاج الأمراض البلغميّة والرّياح الباردة ويقال أصله الا هليلج الكابلي نقلته بنو أميّة وزرعته باريحاء ولمّا تمادى غيّرته ارض أريحا عن طبع الإهليلج ، والزّقم ، اللّقم ، والتّزقّم ، التّلقّم كذا في القاموس (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) روى انّ قريشا لمّا سمعت هذه الآية قالت : ما نعرف هذه الشّجرة قال ابن الزّبعرى : الزّقوم بكلام البربر التّمر والزّبد وفي رواية بلغة اليمن ، فقال ابو جهل لجاريته يا جارية زقّمينا ، فاتته الجارية بتمر وزبد فقال لأصحابه : تزقّموا بهذا الّذى يخوّفكم به محمّد (ص) فيزعم انّ النّار تنبت الشّجر والنّار تحرق الشّجر فأنزل الله سبحانه هذه الآية انّا جعلناها فتنة للظّالمين (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) في تناهي القبح فانّه كما يشبّه المتناهى في الحسن من الإنسان بالملك والحور يشبّه المتناهى في القبح بالشّياطين والعفاريت (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) لغاية جوعهم وشدّة احتياجهم الى الاكل (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً) مايعا هو الغسّاق أو الصّديد خليطا (مِنْ حَمِيمٍ) ماء حميم يقطّع امعائهم (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) لتتميم العذاب وتغليظه فانّ الزّقّوم وهذا الشّراب هو نزلهم الّذى يعدّ لهم في اوّل ورودهم (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) في موضع التّعليل يعنى انّهم وجدوا آباءهم على غير الطّريق الّذى يوصل الى الجنان ومعذلك اتّبعوهم فاستحقّوا بذلك هذا العذاب (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) يسرعون مع علمهم بانّهم ضالّون ، والإتيان بالاهراع المبنىّ للمفعول الّذى هو بمعنى كونهم محمولين على الاسراع والاضطراب للاشارة الى انّهم ما تثبّتوا في ذلك التّقليد كأنّ نفوسهم أخذت الاختيار منهم وحملتهم على التّقليد من غير ملاحظة حجّة وبرهان وهو ذمّ آخر لهم (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) المكذّبين وهذا بايّاك اعنى واسمعي يا جارة يعنى انّ قومك ينبغي ان ينظروا الى مكذّبى الأنبياء السّلف حتّى يعتبروا بحالهم ويخافوا من عاقبة تكذيبك (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع أو متّصل باعتبار المعنى كأنّه قال : كان عاقبة النّاس أسوء عاقبة الّا عباد الله المخلصين اى المصدّقين للأنبياء (ع) (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) شروع في بيان حال المنذرين

__________________

(١) ـ الحجاج كقتال مصدر بمعنى المحاجة.

٢٩٨

والمنذرين تتميما للتّهديد وتسلية للرّسول (ص) يعنى نادينا بالدّعاء على قومه بعد ما تمادوا في التّكذيب والإنكار والإيذاء بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) يعنى فأجبناه فو الله لنعم المجيبون نحن (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) اى أذى قومه ومن الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) في المجمع عن ابن عبّاس وقتادة ، فالنّاس كلّهم بعد نوح (ع) من ولد نوح فالعرب والعجم من أولاد سام بن نوح والتّرك والصّقالبة والخزر ويأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح ، والسّودان من أولاد حام بن نوح قال الكلبىّ : لمّا خرج نوح (ع) من السّفينة مات من كان معه من الرّجال والنّساء الّا ولده ونساءهم الى هاهنا كلام المجمع ، لكن عن الباقر (ع) في هذه الآية يقول : الحقّ والنّبوّة والكتاب والايمان في عقبه وليس كلّ من في الأرض من بنى آدم من ولد نوح (ع) قال الله عزوجل في كتابه احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك الّا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه الّا قليل وقال أيضا ذرّيّة من حملنا مع نوح ، فالقول معنى الآية على هذا جعلنا ذرّيّته هم الباقين بالكتاب والنّبوّة وان كان غيرهم أيضا باقين بالحيوة الحيوانيّة (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) الّذين أتوا بعده جاريا على ألسنتهم (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) سلام على نوح مفعول تركنا أو هو مستأنف من الله ومفعول تركنا محذوف اى تركنا عليه في الآخرين المدح والثّناء له وفي العالمين متعلّق بقوله على نوح على ان يكون خبرا لسلام أو بسلام أو هو ظرف مستقرّ خبر لسلام أو متعلّق بقوله تركنا عليه أو بدل من قوله في الآخرين والمعنى تركنا عليه في جميع العوالم ذلك وهذا معنى قول الأنبياء (ع) اجعل لي لسان صدق في الآخرين ويستفاد من بعض الاخبار انّ الله يقول تركت على نوح دولة الجبّارين يعنى تركت بعده على ضرره باعتبار وصيّته ووصيّه دولة الجبّارين الّذين تجبّروا على أوصيائه ويعزّى الله محمّدا (ص) بذلك وعلى هذا يكون قوله سلام على نوح مستأنفا من الله ، فانّه ورد عن الصّادق (ع) في حديث ؛ وبشّرهم نوح بهود (ع) وأمرهم باتّباعه وان يقيموا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدم (ع) فظهرت الجبريّة من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح (ع) الدّولة لحام ويافث وهو قول الله عزوجل وتركنا عليه في الآخرين ، يقول تركت على نوح دولة الجبّاريّن ويعزّى الله محمّدا (ص) بذلك ، قال في هذا الخبر وولد لحام السّند والهند والحبش ، وولد لسام العرب والعجم وجرت عليهم الدّولة وكانوا يتوارثون الوصيّة عالم بعد عالم حتّى بعث الله عزوجل هودا (ع) (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بترك لسان الصّدق لهم في الآخرين وبقاء العلم والكتاب والنّبوّة في عقبهم وبإعطاء البركة في عقبهم (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) يعنى من العباد المشرّف بتشريف الاضافة إلينا (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) عطف على نجّيناه (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) اى ممّن شايع نوحا في الرّسالة واجراء احكام الله على العباد وتحمّل أذى القوم والصّبر على الابتلاء بهم (لَإِبْراهِيمَ) هذا ظاهر الآية الشّريفة ويكون الشّيعة من المشايعة والاتّباع كما فسّرنا لفظها به ، وعن الباقر (ع) يهنئكم الاسم ، قيل وما هو؟ قال الشّيعة ، قيل : انّ النّاس يعيّروننا بذلك ، قال : اما تسمع قول الله تعالى وانّ من شيعته لإبراهيم وقوله : فاستغاثه الّذى من شيعته على الّذى من عدوّه لكن قد ورد من طريق الخاصّة اخبار كثيرة انّ المقصود انّ من شيعة علىّ (ع) إبراهيم (ع) وهذا ممّا يخصّ بفهمه من خوطب بالكتاب وسرّ ذلك ، كما ورد عن الصّادق (ع) انّ الله لمّا خلق إبراهيم (ع) كشف له عن بصره فرأى الأنوار الخمسة فقال : ما هذه الأنوار؟ فقال الله تعالى : هذه نور محمّد (ص) وعلىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) ورأى تسعة أنوار قد حفّوا بهم فقال : ارى تسعة أنوار قد حفّوا بهم فقال : هؤلاء الائمّة (ع) من ولد علىّ (ع) وفاطمة (ع) وسمّاهم

٢٩٩

له ، فقال إبراهيم : الهى وسيّدى ارى أنوارا قد احدقوا بهم لا يحصى عددهم الّا أنت ، قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين (ع) فعند ذلك قال إبراهيم : اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين (ع) قال ، فقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ).

اعلم ، انّ جميع الأنبياء والمرسلين (ع) وجميع الأوصياء والصّالحين من جملة شيعة أمير المؤمنين (ع) فانّه بعلويّته ومقام ولايته الكلّيّة امام الكلّ حتّى رسولنا الختمىّ (ص) من حيث رسالته لا من حيث ولايته فانّه (ص) متّحد مع علىّ (ع) من حيث ولايته كما مضى مكرّرا انّ الولاية الكلّيّة روح للنّبوّة والرّسالة كلّيّة كانت أو جزئيّة وروح للولايات الجزئيّة تماما ، وعلى هذا يجوز ان يكون الشّيعة من شاع بمعنى اتّبع ، ويجوز ان يكون من الشّعاع ويكون أصله شعّه بتشديد العين ثمّ خفّف بابدال العين الاوّل ياء كما في أحسست وأحسيت (إِذْ جاءَ) ظرف للخبر (رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قد مضى في سورة الشّعراء بيان للقلب السّليم (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) بدل من إذا لاولى أو ظرف لجاء أو لسليم (وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) حتّى صرفتم عنه الى المصنوع الّذى صنعتموه بأنفسكم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) فرأى نظراتها (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) ورد في الخبر انّ إبراهيم (ع) كذب ثلاث كذبات : قوله ، انّى سقيم وقوله ، بل فعله كبيرهم هذا وقوله ، في سارة انّها أختي والمقصود انّه كذب في الظّاهر ولم يكن منه كذب لانّه أراد الإصلاح والمصلح ليس بكاذب ، أو انّه ورّى عن ذلك كلّه فانّه نظر في النّجوم ونظر الى حركاتها وافنائها بحركاتها لكلّ حادث فقال : انّى سأسقم يعنى سأموت ونظر في النّجوم فرأى انّ نوبة حمّاه قريبة فقال : انّى سقيم يعنى انّ نوبة حمّاى قريبة ، أو نظر في النّجوم إيهاما لهم انّه يحاسب مثلهم ويحكم بنظرات النّجوم فقال : انّى سقيم إيهاما لهم وكان مقصوده انّى سقيم غير كامل بعد في الانسانيّة فانّه لم يكن بعد له مقام الامامة الّتى هي كانت آخر مقاماته ، أو كان مقصوده انّى سقيم القلب حزينه ممّا تفعلونه من عبادة ما لا ينفعكم ولا يضرّكم ، وعن الصّادق (ع) انّه حسب فرأى ما يحل بالحسين (ع) فقال : انّى سقيم لما يحلّ بالحسين (ع) وعن الصّادقين (ع) والله ما كان سقيما وما كذب ، وقيل : كان أغلب اسقامهم الطّاعون وكانوا يخافون السّراية فقال : انّى سقيم لئلّا يخرجوه الى عيد لهم وكان موسم عيدهم حتّى يبقى مع الآلهة فيفعل بهم ما أراد من كسرهم (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) الى عيد لهم (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) راغ الرّجل مال (فَقالَ) لهم تهكّما بهم (أَلا تَأْكُلُونَ) الطّعام الّذى عندكم (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) ولا تجيبوني (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً) مفعول له لراغ ، أو مفعول مطلق لفعله المحذوف ، أو حال عن فاعل راغ (بِالْيَمِينِ) فكسرهم كلّهم الّا كبيرا لهم كما سبق في سورة الأنبياء (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) اى الى إبراهيم (ع) (يَزِفُّونَ) قرئ مبنيّا للفاعل من زفّ إذا أسرع ، ومبنيّا للمفعول من زفّ العروس الى زوجها إذا أهداها اليه (قالَ) لهم بعد ما وصلوا اليه (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) وتتركون الله الّذى ينبغي ان يعبد (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ما تصنعون من الأصنام وغيرها فانّ موادّها بخلقته وصنعها باقداره (قالُوا) بعد ما حاجّهم وحاجّوه كما سبق في سورة الأنبياء (ع) (ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) اى النّار الشّديدة (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) بإحراقه بالنّار (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) بابطال كيدهم وجعله حجّة عليهم (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) عن الصّادق (ع) يعنى بيت المقدّس وعن أمير المؤمنين (ع) في بيانه فذهابه الى ربّه توجّهه اليه عبادة واجتهادا وقربة الى الله

٣٠٠